مدن الصيف : ثلاث مضيفات

الشرق الاوسط

يعدد أرنولد توينبي منشأ المدن، بادئا في أور، الدولة السومرية الثالثة، ثم، عد معي: صور التي منها قرجاج، وصيدا وبيبلوس (جبيل) التي كانت تصدر الخشب إلى مصر ثلاثة آلاف سنة ق.م. ويصفها جميعا «بالساحل الكنعاني»، وبعدها يأتي إلى أثينا وروما وإسبرطة وما تعرفون. ماذا تستخلص من تعداد هذه الأسماء؟ دعني أقل لجنابك ما استحى توينبي من قوله: المنطقة التي نشأت فيها المدن هي الأخيرة اليوم في التمدن. نحن منطقة المدن المقدسة ومدن حوض الحضارات والآن نريد استبدال مدينة نصر ورابعة العدوية بالقاهرة . لأن محمد علي ينتصر على الإمبراطورية التركية فجاء محمد مرسي العياط يستنجد برجب طيب أردوغان. كاد محمد علي يستعيد القرار العربي الذي سباه من القاهرة السلطان سليم المتجهم، فقرر محمد مرسي أن يتقاسمه مع أنقرة وطهران. المدن عنوان البلدان: تقول روما المدينة فتعني روما الإمبراطورية. تقول أثينا، فندرك أنك تعني جميع اليونان. تقول مصر فتعرف الناس أنك تعني القاهرة. وتقول الإسكندرية فيعرف العالم أن المقصود ليس الكورنيش ولا المنارة بل ما كان ذات مرحلة – أو مراحل – أبهى دول الأرض. لو بقي الرئيس مرسي لجعل عليها واليا يلغي عنها اسم الإسكندر ويمنع ذكر كليوباترا ويعيد هدم مكتبتها التي أعاد حسني مبارك بناءها.. فلول.

سامحوني على هذه الوجدانيات (وليس الرومانسيات) لكنني أحار في ما هي مدينتي الثانية بعد بيروت. بيروت مدينتي الأولى والثانية والثالثة، لأن فيها عشت العشرين عاما الأولى. لكن من بعدها؟ أحيانا، أقول الإسكندرية، القديمة والمعاصرة. أحيانا أشعر بذنب عميق: وماذا عن قرطبة؟ أين تضع قرطبة؟ وإذا كانت العشرون الأولى مهمة فماذا عن العشرين التالية والقاهرة وفندق عمر الخيام الزمالك؟ وماذا عن يوم هزمك أحمد رمزي (رحمه الله) في المنافسة على امرأة من لبنان. تريد أن توضح؟ عجل، أوضح. هو الذي دخل المنافسة، لا أنت. سيادتك دخلت الهزيمة، فردوا كل المؤهلات.

كتب زميل عزيز أنه يجمع تصحيحات للأخطاء الشائعة في الصحافة، تحت باب: «قل، لا تقل». ومنها، إياك أن تقول كل المؤهلات لأن الصح هو «المؤهلات كافة». ليش يا عمي؟ ليش يا خيي؟ ليش يا تقبرني؟ أي مغص سوف يصيب اللغة إذا وضعنا كافة قبل المؤهلات. أي معنى تغير. أي بصرة أغضبنا وأي كوفة حركنا عظامها. أتمنى على الزميل العزيز أن يضع خبرته في تدريب الجيل الجديد على القراءة، صحا أو خطأ أو بين بين. والأخيرة مأخوذة عن سعيد فريحة، الذي كان يصف رحلة له إلى طوكيو، فقال إنه كانت في الدرجة الأولى ثلاث مضيفات: عزباء ومتزوجة وبين بين. إلى اللقاء.

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.