خطف (مطارنة) حلب، فصل جديد من”الابادة المسيحية”

سليمان يوسف يوسف
24 نيسان 1915 حدث أليم، جرح عميق في جسد مسيحي المشرق. مائة عام وأكثر والجرح ينزف . بسيوف السفاحين حُفر في الذاكرة التاريخية للشعبين، الارمني والآشوري . أنه ليوم أسود ، فيه قررت سلطات “دولة الخلافة العثمانيةالاسلامية” إبادة المسيحيين الخاضعين لسلطانها، بذريعة تعاونهم مع جيوش (دول الحلفاء)، إبان الحرب الكونية الأولى . الحرب السورية، لها سبع سنوات،استخدمت فيها أحدث أنواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة والفتاكة(البرية والجوية والبحرية)، قتل فيها نحو مليون انسان . في غضون أشهر قليلة، وبأسلحة بدائية خفيفة وسلاح التجويع والحرق والتغريق في الأنهر، تم قتل أكثر من مليوني مسيحي ،على يد جيش “دولة الخلافة الاسلامية العثمانية”، بمشاركة كردية، عام 1915 . هذه المقارنة البسيطة تبين فظاعة وبشاعة (الكارثة الانسانية)التي حلت بمسيحيي السلطنة العثمانية وتؤكد على أن ما جرى للشعبين(الارمني والآشوري) كان “إبادة جماعية” بكل معنى الكلمة وجريمة بحق الانسانية.

ليس بعيداً عن الجغرافيا السياسية لمسرح جريمة الابادة وتواصلاً لفصولها،وربما بإيعاز وتخطيط من ورثة المجرم ذاته، تم خطف مطارنة حلب(يوحناابراهيم و بولس اليازجي). الخطف جرى بتاريخ 22 نيسان 2013 ، بينما كان (المطران بولس اليازجي) في طريق عودته من زيارة رعوية الى ابرشيته في الجانب التركي وكان في استقباله على المعبر الحدودي (باب الهوى) المطران يوحنا ابراهيم، وهم على موعد لاستكمال المفاوضات والمساعي المتعلقةبتحرير (كهنة مخطوفين) في قرية (كفر داعل) بريف حلب الغربي في منطقة تسيطر عليها فصائل مسلحة معارضة للنظام السوري، حيث اعترضت مجموعة مسلحة طريقهما ورمت بالسائق والمرافق أرضاً وفرّت بالمطرانين الى جهةمجهولة. نقل عن المرافق ” إن ملامح الخاطفين ولغتهم تؤكّد على أنّهم غرباء، يرجح أن يكونوا شيشانيين”. بمجرد انتشار نبأ خطف المطارنة، تحركت جهات عديدة للكشف عن مصيرهما ، واستبشر الجميع خيراً بقرب الافراج عنهما وبأن” المطرانَين سيبيتان في مطرانيتهما ليلاً ” . وقد سارع المعارض (جورج صبرا) رئيس المجلس الوطني السوري، للتصريح عبر الفضائيات ” بأن المطارنة في مكان آمن وبصحة جيدة وسيفرج عنهم بعد ساعات قليلة” . مضت الساعات ومرت الايام والاشهر والسنين من غير أن يُفرج عن المطارنة ومن غير أن يُعرف أكانوا أحياء أم أموات، ومن غير أن يقدم السيد صبرا تفسيرا لما حصل للمطارنة بعد تصريحه المثير ومن غير أن يعتذر للرأي العام، إذا كان قد ضُلل بمعلومات خاطئة من قبل رفاقه “الثوار” أو من جهات أخرى. عادة الخاطفون يفصحون عن هويتهم ، يحددون مطالب (مادية/فدية ، سياسية ، أجراء تبادل بين مخطوفين أو اسرى ). لكن في قضية المطارنة ، الى تاريخه ما من جهة تبنت خطفهما. لا مطالب لقاء اطلاق سراحهما. دوافع خطفهما غير معروفة . الى تاريخه، لم تتوفرمعطيات حسية ودلائل مادية تثبت بالدليل القاطع بأن المطارنة على قيد الحياة، (مقطع فيديو) يتحدثون فيه، (مكالمة هاتفية) ، (رسالة) بخط يد المطارنة . قد يختلف السوريون(مسيحيون ومسلمون) حول أهداف ودوافع الخاطفين منخطفهم لمطارنة حلب ، بيد أن ثمة إجماع سوري (مسيحي – اسلامي) على أن الخاطفين ليسوا سوريين أو بالأحرى ليسوا بمسلمين سوريين. لأن سوريا، منذ أن نشأت كدولة حديثة في عشرينات القرن الماضي ، تميزت بالتسامح الديني والتآخي الاجتماعي . عبر تاريخها، سوريا لم تشهد اعتداء على رجل دين(مسيحي او مسلم) بدوافع دينية/ طائفية.

رغم أهمية وحساسية قضية المطارنة، لأبعادها الدينية والمجتمعية ، لم تحظى بالاهتمام الذي تستحقه، خاصة لجهة بذل المساعي والجهود الجدية للكشف عن مصيرهما واطلاق سراحهما، لا من قبل النظام ولا من قبل المعارضة، ولا حتى من الحليف الروسي للنظام، الذي روج لتدخله العسكري في الحرب السوريةعلى أنه لمحاربة الارهاب وحماية الأقليات والمسحيين بشكل خاص. والكنيسة الروسية باركت التدخل الروسي ووضعته في خانة الدفاع عن مسيحيي سورية.تجاهل قضية المطارنة المخطوفين، يفصح عن حالة التهميش والاقصاء الممنهجة للمسيحيين عن الحياة السياسية في سوريا، تجاهل يؤكد من جديد علىاللامبالاة بمصيرهم ومستقبلهم، كمكون سوري أصيل. (اللجنة البطريركية)المتابعة لقضية المطارنة، قبل ايام وبمناسبة مرور (5)اعوام على خطف المطارنة ، أصدرت بياناً جاء فيه ” نطالب صانعي السلام ودعاة الحرية وحقوق الانسان في العالم أجمع من رؤساء الكنائس وملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالشأن السوري على متابعة هذه القضية وإبقائها حية في اجتماعاتهم وأذهانهم وقلوبهم.. ولكي لا تبقى قضية المطارنة طي النسيان، مطلوب تحركاً جدياً لأجلهما”. البيان يعكس حالة الاستياء العام في المجتمع المسيحي، من جميع المعنيين بالشأن السوري ومن (المجتمع الدولي) الفاعل في الأزمة السورية. الاستياء من تجاهل قضية “رموز دينية مسيحية”مخطوفين منذ خمس سنوات من غير أن يعرف مصيرهما.

أخيراً: خطف واختفاء مطارنة حلب بات لغزاً من الغاز الحرب السورية المريرة،يخشى أن تضع الحرب أوزارها ويدفن هذا اللغز والى الابد تحت أنقاضها.

سليمان يوسف يوسف… باحث سوري مهتم بقضايا الاقليات

shuosin@gmail.com

المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.