طرطرا

محمد مهدى الجواهرى

أيْ طرطرا تطرطري …  تقدَّمي تأخَّري
تَشيَّعي تسنَّني… تَهوَّدي تَنصَّري
تكرَّدي تَعرَّبي… تهاتري بالعُنصرِ
تَعمَّمي تَبَرنطي… تعقَّلي تسدَّري
كوني – اذا رُمتِ العُلى … – من قُبُلٍ او دُبُرِ
صالحةً كصالحٍ … عامرةً كالعُمري
وأنتِ إنْ لم تَجِدي … أباً حميدَ الأثَر
ومفَخَراً من الجُدودِ … طيَّب المُنحدرَ
ولم تَرَي في النَفْس… ما يُغنيكِ ان تفتخري
شأنُ عِصامٍ قد كفَتْه … النفسُ شَرَّ مفْخَر
فالتَمِسي أباً سِواهُ … أشِراً ذا بَطَر
طُوفي على الأعرابِ … من بادٍ ومن محتَضِر
والتَمِسي منهم جدوداً … جُدُداً وزَوِّري
تزَّيِدي تزبَّدي …  تعنَّزي تَشمَّري
في زَمَنِ الذَرِّ إلى … بَداوةٍ تَقَهْقَري
تَقَلَّبي تَقَلُّبَ الدهرِ … بشتّى الغِيَر
تصرَّفي كما تشائينَ … ولا تعتَذري
لمن؟!! أللناسِ ؟!! … وهم حُثالةٌ في سَقَر
عبيدُ أُجدادِك من … رِقًّ ومن مُستَأجَر
أمْ للقوانين وما … جاءَتْ بغَير الهَذَر
تأمرُ بالمعروف والمنكَر …  فوقَ المِنبَر
شيء أبى المعروفِ … في شَويِّ امُّ المنكر
أمْ للضميرِ والضميرُ… صُنْعُ هذا البَشَر؟!
تَعِلَّةٌ لصائمٍ … فَطيرةٌ لمُفطِرِ
لمن؟!! اللتأريخ ؟!! … وهو وفي يَدِ المُحَبِّر
مُسخَّرٌ طَوْعَ بنانِ … الحاكم المُستَحِر
بدَرْهَمٍ تُقَلِّبُ الحالَ … يَدُ المُحرِّر
قد تَقرأُ الاجيالَ في … دُفَةِ هذا المحضَر
عن مِثْلِ هذا العَصْر أن … قد كان زينَ الاعصُر
وأنَّه من ذَهَبٍ … وأنّه من جَوهر
أم للمقاييس اقتضاهنَّ … اختلافُ النَظَر؟
إنَّ أخَا طَرْطَرَ من … كلِّ المقاييس بَري
أي طرطرا إن كانَ شَعبٌ…  جاع او خُلقٌ عَري
او أجْمَعَ الستُ الملايينُ … على التذمُّر
او حَكمَ النساءُ حُكم … الغاصبِ المقتَدِر
او صاحَ نَهباً بالبلاد … بائعٌ ومشتري
او نُفِّذَ المرسومُ في … محابِرٍ وأسطر
او أُخِذَ البريءُ بالمجرِم … اخذَ طرطري
او دُفِع العراقُ للذلِّ … أو التدهورِ
فاحتكمي تحكَّمي … وتُحمَدي وتؤجَري
أي طرطرا تطرطري … وهلِّلي وكَبّري
وطَبِّلي لكلِّ ما يُخزي…  الفَتَى وزمِّري
وسَبِّحي بحمدِ … مأمونٍ وشكرِ أبتَر
اعطي سماتِ فارعٍ … شَمَردَلِ لبُحتر
واغتَصِبي لضِفدِعٍ … سماتِ ليثٍ قَسْور
وعَطرِّي قاذورةً … وبالمديح بَخرِّي
وصيرِّي من جُعَلٍ … حديقةً من زَهَر
وشَبِّهى الظلامَ ظُلماً … بالصبَاح المُسفِر
وألبسي الغبيَّ والاحمقَ … ثَوبَ عبقري
وأُفرِغي على المخانيثِ … دُروع عنتر
إن قيلَ إنَّ مَجدَهمُ … مزيَّفٌ فأنكِري
او قيلَ إن بطشَهم من … بَطْشة المستِعمر
وانَّ هذا المستعيرَ … صولةَ الغَضَنفرَ
اهونُ من ذبابةٍ … في مستحَمٍّ قَذِر
فهي تطير حُرّةً … جَناحُها لم يُعَر
وذاكَ لو لم يستعِرْ … جناحَه لم يطر
فغالِطي وكابري … وحَوِّري وزوِّري
أي طرطرا سِيري … على نَهجِهِمُ والاثَر
واستَقْبلي يومَك … من يومهمُ واستدبِري
وأجمِعي أمرَكِ … من أمِرهِمُ تَستَكِثري
كُوني بُغاثاً وأسلَمي … بالنفسِ ثم استَنْسِري
انْ طوَّلوُا فطَوِّلي … او قصَّروا فقَصِّري
او أجَرمُوا فاعتذري … او أنذروا فبشِّري
او خَبَطوا عشوا فقُولي … أيُّ نجمٍ نَيِّرِ
او ظَلَموا فابرزي الظُلمْ … بأبهَى الصُوَر
شَلَّتْ يَدُ المظلوم … لم يَجْن ولم يُعَزِّر
او صَنَعوا ما لم يبرَّرْ … منطقٌ فبرِّرِي
أي طرطرا لا تنكري … ذَنْباً ولا تَسْتَغفِري
ولا تُغطِّى سوءةً…  بانت ولا تَتَّزِري
ولا تغُضيِّ الطرفَ … عن فَرط الحيا والخَفرَ
كُوني على شاكلةِ من … امرهم تُؤَمَّري
كُوني على شاكلةِ الوزيرِ … بادي الخَطَر
أيْ طرطرا كُوني على…  تاريخِك المحتُقَر
احَرصَ من صاحبة النِحيْين … ان تذكَّري
طّولي على كِسرى ولا تُعَني … بتاج قَيصر
كوني على ما فيك من … مساوئٍ ، لم تُحصَرِ
كوني على الاضداد في … تكوينك المُبعثرِ
شامخةً شموخَ قَرن … الثورَ بين البَقرِ
أيْ طرطرا أُقسم … بالسويكةِ المشهَّر
والخَرزِ المعَقود في … البطن فوَيق المشعر
بوجهكِ المعتكر … وثَغِرك المنوَّرِ
وعينِك الحمراءِ ترمِي … حاسداً بالشَررَ
وصنوك الثور يُثار … غيظٌه بالأحمر
اقسم بالكافور لا اقصِدُ … شَتم العَنْبر
فوقَ جميع البشَرَ … فوق القضَا والقَدرَ
أي طْرطرا ” يالَك … مِن قُبرَّة بمَعَمر
خلا لكِ الجوُّ ” وقد طاب … ” فبيضي واصفِري ”
” ونقِّري ” من بَعدِهم … ما شئت ان تُنَقِّري ”
قد غَفَل الصيّادُ في … لندنَ عنك فابشِري

محمد مهدي الجواهري

About محمد مهدي الجواهري

ولد في (26 يوليو 1899) وتوفي في (1 يناير 1997) شاعر عراقي شهير، لقب بشاعر العرب الأكبر ولد في مدينة النجف في العراق. اشترك في ثورة العشرين عام 1920 ضد السلطات البريطانية صدر له ديوان "بين الشعور والعاطفة" عام (1928). وكانت مجموعته الشعرية الأولى قد أعدت منذ عام (1924) لتُنشر تحت عنوان "خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح". ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة، ثم ترك العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الفيصلي وراح يعمل بالصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة (الفرات) وجريدة (الانقلاب) ثم جريدة (الرأي العام) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين. استقال من البلاط سنة 1930، ليصدر جريدته (الفرات) ثم ألغت الحكومة امتيازها وحاول أن يعيد إصدارها ولكن بدون جدوى، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة 1931 في مدرسة المأمونية، ثم نقل إلى ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير، ومن ثم نقل إلى ثانوية البصرة، لينقل بعدها لإحدى مدارس الحلة. في أواخر عام 1936 أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي لكنه سرعان مابدأ برفض التوجهات السياسية للانقلاب فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً بعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام)، ولم يتح لها مواصلة الصدور، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة. كان موقفه من حركة مايس 1941 سلبياً لتعاطفها مع ألمانيا النازية، وللتخلص من الضغوط التي واجهها لتغيير موقفه، غادر العراق مع من غادر إلى إيران، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته (الرأي العام). أنتخب نائباً في مجلس النواب العراقي نهاية عام1947 ولكنه استقال من عضويته فيه في نهاية كانون الثاني 1948 احتجاجاً على معاهدة بورتسموث مع بريطانيا العظمى، واستنكاراً للقمع الدموي للوثبة الشعبية التي اندلعت ضد المعاهدة واستطاعت إسقاطها بعد تقديمه الاستقالة علم بإصابة أخيه الأصغر بطلق ناري في مظاهرة الجسر الشهيرة، الذي توفى بعد عدة أيام متأثراً بجراحه، فرثاه في قصيدتين "أخي جعفر" و"يوم الشهيد"،اللتان تعتبران من قمم الشعر التحريضي شارك في عام 1949 في مؤتمر " أنصار السلام" العالمي، الذي انعقد في بولونيا، وكان الشخصية العربية الوحيدة بين جموع اليهود الممثلة فيه، بعد اعتذار الدكتور طه حسين عن المشاركة.
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.