تصدير: ( إما أو,…) سيرين كيركجرد.
الشهية للكتابة عندي مثل الشهية للطعام, فأنا لا أستطيع أن أمضي يومي دون أن أكتب ودون أن أقرأ كما أنه لا يمرُ عليّ يومٌ دون أن آكل ودون أن اشرب, وكثرة القراءة جعلتني أومن بحق غيري في الحياة وجعلتني أومن مثل سائق السيارة بأن الطريق لكل الناس وليس لسيارتي وحدي, ففي الطريق العام يمشي عليها كل الناس وهي ملك للجميع لذلك أنا أيضا أومن بأن الحياة طريق عام وهي من حق الجميع, من حق الطويل والقصير والمسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والسيخي والهندوسي وعبدة البقر وعبدة الجواميس وعبدة الملائكة وعبدة الشياطين والمثليين الجنسيين والكنفوشوسيين…والقائمة تطول ولا حصر لها, والفرق بيني وبين غيري هو أن غيري من المحيطين بي لا يعرفون إلا كتابا واحدا يقرئونه طوال حياتهم, لذلك يعتقدون بأن الطريق العام لهم وحدهم لذلك يحدث التصادم بينهم وبين الآخرين كما يحدث التصادم بين السيارات والمركبات حين يقود كل سائق سيارته وكأن الطريق له وحده,لا, الطريق لكل الناس وليس لك وحدك وإن بقيت مصرا على ذلك فحتما ستنتهي حياتك في حادث سير مؤسف جدا, وهذا هو الخطأ بعينه الذي يخلق الجمود والتعصب للرأي الواحد, فنحن أنا وأنت وأنتم لا نعيش على هذا الكون لوحدنا بل هنالك غيرنا من الناس الذين يملكون تجارب مختلفة اختبروها واختبرتهم في هذه الحياة, أنا أومن إيمانا قويا بالرأي وبالرأي الآخر وأعتقد دوما أنني على خطأ أو ربما أنني على خطأ وغيري على صواب لذلك أنا لست متعصبا لأي مذهب ديني أو فلسفي وأخشى أن أكون مخطئا فأظلم غيري من الناس, وهذا الموضوع تركته لرب العالمين الذي يدين الناس وحده..
لذلك أنا لست متعصبا لأي مذهب ديني أو فلسفي مطلقا , وليس عندي أي استعداد لأموت دفاعا عن مذهبي فلبرما أنا مخطئ فالشكوك تملأ قلبي ومعدتي ودائما أنا في حالة صراع مع نفسي, أومن أيضا بضرورة التعددية لكي تستمر الحياة لأن الناس عقولهم مختلفة وأمزجتهم مختلفة, ولا يمكن أن نؤسس دولة دون أن تعترف هذه الدولة بالتعددية والسماح للناس بممارسة أديانهم المختلفة الأرضية منها والسماوية, وشهيتي للكتابة تنبع من كثرة القراءة عندي, فأنا أقرأ كثيرا وفي كل شيء , وأشفق جدا على أصحاب المذاهب الفكرية والدينية الذين لا يعرفون طوال حياتهم إلا فكرا واحدا وكتابا واحدا ومذهبا واحدا, وما أعانيه كل يوم جراء اختلاطي بالناس وسبي وشتمي يجعلني أشفق عليهم وعلى نفسي لأننا حقيقة لا نملك الحقيقة المطلقة, فأنا ألاحظ بأن للناس مشارب متعددة فهذا مثلا يكره كذا ويعشق كذا, لذلك وجب الاعتراف بالجميع, وعلى الجميع أن يعترف بالجميع, وفي دولة القانون والمؤسسات الحديثة: إما التعددية وإما الكارثة, إما السلام بين الأديان والمذاهب والمعتقدات وإما الكارثة, وإما نظام اقتصادي متعدد توزعُ فيه الثروة بشكلٍ عادل ونظام سياسي متعدد وإما الكارثة, وهذا ما لا تعرفه الدول العربية ذات النُظم الاستبدادية ويؤدي بالتالي في نهاية الأمر إلى خلق التطرف والإرهاب, ذلك أن أغلبية أنظمة الحكم العربية أنظمة لا تشتمل على نظام التعددية الحزبية أو الفكرية فكل رئيس جمهورية يأتي بأقاربه جغرافيا وعرقيا, فيستلمون كل أجهزة الدولة ويقع الاضطهاد والظلم بحق الآخرين وهذا ما أدى بدولة مثل العراق في الآونة الأخيرة إلى ظهور نظام(داعش) فيها, وأنا شخصيا ضد داعش وضد الفكر المتطرف ولكن تبجح المالكي وانفراده بالسلطة وحده أدى إلى ظهور التطرف في بلاده وفي النهاية أدى إلى سقوط حكمه نهائيا.
وكذلك القراءة, فكثرة القراءة تجعل القارئ يتعرف على فلاسفة كثر وحكام كثر وسياسيين كثر وأدباء كثر وفلاسفة كثر ومؤرخين كثر وأباطرة وقياصرة وأنبياء ورسل وأساطير, كل تلك الأمور قرأتها واختبرتها بذكائي فعرفت بأن التعددية ضرورة من ضرورات الحياة فكل إنسان يعتقد أنه على صواب وغيره على خطأ, وفهمت من الحياة بأن الفكر المتطرف لا يدوم مطلقا, وكما أطالب أنا بحقي في ممارسة ما أومن به من أفكار ومعتقدات كذلك الأمر بالنسبة لغيري, لذلك أنا شخصيا أدعم المختلفين معي في الرأي وأطالب بحقهم بأن يعيشوا كما يشاءون وبأن يمارسوا الفكر الذي يؤمنون به وبأن يمارسوا الدين الذي يرتضونه لنفسه, والأخلاق أيضا نظام اجتماعي له معايير مختلفة تختلفُ من شخصٍ إلى شخص ومن بلدٍ إلى بلد ومن بيئة جغرافية إلى بيئة جغرافية أخرى, فما أراه أنا عيبا أخلاقيا يراه غيري من الناس شيئا عاديا, وما يراه الناس شيئا غير عادي وعيب أخلاقي أراه أنا بالنسبة لي شيئا عاديا, والذي يمارسه أهلي وقبيلتي وأهل قريتي لا يمكن أن يقبل به غيرهم من الناس, والذي يقبل به غيرهم من الناس يرونه هم شيئا عاديا, وهذا معناه أننا أمام نظرية نسبية للأخلاق هذه النظرية لها معايير غير ثابتة, لذلك لا يمكن لنا أن نقول بأن هذه الأخلاق أفضل من تلك الأخلاق, وبأن أخلاق الشرق أفضل من أخلاق الغرب, وكما أن الكُتب وكثرة القراءة تخلق جوا أو أجواء حلوة من التعددية الفكرية والسياسية كذلك الأمر في اختلاف النظام الاقتصادي حيث أن الاقتصاد كلما اختلف كلما اختلفت المعايير والأخلاق, واختلاف منسوبات الدخل القومي بالنسبة للفرد تصقل موهبة كل فرد أخلاقيا واجتماعيا وتختلف طبيعة الناس على اختلاف درجاتهم ومستوى فقرهم وغناهم, فهذا الرجل مثلا مستوى دخله مرتفع جدا وذاك فقير جدا لذلك أخلاق هذا الرجل تختلف عن أخلاق ذاك الرجل إلا إذا دخلت الثقافة والوعي بين الاثنين فتغير نسبة الثقافة طبيعة الإنسان.
وهنالك مقولة تقول: ثلاثة أشياء تغير العالم: الكُتب,والثراء, والمُناخ, فالكتب تغير العقائد, والثراء يغير العادات والتقاليد, والمُناخ يغير الطبائع, فإذا بقينا نقرأ بكتاب واحد طوال العمر فهذا معناه بأن عقائدنا لن تتطور ولن تصبح مرة ولن تقبل بضرورة تقبل الآخرين, وإذا بقينا على مستوى منخفض من الدخل القومي بالنسبة للفرد فهذا معناه أن أخلاقنا ستبقى جامدة وسنبقى نؤمن بثقافة العيب ولن تتغير أخلاقنا إلى مستوى أعلى فأعلى, وعلى فكره: الإنسان الفقير إما شحاذ وإما حرامي, وإما في النهاية متطرف ومتعصب لرأيٍ واحد لا يحيد عنه ولا يعترف بغيره من الناس, لذلك من الواجب أن يسود الرخاء الاقتصادي والمرونة وحرية تنقل رؤوس الأموال بين الناس ويجب أن لا تبقى رؤوس الأموال حكرا على فئة اجتماعية دون الفئة الأخرى , ويجب أن نتطور أخلاقيا حتى نتمكن من قبول الآخر والعيش مع الآخر, وحتى تتقبلنا الناس يجب علينا نحن أن نتقبلهم أيضا, وحتى يسامحنا الناس يجب علينا نحن أن نسامحهم دينيا واجتماعيا وأن نسمح بحرية الأديان كي يسود العدل والسلام العالمي المنصف العادل والشامل.
أنا شخصيا أعيش ضمن مجتمع فقير ومجتمع لا يقرئ إلا كتابا واحدا طوال عمره, وأخلاقهم متعصبون لها ويرون أنفسهم وحدهم على حق وباقي الناس على خطأ, لذلك هم متطرفون ومتعصبون أخلاقيا واجتماعيا وأغلبهم فقراء منقسمون إلى نوعين: نوع حرامية ولصوص يسرقون بعضهم البعض ليلا ونهارا وسرا وعلانية , ولا يمدون يدهم للناس أو للتسول ويرون التسول عيبا ولا يليق بمستواهم الاجتماعي المحافظ على الشرف ويرون السرقة مهارة وشطارة وخبرة, ونوع آخر يرون السرقة عيبا وكفرا ويعاقب عليها رب العالمين ويرون التسول شيئا طبيعيا أفضل من أن يسرقوا ليعيشوا.. متسولون يتسولون ليعيشوا , ونوع آخر يسرق ليعيش.