تقييم كل إنسان بعمله وسلوكه

توفيق الحلاق

ختمت القرآن الكريم وأنا في السادسة من عمري في دار الخجا الشيخ محمود الصغيربديرعطية، وأنا أحفظ حتى الآن عشرات الآيات إن لم أقل مئات ، ولأن أمي ابنة شيخ اسمه محمد سلوطة فقد استمرت بعد وفاته على ممارسة عادته في دعوة مشايخ الضيعة لقراءة قصة المولد في أية مناسبة ، وكانت بمثابة حفلات تعقد فيها حلقات الذكر التي كنا نتماهى فيها مع الكون ونحن نردد : لاإله إلا الله،وقوفا مدة ساعة،كنت أشعر معها أننا انتقلنا إلى السماء،ومن تلك الحفلات حفظت مئات الأحاديث النبوية وقصص الخلفاء وأشعار الأولين.كان أبي غريبا على تلك الطقوس بسبب ولادته ونشأته في تشيلي.ولذلك كان لايشارك فيها،بل وكان يمزح مع المشايخ حتى أثناء صلاتهم بلغته العربية المكسرة،فكانوا يستمتعون بمزاحه ويحبونه.وكان لأبي صديق مسيحي اسمه توفيق الدودي لايغيب عن بيتنا إلا نادراً،وأزعم أني تربيت على يديه،ولم تك أمي لتمنعني من الذهاب معه إلى الكنيسة حيث تعلمت الصلاة والتراتيل الكنسية.ولأن جدتي لأبي تشيلية فقد حملت من هناك عاداتها الغربية التي لم تغيرها في طريقة العيش كلها مثل طريقة تناول الطعام وطقوس جلسة الصباح وعدم المجاملة فيما تراه حقا.ولقد سماني أبواي توفيقا على اسم صديقهم المسيحي توفيق الدودي.أردت من هذا الاختزال لقصة نشأتي المبكرة أن أعبرعني كشخص تربى في مناخ جمع الديانتين الرئيستين وعادات الشرق والغرب،وانغمس في حب محيطه هذا بحيث أصبحت نظرته للإنسان كلية لايمكن له معها أن يفرق بين إنسان وآخر إلا بقدر الحب الذي يحمله كل منهما للآخر،وأصبح يستنكرإضافة صفة الدين أو الطائفة أو المنطقة لأي منهما.بل ويستحيل عليه أن يطلق حكما عاما على أتباع أية طائفة أو شعب.بل يقدر فقط ومن وجهة نظره الشخصية على تقييم كل إنسان بعمله وسلوكه .

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.