الشيوعيه في الكونغو‎

عندما وقع التدافع الأوربي لإستعمار قارة أفريقيا منتصف القرن التاسع عشر , تمكن الملك البلجيكي ليوبولد الثاني من تأسيس مستعمرته على الضفة الشرقيه من نهر الكونغو , فيما قامت فرنسا بتأسيس مستعمرتها على الضفة الغربيه من النهر

بوصولنا الى منتصف القرن العشرين طردت الولايات المتحده الأمريكيه الفرنسيين من الكونغو الغربيه وقامت بتأسيس ( الكونغو برازافيل ) , بعدها طردت البلجيكيين من الكونغو الشرقيه وأسست ( الكونغو كينشاسا ) . الكونغو كينشاسا يطلق عليها تسمية : جمهورية الكونغو الديمقراطيه , أما الكونغو برازافيل فيطلق عليها تسمية : جمهورية الكونغو الشعبيه . سأتحدث أولاً عن الشيوعيه في الكونغو برازافيل , وبعدها أتحدث عن الشيوعيه في الكونغو كينشاسا

أولاً : الشيوعيه في الكونغو برازافيل

في العام 1880 وقّع ( بيار سافورنيان دي برازا ) معاهدة حمايه فرنسيه مع الملك الأفريقي الباتيكي ( ألماكوكو ) ثم شرع في تأسيس مدينه ( برازافيل ) التي إستمدت إسمها من إسمه وإكتمل العمل بها عام 1884

في العام التالي 1885 إجتمعت القوى الكبرى في مؤتمر برلين لتقاسم المصالح في قارة أفريقيا حيث تم ترسيم حدود المنطقه التي ستحكمها فرنسا حول مدينة برازافيل , عندها أصبحت الكونغو الواقعه غرب نهر الكونغو مستعمرة فرنسيه , أما برازا فقد عينته فرنسا مفوضاً عاما ً لها على الكونغو عام 1886 وإستمرت فرنسا في حكم هذه المستعمره حتى عام 1944

الأمميه الثانيه التي إنهارت بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى , بعد أن برزت من خلالها شخصيات شيوعيه مثل لينين وروزا لوكسمبورغ , قام لينين بعد نجاحه في الوصول الى حكم روسيا بتأسيس أمميته الثالثه ( الكومنترن ) عام 1919 . بوصولنا الى العام 1920 تم تشكيل الحزب الشيوعي الفرنسي , وعن طريق هذا الحزب تشكلت خلايا شيوعيه وإشتراكيه في جميع دول العالم الخاضعه للفرنكوفونيه والنفوذ الفرنسي , وبهذه الطريقه دخلت هذه المفاهيم الى الكونغو برازافيل وإنتشرت فيه وأدت الى تأسيس العديد من الأحزاب الإشتراكيه

سقوط باريس تحت الإحتلال الألماني خلال الحرب العالميه الثانيه جعل فرنسا تتنازل عن الكثير من مستعمراتها حول العالم من أجل إنقاذ باريس من الإحتلال .. وهكذا إنسحبت فرنسا من سوريا ولبنان عام 1944 , وهو العام الذي ( ومن أجل إنقاذ ماء الوجه ) دعى فيه شارل ديغول ممثلي المستعمرات الفرنسيه للتباحث في أمر ( إستقلال ) هذه الدول , غير أن الحقيقه لم تكن ( إستقلال ) هذه الدول بل تسليم هذه الدول من يد المستعمر الفرنسي الى يد المستعمر الأمريكي

عام 1956 تم إنتخاب الكونغولي الإشتراكي ( فولبر يولو ) رئيسا ً لبلدية برازافيل . وبعد أن إستكملت فرنسا إجراءات إنسحابها من الكونغو برازافيل أجرت إستفتاءا ً شكلياً لبرقعة هذا الإنسحاب وافقت بموجبه على منح الإستقلال للكونغو برازافيل 1958 وتمت ترقية فولبر يولو من رتبة رئيس بلديه الى رتبة رئيس وزراء

حالما تسلم الأمريكان زمام البلد حتى حولوه الى ( جمهوريه ) عام 1959 وتمت ترقية فولبر يولو الى منصب رئيس جمهوريه

عام 1963 إنتخب ( ماسامبا ديبا ) رئيساً للجمهوريه مدة 5 سنوات فقام هو بإعلان أن آيديولوجية جمهوريته هي : الإشتراكيه العلميه . وبوصولنا الى عام 1965 كان قد وقّع أتفاقيات صداقه وتعاون مع كل من الإتحاد السوفييتي , وجمهورية الصين الشعبيه , وجمهورية كوريا الشماليه , وفيتنام الشماليه

في العام 1969 إستولى ( ماريان نغوابي ) على السلطه وأسس ( حزب العمال الكونغولي ) وهو حزب ماركسي , . وفي 1970 تغير إسم البلاد الى : جمهورية الكونغو الشعبيه , ثم تم إغتيال نغوابي عام 1977 بسبب إضطرابات عمّت البلد الذي يعتمد إقتصاده على تصدير النفط

في العام 1979 وصل العقيد ( ساسو نغيسو ) الى رئاسة حزب العمال الكونغولي وأصبح رئيسا ً للجمهوريه , وأعيد إنتخابه عام 1984 , و1989 على التوالي

ما بين عامي 1986 و 1988 تم تخفيض سعر النفط فإنخفضت مداخيل البلاد ولم تعد قادره على تسديد أقساطها الى البنك الدولي الذي أعاد جدولة ديونه وفرض دفعات إضافيه على الكونغو برازافيل عندها جاع الناس وعمّت العديد من المظاهرات عام 1990

عام 1991 إنهار الإتحاد السوفييتي , ولهذا فالأمريكان وهم يستعدون للدخول الى عصر العولمه وأحادية القطب لم تعد تخدمهم الأنظمه الشيوعيه كثيراً ولهذا تم في نفس العام تنظيم مؤتمر وطني كونغولي لكتابة دستور جديد للبلاد أُقرت بموجبه التعدديه السياسيه والقطيعه مع النظام الماركسي

عام 1992 تم إنتخاب ( باسكال ليسوبا ) رئيسا ً للبلاد متزامنا ً مع إنخفاض قيمة الفرنك الكونغولي فأدى ذلك الى إندلاع حرب أهلية منذ عام 1993 يتقاتل فيها الجيش مع مليشيات الرئيس السابق ( ساسو نغيسو ) وبوصولنا الى عام 1997 إنتهت فترة حكم باسكال ليسوبا فعاد ساسو نغيسو الى حكم البلاد من جديد رغم إستمرار القتال بين الجيش والمليشيات حتى عام 1999

في إنتخابات عام 2002 فاز ساسو نغيسو ب 90% من أصوات الناخبين عن طريق حيل إنتخابيه كالتي تجري في أي دوله محتله أمريكيا ً .. مع تمديد فترة الرئاسه من 5 الى 7 سنوات . مع تجدد القتال عام 2003 من أجل إنهاك البلد تماماً

أما في الإنتخابات الرئاسيه 2009 فقد ذكر المرصد الكونغولي لحقوق الإنسان وهو مرصد غير حكومي بأن الإقبال على الإنتخابات ( منخفض جداً ) وأن ( التزوير والمخالفات ) شيء عادي ولا يثير الكثير من الإهتمام عند الناس , ولهذا كانت نتيجة الإنتخابات بقاء ساسو نغيسو على رأس البلاد لسبع سنوات مقبله

ثانيا : الشيوعيه في الكونغو كينشاسا

رأينا في موضوعي السابق المنشور على الموقع تحت عنوان ( ليوبولد الثاني ملك بلجيكا وإستعمار الكونغو ) كيف أن الولايات المتحده الأمريكيه ومنذ نهاية القرن التاسع عشر كانت تناصب البلجيكيين العداء من أجل إخراجهم من الكونغو , ولهذا ثورت عليهم الرأي العام العالمي منذ ذلك الحين , ومن أجل تثوير الكونغوليين ضد بلجيكا فقد كان ينبغي تنظيمهم ولذلك تأسست العديد من المؤسسات شبه السياسيه مهمتها الرئيسيه هي طرد البلجيكيين رغم أنها كانت تعمل تحت واجهات أخرى وكانت هذه المؤسسات تعتمد في تنظيم أتباعها أما على الإنتماء العرقي , أو الدراسي , أو المناطقي

أكبر هذه المؤسسات هي ( الرابطه الكونغوليه ) التي تأسست عام 1950 وتعتمد على العرق واللغه الكونغوليه وكانت تسعى الى الإستقلال و الفيدراليه , قدها ( جوزيف كاسا فوبو ) . كما كانت هناك مؤسسات تعتمد في تأسيسها على العرق الكونغولي لكنها أقل أهمية من الرابطه الكونغوليه مثل ( ليبوكيا بانغالا ) وقد تم تأسيسها بواسطة إثنوغرافيين أمريكان

مؤسسة ( فيداكاليو ) كانت تضم الكونغوليين القاطنين في إقليم كاساي , لكن هذه المؤسسه إنقسمت فيما بعد الى عدة أقسام تعمل كلها في مدينة ليوبولدفيل التي تحول إسمها بعد طرد البلجيكيين الى : كينشاسا

مصدر آخر للتجمعات السياسيه جاء من المتخرجين من مدارس البعثات التبشريه الأوربيه والأمريكيه في الكونغو التي أسست شبكه واسعه من المستشارين والمساندين من الكونغوليين أنفسهم

المصدر الثالث للتنظيمات السياسيه قامت به ( الجمعيات الحضريه ) الغربيه في الكونغو , على حد زعمها لتحسين التنشئه الفكريه والأخلاقيه والإجتماعيه والماديه للكونغوليين

عام 1958 قام ( بياتريس لومومبا ) مع ( سيريل أدولا ) و ( جوزيف إلو ) بتأسيس حزب الإستقلال الوطني وهو حزب لكل الكونغوليين ولا يعتمد في تشكيلاته على القبليه , وقد إنقسم هذا الحزب الى قسمين : الأول بقيادة بياتريس لومومبا , والثاني في إقليم كاساي يقوده : ألبرت كالونجي

خلال الخمسينات من القرن الماضي وضعت الأمم المتحده ضغطاً شديداً على بلجيكا لكي تمنح الكونغوليين حكماً ذاتيا ًتحت الماده 73 من ميثاق الأمم المتحده , مثلما قامت الولايات المتحده وبريطانيا بمطالبة بلجيكا وبشده الإذعان الى هذا القرار , لكن رد الحكومه البلجيكيه كان رافضا ً الإذعان للقرار وبشكل قطعي

عند العام 1955 نشر البروفيسور البلجيكي ( أ . ج فان بيلسن ) مقاله بعنوان : خطة 30 عام للتحرر السياسي للكونغو البلجيكيه . وتتضمن جداول زمنيه تمتد 30 عاما ً لتشكيل طبقه مثقفه كونغوليه تتولى تسلم زمام حكم البلد من البلجيكيين وذلك بالإعتماد على الطبقة المتوسطه الكونغوليه التي تعيش حياتها على النمط الأوربي والغربي

الكونغوليين الكاثوليك من الطبقة المتوسطه كانوا الأكثر تحمسا ً الى هذه الفكره وأصدروا بياناً يتبناها في الصحيفة الرسمية في الكونغو

أعضاء ( الرابطه الكونغوليه ) التي تحدثنا عنها تبنوا مقاطعة الخطه وإتهموا مواطنيهم الكاثوليك بأنهم أجانب وليسوا كونغوليين . مثلما سعت الرابطه الكونغوليه مدعومة من الولايات المتحده الى القيام بعمل متطرف ينهي الوجود البلجيكي في البلاد . بلجيكا من جانبها لم تتعامل مع خطة 30 عام بجديه , ففي كل الكونغو وقتها لم يكن يوجد غير 9 كونغوليين يحملون شهادة جامعيه . أما الجيش الكونغولي برمته فلم تكن فيه رتبه عسكريه أعلى من رتبة رقيب

خلال السنوات القليله اللاحقه كانت الرابطه الكونغوليه تعزز قوتها بالدعم ( القادم من الخارج ) حتى غدا البلجيكيون غير قادرين على السيطره على الكثير من مناطق الكونغو بل وحتى العاصمه : ليوبولدفيل , لهذا مُنِعَت الرابطه الكونغوليه من عقد إجتماعاتها مما أدى الى حركات عصيان وتمرد قتل خلالها 34 كونغولي عام 1959

تم إعتقال رئيس الرابطه الكونغوليه ( جوزيف كاسا فوبو ) من قبل البلجيكيين الذين أعلنوا عن القيام بإصلاحات دستوريه ستؤدي الى مشاركة أكبر للكونغوليين في الحكومه , ولكن كمستشارين فقط وليس لهم أية صلاحيات , مع وعد بمنح الكونغو إستقلالها

الكونغوليون مدعومون من الخارج قاموا بتشكيل أكثر من 50 حزب سياسي , وأشتدت حركة العصيان والتمرد , ورغم منع الإجتماعات الحزبيه إلا أن بياتريس لومومبا عقد إجتماعا ً لحزب الإستقلال الوطني في 31 تشرين الأول 1959 فقام البلجيكيون بإعتقاله . عندها عم الهياج في مدينة ستانليفيل قتل خلاله 24 كونغولي

بسبب هذه الأوضاع عقد البلجيكيون ( مؤتمر المائدة المستديره ) في بروكسل لقادة الأحزاب الكونغوليه الذين أصروا على إطلاق سراح لومومبا . وافق البلجيكيون على إستقلال الكونغو لكنهم تباحثوا حول ( فتره إنتقاليه ) قبل منح الإستقلال مدتها 4 سنوات , لكن الكونغوليين أصروا على الإستقلال الفوري وخلال أشهر قليله

بنهاية المؤتمر في 27 كانون الثاني 1960 وافق البلجيكيون على إجراء انتخابات في الكونغو يوم 22 مايس 1960 يتم بعدها منح الإستقلال للكونغو يوم 30 حزيران 1960 . فالتجربه المريره للفرنسيين مع الأمريكان الداعمين لطردهم من الجزائر كانت كارثه يسعى البلجيكون الى تجنب مواجهتها مع الأمريكان في الكونغو

الأحزاب الكبرى تنافست على كسب أصوات الناخبين , فاز بياتريس لومومبا وحزب الإستقلال الوطني هازماً ( حزب الإزدهار الوطني ) الذي كان مدعوماً من قبل البلجيكيين

داخل البرلمان إعتمد لومومبا على تحالف الأحزاب بناءا ً على ولائها له , وكجزء من الصفقة السياسيه فقد تم إنتخاب رئيس الرابطه الكونغوليه ( جوزيف كاسا فوبو ) رئيسا ً للبلاد , فيما سيطر لومومبا على رئاسة الوزراء ومجلس الشيوخ

تم إعلان ( جمهورية الكونغو ) يوم 30 حزيران 1960 , وفي هذا اليوم حضر ( الملك بودوين ) ملك بلجيكا ليقوم رسميا ً بتسليم حكم البلاد , وما كان يعد يوماً للإحتفال الرسمي تحول الى كارثه . حالما غادر الملك المطار في موكبه الرسمي حتى ركض أحد الكونغوليين ويدعى ( إمبراوز بويمبو ) وإستل السيف الرسمي للملك من حمائله المعلقه على خصر الملك , وأخذ يرقص به في الطريق حول الموكب الرسمي في إهانة متعمدة للملك

حين وصل الملك في اليوم التالي الى البرلمان كانت حادثة البارحه قد أثرت فيه بما فيه الكفايه , فألقى خطابا ً أشاد فيه ب ( عبقرية ) و ( شجاعة وعناد ) عمه الملك ليوبولد الثاني الذي إستعبد الكونغو لمزيد من التفاصيل أرجو العوده الى موضوعي : الملك البلجيكي ليوبولد الثاني وإستعمار الكونغو _ المنشور على الموقع

رد فعل الرئيس الكونغولي ( جوزيف كاسا فوبو ) كانت أن حذف الثناء والشكر للملك بودوين من خطبته التي أعقبت خطبة الملك , أما رئيس الوزراء لومومبا فقد صعد الى المنصه وألقى خطابا ً أشاد فيه بالنضال من أجل الإستقلال تحدث فيه بثوريه عن : الدموع والنار والدم , وهاجم ( نظام القهر والظلم والإستغلال ) , ثم أنهى الخطاب بكلمة مرتجله غير موجوده في نص الخطاب حين صاح في الملك : نحن لم نعد قروداً عندك

إستحسن الكونغوليون كلمات لومومبا بينما عدها الملك إهانة بالغة له ولجميع البلجيكيين وقرر مقاطعة الإحتفال والعوده الى بلجيكا . في مأدبة الغداء التي أعقبت هذه الخطابات , قال لومومبا للملك كلمات طيبه لمصالحته وشكره على ما قامت به بلجيكا للكونغو قرابة ثلاثة أرباع القرن

عند إستقلال الكونغو كانت قواتها المسلحه تقوم بدورين فهي تخدم كجيش وكشرطه في آن واحد معاً , أما ضباط هذا الجيش فقد كانوا بلجيكيين . بعد الإستقلال كان هناك ضيق من وجود البلجيكيين في القوات المسلحه .. أما ما أثارت أول مشاكل لومومبا في الحكم فقد كانت عدم كفاءته كقائد فهو حين قرر رفع رواتب جميع الوظائف , إستثنى من ذلك رواتب القوات المسلحه فأجج غضبها إتجاهه

قائد حامية ( ليوبولد فيل ) البلجيكي عقد إجتماعاً لجنود حاميته توسطت الإجتماع سبورة مكتوب عليها : بعد الإستقلال = قبل الإستقلال . ولهذا ثارت الحاميه ضد الضباط البلجيكيين , كما تمت مهاجمة العديد من الأهداف الأوربيه في الكونغو وتسليب الجيش لممتلكات الأوربيين مما أدى الى هرب آلاف الأوربيين الى الكونغو برازافيل بعبور نهر الكونغو , وبرهن الحدث بالدليل القاطع على ضعف الحكومه وعجزها عن السيطره على قواتها المسلحه

هذا الوضع دفع بلجيكا الى التدخل العسكري في الكونغو , فرد لومومبا على ذلك ب ( كنغلة ) القوات المسلحه وطرد جميع البلجيكيين منها . طرد الضباط البلجيكيين ترك في الكونغو 25 ألف عسكري كونغولي مسلح أصبح من المستحيل على حكومة لومومبا السيطرة عليهم . وضع البلد دون نظام فعّال للحكم هو ما سيجلب للبلد ويلات الأيام المقبله

يوم 11 تموز 1960 وبدعم من البلجيكيين قام ( مويس تشومبي ) ومعه 6 آلاف عسكري بلجيكي بالسيطره على إقليم ( كاتانغا ) وإعلانه دولة مستقله يحكمها تشومبي المعروف بعلاقته الوثيقه مع الشركات الصناعيه البلجيكيه في الكونغو والتي تسيطر على إستخراج النحاس والذهب واليورانيوم

إقليم كاتانغا واحد من أغنى أقاليم الكونغو وأكثرها تطورا ً , وبدونه تخسر الكونغو الكثير من ثروتها ومن دخل حكومتها . دفاعاً عن قرار الإنفصال قال تشومبي : فعلنا ذلك لننفصل عن دولة الفوضى , ثم قام وبمساعدة البلجيكيين بتأسيس قوات مسلحه قويه لكاتانغا يخدم فيها المئات من المرتزقه الأوربيين تم التعاقد معهم في بلجيكا

لم يسكت الأمريكان على ذلك بل قاموا بتحريك ( رابطة سكان لوبا في كاتانجا ) لإعلان تمردهم على كاتانغا في منطقة لوبا . كانون الثاني 1961 أعلنت لوبا إستقلالها عن كاتانغا , ولأن لوبا كانت مدعومة عسكريا ً بشكل جيد من الخارج فإن قوات كاتانغا المسلحه ومرتزقتها لم يتمكنوا من فعل شيء إزاء إنفصالها

في 14 تموز 1960 قدّم لومومبا طلباً الى مجلس الأمن الذي تبنى القرار رقم 143 دعى فيه بلجيكا الى سحب قواتها من الكونغو ودعى الأمم المتحده الى تقديم المساعدات العسكريه للقوات الكونغوليه لتأهيلها للمستوى المطلوب

هدد لومومبا البلجيكيين بوجوب سحب قواتهم خلال يومين , وبعكس ذلك فسيستعين بقوات سوفييتيه وكوبيه لمواجهتهم , أما الأمريكان ومن خلال الأمم المتحده فقد سارعوا الى تفعيل العمليه العسكريه المسماة : عملية الأمم المتحده في الكونغو

كعادة القاده الثوريين الذين يتم إستعمالهم لتحقيق غايات غيرهم , فإن لومومبا كان يعتقد أنه زعيم دوله , ولهذا كان يعتقد أن الأمم المتحده سترسل قواتها للقتال تحت قيادته , وكان يطمح أن يقود قوات الأمم المتحده ليحارب بها تشومبي ويسترد كاتانغا , غير أن قوات الأمم المتحده حالما وصلت كانت لها قيادتها الخاصه التي لا تأتمر بأوامر أحد

عندها كتب لومومبا الى ( داغ همرشولد ) الأمين العام للأمم المتحده رسالة يطلب منه أن تكون القوات تحت إمرة لومومبا , لكن همرشولد رفض لأنه أعتبر أمر إعادة كاتانغا للكونغو شأنا ً داخليا ً لا علاقة للأمم المتحده به

كان ينبغي دفع لومومبا دفعاً الى طلب المساعده من الإتحاد السوفييتي اذ ينبغي للوجود الشيوعي أن يكون ظاهراً في الكونغو كينشاسا لإستعماله بسياسة الأرض المحروقه لطرد البلجيكيين من هذا المكان , لذلك وقع خلاف حاد بين لومومبا وهمرشولد حول ما تفعله وما لن تفعله قوات الأمم المتحده في الكونغو أدى الى صدور قراري الأمم المتحده رقم 145 و 146 شددا على وحدة تراب الكونغو وحث البلجيكيين على الإنسحاب من البلد

وسط كل هذه الفوضى أعلن إقليم كاساي الجنوبي المجاور لكاتانغا إستقلاله عن الكونغو هو الآخر , صراع عرقي ممتزج بالإحتقان السياسي بين قادة الأحزاب دفع الإقليم الغني بالماس الى إعلان إستقلاله

لومومبا وقد يأس من إستعمال قوة الأمم المتحده لإستعادة إقليم كاتانغا , سارع هنا على الفور الى طلب المساعده العسكريه من الإتحاد السوفييتي وكوبا لإستعادة كاتانغا وكاساي الجنوبيه . سارع الإتحاد السوفييتي بإرسال آليات وقوات محمولة جواً , ثم قام بهجوم عسكري كاسح خلف وراءه مئات القتلى من سكان قبيلة ( بالوبا ) وما لا يقل عن ربع مليون لاجيء

رغم أن التدخل السوفييتي في الكونغو يخدم أهداف الولايات المتحده الأمريكيه إلا أن الرئيس آيزنهاور ومن أجل تحويل الكونغو الى جحيم تحت أقدام البلجيكيين أعلن عن إمتعاضه من لومومبا لإستعانته بالسوفييت وأمر السي آي أي بمزيد من الدعم لغرماء لومومبا السياسيين . ثم تم الإعلان عن محاولات أمريكيه محبطه لإغتيال لومومبا من أجل دفعه الى المزيد من الإحتماء بالسوفييت والكوبيين

في 5 أيلول 1960 قام رئيس الدوله جوزيف كاسا فوبو بإقالة رئيس وزرائه بياتريس لومومبا من منصبه وأعلن ذلك عبر وسائل الإعلام وعّين ( جوزيف إلو ) خليفة له

رفض لومومبا قبول إستقالته , وبالمقابل أعلن عن الإطاحه برئيس الدوله الذي تم تعيينه رئيسا للدوله عبر مقايضة سياسيه وأعلن ذلك عبر وسائل الإعلام . عند هذه المرحله قام رئيس الوزراء الجديد ( جوزيف إلو ) بمحاوله لتشكيل حكومه جديده .. ورغم كل مساعيه لكن البرلمان لم يوافق عليها . بل على العكس ساند جميع أعضاء البرلمان موقف لومومبا عبر إقتراع سري

وتحت شعار حفظ الأمن قامت الأمم المتحده بوضع جميع المطارات الكونغوليه ومحطة الإذاعه الرسميه تحت إدارة الأمم المتحده , هذا الوضع دفع الإتحاد السوفييتي الى ضخ المزيد من الدعم العسكري ضد كاساي الجنوبيه . لكن رئيس الدوله جوزيف كاسا فوبو بقي قادرا ً على بث بياناته من إذاعة الدولة الجاره ( الكونغو برازافيل ) مؤكداً على أن حكومة لومومبا قد تم حلّها والإطاحة بها وأن إستعانة لومومبا بالسوفييت قد اصبحت لاغيه

يوم 12 أيلول 1960 قامت قوات مواليه للقائد العام للقوات المسلحه ( جوزيف موبوتو ) بوضع لومومبا تحت الإقامة الجبريه في بيته , لكنه سرعان ما تمكن من الهرب بمساعدة قوات موالية له

يوم 14 أيلول وبمساعدة وكالة المخابرات المركزيه الأمريكيه تمكن موبوتو من الإستحواذ على السلطه في إنقلاب عسكري وأمر جميع القوات السوفييتيه بمغادرة البلد . ووضع لومومبا من جديد تحت الإقامة الجبريه في منزله ولكن مع قوات من الأمم المتحده لحمايته

لكي تستكمل اللعبة كل أبعادها .. بعد إقالة لومومبا من منصب رئيس الوزراء قام نائبه في رئاسة الوزراء ( أنتوني جيزنغا ) بتشكيل حكومة توالي لومومبا في الجزء الشرقي من مدينة ستانليفيل تحرسها قوات مواليه للومومبا , وبذلك تشكلت الآن 4 حكومات كونغوليه تضرب البلجيكيين بإسم الإستقلال , ولكن خدمة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكيه . وهذه الحكومات هي

# حكومة ( جوزيف موبوتو) و ( جوزيف كاسا فوبو ) في العاصمه ليوبولدفيل تساندها الولايات المتحده الأمريكيه

# حكومة ( أنتوني جيزنغا ) في الجزء الشرقي من ستانلي فيل تساندها دول الكتلة الشرقيه , وفيدل كاسترو من كوبا , وجبهة التحرير الجزائريه التي يقودها أحمد بن بيلا , جمال عبد الناصر من مصر, الجناح اليساري من الدول الأفريقيه حديثة الإستقلال : غانا , غينيا , تنجانيقا

# حكومة ( ألبرت كالونجي ) في كاساي الجنوبيه

# حكومة ( مويس تشومبي ) في إقليم كاتانغا مدعومه من قبل البلجيكيين , وشركات التنقيب الأوربيه وقوات المرتزقه وحكومة جنوب أفريقيا

بوصولنا الى هذه المرحله كانت الولايات المتحده تتحرك من خلال الأمم المتحده لإيجاد ذريعه ( إستعراضيه ) مثيره للمشاعر يتم بواسطتها فرض عقوبة باهضه على الوجود البلجيكي في الكونغو .. ولم يتم العثور على ذريعه أكثر إستعراضية من قتل لومومبا الذي لم يعد له أي دور على خارطة البلد السياسيه , البلد الذي يحكم من قبل 4 حكومات متصارعه فيما بينها

قلنا إن لومومبا كان وللمرة الثانيه تحت الإقامة الجبريه في بيته تحرسه قوات من الأمم المتحده لحمايته , لا ندري هل هرب بمفرده أم بمساعدة حرس الأمم المتحده من ذلك المنزل متجهاً الى مقر حكومة ( أنتوني جيزنغا ) في الجزء الشرقي من ستانليفيل يوم 27 تشرين الثاني 1960

في يوم 1 كانون الأول 1960 تم إلقاء القبض عليه من قبل جنود موالين للرئيس ( جوزيف موبوتو ) في إقليم كاساي

يوم 17 كانون الثاني 1961 أرسله موبوتو ( رئيس الدوله ) الى مدينة إليزابثفيل عاصمة إقليم كاتانكا حيث يوجد البلجيكيون والمرتزقه وحكومة تشومبي !!؟ لماذا ؟ لتوريطهم بقتله فتقع عليهم بسبب ذلك عقوبة العالم أجمع .. لماذا يرسل رئيس الدوله رئيس وزرائه المخلوع الى حكومة إقليم أعلن إنفصاله عن دولته !!؟ أليس لهذا الغرض ؟

بلع البلجيكيون الطعم وأثبتوا غباءا ً منقطع النظير حين سمحوا وأمام أعين الصحفيين كافه بضرب لومومبا ضربا ً مبرحاً وإجباره على أكل أوراق مكتوبة عليها عبارات من خطاباته

إنقطعت أخباره مدة 3 أسابيع ولا أحد يعلم عنه شيئاً . وأخيرا ً أعلن راديو كاتانغا أنه قتل على يد القرويين بينما كان يحاول الهرب من السجن

لكن الحقيقة غير هذا .. ففي العام 2001 اعترفت الحكومه البلجيكيه بأنه أعدم على يد جندرمة كاتانغا وبحضور الضباط البلجيكيين وبأمر من حكومة تشومبي . وأنه عذب بوحشيه قبل إعدامه رميا ً بالرصاص مع 2 من حلفائه , وبعد الإعدام تم تقطيعهم ودفنهم الى أن تيبست أجزاؤهم , عندها إستخرجت الأجزاء من تحت التراب وأذيبت بالحامض

بعد إعدام لومومبا ورفيقيه إجتمع مجلس الأمن على عجل لتكملة بقية مسرحيه ( الإستشهاد ) حيث أبدى مشاعر حزن فياضه بسبب الجريمه المرتكبه , صاحبها بعبارات معادية للإستعمار مليئة بالأسى

حكومة الإتحاد السوفييتي بالغت في فرط حزنها ولامت داغ همرشولد الأمين العام للأمم المتحده على ( إستشهاد ) لومومبا وطالبت بطرده من الأمم المتحده . لكن همرشولد رفض الإستقاله وبقي في منصبه , فأعلن في موسكو عن تأسيس جامعة بياتريس لومومبا للشعوب

بعد أسبوعين من مقتل لومومبا ( وهنا مربط الفرس ) أصدر مجلس الأمن القرار 161 في 21 شباط 1961 الذي نص على إتخاذ جميع التدابير اللازمه لمنع وقوع حرب أهلية في الكونغو , بما في ذلك وكحل أخير ( إستخدام القوه إذا لزم الأمر ) أي التلويح للبلجيكيين برؤية الكابوس الذي يخشونه بشده .. وهو أن يشعل عليهم الأمريكان الكونغو , بالضبط كما يفعلون في الجزائر مع الفرنسيين

وطالب هذا القرار بطرد جميع القوات البلجيكيه والمرتزقة من الكونغو ، ولكن القرار لم يفوض الأمم المتحدة ( صراحة ) إجراء عمليات هجومية . لأن الرعب الذي كان عليه البلجيكيون كان كافيا ً لحسم الموقف لصالح الأمريكان ، و خلال الأشهر الستة التاليه لم تجرِ الأمم المتحدة أي عمليات عسكرية بل ركزت على عدة جولات من المفاوضات السياسية مع البلجيكيين

ما بين كانون الثاني وحتى مايس عقدت عدة مؤتمرات لبحث الوضع في الكونغو مع البلجيكيين , وعند الوصول الى إتفاق بنهايتها , قام الرئيس ( جوزيف كاسا فوبو ) بإعتقال ( تشومبي ) رئيس إقليم كاتانجا الذي يسيطر عليه البلجيكيون والمرتزقه . بحجة أن تشومبي ينتقد الرئيس كاسا فوبو .. ولم يطلق سراحه إلا بعد أن تمت إجراءات إعادة توحيد إقليم كاتانغا مع الوطن الأم الكونغو

في 2 آب 1961 إنتخب البرلمان ( سيريل أدولو ) رئيسا ً لوزراء البلاد . في 28 آب قامت الأمم المتحده بعملية عسكرية محدوده هاجمت فيها إقليم كاتانغا بحجة أن المرتزقه والبلجيكيين تسللوا الى كاتانغا عبر روديسيا رغم الإتفاق على طردهم من البلاد , وهكذا كان يتم أسر الضباط الكونغوليين , وترحيل ما تبقى من البلجيكيين والمرتزقه عن البلاد

في 9 أيلول واصلت الإمم المتحده قتالها في إقليم كاتنغا وأعطت أمرها الى حكومة ( سيريل أدولو ) بإصدار أوامر بإعتقال تشومبي وبقية الكبار في حكومة كاتنغا قبل ضمها الى الكونغو ولهذا سرعان ما تحوّلت العملية المحدوده الى حرب شامله أريقت فيها دماء كثيرة من الطرفين

في 13 أيلول تمكن تشومبي من الهرب الى روديسيا الشمالية ( زامبيا الآن ) ومن هناك حثَّ قواته على مواصلة المقاومه بالقيام بهجمات على قوات ومنشآت الأمم المتحده حيث تمكنوا يقودهم مرتزق بلجيكي من حصر 155 رهينه من قوات الأمم المتحده في مدينة ( جادوتفيل ) لكنها لم تتمكن من أسرهم

قرر الأمين العام للأمم المتحده داغ همرشولد التدخل بنفسه لإيجاد حل لهذه المشكله بإجراء محادثات هدنه مع تشومبي فإستقل طائرة الى روديسيا الشماليه يرافقه 15 شخص آخرين . تحطمت بهم الطائره ومات الجميع ليلة 17 على 18 من أيلول , ولم تعلن الجهه المسؤوله عن الحادث حتى اليوم

بعد مقتل الأمين العام للأمم المتحده تجدد القتال مرة اخرى , إستسلم الرهائن المحصورين بسبب نفاذ الماء والغذاء فحجزتهم قوات كاتانغا , ووافقت على هدنة مع تشومبي وأعادت له المباني الحكوميه والمقرات العسكريه التي كانت قد إستولت عليها . وعاد تشومبي الى عاصمة كاتانغا : إليزابيثفيل

يوم 2 تشرين الأول تم تعيين ( يو ثانت ) أمين عام جديد للأمم المتحده مع تجدد عمليات قتال الأمم المتحده في كاتانغا

في 24 تشرين الثاني صدر قرار الأمم المتحده 169 الذي دعا جميع القوات المتواجده في كاتانغا الى مغادرتها يستثنى من ذلك القوات العامله تحت قيادة الأمم المتحده فقط

أثناء ما كانت قوات الأمم المتحده تقاتل في كاتانغا , كانت قوات الحكومه المركزيه الكونغوليه قد هاجمت إقليم كاساي الجنوبيه الذي أعلن إستقلاله عن الكونغو وتمكنت من إعتقال رئيس حكومته ( ألبرت كالونجي ) يوم 30 كانون الأول 1961 . هرب الرئيس من السجن وحاول تشكيل حكومة جديده ولكن أطيح به مرة ثانيه خلال أسابيع

الحكومه الرابعه في الكونغو كانت حكومة ( أنتوني جيزنغا ) في الجزء الشرقي من ستانليفيل الذي كان على تفاهم تام مع الكتلة الشرقيه ويتلقى الأسلحة من الصين , لكنه تباحث مع رئيس وزراء الحكومه المركزيه ( سيريل أدولا ) على تأسيس حكومة شراكه وطنيه تلتزم مباديء لومومبا خطة لعملها , غير أن قوات الحكومة المركزيه هاجمته يوم 14 كانون الثاني 1964 فهزمت قواته وتمكنت من إعتقاله

كانت الأمم المتحده تشاغل تشومبي بمحادثات منحه حكماً ذاتياً أثناء ما كانت الحكومة المركزيه تنهي عملها في أجزاء أخرى من الكونغو ,, وبعد أن إنتهت الحكومه , قامت قوات الأمم المتحده بشن هجوم كاسح على قوات تشومبي وبحلول عام 1963 كانت الأمم المتحده تسيطر سيطرة تامة على إقليم كاتانغا وبذلك عادت الكونغو دولة واحده تحكمها حكومة واحده

الولايات المتحده الأمريكيه أصبحت تسيطر الآن على جميع تراب الكونغو .. ولكن هل تضمن من أين سيعود البلجيكيون مرة اخرى الى الكونغو وبأية طريقه !!؟؟ بالطبع لا .. إذن عليها إشعال الكونغو لتصبح قطعة من نار وبذلك يحذر الكل من الوصول إليها

عام 1964 إندلع تمرد ( سيمبا ) كلمه سواحيليه معناها ( أسد ) وكان تمرداً ضد الحكومه قاده ( باري موليلي ) الذي كان شيوعيا ً ماويا ً ولهذا كان يحصل على الدعم من الصين الشيوعيه . تمكنت جماعة سيمبا من إحتلال ستانليفيل وأعلنت فيها حكومة متمردين قتلت آلاف من سكان المدينه

في تموز من نفس العام تم توصيل تشومبي ليصبح رئيساً لوزراء البلد لمواجهة تمرد جماعة سيمبا , فقام على الفور بدعوة الضباط الذين كانوا يعملون معه حين كان يحكم كاتانغا , وكذلك تعاقد مع مرتزقه من الخارج وقام بدمجهم مع القوات المركزيه

في تشرين الأول 1963 قام تحالف مضاد للحكومه يطلق على نفسه تسمية ( مجلس التحرير الوطني ) مكوّن من رجال أقوياء كانوا ينتمون الى حكومة لومومبا بتأسيس مكتب لهم في الدولة الجاره ( الكونغو برازافيل ) والتي يحكمها الرئيس ( ألفونس ماسامبا ديبا ) وهو شيوعي ( ماركسي _ لينيني ) وواحد من أشد مناصري تمرد لومومبا بالدعم اللوجستي , وله تعاون تام مع حكومة بوروندي , وعن طريق هذا التعاون تمكن شخص يدعى ( غاستون سامليوت ) من أن يجمع آلاف الأنصار ل ( مجلس التحرير الوطني ) من الأفارقة القاطنين على الحدود بين ( الكونغو برازافيل ) و( بوروندي ) والهدف من ذلك هو القيام بحركة تمرد واسعه , ضباط مجلس التحرير الوطني أصبحوا الآن يساريين ( ماركسيين ) بينما أنصارهم الأفارقه كانوا يعتمدون في تنظيمهم على العلاقات القبليه والجميع تحت قيادة غاستون سامليوت

الآن أصبح لدينا تنظيمان شيوعيان يعملان في الكونغو كينشاسا الأول تحت قيادة ( الشيوعي الماوي ) باري موليلي في مدينة كويلو , والثاني ( شيوعي ماركسي ) تحت قيادة غاستون سامليوت في مدينة كيفو , وكلا التنظيمين يعملان ( حسبما قيل ) على الإطاحة بالحكومه المركزيه وبذلك التمرد أصبحت الكونغو جمرة مشتعله لن يقترب منها أحد

حصل موليلي على الدعم العسكري من الصين . فيما مد الإتحاد السوفييتي سامليوت بكل ما يحتاجه من دعم , وحين عمت الفوضى تمكن التنظيمان الشيوعيان اللذان أثارا تمرد سيمبا من السيطرة على مساحات كبيرة من البلد

حكومة الصين الشعبيه ساندت واحد من قادة التمرد يدعى ( كريستوف غيبنييه ) وحين تمكن من السيطره على مدينة ستانليفيل في آب عام 1964 حتى سارع الى إعلان ( جمهورية الكونغو الشعبيه ) على قطاع الأرض التي سيطر عليها المتمردون أما سامليوت فقد أصبح رئيسا ً عليها, وهذه الجمهورية الشعبيه ليست لها أي علاقه ب ( الكونغو برازافيل ) بل هي كيان تم إستقطاعه من ( الكونغو كينشاسا ) وهكذا عادت البلاد لتصبح تحت قيادة حكومتين واحده في ليوبولد فيل والثانيه في ستانليفيل وكل واحده منهما تدعي الشرعية لنفسها وتسعى للإطاحة بالثانيه

كيف يشعل الأمريكان حريق الحرب بين هذين النظامين ؟ قامت وكالة المخابرات الأمريكيه بمساندة الحكومه المركزيه في ليوبولدفيل فقام رئيس الوزراء تشومبي على الفور بالإتصال بشخص آيرلندي يدعى ( مايك هاور ) مقيم في جنوب أفريقيا وهو رئيس شركة تجنيد مرتزقه , وطلب منه تجنيد آلاف من المرتزقة البيض من جنوب أفريقيا وروديسيا

الآن أصبح لدينا تدخل الأمريكان والسوفييت والصينيين لمنع أي أحد من الإقتراب من الكونغو بإستعمالهم المال والسلاح والمقاتلين والإشراف العسكري . على الجانب الآخر أعلن ( اليساريون ) زعماء افريقيا غضبهم الشديد مما عدوه إستعمارا ً جديداً لأفريقيا يقوم به البيض , ولهذا دعموا الحكومة الشيوعية السوداء في ستانليفيل , التي حصلت على دعم كل من : ألفونس ماسامبا ديبا من الجاره الماركسيه الكونغو برازافيل , أحمد بن بيلا من الجزائر الواقعه تحت السيطرة الأمريكيه بعد خروج الفرنسيين منها , جمال عبد الناصر من مصر , جوليوس نايريري من تنزانيا , عدا عن جميع الأحزاب والحركات الشيوعيه في أفريقيا

في آب 1964 قامت القوات الحكوميه تصاحبها قوات المرتزقه بالهجوم على حركة سيمبا في ستانليفيل ولم يأخذوا أسرى , بل قتلوا كل من وقع تحت أيديهم . لكي تفك حركة سيمبا ما يقع عليها قامت بإحتجاز المئات من الأجانب والكونغوليين كرهائن مما دفع الحكومه المركزيه الى طلب العون من بلجيكا والولايات المتحدة الأمريكيه , عندها قامت 5 طائرات نقل أمريكيه بإنزال 350 بلجيكي قوات خاصه فوق عاصمة حكومة سيمبا : ستانليفيل

تمكنت القوات البلجيكيه من تحرير الرهائن بعد أن قتل 60 منهم , وتم أخلاء البقيه بواسطة الطائرات وكانوا 1800 أمريكي وأوربي و 400 كونغولي و 200 من جنسيات مختلفه

صاحب عملية الإخلاء وصول القوات الحكوميه والمرتزقه من ليوبولدفيل الى ستانليفيل لإسقاط حكومة سيمبا التي تفرقت على شكل جيوب مقاتله لم تتم السيطرة عليها بالكامل , وعلى الرغم من النجاح في المعارك إلا أن تشومبي خسر سمعته بسبب تعاونه مع الأمريكان والبلجيكيين والمرتزقة البيض ضد ابناء شعبه فتمت إقالته من منصبه في تشرين الأول 1965

لعبة زرع الشيوعيه في أميركا اللاتينيه لا تختلف إطلاقاً عن لعبة زرعها في أفريقيا .. ماذا تفعل الولايات المتحده الآن لكي تديم القتال في الكونغو بعد هذه الضربه الساحقه التي وجهتها الى حركة سيمبا ؟ المطلوب إمداد الحركه بالدعم المادي والمعنوي لكي تنهض من جديد . ومن سيقوم بذلك هذه المره ؟ سيقوم به فيدل كاسترو ورفيقه جيفارا الماركسيان اللذان يسيران على خطى سيمون بوليفار أول عميل للولايات المتحده الأمريكيه في قارة أمريكا الجنوبيه والذي ساعدها على إحتلال قارته بإسم تحريرها من الإسبان والبرتغاليين وغيرهم خلال القرن التاسع عشر

في 24 نيسان 1965 وصل جيفارا الى الكونغو لتعليم حرب العصابات الى خلايا سيمبا المتفرقه في أنحاء الكونغو بعد هزيمتهم الساحقه . قاد جيفارا العمليه الكوبيه الداعمه لحركة سيمبا الماركسيه بمساعدة نائبه فكتور ديريك و12 عسكري كوبي آخرين , وإنضم أليهم فورا ً 100 كوبي من أصل أفريقي لمساعدتهم في الترجمة والتدريب . وكان هدف جيفارا هو تصدير الثورة وذلك بإعطاء تعليمات في الفكر الماركسي واستراتيجيات نظرية فوكو في حرب العصابات ثم غادر الكونغو بعد 7 أشهر من قدومه إليها

بعد 5 أيام من مغادرة جيفارا الكونغو ساعدت وكالة المخابرات الأمريكيه رئيس الوزراء ( جوزيف موبوتو ) في الإنقلاب على الرئيس ( جوزيف كاسا فو ) وإحتلال موقعه . سبب ذلك هو الإستعداد لمرحلة القتال المقبله بالخبرة العسكرية التي يمتلكها موبوتو بحكم كونه كان القائد العام للقوات المسلحه في عهد لومومبا . حال وصوله الى الرئاسه أرسى سياسة الحزب الواحد , واتهم تشومبي بالتمرد فهرب تشومبي الى إسبانيا

إندلع القتال في جولته الأولى عام 1966 بين قوات موبوتو وقوات سيمبا التي تلقت تدريبات جيفارا عند جبال ستانليفيل . الجولة الثانيه إندلعت عام 1967 حين عاد تشومبي سرا ً من إسبانيا وإنضم معه 2000 مقاتل الى تمرد سيمبا لمقاتلة الحكومة المركزيه , ولم يهدأ القتال إلا بعد إختطاف طائرة تشومبي فوق البحر الأبيض المتوسط وإقتيادها الى الجزائر , حيث رمي تشومبي في السجن . بعدها شنت الحكومة هجوماً كاسحاً على المسلحين ب 32 ألف جندي فأنهت مقاومتهم

على مدى العقود الثلاثة التاليه حكم موبوتو بلداً فقيراً على الرغم من الموارد الطبيعية الهائلة في البلاد بما في ذلك النحاس والذهب والماس . السكان يغرقون يوميا ً في المزيد من الفقر . أما ثروة موبوتو شخصياً فتقدر ب 5 مليار دولار أمريكي ، في حين بنية البلاد التحتية للبلاد خربه بشكل كامل

عام 1971 تم تغيير أسم البلاد الى : زائير ، إضافة الى تغيير إسم العاصمه من ليوبولدفيل الى : كينشاسا , ستانليفيل أصبحت : كسنغاني , أليزابثفيل تحولت الى : لوبومباشي , جادوتفيل : ليكاسي , و ألبرتفيل تغير إسمها الى : كاليماي .

خلال التسعينات ومع إقتراب حل الإتحاد السوفييتي فترت الحرب البارده , وبفتورها أوقفت الولايات المتحده الأمريكيه جميع أشكال الدعم التي تمنحها لحكومة موبوتو .. عندها ساءت أحوال البلاد بشكل كبير وعمّت الفاقه المدقعه

مايس 1990، وافق موبوتو على مبدأ نظام متعدد الأحزاب مع إجراء الانتخابات وتعديل الدستور . ولكن تأخرت عملية الإصلاح

بدأ الجنود ينهبون كينشاسا في سبتمبر 1991 احتجاجا على عدم دفع أجورهم وعم العنف فوصل 2000 جندي فرنسي وبلجيكي ، نقلوا جواً بطائرات سلاح الجو الأمريكي ، لاخلاء 20 ألف من الرعايا الأجانب المهددين بالموت في كينشاسا نتيجة العنف

مذابح الهوتو والتوتسي في رواندا الجاره إنتقلت الى الكونغو كينشاسا عبر مخيمات اللاجئين الروانديين في الكونغو , ووجود قبال توتسي وهوتو مشتركه بين البلدين الجارين , ومع الفساد الإداري والجوع تحول العنف الى إحتجاجات على الحكومه

بدأ ( لورانت دزيريه كابيلا) عام 1996 حركة عسكرية في شرق البلاد هدفها أزاحة موبوتو عن الحكم . كان موبوتو خارج البلاد يتلقى العلاج الطبي ، قطع رحلته وعاد لسحق التمرد . في مايس 1997 هرب موبوتو إلى خارج البلاد وطلب موافقة فرنسا منحه العلاج الطبي ، لكن الحكومة الفرنسية رفضت فإضطر البقاء في المغرب ومات بعد 4 أشهر من ذلك

عندها إصبح كابيلا رئيساً للبلاد بالتزكية في 17 مايس 1997. وعاد اسم البلاد إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية

ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.