الاستعمار الغربي والعربي والديني!

سامي النصف

مضحك جدا إلى حد البكاء تقرير الامم المتحدة الاخير الذي اكتشف ـ يا للهول ـ ان الحرب الاهلية في سورية تقوم على نفس طائفي من الجانبين، والمبكي جدا ان سورية ومثلها العراق والاردن وباقي دول الهلال الخصيب، كانت قد تشربت حتى النخاع مبادئ القومية العربية التي بشر بها اليمني ساطع الحصري، والقومية السورية التي نادى بها اللبناني انطون سعادة، لقد قاد قادة البعث الزائفون في العراق وسورية شعوبهم للكفر الشديد بالمبادئ القومية والعروبية التي توحد الاوطان وتركوا بلدانهم بالتبعية عرضة للانشطار والتقسيم كون افعالهم كانت متناقضة تماما مع الشعارات الوحدوية التي كانوا يرفعونها.

 ***

 في العام 1920، احتفلت سورية قلب العروبة النابض بتنصيب «السعودي» بتعريف هذه الايام، فيصل ابن الشريف حسين ملكا عليها، وفيما بعد نصب السعودي ذاته ملكا على العراق وأخوه ملكا على الاردن كدلالة على ايمان شعوبهم العميق بمبادئ العروبة والوحدة قبل ان ينادي بها ويكفّر الناس بها الثوريون امثال عبدالناصر وقادة البعث في العراق وسورية وطاغية ليبيا والديكتاتوريات العسكرية التي تدثرت كذبا برداء القومية العربية في اليمن والسودان وموريتانيا وفلسطين وغيرهم حتى ضعف وتمزق ذلك الرداء شر ممزق.

 ***

 في سورية أثناء الاستعمار الفرنسي تقدم يوسف العظمة لمحاربة جيش الجنرال هنري غورو، فقتل وكان جيشه يضم كل طوائف وقوميات الشعب السوري، وما ان اعلن غورو استقلال لبنان الكبير ومشروعه لحماية مسيحيي الشرق حتى اعلن الزعيم السوري الكبير فارس خوري انه والمسيحيين سيعلنون اسلامهم لسحب الذرائع من الاستعمار الفرنسي الجاثم على صدورهم والذي ترحمت عليه شعوبنا بعد ان جربت طعم الاستعمار العربي للاوطان العربية الذي هو اكثر قتلا وقمعا وتدميرا ونهبا لخيرات الاوطان ممن ادعى محاربته.

 ***

 واعلنت فرنسا في تلك الحقبة اعطاء الاستقلال لأربع دول في سورية هي دويلات دمشق وحلب وجبل العلويين وجبل الدروز، فأعلن الزعيم الحلبي ابراهيم هنانو الثورة على مشروع تلك الدويلات وشاركه الثورة الدمشقي د.عبدالرحمن الشهبندر، كما اعلن الزعيم العلوي الكبير صالح العلي الثورة في جبل العلويين ضد مشروع التقسيم، وفي عام 1925 اعلن الزعيم الدرزي سلطان الاطرش الثورة الكبرى في سورية والتي هزم خلالها الجيش الفرنسي في اكثر من موقعة مثل معارك الكفر ومسيفرة ورساس والسويداء، وأعلن شقيقه زيد الاطرش تحرير الجولان ومجدل شمس وراشيا وحاصبيا، ويالها من معارك تحرر ـ لا تسلم ـ الارض، تجلت بها الشجاعة والشهامة والفداء بأجل وأجمل صورها، وليس كحال حروب الثوريات العسكرية العربية اللاحقة التي كانت تنتهي دائما بالهزائم المتكررة!

 ***

 آخر محطة: احتاجت شعوبنا العربية لنصف قرن لتكتشف زيف وكذب وخداع الانظمة التي اتت بها ثورات وانقلابات الخمسينيات والستينيات والتي مثلت دور الاستعمار القومي العربي، نخشى ان تحتاج شعوبنا العربية لنصف قرن آخر لتكتشف زيف وكذب وخداع الحركات المؤدلجة التي وصلت للحكم هذه الايام كنتيجة لثورات الربيع العربي القائم والتي يدعي بعضها التدثر برداء الاسلام، والاسلام براء من افعالهم.

 *نقلا عن صحيفة “الأنباء” الكويتية.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.