لقراءة الجزء الخامس: الجزء الخامس من سلسلة دراسة الوضع في سوريا
لقراءة الجزء الرابع اسبح عكس التيار
الجزء الثالث: القط بحب خناقو
الجزء الثاني: قوة الخرافة
الجزء الأول: نعم أنا علوية وأفتخر
في قصة للكاتب الأمريكي الرائع ارنست همينغوي بعنوان: الشمس تشرق أيضا
The Sun Also Rises
أحد أبطالها يسأل الآخر:
How did you go bankrupt ?
كيف أفلست؟ فيرد الآخر:
Gradually, then suddenly
(تدريجيا ومن ثم فجأة)!!
ليت قارئي يستوعب الفكرة استيعابا كاملا كي يصل إلى حيث أريده أن يصل. نعم لقد أفلست سوريا على كل صعيد خلال الخمسين عاما الأخيرة، ولقد جاءت السبع سنوات الأخيرة من تلك الحرب القبيحة لتختم على حتمية هذا الإفلاس. ولقد حمل الكثيرون الحكم “النصيري” مسؤولية ذلك الإفلاس، رافضين بل وعاجزين أن يروا الصورة كاملة كي يدركوا مكامن الخلل!
إذ أنه في حقيقة الأمر ـ بدأ افلاسنا تدريجيا وعلى مدى ١٤٠٠ عام، ثم سقطنا فجأة خلال آخر خمسين سنة. لأن الظروف الدولية ساهمت في اعطاء آخر دفشة لهذا القارب الذي فقد بوصلته الاخلاقية. فقدها منذ اللحظة التي آمن بها بشرعيّة الغزو والسبي وسرقة الغنائم. نعم ، كما هي السعادة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى التزامك الأخلاقي، كذلك التعاسة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى افلاسك الأخلاقي! والإفلاس الأخلاقي لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل لا بدّ أن يحدث على مدى عصور كي يستطيع ان يُحدث هذا الكم الهائل من التخريب الذي ضرب ذلك العالم المسمى ـ إسلاميا ـ إذ لا يوجد بلد اسلامي آخر إلا ومفلس على كل صعيد، رغم أن حكامهم سنيون بالمطلق!!
……..
أحيانا وعندما أعود لقراءة ردودي على تعليقات القراء، أرى في بعضها من العنف مالا أعكسه عموما في حياتي الشخصية.
فأنا ـ يعرفني كل من تعامل معي عن كثب ـ أرق من جنح فراشة، ولم اؤذِ يوما شخصا عن سابق قصد وتصميم. عندما أقرأها ابتسم بألم، وأرى فيها بعضا من الثقافة التي تشربتها. تعيدني ردودي العنيفة إلى وجه مدرس التربية الدينية الاستاذ عمر عمّار، عندما روى لنا كيف كان محمد يدعو ربه ليعزّ الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو عمر بن هشام!
لماذا؟ يجيب استاذنا: لأنهما كانا شدديّ البطش!!!! ثم يتابع منتشيا كما ينتشي شارب الخمرة : فأعزّه الله بكلا العمرين!!!
كما تشربت الطالبة السنية تلك الثقافة التي تكرّس البطش تشربتها أنا، رغم أن حياتي في البيت لم تعكس يوما المواقف “العمريّة “، إذ أن العلويين لا يؤمنون بأي من العمرين! لذلك، وكثمرة للتربية المدرسية التي تعتمد ثقافة الأكثرية استقرت باللاوعي عندي قناعة تؤكد أن البطش هو أفضل طريقة للتعامل مع الآخر عندما يختلف عنك. ورغم أنني عشت نصف عمري في أمريكا، وحاولت على مدى الثلاثين سنة الأخيرة أن أغسل ذلك اللاوعي بأفضل أنواع الأسيد، كي أتخلص من تلك الأفكار الشريرة، وأستبدلها بما يفيدني ويفيد الآخرين. لكن بين الحين والآخر لا بد أن تطفو ثقافة البطش العمرية على ساحة الوعي عندي وتسيّر سلوكياتي، فالعلم في الصغر حديّ وثابت كالنقش في الحجر، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فشلت كل المخابر العلمية في العالم أن تخترع أسيدا يستطيع أن يطهر اللاوعي من أدران الطفولة وإلى الأبد!
……
إذن، لا تستطيع أن تقولبني بنفس القالب الذي قولبت به الطالبة السنيّة، ثم تحاسبني على تصرفاتي بناءا على !علويتي
هل أحد فيكم يستطيع أن ينكر أن الثقافة الإسلامية بشكلها السني الاصولي هي التي أنجبت كل منا بغض النظر عن خلفيته الدينية أو الطائفية أو العرقية؟ لقد ساهمت تلك الثقافة وإلى حد كبير في مستوى تعاستنا، سواء كان الحاكم سنيا أو “نصيريا” كما يروق للبعض أن يشتم العلويين، أو حتى مسيحيا كما هو الحال مع رؤساء لبنان!
لقد استنبطنا شيفرتنا الأخلاقية بالكامل من هذه الثقافة، لنكتشف بعد ١٤٠٠ سنة أننا في حقيقة الأمر تجردنا من كل أثر لشيفرا أخلاقية!
……….
أقنعونا بأن محمدا جاء ليتمم مكارم الأخلاق، وأتحدى أيا منكم أن يثبت لي أنه أتى بمكرمة واحدة لم تكن موجودة من قبل، باستثناء نكاح الميتة والبهمية والمحارم وإرضاع الكبير وفقه الضراط، وتجاوز محمد لكل المكارم الأخلاقية التي كان معمولا بها سابقا.
في العصر الذي يسمونه ظلما العصر “الجاهلي” يتحفنا عنترة العبسي في إحدى قصائده مفتخرا بأخلاقه، يتحفنا بقوله:
يُخبركِ من شهد الوقائع أنني…أغشى الوغى وأعف عند المغنم
أعف عند المغنم…..
أعف عند المغنم……
نعم، كانت التعفف عن سرقة الغنائم فضيلة أخلاقية، ولما جاء محمد “متمما” لمكارم الأخلاق، حلل تلك السرقة وشرّع خمسها له ليس هذا وحسب، بل تكرم على الله وجعله شريكا له في هذا الخمس!!!
……….
لقد أفلسنا تدريجيا، ثم سقطنا فجأة وبالضربة القاضية….. تماما كما حدث لتلك القرية التي قرأت قصتها يوما، ونسيت في أي بلد كانت. قرية اجتاحت بيوتها الخشبية يوما أسراب من الديدان الصغيرة التي تنخر الخشب، وتكاد لا ترى بالعين المجردة
كان السكان يسمعون قرقرة الدود داخل الخشب لكنهم لم يهتموا يوما بالأمر، حتى وفي أحد الأيام هبت ريح شديدة فانهارت البيوت الهشة المنخورة كلها، وعلى من فيها!!!
رياح التغيير السياسية التي هبت مؤخرا في العالم، ومن ثم ضربت العالم الاسلامي لم تكن سببا رئيسيا لافلاسه، لكنها أعطت مركبه الهش المنخور آخر دفشة، وكانت دفشة مفاجئة أغرقته بالكامل!!
…..
إذا لم تستطع أربعمائة عام من الحكم العثماني، بجيشه الانكشاري المدجج بالعقيدة الإسلامية، إذا لم تستطع أن تعلم عربيّا كلمة واحدة باللغة التركية، ناهيك عن بناء مدرسة أو جامعة، أو إصدار قانون انساني، فلماذا تتوقع من حاكم آخر سواء كان “نصيريا” أو اسلاميا على الطريقة السنية أو حتى مسيحيا على الطريقة المارونية، أن يأتي بشيء أفضل خلال بضعة عقود طالما ابتلينا بنفس الشيفرا الأخلاقية؟؟؟؟ والأنكى من ذلك، مازالوا يسمون الاستعمار العثماني فتحا…. يا له من فتح!
……
يقول انشتاين: لن تستطيع أن تحل مشكلة طالما تتناولها بنفس العقلية التي أنجبتها!!!
*******************************
للحديث تتمة، فتابعوني….
وفاء سلطان ، يعجبني تحليلك واستمتع غالبا بكتابتك. لدي وجه نظر مكمله. ان الباطنيه والكذب،وترديد الاجوبه ببغائيا، واتباع القطيع ،مكرمات سنيه بامتياز. مثلا لماذا الولدان المخلدون في الجنه الاسلاميه ،الجواب لان من منع نفسه وعف في الحياه يسمح له بكل اشكال الشذوذ في الجنه. او لماذا اخطاء القران اللغويه او التاريخيه او الجغرافيه ،هي لان الله يعرف اكثر ويسمح له بما لا يسمح لغيره .هذه الافكار التافهه اساس الحياه الاسلاميه فلا عفه لانها اجمل ولا حقيقه لانها اوضح واشمل ولا مساعده او تبني لانهما يسموان بالعقل والروح انما كل شيء حتى الدعاء لإلاه الاسلامي السطحي ،والبسط،والعنيف هو بميزان لنيل مقابل. لقد قتل التفكير الاسلامي ايه عبقريه او انسانيه في نفوس المشرقيين لذا نجد بعض السمو الروحي والعلمي عند مغادره ارض الوباء الاسلامي بينما تعطي حتي الاشجار المثمره في بلاد الوهم الاسلامي شوكا وعلقما وموت.
المشكلة أخت وفاء يؤولون تاخرهم وانحطاطهم الى الاستعمار بالوقت الذي ان الاستعمار افادهم اكثر مما ضرهم . نعم لا ننكر ان الاستعمار استفاد ولكن بنفس الوقت افاد فتح لهم جامعات واستورد اساتذة أسس كل البنى التحتية من مستشفيات وجسور وكهرباء وإسالة ماء وحتى اخلاق الناس في زمن الاستعمار كانت أفضل . انظري الى عدد الثورات وكم سالت دماء بعد رحيل الاستعمار