«هات اسحرنا»

كان عملاق الأدب الفرنسي الحديث جان كوكتو يقول لزميله أندريه جيد كلما التقيا: «هات اسحرنا». سحرتني مكتبة sleibaالكونغرس. يومان في رحابها الهائلة بدعوة من الأستاذ رجا صيداوي، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمناء، من محاضرة إلى معرض، ومن معرض إلى لقاء مع مؤرخ، والمناسبة احتفال بذكرى مقتل مارتن لوثر كينغ في 4 أبريل (نيسان) 1968، الرجل الذي حرر أميركا من ذنوب الاستعباد.

المكتبة هي أول وأعظم صرح ثقافي في أميركا، أسست عام 1800 وتضم الآن 120 مليون عنوان. كل ثري أو بسيط يتبرع لها بالمجموعة التي لديه. كل كتاب يصدر في العالم يسجل عندها. كل باحث يبحث بحثا ما، يجد مراجعه فيها. عالم من الجمال والفنون والتاريخ. ليس الأغنى، لكنه الأهم. هناك مكتبات عظيمة أخرى: إسبانيا، بريطانيا، فرنسا، برلين، إيطاليا وسواها. جميع المكتبات تعيش اليوم خارج الشرق العربي إلا ما أحيي من مكتبة الإسكندرية، التي كانت «أم المكتبات» قبل أن تدخل في عصور أم المعارك والتشرد.

جميع مكتبات العالم القديم كانت عندنا قبل ولادة أميركا بألفي عام. في العراق وسوريا. في سومر ونينوى وأوغاريت.. لم يبق شيء إلا ونهب وبيع في أسواق السرقة. والسطو مستمر في سوريا، التي كانت متحفا في الهواء الطلق، من شمالها إلى جنوبها.

الرحلة الوحيدة التي قمت بها في سوريا التاريخية كانت أيضا برفقة رجا صيداوي، الذي رعى كرامة مكتبات كثيرة في الشرق. عندما تنقلنا في حجارة قلعة حلب، لم يخطر في بال أحد أنها سوف تسرق ذات يوم. وعندما توقفنا في معرة النعمان، لم يخطر لأحد أن صاحبها سوف يطرد منها بأمر من فرقة العدم.

عندما أعلن مارتن لوثر أن له «حلما» لم يكن يدري كيف سيغير ملامح أميركا البيضاء. وكيف سوف يتداخل المجتمع ويتلاقح. ولن تعود هناك جامعات ومدارس وفنادق تمنع «الزنوج» من الدخول. ولم يعد وصول ابن كيني إلى البيت الأبيض أمرا حدثا. عندما جئت إلى أميركا عام 1973 كان الرجل الأسود لا يزال غريبا. الآن تعطى قصة ظلمه جائزة الأوسكار وتبدو العبودية على ما هي، فظاعة أخرى من عنصريات البشر.

شجعان الفكر والإنسانية والعدالة يغيرون في أحوال البشر. من دون رجال سود مثل مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا، وبيض مثل أبراهام لنكولن وجون كينيدي ووالتر ليبمان (الكاتب) كانت خريطة الأعراق أكثر ظلما. والتر ليبمان قال للأميركيين: «قبل أن تظهروا البلاغة في الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان، انظروا أولا حولكم. تأملوا فيما تمارسون».
نقلا عن الشرق الاوسط

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.