وفاء سلطان مع صحيفة العالم الأمازيغي

وفاء سلطان

ـ بداية نود أن يعرف قراء جريدتنا من هي وفاء سلطان؟

وفاء سلطان امرأة سورية من أصول إسلامية، عرفت قدر نفسها فتمسكت بذلك القدر. لم يكن الأمر سهلا لأنها نتاج تربية إسلامية تهمش المرأة وتنظر إليها على أنها مخلوق ناقص عقل ولا يقدر على حماية نفسه.

في العقود الثلاثة الأولى من حياتها والتي عاشتها في مجتمعها السوري الغارق حتى قمة رأسه في هوسه الديني، لم تكن سوى سمكة ميتة يجرفها التيار. هاجرت إلى أمريكا بلاد الحرية ومنذ أن وطأت قدمها أرض تلك البلاد بدأت تستعيد كيانها المسلوب كأنثى وتسترد ثقتها بنفسها إنشا إنشا حتى وصلت إلى ماهي عليه اليوم.

وفاء سلطان صوت نقي وجهوري في بلاد يعتبر صوت المرأة عورة، لم ترهبها وحشية الإسلاميين الذي وقفوا لها بالمرصاد ولا تفاهة بعض الماركسيين الذي لم يستطيعوا أن ينظفوا عقولهم من آثار الثقافة المحمدية ، بل تحدتهم بالكلمة الواعية والجريئة وبالمنطق العلمي الذي لا يواجه.

هدفها كان ولم يزل وسيبقى دحض التعاليم الإسلامية التي ساهمت في خلق إنسان متخلف فكريا وعقليا ومقهور عاطفيا ومحطم نفسيا، ثم استبدالها بتعاليم إنسانية أخلاقية تساعد المسلم على إعادة تأهيل نفسه والإرتقاء بنفسه إلى مستوى آدميته.

كتاباتها ومقابلاتها على الإنترنيت تتحدث بطلاقة عنها. كتابها الأول باللغة الإنكليزية سيصدر في 13 أوكتوبر القادم، وهو بعنوان “الإله الذي يكره”

تشتغل حاليا على موقع خاص بها www.Dawrytv.org، وتأمل أن تتمكن من فتحه قبل نزول كتابها إلى الأسواق.

في الموقع ستخطو خطوة جديدة وهي خلق جهاز فكري أخلاقي يستبدل الجهاز العقائدي الإسلامي، وذلك من خلال حديث لها عبر الـ UT على الأقل مرة كل اسبوع.

تمدّ يدها إلى كل إنسان عربي يؤمن بقضيتها ويود أن يشارك في إنجاح تلك القضية. ليس شرطا أن يتعاون معها باسمه الحقيقي، ستقبل بالأسماء المستعارة لأنها ومن خلال تجربتها تعرف مدى خطورة الإرهاب الإسلامي.

الموقع سيحدد بالإتفاق مع زواره والزملاء الكتاب يوما للإحتفال بعيد العلمانين العرب، ويوما آخر لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب الإسلامي في كل مكان من العالم، وسيحدد جائزة رمزية تمنح لأحد الكتاب أو القراء وبمعدل ـ حاليا ـ على الأقل مرة كل سنة.

في الموقع زاوية بعنوان “مقابلات”، وستكون من أكثر الزوايا تشويقا وفائدة. من خلال تلك الزاوية يعمد الموقع إلى كشف النقاب عن حياة الفرد العربي بكل آلامها وآمالها، الأمر الذي سيشجع الناس في المستقبل على عدم السكوت ومحاولة التمرد على أي واقع يحط بالكرامة الإنسانية.

في الموقع أيضا زاوية بعنوان “قصة”، وسننشر من خلالها قصة مرة أو مرتين في الاسبوع، والقصة ستكون واقعية أم رمزية تحمل بعدا إنسانيا وأخلاقيا.

في الموقع زاوية بعنوان “وفاء سلطان تسأل وأنت تجيب” وأخرى بعنوان “أنت تسأل ووفاء سلطان تجيب”، ومن خلال هذين الزاويتين سيتم التواصل بين زوار الموقع والمشرفة عليه.

هناك زاوية أخرى بعنوان “رأي الموقع ورأي آخر” وفيه يطرح الموقع رأيه بقضية تهم الإنسان العربي ثم يرسلها إلى أحد الكتاب ليبدي هو الآخر رأيه، وبذلك ستكون الكلمة الأخيرة للسيد الضيف.

بالإضافة إلى زاويا أخرى.

2ـ معلوم انك من أصول إسلامية وقمت باالثورة على التعاليم الإسلامية، لماذا؟

لم اختر الإسلام بمحض إرادتي، ولكنني وكأي مسلم آخر ولدت لأجد نفسي في عائلة مسلمة.

أيّة فكرة يتم فرضها بالقوة على الإنسان مصيرها أن تسقط من فكره عندما يكتشف عقم تلك الفكرة ويمتلك الحرية لإسقاطها، وهذا تماما ماحدث لي.

آمنت بالتعاليم الإسلامية بلا خيار لأنني كنت أجهل أي شيء آخر. رحيلي إلى أمريكا سمح لي بالإطلاع على ثقافات شعوب كثيرة ومقارنة التعاليم الإسلامية بالقيم الأخلاقية والإنسانية في مجتمعي الجديد، فصعقت للفرق الهائل.

تحصيلي العلمي والثقافي في أمريكا ساعدني على أن أصل إلى قناعاتي، تلك القناعات التي تعتبر الإسلام وتعاليمه مسؤولا عن الإنحطاط الثقافي والإقتصادي والسياسي والإجتماعي وعلى كل الأصعدة.

كوني امرأة سرّع في توصلي إلى تلك القناعات وساعد على تثبيتها. لقد هاجرت من مجتمع يعتبر المرأة عورة وناقصة عقل ويساويها بالكلب والحمار إلى مجتمع تلعب فيه المرأة دور القائد والكابتن والطيار والعالم ورائد الفضاء، فكيف لي أن لا أتغير!

من جهة أخرى علومي الطبية وموهبتي الكتابية كلها لعبت دورا في خلق شخصيتي اليوم.

3ـ من المعروف أنك تهتمين بقضايا الإسلام وحريات الاعتقاد، هلا حدثتينا عن واقع هذه الحريات في العالم والعالم الإسلامي بالخصوص؟!

الحريات الشخصية في المجتمعات الحضارية مقدسة، يحميها ويضبطها دستور الدولة وقوانينها.

للحرية ثمنها، ولقد دفعت تلك المجتمعات عبر تاريخها ثمنا باهظنا لكي تضمن سلامة تلك الحريات.

للحرية أيضا مشاكلها، ولكن مهما كانت لا يمكن أن تقارن بالمشاكل الناجمة عن قمع تلك الحريات. ففي المجتمع الحر تنشط السلبيات ولكن لا يمكن أن تصل يوما إلى حد يقوض من سلامة المجتمع ورفاهيته إذا ما قورن الأمر بحالة المجتمع عند غياب تلك الحريات.

في عالمنا الإسلامي لا يستطيع الإنسان ـ ولن يستطيع ـ أن يمارس حريته مالم يتخلى عن خوفه.

لقد استطاع الإسلام كعقيدة شمولية سياسية من أن يزرع الرعب في قلب أتباعه، ومنذ أن قطع أتباع محمد رقبة كعب بن الأشرف ودحرجوا رأسه بين يدي محمد وحتى تاريخ اليوم لم يتجرأ أحد أن يتجاوز عتبه الإسلام، إلاّ إذا استثنينا قلة قليلة تهمس من وراء الكواليس وتخاف أن تجاهر بنفسها.

تصلني رسائل كثيرة تثير أحزاني لكنها في الوقت نفسه تضاعف آمالي. هي من مسلمين أكتشفوا حقيقة الإسلام وتركوه عن قناعة ولكنهم يعيشون حياة نفاق “على حد تعبيرهم” لأنهم يخفون الأمر ويتظاهرون بممارستهم للشعائر الإسلامية.

إن فرض العبادة بالقوة هو من أسوأ أشكال القمع، هل يعقل أن يمارس الإنسان دينا غصبا عنه بينما يخفي في قلبه مشاعر أخرى؟!

والسؤال المطروح: إلى متى سيستمر ذلك الوضع؟

لا أتصور بأنه سيطول، قد لا نرى نهايته في حياتنا ولكن ليس لدي شك من أن الأجيال المقبلة ستشهد تلك النهاية!

منذ أربعة عشر قرنا وحتى أقل من عقدين كان من المستحيل أن تسمع رأيا مخالفا لما يفرضه الإسلام، أما اليوم ففضح الإسلام من خلال الإنترنيت على قدم وساق!

مجنون من ينكر الآثار الإيجابية لذلك التطور المفاجئ والسريع!

4ـ هل سمعت عن مبادرة أعضاء من “الحركة البديلة من اجل الحريات الفردية” الذين قاموا بمحاولة الإفطار علنا في رمضان بالمغرب، ما رأيك فيها؟

لم أسمع بهم من قبل لقلة انخراطي في الإعلام العربي، وهذه إحدى سلبياتي التي يفرضها عليّ ضيق وقتي. لكنني أشد على أياديهم وأقول لهم: لقد أفلحتم حيث فشل غيركم، مبروك لكم خطوتكم وآمل أن تخطون في المستقبل غيرها!

المواجهة مع هؤلاء الطغاة ليست سهلة، لكنها واجب مقدس علينا. لم يقم أباؤنا بذلك الواجب واستمرت معاناتهم لتشملنا. لقد حان الوقت أن نقطع هذه الإستمرارية المقيتة ونحرر أجيالنا القادمة من القهر البشري حتى ولو دفعنا أرواحنا ثمنا لتحريرهم.

لا تتصورا بأن وجودي في أمريكا يقلل من حدة الخطورة على حياتي، فالإخطبوط الإسلامي قد أمتد بدعم الأموال السعودية إلى كل مكان في العالم، ولكني عاهدت نفسي على أن أفعل ماباستطاعتي.

دعونا نتحرك ونفعل شيئا مهما بدا ضيئلا، فالنقطة الدائمة ستحفر شقا في الصخر الصلد.

كل خطوة تخطونها ستقربكم أكثر من هدفكم النبيل.

العبادة خيار شخصي ولا يحق لأحد أن يفرضه على أحد. ارفضوا أي شكل للعبادة لستم مقتنعين به، ارفضوه بقوة وعلانية، اليوم يومنا جميعا ولن تغفر لنا أجيالنا القادم إذا تركنا تلك القضية المقدسة عالقة بدون حل.

5ـ بما يمكن تفسير مواجهة الدولة والمجتمع وبعض التيارات السياسية لهؤلاء الشباب وإحالتهم على القضاء؟

يرى الحاكم في أي شكل من أشكال التمرد إشارة لقرب نهايته، ولذلك يثور مع زبانيته كالوحوش الكاسرة أمام أي تمرد!

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الإسلام يحمي الحاكم، ولذلك يشتد جنون ذلك الحاكم عندما يكون التمرد ضد التعاليم الإسلامية.

لقد قال لهم محمد: “اطع الحاكم ولو سرق مالك أو ضربك على ظهرك”!

فهل تستطيع أن تتصور قمعا أسوأ من ذلك القمع؟ ولماذا لا يدافع الحاكم عن تعاليم محمد، طالما ضمنت له سلامته وحمته من بطش الناس؟!!

لا أعرف من هي التيارات السياسية التي تقصدها هنا والتي وقفت في وجه هذه المجموعة من الشباب، ولكن من خلال خبرتي أتصور أنهم تيارات الإخوان المسلمين وبعض التيارات الماركسية التوجه.

لا عجب من أن تقف جماعات الإخوان المسلمين ضد أية خطوة تهدد سيادة الإسلام، ولكن العجب كل العجب عندما يقف بعض الماركسيين ضد خطوة كهذه.

أرى في الماركسيين العرب فئة تضم شخصيات مرضيّة يمزقها، بل ويفضحها، التذبذب بين إسلامها وبين ماركسيتها، وهناك مجموعة لا بأس بها من المسيحيين الذي يدافعون عن الإسلام لا حبا به وإنما كرها بمسيحيتهم!

6ـ هل يمكن اعتبار الأمر صراعا فكريا بين منظومة تقليدية وأخرى حداثية تسعى لفرض وجودها داخل المجتمع أم ماذا؟

الصراع الذي نراه هو صراع بين جانب يرى مصلحته في استمرار الإسلام وجانب يرى قمعه وفقره ووضعه المأساوي نتيجة حتمية للتعاليم الإسلامية.

إذا هو كأي صراع آخر، صراع على البقاء!

الجانب الذي يرى استمراريته في استمرار الإسلام هو ـ كما أشرت سابقا ـ القلة المتمثلة بالحاكم وزبانيته المستفيدة وطغمة رجال الدين، وبعض الإسلاميين المتمركسين المنطلقين من القاعدة التي تقول: عدو عدوي هو صديقي، يضاف اليهم شريحة واسعة من المواطنين مغيبة عن الوعي وغارقة في هوسها الديني!

والجانب الذي يرى في التعاليم الإسلامية سببا لواقعه المخزي يتمثل في النخبة المثقفة التي استطاعت أن تعي واقعها والعالم المحيط بها ووضعت نصب عينها السعي من أجل واقع أفضل. هذا الجانب يزداد عددا كلما كبر عمر الإنترنيت يوما.

الحاكم إرث إسلامي ومن صالحه أن يبقى الإسلام ولذلك يدافع عنه.

حتى عهد قريب، أي قبل عهد الإنترنيت عمدت كل الحكومات الإسلامية إلى أسر المواطن داخل قوقعة المجتمع الإسلامي. فكان المسلم بعيدا عن كل التأثيرات الخارجية وهذا ما ساعد تلك الحكومات على التحكم برقبة شعبها على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن.

أما اليوم وقد فتحت الإنترنيت طاقة كبيرة في جدار السجن الإسلامي وبدأت تتساقط أحجار ذلك الجدار الواحدة بعد الأخرى، خرج الإنسان المسلم من عزلته وراح يتطلع على ما يدور في العالم خارج حدود سجنه. إطلاعه سيساهم في ازياد معرفته وبالتالي سيساهم لاحقا في رفضة لواقعه المعاش، وهذا ما يحصل اليوم.

7ـ ولكن لماذا نرى في المجتمعات الإسلامية مظاهر تعتبر غير جائزة في الإسلام كبيع الخمر علنا و تبرج المرأة بينما تمت مواجهة هؤلاء الشباب بشدة؟

من الطبيعي جدا أن يترك الحاكم متنفسا للمواطن يفرغ من خلاله شحناته كي لا ينفجر. تلك الظواهر التي نراها هنا وهناك، كبيع الخمور وتبرج النساء، والتي تتعارض مع الشريعة الإسلامية تلعب دور المفرغ للشحن وتحمي بالتالي من الإنفجار الجماعي، وهي في الوقت نفسه تافهة ولا تهدد كيان الحاكم وبالتالي الكيان الإسلامي الذي يحتمي ذلك الحاكم تحت مظلته. ومن جهة أخرى تساهم في تحسين سمعة الحاكم فتعطي إنطباعا خاطئا للغرب بأن الحكومة علمانية وليس متشددة دينية، وهذا ما يبغيه الديكتاتور ويسعده.

هناك مثل سوري يقول: أعطيناه الخيط فطالب بالعصفور!

وهذا ما يفعل الحاكم الديكتاتوري في كل البلدان العربية والإسلامية، هو يعطي المواطن طرف الخيط ويضربه بلا هوادة عندما يطالب بالعصفور. يسمح للمواطن ببعض التجاوزات، كالتي أشرنا إليها سابقا، ثم وعندما يحاول المواطن أن يخطو خطوة أبعد من ذلك ينقض عليه الحاكم ويضربه بيد من حديد، كما حدث للجماعة التي أعلنت إفطارها في رمضان.

8ـ بعض المحللين السياسيين رأوا في الأمر زعزعة لثوابث أنظمة الحكم الدول العربية، الى أي حد يعتبر هذا القول صحيحا؟

أن تقوم مجموعة من الشباب بالإفطار العلني في رمضان أمر لا بأس به، لكنه لا يكفي من قريب أو من بعيد ليهدد توابت أنظمة مضى عليها قرون طويلة، أنظمة قوتها تكمن في إرهابها.

لا يهدد استمرارية تلك الأنظمة إلا إزدياد مستوى الوعي عند المواطن، ورفع مستوى الوعي الجماعي إلى الحد الذي يعي به المجتع كله مسؤولية الحاكم والتعاليم الإسلامية التي حمت ذلك الحاكم تجاه الواقع المر الذي تعيشه.

لا أمل إلا في حركة جماعية تشمل صفوف المجتمع كله تطالب بالتحرر من قيود الدين وبناء مجتمع مدني معاصر يضمن حريات الفرد وحقوقه.

ما قام به هؤلاء الشباب هو خطوة هامة ولا بد منها، ولكن لا تكفي وحدها ويجب أن لا يقفوا عندها.

مهما كانت الخطوة صغيرة هي مطلوبة، ولكن نجاحها يكمن في استمراريتها.

من الخطأ بمكان أن تركز القوى المعارضة على ضرورة تغيير الحاكم وتنسى في الوقت نفسه إن الأمر لا يتم إلا من خلال تغيير المجتمع. رفع مستوى الوعي الجماعي هو الغاية التي يجب أن ننشدها من أجل تحقيق حلمنا بقيام دولة تحمي حقوقنا وحرياتنا.

حركات المعارضة في العالم الإسلامي، مهما اختلفت مشاربها وأهدافها ـ ليست قادرة وحدها على إحداث تغيير. يجب أن تكون مسنودة بحركة جماهيرية واعية وعريضة قوامها مواطن يعي مسؤولياته وواجباته.

شعبنا مغفل ومقهور، وتم تجريده عبر أحقاب طويلة من الإضطهاد والظلم من الدوافع النفسية التي تدفع الإنسان عادة لتحسين وضعه بطريقة عفوية وتلقائية. لقد فقد ذلك الشعب قدرته على أن يحلم، وصارت اللامبالاة بالنسبة له طريقة حياة.

ويبقى السؤال: هل ستستطيع الطبقة المثقفة أن تشعل النار تحت مجالس الشعب كي ينتفضوا ويفعلوا شيئا؟

9ـ في نظرك هل للحريات الفردية أولوية على الحريات الاقتصادية والسياسية والثقافية داخل المجتمعات الإسلامية؟

أهم أشكال الحرية هو التحرر من الخوف. عندما يتحرر الإنسان من مخاوفه ينال حرياته على جميع الأصعدة.

يقال “لا يموت حقه وراءه مطالب” ولكن لا يستطيع إنسان في البلاد الإسلامية أن يطالب بحقه قبل أن يتحرر من خوفه، فالخوف هو العامل الوحيد الذي يقف حائلا بين الإنسان المسلم وبين حقوقه.

عندما يتحرر الإنسان من خوفه يبدأ بالمطالبة بحقوق واحدا بعد الآخر. كل حق هو نقطة إنطلاق للمطالبة بحق آخر، حتى تكتمل كل حقوقه.

المعرفة، أو إذا أردتم أن تدروجها تحت لواء الحرية الثقافية، هي من الأولويات لأنها ترفع مستوى الوعي عند الإنسان وتعرفه لاحقا بكل حق له.

 

10ـ لكن كيف يمكن الدفاع عن هذه الحريات في مثل هذه المجتمعات؟

ليس الأمر سهلا، ولا اتصور أنه بالإمكان أن يحدث ذلك مالم تراق دماء كثيرة. ولكن جرت العادة أن يترك كل جيل القضية معلقة للجيل الذي يليه كي يجنب نفسه تلك الخسائر. لو امتلك أجدادنا وأباؤنا من الشجاعة ما كان كافيا لتحرير أنفسهم لما وصلت مجتمعاتنا إلى هذا المستوى المتردي على كل الأصعدة.

على كل حال، مسؤولياتنا تفوق مسؤوليات أجدادنا وأباءنا لأن مستوى وعينا أعلى بكثير، ناهيك عن الوسائل المتوفرة لدينا والتي لم تكن متوفرة للأجيال التي سبقتنا.

لا بد من المواجهة، وقد تكون تلك المواجهة في بعض مراحلها دامية للأسف الشديد. جميع شعوب العالم الحرّ دفعت ثمن حريتها من دمائها.

أتمنى أن يتم الأمر بسلام، لكن هذا الأمر يبدو مستحيلا. الواقع المخزي الذي يعيشه الإنسان المسلم منذ فجر الإسلام يجب أن يدفعنا لأن نفعل شيئا، ولكن تحتاج الطبقة المثقفة والواعية إلى دعم شعبي حتى تستطيع أن تحقق أي نجاح. المأساة إن شعبنا مغيب عن الوعي ولا يمكن الإعتماد عليه مالم نأخذ بالحسبان رفع مستوى وعيه أولا.

أعتقد بأن مسؤولية كل مثقف اليوم يجب أن تتمحور حول رفع مستوى الوعي لدى العامة، كي تجد طبقة المثقفين دعما شعبيا كافيا لتنتقل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة الفعل وإحداث تغيير حقيقي.

أعتقد أننا وصلنا في دفاعنا عن تلك الحريات إلى نقطة لم يصل إليها أي من الأجيال السابقة وهذا بحد ذاته مصدر للتفائل، هذا إضافة إلى أنه لا عودة لنا بعد اليوم إلى الوراء لأن قضية حقوق الإنسان تتحسن في جميع أرجاء الأرض ولا يمكن أن تتقهقر بعد اليوم.

سقوط الإسلام كقوة سياسية هو الخطوة الرئسية، إن لم تكن الوحيدة ـ التي تضمن قيام دولة مدنية تحمي مواطنيها وتعترف بحقوقهم. لا يتم تجريد الإسلام من قواه السياسية إلا بقطع الصلة بين الديكتاتور ورجل الدين، وهي صلة قوية للغاية وتشكلت عبر مئات السنين. ليس الأمر سهلا، لكنه ليس مستحيلا!

11ـ البعض يرى في الحريات الفردية خطرا على الدين الإسلامي، ماذا تقولين؟

الإسلام لا يؤمن بالحريات الفردية، والثقافة الإسلامية تسحق الفرد في بوتقة الجماعة، ولذلك من الطبيعي جدا أن تهدد الحريات الفردية سلامة الإسلام.

يسعى الإسلام إلى إقامة دولة سياسية من خلال الجماعة التي قامت على تهميش الفرد، مع العلم أن قوة أي مجتمع هي مجموع قوى أفراده.

هناك مثل أمريكي يقول: السلسلة ليست أقوى من أوهن حلقة فيها. ولذلك طالما كان الفرد واهنا وضعيفا ومسلوب الحريات لن تقوم قائمة للمجتمع كدولة.

يخاف القائمون على حماية الإسلام من فرد حرّ قوي واعي، لأنهم يعرفون بأن نهايتهم على يديه، ولذلك يسعون بكل جهدهم لضمان استمرارية قمع ذلك الفرد وتهميشه.

12ـ كيف تنظرين إلى مطالبة الأمازيغية بدولة علمانية وفصل الدين عن الدولة في شمال أفريقيا؟

كل تغيير حدث عبر التاريخ جاء على أيدي الأقلية سواء كانت تلك الأقلية شخصا واحدا أو مجموعة أشخاص. دائما تقف الأكثرية حجرة عثرة أمام أي تغيير تحاول أن تحدثه الأقلية.

الأمل في أن يتحرر الإنسان المسلم من سيف التعاليم الإسلامية هو أكبر بكثير عندما يتعلق الأمر بالأقليات المسلمة التي عاشت في ظل تلك التعاليم سواء كانت أقليات دينية أم اثنية.

هذه الأقليات ذاقت من العذاب الكثير، ولذلك لديها من الدوافع لتحرير أبنائها أكثر مما لدى الأكثرية الساحقة. هذا من جهة ومن جهة أخرى كل الأقليات التي لها تاريخ وثقافة ولغة خاصة بها هي أكثر استعدادا وجاهزية للتحرر من براثن الاسلام، ولا يخرج الأمازيع عن تلك كالحقيقة.

باعتبار لهم تاريخ وثقافة ولغة خاصة بهم، أنصحهم بأن يعلموا ليلا ونهارا على إحياء لغتهم. لأن القيام بهذا العمل سيساعدهم على الإنفلات من تأثير الثقافة الإسلامية ولاحقا سيساعدهم على إحداث قطيعة مع التاريخ الإسلامي.

الأعين في العالم اليوم موجهة أكثر من أي وقت مضى للإعتراف بحقوق الأقليات وضمان حرياتها، وتبقى الأقليات في العالم الإسلامي من أكثر الأقليات التي تعرضت للظلم عبر التاريخ. العالم لا يجهل تلك الحقيقة، وسيدعم حق الأمازيع في دولة علمانية تفصل الدين عن الدولة لو تمسك الأمازيغ بذلك الحق.

لا أعرف الكثير عن المرأة الأمازيغية، ولا طبيعة تعامل الرجل الأمازيغي مع المرأة في محيطه، ليس لدي شك بأن سلوك الرجل الأمازيغي يخضع إلى حد ما لتأثير ثقافته الإسلامية، ولكن قد تلعب ثقافته الأمازيغية دورا في التخفيف من حدة ذلك التأثير.

السؤال الذي أودّ أن أطرحه هنا: هل المرأة الأمازيغية واعية ومتحررة إلى حد يساعدها على خلق جيل جديد يختلف عن سابقه؟ إنني بانتظار أن تجيبوني على هذا السؤال!

13ـ ماهو الحلم الذي تحلمين بأن يتحقق في حياتك؟

أحلم أن يأتي اليوم الذي يستطيع به الإنسان المسلم أن يختار دينه بحرية وبلا خوف. عندها سنرى عالما أجمل بكثير من العالم المرعب الذي يسمونه اليوم العالم الإسلامي! وفاء سلطان (مفكر حر)؟

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

One Response to وفاء سلطان مع صحيفة العالم الأمازيغي

  1. س. السندي says:

    بداية تحياتي لك ياسيدتي المتالقة دائما د.وفاء سلطان وتعلقي لبعض ماذكرته من حقائق وتعليقي ؟

    ١: قلت ( في الماركسيين العرب فئة تضم شخصيات مرضيّة يمزقها، بل ويفضحها، التذبذب بين إسلامها وبين ماركسيتها ) وأنا أضيف بان الإنسان المسلم وخاصة من هم في الغرب إذا أفلس من دينه فاخذ بالاقتراض من الشيوعية واليسارية أفكارها لاحبا بها بل تقية ورثها من دينه الذي أن سقط سقطت معه العروبة لانهما وجهان لأبشع عملة فرضت على البشرية بحد السيف ، والآن ، وبعد سقوط هذا الفكر وسقوط تابلوات الدين لا استطيع القول إلا الله يعينه ، ولكن العمل بيدو الله يزيدوا؟

    ٢: هناك حقيقة أقولها ( أن الذين يرتضون بأقدار هم ….. لابد وانهم يستحقونها) ؟

    ٣ : استمري منارة في قول الحق والحقيقة ولاتخشي لومة لائم ، لانه بعد اليوم لايصح إلا الصح ، لانه ليس خفي إلا ويظهر … ولا مكتوم إلا ويعلن كما قال السيد المسيح ، وكما قال ما سمعتموه في آذانكم نادو به فوق السطوح ‘ سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.