ويكيپيديا‎

د. ميسون البياتي images (46)

الهدف من نشر الموسوعة ( ويكيپيديا ) على الإنترنت هو إعطاء الفرصة لكل إنسان على هذا الكوكب للوصول الى المعلومات التي يريدها . وهي تحتوي على كم كبير من المعلومات , وفيها ما يزيد على 2,5 مليون موضوع منشور ب 200 لغة مختلفة تغطي موضوعات مختلفة في كل ما يهم الإنسان

لكنها خلافاً لبقية الموسوعات المعروفة فإن ( ويكيپيديا ) ليست مكتوبة بأيادي مختصين في البحث والكتابة , لكنها مكتوبة من قبل أناس عاديين , وهم يفعلون ذلك تطوعاً .. أي أنهم ينشرون دون أن يتقاضوا أجوراً .. كما أن أسماءهم غير منشورة , وهم ينشرون على صفحة هذه الموسوعة فقط .. لأنهم يريدون للمعلومة أن تنشر بين الناس من وجهة نظرهم هم , وليس أحد سواهم

ألَّف الإنسان الموسوعات منذ عصور قديمة من الزمان , وقد تلفت أغلب هذه الموسوعات لأنها لم تكن مكتوبة على مواد تقاوم الفناء . وأقدم موسوعة نملكها اليوم تعود الى الفيلسوف الروماني ( پليني الأكبر ) الذي عاش بين سنتي 23 الى 97 ميلادية

دُوِنَتْ الموسوعات بدايةً وهي تحتوي مختلف الموضوعات الموجودة في المعرفة البشرية , والكلمة نفسها ( إنسكلوپيديا ) هي كلمة يونانية إغريقية معناها : ثقافة معلوماتية عامة

في الحقيقة .. لم تكن الموسوعات الأولى تستخدم ككتب ( مراجع ) مثلما نستخدمها اليوم , لكنها كانت كتباً ( للتعلم ) حيث كان الباحثون يدرسون موادها المختلفة للحصول على ما كان يعرف ب ( الثقافة الموسوعية ) التي يحتاجها العالِم والفيلسوف ليعرف بها كل شيء عن الحياة

بحلول القرن 17 كُتِبَتْ موسوعات ضخمة كثيرة في أوربا والعالم .. بالأخص عند العرب وفي الصين , وكانت تلك الموسوعات مجرد ( مخطوطات ) مكتوبة أو منسوخة يدوياً ولهذا كانت أعدادها قليلة أو نادرة 

إختراع الطباعة .. وإبتداع أسلوب ( الألف باء ) لتنظيم البحث عن المعلومات في تلك الموسوعات , جعل الموسوعات تكون أيسر عند البحث عنها , وأسهل عند البحث داخلها , لكنها ظلت محصورة التداول بين طبقات المتعلمين وحدهم . وهذا ما جعل الموسوعة

البريطانية _ طبعة إيدنبرگ _ إسكوتلندا ومنذ العام 1768 وحتى العام 1771 تتضمن شروحات تقنية مطولة

شعبية الموسوعات بدأت في القرن 19 في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية , عندما بدأ نشر موسوعات مختصرة تصلح للقراءة من عامة الناس . ثم صار من المألوف أن تحتوي مكتبة عائلة من الطبقة المتوسطة في القرن 20 على سلسلة من كتب الإنسكلوپيديا مقتناة في المنزل على رف طوووويل للكتب

بحلول عصر الكومپيوتر , أصبحت الموسوعة التي تحوي نفس المعلومات لا تحتاج ذلك الرف الطويييييييييل في المنزل .. بل تخزنت جميع معلوماتها على ( دسك ) واحد أو إثنين

ومع ثورة الإنترنت ……….. وهي ثورة أقوى وقعا على الإنسانية من ثورة سپارتاكوس محرر العبيد , ستحررنا جميعاً من عبودية الحاجة الى المعلومة التي نرتقي بها , ولن يصار الى إستعبادنا بجهلنا … بل الى حريتنا بعلمنا , أصبح من الممكن إبتداع شبكة معلومات على الإنترنت , قابلة للتحديث والتجديد يوما بيوم

أخبركم شيئا ً … الموسوعات المكتوبة على الإنترنت … المجانية منها والمدفوعة الثمن .. كلتاهما لا تخلوان من الأخطاء . موسوعة ويكيپيديا التي أسسها ( جيمي واليس ) وهو رجل أعمال من أهل شيكاغو الأمريكية في العام 2001 متصوراً بتأسيسها أنه قد يكون بإمكان العالم أن يستحدث موسوعة إنترنيتية تستطيع أن توفر معلومات موسوعية ( أونلاين ) للإنسان القاريء أينما يكون , بيسر وسهولة , وأن تكون تلك المعلومات مجانية وقابلة للتحديث والتعديل والتطوير على مدار الساعة لكي تكون مواكبة لحياة العصر , لأن واليس يؤمن أن هناك بشر كثيرون لهم الرغبة والقابلية المعرفية على المشاركة في عمل ضخم كهذا

بدأ أولا بالإعتماد على بعض المتخصصين لتأسيس هذه الموسوعة , وحين تكونت له ( البذرة ) الكافية من المعلومات , قام بوضعها على الإنترنت ليس من أجل قراءتها فقط , ولكن مع إمكانية الدخول على ملف معلوماتها للإضافة والتصحيح والتحديث , وربط المعلومة بمعلومات أخرى سواها بحيث تصبح مجمل المعلومات المنشورة في هذه الشبكة كلاً واحدا متكاملاً

لتسمية هذه الموسوعة إختار لها إسم ( ويكي ) وهي كلمة بلغة أهل هاواي معناها ( سريعة ) ودمجها مع كلمة ( إنسكلوپيديا ) فتكونت الكلمة : ويكيپيديا وتعني : ( الموسوعة السريعة ) ونظام عملها بسيط جدا 

عندما تذهب الى گوگل أو ياهو أو أي موقع للبحث , وتطبع كلمة على سيرفر البحث ثم تضغط على زر ( إبحث ) عندها إذا كانت ويكيپيديا تمتلك معلومات عن الكلمة التي أنت تبحث عنها , فستقوم في الحال بإضافة خانة ( كاتيگوري ) الى نتائج البحث التي ستظهر لديك .. وعندما تفتح هذه الخانة سيكون بإمكانك القراءة والإستفادة .. وفي حالة عثورك على معلومات غير صحيحة أو قديمة وتحتاج الى التحديث .. عندها يكون بإمكانك شخصيا الدخول على ملف المادة لفعل ذلك . ومن شأن هذا الإجراء توسيع وتحديث ويكيپيديا الى ما لا نهاية

عند نهاية أيلول عام 2006 كانت ويكيپيديا تضم 1 مليون موضوعاً مختلفا ًباللغة الإنكليزية وحدها , في حين أن دائرة المعارف البريطانية تضم 65 ألف موضوع فقط

لكن كل هذا لا يدعو الى الفرح .. فالمغامرة في هذا المشروع ما زالت قائمة ومتحققة .. إذ ليست كل المعلومات المنشورة على هذه الشبكة صحيحة تماماً وخالية من العيوب ولذلك يجب ملاحظة ما يلي 

أولاً : ربما لم يجر التحقق من المعلومات التي نشرها أشخاص مختلفون وأغلبهم مجهولون , وعليه فقد تكون المعلومات التي أضافوها الى الموسوعة .. غير صحيحة

ثانيا : ويكيپيديا تثق بمستعمليها الذين يقومون بتحديث صفحاتها .. لكنها لا تمتلك وسيلة لمنع العابثين والمستهترين بصحة المعلومات من نشر إضافات مبطنة بالشر أو السخرية أو الإساءة أو أن يقوم بعضهم بإضافة معلومات مزيفة أو مسيئة الى تواريخ شخصيات إنسانية معروفة

ثالثا : لا يمكن إستبعاد الكذب المتعمد حتى من قبل القائمين على الشبكة بأنفسهم خدمة لغايات وأغراض سياسية أو تجارية أو نفعية بطريقة ما , ملقين بتبعة الكذب على الآخرين الذين حددناهم في الفقرة السابقة . وبعد أن تؤدي الكذبة غرضها وتأخذ مداها .. يقوم القائمون على الشبكة بمسحها موضحين أنها كانت بفعل فاعل لم يتم تحديده بدقة

جيمي واليس .. مؤسس الموسوعة نفسه يقول بأن المعلومات المنشورة على شبكة موسوعته ورغم أنها مفيدة ومهمة لأغراض شتى إلا أنها لا يجوز أن يعتمد على مصداقيتها عند القيام بالبحوث الجدية , طالما أن الموضوعات المنشورة عليها لم يتم فحصها من قبل متخصصين

رغم هذا فإن مجموعة من المحررين في صحيفة علمية , ومن أجل التحقق من صحة المعلومات المنشورة على ويكيپيديا مقارنة بمعلومات دائرة المعارف البريطانية , قاموا بإنتقاء 42 مادة من ويكيپيديا , ثم إستخرجوا نفس هذه المواد من دائرة المعارف البريطانية , ثم قاموا بإحالة كلتا المجموعتين من المواضيع الى متخصصين لكشف مقدار الأخطاء من أي نوع الواردة فيها .. فتبين أن مقابل كل 6 أخطاء واردة في موضوعات ويكيپيديا هناك 4 أخطاء ترد في دائرة المعارف البريطانية . وهذا يعني أن لا موسوعة في الوجود قادرة على تقرير الحقيقة بشكل مطلق , ولهذا وجب على الباحث الإطلاع على معلومات الموسوعة لتشكيل وجهة نظره .. لكنه حين يريد كتابة موضوعه .. فعليه التحقق من كل معلومة يدرجها في بحثه من مصادر أصلية غير الموسوعة 

هنا أحب الإشارة الى أن الموسوعات غالبا ما تكذب , خصوصا في المواضيع السياسية الحساسة , ومن خبرتي الشخصية في هذا المجال أود التأكيد على أنني بحثت ذات مرة عن سبب سقوط شاه إيران محمد رضا بهلوي , وكما هو معروف فإن عملية السقوط هذه تعتبر نقطة مفصلية في تاريخ وجغرافية الشرق الأوسط والعالم . لكني وجدت الموسوعات : البريطانية والأمريكية والكندية والأسترالية كلهن يغردن بصوت واحد ( ثورة شعبية عارمة أطاحت بالشاه ) لكن بحثي المتأني جعلني أكتشف فيما بعد أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية , وحلف شمال الطلسي هما اللذان قاما بتلك العملية 

من ناحية أخرى .. ما زلت أذكر ( حرب الأيام الأربعة ) حين قامت القوات الإيرانية التابعة لشاه إيران وقبل إسقاطه بشهرين بإحتلال الكويت , والبحرين , وقطر , والإمارات , وأجزاء من السعودية لمدة 4 أيام مهددا بإستعمال القوة النووية لكل من يجرؤ على مهاجمة تلك القوات , لكنني بحثت عن تلك الحرب في عالم الكتب , الى أن كللت ومللت من التعب , دون أن أعثر على نتيجة الى أن وجدت تفاصيل تلك الحرب مكتوبة وبالتفصيل الممل في رواية الباحث الإقتصادي الأمريكي ( بول إيردمان ) التي عنوانها : تصدع 1979

هل إستطاعت كتب الموسوعات منذ بداية تأليفها وحتى اليوم من تغيير حياة البشر ؟ لنعتقد بعد ذلك أن الموسوعة الإنترنيتية ويكيپيديا ستتمكن من تحقيق ذلك التغيير ؟ 

ويكيپيديا … ما هي إلا مثال واحد على محاسن ومساوىء الإنترنت , إبداع بشري لأناس يحبون مشاركة المعرفة مع الغير حيث تدخل على الخط نوازع بشرية يصفها الباريء عز وجل بقوله ( ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها ) لتجعل من حب مشاركة المعرفة , وسيلة لنشر الأنانية والكراهية والدوافع المريضة

وهكذا هي الحياة .. أينما يوجد الخير .. فلا بد أن يرافقه الشر .. لكن أمل الخيرين هو مضاعفة الخير الى أقصاه ومناقصة الشر الى منتهاه , فهل نحن قادرون ؟

ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.