إعادة النظر في استراتيجية الأمن الأميركية

هانز بنينديجك: الشرق الاوسط

طلب وزير الدفاع الأميركي الجديد، تشاك هاغل، من البنتاغون إعادة النظر في الاستراتيجية العسكرية الأميركية في ضوء تخفيضات الميزانية التي سببها خفض العجز في الميزانية وخطة الخفض التلقائي للنفقات. وهذه العملية من شأنها في نهاية المطاف أن تجذب انتباه وزير الخارجية جون كيري وسوف تحمل بصمة العضوين الجديدين في حكومة الرئيس أوباما. سوف يتم تضمين النتائج في استراتيجية أمن قومي جديدة من المقر وضعها في وقت لاحق من هذا العام، الأمر الذي من شأنه أن يولد قدرا أكبر من مشاركة الحمل بالنسبة لحلفاء وشركاء أميركا.

عمل كل من كيري وهاغل في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ مع أوباما ونائبه جو بايدن. كان الرجلان قد تعرضا لإصابة في فيتنام ويدركان ثمن الحرب. وتربط كلاهما صلات قوية بأوروبا، كما أن لديهما نية لتوظيف المساعي الدبلوماسية إلى أقصى مدى ممكن قبل التحول إلى القوة العسكرية. سوف تجد آراؤهم آذانا صاغية.

إن بعض أجزاء استراتيجية أمن قومي جديدة مطروحة بالفعل على الطاولة منذ فترة ولاية أوباما الأولى. وهناك حربان أميركيتان على الأرض – في العراق وأفغانستان – وسوف تنتهيان، مخلفتين بصمة أميركية أكثر ضآلة في المنطقة.

لا يزال تنظيم القاعدة نشطا، لكنه في حالة انسحاب. إن عمليات استئناف المناقشات مع الخصوم المحتملين والحقيقيين لم تسر على ما يرام بشكل عام، لكن في معظم الحالات، تستمر المحادثات. لقد أنعش مفهوم استراتيجي جديد تبناه حلف شمال الأطلسي (الناتو) التحالف. كانت استراتيجية الحرب التي انتهجها أوباما مع ليبيا تعرف على نحو تهكمي بمسمى «القيادة من الخلف»، لكنها أجدت نفعا. يظل الصين منافسا؛ دفع صعوده الولايات المتحدة للتركيز على آسيا.

ولتهيئة الساحة لاستراتيجية جديدة، نشر مجلس الاستخبارات الوطني مؤخرا تقرير «الاتجاهات العالمية لعام 2030»، الذي يرسم تصورا لعالم من القوة المشتتة يتحول بشكل متزايد باتجاه الشرق والجنوب؛ وتمكين لاعبين جدد، بعضهم سيكون له قدرة على الوصول إلى تقنيات معيقة؛ ومزيج مالثوسي جديد من الاتجاهات الديموغرافية ومتطلبات موارد أكبر يمكن أن تجعل العالم أكثر خطورة. لأول مرة في تاريخ هذه التقارير، تتضمن الوضع الاستراتيجي الأميركي المستقبلي بوصفه عامل تغيير محتملا لقواعد اللعبة على المستوى العالمي.

ينبغي ألا تكون أي استراتيجية جديدة مدفوعة بالميزانية، ولكنها ستكون متأثرة بها. إن المدخرات المتحققة من إنهاء الحربين لا تتم إعادة استثمارها في الجيش؛ بل ستأتي في صورة مكاسب متعلقة بإرساء السلام. قد تقلل استراتيجية الخفض التلقائي للنفقات بشكل هائل من تلك الحصة من المكاسب.

باختصار، تواجه الولايات المتحدة عالما أكثر خطورة تقل فيه موارد الأمن القومي. سوف تحتاج الاستراتيجية الأميركية الجديدة إلى القضاء على المخاطر الأكبر وامتصاصها أو بناء شراكات عالمية أقوى من أجل إنجاز المهام غير المنجزة.

يقترح الكثير من المفكرين البارزين استراتيجية تعرف باسم التوازن الخارجي، والتي تتضمن قدرا من خفض النفقات. وسوف توظف تأثير الولايات المتحدة عبر قوى إقليمية وتقوم بسحب معظم القوات البرية الأميركية من أوروبا والشرق الأوسط. ويرى معارضو استراتيجية التوازن الخارجي أنها قد تؤدي إلى انفصال الولايات المتحدة وانهيار محتمل لتحالفاتها.

ويتمثل أسلوب بديل من المرجح أن يجذب انتباه كيري وهاغل في الشراكة الأمامية. وهذا الأسلوب الذي تم إعداده في جامعة الدفاع الوطني، قد يستمر في الضغط من أجل نشر قوات أميركية في الصفوف الأمامية، ولكن بهدف جديد، ألا وهو تمكين الشركاء الدوليين لأميركا من التعاون في العمل مع القوات الأميركية وتشجيع الشركاء على أخذ المبادرة في دول جوارهم.

يتوافق هذا مع تدفق الاستراتيجيات السابقة: إبان الحرب الباردة، احتوت الولايات المتحدة الأعداء لحماية الشركاء؛ وخلال إدارة كلينتون، «ضخمت» الولايات المتحدة عدد الشركاء الدبلوماسيين، والآن، سوف تقوم الولايات المتحدة بـ«تمكين» الشركاء لمساعدتنا في حفظ الاستقرار العالمي.

تتركز فكرة الشراكات الممكنة في واشنطن. في جاكرتا الأسبوع الماضي، شدد نائب وزير الدفاع الأميركي آش كارتر على أهمية إحياء الشراكات في مجال الدفاع، مع تركيز واشنطن على آسيا.

سيتمثل شركاء أميركا في هذه الاستراتيجية في حلفائها الأوروبيين والآسيويين التقليديين، إضافة إلى أنظمة ديمقراطية ناشئة، على شاكلة البرازيل والهند وإندونيسيا. قد تشكل منظمات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي شراكات طبيعية لتنفيذ عمليات إقليمية.

سوف تضع الشراكة الأمامية تصورا لتقسيم عالمي للعمالة. وسوف تركز وزارة دفاع هاغل على التحضير لعمليات قتالية بارزة ولعمليات خاصة بمكافحة الإرهاب وسوف تتعاون قوات العمليات الخاصة الأميركية أيضا مع شركاء من أجل ضمان تحقيق أقصى قدر ممكن من التبادل العسكري وتوفير عوامل تمكين للجيش مثل إعادة التزود بالوقود في الجو، والتي ليست متاحة لهم.

سوف تسعى وزارة خارجية كيري لتشجيع الشركاء على مراقبة دول جوارهم والتركيز بصورة أكبر على عمليات إرساء الاستقرار. في المقابل، سوف يكون للشركاء تأثير أكبر في عملية صنع القرار العالمية. ليست هذه مهمة صعبة بعيدة الاحتمال؛ فالعمليات الحالية في ليبيا ومالي تعتبر بمثابة أمثلة لها.

علاوة على ذلك، فإن أوروبا تقوم أيضا بخفض ميزانيات الدفاع، ومن ثم، سوف تحتاج جهود «الدفاع الذكي» من جانب حلف الناتو لمشاركة الأسلحة إلى اتخاذ شكل أكثر قوة. إن حلفاء أميركا الآسيويين بحاجة إلى اتخاذ إجراءات متعددة الجوانب بدرجة أكبر. سوف يزداد حجم المساعدات والتدريب الممنوح من قبل أميركا للشركاء الأفقر بصورة هائلة. كذلك، فإن اتفاقيات التجارة الحرة المقترحة على آسيا وأوروبا من شأنها أن تدعم استراتيجية الشراكة الأمامية بتوطيد الروابط السياسية مع شركاء لهم العقلية نفسها وأيضا بتعزيز اقتصاداتهم.

إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة التوازن دون انسحاب. ويحقق البقاء في موضع أمامي بهدف تمكين الشركاء من مشاركة مسؤولياتهم الأكبر ذلك الطلب.

صاغ هانز بنينديجك عدة استراتيجيات أمن قومي أثناء عمله كمدير رفيع المستوى في مجلس الأمن الوطني التابع لإدارة كلينتون. وهو حاليا زميل رفيع المستوى بمركز العلاقات عبر الأطلسي بجامعة جون هوبكنز.

* خدمة «نيويورك تايمز»

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.