لقراءة الجزء الرابع اسبح عكس التيار
الجزء الثالث: القط بحب خناقو
الجزء الثاني: قوة الخرافة
الجزء الأول: نعم أنا علوية وأفتخر
طرحت سابقا تساؤلا، رفض كل الجبناء من السنة والعلويين الذين تحاملوا علي ونعتوني بالكذب وبالطائفية، رفضوا
أن يُجيبوا عليه، تظاهروا بأنهم لم يقرأوه، لأنهم عجزوا على أن يفندوه! جاء التساؤل على الشكل التالي: هل يقبل أي سني يعيش في بلد غربي أن تعلّم المدرسة ابنه قسرا بأن المسيح قد صُلب؟؟؟ فلماذا تفرضون علي كطفلة قهرا وقسرا وغصبا أن أتعلم بأن عمر بن الخطاب كان من الصحابة المبشرين بالجنة وطائفتي لا تؤمن بذلك؟؟؟؟ لماذا تتوقعون من العلوي أن يكون عادلا في حكمه ويساوي بين الجميع، وهو خريج ثقافة لا تقيم وزنا للآخر، ولا تعترف بحقه في أن يكون نفسه؟؟؟؟؟
أنا كخبيرة في علم النفس لا أستطيع أن افرض نمطا ثقافيا على طفل وأتوقع منه أن يخرج إلى الحياة ليتجاوز بسلوكياته
حدود ذلك النمط؟؟؟؟ هل استطاع الحاكم السني في أي بلد آخر أن يتجاوز جرائم الحكم “النصيري”” في سوريا؟؟؟
طبعا لا! لأنه ولأن الحكم النصيري خريجو نفس الثقافة!!
إذن، طالما تفرض ثقافة الأكثرية بالقوة، وحدها تلك الثقافة مسؤولة عن سلوكيات أي شخص يعيش في المجتمع سواء كان ينتمي إلى الأكثرية أم إلى الأقلية.
……
مانتعلمه (سواء من خلال المناهج الدراسة أو وسائل الإعلام) ليس إلا شكلا من أشكال القمع الذي تمارسه خلسة ثقافة الأكثرية؟؟؟ نعم خلسة وعلنا!!! الكل يذكر ماتعلمناه حتى في دروس اللغة العربية.
أذكر درسا لغويا ولا أنساه، وكيف تحول خلسة من درس في النحو إلى درس في التربية الاسلامية. كان الدرس حول “كيف يتقدم المفعول به أحيانا على الفاعل” ذكر المدرس مثالا الآية التي تقول: (انما يخشى الله من عباده العلماء)، ثم انحرف عن الغاية من الدرس، وراح يشرح كيف يجب أن نخشى الله، حتى تحولت الصورة في أذهاننا بالمطلق إلى جهنم وعقابها! ولا أعتقد أن ما بقي في ذهن أي تلميذ يومها يتجاوز حدود الخوف من الله ومن عقابه! والحشو الفكري الذي يتسلل خلسة إلى الدماغ هو من أخطر أشكال البرمجة الفكرية!!!
………….
تحضرني هنا عبارة قالتها إحدى القبيسيات في سوريا واسمها “اسماء كفتارو”، والذي يدمي القلب حزنا أن الكثيرين من “العلمانيين” في سوريا تداولوا عبارتها تلك على صفحات الميديا الاجتماعية، لأنهم رأوا فيها مدخلا إلى سوريا العلمانية.
تقول العبارة: كل مدرسة هي بيت الله، كل جامعة هي بيت الله(!!!!)
لا ياسيدتي القبيسية، ليست كل مدرسة بيتا لله، ولا كل جامعة بيتا لله، وحده جامعك بيت الله!! لقد سمحنا لله (الذي تعبدينه) أن يتسلل إلى مدارسنا وجامعاتنا ودفعنا ثمن ذلك التسلل. اتركي الله محشورا دخل جدران معبدك، وداخل بيتك، ولو كنت تفهمين الله ـ كما تفهمه وفاء سلطان ـ لتركتيه داخل قلبك!
…………….
هذا الواقع الذي نعيشه في أي بلد اسلامي، هو حقيقة علمية لا غبار عليها. إنها خاصية “الانصياع” التي تقود الفرد خلف الجماعة سواء آمن بسلوك تلك الجماعة أم لم يؤمن ويطلقون عليها في علم النفس الاجتماعي
Social conformity
وهي تزداد حدة في المجتمعات القمعيّة على غرار المجتمعات الاسلامية! هل أحد فيكم ينكر أن الطفل العلوي (أو أي طفل ينتمي إلى أقلية أخرى) كالطفل السني قد عاني من تسلل الفكر الاسلامي بشكله السني إلى تلافيف دماغه وفعل فعلته؟؟؟؟
طفل علوي يقرأ أن نبيه كان يستولي على خمس الغنائم، ويعرف لاحقا أن كلمة “غنم” تعني بالمعجم العربي “سرق ماليس له” هل سيخرج هذا الطفل إلى الحياة أمينا ومخلصا ونزيها وشريفا أكثر من أخيه السني الذي تشرب في طفولته نفس الفكرة؟؟؟؟؟
…..
بغض النظر عن طبيعة الثقافة العلوية، حتى ولو كانت أبشع من الثقافة السنية، لو مارس هذا الطفل ثقافته بحرية لكان اختلافه مع أخيه السني قد عدّل لاحقا من سلوكيات الاثنين، لأن كل واحد منه سيكون حريصا على ابراز أحسن مالديه. ولكن طالما ينهل الاثنان من نفس المنبع، هذا الامر سيجبر العلوي أن يكون ناتجا للثقافة العامة، وفي الوقت نفسه يسمح للسني أن يوصم سلوكيات هذا العلوي بعلويته، متجاهلا أن هذا العلوي قد خرج من نفس الرحم الثقافي!
….
لو سألتني ماهي التركيبة النفسية التي تسير الواقع في سوريا لقلت على الفور: سني يدّعي بأن الحكم “نصيري” وعلوي محكوم حتى شوشة رأسه ولكنه يتجاهل مايدعيه السني.
إذا عدنا إلى السيناريو الذي رأيته في مطعم ستراند بحلب ١٩٧٩ وطرحت سؤالا: من هو القائد الحقيقي في هذا السيناريو؟؟؟
هل هو التاجر الحلبي السني؟؟؟ أما هو الضابطان العلويان؟؟؟؟
الدنيا رمضان والتاجر صائم، لكنه لا يتورع أن يدعو ضابطين عليويين على مائدته ويدفش قطع اللحم في فمهما، طالما يحرضهما على معاقبة تاجر آخر وسني مثله
صح هما يستغلان موقعهما السلطوي، ولكن بتوجيه من التاجر السني، وكونه سني يسهل عليهما مهمة الاعتداء على سني آخر ـ ولو باللاوعي ـ عندهما. كون المنفذ علوي يخفف من عقدة الذنب عند السني، وكون المحرض سني يخفف من عقدة الذنب عند الضابطين العلويين. كل طرف ـ باللاوعي عنده ـ يعتبر الطرف الآخر مسؤولا إلى حد ما عن قباحة الوضع.
……
هل يتصور أحد فيكم لو كان رئيس سوريا سنيا سيخرج مصطفى طلاس إلى الملأ ليعترف وبسهولة لا تضاهيها سهولة أنه تقاضى عشرين مليون دولار بخشيشا إثر صفقة اسلحة أبرمها مع بريطانيا، وبأنه تبرع بها إلى الأميرة ديانا؟؟؟؟
مستحيل وألف …الف مستحيل…..
ولكن كون الرئيس “نصيري” يسهل على طلاس تلك المهمة، فبالنهاية الكل مقتنع أن الحكم نصريّ وفاسد، وفساد طلاس ليس إلا جزءا من ذلك الحكم، ويصب في المرمى العلوي!
بعد ثلاثين عام من حياة مليئة بالفساد والعربدة والتشبيح فرّ عبد الحليم خدام خارج سوريا، وراح يتحدث باسهاب عن فساد الحكم فيها
طبعا هو ـ وبكل وقاحة ـ تجرأ على فعل ذلك، لأنه يعلم أن سنيته تحميه، وأن الرأي العام يحمّل “النصيريين” مسؤولية الوضع المتردي، فأراد أن يعطي هذا المركب الغرقان بعد أن خرج منه دفشة!
………….
المستفيدون من العلويين كانوا ينشدون العلو ولو على خازوق، ولم يهمهم يوما أنهم يعلون وغيرهم من العلويين يتخوزق.
سكتوا على حتوتة الحكم “النصيري”، لأن التهمة أوهمتهم بأنهم فعلا يمسكون بزمام الأمور. أمّا البقية الباقية من العلويين فأكلت خرا وخرست، لأنها توهمت بان خازوق علوي يحكم أفضل من خازوق السلطان العثماني الذي مازال مغروسا في مؤخراتهم! ومازالت هذه التركيبة النفسية مستمرة حتى تاريخ هذه اللحظة.
العلويون الذين هللوا لبوستي السابق هم الفئة التي تخوزقت وصمتت، أما الذين اتهموني بالطائفية فهم المستفيدون من الوضع!
………………..
لا أحاول أن انزهه العلوية والعلويين، فهم بالنهاية جزء من النسيج الاجتماعي وثقافتهم لا تجنح كثيرا عن الثقافة العامة
ما أحاول أن ابرهن عليه هنا انه لو القمع الثقافي والديني، ولولا حشر كل الطوائف في نفس الثوب، لأدى تصارع تلك الطوائف فكريا إلى تنقية الفكر الجمعي، في محاولة ليثبت كلّ طرف سموه الفكري والأخلاقي! ولكن في هذا المستنقع الراكد ضاعت الطاسة، وكل طرف يحمل الطرف الآخر مسؤولية الوضع.
………….
جورج واشنطن أول رئيس لأمريكا وأحد الآباء المؤسسين لتلك الدولة قال يوما
Human happiness and moral duty are inseparably connected
(سعادة أي شعب ترتبط ارتباطا وثيقا بالتزامه الأخلاقي) وقوله هذا يتعاضد مع قول آخر للمفكر الأمريكي
Chris Brady،
والذي جاء في كتابه:
Launching A Leadership Revolution
(إطلاق ثورة في عالم القيادة) قول جاء فيه:
To have a high quality of life, we must have a high quality of thought
(لكي نعيش حياة ذات نوعية جيدة يجب أن نملك أفكارا ذات نوعية جيدة) الأمر الذي يؤكد أن وضعنا المخزي هو انعكاس لعدم التزامنا بالشيفرا الأخلاقية، ليس هذا وحسب، بل انعكاس للقحط الفكري الذي ابتلينا به، منذ أن سقطت عقولنا رهينة الفكر الإسلامي!
**************************************
للحديث صلة.
أرجو المقارنة بين صورتين، واحدة عبارة عن وظيفة قامت بها حفيدتي وهي الاجابة على موضوع انشائي “ما الذي يجعل جدتك شخصا مميزا في نظرك”، وأخرى تطلب من الطفل في سوريا أن يكتب “الاسلام ديني، وكل دين غير الاسلام باطل”.
وعليكم من خلال المقارنة أن تعرفوا سرّ الخلاف بيننا وبينهم! بالمناسبة، جازي قالت: (جدتي شخص مميز لأنها ألفت كتابا وظهرت بالتلفزيون ولأنها تحبني وأحبها)، وكانت جازي يومها في السادسة من عمرها!