الشهيد توفيق منير

أتسقط أوراق خريف ذاكرة النضال العراقي بانسيابية تبدل فصول السنة

اضغط على الصورة لتكبيرها

 

Capturen1

الشهيد توفيق منير

خالد عيسى طه
قسوة القسوة تتجلى في الوحدة التي تفرضها الغربة.. بقايا بقايا القلوب المهشمة تضل ترنو الى ذلك البلد الحبيب وعشرون عاماً مضت علينا ونحن نمر بخريف جديد اتً ولا بد ان ياتي وشرفتي تطل على غابة مورقة متساقطة الاوراق خريفاً وكلما يمر خريف وارجع الى ذاكرتي السياسية واماكن الاعتقال والسجون وغرف التعذيب وساحات النضال واعواد المشانق ارى في هذه الاوراق المتساقطة الخريفية المطلة من شرفة داري جمم ورؤوس هؤلاء الابطال هم في التاريخ ملايين ابطال في مواقفهم ومئات الآلاف من دفع حياته كورقة خريفية لابد لها ان تستقر مع اخرين تساقطت على درب الحرية والنضال هذا الخريف وانا لا استطيع ان انسى كم من اوراق خريفية عاشرتها اكانت سجنا ام تعذيبا ام تهجيراً ولكن تبقى منهم اوراق عريضة لا تقل عن سعة خف جمل عالقة في الذهن منها سيرة الورقة الخريفية للمناضلين توفيق منير وعزيز شريف وقزانجي والجادرجي وجعفر ابو التمن والالاف قبلهم واخرى تنتظر دورها.
في هذا اليوم اريد ان اذكر من الذاكرة هو نائب رئيس مجلس السلام العالمي ونائب نقيب المحامين المناضل اليساري المحامي توفيق منير عسى الله ان يعطيني صبر الكتابة عن الاخرين وعساه ايضا ان يعطيني الصحة ان اعطي لهؤلاء الابطال مالهم علينا من واجب الذكرى والتذكير. اليوم العراق كله شهيد تحت عباءات التدين والتطرف الطائفي ولكن يبقى بين هؤلاء الشهداء الذين ذهبوا في طريق التحرر والوصول الى الاستقرار الكامل بإذنه تعالى.
من هو توفيق منير !!؟
توفيق منير من الشخصيات العراقية المناضلة وكان يشغل منصب نائب رئيس نقابة المحامين في العراق. كان شخصية وطنية فذة وذي دور كبير في الحركة السياسية العراقية ونموذجاً للمعلم الذي ربى جيلاً من المحامين وانساناً لطيفاً ومحبوباً.
من الحقائق والوقائع التي لا تُنسى وتحضرني الآن ان عبد العال الراوي (ابن عمه) ونسيبه ايضاً، والذي كان من القوميين الذين استؤزروا لاحقاً زمن البعثيين، لم يفكر (توفيق منير) في الدفاع عنه إذ ان حزب البعث قد عبأ البعثيين والمنتسبين اليه والقوميين على عدم الرحمة بالشيوعيين وأنصارهم وأصدقائهم ومن يلوذ بهم فكانوا مهيأئين للقتل والتعذيب والقصف. برأيي ان ما ارتكب من فضائع في 14 رمضان يعتبر من أكثر الجرائم والوقائع التي ارتكبت في العراق ليس في عدد الضحايا فقط ولكن في طريقة التعذيب والقتل والقسوة والانتقام من اليساريين والشيوعيين وكانت كلها مخططة ومهيأة بقطار امريكي حتى انهم كانوا يتبارون في تحقير الشخصيات اليسارين وتقديمها الى الحرس القومي والى الامن والسلطات وأماكن الاعتقال، منهم عبد الرزاق شبيب (نقيب المحامين في ذلك الوقت) الذي بدأ يهيأ قائمة تحمل 84 اسماً من المحامين لحجز اموالهم. ومن المهازل ان يكون اسمي الثالث ضمن المحجوزة اموالهم. كما بدأت تصلهم عن طريق الكويبت عناوين مقرات اليسار والشيوعيين وانصارهم وانصار السلام وبدأ الحاق الاذى بهم وتعريضهم الى ابشع صور القباحة والتعذيب. وبعد ذلك جاء دور القوميين انفسهم عندما رأوا ان البعثيين اصبحوا يتجردوا من الانسانية وخرجوا عن طوقها فقاموا بحركة (تشرين) 1963 التي جعلت موقف البعثيين ضعيفاً ولم يصبح لهم الا وقت قصير للبقاء في الحكم.
دعا توفيق منير أيام (عبد الكريم قاسم) الى عودة بارزاني وبعض الشخصيات العراقية السياسية التي كانت قد تركت العراق بسبب الأوضاع السياسية، وهيأ عبد الكريم قاسم كل مظاهر الاكبار والتبجيل والاحترام عند قدوم ملا مصطفى بارزاني ومنحه ما يمكن ان يعطيه الوطن لأبنه البار، فهو ثائر قارع الظلم والاستعمار كثيراً وحمل في قلبه حباً عميقاً للشعب العراقي بشكل عام وللأكراد بشكل خاص. لم يكن بارزاني يدعو الى الانفصال بل كان يدعو الى الحكم الذاتي الذي يحق للأكراد، والذي حققه البزاز فيما بعد ومنها تعميم اللغة الكردية في المدارس واصدار صحيفة باللغة الكردية وانشاء نادٍ للاكراد وألغى كل انواع الاضطهاد ضدهم. وكان الاكراد يقدمون الادلة التي تثبت ان الشعب الكردي شعب طيب وانه لا يحقد على الشعب العراقي وكانوا يقيمون الاحتفالات والمباهج في اعياد نوروز ويستضيفون كل الجنوب العراقي بكل فئاته وهذه ظاهرة تعبر عن حبهم وانهم من وطن واحد وعراق واحد. كان الزعيم عبد الكريم قاسم يهدف الى تثبيت الحرية السياسية والنظام الديمقراطي في جميع انحاء العراق الوطن ولو لا تكالب الجهات الكثيرة عليه والأخطاء التي حدثت من جانب اليسار وأمور اخرى كان لها اثر سلبي على مسار الشعب العراقي وتسبت في اسقاط حكمه، لأصبح الشعب العراقي اكثر الشعوب العربية ديمقراطية واكثرها ازدهاراً واستقراراً.
أعاد عبد الكريم قاسم المسقطان (اللذان أسقطت الجنسية عنهما) وهما توفيق منير وكامل قزانجي واحتفى بهما احتفاءً كبيراً حيث خرجت جمعو المثقفين في مسيرة كبيرة حاملة الزعيمين الكبيرين على الاكتفا وكان استقبالاً حافلاً وألقى توفيق منير كلمة بهذه المناسبة في مفترق الجسر المعلق جاء فيها: “جئنا الى العراق لنخدم العراق وقد حملت معي تربة الوطن لأنني جرء منه ولا يمكن لأي وطني واعٍ ان يكون خارج طموح الوطن واهداف شعبه، ونحن نشكر عبد الكريم قاسم صاحب الثورة الوطنية المصداقة النزيهة التي هزت العالم وغيرت موازين القوى”. كانت كلمته مؤثرة وتُقاطع بالتصفيق الحار. كما ألقى كامل قزانجي خطاباً حماسياً وانتهت المسيرة بكل هدوء بتقديم الاحترام اللائق للزعيمين.
جاء توفيق منير الى نقابة المحامين ومارس المحاماة مرة اخرى معنا في مكتبنا مع ان اللافتة التي كانت مكتوبة باسمه على مكتبه قبل إسقاط الجنسية عنه، وهي مدة سنتين تقريباً، طلت كما هي. كانت لتوفيق منير مواقف كثيرة إن دلت على شيء فهي تدل على خُلق قويم وتضحية وايثار ليس لها مثيل في شخصية اخرى طوال فترة معرفتي به خلال مسيرة حياتي السياسية. جاء بعدها دور التنافس بين عزيز شريف وتوفيق منير على رئاسة نقابة المحامين وكان أغلبية المحامين يرغبون في ترؤس توفيق منير وذلك لأنه محامٍ ممارس اختلط بعدد كبير من المحامين في ذلك الوقت الذين تطوعوا للدفاع عن المتهمين السياسيين. وكان يتعاون معهم ويمكن وقتاً طويلاً معهم للإجابة على اسئلتهم ومعاونتهم لبحث القضايا وذلك لما له من خبرة سابقة في العمل كأستاذ بالكتاتيب العثمانية. كنت واحداً من هؤلاء الذين يحلقون في حلقته بكل شرف وامتنان وقد ضمتنا احلى الذكريات.
في احدى الأيام حضر شخص يمثل الحركة السياسية اليسارية التي كانت تضم عدداً غفيراً من المحامين الذين ينضوون تحت لواء الحزب الشيوعي وانصارهم. أصرّ توفيق منير على علم الترشيح لسبب واحد هو انه طالما كان عزيز شريف رئيساً لأنصار السلام في العراق فهو أحق من نائب الرئيس في ان يكون نقيباً، اضافة الى انه كان يملك القابلية في إدارة ورئاسة النقابة. في الواقع ان موقف توفيق منير كان موقفاً رائعاً جعلت المنافسة تعلو على كل المصالح الذاتية والشخصية وفضّل مصلحة وطنه العراق والنقابة فوق مصلحته. ثم بدأوا أنشطتهم بحضورهم الاجتماعات الخاصة ومسيرات أنصار السلام.
اجتمع عبد الكريم قاسم بتوفيق منير وجرى بينهم حديث نقله لي توفيق منير، وكان اجرأ الموالين لعبد الكريم قاسم الذي كان في قمة زعامته وشعبيته. تحدث عبد الكريم عن الحريات الديمقراطية وتولى الكلام توفيق منير بالرد قائلاً ان الديمقراطية والحرية يجب ألا تُقيد بأي شكل من الأشكال وحتى ان تعطى للخصوم السياسيين. كان رد عبد الكريم بأن هؤلاء الخصوم قد يشكلون خطراً، فأجابه توفيق منير ان هناك خصوم لهم وزن في إرادة الشعب العراقي الذي يحب عبد الكريم ويلتف حول نظامه.
كان هذا الكلام جريئاً وطالب توفيق منير منه أن يحد من مهرجانات محكمة الشعب وان يعتني بنقابة المحامين وبالقضاء والأمور التي تهم شؤون العدالة واقترح عليه تشكيل مجلس نيابي واجابه بوعده بأن الدستور العراقي الدائم سوف يصرد وتثبت كل المؤسسات الدستورية بما فيها المجلس النيابي اذا استقر الوضع السياسي حينه. لكن الناصريين والقوميين دأبوا واستمروا على زعزعة الحكم وتدخلت مصر في انقلاب الشواف. توالت الأحداث وانقلب الوضع على الشيوعيين واليساريين حتى ألقى عبد الكريم قاسم خطاباً في كنيسة (مار يوسف) حمّل فيها كل المعاصي والمجازر على الحزب الشيوعي وفُتح المجال للمعاديين للشيوعية بقتل الشيوعيين وسحلهم وضاق عبد الكريم قاسم باليسار ورموز اليسار فأودعنا السجن وكانت حصتي سجن كركوك وحصة توفيق منير سجن البصرة وكل منا بحجة معينة وبقينا في السجن قرابة سنة. كان سبب الاعتقال الاعتصام الذي قام به عمال معمل السكائر ونشر مقال في جريدة اتحاد العمال التي كنت المسؤول القانوني عنها. وبعد فترة تدخل الكثيرون واطلق سراحنا وعدنا الى مزاولة عملنا.
عندما التقيت بتوفيق منير ابتسم وقال انه كان يريد ان يقول لعبد الكريم: يا زعيم لا تحفر قبرك بيدك (المقصود ضرب اليسار). كان توفيق منير أحد اليساريين البارزين وكان يتسم بوضوح الرؤية، وفي الجلسات الخاصة كان يتوقع ان يحدث شيء وان اليسار سيدفع الثمن ليس بسبب معارضة حكم عبد الكريم بل بسبب تدخل قوى استعمارية ويد غريبة تريد تغيير الحكم في العراق وخاصة بعد صدور قانون 80 الذي سيطر العراق بموجبه على جميع مناطق النفط باستثناء المناطق التي تشرف عليها شركات أجنبية. كان توفيق منير يرى دائماً بأنه مهما انحرف عبد الكريم قاسم فانه سيبقى شخصية وطنية لانه لن يكون انحرافاً بدافع طمع شخصي او بتأثير من الخارج ولكن لقلة خبرته السياسية وبساطته في إدارة الحكم. بقى توفيق منير مخلصاً لعبد الكريم قاسم ولليسار وكان يدعو دائماً الى الديمقراطية في كل جلسة وكل خطاب ومداولة وندون وكان لا يؤمن بالديمقراطية الموجهة. كان دائماً يقطع الشك باليقين بأنه لن يوجد حكم عادل بغير الديمقراطية. كان ايمانه بشعبه عظيماً وعلى ثقة كبيرة بأنه شعب أصيل ناضج واعٍ والدليل على ذلك تجربة الشعب العراقي مع الحزب الشيوعي الذي كان أقوى حزب في العراق حتى 14 رمضان 63.
من المؤسف والمأساة التي اذكرها ان البعثيين اغتالوه في نفس المنزل الذي سكنت انا فيه ورموا جثته من فوق سطح المنزل. ففي يوم اغتياله اتصلت به من داري في السعدون صباح يوم انقلاب 14 رمضان (الجمعة الموافق 8 شباط 1963) وعرضت عليه ان اذهب اليه في هذا الوقت ولكنه لم يستجب لطلبي الذي تكرر عدة مرات. أصرّ على عدم الحاجة لترك منزله وكان رده بالحرف الواحد: “ليس هناك قوة بين الشعب العراقي لها اهميتها وتريد اسقاط عبد الكريم قاسم، وأي قون يمكن سحقها بساعات لأن الشعب العراقي بأكمله ملتف حول عبد الكريم قاسم ويريد بقاءه”.
وبعدها انتقل الى المنزل الذي كنت اسكن فيه حيث كان فارغاً وصعد الى السطح فلاحقوه واغتالوه.
باغتيال توفيق منير خسر العراق شخصية مناضلة كان لها كبير الأثر. من المؤلم ان لا نتناول شخصيات وطنية كثيرة في الصحافة والكتب لإعطائها مكانها الحقيقي خاصة في الصحف العربية وغيرها من وسائل الإعلام التي تصدر في لندن بينما نجدهم يمجدون اشخاصاً ليس لهم عمق سياسي او وطني ويهملون الشخصيات المناضلة التي لعبت دوراً كبيراً وأسست ما يجب ان تكون عليه الديمقراطية وتركت بصماتها على تأريخ العمل السياسي في العراق.

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.