د. ميسون البياتي
ولد ( أمبرويس بول توسنت فاليري ) عام 1871 وتوفي عام 1945 وهو شاعر فرنسي ومؤلف وفيلسوف , وبالإضافة الى شعره ومسرحياته كان مولعاً بالأقوال المأثوره والتاريخ وأدب الرسائل والموسيقى . تم ترشيحه لنيل جائزة نوبل 12 مره في 12 سنه مختلفه لكنه لم يحصل عليها
ولد بول فاليري في كورسيكا على ساحل البحر الأبيض المتوسط وسط عائله من الرومان الكاثوليك وواصل تعليمه الجامعي في القانون ثم عاش في باريس لما تبقى من حياته حيث كان واحداً من أقطاب حلقة الشعراء المحيطين بالشاعر الفرنسي الرمزي ستيفان مالارميه
عام 1900 تزوج بول فاليري من فتاة صديقه لعائلة ستيفان مالارميه ورزق منها بثلاثة ابناء : كلاود , أغاثا و فرانسواز
عمل بول فاليري محكِّماً في مؤسسة ( فلورانس ماير بلومنثال ) وهي كما توصف : ( محسنه أمريكيه ) أسست هذه المؤسسه ( فرانكو _ أمريكيه ) وكانت تمنح جائزة ( بريكس بلومنتال ) الى الرسامين والنحاتين والنقاشين والموسيقيين الفرنسيين الشباب لغرض تأسيس علاقه للحكومة الأمريكيه بطبقة المثقفين الشباب الفرنسيه . وبالنظر لمشاغل بول فاليري مع هذه المؤسسه فهو لم يصبح كاتباً متفرغاً حتى منتصف عشرينات القرن العشرين , حين توفي الرئيس التنفيذي لوكالة ( آفاس ) الفرنسيه للأخبار فحل بول فاليري محله وشغل الوظيفة مدة 20 عام
عام 1925 تم انتخابه عضواً في مجمع اللغه الفرنسيه فتحوّل بول فاليري الى خطيب لا يكل من العمل والتحدث في الشأن الفرنسي وقام بالعديد من الجولات في اوربا لإلقاء المحاضرات حول القضايا الثقافيه والإجتماعيه فضلاً عن توليه العديد من المناصب الرسميه التي قدمها له الفرنسيون بكل إعجاب بشخصه وفكره حيث كان ممثل فرنسا للشؤون الثقافيه في عصبة الأمم التي تم حلها فيما بعد وتأسيس الأمم المتحده على انقاضها بعد الحرب العالمية الثانيه بسبب أن الولايات المتحده الأمريكيه رفضت الإنضمام الى عصبة الأمم وقاطعت أعمالها لأنها كانت تريد للولايات المتحده دوراً أكبر في تسيير العالم . ولم تزل تقارير بول فاليري التي توثق نشاطاته محفوظة مع أرشيف عصبة الأمم حتى اليوم
عام 1931 قام بول فاليري بتأسيس ( كلية كان الدوليه ) وهي مؤسسه تعليميه لتدريس اللغة والحضارة الفرنسيه , والكليه لم تزل عاملة حتى اليوم وتمنح شهادات في الثقافه والقانون والأعمال للفرنسيين والطلبة الأجانب
عام 1932 ألقى بول فاليري الخطاب الرسمي في الإحتفال الوطني الألماني لمناسبة الذكرى المئويه لوفاة الشاعر الألماني غوته , وكان لدراسة بول فاليري عن حياة غوته التي سبقت إلقاء الكلمه أثر كبير في مشاركة فاليري الولع مع غوته في حبه لعلم الأحياء والبصريات , وأثره الكبير في إستلهام بول فاليري لمسرحية غوته ( فاوست ) في العمل الذي كتبه فاليري فيما بعد تحت عنوان : فاوست كما أراه
بالإضافه الى نشاطه في مجمع اللغة الفرنسيه كان عضواً في اكاديمية العلوم في لشبونه , وعضوا ً في ( الجبهه الوطنيه للكتّاب ) منذ العام 1937 ثم تم تعيينه رئيساً تنفيذياً لما أصبح يعرف فيما بعد بإسم ( جامعة نيس ) إضافة الى حصوله على كرسي تقييم الشعراء في مجمع اللغة الفرنسيه
خلال الحرب العالمية الثانيه وبعد سقوط باريس تحت الإحتلال الألماني قامت الحكومه الفرنسيه الجديده المواليه للألمان ( حكومة فيجي ) بإنهاء علاقته بالكثير من وظائفه لأنه رفض التعامل مع هذه الحكومه كما رفض الإحتلال الألماني , ورغم كل مصاعبه إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة والنشر
عام 1945 توفي بول فاليري عن عمر 74 سنه فأعيد جثمانه الى مسقط راسه في مدينة سيت ودفن في مقبرتها التي تم تحويل إسمها الى ( المقبرة البحريه ) تيمناً بقصيدة لبول فاليري تحت نفس العنوان
يعد بول فاليري ( آخر الشعراء الرمزيين الفرنسيين ) نشر حوالي 100 قصيده دون أن يلتفت إليه أحد , أصيب بأزمة نفسيه خلال عاصفة ثقيله وقعت عام 1892 ثم توقف عن الكتابة كلياً عام 1898 وكان السبب في ذلك هو وفاة الشاعر ستيفان مالارميه , إستمر هذا الصمت الكبير حتى عام 1917 حين كسره فجأة بقصيدته ( لاجون باركيه ) وكان في 46 من العمر . تتضمن القصيده 512 سطراً من الشعر , مقسمة الى مقاطع وبإيقاعات مختلفه , جلبت لبول فاليري شهرته كشاعر .. بل كأعظم شعراء القرن العشرين الفرنسيين
إختار بول فاليري عنوان ( لاجون باركيه ) لقصيدته إشارة الى واحد من آلهة المصير الرومان , رغم أن بعض القراء يرى أن الربط الأسطوري بين القصيده وهذا الإله بعيد ومعقد بعض الشيء
كتبت القصيده بلسان المتحدث وهو يخاطب إمرأة شابه تفكر في الحياة والموت , والمحبة والقطيعه , والمشاركه أو الإنسحاب , وفي مشهد على شاطيء البحر حيث السماء والنجوم والمنحدرات الصخريه والشمس المشرقه
لا تقرأ القصيده بهذا التبسيط السطحي فهي ترمز الى مصير يحرك الشؤون الإنسانيه , أو محاولة لفهم العنف المروع في أوربا خلال فترة الحرب العالمية الأولى , أو هي محاوله لمعالجة العلاقه بين الجمال والدمار في الحياة بأسلوب كلاسيكي يضاهي ما موجود في مسرحيات سوفوكليس وإسخيليوس اليونانيه , بالإضافه الى لمحات تربط القصيده بقصيدة ( المقبره البحريه ) التي تتضمن تأملاً لموضوعات كبرى على شاطيء البحر
في الفتره بين عامي 1920 _ 1922 نشر بول فاليري بعض الموضوعات والقصائد وبضمنها دراسه عن ليونارد دافنشي ومجموعه شعريه صغيره عنوانها ( ألبوم القصائد القديمه ) ومجموعة أخرى بعنوان ( كارميا ) وكارميا هي كلمه لاتينيه معناها ( أغنيات ) . كتابات بول فاليري تشبه الى حد كبير كتابات مالارميه , ألهمت شعراء أمريكان عده من امثال جيمس ميريل وإدغار بويرس الكثير من مواضيعهم واسلوب كتاباتهم
كتاباته النثريه أكثر وفره وتتخللها العديد من الأقوال المأثوره والأفكار وتكشف عن نظرة محافظه متشككه بالطبيعة البشريه وتكاد تكون ساخره , رغم ذلك لم يكتب بول فاليري أو يدعم أي ما يساند الإستبداد خلال حياته , ولذلك فشخصيات مثل رايموند بونكاريه , لويس دي برولي , هنري برغسون وألبرت إنشتاين كانوا يحترمون أفكار بول فاليري وتربطهم به صلات جيده , وغالبا ً ماكانوا يطلبون منه الكتابه في مواضيع ينتقونها هم .. فكانت النتيجه 5 مجلدات من المواضيع التي كتبها تم جمعها تحت عنوان : منوعات
من أفضل كتابات بول فاليري هي كتابته لمذكراته . كل صباح كان يضيف لها شيئاً جديداً وهو الذي كتب عنها يقول : كنت أكرس عقلي في كتابتها لساعات بما يمنحني الحق لأن أبقى غبياً بقية اليوم . وقد تضمنت هذه المذكرات موضوعات في العلوم والرياضيات والأقوال المأثوره