نادين البدير: اللهم إني ليبرالية صائمة

الراي

السمعة السيئة تلاحقني كليبرالية، والقطيع العارم لا يود التفكير بالقضية. يقال اني أعتنق فكراً منبوذاً ولا أحد يفكر بقراءتي أو ببراءتي. هل لو كتبت مذكرة دفاع سيقرأها أحد؟ القطيع اعتاد ألا يقرأ، حتى القاضي لن يقرأها.

أقوم لأصلي فيتساءلون مستغربين: كيف وأنت ليبرالية؟

استشهد بعبارة قرآنية فيصمت من حولي بدهشة ثم يعيدون السؤال نفسه: كيف وأنت ليبرالية؟

أعلن محافظتي في شأن سلوكيات معينة فيطرح السؤال من جديد: كيف وأنت ليبرالية؟

وفقاً للعرف الجديد الفكر يعني الكفر، والليبرالية بطبيعتها معتمدة على الفكر والتفكير. والقرآن بقداسته حافل بآيات التدبر والتفكير، حافل بشتى طلبات المعرفة والعقل. وشتى فروض الاستقلالية وعدم التبعية.

«اقرأ باسم ربك» «أفلا يتدبرون» «هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً».

لما لا تنصتون لهذه الآيات؟ لمَ تصمون آذانكم عن المعرفة القرآنية وتفتحونها لمحاضرات الداعية فلان والشيخ والمرشد والمصلح…؟

جمد الداعية عقولكم. أجلسكم أمامه في صفوف تتباكون خشوعاً وخشية فيما يلم هو (الغلة) ويرحلها إلى بنوك العالم. يعرف الداعية من أين تؤكل الكتف. معه حق، لمَ لا يمارس حيلته ويثرى أمام قطيع يفكر بنفس واحد. قطيع ينتظر بشغف كل محتال يمنحه تذاكر للجنة. قطيع ينكر أنه مسلم وإلا ما كان استعان بداعية.

نقطة الضعف العربية أن تدفع الجمهور للبكاء، وتبدأ العملية. ثم تكرر عليه عشرات القصص الإسلامية التي نحفظها من أيام الدراسة. لتنتهي المحاضرة بنتائج مخططة: القطيع مقتنع بأنه مذنب لا يسير وفق تعاليم الداعية. القطيع يبتعد عن القراءة والمعرفة الكونية والدراسة وحتى القرآن ويتخذ من كتاب ألفه الداعية نهج حياة مقدس فالعمر قصير وقد توافيه المنية فجأة والعذاب لن يرحم. الداعية صار مليونيراً. الهمجية بأعلى مستوياتها.

اطرحوا السؤال التالي على أنفسكم قبل توجهكم للاصطفاف أمام الغرباء والدخلاء.

لم يمر على الأمة زمن ينتشر به الدعاة والوعاظ بهذه الدرجة القاسية صحيح؟ ولم يمر عليها زمن ينتشر بها التشدد ويسدل الحجاب على الشوارع كما يحصل اليوم، صحيح؟ لما لم ننتقل إذا للتصنيف الدولي المتقدم؟ لمَ لم يدخلنا هؤلاء الدعاة للعالمية؟

لأن الخراب الذي يحدث هو نتيجة مكونين. الداعية الفاسد والقطيع الهمجي. والمتهم الليبرالية.

السمعة السيئة تلاحق الليبرالية. نجح الداعية السياسي بإبعاد شرائح القطيع عنها. والليبراليون منهزمون. مصدومون من كراهية مجتمعاتهم لهم.

تخيلوا أني حين أقول ان الله محبة وتسامح ترد الغالبية المتطرفة : لمَ تتحدثين كالمسيحية؟

ألا ترى الأنظمة أنها أمام فكر أشد من القاعدة. ليس محصورا بأعمال تخريبية مسلحة إنما أعماله التخريبية طالت العقول وأحكمت قبضتها على الأفراد. ضمنت خرساً فكرياً لم تمارسه حتى أشد الأنظمة تسلطاً. شوهت كل التيارات وأبقت واحداً فقط بيده وثائق المغفرة. والمعتقلات لم تعد كلاسيكية. إنما عصرية يبنيها كل فرد بنفسه وببيته. كل فرد.

وقفت أمام من يستغرب صلاتي أحاول بمرارة أن أشرح شيئاً: الليبرالية أن تختار. أن تملك حق وحرية الاختيار. قد يكون هناك رجل دين، راهب أو شيخ إسلام ويتمتع بصفات الليبرالية السماوية. يؤمن بالحرية للجميع. أليس الله القائل : « لكم دينكم ولي دين».

تشويه الليبرالية ربط الفكر بالكفر. ولم يعد أحد يصدق أن ليبرالياً مؤمناً يستيقظ كل صباح ليردد مع الطيور ألحان السماوات.

ليظنوا ظنونهم. يكفيني فخراً بأننا معشر الليبرالية لا نخاف من إظهار ميولنا الفكرية مهما كانت. ولا نخجل من إعلان خياراتنا الحقيقية. ولا نخدع مجتمعاتنا بل نتمنى لها الخير. متمسكين بقانون الكون رغم الردة والرجعية.

الآن : هل تسمحون لليبرالية مثلي بمعايدتكم برمضان الكريم؟ اللهم إني ليبرالية صائمة.نادين البدير – مفكر حر؟‎

About نادين البدير

كاتبة صحفية سعودية , قناة الحرة
This entry was posted in ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.