نمط الانتاج والعلاقات اساس التغيير

إذا كان للمرأة من أمل في التحرر من مظالم كثيرة بغض النظر عن مدي وعيها بها من عدمه فالامل يكمن في تغيير المفهوم الجمعي للمجتمع لها بما فيه من حضورها هي والممثلة لنصفه في الكثافة البشرية من ناحية وانتاجا لثروته المادية من جهة أخري. وسيزداد الوعي بمدي فداحة وتدني الصورة المجتمعية الشاملة لها إذا ما احتسب نصيبها من تلك الثروة. فمن جهة العدد البشري فمازال الانتساب للذكر الاب باعتبار الابناء – ذكورا وإناثا – ملكية وميراثا طبقا لشرائع الاديان ومعها حيازة الثروة وخاصة في المواريث.

فالاديان لم تطل بنصوصها المعتلة علي البشرية الا بعد ان ترسخت مفاهيم السوق ومعها مفهوم الملكية. فجاءت الاديان علي هذه القاعدة لتضع بصمة – هي في حقيقتها وصمة – وتعزز ما وصلت اليه العلاقات الاجتماعية الاقتصادية في صيرورتها التاريخية. بهذه المقدمة البسيطة يمكن فهم لماذا اصبحت الدعارة قائمة الي يومنا هذا رغم ادعاءات البعض المضللة ان الدين يحرم مثل هذه الممارسة. والا فكيف نشرح وجود نص خاتم للاديان بعد وصولها الي منتهاها يقول: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً؟؟

لم يكن الدين ظالما لها الا بقدر ماكان التطور الاجتماعي مكرسا لهذا الظلم فالدين جاء معبرا عما فعله البشر بانفسهم وليس لتغيير ما ارتكبوه في حق بعض البعض. فنصوص الدين خرجت من صفوة هذه المجتمعات القديمة صاحبة المصلحة ولم تاتي من فقرائهم او من الفئات المظلومة فيها فالعشرة المبشرون بالجنة هم ذاتهم من تاسس الدين الخاتم عليهم وكانوا من صفوة هذا المجتمع حيث الملكية والسوق والتجارة في كل ما وصلت اليه ايديهم من سلع بما فيهم البشر كعبيد وإماء وسبايا وجواري.
وليس معني الادانة للنصوص الدينية ان المدني في نشاته كان نافيا لكل هذه العلاقات التجارية التي جعلت من المرأة ملكية وسلعة ومجالا للمساومة والتسعير فالنص مهما كان عادلا ومنحازا للحقوق لا يكفي بقدر ما تكون الممارسة الاجتماعية والاقتصادية علي ارض الواقع حجر عثرة لتنفيذ ما به من ايجابيات. ولهذا السبب فان التغيير المجتمعي من القاعدة الي القمة هو الكفيل بضبط النص بعد ان ينضبط الواقع.

فاذا كانت حقوق المرأة لازالت مرتبطة بالبعد الديني فذلك لان مجتمع السوق والملكية الحالي رغم اختلافة الجوهري عن صورته في زمن نشأة الاديان ومكتسباته في زمن الراسمالية تفوق بفراسخ واميال اي حقوق سابقة الا ان فكرة السلعة والتسليع والثمن والاجر في بيئة السوق ظلت هي الحاكمة للقديم والجديد علي السواء. لهذا اصبحت الدعارة وكانها مؤسسة مستقلة بذاتها ولها سوق وراسمال من النساء وزبائن من المشترين … الخ مفردات السوق زمن عكاظ أو زمن وول ستريت. وهنا علي وجه الدقة يمكن الاجابة علي السؤال المطروح في المحور في بنده الاول: ولماذا الأحساس عند معظم النساء بأن الدين يشكل عامل تعدي على حقوقهن؟
والاجابة واضحة ان نصوص الدين والتي اتينا بمثال واحد لها اعلاه تتفق ومدي التسليع السوقي للمرأة كما يفرضه الواقع قديما معبرا عنه ومؤكدا له، بعكس السوق الرأسمالي في وول ستريت الذي انجز وثيقة حقوق الانسان وحقوق المرأة ومتناقضا بما يقره سوق العمل في الزمن الحديث. ورغم ذلك فعلينا الاعتراف بان سوق العمل الحديث بما فيه من حريات ومكتسبات هو الذي افرز وثائق حقوق الانسان وحقوق المرأة والتي كان من المستحيل ان تظهر زمن الاديان. فادراك مدي الاتساق والتوافق بين النصوص والواقع قديما وبين الشروخ في عالم السوق الحديث ووثيقة حقوق الانسان والمرأة يجعل للمرأة املا في الحديث وليس القديم فالقديم متماسك في ظلمه واستغلاله لها بينما الحديث يعطيها املا في النصوص لو تمكنت عن طريق تفعيلها من تغيير الواقع.

تقف قواعد الشرف في المجتمعات القديمة والتي لازالت ممتده في مجتمعات الدين الاسلامي كافراز صادق لقوانين الملكية والسوق القديم. فكل ما يخرج من المرأة هو ملك للرجل مالكها زوجا كان أو سيدا. ولانه مجتمع قبلي في تشكيلته السكانية فان مفاهيم ولاء، والولاء نوع من الملكية القبلية. ولان القبيلة حيث الدولة في شكلها البدائي هي ذاتها القبيلة عند هذه الانماط الاجتماعية فقوانينها يضعها اصحاب الملكية لحكم من يدرون الثروة وضمانا لاستمرارها، شأنها شأن الدولة الحديثة. ووعي المرأة المفقود في هذه المنطقة المظلمة والتي زاد الدين من مدي عتمتها جعلت السيادة الذكورية للمالكين واقعا حتميا طالما كان الدين هو الحاكم للعلاقات ويفسر مدي انخفاض منسوب المطالبة بحقوق المرأة في المجتمعات الدينية مقارنة بمدي ما وصل اليه وعيها في مجتمع الفصام بين النص والواقع في المجتمع الراسمالي الحديث. فالحركات النسائية والحقوقية في الشرق لازالت هزيلة وغير مسموعة الا إذا تبنتها المؤتمرات الحقوقية القادمة من الغرب كما بدا في مؤتمر السكان ببكين عام 1994. فاذا كانت علاقات الملكية والسوق والقبيلة والدين هي الضامنة اساسا لحقوق الرجل فمن السهل الاجابة علي اسئلة البنود السادس والسابع في المحور.

About محمد البدري

مهندس وباحث انثربولوجي
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.