من يبيع روحه للشيطان..؟

نبيل ياسين: المواطن نيوز

تعالوا نبيع أرواحنا للشيطان كي نجد إمكانية للعيش في بلادنا التي تولى فيها الأمور عراقيون باع اغلبهم نفسه للشيطان. فلا نحن في مكاننا الصحيح ولاهم في المكان الصحيح. كلنا، المتدينون واللا متدينون نعاني من انتهاك حقوقنا ومصالحنا واعتبارنا الإنساني كبشر ومواطنين. وغالبيتنا تدين الشعب وتقول انه سينتخب نفس الطبقة الفاسدة . ولكن هل تعلمون أن هؤلاء الذين يدينون الشعب سوف ينتخبون نفس الطبقة الفاسدة من أحزاب هذه الطبقة الفاسدة وسيقاطعون القوى الليبرالية والديمقراطية الجديدة ولن يثقوا بها ولن يساعدوها لإعطائها فرصة للفوز. علي الوردي يسمي هذه الظاهرة بازدواجية الشخصية التي تعاني من التناشز الاجتماعي. وأنا اعتقد أن سبب هذه الازدواجية وهذا التناشز هو عدم الإيمان بدولة عراقية يحكمها القانون، لان لا وجود لهذه الدولة أصلا. خمسة وتسعون بالمائة من الذين تولوا مناصب في الحكومة والبرلمان والدبلوماسية والثقافة والإعلام والسلك العسكري هم في مناصب لم يكونوا يفكرون إنها ستأتي لهم بهذه البساطة التي لم توجد في أي بلد من بلدان العالم. وزراء ومسؤولون ونواب وسفراء بلا تاريخ ولا سيرة حياة. يفتقرون الى الخبرة والكفاءة اللازمتين للمنصب. كما يفتقرون إلى فهم ماذا يعني المنصب الذي يشغلونه. اللعبة التي لعبتها الأطراف التي كانت معنية بالتدابير السياسية للعراق هي أن السياسة كانت تخطط لماضي العراق وليس لمستقبله. ولذلك أعادت العناصر التي كانت نائمة أو شبه ميتة، سواء الأحزاب أو الأشخاص أو العشائر او الطوائف او القيم والعناصر السياسية والقومية والمذهبية وكان هناك ناس مستعدون دائماً للعب أدوارهم مثلما تريدها تلك التدابير. التدابير أرادت (روبوتات) وليس فكرا أو إبداعا في التخطيط أو التنفيذ . كل شخص أعطي الموقع الذي لا يجيد إدارته. ولأول مرة يظهر الاحتقار واضحا من نظام يقوم على عناصر ديمقراطية مثل التعددية والانتخابات والدستور وحرية التعبير لإرادة الشعب فتختلط هذه المفاهيم الجديدة بالعناصر القديمة التي ما تزال أقوى منها وتصبح الفوضى الخلاقة فوضى مدمرة وعنيفة تحصد في الشهر عشرات المئات من الضحايا وتضيف الى خراب الأنظمة والحروب خرابا أوسع حتى يبدو العراق جزءا من أطلال . من خطّط ومن نفّذ ؟ وما هي الأهداف المعلنة والأهداف غير المعلنة.؟ الفوضى المبدعة أو الخلاقة كانت الوسيلة المتبعة لتحقيق أهداف. لكن ما هي الأهداف..؟ هل هي أولا بناء نظام ديمقراطي من هذه الفوضى.. ؟ هل هي ثانيا إعادة إعمار وبناء العراق على أسس حديثة من حيث النظام السياسي والنظام الاقتصادي ونظام الإدارة والتخطيط وتحقيق البرامج الاجتماعية..؟ بعد عشر سنوات لم يحدث شيء من ذلك. وربما تم بيع هذه الخطط عبر اتفاقات إقليمية بعشرات المليارات من الدولارات منذ عام 2004 في كامب ديفيد بلقاء الرئيس السابق جورج بوش والملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان ولياً للعهد آنذاك . ما هو مؤكد من خلال الأحداث التي تعصف بالعراق منذ عشر سنوات، أن صفقة ما جعلت احد أطراف الإدارة الأمريكية يحول الفوضى الخلاقة إلى فوضى لإنتاج الخراب والدمار والعنف الطائفي والتهديد بالتقسيم السياسي الذي يتحقق من خلال النزعات المذهبية والعشائرية والكتل السياسية. إنها فوضى تستمر منذ عشر سنوات معيدة نظرية الأوربية المركزية مع نظرية الأمريكية المركزية وإبقاء النزاعات مفتوحة دون سقف زمني مع طرح خرائط تقسيم جديدة تثير الهلع والقلق وتؤسس لغسيل دماغ حول الوحدة الوطنية المزعومة للبلدان تاريخيا. بعد غزو الكويت فقط ظهرت أفكار الولايات العراقية التي تبناها صحفيون وكتاب وسياسيون عراقيون شيوعيون وقوميون وإسلاميون والتي تقوم على فكرة ان العراق مخترع من قبل بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بتوحيد ثلاث ولايات منفصلة هي بغداد والبصرة والموصل في دولة ملفقة. وهي الفكرة التي ألف فيها الباحث البريطاني المختص بالعراق توبي دوج كتابه (تلفيق العراق) والذي أدرج شكره لبعض الأسماء الماركسية التي ساعدته في بعض تفاصيل هذه الفكرة. كما انها الفكرة الأساسية التي قام عليها مشروع المؤتمر الوطني العراقي الذي ضم جميع أطراف المعارضة حين تأسيسه بإشراف أمريكي وبريطاني عام ١٩٩٢. ولذلك كان شعاره وما يزال هو ثلاث دوائر شبه منفصلة عن بعضها بعضا. من نتائج هذه الفوضى ظهور طبقة سياسية تجارية. أي تستثمر المنصب السياسي استثمارات مالية سواء عن طريق امتيازات المرتبات الخيالية للمنصب مثل النيابة البرلمانية التي خضعت للصفقات المالية بين بعض النواب والكتل التي رشحتها أو تدخل أعضاء البرلمان بصفقات غير قانونية مشبوهة . لديّ قناعة مبنية على وقائع أن تآمرا مشتركا قد حدث بين السياسيين العراقيين والأطراف الأمريكية والبريطانية التي رعت اغلب السياسيين المعارضين آنذاك. وقد اخبرني أحدهم مؤخراً في معرض حديثنا عن بعض الأعماق المريبة للعمل السياسي قبل إسقاط صدام أن ضغوطا حثيثة قد مورست عليه من قبل مخابرات رعاة المؤتمر الأمريكيين والبريطانيين لإدخال بعض البعثيين، ذوي السمعة السيئة بارتباطاتهم المخابراتية والإعلامية مع صدام وعدي في الترتيبات الأخيرة لنتائج المؤتمر الأخير للمعارضة العراقية وان ضغوطا معاكسة قد مورست لمقاطعة أسماء سياسية وطنية معروفة بفكرها الحر ومواقفها الوطنية المعلنة. أقول ذلك لأوكد انحطت مقصودا كان يقرر الوضع الحالي فقد أنيطت المهام الصعبة والمعقدة لبناء نظام سياسي وإعادة تخطيط القيم والمعايير الفكرية والثقافية لأشخاص لا علاقة لهم بمثل هذه الصعاب ولم تخطر على بالهم مهمات من هذا النوع. لقد تم إنشاء سوق سياسي على شكل بسطات سريعة وعشوائية وغير مهنية وكان هذا يستدعي خلق جمهور سياسي لهذه السوق بأسرع ما يمكن وبصورة غير مهنية. بورصة الأسهم السياسية هناك خطئان ارتكبا. الثاني هو أن الأمريكيين والبريطانيين وجدوا الخطأ الأول متوفرا وهو أن هناك من يتعامل مع العراق كصفقة خارج تاريخ السياسة وان هذه الصفقة لان تتطلب تاريخا سياسيا وخبرة وبرنامجا وطنيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا خدميا لوضعه أساسا للتعاون العرقي الدولي لإسقاط صدام وتحقيق شعار المعارضة الأساسي وهو إسقاط النظام وإقامة الديمقراطية وإنما تتطلب ما تطلبه سوق المناخ الكويتي الذائع الصيت في الثمانينات حيث تباع الأسهم بالمليارات ولكن الرصيد الحقيقي لا يتعدى بضعة ملايين فانهار في لحظة واحدة بعد اكتشاف الأمر صدفة. بنيت العملية السياسية العراقية بتداول أسهم سياسية قيمتها الأولية بمليارات ولكن قيمتها الحقيقية لا تتعدى الألف ظهرت بوادر التدهور على المشروع السياسي للمعارضة العراقية في التسعينات بعد غزو الكويت وظهور حاجة أمريكية للبحث عن أشخاص لتسويقهم سياسيا مقابل أحزاب وتنظيمات سياسية مدنية ودينية أكانت كلها بدون استثناء ضد الولايات المتحدة الأمريكية فالمسلمون الشيعة وتنظيماتهم كانت أما في إيران أو في سوريا وهي موالية لإيران وسوريا في مواقفها من الشيطان الأكبر أو من التحالف الأمريكي الإسرائيلي والأحزاب اليسارية كانت في صف المعسكر الاشتراكي السوفيتي في أتون تصاعد الحرب الباردة بعد استلام اليمين المتطرف بقيادة رونالد ريغان وكاو غريت تاتشر. اما الشخصيات الديمقراطية المستقلة والليبرالية فقد كانت في يسار الوسط وكانت فترة الثمانينات فترة التحالف الغربي الصدامي بلا منازع خلال الحرب العراقية الإيرانية بحيث تم غض النظر عن استخدام صدام للسلاح الكيمياوي في حلبجة. وكانت عمليات الأنفال تجري وعيون الغرب مفتوحة على تطور الصناعة العسكرية لنظام صدام. صحيح أن مشكلة المعارضة قبل غرو الكويت ودخول الإدارة الأمريكية على خطها كانت في الفكر السياسي الأيديولوجي والشعارات وخلو هذا الفكر من فكر قانوني ودستوري وغياب مفاهيم الحريات والحقوق وسادة القانون والمواطنة ودخول هذه المفاهيم إلى أبجديات المعارضة بعد تولي الأمريكيين إدارتها إلا انه في الحالين كانت القوى الدولية والإقليمية هي من يقرر فكر المعارضة سياسيا وأيديولوجيا ولذلك كانت صناعة الأفكار الديمقراطية في إطارها القانوني وما تزال مشكلة واقعية وحقيقية عمقتها نظرية الفوضى الخلاقة وزادتها تعقيدا . كان الحصار الاقتصادي لعبة سياسية مزدوجة من المجتمع الدولي ومن نظام صدام معا أنتج لما الحصار الاقتصادي مجتمعا منهكا ونمطا اجتماعيا مشوها يشعر بوطأة العقوبة دون أن يكون مذنبا وبسبب قوة القمع نجح نظام صدام في تحويل الحصار إلى آلة للتضامن السلبي ضد الآخرين وتحويل الشعور بالحصار إلى منقبة ما يزال كثير من العراقيين يعتزون بها ويشهرونها كسلاح ضد العراقيين المنفيين والمهاجرين بحيث أصبحت عقبة في تطور العملية السياسية وفي إعادة التضامن الوطني واشهر كثير من العراقيين سلاح ازدواجية الجنسية باعتباره من ميزات العيش في الخارج. فوضى التمزيق الطائفي غالبا ما كنت اسمع رأيا، قد يبدو حصيفا من الناحية الواقعية، بإمكانية حدوث شيء مغاير. طالما ان الواقع كان يشير الى احتلال العراق فكان من الأفضل طالما ان الاحتلال قد وقع، ان يتفرد الأمريكان بإدارة العراق خلال السنوات العشر التي احتلوه فيها ويضعون أسسا لنظام ديمقراطي ويرسون أساس نظام اقتصادي حر ومفتوح وقوي. ويعيدون العراق الى المجتمع الدولي بإلغاء جميع ديونه وإسقاط جميع التبعات التي أعقبت غزو الكويت ويعمرون موانئه ويقوون حدوده واستقلاله وسيادته بعد ان يخرجوا منه لا مثلما أخرجهم اوباما وهم قد قضوا على ما كان قد تبقى من عراق الماضي. حتى بعد حدوث الاحتلال كانت هناك أفكار تدور في أذهان كثير من العراقيين، منها نموذج المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية والالتزامات الأمريكية والأوربية تجاه بلدين من بلدان المحور النازي والفاشي والإمبراطوري. لكن ما نتج عن الفوضى الخلاقة هو ان وزير التعليم يريد تعليما شيعيا والبعثات العلمية خاصة بالشيعة ووزير التربية يريد تعليما سنيا والمناهج تلهج بذكر السنة. ووزير الصناعة يريد تصنيعا سنيا ووزير التخطيط يريد تخطيطا شيعيا والنتيجة ليست فوضى وتنافس غير علمي وغير مشروع يهدم ما تبقى من هوية الدولة وانما أعيد تدوير جميع منتسبي النظام السابق وأعطوا درجات أعلى إذ يمثل تعليمنا في الداخل منتسبو النظام السابق وفي ملحقياتنا الثقافية يمثل تعليمنا منتسبو النظام السابق وجميع الإجراءات والقوانين التي تصدر من الحكومة والبرلمان تخدم منتسبي النظام السابق وتعطيهم امتيازات أعلى مما حصلوا عليها في النظام السابق وأكثر من ذلك تحرم منتسبي المعارضة السابقة الذين ناضلوا من اجل واقع أفضل وتعليم افضل وصحة افضل ونظام سياسي افضل وتربية افضل وصناعة افضل وفرص عمل وتكافؤ افضل من حقوقهم وتعاقبهم على معارضة نظام صدام، فإذا بالفوضى الخلاقة تعيد إنتاج النظام السابق بشكل أسوأ. هل هذا هو ما كان مطلوبا؟ حتى الآن يبدو الجواب بنعم. 

.(……………………………..)

السياسيون مليونيرية وبخلاء معظم سياسيينا مليونيرية. وبعضهم كانوا مليونيرية قبل سقوط صدام وتوليهم السيطرة على أموال العراق. فقد قبضوا من دول خليجية ومن أمريكا ودول أخرى عشرات الملايين من الدولارات لتنظيم معارضتهم لصدام وبذلك بدأ العمل السياسي يتحول الى تجارة رابحة وانعطفت من المواقف والالتزامات السياسية الى تجارة سرية بالملايين. في رمضان الماضي اضطررت بعد ضغوط من أصدقاء لتلبية دعوة إفطار لأحد السياسيين المليونيرية. كان احد المضفين من أقاربه يسأل المدعوين واحدا واحدا: هل أنت صائم أم لا؟ ولما سألني نهرته وامتنعت عن اخذ الصحن الذي كان يقدمه، فقال انه يسأل لان الشوربة قليلة لا تكفي فهي للصائمين فقط. كيف تريدون من بخيل . يقدم إفطارا ناقصا لمدعوين وفي شهر كريم، يحكم العراق مثل هذا أن يلبي مطالب شعبه ؟ لدينا يكون السياسي مرتزقا على أبواب مخابرات دول شتى ثم يستولي على المال العام ويبرز مخالبه ضد كل مواطن يطالب بحقه وحينذاك نعرف أن مثل هذا السياسي مكانه خطأ وإصراره على الاحتفاظ بمكانه هو صراع بين الشعب وبينه فأما هو وأما الشعب. لقد سرقوا حتى وظائف الخدمة المدنية ثم يطلع نائب بعثي إسلامي أصبح مكروها على كل مواقع الفيس بوك ببدلته الخاكي سابقا وبربع لحية ( سكسوكة) ونفس الشوارب التي تحولت من شوارب بعثية الى شوارب إسلامية، ويدلي باستمرار بتصريحاته الارتزاقية حاليا ليقول لا فقر في العراق. وهذا قد ينطبق عليه إذ تحول من حمّال حقائب لشاعر صدام إلى نائب ومسؤول ثقافي يستطيع ابنه الصغير صرف أربعة ملايين دينار أموي ويريدون أن لا يخرج أبو ذر ليشهر سيفه. لقد ظلت الدولة العربية الإسلامية تتحدث طوال أكثر من ألف وأربعمائة سنة عن القران دون أن تحكم به. أما العدالة في القرآن فقد بقيت في أرشيف النبي بعد وفاته تداولها خليفة أو اثنان ثم طويت وختمت بالشمع الأحمر باعتبارها من المحرمات. أما العقل الذي ورد في القرآن باعتباره البرهان والمعيار فقد خرج من رؤوس العرب والمسلمين واختفى في الطبقات الجيولوجية وتحلل مع النفط فلم يعثر عليه المنقبون حتى الآن. فوضى بلا حلم وبلا أمل في الباصات والقطارات والشوارع والساحات والمحطات وغير ذلك من مؤسسات ومرافق عامة توجد لوحات تحمل تعليمات هي ليست مظهرا حضاريا فحسب وإنما قوانين تنظم الحياة والعلاقات بين البشر وقد أصبح من واجبنا أن نصدر مثل هذه التعليمات للحكومة والبرلمان والمسؤولين لكي ننظم حياتهم وحياتنا . وحين يكون لسياسي ما مشروع وطني وقومي إنساني كما كان لمارتن لوثر كينغ فان البشرية كلها ستكون مدينة له. عندي حلم. أطلق مارتن لوثر ذلك الحلم قبل خمسين عاما في واشنطون مول عند النصب التذكاري للرئيس الامريكي لينكولن والن تجاوز حلم مارتن لوثر الحصول على الحقوق المدنية الى أن يكون رئيس أمريكا رجلا اسود. حين نقول عندنا حلم يصرخ في وجوهنا الجميع: لن يتحقق عندي أمل وسيتحقق ذات يوم حتى لو بعد خمسين سنة لتهنأ به الأجيال القادمة.

About محمد البدري

مهندس وباحث انثربولوجي
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.