روزانا بومنصف
خلال ما يزيد على ثلاثين عاما مارس فيها النظام السوري سيطرته على لبنان من بداية الحرب الاهلية فيه، تمسك هذا النظام بمعادلة او صيغة رفعها في وجه كل المؤتمرات واللجان والجهود التي بذلت من اجل ايجاد حل للحرب في لبنان.
فالعبارة الوحيدة الاساسية التي كان يكررها النظام السوري للدول العربية والاقليمية على حد سواء كما للبنانيين الذين اضحى مرجعيتهم رسميا بعد اتفاق الطائف هي ان الحل في لبنان يكمن في توافق اللبنانيين انفسهم، وفي الحوار في ما بينهم، فيما كان يتولى هو رعاية منع التوافق بين اللبنانيين من خلال تغذية تنظيمات او دعم افرقاء كانوا يرفعون من سقف مطالباتهم وشروطهم الى درجة تعطيل اي توافق وحتمية الاستعانة بالنظام السوري من اجل ممارسة ضغوط او الايحاء بممارسة ضغوط من اجل الدفع في اتجاه الحل وكسب الصدقية لدى الدول الغربية التي كانت تسلم بهذا المنطق لعدم رغبتها في الانغماس في لبنان على رغم معرفة الاستخبارات والديبلوماسيات الغربية كيف كانت تحصل الامور فعلا. وحين توافر الحل في العام 1989 كان للنظام السوري حصة الاسد من خلال التسليم دوليا بشرعية وصايته على لبنان.
ومع انطلاق المشاورات الدولية قبل ما يزيد على عام ونصف عام من اجل ايجاد حل للازمة في سوريا، يكرر المسؤولون الروس ازاء ما يرونه من حل لهذه الازمة المعادلة نفسها التي كان يستخدمها النظام السوري من اجل منع الحل حتى يحصل على ما كان يريد من لبنان وضمه الى سوريا في شكل او في اخر. يقول المسؤولون الروس ان الحل يعود الى السوريين انفسهم، والى الحوار في ما بينهم، على رغم ان هذا الحوار لو قبل به النظام لدى اندلاع الثورة ضده قبل ثلاث سنوات لما وصلت الامور الى ما وصلت اليه او حتى لو قبل بالحوار الجدي وغير الاستعلائي حتى ما بعد ستة اشهر وربما اكثر على اندلاع الثورة. الا ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استبق محاولة تسخيف دعوته السوريين الى الاتفاق او حصرها بهم من خلال قوله ” اننا نحضر السوريين ليتفقوا في ما بينهم. قد يبدو هذا الكلام ساذجا لكن في واقع الامر لا طريق آخر غيره اذ بالامكان الضغط على الطرفين ودفعهما الى الجلوس الى طاولة المفاوضات والبحث في شكل حقيقي عن حل توافقي ” لافتا الى ” انه لا يجوز فرض نموذج للتسوية على اطراف النزاع في سوريا بل البحث عن حلول وسط بانفسهم”. الامر الذي يرجح بقاء الامور على حالها في احسن الاحوال ومحاولة النظام فرض بقائه واستمرار نظامه على السوريين كما فعل حتى الآن.
لذلك، فإنه حين يقول الروس بان الحل السياسي يكمن بين السوريين انفسهم فيما انه ليس واضحا لا بل ثمة شكوك حول مدى الضغط الذي تمارسه روسيا على النظام لتقديم تنازلات جدية من اجل الحل، فانما يعني ذلك استمرار المراوحة ما دامت روسيا تستمر في تقديم الاسلحة للنظام وتعتمد او تتبنى منطقه وقد استغرق الغرب اكثر من سنة بعد الاتفاق على بيان جنيف 1 في حزيران 2012 من اجل اقناع روسيا باهمية دعم هذا البيان كخارطة طريق للانتقال بسوريا الى حال اخرى.
ويرجح البعض ان تستخدم روسيا هذه الذرائع لادراكها ان الحل ليس ناضجا بعد لا على المستوى الدولي ولا على المستوى الاقليمي مع اعلان ايران ايضا رؤية مختلفة لها للحل في سوريا من خلال تبني بعض اجزاء المنطق الذي قال به بشار الاسد قبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2. وهي الاجزاء المتصلة باجراء انتخابات حرة وديموقراطية كما قال الرئيس الايراني حسن روحاني بالتزامن مع تلويح وزير خارجيته جواد ظريف من دافوس باحتمال دفع ايران في اتجاه انسحاب حزب الله من سوريا اذا وجدت من يدفع الثمن المناسب لها.
الموقف الايراني الرسمي بدا مماثلا لما ابداه الاسد من تنازلات شكلية لجهة قبوله برعاية دولية لهذه الانتخابات فيما لا يتمتع النظام باي صدقية لجهة احترام قواعد اللعبة الديموقراطية، وهو لو فعل، لادرك او اعترف كما تقول مصادر سياسية بان غالبية الشعب السوري لم تعد تريده، وان عليه ان يتنحى من اجل ان يوفر على سوريا المزيد من القتل والتدمير.
لكن المسألة لم تعد تتعلق بالسوريين وحدهم بعدما دخلت قوى اقليمية ودولية على الخط باتت تستخدم السوريين وما يجري في سوريا من اجل المقايضة او تحقيق المكاسب تماما كما فعل النظام لمدة ثلاثين عاما في لبنان. ولذلك، قياسا على الحرب اللبنانية والحروب الاخرى في مناطق عدة من العالم، فان السوريين في حاجة الى خارطة طريق هي حتى الان بيان جنيف 1 حول تأليف سلطة انتقالية تتسلم الحكم وتكون لها السيطرة على الامن والجيش فيما لا يزال النظام يرفض الاقرار او التزام خارطة الطريق هذه.
كما هم في حاجة الى دفع دولي ثابت وحازم مبني على توافق اقليمي ودولي يتعلق بتقاسم النفوذ في سوريا وتاليا في المنطقة. وما دام العنصران غير متوافرين يستمر سهلاً رمي كرة محاولة ايجاد حل على السوريين انفسهم الذين فقدوا زمام تقرير مصير بلادهم وحدهم، وباتوا رهينة الحسابات الدولية والاقليمية والحقد والانتقامات التي اثارها القتل الذي استهله النظام في بلاده.
*نقلا عن “النهار” اللبنانية