الشيخ محمد وظاهرة اللسان الداشر..!! 4

الإنسان كالعربة كلّما خفت حمولته ازداد ضجيجه. عقل المرء حمولته، ومتى خفّ هذا العقل فقد قدرته على فرض أيّة رسوم جمركيّة على اللسان، فيصبح هذا اللسان داشرا، يفلت من عقاله ويفقد ضوابطه.

على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن لم يستطع عقل الرجل المسلم أن يتجاوز حدود صحرائه، ولم تستطع صحراؤه أن تتجاوز معطيات هذا العقل، فازداد العقل تصحّرا وازدادت الصحراء جدبا وقحولة!

عندما اسقط مايثرثر به هذا الرجل، قولا أو كتابة، تحت عدسة مجهري، أزداد إيمانا بأهميّة العلاقة بين العقل واللسان، وأزداد إلماماً بالوضع المتردّي الذي آلى اليه هذا الرجل!

حالة الفوضى التي تعيشها المجتمعات الإسلاميّة في شهر رمضان لم تعد خافية على أحد، التقارير الواردة هذا العام من اليمين تشير إلى الأوضاع المترديّة التي تضرب جامعاتها خلال هذا الشهر. يتغيّب الطلاب عن الدوام و يلحق بهم أساتذتهم فيعشعش العنكبوت في صفوفها وعلى أبوابها. أمّا الأخبار الواردة من الدول العربيّة الأخرى، فحدث عنها بلا حرج!.. يضرب التسيّب أطنابه في المرافق العامة ودوائر الدولة ويقضي معظم الناس نهارهم نائمين. حمى الأسعار تضرم في الأسواق، حيث ينهب الأغنياء موجوداتها فيزدادون تخمة وتزداد بقيّة الشعب عوزا وفقرا. قرأت بالإنكليزية تقريرا واردا من باكستان يشير إلى ارتفاع نسبة الجرائم في شهر الصوم وخصوصا حوادث ضرب النساء والإعتداء عليهن، ولاعجب فالجائع يزداد نزقا ويفقد سيطرته على نفسه.

رغم مأساوية هذا الواقع تتحفنا وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة بمقابلات، ليس فقط مع شيوخ خفّت عقولهم وإنّما مع أطباء معظمهم تخرّجوا من جامعات أمريكا وأوروبا يتنافسون على إظهار الإعجاز العلمي في قول نبيّهم “صوموا تصحوا”، معددين فوائد الصيام التي لاوجود لها إلاّ في عقولهم الخاوية. تستفحل خطورة هذه الألسنة الداشرة عندما تّدعي بأنها من حملة الشهادات العليا، إذ تزداد مصداقيتها أمام عامة الناس وبالتالي تزداد قدرتها على الكذب والتضليل.

تؤكّد الدراسات الطبيّة، بما لايدع مجالا للشكّ، أن أفضل نظام للأكل، بالنسبة للأصحاء والمرضى على حدّ سواء، ذلك الذي يعتمد برنامج الوجبات الخمس، ثلاث وجبات رئيسيّة معتدلة في كميتها، متوازنة في قيمها الغذائيّة ودقيقة في مواعيدها، ووجبتان خفيفتان تنظّم الزمن الفاصل بينها. الدماغ هو العضو الوحيد في الجسم، وبخلاف الأعضاء الأخرى كالقلب والكبد والعضلات، الذي يستمدّ طاقته من السكر ولايستطيع أن يعتمد على الدسم المخزّن في حال نقص السكر. بعد تناول الطعام بساعتين ينقص مستوى السكر في الدم عن الحدّ اللازم لقيام الدماغ بوظيفته الفيزيولوجيّة الطبيعيّة، فتدهور تلك الوظيفة مع استمرار الجوع ومع ازدياد نقصان السكر. عندما تضطرب الفعاليات الدماغيّة لدى الإنسان الصائم يعجز عن القيام بمسؤولياته فيتهرب منها باللجوء إلى النوم، محاولا عند الإفطار أن يصلح ما أفسده الصيام فيزداد نهمه ويلتهم أضعاف مايحتاج اليه. على مدى شهر كامل تتعاقب هاتان الحالتان المتناقضتان دون أن تتركا أيّ مجال للجسم كي يستردّ عافيته التي تسلبه إياها كلّ حالة على حدة فتُنهكانِ، ليس فقط دماغه، وإنّما جهازه الهضمي وكلّ الأجهزة الأخرى التي تعتمد في أداء وظائفها على سلامة الوظيفة الدماغيّة.

نشرت صحيفة مهجريّة في قسمها الصادر باللغة الإنكليزيّة مقالا لسيدة حاملة شهادة دكتوراه، لم تشر الصحيفة إلى مجال اختصاصها. أبدعت تلك السيّدة في تعداد الفوائد النفسيّة للصيام بعد أن أبدع زملاؤها الأطباء في تعداد فوائده الجسديّة! قالت في سياق ذلك: من أعظم فوائد الصيام النفسيّة أنه يساعد الصائم على التحكّم بشهواته ويزيد من قدرته على ضبط نفسه. وأتساءل: هل تعرف تلك السيّدة مامعنى القدرة على ضبط النفس؟ وما هو الأثر التي تتركه تلك القدرة على سلوك وحياة الإنسان الذي يتمتع بها؟!!

ذكّرني هذيان تلك السيدة بتجربة قام بها عالم أمريكي مختص في علم النفس والسلوك مع مجموعة من طلابه. دخلوا أحد صفوف مرحلة الحضانة، ومعروف بأنّ عمر الطفل في هذه المرحلة يتراوح بين الرابعة والخامسة، وقاموا بوضع صندوق كبير مليء بقوالب الشوكولا اللذيذة على طاولة الصف، ثمّ خطب أحدهم في الأطفال قائلا: اسمعوا يا أحبائي الصغار! من يحبّ الشوكولا بامكانه الآن أن يأخذ قالباً واحداً منها ثم يخرج إلى الباحة كي يلعب، أمّا من يستطيع أن يبقى معنا كي نقوم برسم بعض الأشكال على ورق ملّون ثم قصّها وتعليقها على جدار الصف فسيحصل عند انتهاء تلك المهمّة على قالبين.

انقسم الأطفال كالعادة إلى قسمين، قسم لم يستطع أن يضبط نفسه أمام صندوق الشوكولا واختار أن يفوز بقالب واحد منها على الفور، وقسم آثر أن يقوم بالمهمّة الموكلة إليه بغية الحصول على قالبين.

كرر العالم وطلابه التجربة على مدى عدّة أيام كي يتأكدوا من صحّة تصنيف الأطفال، ودوّنوا ملاحظاتهم في سجلاّتهم. على مدى خمسة وعشرين عاما قام هذا العالم وطلابه بمتابعة أخبار هؤلاء الأطفال ومراقبة سلوكهم وتصرفاتهم وتقييم انجازاتهم، واستنتجوا في نهاية المدّة الزمنيّة المخصصة لدراستهم، بأنّ الأطفال الذين ضبطوا أنفسهم وقاموا بالمهمّة الموكلة اليهم في محاولة لزيادة تحصيلهم، كانوا أكثر انتاجا ونجاحا على الصعيد العلمي والعملي والإجتماعي.

نفهم من تلك التجربة إنّ القدرة على ضبط النفس هي، تعريفا، القدرة على تأجيل إشباع الرغبات بغية الحصول على نتائج أفضل. تتبلور تلك القدرة لدى الإنسان في سنوات عمره الأولى، وتترك أثرا بالغا على حياته وانجازاته!

لانستطيع أن نطالب تلك السيّدة الحاملة لشهادة دكتوراه(!!) بأن تقوم بتجربة مماثلة على مجموعة من المسلمين لكي ترى مدى الأثر الذي يتركه صيامهم على انجازهم وعلى قدرتهم على ضبط أنفسهم. ولكننا نستطيع أن نطالبها بأن تبدأ من حيث انتهى هذا العالم وطلابه!

نظرة شاملة تتناول الأوضاع التي يعيشها المسلمون تعطينا فكرة واضحة عن نتائج عباداتهم.

أوكِل منصبا لرجل مسلم في دائرة حكوميّة، منصبا يسمح له أن يمدّ يده إلى خزينتها وراقبه كيف يتصرف في عزّ صيامه!!

………………

ياسر عرفات رجل مسلم ومخلص لإسلامه. أصرّ أن يموت في شهر رمضان وعاد إلى ربّه صائما.

كتب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر بتاريخ 11 نوفمبر 2004 بعنوان:

Arafat Mystery: The Hidden Cash

مات الرئيس الفلسطيني وهو يملك بضعة بلايين من الدولارات وأصّر حتّى آخر لحظة في عمره على أن يدفنها معه! صرّح مسؤول اسرائيلي وخبير بالشؤون الفلسطينيّة المالية (يتابع التقرير): لقد أطلع السيّد عرفات كلّ من مساعديه ومستشاريه الماليين على جزء من حقيقة أمواله، ولكن لاأحد فيهم يعرف الحقيقة كاملة، لا أحد فيهم يعرف مصادر تلك الأموال ولا ودائعها!

كانت السلطة الفلسطينيّة تقوم بإرسال مائة ألف دولار في الشهر إلى السيّدة سهى زوجة عرفات، والتي تعيش في باريس، من أجل أن تقوم تلك المناضلة الفلسطينيّة بسدّ رمقها!!

ويبقى هذا المبلغ ضيئلا ـ حسب رأي الصحيفة المذكورة ـ بالقياس إلى مايمكله السيّد زوجها!

صرّح مسؤول مالي في السلطة الفلسطينيّة: قام عرفات العام الماضي بتحويل مبلغ 900 مليون دولار من حساب السلطة إلى حساب خاص له كان يملكه منذ عام 1995 وفي شهر فبراير الماضي فتحت الحكومة الفرنسيّة تحقيقا في شرعيّة مبلغ 11.5 مليون يورو أدخلها عرفات إلى حسابه بين يوليو 2002 ويوليو 2003 وفي سياق استكمال التقرير المذكور قامت الصحيفة بمقابلة السيّد جويد الغصين، الذي كان وزيرا للماليّة في السلطة الفلسطينيّة واستقال من منصبه 1996 في ظروف غامضة ليستقر في لندن، فصرح لها بقوله: تتراوح امبراطوريّة عرفات الماليّة بين 3 و5 بلايين دولار. واعترف بأنه كان يكتب شيكّا لعرفات كلّ شهر بمبلغ 10 ملايين دولار كي يدفعها للمقاتلين وعوائلهم، رفض عرفات أكثرمن مرّة أن يقدم تقريرا عن طرق صرفها ـ متذرعاً ـ بأسباب أمنيّة! ويتابع السيد الغصين: تبرع صدّام حسين لعرفات بمبلغ 150 مليون دفعها له على ثلاث دفعات مكافأة على موقفه الداعم للعراق في حرب الخليج الأولى.

في عام 1996 ـ وبناء على ماجاء في التقريرـ قام عرفات بفتح حساب سريّ له في أحد بنوك اسرائيل الموجودة في تل أبيب، وايداع مبلغ 150 مليون دولار. على أن يتمّ صرف هذا المبلغ له في حال قيام انقلاب ضدّه، كي يتمكّن من سدّ مصاريفه ومصاريف مساعديه عندما يولي أدباره.

لم يستطع صيام السيّد ياسر عرفات أن يساعده على ضبط نفسه، وتهذيب غرائزه. قضى حياته مهووسا بالسلطة والشهرة والمال، فشفط صندوق الشوكولا منذ اللحظة الأولى، وأصرّ على أن يدفن معه ماعجز عن التهامه!

خمسة قرون من الزمن والشعب الفلسطيني، تضلله قيادة لاتملك من مهارة سوى جمع المال وتخزينه، يناضل من أجل استعادة أرضه! متى سيبدأ هذا الشعب بالنضال من أجل استعادة عقله؟!

من منكم لم يراقب جنازة عرفات كي أشعر بالإرتياح على مافاته؟!

تحولت الجنازة إلى حلبة صراع، الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود. تحوّل فيها المتصارعون إلى مخلوقات دون مستوى البشر!

من يعيد إلى تلك المخلوقات تأهيلها البشري، من يعيد إليها عقلها قبل أن يعيد لها أرضها؟!

وجه أحد المصورين الصحفيين عدسة كاميرته على سيّدة فلسطينيّة ترتدي أسمالا بالية، تبكي بكاء حادا وتضرب على خدّيها! وتساءلت في سريّ: على من تبكي تلك السيّدة؟ هل تبكي على عرفات أم تبكي على حالها؟!

في باطن عقلها استقرّ صوت الله، نعم صوت الله بشحمه ولحمه، الله الذي فصّلوه لها على شاكلتهم، وراح هذا الصوت يقرّ في خلايا دماغها: أطيعوا أولياء أمركم.. .. أطيعوا أولياء أمركم.. .. أطيعوا أولياء أمركم. لقد نتف هذا الوليّ ريشها، ولكنّها أصرّت، امتثالا لأوامر الله، أن تنتف شعرها عليه!

*********

أكبر قوة تملكها الطبيعة تتمركز في العقل البشري. والقوة، أيّة قوة، تملك سلاحا ذي حدّين. إذا برمجت باتجاه الخير عمّرت وإذا استخدمت باتجاه الشرّ دمّرت. غريب عجيب مفعول تلك القوة وسحرها عندما تتمّ برمجتها!

في عام 1936 قام عالم نفس بإجراء تجربة غريبة من نوعها على سجين في الهند كان قد حكم عليه بالإعدام شنقا.

أقنع العالمُ السجينَ بالموافقة على قتله بطريقة أقلّ ألما من الشنق، وذلك عن طريق سحب دمه حتى آخر نقطة فيه، ثمّ مدده على سريره بعد أن قام بتعصيب عينيه و تظاهر بإحداث خدش صغير في ساقه كي يوهمه بأنّه بدأ بسحب دمه. علّق العالم قربة ماء مثقوبة بإحدى قوائم السرير. بدأت القربة المثقوبة بالتنقيط وأخذ العالم يتحكّم بتواتر قطراتها فيخفف من هذا التواتر مع مرور الوقت محاولا إقناع السجين بأنه على وشك أن يخسر دمه كلّه. مات المريض عندما توقفت القربة عن التنقيط علما بأنه كان بصحة جيدة وبأنّه لم يخسر، في حقيقة الأمر، قطرة دم واحدة.

تدلّ تلك التجربة على الدور الخطير الذي تلعبه الهيمنة على العقل البشري في برمجة هذا العقل وانجازه! عندما توهمه بأنّ الجسد الذي يحتويه سيموت لامحالة، يقوم هذا العقل بإصدار أوامره إلى الجسد كي يموت، حتّى ولو كان في عزّ صحّته!

لقد برمجوا عقل هذه السيّدة الفلسطينيّة المسكينة على أن تطيع وليّ أمرها، وهي إن تبكي على ياسر عرفات إنّما تبكي في الحقيقة خوفا على مصير أمرها بعد أن فقدت وليّه!!

……………

روى لي صديق أردني حادثة طريفة (أرويها لكم كي أخفّف عنكم عناء القراءة)، قال صديقي: كان الفلاحون في قريتنا يقومون بتحميل محاصيلهم على ظهور حميرهم قبيل الفجر، ثمّ يتوجّهوا بها من ساحة القرية إلى بازار المدينة. وكانوا، وفور اعتلاءهم ظهور هذه الحمير، يغطّون في نوم عميق. مع التكرار تبرمجت غرائز هذه الحيوانات على أن تقود أصحابها إلى أهدافهم دون أيّ توجيه. في إحدى المرات، وقبيل وصولهم إلى بازار المدينة، اعترضت مجموعة من الشباب المتسكّع في الشارع طريق تلك الحمير، أمسكت برباطها وأدارتها بالإتجاه المعاكس. فاق الفلاحون ليجدوا أنفسهم في ساحة القرية وفي النقطة التي انطلقوا منها.

عندما تهيمن على العقل البشري تسلبه قدراته على التفكير وتهبط بخصائصه إلى مستوى الغرائز! أخطر أنواع الهيمنة تلك التي يكون الدين مسؤولا عنها.

لي جارة عراقيّة شيعيّة ذات تحصيل علميّ لايستهان به. كلّما مررنا، ولو مرور الكرام، على ذكر الحسن والحسين تنهمر في بكاء غزير يثير الدهشة لدرجة يخيّل عندها، لمن يراها لأول مرّة ولا يعرفها، بأنها فقدت وحيدها! راقبنا معا، وفي كثير من المرّات، على شاشة التلفزيون الجرائم التي ارتكبها صدّام حسين بحقّ الشيعة والأقليات الأخرى، ورأينا آلاف الجثث المنتشلة من المقابر الجماعيّة دون أن أرى على وجها آثار الحزن الذي اعتدت أن أراها عند ذكر الحسن والحسين رغم أنّها تكره صدّام إلى حدّ الموت!

لقد هيمنت عقائدها على عقلها فأحطّت به إلى مستوى الغرائز. وبرمجت تلك العقائد غرائز هذه السيّدة كي تمشي من ساحة القرية إلى بازار المدينة، ومن بازار المدينة إلى ساحة القرية، وأنا على ثقة لو غيّرنا بعض معالم الطريق، كأن نعيد رصفه، ستضل تلك المخلوقة هدفها!

لقد برمج الدين الإسلامي عقل أتباعه على طريقة “كن فيكون” و”هذا من عند ربّي”! أوجد هذا الدين لكلّ ظاهرة كونيّة تفسيرا ففوّت على عقول أتباعه فرصة التفكير والبحث والإبداع.

إذا كان الإبداع، تعريفا، أن تنظر إلى نفس الأشياء التي ينظر إليها غيرك ولكن أن تراها بطريقة مختلفة، فأين هم المسلمون من الإبداعات التي تنعم بها البشريّة الآن، ودينهم يعتبر كل اختلاف معه تهديدا لوجدوه وخروجا عن طاعته يستحقّ قتل مرتكبه؟!

عندما نظر اسحق نيوتن إلى التفاحة التي سقطت عليه من الشجرة، رفض أن يقول ” سقطت بأمر ربي”. استخدم عقله، بعد أن حرره من روابطه الدينية، وقال لنفسه: لابدّ وأن تكون هناك قوانين طبيّعية تحكم عمليّة السقوط هذه. قانون الجاذبيّة التي توصّل إليه نيوتن اختصر الزمن ودفع البشريّة قرونا إلى الأمام.

تسأل طبيبا مسلما مختصا في الأمراض الهضميّة عن فوائد الصيام فيردّ: عن أبي أمامة عن حصين بن محصن عن قيس بن سعد عن ابن عيّاش عن عبد الله بن عمرو عن جابر بن سمرة عن ابي عمر عن أبي سعد الخدري عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: صوموا تصحوا!

لايختلف عقل هذا الطبيب كثيرا عن غرائز الحمير في قرية صاحبنا. مع التكرار وعلى مرّ الزمن تحوّل إلى آلة تسجيل، متى أدرتها تسمع الدرس الذي سُجّل على شريطها منذ آلاف السنين! لم تستطع كلّ الكتب الطبيّة التي أبحر فيها أن تغيّر كلمة واحدة مسجّلة على هذا الشريط!

المستنقع النتن الذي لم يتعرّض يوما لأشعة الشمس، والذي يعيش فيه العالم الإسلامي اليوم، كان نتيجة حتميّة لعمليّة البرمجة التي مارسها الدين الإسلامي على عقل أتباعه. لقد شلّت تلك البرمجة عقل المسلم وأفقدته ميّزاته، تلك الميّزات التي تقف في الحالات الطبيعيّة، وراء انجاز العقل وإبداعه!

يعيش المسلمون اليوم عالة على البشريّة، والمصيبة ليست في تطفّلهم على إنجازات وإبداعات البشريّة وإنّما في عدائهم الصارخ لها!

تتناقل محطّات التلفزيون العربيّة والعالميّة صورا لإبن لادن وهو ينطّ من كهف إلى كهف ماسكا بإحدى يديه تلفونه النقّال وباليد الأخرى بارودته. عندما سئل عن اقتحام رجاله لبرج التجارة العالمي بطائرات مدنيّة قال: بضائهم رُدّت اليهم!

الشيخ أسامة بن لادن يجهل مايقول، فلو ردّ لهم كلّ بضائهم لن يجد ورقة توت يستّر بها عوراته وعورات نسائه!

الشيخ محمّد مستاء مني ويحرض على قتلي لأن “محتضنة” من قبل أعداء العرب والإسلام، بعد أن باع سرواله ليشتري بثمنه بطاقة طائرة تنقله من وطنه الأم إلى أحضانهم!

كلّ ماتعرفه هذه الحمير، بعد أن بُرمجت غرائزها، هو السير من ساحة القرية إلى بازار المدينة!!

*********

لماذا يكنّ المسلم عداء للآخر؟ لماذا يرفض حقّ الآخر في أن يعيش رغم أنّه يعيش على انجازات هذا الآخر؟!

قام الدين الإسلامي على مبدأ إلغاء الآخر. قسّم البشر إلى قسمين لاثالث لهما: نحن وهم! زرع الرعب في قلب أتباعه من هؤلاء الـ “هم”. أقنعهم بأنّ وجود الآخر يهدّد وجودهم!

“الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا” (النساء 76)

إذاً يتمّ تصنيف البشر وفقا للعقيدة الإسلاميّة إٍلى قسمين: قسم مؤمن يقاتل في سبيل الله وقسم كافر يقاتل في سبيل الشيطان، وصراع المسلمين المؤمنين مع غير المسلمين الكافرين هو في حقيقة الأمر صراع بين الله والشيطان! لايتورّع المسلمون في كلّ أنحاء العالم عن الإستمتاع بانجازات اسحق نيوتن ولايعتبرونها من صنع الشيطان ولكنّهم، حكما، يعتبرون اسحق نيوتن كمسيحي كافرا وكلّ مايقوم به قتالا في سبيل الشيطان!

الخلافات بين البشر أمر طبيعيّ، ولكن غير الطبيعيّ أن يسعى الإنسان إلى إلغاء من يختلف معه! لايصل الإنسان إلى تلك النقطة في حياته إلاّ عندما يقتنع بأن وجود هذا الآخر الذي يختلف معه يهدد وجوده!

إذاً الخوف من الآخر يدفعنا في النهاية إلى قتال هذا الآخر، كي نلغيه من وجودنا قبل أن يلغينا!

يردّ علم النفس والسلوك معظم حالات الخوف إلى حالات وهميّة، لاوجود فيها للمصدر الذي يثير المخاوف، ولكن الإنسان الخائف يضخّم طبيعة هذا المصدر نتيجة لضعف ثقته بنفسه وبانجازه ونظرا لهشاشيّة وجوده، فأيّ وجود آخر يهدّد وجوده.

عندما يؤمن الإنسان بجودة بضائعه يلقيها بحريّة في الأسواق كي تنافس بضائع غيره، ولا يجبر الناس على شرائها تحت حدّ السيف!

يسعى الإنسان في عقله الباطن إلى تعميم خوفه ويطلق على تلك الحالة في الطبّ النفسي Generalization أي التعميم. أضرب مثلا: عندما تحقن الممرضة التي ترتدي معطفها الطبيّ الأبيض طفلا صغيرا بحقنة اللقاح يتألم هذا الطفل ويبكي ويتبنّى مع الأيام احساسا بالخوف من كلّ انسان يرتدي معطفا أبيض!

هناك مثل عربي يشرح إلى حدّ كبير هذه الظاهرة بقوله: لماذا تنفخ اللبن؟ فيأتيك الجواب: لأنني اكتويت بالحليب!

الحليب أبيض واللبن أبيض، الحليب ساخن واللبن، بالضرورة، ساخن فلماذا لا أنفخه؟

أبسط حقّ من حقوق الإنسان أن يتبنّى العقيدة التي يؤمن بها. إنّه أبسط من حقّ الماء والهواء والطعام، وذلك لسبب بسيط جدا.

منذ بدء الخليقة لم يستطع الإنسان، أيّ انسان، أن يثبت صحّة عقيدته وتفوقها على غيرها من العقائد. ظلّ الإيمان بها ضربا من التسليم! أمّا بالنسبة لحقّه في الماء والهواء والطعام فالأمر يختلف! لم يعد بمقدور الإنسان، وخصوصا في العصر الحديث، أن يمارس هذا الحقّ إلاّ إذا قام بمسؤولياته تجاهه!

جرّ الماء النظيف وتنقية الهواء وزرع ثمّ جني الطعام مسؤوليّات مقدّسة يتوجب على الإنسان أن يقوم بها على خير وجه كي يحقّ له أن يستمتع بها!

عندما ترفض الآخر لأنه يمارس أبسط حقوقه، سترفضه إذا اختلف معك على لون جواربه أو تسريحة شعره أو شكل حذائه، لأنك ستعمم خوفك منه وسيصبح رفضك له مبنيّا على اختلافكما وليس على طبيعة هذا الخلاف!

عممّ المسلمون خوفهم من الغير حتى صاروا يخافون من أنفسهم، فانقسموا فيما بينهم لأتفه الأسباب. صار الواحد منهم يعتبر المسلم الآخر مرتدا ويحلّل قتله لأبسط أنواع الخلاف.

أقاموا الحدّ على طه حسين ونجيب محفوظ وطالبوا بتطليق نوال السعداوي من زوجها وبتطليق نصر حامد أبي زيد من زوجته، صار أبسط حقوق الإنسان ملكا لهم!

عندما لم يعجب الشيخ محمّد ما أكتبه أسقطني، وبدون أدنى ضمير، في حضن أعداء العرب والإسلام! وذلك على غرار ما ينعت به المسلمون أنفسهم: الشيعة راوفض، العلويون كفّار، الدروز مرتدون، الإسماعليون يعبدون فرج المرأة، الصائبة ملحدون، ناهيك عن المسيحين الذين يعبدون الخشبة! أمّا اليهود، فحدّث عن الصفات التي ينعتونهم بها بلا حرج، قردة وخنازير، وإلى آخر السبّحة من مصطلحات قذرة لم يعد لها اليوم مكان في أي قاموس، إلا في قاموس هؤلاء!

اليوم تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، بفضل جهود وإبداع هذا “الآخر” الذي نرفضه.

قانون الرفض، الذي نعمل به كمسلمين، لم يعد صالحا للإستعمال، فقد صلاحيته وصار يشكّل خطرا علينا قبل أن يشكّل خطرا على هذا “الآخر” الذي نرفضه!

……………………

هناك مثل أمريكيّ يقول: لكي تحسّ بألمه عليك أن تمشي في حذائه!

المسلمون في أمريكا أقليّة، وبإمكانهم أن يمشوا في أحذية الأقليّات التي تعيش في بلادهم كي يحسّوا، ولو قليلا، بالألم الذي تعيشه تلك الأقليّات!

يولد المسيحي على أرض آبائه وأجداده منذ آلاف السنين ليسمع باذنه، وعلى مدار الساعة، تكفيره وإهانته والإساءة إلى معتقده.

هل يتوقّع المسلمون من هؤلاء البشر أن يكونوا مخلوقات بلا شعور أو إحساس؟!

صديق اردني مسيحي أقسم لي أنّ باب بيته في عمّان كان مواجها لباب الجامع، وكان يضطّر أن يحشو أذنيه بسدّادات قطنيّة كي يتجنّب سماع عبارات تجرح مشاعره، خوفا من أن يتسرّب الحقد إلى نفسه فيسيء إلى علاقته بجاره المسلم. وعندما تنتهي الصلاة كان ينزع سدّاداته ويخرج إلى الشارع مصافحا المصلّيين: كيف حالك ياجاري؟ تقبّل الله صلاتك!

ـ ولماذا كنت تفعل ذلك؟!

ـ إنّها قضيّة عمر وليست قضيّة لحظة! علينا أن نتكيّف مع هذا الواقع رغم مرارته!

هل يستطيع أحد فينا أن يتصوّر حجم الألم الذي سيعيشه مسلم في أمريكا، لو أنّ كنيسة في الحيّ الذي يعيش فيه قد قررت أن تبثّ ومن خلال مكبّرات الصوت عبارات كتلك التي تقول: كذب الذي قالوا إنّ محمّدا رسول الله؟!

لماذا نتوقّع من المسيحي في بلادنا أن يرضى بسياسة الأمر الواقع ويبلع الموس على الحديّن، بينما تثور ثائرة حسين عبيش، الذي يشتغل في الليل والنهار كي يناهض التمييز العنصري في أمريكا، عندما يسأله أحد: هل صحيح أنّ نبيّكم تزوّج وهو في الرابعة والخمسين من عمره طفلة في التاسعة من عمرها؟!

لماذا لاتعاملون الأقليّات في بلدان آبائهم وأجدادهم بنفس الطريقة التي تطالبون الغرب أن يعاملكم بها في بلدانه؟!!

ألا يرى السيّد عبيش، كما أرى أنا، إنّ الدين الذي يحاول أن يثبت مصداقيّته من خلال التهجّم على معتقدات الآخرين، سواء آمنوا إنّ المسيح هو الله أو أنّ الشيطان هو الله، ليس دينا؟!

الدين يُثبت نفسه بعرض مالديه، دون الاعتداء على مالدى الآخرين!

هل يستطيع السيّد عبيش أن يمشي، ولو لثوان معدودات، في حذاء المسيحي في بلادنا علّه يحسّ بالمسامير التي تأكل من قدميه؟!!

هل يستطيع السيّد عبيش أن يتصوّر لو أنّ صانعيّ القرار في أمريكا قد أصدروا قانونا يفرض على المسلم الأمريكي أن يدفع مقابل السماح له بالحياة في أمريكا جزية، شرط أن يدفعها وهو صاغر أمام الجابي الأمريكي، هل يستطيع أن يتصوّر حجم الألم الذي سيعيشه لو أنّ أمرا كهذا قد حدث؟!!

لدي سؤال الإجابة عليه مسؤولية كبيرة تتطلب صفاء ذهنيا ونقاء ضميريا وأخلاقيا، وطبعا لا أستطيع أن أطرحه على السيد عبيش ولا على الشيخ محمد، لأنني أتألم عندما أحمّل شخصا ما فوق مستوى طاقاته العقلية وخارج حدود قدرته على التفكير. أريد طبيبا مسلما مختصا في الطب النفسي وعلم السلوك أن يجيبني على هذا السؤال: هل يعقل أن الطفل الذي تلقي على مسامعه في سنوات عمره الاولى الآية التي تقول: “قاتلوهم، يعذّبهم الله بأيديكم ويُخزِهم وينصركم عليهم ويشفِ صدور قوم مؤمنين.” سيخرج إلى الحياة ليكون انسانا معافى نفسيّا وعقليّا بنفس مستوى الطفل الذي تلقي على مسامعه قولا كهذا: أحبوا أعداءكم.. باركوا لاعنيكم.. احسنوا إلى مبغضيكم..”؟!!

هل صديقي الاردني المسيحي والرجل الامريكي غبيان إلى الدرجة التي لا يعرفان عندها إننا نحن المسلمين نبغضهما ونلعنهما؟!! طبعا لا، ولكنهما ومنذ نعومة أظفارهما، تعلما كيف يحسنان إلى مبغضيهما ويباركان لاعنيهما.

قال مرّة أحد الرؤساء الأمريكيّين: ليست أمريكا هي التي صنعت حقوق الإنسان، ولكن حقوق الإنسان هي التي صنعت أمريكا!

اعترفوا بحقوق الناس كي تعترف تلك الحقوق بكم!

**********

هناك مثل أمريكيّ يقول: لكي تحسّ بألمه عليك أن تمشي في حذائه!

المسلمون في أمريكا أقليّة، وبإمكانهم أن يمشوا في أحذية الأقليّات التي تعيش في بلادهم كي يحسّوا، ولو قليلا، بالألم الذي تعيشه تلك الأقليّات!

يولد المسيحي على أرض آبائه وأجداده منذ آلاف السنين ليسمع باذنه، وعلى مدار الساعة، تكفيره وإهانته والإساءة إلى معتقده.

هل يتوقّع المسلمون من هؤلاء البشر أن يكونوا مخلوقات بلا شعور أو إحساس؟!

صديق اردني مسيحي أقسم لي أنّ باب بيته في عمّان كان مواجها لباب الجامع، وكان يضطّر أن يحشو أذنيه بسدّادات قطنيّة كي يتجنّب سماع عبارات تجرح مشاعره، خوفا من أن يتسرّب الحقد إلى نفسه فيسيء إلى علاقته بجاره المسلم. وعندما تنتهي الصلاة كان ينزع سدّاداته ويخرج إلى الشارع مصافحا المصلّيين: كيف حالك ياجاري؟ تقبّل الله صلاتك!

ـ ولماذا كنت تفعل ذلك؟!

ـ إنّها قضيّة عمر وليست قضيّة لحظة! علينا أن نتكيّف مع هذا الواقع رغم مرارته!

هل يستطيع أحد فينا أن يتصوّر حجم الألم الذي سيعيشه مسلم في أمريكا، لو أنّ كنيسة في الحيّ الذي يعيش فيه قد قررت أن تبثّ ومن خلال مكبّرات الصوت عبارات كتلك التي تقول: كذب الذي قالوا إنّ محمّدا رسول الله؟!

لماذا نتوقّع من المسيحي في بلادنا أن يرضى بسياسة الأمر الواقع ويبلع الموس على الحديّن، بينما تثور ثائرة حسين عبيش، الذي يشتغل في الليل والنهار كي يناهض التمييز العنصري في أمريكا، عندما يسأله أحد: هل صحيح أنّ نبيّكم تزوّج وهو في الرابعة والخمسين من عمره طفلة في التاسعة من عمرها؟!

لماذا لاتعاملون الأقليّات في بلدان آبائهم وأجدادهم بنفس الطريقة التي تطالبون الغرب أن يعاملكم بها في بلدانه؟!!

ألا يرى السيّد عبيش، كما أرى أنا، إنّ الدين الذي يحاول أن يثبت مصداقيّته من خلال التهجّم على معتقدات الآخرين، سواء آمنوا إنّ المسيح هو الله أو أنّ الشيطان هو الله، ليس دينا؟!

الدين يُثبت نفسه بعرض مالديه، دون الاعتداء على مالدى الآخرين!

هل يستطيع السيّد عبيش أن يمشي، ولو لثوان معدودات، في حذاء المسيحي في بلادنا علّه يحسّ بالمسامير التي تأكل من قدميه؟!!

هل يستطيع السيّد عبيش أن يتصوّر لو أنّ صانعيّ القرار في أمريكا قد أصدروا قانونا يفرض على المسلم الأمريكي أن يدفع مقابل السماح له بالحياة في أمريكا جزية، شرط أن يدفعها وهو صاغر أمام الجابي الأمريكي، هل يستطيع أن يتصوّر حجم الألم الذي سيعيشه لو أنّ أمرا كهذا قد حدث؟!!

لدي سؤال الإجابة عليه مسؤولية كبيرة تتطلب صفاء ذهنيا ونقاء ضميريا وأخلاقيا، وطبعا لا أستطيع أن أطرحه على السيد عبيش ولا على الشيخ محمد، لأنني أتألم عندما أحمّل شخصا ما فوق مستوى طاقاته العقلية وخارج حدود قدرته على التفكير. أريد طبيبا مسلما مختصا في الطب النفسي وعلم السلوك أن يجيبني على هذا السؤال: هل يعقل أن الطفل الذي تلقي على مسامعه في سنوات عمره الاولى الآية التي تقول: “قاتلوهم، يعذّبهم الله بأيديكم ويُخزِهم وينصركم عليهم ويشفِ صدور قوم مؤمنين.” سيخرج إلى الحياة ليكون انسانا معافى نفسيّا وعقليّا بنفس مستوى الطفل الذي تلقي على مسامعه قولا كهذا: أحبوا أعداءكم.. باركوا لاعنيكم.. احسنوا إلى مبغضيكم..”؟!!

هل صديقي الاردني المسيحي والرجل الامريكي غبيان إلى الدرجة التي لا يعرفان عندها إننا نحن المسلمين نبغضهما ونلعنهما؟!! طبعا لا، ولكنهما ومنذ نعومة أظفارهما، تعلما كيف يحسنان إلى مبغضيهما ويباركان لاعنيهما.

قال مرّة أحد الرؤساء الأمريكيّين: ليست أمريكا هي التي صنعت حقوق الإنسان، ولكن حقوق الإنسان هي التي صنعت أمريكا!

اعترفوا بحقوق الناس كي تعترف تلك الحقوق بكم!

**********

هناك في الطبيعة قانون يدعى: قانون الفعل وردّ الفعل. بمعنى أيّ فعل يقوم به الإنسان، أو الطبيعة نفسها، يولّد ردا معاكسا. وقد يكون هذا القانون مسؤولا عن حالة التوازن التي يعيشها الكون. عندما تركب قطارا ويندفع القطار بسرعة إلى الأمام تحسّ بجسمك وقد اندفع إلى الخلف. القوة النابذة لجسمك والذي دفعته إلى الخلف دفعا لا إراديا، عدّلت القوة الجاذبة للقطار فساهمت في توازنك، ولولا تصارع هاتين القوتين، التي ولدت إحداهما من الأخرى، لاصطدمت بالشخص الذي يجلس أمامك ولتسببت في أذيته وأذيتك.

تحدث الكوارث الطبيعيّة كالزلازل والفيضانات والأعاصير عندما يختلّ التوازن بين هاتين القوّتين.

عندما تُربي أجيالا، وعلى مدى قرون من الزمن، على كره الآخر ورفضه والتحريض على قتله، كم نكون أغبياء عندما لانتوقع من هذا الآخر أيّة ردّة فعل!

عندما نقرأ، وعلى مسمع من العالم كلّه، الآية التي تقول: ” قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ..” كم نكون أغبياء عندما نتوقّع بأنّ هؤلاء البشر الذين نصنّفهم في خانة من ” لايؤمنون” سيحترمون حقّنا في الحياة وحقّنا في ممارسة ديننا بحريّة، دون أن يقوموا بأيّة ردّة فعل يدافعون بها عن وجودهم وحقّهم في أن لا يؤمنوا بما نؤمن!

كنت أصغي مؤخرا إلى ندوة مع بعض القادة الأمريكين، قال جنرال عسكري في سياق حديثه عن العراق: لقد قرأت القرآن مرّتين. وعندما سأله أحد الصحفيين: بماذا خرجت منه؟ أطرق الجنرال رأسه، وفكّر قليلا ثم قال: علينا أن نحمي أنفسنا!

إنه قانون الفعل وردّة الفعل!

عندما قسّم الدين الإسلامي العالم إلى قسمين، مؤمن وكافر، وحمّل أتباعه مسؤوليّة قتال هذا الكافر، كان مسؤولا عن ردّة الفعل التي ابتدعها هذا الكافر(!!) ليحمي بها نفسه ووجوده!

قد يكون شارون مجرم حرب، لكنّني، لاأشكّ لحظة، بأنّه نتيجة حتميّة لتعاليم إسلاميّة أشعلت هذه

الحرب!.

ولكي نفاوض على شرعيّة شارون يجب أن نفاوض أولاً على شرعيّة التعاليم الإسلاميّة!

يجب أن نفاوض على شرعيّة القوة الجاذبة التي ساهمت في خلق تلك القوة النابذة!

إنّه قانون الطبيعة، ولا نستطيع أن نحتجّ على قوانينها!

عندما وافق العالم على قيام دولة اسرائيل كان يعي مايفعل. لم يوافق على هذا الأمر من منطلق إيمانه بحقّ اليهود في فلسطين وحسب، بقدر ايمانه بضرورة خلق نوع من التوازن في منطقة تنشر الإرهاب وتنجب الإرهابيين.

الغرب يعي تماما الخطورة التي يشكّلها الإسلام على حضارته ووجوده عندما يزرع في نفوس وعقول أتباعه بأنّ تلك الحضارة رجس من عمل الشيطان وقتال هذا الشيطان واجب ديني!

وجود اسرائيل في المنطقة يكبح جماح الإرهاب الإسلامي ويعدّل من حدّته، هذا الإرهاب الذي ولد قبل اسرائيل وسيظل حتى لو وافق الغرب على زوال اسرائيل!

كان المسلمون حتّى عهد قريب قبائل متناحرة، يغزو بعضها البعض نهبا للكلأ والملأ. العالم الحديث رسم لهم حدودا وساعدهم على بناء دول لها وجود ووزن وكيان. عندما أنشأوا دولة الكويت، أعطوا أميرها مبلغا من المال فخبأه تحت فراشه وعاد اليهم بعد فترة يشكو لهم بأنّ الفئران قد قرضت النقود، فاضطروا أن يُنشِئوا له مصرفا وألزموه بإيداع النقود فيه.

خلق اسرائيل في المنطقة لم يساهم في كبح جماح الإرهاب الإسلامي الموجّه ضدّ الغرب وحسب، بل ساهم في كبح جماح ارهابهم ضدّ أنفسهم!

لقد لعبت اسرائيل ومازالت تلعب دور شرطي المنطقة. ولولاها لنتف العرب بعضهم.

قال لي صديق فلسطيني مازحا: إذا دمرّنا اسرائيل تبقى لدينا مشكلة واحدة: مع من سنتهاوش؟

يقول مثل انكليزي: اللسان البذيء يعض نفسه!

من يدمن القتل سيقتل أخاه عندما لايجد من يفرغ به حقده!

هؤلاء البشر الذين شيّعوا جنازة عرفات لن يستطيعوا أن يعيشوا مع أنفسهم في حالة سلام عندما يخسرون عدوهم الذي ساهم إلى حدّ كبير في توحيدهم.

………………..

في علم النفس الإجتماعي

( Social Psychology )

 قاموا بوضع بعض العائلات المتناحرة في معسكر واحد ثمّ أطلقوا دبّا كبيرا ومتوحشا بإتجاه المعسكر. تجاوزت تلك العائلات خلافاتها ووحدت جهودها في محاولة للقضاء على الدبّ. عندما مات الدبّ عادت تلك العائلات إلى التناحر من جديد!

المسلمون بحاجة إلى العمل على أن يقبلوا بعضهم أولا ويعيشوا مع بعضهم بسلام. لاتستطيع أن تسالم عدوّك قبل أن تسالم أخاك!

على المسلمين أن يعيدوا النظر في عقائدهم كي يعززوا وجودهم، تلك العقائد المرفوضة في عالم اليوم هي التي أشعرتهم بهشاشيّة وجودهم وهي التي زرعت في قلوبهم خوفا وهميّا من وجود الغير!

عندما تعترف بحقّ جارك في اعتناق عقيدته، تعزّز علاقتك به ولا تخاف من وجوده، بل على العكس تعتبر وجوده دعما لوجودك!

الطريق إلى المفاوضات مع اسرائيل يبدأ حكما من طاولة المفاوضات بين السنّة والشيعة والعلويين والدروز والاسماعليين والصائبة واليزيدين وبين العرب المسلمين والعرب المسيحين وبين المسلمين العرب والمسلمين الأكراد وبين الجار وجاره والأخ وأخيه وربّ البيت وأفراد اسرته. قبول الآخر في الوطن الواحد هو الخطوة الأولى لقبول الآخر خارج حدود هذا الوطن!

لاتستطيع أن تكون مسالما إلأ إذا كنت قويّا، ولايدفعك إلى الإرهاب إلاّ احساسك بضعفك وهشاشيتك!

بعد الحرب العالميّة الثانية انتقد رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشيل الرئيس الفرنسي ديغول لأنه رفض الدخول في عمليّة الصلح، فردّ عليه ديغول بقوله: أنا ضعيف ولا أقوى على المصالحة!

إحساس المسلمين بضعفهم وهشاشيتهم وعجزهم والخطر المحدّق بهم من الغير، هو الذي يدفعهم إلى الإرهاب. لم يكن هذا الإحساس سوى وهما زرعته عقائدهم في باطن عقولهم بعد أن قامت ببرمجة هذه العقول وشلّها وتفريغها من محتواها.

للحديث صلة.وفاء سلطان (مفكر حر)؟

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.