أنا من الأقلية

أنا من الأقلية

مارثا فرنسيس

انا من الأقلية لكنني مصرية، ولدت على ارض مصر ، من ابوين مصريين بجنسية نقية ـ كما يسمونها الآن! في طفولتي المبكرة لم استطع تمييز ان هناك اناس غير مسيحيين وحتى بعد التحاقي بالمدرسة الابتدائية، فقد تربيت على ان احب الآخرين دون تسميتهم او حصرهم في فئة معينة، ولمست الحب المتبادل بين والديَّ والجيران والاصدقاء بدون تحديد، وبدأت افهم واميز ان هناك اشخاص مختلفين عني وهم المسلمون، وذلك من من خلال مُدرسي اللغة العربية ومن خلال التاريخ الهجري المكتوب على يسار السبورة وأسماء زملاء وزميلات الفصل والمدرسة وحصص الدين؛ التي كنا ننفصل فيها الى مجموعتين فيبقى المسلمون في الفصل ونخرج نحن المسيحيون لننضم الى مسيحيين آخرين من فصل آخر لقلة عددنا ، ونعود بعد انتهاء الحصة الجبرية الى اللعب والكلام والمشاغبة مع بقية الزملاء والزميلات بكل براءة وفرح الطفولة، احاديثنا والعابنا بعيدة كل البعد عن مجرد التعرض لدين كل منا- بينما اصبح اطفال المرحلة الابتدائية اليوم ، يسألون السؤال الذي لم يكن له وجود في طفولتنا وشبابنا( انت مسلم ولا مسيحي)؟
عشت أجمل ايام الطفولة والصبا وانا اعرف ان هناك طائفتين لديانتين مختلفتين ولكن في الواقع لم اعرف معنى كلمة التعصب ولا كيف يمكن لأحد المنتمين الى طائفة منهما ان يعادي المنتمين للطائفة الأخرى،ولم اواجه مطلقا خلال هذه المراحل من حياتي اي شكل من اشكال التمييز بيني وبين الآخرين على اساس الدين. وفي الجامعة كانت بداية ادراكي لمعنى كلمتي (تعصب وتطرف) بشكل عملي، فهذا الاستاذ يفصل بين الطلبة والطالبات في المدرج، والآخر يسأل في الامتحانات الشفوية عن الاسم الثلاثي بدون سبب واضح ، وكانت المرة الأولى التي ارى بعيني زملاء يُحرمون من التعيين كمعيدين بسبب انهم مسيحيين رغم تقديراتهم ومستوى ابداعهم وتحصيلهم الدراسي! رأيت زملاء وزميلات تغير مسار حياتهم نتيجة عدم تحقيق حلمهم الذي كانوا يحلمون به وكانوا يخططون مستقبلهم على اساسه رغما عنهم وبدلا من العمل في التدريس بالجامعة قبلوا التعيين في وظائف اخرى .
سؤال ظل يراودني منذ أيام الجامعة وحتى الآن: هل لأنني من الأقلية يتم حرماني من حقوقي أو من بعضها؟ هل أنا مواطنة كاملة المواطنة أم أنني ناقصة الحقوق لأنني من الأقلية العددية؟
. الأقلية قي تعريفها إما أقلية عددية كبعض المجموعات العرقية أو الدينية كالأفارقة الأمريكيين أو الكاثوليك في الولايات المتحدة مثلاً، وإما أنها أقلية بحكم وضعها الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي المهمش بفعل طغيان الأغلبية المهيمنة، الأقلية هي أية مجموعة تتلقى معاملة غير متساوية مع باقي المواطنين بسبب صفات جسدية أو ثقافية أو اجتماعية خاصة بها، حسب التعريف السائد للأقلية كما وضعه عالم الاجتماع الأمريكي اليهودي لويس ويرث.
وسواء تم القياس على حسب الأقلية العددية أو مقياس التهميش، فإننا يمكن أن نشتق عدداً لا نهائياً من الأقليات عملياً من أية مجموعة تعتقد بأن لديها قضايا مشتركة تميزها عن غيرها. فالطلاب بهذا المعنى أقلية، وكذلك المتقاعدين… ومن يزاولون أية مهنة من المهن يبقون أقلية في المجتمع، وفي الغرب يعتبر المثليون جنسياً أقلية، وكذلك يعتبر المعاقون حركياً أو ذهنياً، وهناك أقليات اقتصادية مثل العاطلين عن العمل أو الفقراء من العمال (تمييزاً لهم عن العمال غير الفقراء)، ناهيك عن الأقليات العرقية أو الدينية، وهكذا.
، الأقلية التي انتمي اليها لا يعيبها قلة عدد المنتمين اليها، لأنها تندمج في المجتمع وتتفاعل معه، لاتنعزل او تنغلق على نفسها، لا تعيش في كيتونات أو حواري بل تنتشر في طول البلاد وعرضها. أقلية تشارك في نهضة بلدها ورفاهيتها.
انا من الأقلية ولكني جزء من هذه الأرض؛ مصر وطني هي جزء مني، عشت على ارضها وعاشت في قلبي ووجداني كل ايام عمري.
انا من الأقلية المسيحية ولكنني مصرية ، اعشق بلدي مصر، اجمل ذكرياتي على ضفاف نيلها ، وفي حدائقها ، اجمل ايامي على شواطئ بحورها ، كل مرحلة من حياتي تحمل الكثير من الذكريات المرتبطة بالأماكن والمباني والاشخاص، احب ترابها وشوارعها ومبانيها، أهوى سمائها وهوائها ، اعشق ربيعها وشتاءها ،فجرها وليلها، انا من الاقلية ولكني انتمي لهذا البلد وهذه الأرض، معرفتي عن حب الوطن هي ان يكون في قلبي رصيد من المحبة الغامرة لشعبي ووطني، التي لا تنتظر تشريع او دستور لتفعيلها، حبي لوطني هو حب للانسان دون تدخل في قناعاته الشخصية، حبي لوطني هو ليس فقط ان احلم واتمنى له الخير بل ان اقوم بدوري وواجبي ليكون هذا الوطن منارة عالية مضيئة.
من يدعي انه مصري فليحب مصر، من يحب مصر لايدعي امتلاكها، من يحب مصر يحب اهلها وشعبها وأبناءها، من يحب مصر يحب كل مصري بغض النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي أو السياسي.
من يحب مصر يبحث عن كل الطرق والوسائل التي تحقق سلامها وامانها ونموها وتطورها،
من يحب مصر فليعطي لها ولشعبها كفاحه وإبداعه ووقته كدليل على هذه المحبة، لم تكن ابدا المحبة امتلاك او قوانين او سيطرة او فرض رأي ، لا تجتمع المحبة و الانانية ابدا في قلب واحد.
دعوا مصر تستعيد قواها وتتمالك امورها من جديد بعد خيانة بعض من كانوا يدعون انهم ابنائها، دعوها تلتقط انفاسها وتتماسك ثانية، اتركوها تحاسب الظالمين وتفتح احضانها للمخلصين الحقيقيين. دعوها تهدأ وتبدأ من جديد، ليكن اهتمامكم بها عطاء وليس اخذا، ليكن حبكم لها اكبر من رغباتكم الشخصية، ومن افكاركم التي تريدون ان تفرضوها تارة بالخبث وتارة بالقوة واحيانا بتمثيل الحب، ليهتم كل منكم بتقويم حياته، فبكل تأكيد لن يقدم اي انسان حسابا عن انسان آخر بل عن نفسه فقط، اما مصر فهي للجميع بنفس الحق والحقوق والواجبات، ليس للأكثرية حقوقا اكثر نظرا لعددهم ولا يمكن اعتبار الأقلية اقل من مواطنين.

محبتي للجميع

About مرثا فرنسيس

مرثا فرنسيس كاتبة مسيحية، علمانية، ليبرالية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.