سوريا التي رأيتها دمرت الآن

جاسون هامتشر

ap

ربما يجري جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، مفاوضات لإنهاء برنامج الأسلحة الكيماوية السوري، لكن البلاد التي عملتُ جاهدا لتوثيقها ضاعت بالفعل.

منذ عام 2006 وأنا أسافر إلى سوريا لتصوير وتوثيق المجتمعات المسيحية والإسلامية واليهودية القديمة لصالح معهد سميثسونيان فولكيز ومتحف تراث السفارديم ومعهد يال للموسيقى المقدسة. تعاملت مع كل شرائح المجتمع السوري، بدءا من القادة الدينيين والقرى الكردية والشرطة السرية للرئيس السوري بشار الأسد، وفرق موسيقى الميتال (المعدنية) في الأقبية والمطاعم والفنانين إلى أساتذة الجامعات. واليوم الكثير ممن أعرفهم غادروا البلاد، والبعض منهم ظل متمسكا بالبقاء بدافع الفخر، لكن الغالبية لم يغادروا لأنهم لا يملكون وسيلة للهرب. فالقس الذي استضافني للمرة الأولى اختطف على يد إرهابيين، والأصدقاء الذين أعرفهم موزعون في كلا جانبي القتال، والكثير من الشوارع التي قضيت فيها الكثير من الوقت تحولت إلى أنقاض.

كل ما تبقى هو صوري، هذه هي بعض صور سوريا، مقرونة بمزيد من الصور الحديثة للدمار المأساوي الذي شهدته هذه الأماكن.

في المرة الأولى التي وصلت فيها إلى ميدان سعد الله الجابري عندما أعلنت المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية، من قبل منظمة التربية والعلوم والثقافة الإسلامية عام 2006، احتشد الآلاف في الميدان يرقصون في قلب الحاضرة التي يرجع تاريخها إلى ثمانية آلاف عام. في إحدى المرات الأخرى خلال عام 2010 التقيت أحد أفراد الشرطة السرية في فندق سياحي (دمر الآن) للحصول على تصريح لتصوير المقابر اليهودية التي تخضع لحراسة مشددة، وكان الشرطي حريصا على الحصول على كريم البشرة الأميركي أكثر من اهتمامه بمهمتي، وفي النهاية لم أحصل على الموافقة.

وكانت قلعة حلب أكثر الأماكن إقبالا من قبل السائحين في سوريا قبل أن تندلع الحرب الأهلية. ومنذ زيارتي الأخيرة تضررت السلالم الحجرية للقلعة وتضرر الباب الحديدي الذي يعود إلى 1100 سنة بشدة، وجرى تأجيل الخطط لبناء متحف ومظلة حماية للمعبد القديم الذي يعود تاريخه إلى 5000 سنة، وقد ساعدت مهندسا معماريا يعمل في الحفاظ على الموقع، ويعيش منذ هروبه من سوريا في الولايات المتحدة.

أما مسجد حلب الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 1000 سنة فدمرته القذائف في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتهاوت مناراته في أبريل (نيسان) بعد التقاطي صورا له. ينبغي أن تحظى المساجد بالاحترام اللائق كحال الكاتدرائيات في أوروبا، فساحاتها تشكل مأوى للفقراء والمعوزين، وقد قضيت ساعات في تسجيل والاستماع إلى غناء رجل ضرير وتصوير المصلين.

بين المساجد الأبرز التي تضررت بشدة، مسجد مهمندار الذي حوله القصف إلى أنقاض سنة 2012. يقع المسجد على أطراف باشيتا، التي كانت في ما مضى أكثر الأحياء الواعدة في حلب. وقد قضيت قدرا كبيرا من الوقت هنا أعمل في المعبد اليهودي القريب. وحتى قبل الحرب الأهلية كان الحي يبدو قديما وطواه النسيان. ولم أشاهد أي غربي آخر. خارج المسجد كان هناك مخبز يصنع فلافل ومناقيش رائعة. كنت أشق طريقي بين الممرات الضيقة أتناول الغداء وآكل في ظل المسجد الذي يعود تاريخه إلى 700 سنة.

* خدمة «واشنطن بوست»

منقول عن الشرق الاوسط

 
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.