الإعلام السعودى.. مستعمرة إخوانية

المصري اليوم

كثيرون يتهموننى بأننى أشير للإخوان كسبب وحيد للتخلف فى السعودية. تأكدوا أن الوهابية كانت، ولاتزال، موجودة، والسلفية التى أصفها بالتخلف كانت منتشرة، لكنها لم تكن لتؤثر على صناعة القرار السياسى مطلقا، أولاً: لأنها لا تعرف كيف يحاك التأثير. وثانياً: لأنها ترفض الحداثة لمجرد جهلها بالأمر بعد حياة مديدة فى صحارى ساكنة. مثلا، حين دخل الملك عبدالعزيز أوائل القرن العشرين إلى منطقة الحجاز، حيث كانت تستخدم تقنيات ذلك العصر كالتليغراف، فيما بقية مناطق الجزيرة لم تتعرف عليه بعد، رفض عدد من أتباعه (من أبناء القبائل الذين ساعدوه على فتح المناطق) أمر التليغراف، بحجة أنه كفر ومنتج غربى. كما رفضوا أن يعقد الملك علاقات مع دول كالولايات المتحدة، لأن روزفلت كافر. هذا ملخص الفكر السلفى الذى كان موجودا. أما النتيجة فاستخدام التليغراف رغما عنهم وإقامة علاقات مع الدول الأجنبية رغما عن تطرفهم بالطبع بعد معركة السبلة المعروفة بينهم وبين الملك عبدالعزيز ومؤيديه. هكذا تعامل عبدالعزيز آل سعود مع التطرف.

لكنه لم يكن تطرفا مجهزا له. بل نابعا عن جهل. أما التطرف الذى أتى به الإخوان، فهو احتلال مجهز له ومصحوب بمخططات واسعة لهدم المجتمعات الخليجية وتحويلها لثكنات إخوانية. وبالطبع لاقوا تأييدا سياسيا- وقتها- لأن الأنظمة كانت تحارب الناصرية واليسارية، وعلى مبدأ عدو عدوى صديقى، اعتبر تنظيم الإخوان صديقاً.

وتسلموا الإعلام. وتعلمنا معنى الرقابة على أيديهم. أشنع سنوات قمع الفكر والرأى. المقالات تنشر بعد أن تشوه ويحذف منها الكثير، الكتاب الوطنيون والليبراليون يمنعون من الكتابة فجأة ودون سابق إنذار لمقال لم يناسب هوى المسيطرين على الإعلام. حولوا الإعلام السعودى لعجوز يحاول العودة للحياة دون جدوى. فرغم وجود فئة من الصحفيين الشباب تسلموا مناصب تحريرية متقدمة، إلا أن الفكر مازال مسيطرا، وأتباعه متسيدون، خصوصا فى وزارة الإعلام. فماذا تنتظر يا وزير الثقافة والإعلام؟

قبل سنوات وظف الفكر الإخوانى وأتباع التنظيم المطارات السعودية لمتابعة كل صغيرة وكبيرة تدخل البلد، لا تعبر ورقة من الحدود الجوية أو البرية دون أن تخضع للرقابة ويتعامل معها موظف الجمارك كأنها حبة ممنوعات. ناهيك عن الكتب التى تدخل خلسة ويتداولها الأفراد خلسة. الكتب كانت خطرا قد يذهب صاحبها للجحيم وللمساءلة. وامتلأت أرفف المكتبات بكتب أغلبها إنتاج إخوانى بحت. عزل فكرى للمجتمع السعودى وإبقاؤه داخل دائرتهم أديا لكل ما نعانيه اليوم. كأننا تعرضنا لتنويم طويل، ثم أيقظتنا حرب الخليج وأحداث 11 سبتمبر.

عمل الإخوان على أسلمة الإعلام. مثلما استهدفوا أسلمة ميكى ماوس ذات مرة. أسلمة التليفزيون وأسلمة الراديو والبرامج والصحف والمجلات والإعلانات التجارية والمسلسلات التى تختصر لعدد من الحلقات المبهمة، كله وفق شريعتهم، حتى كانت لهم برامج أسبوعية مخصصة لنشر أفكارهم ومعتقداتهم.

فيما كان والداى (زمن الفكر الوهابى) مستمتعين بمتابعة مسرح التليفزيون، حيث يغنى المطربون ويحضره عامة الجمهور وينقل الحفل على الهواء، واجه جيلى تحريما ومنعا لكل منافذ الحياة بعد شيوع الفكر الإخوانى.

أما قبل مجىء الفضائيات فكان المتنفس الوحيد، والذى عوضنا بالفعل وقتها عن حالة الكبت الإعلامى، هو قناتا مصر الأولى والثانية. تلك كانت الرفاهية الوحيدة المتوفرة آنذاك.

لم يشهر سلاح بوجه الإخوان فى السعودية، لكن سلاح التكنولوجيا كان سلاحاً فتاكا بالمصادفة. فالفضائيات ومواقع الإنترنت كشفتهم وعرتهم وما عادت مصادرة الكتاب حائلا بين الفرد وبين قراءة التاريخ، لذا سارعوا لإصدار فتاوى تحريم التقنيات لفترة طويلة. واعتبروا الإنترنت كفرا، وقاموا بتكسير الأطباق الفضائية من على أسطح المنازل ومعاقبة أصحابها. وحين اكتشفوا أن بإمكانهم استخدام التكنولوجيا لخدمة جناحهم العسكرى (القاعدة) تخلوا عن تلك الفتاوى ولم يعد أحد يأتى على تحريمها.

ما هو وضع وزارة الإعلام؟ وما مصير الخطة السعودية التى سمعنا عنها لتطهير الإعلام من أقلام وبرامج الإخوان؟ وهل لدى الوزير القوة النافذة لحسر مدهم، أم أن نفوذهم أقوى من تدخل وزير؟

 

About نادين البدير

كاتبة صحفية سعودية , قناة الحرة
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.