بلد المبجلين

الشرق الاوسط

مثلك أنا، لا أسمع بكوريا الشمالية، إلا إذا هددت بإطلاق صاروخ عادي على اليابان، أو نووي على أميركا. ومثلك أتطلع إلى صورة هذا الفتى الحليق النصفي، وإلى جانبه شقيقه الأصغر، واقفين خلف مربض مدفع. الثاني ينظُر إلى البعيد بعينيه المجردتين، الأول يحمل منظارا ضخما، لا بد أنه ثقيل على كفيه الطريتين.

مثلك، أتطلع، وأقول في نفسي، ما هذا؟ في أي عالم نعيش اليوم؟ تسمي صحف العرب كوريا الشمالية «الدولة الشيوعية». هاتوا فسروا لنا ماذا فيها من الشيوعية؟ الجد ثم الزعيم المبجل الابن والآن قرة العيون، الحفيد.

كوريا الشمالية هي البلد الأكثر ظلاما والأقل إنارة في العالم. والكهرباء 24 على 24 في مكانين؛ قصر الفتى والمصنع النووي. بلد فيه طرق سريعة مثل أوروبا وليس على الطرق سيارة واحدة، فقط المشاة. بلد يأكل فيه الناس العشب ويموتون من الإسهال أو الجوع. وبلد كان رئيسه كيم جونغ ايل الزبون الفردي الأكبر لشركة «هينيسي» صانعة «الكونياك».

عقد هذا البلد ذاته اتفاقا مع الولايات المتحدة قبل أعوام (الشيطان الأكبر) لكي تطور فيه خدمات الطاقة. ولما اكتشفت صعوبة المسألة تراجعت فهددها بالقتل، هي واليابان وشقيقته الجنوبية. إنجازه الوحيد منذ قيامه، أدوات القتل والموت. لم ينجز أداة حياة واحدة سوى قطار الزعيم المبجل جونغ ايل ومقصورة المطبخ فيه. ولما مات الزعيم المبجل بكت الدببة في الغابات، كما أعلنت المذيعة.

والمذيعة تعمل على الكهرباء. تغضب وتهتز وترفع يديها وتهدد وتزعق وتصيح وتردد الكلام المقدس الذي قاله الجد والابن والحفيد. راجع، رجاء، راجع صورة الحفيد وفي يديه منظار حربي يتطلع إلى أهدافه العسكرية في أميركا. هل تعرف ما هو أفظع ما في الأمر؟ أن علينا أن نأخذ الفتى على محمل الجد. عنده زر نووي وقد يضغط عليه كما يضغط على أزرار المعاطف العسكرية التي يرتديها. لن يمنعه أنه يهدد 25 مليون إنسان من مبجليه ولا الملايين الأُخر. هذا زعيم مبجل والصحافة الغربية الغبية لا تزال تسمي ما يحكم «دولة شيوعية». وهذه دولة الزعماء المبجلين الذين ينحني لذكر أسمائهم 25 مليون إنسان لا يرون سوى تلفزيون المذيعة المرعبة ولا يعرفون الإنترنت ولا يرى أكثرهم الخبز حتى في الصورة.

هذا وطن الزعيم المبجل وقصة شعره الظريفة وصورته على مربض المدفعية يتأمل الأمم التي سوف يداعبها بالصواريخ النووية. لا تمزحوا. هناك عدد كبير من هذه الفئة، يستبد ويستعبد ويرمد، ثم يبتسم للكاميرا، متمتعا بمشهد وسامته.

مثلك، أنا، أتطلع إلى هذا العالم، وأرتعد. لقد صار مليئا بالأحداث النوويين. ولم يعد على الحاكم أن يحقق أي شيء: كلما أراد مساعدة إضافية وضع المسدس النووي على الطاولة.

 

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.