إنتهى الجَدَلْ ,نظرية التطوّر صارت حقيقة مُطلقة !

مقدمة :
هذا ليس مقال عادي يقول فيه الكاتب رأيه عن موضوع ما !
هذا مجرّد تفريغ الكلام على الورق ,لشريط عِلمي يُمثل جزء من فيلم وثائقي نُشرَ عام 2012 ,عنوانه :(التصميم الذكي في المحاكمة)!
يُثبت فيه عالم البايولوجي الأمريكي (كينيث ميلر) أمام القاضي الفيدرالي لولاية بنسلفانيا الأمريكية(جون إي جونس)صحة نظرية التطوّر والإنتقاء الطبيعي للعالِم العبقري (تشارلس داروين)!
تلك المُحاكمة جرت بعد أن رَفعَ أصحاب التصميم الذكي (الخلقيين) دعوة ضد نظرية التطوّر (يعني همّه اللي جابوها لأنفسهم) ,في محاولة منهم لإدخال نظريتهم اللاعلمية للمدارس !
إستند (ميلر) على آخر بحث في عِلم الوراثة الذي حوّل نظرية التطور إلى حقيقة مطلقة [ذلك هو بحث الكروموسوم رقم 2] !
بعد تلك المُحاكمة الشهيرة أصدر القاضي جونس حُكما لصالح التطوريين فإنتصر العِلم على أعدائهِ الظلاميين نصراً بائناً !
المفارقة في هذا الامر أنّ العالم البايولوجي (كينيث ميلر) هو مؤمن مسيحي ينتمي للروم الكاثوليك .لذا فإنّ شهادته في المحكمة ضدّ أفكار وأساليب متبنّي فكرة التصميم الذكي كان لها وزنها عند هؤلاء أنفسهم!
ميلر صاحب كتب ومحاضرات جمة من بينها (البحث عن إله داروين) يقول فيه أنّ القبول بنظرية التطوّر متوافق جداً مع الإيمان بالله!
وكتاب (نظرية فقط) ,يبحث فيه موضوع التصميم الذكي ويدحضه !
وهو أيضاً قدّم أفكار عديدة تفيد برفض إدخال فرضية التصميم الذكي في المدارس كونها تنتمي للعلوم الزائفة!
حتى القاضي (جونس) الذي حَكَمَ في القضية ,هو متديّن بروتستانتي (لوثري).معناها كلّ الأمور كانت لصالح (الخلقيين) مع ذلك خسروا قضيتهم ,لسبب بسيط أنّ الخرافات تنهزم أمام العلوم غالباً!
***
يبدأ هذا الشريط (الرابط أدناه) بصورة للعالم الفذّ تشارلس داروين
مكتوب تحتها :عِلم الوراثة يؤّكد نظرية داروين للتطوّر !
Genetics confirms Darwin’s Theory of Evolution
ثمّ تُعرَض صور علمية عن الخلايا والجينات والكروموسومات مع شرح واضح ومُبسّط ,يقول المذيع أو المُتحدّث :
داروين كان مقتنعاً أنّ الأحياء تتطوّر عبرَ العصور بفضلِ الإنتقاء الطبيعي
Natural Selection
وأنّ صفاتاً جديدة تنتج عن ذلك الإنتقاء إنّما لم يكن يعرف كيف تنتقل الصفات من جيل الى آخر!
[في الواقع داروين توّقع (وقد كتب عن ذلك)بأنّ هناك شيئاً ما يحمل الصفات الوراثية في الكائنات الحيّة ,تنبّاً بانّ علماء المستقبل سيعرفونه بالتفصيل / كاتب السطور]!
عندما إكتشفَ العلماء في القرن الـ 20 دور الحَمض النووي في الوراثة فإنّهم بذلك قد إكتشفوا عِلماً جديداً إسمه عِلم الوراثة ,الذي وضعَ نظرية داروين أمام الإمتحان!
كلّ خلايا الكائن الحيّ تقريباً تحوي كروموسومات (صبغيّات) مصنوعة من قطع كثيفة من الحَمض النووي أو الـ
D.N.A.
.وظيفتها عبارة عن مُخطط لصفات الكائن الحيّ (هوية شخصية يعني)!

خلال عمليّة التكاثر تتضاعف كروموسومات كلّ واحد من الوالدين وتُخلَط أجزائها لأجلِ إنتاج كروموسومات جديدة !
بعدها يقوم كلّ والد بتمرير (كروموسوم) الى الذُريّة !
لكن هذه الآليّة فيها عيوب,لأنّهُ خلالها يتعرّض الحمض النووي لطفرات عشوائية أو أخطاء.ما يعطي لكل إبن أو(سَليل) مُخطط جيني خاص به!
بعض الأحيان ينتج تغيّر طفيف في الصفات.أحياناً تنتج صفات مُضرّة مثل الجناح الممسوخ (تظهر فراشة بجناح غريب)!
لكن في أحيان أخرى تنتج صفات مُفيدة ,مثلاً فراشة لونها يشبه لون نوع آخر من الفراشات!
بعد مُضي 100 عام على إقتراح داروين (أنّ الإنتقاء الطبيعي يعمل على تكوين صفات جديدة تظهر في المجموعة الحيّة) ,أظهرَ عِلم الوراثة
الآليّة التي توّقعها داروين والتي تظهر بها تلك الصفات!
(الآن يظهر في الشريط العالم كينيث ميلر يتحدّث الى المذيع)
يقول :
كان من الممكن الإعتقاد أنّه بظهور عِلم الوراثة الحديث ستكون كلّ نظرية التطوّر في خطر
Risk ,
وأنّه من الممكن إستبعادها كُليّاً لو أنّ عِلم الوراثة يناقض أساسيّات نظرية التطوّر.لكن ذلك لم يحدث أبداً !

أبداً لم يناقض عِلم الوراثة ,نظرية التطوّر لداروين ,بل أنّه أثبتها في أشدّ التفاصيل (يؤّكد ميلر بحزم)!
الآن يعود المتحدّث في الشريط للحديث فيقول :
ولمّا كان العالِم ميلر سيشهد أمام المحكمة (تظهر صورة القاضي جونس) ظهرَ بحثْ عِلمي في الوراثة قبل عام من ذلك ,أثبتَ ما كان الأكثر حساسيّة في نظرية داروين / السلَف المُشترك بين القرود والإنسان!
هذا البحث درسَ تبايناً غريباً في كروموسومات خلايا القرود العليا مثل الشمبانزي,الغوريلا,الأورغوتان ,التي تحتوي 24 زوج (كروموسوم).
فلو أنّ الإنسان له سَلَف مشترك مع القردة ,نتوقع إذاً أن يملك نفس العدد
لكن الغريب أنّ خلايا الإنسان تحتوي على 23 زوج فقط !
والسؤال المهم الآن هو :
لو كان التطوّر على حق فيما يتعلق بفكرة السلف المُشترك,أين ذهب الزوج الآخر من الكروموسومات ؟
حسناً (يقول د. ميلر) ,نظرية التطوّر ستضع الآن تنبّأ قابل للتجربة!
في مكانٍ ما من الجينوم البشري يجب أن يكون هناك شريط لاصق بين كروموسومين ,بحيث يكون من بين 24 زوج ,كروموسومان ملتصقان مع بعضهما البعض لتشكيل 23 زوج فقط !
(تظهر صورة تخطيط واضح لهذا الكلام)
لو لم نتمكن من إيجاد ذلك (يضيف د. ميلر) فإنّ فرضية السَلَف المشترك خاطئة .ونظرية التطوّر هي غلطة كبرى!
(يعود المذيع للكلام الآن)
لحلِ هذا اللغز أظهر ميلر إكتشاف العُلماء لماضينا التطوّري المدفون في الكروموسومات التي يحملها جميع البشر!
عادةً على طرفي كلّ كروموسوم نجد علامات وراثية خاصة (لونها أزرق) قطع من الحَمض النووي المُسمّى (تلوميرز)
Telomeres
بينما في وسط الكروموسوم نجد عادةً علامات وراثية أخرى (لونها أحمر) تُسمى (قُسيم مركزي) أو
Centromeres

لكن لو أنّ طفرات حَدثت في الماضي وتسبّبت في إنصهار كروموسومين
يجب إذاً أن نجد أدّلة في تلك العلامات الوراثيّة . و(إنتبهوا الآن جيداً)!
التلومير ستصير ليس فقط في أطراف الكروموسوم بل في الوسط !
وليس واحد فقط ,بل قُسيمين مركزيين
Centromeres
(سأرفق صورة لشريط كرموسوم توّضح كلّ شيء ممّا ورد أعلاه,لكن الفيلم نفسه يعرض تفاضيل مهمة وواضحة جداً ,أنصح بمشاهدته)!

evolutiontheory

صورة :

فلو وجدنا بُنية كهذه في كروموسوماتنا ,سنفسر عندها لماذا الإنسان له زوج من الكروموسومات أقل من القردة .ولو لم نجد تلك البُنية سيكون التطوّر
Evolution
في مأزق كبير ,أليس كذلك ؟
يظهر العالِم ميلر الآن ليقول: آآ ها الجواب في الكروموسوم رقم 2
جميع علامات إنصهار الكروموسومَين التي تنبّأنا بها بفضل فكرة السلف المُشترَك ,كلّها موجودة في الكروموسوم رقم 2
إنتهت القضيّة وبطريقة جميلة ,يقول ميلر بهدوء وإتزان كبير !
(طبعاً هنا أنا أتخيّل العكس يعني المشايخ المتخلفين أثبتوا نظريتهم بطريقة علميّة بحتة,أكيد سيطالبون بحرق كلّ إنسان مُخالِف لهم بالكاز)!
من هنا (يضيف ميلر) فإنّ التبّوء بتطوّر سَلَف مُشترَك قد تمّ البرهنة عليه
بواسطة هذا الإنبوب الذي تلاحظونه هنا .
(تظهر صورة شريط الكروموسوم)
إذاً الكروموسوم البشري الذي تكوّن من إنصهار كروموسومين من سلفنا المُشترَك هو الكروموسوم رقم 2
هكذا نكون قد وضعنا التطوّر في (تنبّوء) قابل للتجربة والإختبار ,وقد تحقّق وتأكّد لنا ما إفترضناه !
الآن يسأل المذيع :
إذاً عِلم الوراثة الحديث والبيولوجيا الدقيقة تؤيّد نظرية التطوّر؟
نعم يؤيدانها في أعظم وأدّق التفاصيل ,يجيب ميلر (ثم يضيف) :
وكلّما إقتربت الملاحظة من تفاصيل الجينوم البشري ,كلّما كانت الأدلّة أقوى! (ترجمة قناة التنوير الوثائقية) !
***
الخلاصة :
الآن بعد هذه المُحاكمة التأريخية وعلى رأيّ الأحبّة المصريين المفروض خلاص خلصنا ! خلصت الليلة وإنتهت الحفلة والهلّمة والتطبيل والتهريج المُثار من أعداء العِلم والنجاح الذي إستمر حوالي قرنين من الزمان!
اليوم لم يعد هناك إعتراض ,سؤال ,تشكيك ,جدَل (مقبول أو غير مقبول/ عقلاني أو سخيف),إلّا وأجاب عنه العُلماء بمنتهى الوضوح والتفصيل!
فمن لا يريد أن يفهم ,فذنبه على جنبه وعلى كسله الفكري وإبتعاده عن محاولة القراءة العلميّة ,حتى البسيطة الواضحة منها كما في هذا المقال الذي بين أيديكم !
ولا تقولوا لي :بماذا سنستفيد إذا فهمنا الحقيقة أم لم نفهم؟
فالجواب تعرفونه حتماً ,حيث تأثير الخرافات على حياة المؤمنين بها يبدأ من ساعات الصباح الأولى ويستمر مع جميع تفاصيل الحياة طيلة اليوم وحتى خلال النوم والحُلُم ! أليس كذلك ؟
***
رابط الشريط :

تحياتي لكم

رعد الحافظ
24 يونيو 2016
ليلة منتصف الصيف
Midsommar
في مملكة السويد !

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.