بقلم/ د. ماجد عزت
في ذكرى نياحة البابا كيرلس السادس(1959-1971م) والذي اسمه العلمانى قبل الرهبنة “عازر يوسف عطا” تولد (2 أغسطس 1902م) حصل على “البكالوريا” عام 1921م ، وعمل لدى شركة “كـــوك شيبينج”وكان نمـــوذجـاً للامانة والمحبة والطاعة والاخلاص ، وظل يعمل حتى سلك طريق الرهبنـــة في عـــام 1927م ، وعرف باسم “مينا البراموس” ؟.
ويعد أول البطـاركة الــذين تم اختيـارهم طبقاً لــ” لائحـة 2 نوفمبر1957م “حيث تم انتخابه من بين ثلاثة مرشحين ، وبعد قــداس القرعة الــهيكيلة فى(19إبــــــريل1959م) تم اختياره بطريركـاً باسم البابا “كيرلس السادس” وتم تجليسه على كرسى مارمرقس فى (26 إبريل 1959م) حتى رحيله عن عالمناً الفانى فى( 9 مارس 1971م).
على أية حال، كانت تربية عازر يوسف الاجتماعية دليل يؤكد على عمق العلاقات الأسرية والحب والتواصل مع الأخر، فالذي جمع ما بين عائلته الحب، فعلى الرغم من انشغال الأب فى عمله إلا أنه اوجد الوقت ليجلس مع زوجته وأولاده، ولسان حاله قائلاً لهم: ” كونوا أولاداً مطيعين لوالديكم ومحبين ومتمتعين بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ ” فكان يريد توصيل رسالة تعليمية لأولاده بأنهم يعيشون حياة أفضل فيجب عليهم بذل الجهد وطاعة الوالدين. وهنا يجب أن نؤكد على أن عازر عاش في مناخ الأسرة الروحي والكنسي، والإرتباط بالكنيسة وحضور القداسات الإلهية، وسير الأباء القديسين والحرص على الإحتفال بتذكاراتهم المقدسة.
وهنا يجب أن نؤكد على أن عازر يوسف عطا ارتبط بشبكة علاقات اجتماعية بعائلته وخاصة مع أخيه الأكبر “حنا” وأخيه الأصغر “ميخائيل”، وكان على تواصل دائم معهم من خلال المعيشة بمنزل واحد أو الصلاة أو الذهاب للمدرسة أو الكنيسة أو الحورات الأسرية.
وأيضًا الراهب كيرلس الأنبا بولا الذى تعرف عليه فى كلية الرهبان اللاهوتية بحلوان،وكان لاستقبال الأسرة الكثير من الآباء الرهبان أكبر الأثر على”عازر” فأدي ذلك إلى زيادة علاقاته وشغفه بهم، فتعلق قلبه بالقمص” تادرس البراموسي”،الذى كان ينام فى ركبتيه، لدرجة أن والدته قدمت اعتذرت للراهب،فقال لها:” دعيه لأنه من نصيبنا. وقد كان،حيث صار عازر حقا من يومها من نصيبهم”، وكان عازر يقوم بتقليده ،حيث كان يرتدى مريله سوداء اللون فوق ملابسه وهو ابن أربع سنوات تشبهين بالآباء الرهبان فى زيهم. وبعد رهبنته فى دير البراموس ارتبط بمعلمه ومرشده القمص عبد المسيح المسعودى البراموسى، ورويدا رويدا توسعات بعد ذلك شبكة علاقته الاجتماعية وخاصة بالآباء الكهنة والبطاركة ؟.
وحدث فى يوم رفاع الصوم المقدس (الكبير) أن المائدة ازدحمت بأطايب المأكولات فثار عازر وقال لأمه أمام أبيه: أننا نأكل كل يوم من هذا الطعام الفاخر وبجوارنا عائلة “الكردي” الفقيرة والمحتاجة ، ألا يحسن إعطاء هذا الطعام لهم من أجل المسيح الذى نصوم له ، ونكتفي نحن بوجبة متواضعة ، فانشرح قلب والديه لهذا الشعور النبيل ، فذهبوا به إلى عائلة الكردي ، فاستقبلتهم بالدهشة والاستفسار ولما علموا أن صاحب هذه الفكرة هو عازر قبلوه ودعوا له .
بالحق نقول أن عاز يوسف عطا أو البابا كيرلس السادس(1959-1971م) نفذ تعاليم السيد المسيح التى وردت فى الكتاب المقدس الذي ذكر قائلاً:” “تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ ؟
{ لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي . غَرِيبًا كُنتُ فَآوَيْتُمُونِي . عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي . مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي . مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ} ” (إنجيل متى 25: 34-46).
وهنا يجب علينا أن نشير إلى الشعب الكردى العريق وقضيته التى تشغل الرأى العام ، إذ يعيش الأكراد فى أقليم غرب آسيا فى المنطقة الواقعة ما بين جبال زاجــروس وطـوروس(أقلــيم كردستان) ويتحدث الأكراد اللــغة الــــكردية ، ويدين غالبيتهم بالإســلام ، والبعض يدين بالمسيحية ، واليـــهودية ، واليزيدية، والمـــجوسية ويصل مجموع تعــدادهـــم فى شتى بقــاع العالم بأكثر من(40) مليون نسمه، ويتـميز الأكراد بحبهم للعـلوم والثقـافة ، وخاصة الموسيقى والتمثيل والنحت والرســـم والأدب ، وكانت مصر من بين الدول التى عاش بها العــديد من رموز الجالية الكردية ، وتركوا تراثاً ثقافياً لا يزال حتى كتــابة هذه السطور.
وترجع شهرة الجالية الكردية فى مصر إلى “صلاح الدين الأيـــوبى” (1138-1193م) من بني أيوب من أكراد العراق ، والذى أستطاع ألأطــاحة بالدولة الفاطمية وتأسيس الدولــــة الأيــوبية (1171-1262م) وأشتهر بحبه ، وفى عصر محمد على (1805-1848م) والذى يقال أنه ينتسب لأكراد ديار بكر وخـلـــفائه زاد تعداد المهاجرين الأكراد إلى مصر حتى وصل تعـــدادهم فى عام 1952م نحو 20 ألف نسمه ، ومن أشهر عائـــلاتهم {تيمور باشا ، بـدرخان ، الأورفـلي ، ظاظا، الكردي ، وانــــلي ، عوني ، خورشيد ، آغا ، شوقي ، وأمين ،وأباظة} ؟
ولغاية كتابة هذه السطور بقى أكراد سوريا يعانون الكثير من المشاكل وخاصة بعد تعرض مدينة عفرين والتي تشتهر بإنتاج “الزيتون” للدمار والخراب وألاف الضحاي على يد مجرم العصر ” أردوغان” ولا نبالغ إذ قلنا أن الأكراد هاجروا إلى كل بقاع العالم هروبا من القمع والظلم والاستبداد ، ورغم ذالك لا ييأس الشعب الكوردي أبداً من الدفاع عن أرضه وعرضه وحقوقه ،وهذا ما نادى به المفكر الدكتور”طارق حجى” في عام 2010 عندما حاول تقديم القضية الكردية للصحافة المصرية والعربية ، من خلال سلسلة مقالته وعنوانها “لو كنت كرديا” ؟
والحقيقة التاريخية والاجتماعية تقول أن “عازر يوسف عطا” أو البابا كيرلس السادس قد قدم لنا نموذجاً للمحبة والتاخي وتقبل الأخر بتقديمه الطعام لتلك العائلة الكردية ، ما هو إلا رمز للتعبير عن حق المواطن في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ، حتى ولو لم تكن بلده أو موطنه الأصلى ، فلأبد أن يعيش حياة كريمة وهذا ما نتمناه للشعب الكرى ، وبَقى بتلك الروحية والطيبة الانسانية حتى تنيح فى (9 مارس1971م ) ؟
وهنا لا نملك إلا أن نذكر ما ورد في الكتاب المقدس على لسان بولس الرسول ” اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ” ؟
منقول بتصرف من موقع (الأقباط متحدون) ؟