شعار رابعة ، وأكل ( المِش ) ، والداروينية ، فضيحة الإعلام المصري : ـ

أحرز لاعب الأهلي المصري أحمد عبد الظاهر هدفاً في نهائي أبطال أفريقيا للأندية وكتعبيرٍ عن فرحته بالهدف قام بأصابعه برسم شعار رابعة ـ الذي إتخذه الإخوان رمزاً (وثناً) يُعبدُ دونّ اللهِ في مصر ، بعد أن تم سحلهم في ميدان رابعة العدوية ـ الأمر الذي أثار موجة من الإحتجاجات الساخطة في أوساط الإعلام المصري ( المحارب ) للاخوان ضد اللآعب أحمد عبد الظاهر ، ليتواصل على إثر ذلك مسلسل السقوط الأخلاقي والمهني للإعلام الذي أنصف الإخوان عندما سمُّوهُ ( إعلام الفلول ) وقد تأكد لي صدق المُسمّى بعد الفتنة القارعة التي أعقبت مجزرة رابعة ، والتى فضحت السوءات وكشفت العورات، وأبانت للقريب والبعيد كيف ان التسربل برداء الحداثة ومحاربة الظلامية والفاشية الدينية لم يعصم الإعلام من العودة الى أحضان الفاشية العسكرية وإقتصار دوره على تلميع الحاكم وتبرير ممارساته وشيطنة معارضيه وتخوينهم.

فبعد إيقاف برنامج باسم يوسف الساخر الذي كان بمثابة بارقة أمل وشعاع ضوء وسط هذا الظلام الذي لفّ واقع الإعلام المصري بعد سقوط مرسي ، يطل علينا عدّد من طبول وأبواق النظام المباركي مثل ( توفيق عكاشة ) مطلقاً توصيفات عنصرية ومهينة لملايين المصريين الذي يعيشون بصعيد مصر وأريافها ، وذلك بعد وصفه للآعب أحمد عبد الظاهر بالغبي ، ومعيِّراً لهُ بفقره الذي إنتشلهُ منه النادي الأهلي عندما كان لا يسوى ( تلاتة ساغ ) ويأكل ( المِش ) و ( العيش المقدد ) و يستحم ( بالترعة ) .

وبعد إطِّلاعي على حلقة توفيق عكاشة والتي منّ بها على لاعب الأهلي أحمد عبد الظاهر بأنّ النادي الأهلي إنتشله من الفقر والتُرع وأكل المِش ، طفقت إلى فضاء الشبكة العنكبوتية باحثاً عن عدّد أسهم المدعو توفيق عكاشة في النادي الأهلي ، وقلت في نفسي أنّه ولا شك يتكئ على حِصّةٍ ضخمة من الأسهم تُمكنه من تعيِّير لاعبي النادي وتذكيرهم بفضل النادي عليهم وعلى أهليهم ، فإرتدّت مساعيّ خائبة ولم أعثر على أيّ علاقة تربط بين توفيق عكاشة والنادي الأهلي ، إلاّ طبعاً لو كان أحد مُشجعيه ، الأمر الذي لا يجعله بالمكان الملائم للتبجُّح بِنِعم الأهلي ومكرماتهِ على لاعبيه .

لا بأس ، لعلّ الرجل آنس في نفسه حباً وعشقاً وولهاً صوفياً للنادي الأهلي جعله لا يُفرق بين ذاته وذات خزائن النادي الأهلي ، كذلك العشق الذي تقمّص رابعة العدوية ( المتصوفة وليس الميدان ) وجعل ذاتها وذات الله في حلولٍ دائمٍ مع بعضيهما ، ولكن ما ذنب الملايين من آكلي ( المِش ) و ( العيش المقدد ) ورواد ( التُّرع ) ـ الذين لا يسوون تلاتة ساغ ـ كي يُتّخذوا كشتائم تُكال لكلِّ من تسول له نفسه رفع شعار رابعة ؟ و هل الغباء والجهل إرتبط بآكلي المِش والعيش المقدد والذين لا تتضمن منازلهم البائسة حمامات راقية كحمام عكاشة فإرتادوا التُّرع للإستحمام ؟ أم أنّ أكل المِش يُعد عند عكاشة من باب خوارم المروءة ( أحد أبواب الفقه الإسلامي )؟ وإذا كان رافعوا شعار رابعة هم آكلوا المِش والعيش المقدد ومُرتادي التُّرع أفلا يعني هذا أن شعار رابعة قد إستحال إلى رمزٍ وطني وأيقونة تحلّق حولها الملايين من المصريين آكلي المِش والعيش المقدد ، الأمر الذي قد يستدعي إستبدال النسر الذي يتوسط العلم المصري منذ عقود بشعار رابعة ، رمز آكلي المِش .

لم يتوقف سيل التسفيه والتحقيير للاعبٍ قدّم لإسم مصر خدمة جليلة تمثلت في مساهمته في المباراة النهائية بهدف ضَمِن البطولة الثامنة للنادي الأهلي المصري ، فبدلاً من أن يُحتفى بهذا اللآعب ( أحمد عبد الظاهر ) ويُصوّر إعلامياً كبطل فاتح ، يقوم توفيق عكاشة بإتهامه بضأالة ثقافته ويطنب في الحديث عن جهله وإستحماره ، ويسأله ـ مستهزئاً ومختبراً مدى ثقافته وإطِّلاعه ـ عدداً من الأسئلة كان أبرزها :
ما هو البند رقم (1) في إتفاقية سايكس بيكو ؟ وجدت نفسي أنا أيضاً لا أعلم
ما هو تعداد سكان السعودية ؟ أيضاً وجدت نفسي جالساً في سرجٍ واحد مع أحمد عبد الظاهر ( لا أعلم )
من الذي بنى المسجد الاقصى ؟ أنا أيضاً لا أعلم لأنّ أي دين يزعم أصحابه أنّهم من بنوه
من هم الأولين من الصالحين الذين قاموا بتوسيع المسجد الأقصى وبنائه ؟ أنا أيضاُ لا أعرف .
من الذي بنى قبة الصخر ؟ أنا أيضاً لا أعرف .
كم زاوية في قبة الصخرة ؟ أنا أيضاً لا أعرف .
ماهي مساحة المسجد الأقصى ؟ تذكرت بما أنّني أأكل المِش لذلك لن أعرف إجابة تلك الأسئلة مثل أحمد عبد الظاهر تماماً.

وبعد أن إطّلعت على الأسئلة ووجدت أنّني لم ولن أتعرف ولا على إجابة لأيّ سؤال عنها شعرت بأنّ الأرض قد مادت من تحتي وأظلمت الدنيا ، وإنتابني صداع مؤلم وصدمة نفسية مريعة ، إذ أنّني ـ حسب معادلة توفيق عكاشة ـ يفترض أن أكون ممن إتخذوا شعار رابعة رمزاً لهم لجهلهم وغبائهم .فطالما أنّ السبب في رفع أحمد عبد الظاهر لشعار رابعة هو جهله بمعرفة عدّد زوايا قبة الصخرة بالمسجد الأقصى فأنا حتماً الأحق من غيري برفع هذا الشعار الإسلاموي رغم علمانيتي وإلحادي ،والكارثة الأكبر هو أنّني أعتقد بأنّ أكثر من 60 مليون مصري لا يعرفون عدد تلك الزوايا بقبة الضخرة فضلاً عن باقي أسئلة عكاشة ؟

إنتشلني من تلك الصدمة وأنقذني سؤال حمدت الله كثيراً على أنّه ألهمني إجابته وهو سؤال : ما هي العدالة الإنتقالية من وجهة نظر مانديلا في جنوب أفريقيا ؟ وهل تعرف من هو مانديلا أصلاً ؟
أخيراً وجدت سؤالاً قد أستطيع الجواب عليه وبالتالي فقد أنفذ بجلدي من ( خطيئة ) رفع شعار رابعة و أزعم بأنّ هذا الشعار لا يمثلني ، وأستبرئ من آكل المِش المغضوب عليه أحمد عبد الظاهر ، رغم أنّ إجابتي لن تقع موقعاً حسناً عند عكاشة ، فما أعرفه عن نيلسون مانديلا وعن عدالته الإنتقالية أنّه قام بنزع فتيل التوترات العرقية عبر إعلائه لقيمة التسامح والمصالحة الوطنية والتأكيد على عدم إستعباد حتى العرق المسؤول عن سجنه لأكثر من ربع قرن ، وذلك عبر تشكيله للجان للحقيقة والمصالحة والتحقيق في إنتهاكات حقوق الإنسان .
ولأنّني أعرف من يكون مانديلا فإنّني أعرف أنّ ما يحدث للإخوان ، والذي يُباركه عكاشة ، ظلم بائن ، ورغم أخطائهم وخطاياهم في فترة حكمهم التي إستمرت عاماً واحداً فهي ليست مبرِّراً لسحلهم في الشوارع وسجن رموزهم والتعامل مع أنصارهم أو المتعاطفين معهم كإرهابيين أو عملاء ، لذلك فإنّني أجزم بأنّ عكاشة هو من لا يعلم من يكون مانديلا ، أو يعلم و( يستعبط ) ، فلو كان يعرف من هو مانديلا وماهي العدالة الإنتقالية بفلسفته لكان مع المعتصمين بميدان رابعة العدوية عندما إقتحمه العسكر وقتلوا المئات حرقاً و رمياً بالرصاص. لذلك أستغرب كثيراً من عكاشة سؤاله لأحمد عبد الظاهر عن من يكون مانديلا في محضر هجومه العنيف والمُجرِّح على إنسان تعاطف مع ضحايا لقوا حتفهم بذات الكيفية التي كان يُقتل بها رفاق مانديلا حتى الثمانينات !

ختم عكاشة أسئلته تلك بعد أن جزم بأنّ عبد الظاهر لن يُجيب عليها لأنّه جاهل وغبي وطبعاً آكِل للمِش ، ثم مطّ شفتيه تحسراً على جهل عبد الظاهر بإجابات تلك الأسئلة ( السهلة ) قائلاً : لذلك نحنُ مفعولٌ بنا لا فاعل ! .
السر إذاً في إنحطاط المصريين ـ ربّما العرب طالما أنّ الأمر مُتعلق بالأقصى ـ هو جهل لاعب النادي الأهلي عبد الظاهر بعدّد زوايا قبة الصخرة وعدد مساحة المسجد الأقصى وتعداد مواطني السعودية ! رحمة الله تغشى نصر حامد أبو زيد وطه حسين و موسى سلامة وعفى عن جهلهم الذي بثُّوه بكتبهم ليُضِلّوا الناس عن سبب إنحطاطهم الحقيقي والمتمثل في جهل عبد الظاهر بمساحة المسجد الأقصى !

قبل نحو أربع سنوات أحرز اللاعب المصري محمد أبو تريكة هدفاً في مرمى المنتخب السوداني في المباراة التي أُقيمت ضمن نهائيات كأس الأمم الأوروبية ، فقام بعد إحرازه للهدف بخلع قميصه كاشفاً عن قميص داخلي يحمل عبارة ( تضامناً مع عزة ) التي كانت تُعاني آنذاك من هجومٍ وحشي شنّته إسرائيل على القطاع وخلّف حوالي 1500 قتيل تقريباً ، حينها هلّل الإعلام المصري لأبو تريكة وإعتربه أبو زيد الكرة المصرية وعنتر بن شداد الكرة العربية ، وأدان قرار الكاف ( الإتحاد الأفريقي لكرة القدم ) القاضي بمعاقبة محمد أبو تريكة لرفعه شعاراً سياسياً في البطولة ، الأمر الذي إعتبره الإعلام المصري آنذاك مؤامرة ضد العروبة وعنصرية ضد العرب وتحيُّزاً لليهود والصاهينة لأنّ أحداث غزة من وجهة نظر الإعلام المصري آنذاك تُعبِّر عن كارثة إنسانية بشعة لا مجرّد أزمة سياسية عابرة .

واليوم ذات الإعلام يُتحفنا بتناقضاته المضحكة المبكية ويثور في وجه اللاعب أحمد عبد الظاهر لتضامنه مع أبناء جلدته الذين قضوا برابعة و البالغ عددهم ضعف ضحايا غزة الذين تضامن معهم أبو تريكة ، ولكن هذه المرة كشّر ذات الإعلام عن أنيابه في وجه عبد الظاهر متهمين إيّاهُ بالزّج بالسياسة في الرياضة ، و ليُعلن الإتحاد المصري عن إيقافه لمدة عام وعن عدم السماح لهُ بالمشاركة في مونديال الأندية ، رغم أنّنا يُمكن أن نعتبر أحداث رابعة تُمثِّل كارثة إنسانية أكثر من مجرد حدث سياسي تماماً مثل غزة وربّما أكثر بشاعةً .

ولكي لا أذهب بعيداً في كشف تناقض الإعلام المصري ، فسأورد حدثاً قريب العهد ( قبل عدة شهور ) يعكس حجم هذا التناقض واللامهنية التي تسم أداء الإعلام المصري ( المحارب ) للإخوان ، فقبل عدة شهور تقريباً إرتدى اللاعب المصري ( أمير عزمي ) قميصاً أثناء مرآنه مع ناديه القبرصي ينضح سياسةً ويصرخ بالتحيُّز أكثر من شعار رابعة ، إذ كُتب بالقميص الرياضي ( الجيش والشعب معاك يا السيسي ) فلم نلمح أو نسمع من الإعلام مجرد إعتراض ناهيك عن المطالبة بمعاقبة اللاعب عبر حرمانه من اللعب للمنتخب ولو مؤقتاً .

نفس ما حدث لعبدالظاهر لاعب الأهلي من إتهامٍ بالخيانة ، ودمغٍ بالإرهاب ، ورميٍ بالتخلف والجهل ، كان قد تمّ بحقِّ لاعب الكونفو محمد يوسف الذي رفع بدوره شعار رابعة بعد نيلهِ للميدالية الذهبية في بطولة العالم ، وقد تم الشروع فوراً في إيقافه تمهيداً ربّما لشطبه كما أعلن عن ذلك رئيس اللجنة الاولمبية .

ليس بعيداً عن أزمة الإعلام المصري ، أو بالأدق فضيحته أم جلاجل وجرسته أم حناجر ، أطلّت علينا عبر برنامجها اليومي ( 90 دقيقية ) في قناة المحور الإعلامية التي نذرت برنامجها لمحاربة فكر الإخوان المسلمين ( الظلامي ) وبذلت الغالي والنفيس في سبيل سقوط الإخوان وشيطنتهم زيادةً عن صورتهم الشيطانية ريهام السهلي مستضيفةً شاباً مصرياً ملحداً ورجل دين يحمل درجة ( الدكتوراة ) أعلن بمنتهى الجسارة والوقاحة دحض الداروينية ووقف تعليمها بجامعات اوروبا ، بدت ريهام بمنتهى الغضب وهي تصب شواظاً من حممٍ و نار على رؤوس المتصلين الملحدين والشاب الملحد في الإستديو لتُغلق الخط في وجه أحد المتصلين بدعوى أنّهُ تحدث عن تواتر القرآن ! وتُنحي جانباً كرسي المذيعة وتتقمص معطف الطبيب النفسي والمصلح الإجتماعي وتتجه إلى الشاب الملحد وتسأله عن مشاكله النفسية ووضعه الإقتصادي المتدني الذي أفضى به إلى الإلحاد .
الأمر الذي جعلني اتسائل عن جدوى إستضافة رجل دين يحمل درجة الدكتوراة ليواجه الشاب الملحد ! فطالما أنّ الشاب مريض نفسي ومتعثر إقتصادياً ، وطالما أنّ المذيعة ريهام طبيبة نفسية ومصلحة إجتماعية ، فهي بالتأكيد بمقدورها ( هداية ) الشاب المصري الذي ضلّلته قناة المحور وأوعزت له أنّ رغبتها في إستضافته تأتي في سياق حقِّه في ان يُعبِّر عن إلحاده وعن رأي رفاقه من الملحدين ، بينما إتّضح أنّ الغرض كان إقامة جلسة علاج نفسي لهُ لا أكثر ولا أقل . متجاهلين أن الإلحاد موقف فلسفي له تقعيداته النظرية وتجلياته العلمية ومنجزاته الأدبية ، بل هو موقف تبناه عتاة عقلاء ومستنيري العالم وعلمائه ومخترعيه .

توفيق عكاشة وريهام السهلي نموذجان يُعبِّران عن مدى تخلف الإعلام المصري وعن ظلاميته مهما رفع من شعارات تُناهض الإخوان المسلمين وفكر الإسلام السياسي معقل الظلامية في المنطقة ، إنّهما يعكسان طبيعة الإعلامي المصري سطحي الثقافة عديم الإلتزام المهني ناقص الكفاءة . لذلك فمعركة الإعلام المصري ضد الإخوان لم تكن معركة ضد الظلامية ، وإلاّ لما طبّل الإعلام لظلامية السيسي ، وإنّما هي معركة ضد ظلام بعينه تتناقض مصالحه مع مصالح الظلامية الراعية له أو الناطق بإسمها ، فظلامية الإخوان تُحارَب بشعارات الحداثة ، وإلحادية الحداثة تُحارَب بظلامية الإخوان ، وظلامية العسكر تُدعّم بظلامية الموروث الإجتماعي الذي إستمرأ وإستعذب بوت العساكر وعبادة البيادة . والخاسر في نهاية الرهان هو ، الإعلام الحر ، الأخلاق المهنية ، الأجيال التي ستنشأ وقد ساهم في تنشئتها إعلام ظلامي فاسد سطحي مُشوَّه ومُشوِّه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.