لن نتخلى عن روسيا ولن تتخلى روسيا عنا

محمد علي بيراند

 إذا كنت تتساءل عن نتيجة زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإسطنبول قبل أيام، يمكنني أن ألخصها لك: «لم يكن محور تركيز الزيارة منصبا على بشار الأسد، أو صواريخ الباتريوت، بل على الجهود الرامية لزيادة حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين البالغ 35 مليار دولار إلى 100 مليار دولار».

 كانت المحادثات، في ذلك الجانب، مثمرة جدا.

 يجب أن أقول الآن من البداية: إنه لو كانت هناك أزمة حقيقية بسبب سوريا وصواريخ الباتريوت، ما كان بوتين ليقوم بزيارة إلى إسطنبول.

 نحن بشكل عام نبخس تقدير العلاقات التركية – الروسية، فيما قد وصلت العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين إلى ذلك المستوى الذي على الرغم من أنه ربما توجد فيه آراء مختلفة بين العاصمتين وتوجهان انتقادات لبعضهما البعض في مواضيع معينة، لا يستطيع أحد أن يكسر هذه السلسلة من المصالح.

 لن تتخلى روسيا عن تركيا، ولن تتخلى تركيا عن روسيا. ربما يكون موضوع مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد مجرد أمر تافه عند مقارنته بهذه المجموعة الضخمة من المصالح المتبادلة بين البلدين.

 علاوة على ذلك، فإن مشكلة روسيا ليست مع تركيا.

 في واقع الأمر، موسكو في مواجهة مع واشنطن. إن موسكو لا ترغب في أن تتدخل واشنطن في إدارات الدول الإقليمية وتحاول تغيير القائد كما تشاء. في لعبة الاستراتيجية الكبرى، ترغب في تقليص نفوذ الولايات المتحدة. إن معارضتها لصواريخ الباتريوت ترجع إلى هذا السبب. فهي تعلم أن هذا النظام يعتبر نموذجا قديما جدا ولا يشكل بأية صورة مصدر تهديد؛ لكنها تتخذ رد فعل لأنها لا ترغب في أن يأتي حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى المنطقة. بالطبع، منذ أن دخلنا نحن أيضا اللعبة، تتلقى تركيا نصيبها من الانتقادات.

 أثناء هذا الاجتماع، أعلن عن أنه قد تم التوصل إلى إجماع بشأن مستقبل الأسد.

 في واقع الأمر، لم يحدث ذلك بعد. لا يمكن الوصول إلى حل لقضية بشار الأسد في محادثة بين تركيا وروسيا، ولكن من خلال محادثات بين روسيا والولايات المتحدة. دعونا لا نركز على مثل هذه القضايا. فلنركز على التجارة؛ من المؤكد أننا سوف نخرج أحسن حالا.

 كان أردوغان محقا في تعنيفه إسرائيل.

 هؤلاء الذين يقرأون المقال يعون جيدا أنني أهتم بالعلاقات التركية – الإسرائيلية، وأرى أن هاتين الدولتين لديهما الكثير لتمنحاه بعضهما للبعض. كذلك، فإنني من بين هؤلاء الذين يرغبون في أن تعود العلاقات الحالية بين البلدين إلى طبيعتها. في واقع الأمر، كنت ضد التقريع البغيض من جانب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لشيمعون بيريس في دافوس. انتقدت حديثه. وفي حادثة أسطول «مافي مرمرة»، جنبا إلى جنب مع إدانة وحشية إسرائيل، أوضحت أنه كان من الخطأ أن ينطلق الأسطول من الأساس.

 الآن، عليّ أن أقول إن إسرائيل – على وجه الدقة، حكومة بنيامين نتنياهو – أصبحت على درجة مفرطة من الوحشية والتهور والفساد إلى حد أنها تستحق موقف أردوغان. إذا استمرت على هذا النهج، فلن تكون ثمة وسيلة يمكنها من خلالها أن تطبع علاقاتها مع تركيا. في مثال حديث، منحت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، من خلال عدد معقول من الأصوات، متنفسا لفلسطين. وعلى الرغم من أنه لم يحدث أي تغيير ملموس على أرض الواقع، فإن هذا التصويت قد أصاب إسرائيل بالجنون.

 لقد أعلنت إسرائيل أنها ستقيم 3000 مسكن جديد للمستوطنين اليهود في أكثر المناطق المتنازع عليها في القدس، على أرض تنتمي للفلسطينيين.

 لم يكن هذا كافيا؛ فقد قررت أيضا استرجاع ضرائب قيمتها 100 مليون دولار كانت قد حصلتها بالنيابة عن الإدارة الفلسطينية. وسوف تضيف هذا المبلغ إلى حساب ديون الطاقة الخاص بالفلسطينيين، على نحو يحكم على الفلسطينيين بالمجاعة.

 لقد تجاوزوا المدى إلى حد أن أوروبا نفسها ثارت عليهم. فبعض الدول تستعد لسحب سفرائها؛ ورد الفعل العالمي يتزايد.

 نتنياهو لا يعبأ. فالأمر المهم بالنسبة له هو الانتخابات المزمع إجراؤها في يناير (كانون الثاني). حتى إنه لا يناقش فكرة أنه في يوم ما لن يكون قادرا على الحصول على الدعم السابق من جانب الولايات المتحدة. على النقيض، ترتكز إسرائيل في موقفها على واشنطن وتمضي قدما بما يتوافق وهذا الموقف. إذا سألت العرب، فلن تجدهم مهتمين بدرجة كبيرة، بل إنك ستجد أيديهم مغلولة في الأموال التي يمنحونها. إنهم لا يدفعون بأنفسهم إلى صدارة المشهد، حتى مثل أردوغان.

الآن أعلن أنه ما دام نتنياهو يحكم، فقد أسقطت إسرائيل تماما.

* عن الشرق الاوسط

>

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.