ما يجب أن يسمعه السيد حسن نصرالله

د.منى فياض : النهار

ترددت كثيراً قبل أن أكتب ما تقرؤون، إذ تبدو الأحداث أكبر من الأفراد والخوف والتعصب يجرفان الأخضر واليابس. لكن سؤال ماذا نفعل؟ هل نقف مكتوفي الأيدي أمام أخذنا الى الجحيم؟ يجب أن نفعل شيئاً لا أن نترك انفسنا لحرب لا تبقي ولا تذر… يتردد كثيراً من حولي في رفض مطلق لما يجري.

هل في مقدور الأفراد عمل شيء؟ هل يمكنهم ذلك عندما يعتقدون أن ما يفكرون فيه يمثل تفكير “أكثرية” المواطنين اللبنانيين؟ نعم هناك رفض لما يجري، رفض لجرنا الى عنف جديد وحروب جديدة وتورط كارثي في الداخل السوري في محاولة بائسة لإنقاذ نظام مستبد يقضي على بلده وشعبه ويقمع ثورته وفي ظل فتنة سنية شيعية غير مسبوقة. لا أحد يحتمل عنفاً أو حرباً أهلية بعد الآن ولا حتى بيئة “حزب الله”.

ان الحديث عن مشاركة متساوية لفريقي 8 و14 آذار مردود. لا مجال للمقارنة بين تسلل افراد متعصبين او متحمسين لدعم الثوار وإرسال مقاتلين تابعين لإدارة حزب حديدي خاضع لولاية الفقيه وقصف الداخل السوري بالصواريخ لحماية “الشيعة” هناك. إن ذلك يذكرنا بحكاية الحمل والذئب.

أكتب هذا الكلام برسم السيد نصرالله وبرسم العقلاء في “حزب الله” (وأعتقد أنهم كثر) وإلى العقلاء في النظام الايراني، وأعرف انهم سيقرؤون هذا الكلام لأنهم يتابعون الشاردة والواردة في بلدنا الصغير ومنذ زمن طويل، ومنذ أن كتب السيد مهاجراني رسالة يردّ فيها على مقالة أشرت فيها الى تعاملهم غير المقبول مع العراقيين الذين لجأوا الى إيران خلال حربهم معها.

حينها كنت ما زلت على إيماني بأنهم “ثورة إسلامية” جاءت لتعيد الحق الى أصحابه؛ مثلما كتبت مرة عن “حكمة” “حزب الله”. لكن يتبين لي خطئي في كل مرة. هناك مصالح لفئة ضئيلة تتحكم بمصائرنا بقوة السلاح سواء النووي او التقليدي. والـ”نا” هنا تعني الشيعة أولاً واللبنانيين ثانياً والسوريين ثالثاً والعرب والايرانيين والمسلمين من سنة وشيعة عموماً.

نعم إنها فئة “ضئيلة” لأنها مهما كبرت فهي ليست أكبر من الشعوب ومصيرها الزوال. هذه الفئة تأخذنا إلى أبواب جهنم الفاتحة فاها لتبتلعنا وتقضي على أي أمل لنا بالخلاص من الآن وإلى ما شاء الله.

على “حزب الله”، الآن وقبل فوات الاوان، ان يختار هل هو لبناني ويعمل لمصلحة لبنان أم هو إيراني وينفذ أوامر المرشد الأعلى وسياساته ويعمل لمصلحته حصراً؟ مصلحتنا كلبنانيين أن نكون محايدين ونترك سوريا لأهلها وأن نعمل على التهدئة والمصالحة بين اللبنانيين جميعاً. وهذا يتطلب ان يتواضع “حزب الله” ويكفّ عن التهديد والتخوين ويخرج من أوهام التفوق والقوة بالانسحاب من سوريا وأن يعتذر من السوريين ومن السنة ومن الشيعة، الذين يحفر قبورهم، ومن عموم اللبنانيين ويعود الى لبنان كطرف سياسي مثل سائر الأطراف يفاوض ويحاور وينفذ ما يتفق عليه ويقدم التنازلات لمصلحة لبنان العليا ويساعد الشرعية اللبنانية فعلاً لا قولاً لكي تستعيد الدولة هيبتها.

لم يتأخر الوقت، سيغفر الجميع له ويسامحونه لأنهم لم ينسوا بعد “حزب الله” “المقاومة” تماماً. عليه ان يتراجع قبل ان ينسى الجميع انه كان ذات يوم “مقاوما حقيقياً”. وسيغفرون للشيعة الذين يتبعونه خوفاً وتعصباً وخجلاً أو مصلحة؛ لأنهم يعرفون ان الشيعة كانوا تاريخياً “الأكثر لبنانية” والأكثر تضحية والأكثر دماثة والأكثر وطنية. لكن عندما يحوّل “حزب الله” صواريخه من وجهتها ضد العدو الحقيقي، أي إسرائيل، إلى صدور السوريين علناً أو إلى صدور اللبنانيين لاحقاً فلن يغفر له أحد وسيكون انتحاراً، وسيدفع ثمن ذلك غالياً. ولو اقتصر الأمر عليه وحده لهان الأمر لكنه سيأخذ العالم الاسلامي الى الجحيم وليس فقط الشيعة أو لبنان أو العالم العربي. ومن اجل ماذا؟ من أجل الدفاع عن النظام الايراني القامع لشعبه والمتسبب بإفقاره بتبذير ثرواته من أجل وهم القوة والسيطرة!!

أعرف أن كثراً في “حزب الله” يفكرون لا بد بما يقترب من ذلك وأيضاً في إيران، ليست هذه معرفة “معلوماتية” ولكنها تقدير. لأنه من غير المعقول أن يفقد الجميع صوابهم. ولكنه الخوف الذي يمنعهم من التصرف، الخوف من أن يكونوا قلة ومن أن يكونوا على خطأ ومن تهديدات أمنية ربما.

لكن الضمير والمسؤولية التاريخية يتطلبان وقفة من الجميع وقول كلمة حق واتخاذ موقف. إن أي مؤمن لا يرضى بأن تسفك دماء المظلومين، مسلمين أو غير مسلمين، على أيدي أشقائهم هكذا وبهذا الدم البارد وتحت هذه الذرائع الواهية. إن أي شيعي حقيقي لا يقبل على نفسه أن يُقتل الشعب السوري بهذه الطريقة، لأنه مظلوم وثار ليستعيد كرامته ولن يتراجع ولو تعرّض للإبادة وقالها معاذ الخطيب.

على الشيعي أن يستعيد ذاكرته المثقوبة: الحسين قَبِل الشهادة مظلوماً من أجل الحق والعدل. “حزب الله” انت لم تعد شيعياً، أنت مصدر خوف للجميع، أنت فزاعة للبنانيين ولكن لا أعتقد أن الشعب السوري يخافك، فحذار!!

“حزب الله” لا تستطيع أن تحكمنا بالخوف وبالسلاح. فهل كان علي بن أبي طالب مخيفاً؟ هل كان الحسين مخيفاً؟ هل فرضا سطوتهما بقوة السلاح؟ هل كانت لهما سطوة أصلاً؟

ومهما كانت شيعيتي، سواء إيمانية أو سوسيولوجية او شخصية او علمانية، إن الجو الذي ترعرعت فيه والشيعة الذين عرفتهم ما كانوا على شاكلة التابعين لك متعصبين محتدين، ولا خائفين. كانوا مع المظلومين والحسين بالنسبة لهم، ولأنه مظلوم، كان أمل المظلومين وليس جلادهم.

“حزب الله” إلى أين تأخذنا؟ وهل هذا شعبك أم عبيدك؟ وأنتم يا من تتبعونه هكذا أليس الساكت عن الحق شيطان أخرس؟

مؤيدو “حزب الله”… عليكم اتخاذ موقف شجاع ورفض باب جهنم هذا الذي نقف على حافته. إنها مسؤوليتكم التاريخية ومسؤولية العقلاء بينكم. كونوا لبنانيين وكونوا عرباً وكونوا مع الشعب السوري المظلوم إذا كنتم حقاً شيعة الحسين.

والا فانتم إما انتحاريون وإما تعتقدون أنكم فوق البشر ولا تُغلبون. ولكان هذا ربما يصح لو أن قضيتكم عادلة كما كانت حتى تحرير الجنوب. ولكنها الآن ليست كذلك للأسف. لذا العودة عن الخطيئة عين الفضيلة والحق وما زلنا نأمل منكم التعقل والحفاظ على أرواح البشر وعدم التفريط بلبنان وبالشيعة من أجل أوهام القوة والسيطرة والتسلط او من اجل اتباع الاوامر الايرانية.

أخيراً عليكم ان تسألوا أنفسكم لماذا لا يفكر الشيعة التابعون لكم والخائفون بالهجرة الى ايران؟ لماذا وجهتهم بلاد الشيطان الأكبر؟

واين تعتقدون مكمن أهمية “حزب الله” وشيعته بالنسبة لإيران: أليس بسبب لبنانيتهم أولاً وأخيراً؟

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.