مطالعة صور الشوارع الخربة المدمرة لما كانت في يوم من الأيام عاصمة «داعش» يذكّرنا بالقوة العسكرية القاسية، والفاعلة، والساحقة للولايات المتحدة الأميركية.
ولعلها تعد تقديراً للطبيعة الحتمية للقوة الأميركية، في حالة من أبرز حالات الإعلان عن ذاتها، لدرجة أن سقوط مدينة الرقة بهذه الطريقة لم يحرك إلا أقل القليل من المناقشات العامة خلال الأسبوع الماضي. وفي حين ركز المعلقون آراءهم حول ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب قد هوّن من شأن آباء وأمهات المقاتلين الأميركيين الذين سقطوا في ميدان القتال، بيد أنه، وبالكاد، قد لفت انتباههم أن جيش بلادهم قد نجح في إنجاز هدف كان يبدو قبل ثلاث سنوات كغاية مضطربة وبعيدة المنال.
إن أكوام الركام وأنقاض المنازل التي كانت ذات يوم مأوى الإرهابيين وجلاوزة التعذيب تبعث برسالة واضحة وتنقل للأفهام درساً لا ينقصه الصواب، وهو حق وحقيقة مثل ما كان الأمر في عام 1945: من الخطأ والعبث استفزاز الولايات المتحدة. قد يستغرق الأمر من البلاد قدراً من الوقت للرد على تهديد من التهديدات، ولكن بمجرد دوران عجلات الآلة الأميركية العملاقة، فما من سبيل قط لإيقافها، ما دامت هناك إرادة سياسية فاعلة وراسخة تمهد لها الطريق وتفتح لها الأبواب.
إن حملة الرقة تذكرة ماثلة لشيء نادراً ما نبصره في هذه الأيام المثيرة للتشرذم والانقسام، ألا وهو استمرار احترام الولايات المتحدة لالتزاماتها المعلنة من عهد الإدارة السابقة إلى الإدارة الحالية. وبكل تأكيد، كان الأمر برمته مشروعاً مشتركاً وممتد الأثر والمفعول. ويستحق الرئيس ترمب نسب الفضل إليه في تسريع وتيرة الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي ومنح قادة الجيش الأميركي المزيد من السلطات والصلاحيات. بيد أن الاستراتيجية الأساسية – والإرادة الماضية لمقاومة ومحاربة الإرهابيين في المقام الأول- يُنسب الفضل فيها إلى الإدارة السابقة.
ولسوف يقوم الرئيس ترمب، الواثق من ذاته للغاية، بدعوة الرئيس السابق أوباما إلى البيت الأبيض للالتقاء مع القادة العسكريين والضباط والجنود العائدين من ساحة المعركة. ومن شأن هذه الاحتفالية أن تذكّر العالم بأسره أن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على الوفاء بكلمتها رغم اختلاف الإدارات الحاكمة للبلاد. والرئيس ترمب، الذي لا يزال يساوره بعض القلق بشأن سلطاته، يبدو غير قادر – على نحو تام – على التحلي بهذا القدر من السخاء والكرم.
وبالنظر إلى بداية الحملة يمكننا أن نتذكر كيف كانت الأوضاع في منتهى الهشاشة في بادئ الأمر. كان اجتياح «داعش» مريعاً في صيف عام 2014، من اكتساح الموصل والاندفاع مثل الإعصار الأهوج عبر المناطق السُّنية في سوريا والعراق، حتى انهارت خطوط الدفاع وقتذاك، وبدت العاصمة الكردية أربيل في خطر داهم ومحدق، وكذلك كانت بغداد.
وطالب الرئيس السابق أوباما، كشرطٍ وضعه قبل التدخل العسكري الأميركي في المنطقة، أن تحصل بغداد على حكومة جديدة تكون أكثر مقدرة على كسب ثقة وولاء السكان السُّنة في البلاد. ولقد كان على حق في ذلك، ثم تحقق له ما أراد باستبدال حيدر العبادي بنوري المالكي في منصب رئيس وزراء العراق، والذي كانت قبضته تبدو أكثر رسوخاً وثباتاً عما توقعه المراقبون العراقيون في بداية الأمر.
ولما أعلن الرئيس أوباما عن هدفه بتحطيم ثم تدمير تنظيم داعش تماماً، بدا الأمر كأنه هدف حرب مشروطة وبليدة. ولم يساعد وقتها أنه لم يوافق أحد قط على مسمى العدو الذي يُعرف إعلامياً باسم «داعش» اختصاراً. وكانت الولايات المتحدة في أدنى درجات الحماس العسكري لشن هذه الحرب الجديدة بعد المعارك المطولة والمحبطة التي خاضتها ضد جماعات التمرد الإرهابية في كلٍّ من العراق وأفغانستان.
وواجهت الحملة بداية بطيئة وغير مشجعة على الإطلاق. وطالبت العشائر العراقية الكائنة في وادي نهر الفرات بمساعدات من الولايات المتحدة، وكانت المساعدات متثاقلة في أول الأمر. وكانت الفوضى عارمة في صفوف الجيش العراقي حتى بدأ البرنامج الأميركي للتدريب على مكافحة الإرهاب في إظهار القوة القتالية الحقيقية. لكن، وعلى نحو تدريجي، وخفيٍّ في أغلب مراحله، تغيرت ملامح المعركة تماماً؛ إذ تمكنت القوات الجوية الأميركية من القضاء على عشرات الآلاف من جنود «داعش» وعناصره على الأرض، مع الطمس التام لكل من حاول إثارة أي إشارة ولو كانت رقمية. وكانت البيانات العسكرية الأميركية شحيحة ومقتضبة للغاية بشأن هذه الحملة القاسية، غير أن المقاتلين السوريين والعراقيين عاينوها معاينة المبصر الواعي، ولحق الناس كعهدهم بجموع المنتصرين.
وعبر مشاهدتي لمختلف ملامح هذه المعركة وهي تتبدى منكشفة خلال العديد من زياراتي إلى العراق وسوريا، وضعت إصبعي على عاملين مهمين كان لهما أبلغ الأثر في تغيير مجريات القتال: أولاً، وجود الحلفاء الملتزمين الذين اعتمدت عليهم الولايات المتحدة هناك. وكان الأكراد من أشرس المقاتلين وأكثرهم تمرساً، وأعني مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وميليشيات البيشمركة بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى جانب وحدات الحماية الشعبية الكردية في سوريا. لقد حافظوا ودافعوا عن مواقعهم وواصلوا القتال وسقط منهم الكثير من الرجال (وهذا الولاء الكردي جدير بالذكر والثناء الآن، في خضمّ متاعبهم وآلامهم الراهنة). ولقد توسعت رقعة التحالف المناهض لتنظيم داعش الإرهابي مع تعزيز قوات الجيش العراقي، فضلاً عن تجنيد المزيد من المقاتلين السُّنة على أيدي وحدات الحماية الشعبية الكردية، وضمهم إلى التحالف الموسع الذي حمل مسمى قوات سوريا الديمقراطية.
وتمخض النصر عن التحام هؤلاء المقاتلين مع القوة النيرانية الأميركية المهلكة. ويمكن للولايات المتحدة توجيه مختلف الضربات عبر مختلف المنصات: الطائرات الحربية المسيَّرة، والمقاتلات الحربية ثابتة الأجنحة، مع وحدات المدفعية المتقدمة. وخراب الرقة يجعل الأمر يبدو كأننا قد قصفنا كل شيء هناك، ويتعين على الولايات المتحدة إجراء تحليل ذاتي للخسائر المدنية في الأرواح خلال تلك الحملة الشعواء. ومن أفضل جسور العبور للمستقبل القادم هو اعتماد حد الأمانة والصدق مع الذات في تقدير التكاليف البشرية لهذه الحرب، ومسؤولية الولايات المتحدة عن الأخطاء التي لا بد أنها ارتُكبت في ضباب المعارك الضروس.
وتكمن المشكلة الحقيقية مع هذه الحملة في أنها منذ البداية كانت تستند إلى الهيمنة العسكرية المشيدة على أسس غير راسخة من القرارات السياسية. وهذا الأمر لا يزال صحيحاً حتى الآن. لم تكن هناك استراتيجية سياسية واضحة المعالم لدى الرئيس باراك أوباما لإقامة نظام إصلاحي ممتد في سوريا والعراق لما بعد سقوط «داعش»، ولا يملك الرئيس الحالي ترمب هذه الاستراتيجية كذلك. إن مؤسستنا العسكرية ذات فعالية فائقة في مجالات عملها من دون شك، غير أن مشكلات الحكم الدائمة على أرض الواقع، لا يمكن دوماً حلها بالوسائل العسكرية فحسب.
*خدمة «واشنطن بوست»
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
فواد الكنجي شاعر من جيل الثمانينيات
Published by:فواد الكنجي#شاهد لاجئ تركي من ظلم #أردوغان يقول: الصليبيون سبوقنا بالاف الاميال بالاخلاق
Published by:مفكر حر#شاهد صحفي يقول: #الإخوان خونة يكذبون باسم الدين وسبب دمار #تونس
Published by:مفكر حرحلّ أزمة ألأقتصاد العراقيّ – ألقسم آلثانيّ
Published by:عزيز الخزرجي*المانيا تودع ميركل...*
Published by:مفكر حرعيسى ابراهيم: حول طلب السيد رامي مخلوف رأي من متابعيه اليوم ، أقول
Published by:مفكر حر#سناء_العاجي: "أخلاقنا الفاضلة، بين #نادي_الجزيرة و #تطوان..."
Published by:مفكر حر#شاهد زواج التجربة و تعليق ناري من #ماغي_خزام
Published by:مفكر حرأحباءنا فى #باريس
Published by:مفكر حرازاي تلبسي لحد الركبه بالشرع ؟
Published by:مفكر حر"هاتشي-كو" عنوان الوفاء
Published by:مازن البلداويومضات من تاريخ الاشوريين بعد اعتناقهم الديانة المسيحية ( الجزء الاول )
Published by:مفكر حرضجه وهلع وهجوم علشان مذيع كويتى إسمه #محمد_المؤمن يترك الإسلام ويعتنق المسيحية !
Published by:رشا ممتازحقيبة الكتب :أو جني الثمار
Published by:مفكر حر( خواطر يهودي دمشقي يعيش حاليا في دولة إسرائيل )
Published by:مفكر حرما هو موقف القانون السوري من إعلان #الإلحاد على الفيسبوك..؟
Published by:مفكر حر#شاهد الناشطة #ريما_ديب تسخر من التجديد ل #ميشيل_عون سنة 2024
Published by:مفكر حرالمناورات الإيرانية تجاه إدارة بايدن انطلقت
Published by:مفكر حرتلوث الهواء إلى جانب فيروس كورونا يخنقان المدن الإيرانية الكبرى
Published by:حسن محموديقراءة في كتابات عصمت شاهين دوسكي
Published by:عصمت شاهين دو سكيرئيس الإستخبارات السعودية خالد الحميدان يتحدث لوزير لبناني سابق عن فساد سياسيهم
Published by:مفكر حرمن قتل السيدة عائشة؟
Published by:مفكر حردولة الخلافة الأسدية
Published by:سليمان يوسف يوسفقراءة لتقاطع القرآن لظرفي الزمان والمكان
Published by:يوسف يوسففيلم القاهرة 678
Published by:أسامة حبيبكتاب "عيلبون – التاريخ المنسي والمفقود"
Published by:مفكر حرباْيدن وكورونا … وسقوط قناع الخديعة
Published by:سرسبيندار السندي#شاهد سعودية تغضب الكثير من أبناء بلدها بعد نشرها فيديوهات حميمية مع زوجها
Published by:مفكر حر#شاهد ماذا اهدى النائب من اصل سوري #عمر_الغبرا رئيس وزراء #كندا #ترودو مع #ماغي_خزام
Published by:ماغي خزامعلم الجينات يؤكد أن الأمازيغ ذو منشأ شامي
Published by:مفكر حر#ألين_سكاف زوجة هنيبعل معمر #القذافي المقيمة في #دمشق تدهس شرطيين قرب #مشفى_المواساة
Published by:زياد الصوفي#شاهد المذيع الكويتي محمد المؤمن، يعلن خروجه من الإسلام واعتناقه المسيحية
Published by:أمل عرافةلا حدا يصدق ان طرح العملة السورية فئة ٥٠٠٠ آلاف هو انهيار او تعويم الها
Published by:مفكر حررؤوسائنا و ترودو؟
Published by:عزيز الخزرجيكورونا في ظل أزمة العالم وتحطم نظامه
Published by:فواد الكنجيتبادل الزوجات عند العرب قبل وبعد الإسلام
Published by:صباح ابراهيمنبوءة عرّاف السلام
Published by:ميسون البياتي#ترامب و #كورونا و #الدولة_العميقة … والصدف
Published by:سرسبيندار السنديالإيكونوميست الامريكية: الشعب الإيراني ينفرون من دين حكامهم ويدخلون بالمسيحية
Published by:أديب الأديبهروب 1.5 مليون من أدمغة #إيران في عام واحد
Published by:حسن محموديبذائة الشامتون ...؟!.
Published by:ميخائيل حداداستنساخ فكرة انياب حزب البعث
Published by:اسعد عبد الله عبد عليفي أسئلة الرواية والتاريخ /
Published by:مفكر حر*أجرأ الأقوال السياسية*
Published by:ادوار حشوةلا بديل للإنتخابات ألعاجلة!
Published by:عزيز الخزرجييرفع علم عليه الشهاده أمام كنيسه القديس بطرس فى الفاتيكان: الإسلام موجود فى عقر دارهم
Published by:رشا ممتازتغريدات جديدة من #العراق الديمقراطي
Published by:علي الكاش#شاهد #محمد_المسيح #التاريخ_المبكر_للإسلام 85 هل القرآن ظهر في مجتمع وثني؟
Published by:مفكر حر#بوتين لديه طفلة غير شرعية من علاقة مع عاملة نظافة سابقة سفيتلانا كريفونوجيخ
Published by:أمل عرافة#شاهد السخافات التي يدرسوها لنا عن نشوء اللغة العربية واللغات العالمية
Published by:مفكر حرحول تصريحات الأسقف اليوناني أين هي أصوات إخاء الأديان من أسرة السيد المسيح؟
Published by:مفكر حرالشاعر محمد حسن محمد قصيدة: مرحاض الذهب
Published by:مفكر حررسالة من ام #سورية الى ولدها المغيب بسجون #الاسد الرهيبة
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on #شاهد الناشطة #ريما_ديب تسخر من التجديد ل #ميشيل_عون سنة 2024
- س . السندي on ازاي تلبسي لحد الركبه بالشرع ؟
- س . السندي on ومضات من تاريخ الاشوريين بعد اعتناقهم الديانة المسيحية ( الجزء الاول )
- س . السندي on بذائة الشامتون …؟!.
- س . السندي on حول تصريحات الأسقف اليوناني أين هي أصوات إخاء الأديان من أسرة السيد المسيح؟
- صباح ابراهيم on يرفع علم عليه الشهاده أمام كنيسه القديس بطرس فى الفاتيكان: الإسلام موجود فى عقر دارهم
- صباح ابراهيم on حول تصريحات الأسقف اليوناني أين هي أصوات إخاء الأديان من أسرة السيد المسيح؟
- saad on حول تصريحات الأسقف اليوناني أين هي أصوات إخاء الأديان من أسرة السيد المسيح؟
- دكتور سيتى شنوده on بايدن أمام ثلاث سياسات تجاه الشرق الأوسط
- تحوتمس الثاني on حول تصريحات الأسقف اليوناني أين هي أصوات إخاء الأديان من أسرة السيد المسيح؟
- عبدالباسط الازرقابي on من نحن
- من صدد on قصة من بلدتي.. #صدد
- talal al khoury on لماذا خسر ترامب الانتخابات؟
- س . السندي on #شاهد #الأسد يعلن عن دين جديد في #سوريا و #ماغي_خزام تصفه بالشيطاني
- ابو حيان الماوردي on هل يجوز ان ( تفسي ) جنب مراتك ؟
- John mahfoud on شاهد تطاول على العقيدة المسيحية بأنها هشة و محرفة فأتاه الرد الساحق من الاعلامية ماغي خزام
- Abdulnasser alnabulsi on شذوذ ام كلثوم
- سيباويه العراقي on تغريدات القرضاوي
- س . السندي on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- Ben cheikh jamila on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- س . السندي on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- Imad on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- aram on #شاهد #كمال_اللبواني يرد على #أنس_العبدة فاضحاً فساد #الإئتلاف_السوري_المعارض.. هههه لم نرهم عندم سرقوا ولكن رأيناهم حين اختلفوا
- talal al khoury on اساطين القانون: يعرضون كيف يستطيع ترامب ان يفوز بقضية تزوير الانتخابات امام المحكمة العيا
- talal al khoury on نهاية التاريخ والانتخابات الامريكية
- دحيه الكلبي القرشي on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مفكر حر on فيلم الكنز :الحقيقة والخيال
- س . السندي on فيلم الكنز :الحقيقة والخيال
- جابر on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مسعود الاذقاني on #شاهد الشيخ العراف #رامي_مخلوف وتنبوءات 2021