نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (4)

وفاء سلطان

العقائد، وكما أظهرت سابقا، تساعد الدماغ على معرفة مكامن الخطر الذي يهدد الحياة وبالتالي على تجنبها.
لكنّ دورها لا يقتصر على الحفاظ على الحياة، بل يتحكّم أيضا بنوعية تلك الحياة.
إن صُلحت العقائد تصلح الحياة، وإن فسدت تفسد الحياة. الحياة في تغيّر مستمر ولذلك تتطلب أن تخضع العقائد لمعدل التغيير نفسه.
قوة العقيدة تكمن في قدرتها على التدمير أو البناء. فإن كانت إيجابية وتماشت مع متطلبات الحياة ساهمت في بنائها، وإذا كانت سلبية وتعارضت مع متطلبات الحياة ساهمت في دمارها.
العقائد هي البوصلة التي تقودنا إما إلى النجاة وإما إلى الهلاك.
أضرب مثلا:
معظم الناس يؤمنون بأنّ الأدوية تشفي من الامراض، ولكن الدراسات التي تمت في حقل Psychoneuroimmunology (العلم الذي يدرس علاقة الجهاز المناعي عند الإنسان بالجهاز العصبي والنفسي) قد أكدت بأن النتائج ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى ايمان المريض بفاعلية الدواء. فدور ذلك الإيمان لا يقل فعالية عن دور الدواء نفسه.
قام أحد علماء النفس بتجربة على 100 طالب طبّ. أعطى خمسين منهم كبسولات حمراء بعد أن أوهمهم بأنها تحوي منشطا، والخمسين الآخرين كبسولات زرقاء بعد أن أوهمهم بأنها تحوي منوّما. لكنه في حقيقة الامر وضع المنوم في الكبسولات الحمراء و المنشط في الكبسولات الزرقاء أي عكس ما أوهمهم به.
لقد نتج عن تلك التجربة بأن 50 % من الطلاب حصلوا على النتائج التي تتناسب مع اعتقادهم بما داخل الكبسولات. و50% حصلوا على نتائج تتناسب مع حقيقة التركيب الكيميائي للدواء الموجود فعلا داخل الكبسولات.
بمعنى آخر لعب الاعتقاد نفس الدور الذي لعبته الطبيعة الكيميائية للدواء.

يعلق الدكتور Henry Beecher من جامعة هارفارد على ذلك بقوله: فعالية الدواء لا تتعلق فقط بخصائصه الكيميائية، وانّما بمدى إيمان المريض بقدرة ذلك الدواء على شفائه.
……
أذكر اعتقادا كان سائدا في البيئة التي عشت فيها يزعم بأن تناول السمك مع اللبن يسبب تسمما معويا قد يؤدي الى الموت.
عادت أمي مرّة لتجد أخي يتناول كوبا من اللبن بعد أن تناول بعض السمك، فصرخت وراحت تولول.
خلال أقل من نصف ساعة تقيأ أخي كلّ ما تناوله، ونُقل على أثر ذلك الى أقرب مركز صحي.
لم أقرأ في أي كتاب طبيّ وجود علاقة بين تناول السمك واللبن.
إنّه الايحاء.. إنّه قوة الاعتقاد بوجودها!
ولكن يبقى السؤال كيف تشكل ذلك الإعتقاد؟!!
ما هي التجارب التي خاضها الناس مثلا في ذلك المجتمع كي يتوصلوا الى الخلاصة بأن تناول اللبن مع السمك يؤدي الى تسمم معوي؟
هل هناك تجارب حقيقية ساهمت في تشكيل ذلك الإعتقاد، أم إنه جاء من فراغ؟!
لا بد أنه، وفي سياق تاريخي ما، قد مرّ بعض الناس بتجارب مماثلة خرجوا منها بتلك الخلاصة: اللبن والسمك معا يشكلان عامل تسمم!
السمك في بلادنا يحفظ عادة بطرق غير صحيّة لا تكفي لحمايته من التلوث الجرثومي أو التغيرات الكيميائية التي تطرأ عليه مع الوقت.
هناك أنواع من السمك تحوي في أجسامها على مادة كيميائيّة تدعى هستاميد، واذا تُركت في درجة حرارة أعلى من الدرجة 15 درجة مئويّة تتحول تلك المادة الى مادة أخرى تدعى هستامين Histamine.
الهستامين هرمون يسبب، عند الإنسان الذي يتناول السمك الفاسد، ردود فعل تحسسية ينجم عنها صداع وخفقان قلب ومغص بطني.
واللبن عادة وجبة رئيسية قد تكاد تكون يوميّة في بلادنا.
ربّما تعرض بعض الناس الى تلك الحالة الناجمة عن سمك محفوظ بطريقة غير صحيّة، وباعتبارهم تناولوا اللبن صدفة خرجوا من تلك التجربة بخلاصة، أن تناول اللبن مع السمك يسبب تسمما غذائيا.
في تلك الحالة، الخلاصة تعممت وصارت اعتقادا راسخا!
…………………..
في إحدى المباريات في لوس أنجلوس اُصيب عدد من الجمهور واللاعبين بحالات إقياء حاد نُقلوا على أثرها إلى المستشفى.
وفي محاولة سريعة لتحديد السبب، أعلن الاطباء احتمال تلوّث زجاجات العصير التي اشتروها من نفس المصدر.
لم يكد الأطباء يعلنون عن ذلك الإحتمال حتى أخذ الناس الذين شربوا العصير يسقطون على الأرض الواحد تلو الآخر، واستمرت سيارات الإسعاف بنقلهم حتى المساء.
المهم لم يتطلب الأمر سوى بضع ساعات حتى تأكد الأطباء من خطأ احتمالهم، وبأن العصير لم يكن ملوثا. فور إعلانهم عن خطأهم قام المرضى من فراشهم وغادروا المشفى بدون أيّة حاجة للعلاج.
لقد أوحى الاطباء، من حيث لا يدرون، إلى كلّ من شرب من زجاجات العصير بأنهم مرضى فبدأوا يتقيأون.
……………………………..
الواقع الذي تعيشه هو المرآة التي تعكس جهازك العقائدي. لا شيء في ذلك الواقع يأتي من فراغ أو بطريقة منفصلة عن ذلك الجهاز. عقائدك هي البوصلة التي تقودك من يوم إلى يوم. قادتك إلى حيث أنت اليوم، وستقودك إلى المستقبل الذي تنتظره.
تتشكل العقائد بطريقة غير ملحوظة وتترك بصماتها على حياتنا بطريقة غير ملحوظة.
المحيط الذي نعيش فيه يلعب دورا في تشكيل عقائدنا، وبالتالي في الهيمنة على عقولنا.
اللغة المتداولة وسط ذلك المحيط هي الأداة التي نستخدمها للهيمنة على غيرنا، أو يستخدمها الغير للهيمنة على عقولنا.
ولذلك، وفي محاولة لتحسين وضعنا، يتطلب الأمر أن ننقي جهازنا العقائدي من شوائبه فنتبنى أفكاره الإيجابية البناءة ونطرح أفكاره السلبية الهدامة.
لا نستطيع أن نحقق ذلك إلا برفع مستوى الوعي عند الإنسان حتى يعي كل ما يدور حوله، فلا يسمح لافكار سلبية هدامة بدخول اللاوعي عنده ثم العمل من هناك على توجيهه بطريقة تقوده إلى حتفه.
تتسرب العقائد خلسة إلى اللاوعي، واللاوعي لا يستطيع أن يميّز بين الحقيقة والوهم فيصدق كل ما يتسرب إليه.
يقرأ المسلم قول نبيّه: ” جعل الله رزقي تحت ظلّ سيفي”، ولا يعي ما يقرأ، فيتسلل ذلك القول إلى اللاوعي عنده، ومع الزمن تتشكل لديه قناعة خفيّة بأن الرزق فريسة وعليه أن يكون قناصا!
نظرة بسيطة إلى المجتمعات الإسلامية تؤكد تلك القناعة، فالإسترزاق فيها اقتناص ولا قيمة للعمل الشريف. متى تبوأ المسلم منصبا يجعل من الفلس غايته. لا رحمة في قلبه على مجتمعه، ولا تتسع ساحة الرؤيا عنده إلاّ لتشمل مصالحه. يقتنص لقمته بحدّ سيفه، فهذا ما تسلل إلى اللاوعي عنده من جعبة نبيه!
لا توجد عبارة في ثقافات شعوب الأرض قاطبة قد هيمنت على العقل البشري كما هيمنت عبارة “صلّى الله عليه وسلم” على عقل المسلم.
كل ما يقرأه المسلم عن نبيّه تسبقه تلك العبارة، التي تسهّل مرور ما يقرأ وما يسمع إلى حيّز اللاوعي عنده دون أن تسمح للوعي بتصفيته أو تهذيبه.
يقرأ المسلم:
ـ كان “صلى الله عليه وسلم” يحكّ اربه بين فخذيّ عائشة وهي في السادسة من عمرها رفقة بعمرها الغضّ!
ـ اصطفى “صلى الله عليه وسلم” صفية من بين الأسيرات، ثمّ نام معها في نفس اليوم الذي قتل به زوجها وأبيها وأخيها…
ـ قال “صلى الله عليه وسلم”: من لم يغزو ولم يفكر بغزوة مات ميتة جاهلية…
ـ مرّ “صلى الله عليه وسلم” بأهل النار فوجد أكثرهم نساء….
ـ كبّر “صلى الله عليه وسلم” عندما رأى رأس أشرف بن كعب بين يديه….
ـ أمر “صلى الله عليه وسلم” بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف….
ـ نصح “صلى الله عليه وسلم” بشرب بول الإبل وقال إن في الحبة السوداء شفاء من كل الأمراض………وهلما جرى.
عندما يصلي الله على أحد لايحتاج ذلك “الأحد” إلى أن يمرّ عبر مصفاة وهو في طريقة إلى اللاوعي عند الإنسان!
عبارة “صلى الله عليه وسلم” هي جواز سفر يدخل بموجبه محمد، بشحمه ولحمه وإربه وقوله وفعله وسباياه وغنائمه وغزواته وسيفه، إلى حيّز اللاوعي عن الإنسان المسلم دون تدخل الوعي، ويبدأ من هناك التخريب!
الإنسان الذي تبرمج اللاوعي عنده على أن يقبل الغزو والغنائم والسبي وافتراس النساء وقتل المعارضين وقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، هو باختصار ليس آدميّا ولن ترقى عقائده به إلى مستوى البشر!
الواقع في العالم الإسلامي يؤكد صحة ذلك، ولا مخرج من تلك الأزمة إلا برفع مستوى الوعي عند المسلم كي يعي ما يقرأ ويسمع فيقوم بتصفيته قبل أن يسمح له بالتسلل إلى حيّز اللاوعي عنده.
منذ أن تعلمت القراءة في العربي وأنا أقرأ ما معناه: “علينا أن نرفع مستوى الوعي عند الناس كي نضمن مستقبلا أفضل”. لكن لم أقرأ في حياتي ماذا يعنون برفع مستوى الوعي، وكيف يتمّ ذلك!
لو استطعنا أن نرفع مستوى وعي القطيع إلى حدّ يعي عنده بأنه يتبع راعيه إلى مذبحه، سيرفض أن يطيع راعيه وسيرفض أن يتبعه إلى المذبح!
الناس في مجتمعاتنا تملك خاصة القطيع لأنها ليست في مستوى وعي أعلى من مستوى وعي القطيع.
………………..
قام أحد المدرسين في إحدى الجامعات الأمريكية بتجربة بسيطة يؤكد فيها كيف تهيمن اللغة على العقل البشري وبالتالي تلعب دورا في تحديد قدراته.
لجأ إلى طلابه واستخدمهم كعناصر لتجربته، فقسمهم دون علمهم إلى مجموعتين.
قال للمجموعة الأولى: “لديكم مشروع من يقوم به سأضيف له عشرة نقاط على العلامة النهائية. المشروع هو إجراء مقابلة مع ثلاثة شخصيات “يستحيل الوصول إليها” كبيل كلينتون أو بيل غييت أو جينفير لوبيس”.
وافق 6 طلاب من أصل 30 طالبا على القيام بالمشروع، لكنهم عادوا بعد المدة المحددة دون أن يحققوا أي هدف.
قال للمجموعة الثانية: “لديكم مشروع من يقوم به سأضيف له عشرة نقاط على العلامة النهائية. المشروع هو إجراء مقابلة مع ثلاث شخصيات ” يكاد يكون الوصول اليها مستحيلا”. وافق 17 طالب من أصل 30 على القيام بالمشروع وعاد عشرة منهم بعد أن أجروا المقابلة”
ما هو سبب الفرق بين النتائج التي حصلت عليها المجموعتين؟
لقد هيمن المدرس على عقول المجموعة الأولى بقوله “يستحيل الوصول اليها”، فبرمج اللاوعي عندهم على الخوف من الفشل، ولذلك لم يوافق سوى ستة طلاب على القيام بالمشروع، وعادوا دون يحققوا أي هدف.
كانت هيمنته في المرة الثانية أقل حدة، إذ قال لهم: “يكاد يكون الوصول اليها مستحيلا” ولذلك وافق 17 على القيام بالمشروع ونجح عشرة منهم في الوصول إلى الهدف.
وأنا على ثقة لو قال لمجموعة ثالثة ” من السهل أن تصلوا اليها لو حاولتم” لجاءت النتائج أفضل بكثير.
لاحظوا معي بأن مجرد تغيير معنى العبارة قليلا لعب دورا كبيرا في تغيير النتائج، ناهيك عن إعادة النظر كليّا في اللغة المستخدمة!
………………
هل بإمكان أحد فينا أن يتصور لو قال محمد نبيّ الإسلام: كتب الله لي رزقي “بحد فأسي” أو ” بريشة قلمي” أو “بعرق جبيني” ماذا ستكون النتائج؟
ربما لكانت البلاد الإسلامية من أكثر البلدان انتاجا للغذاء وتصديرا له.
ألم تلعب في الوقت نفسه عبارة المسيح: “وبعرق جبينك تأكل لقمتك” دورا خفيّا في قيام العلماء في أمريكا باستنباط عشرة ألاف نوع من الأقماح؟!!
عرق الجبين يروي الأرض ويزيدها غزارة، إما السيف فلا يخلف وراءه سوى القحط وسفك الدماء.
يتساءل الواحد منّا لماذا لا يملك المسلم قدرة على الإنتاج والإبداع؟ وعندما نجيب بأن السبب يكمن في الثقافة الإسلامية التي تعلم على النفاق والكذب والكسل واستغلال أية فرصة بالسرقة والنهب، عندما نقول ذلك نُتهم بالتهجم على الإسلام، ونُتهم أيضا بالحقد والكراهية.
لو يُدرك الإنسان المسلم كيف يُبرمج الحديث الذي يقول: جعل الله رزقي تحت ظلّ سيفي” أو الآية التي تقول: ” وكلوا مما غنمتم حلالا طيبا” عقل المسلم ويحدد بالتالي تصرفاته، لعدّ للعشرة قبل أن يتلو على طفله ذلك الحديث أو تلك الآية.
تتسلل تلك التعاليم خلسة إلى اللاوعي عند المسلم وتبرمجه على أن يفهم الحياة بأنها اقتناص فرص، وليست مسؤولية وعملا.
………….
في المطابخ الأمريكية يتمّ تركيب جهاز كهربائي موصول بالمجرور العام للمجلى حيث يتمّ ُغسل صحون الطعام.
يقوم أصحاب البيت بإلقاء كلّ فضلات الطعام في فتحة المجلى المتصلة بالمجرور، ثم يدار الجهاز فيطحن تلك الفضلات ويسهل مرورها إلى المجارير العامة.
يدعى ذلك الجها Disposal of food wastes أي المخلص، وهو شرط من شروط البناء هنا، إذ لا يوجد بيت أمريكي لا يحويه.
المهم، لجأ زوجان إلى الدكتور الأمريكي النفسي توماس هاريس ليطرحان عليه مشكلتهما. الزوجة تخاف من تشغيل ذلك الجهاز، وعندما قاما ببناء بيتهما الجديد رفضت رفضا قاطعا تركيبه في المطبخ.
بعد جلسات عديدة من التحليل النفسي والتنويم المغناطيسي استطاع الطبيب أن يكتشف القناعة الراقدة في اللاوعي عند تلك السيدة والتي تحذرها من استخدام ذلك الجهاز!
عام 1929 اُصيب الإقتصاد الأمريكي بحالة ركود قاتلة، عانى منها الشعب الأمريكي يومها كثيرا، وتدعى تلك الفترة The great depression. في ذلك الوقت كانت تلك السيدة طفلة في عامها العاشر، وكانت تعيش مع عائلتها في مزرعة للخنازير تشكل مصدر رزق العائلة. كانت مهمة الطفلة آنذاك أن تدور على بيوت الناس وتلتقط من براميل قمامتهم كل فضلات الطعام، كي يتم تقديمها علفا للخنازير في المزرعة فظروف العائلة المادية لا تسمح لهم بشراء علفا جاهزا.
كل صباح وقبل أن تغادر المنزل للقيام بمهمتها، كانت والدتها تمسكها من كتفيها وتقول: إياك أن تتركي أثرا للطعام في براميل القمامة، وإلا ستموت الخنازير من الجوع وسنموت جوعا بدورنا.
تسللت إلى اللاوعي عند تلك الطفلة قناعة تقول: بأن إلقاء فضلات الطعام سيؤدي بهم إلى الهلاك جوعا.
منذ ذلك الوقت وتلك القناعة تتحكم خلسة بسلوكها، لدرجة أرهبتها من ذلك الجهاز “الجنيّ” الذي يطحن الفضلات ويرميها بعيدا في المجارير العامة!
كم من الأحاديث والآيات التي لا تحمل أيّة قيمة أخلاقية تسللت خلسة إلى اللاوعي عند الإنسان المسلم ورقدت هناك كي تحركه وتتحكم بعواطفه وتصرفاته دون علمه.
بنفس الطريقة التي ظلت بها عبارة الوالدة ” إياك أن تتركي أثرا لفضلات الطعام في البراميل وإلا ستموت الخنازير جوعا وسنموت بدورنا” راقدة في اللاوعي عند طفلتها ولأكثر من ثلاثة عقود، وظلت تتحكم بتصرفاتها وحياتها دون علمها، بنفس الطريقة تتحكم تلك الأحاديث والآيات في تصرفات المسلم.
هل يستطيع مسلم في الأرض أن يُقنعني بأنه ليس مبرمجا على الحقد على غيره وبالتالي على معاداة ذلك الغير؟
كيف كنّا نقرأ، ونحن أطفال، الآية التي تقول:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون.
ثمّ نكبر لنخرج إلى الحياة بالغين قادرين على احترام المسيحيين واليهود والتعايش معهم بسلام؟
كيف نتعايش مع بشر بعد أن تبرمجنا على أن الله يقاتلهم لأنهم يؤفكون؟!!
لا أمل يُرجى في خلق بشر قادرة على العطاء والتعايش بسلام مادمنا نقرأ على أطفالنا تلك التعاليم التي تبرمجهم على الكراهية والحقد.
……………
عمّة زوجي سيدة متديّنة جدا، لكنها أميّة لا تجيد القراءة والكتابة. أقسمت لي مرّة أنّ زوجها، ولمدة ثلاث سنوات، ظل يضربها بـ “يد الهاون” على رأسها حتى تمكنت من حفظ سورة الفاتحة.
كانت تزورني بين الحين والآخر قادمة من مدينتها البعيدة حيث تُقيم مع زوجها وأولادها. لم تكن زيارتها في يوم من الأيام عبئا خفيفا. فهي لا تلتزم بأي نظام في بيتي، تفعل ما برأسها وعليّ أن أحني رأسي عملا بأصول الضيافة: “من داس على عتبتك داس على رقبتك”.
كم أتمنى الآن أن يعود الزمن إلى الوراء كي أدوس على رقبة من لا يحترم عتبتي!
المهم، كانت عمة زوجي تقضي معظم وقتها في بيتنا وهي تحني ظهرها وتهزّ رأسها إلى الأمام والخلف، تتقطق بسبحتها وتصلي على نبيها.
لم يكن ابني مازن حينها قد تجاوز عامه الثالث. ربطته بعمة زوجي علاقة متينة، كانت سببها قطع السكاكر التي كانت تدسها في فمه في غفلة عني.
ومتى ضاع مازن أركض إلى غرفتها لأجده يجلس بالقرب منها آملا بقطعة سكاكر أخرى.
دخلت تلك الغرفة مرّة لأجدها جالسة، كعادتها، وإلى جانبها مازن وقد أحنى ظهره حتى أخذ شكل ظهرها وراح يحرك إبهامه وسبابته وكأنه يحمل سُبحة ويتمتم بشفاهه.
صعقني المشهد فهرولت مسرعة إلى غرفة زوجي وعدت به كي يرى ما رأيت.
همس زوجي في اذني: وفاء احزمي بقجة عمّتي فلقد حان الوقت لتعود إلى بيتها!
……………..
أنا سعيدة اليوم لأنني لم أساهم في خلق انسان مبرمج على أن يكره أو يحقد أو أن يقيّم الناس بناء على عقائدهم الدينية.
لم أسمح لعمّة زوجتي بأن تسلل إلى اللاوعي عند ابني وهذا هو سرّ سعادتي!
عندما أفشل البريطانيون خطة ارهابية كان جنودها مجموعة من الأطباء المسلمين قرأت مقابلة مع والد أحد هؤلاء الأطباء، قال: لا أصدق تورط ابني في ذلك! لقد ربيته على أن يكون رجلا متسامحا، لقد علمته كيف يحترم الناس ويقبل الجميع!
تساءلت في سريّ: هل يعي ذلك المغفّل أين يكمن الخلل؟
هل كانت تلك الأم الأمريكية تعي في ذلك الوقت ما الذي ستفعله عبارتها في حياة طفلتها؟ طبعا لا!
وبالمقابل هل كان ذلك الوالد يعي ما الذي ستفعله تلك الآية في حياة ابنه؟ طبعا لا!
وهذا ما نقصده بقولنا: “رفع مستوى الوعي”!
أن يُدرك الناس طبيعة اللغة التي يستخدمونها للهيمنة على الغير، أو التي يستخدمها الغير للهيمنة عليهم.
أن نعي طبيعة “القيادة” التي ترقد في اللاوعي عندنا وتتحكم خلسة بسلوكنا. فنشن انقلابا على تلك القيادة عندما تفشل في قيادتنا إلى حيث نستطيع أن نكون منتجين ومبدعين!
……….
ملاحظة: سنشرح لاحقا كيف يتمّ رفع مستوى الوعي عند الإنسان.
*****************

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

One Response to نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (4)

  1. س . السندي says:

    أخر الكلام بعد التحية والسلام … ؟
    ١ : إن ألإقرار بالجهل هو نصف الطريق لتحرير إرادة ألإنسان والعقل ، وهذا التحرير لايصنعه إلا المتنورون الذين ملكو الحقيقة فعلا بعد مخاض عسير في عالم المعرفة والجهل ، وهذه الحقيقة لايمكن لها أن تنمو إلا في عالم من الحرية والعدل ، ولكي تزهر لابد من ربيع تمر به بعد شتاء من الخرافة والجهل ، ولكن لكي نعدما لانحتاج إلا إلى لحظة من أحمق أو جاهل خلا من عقل ؟

    ٢ : ولكن عندما يكرر ذالك ألأحمق أو الجاهل فعلته دون حسيب أو رقيب ، فمعني ذالك أننا من شجعناه على إستمرار فعل ذالك الفعل المعيب ، فما بالنا إذا كان مايفعله تشريع من سماء وبختم الحبيب ؟

    ٣ : لاخلاص لأمة إقرأ إلا بالخلاص من جلباب رسولها ، الذي جمع تحته كل قبيح وفسق معيب ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.