يموت بحسرته…

الصمت حول سرير المريض سعيد كان ثقيلا. يدخلون ويخرجون بصمت.. “هس.. هس ، سعيد وضعه صعب” . من المتوقع ان يلفظ انفاسه الأخيرة . لم يعد له علاج ملائم في المستشقى، فقط الأدوية لتسكين الأوجاع حتى قرار الله بعبده سعيد.
لم يكن سعيد من الذين أسعدهم الله بحياة زوجية هادئة. تزوج وطلق ثلاث مرات، رزق باربعة صبيان من الزوجات الثلاث .. حتى اولاده لم يتحملوا فجوره وغادروا الى غير رجعة. بعد طلاق الزوجة الأخيرة وقع في حفرة تعد للصرف الصحي، فاصيب اصابات بالغة برأسه وأعضائه الداخلية ويقال انه كان يلاحق احدى نساء القرية قريبا من بستان للزيتون في اطراف القرية.
سكان البلدة يتحاشون الاختلاط به، سيرته سيئة، شراسته أخرست الألسن ،ليس سرا ان سعيدا منذ شبابه لم يترك فتاة تفر من شره في القرية، فضائحه الأخلاقية تجاوزت الى البلدات المجاورة وعلى ذمة الرواة ان بعض حوادث قتل النساء بحجة شرف العائلة كانت بسبب ما ارتكبه سعيد بحقهن.
– هل أسلم الروح؟
– هس.. هس .. ما زال يتحرك.
الأقرباء بهمس وبشعور من الضيق يترقبون انتهاء ساعاته الأخيرة، وكانهم ينتظرون الفرج.
– لم يحضر احد من اولاده..؟
– هربوا من سوء تعامله… اين نجدهم ؟
ليسامحه الله. –
– ربما هناك ضرورة إستدعاء ابانا الخوري ليناوله قبل موته.
– هل ذلك سيكون سببا لخلاصه من عذابه؟
– قال الطبيب لن يصمد حتى العصر ..
– قرار الموت بيد الرب وليس بيد الأطباء ..
– قدم قهوة يا بني.. وأحضر الماء البارد.. وخفضوا اصواتكم يا جماعة.
– لماذا لم يحضر الخوري ليناوله ، لعل ذلك يختصر عذابه؟
فهم الأهل ان ذلك هو خلاصهم هم من الترقب الذي يبدو انه قد طال. اضاف آحدهم:
– لا بد ان يناوله الخوري لعل ذلك ينقذ روحه من عذاب جهنم .
رد عليه أحدهم:
– والله لو تضافرت جهود بابا روما وبطاركة اليونان وروسيا، لما انقذوا ظفرا منه لما ارتكبه بحق الناس من موبقات.
القصد من ذلك فضائحه الأخلاقية مع نساء القرية وشراسته التي جعلت العباد يتجنبونه ويقاطعونه في المناسبات.
– لم يترك امرأة من شره، حتى نساء عائلتنا عانين كثيرا من شره
– هس..هس .. بلاش فضائح. كفوا عن هذا الحديث الآن، عقابه لدى خالقه ، اعطونا شربة ماء.
– اذهب با بني الى خوري القرية ، قل له ان سعيدا بحالة حرجة وقد يغمض عينيه للمرة الأخيرة خلال الساعات القادمة ، نرجو حضورك لتناوله وتصلي عليه من اجل خلاص روحه.
– هل سيحضر الخوري حقا ؟
– على مهلك… واجب الخوري ان يخدم اهل كنيسته.
خلال نصف ساعة وصل خوري القرية بصحبة انجيل ضخم على غير عادته، وقد اثار انجيله الضخم نظرات الحضور، يبدو ان أبانا الخوري قد فهم ما تتساءل عنه العيون حيث قال:
– قررت ان أحمل هذا الكتاب لأظهر لسعيد كم كانت خسارته عظيمة لأنه لم يعرفه ولم يؤمن به كما ولم يعمل بتعاليم الرب ليسير على هدى الأخلاق المسيحية التي تأمر بالمحبة والعمل الصالح.
– شكرا يا ابانا ما سيفيده ذلك والموت يقاسمه السرير؟
– ابنائي ان طرق الله لا يعلمها البشر، واجبنا القيام بما يفرح القلوب ويرضي الخالق، ونسلم أمرنا لله وابنه المخلص يسوع المسيح.
– وهل تنفع توبته وهو في ساعاته الأخيرة؟
– هذا ليس من شاننا ان نحكم عليه، الملك الوثني العظيم قسطنطين عُمد مسيحيا وهو على فراش الموت، ومات مسيحيا. نحن ننفذ تعاليم الله بايصال بشارة الخلاص للبشر، من يقبلها فله ملكوت الله، كما يعلمنا الانجيل المقدس، ونحن لا نضع شروطا على الله لغفرانه او عدم غفرانه لبعض الناس.
دخل الخوري غرفة سعيد حيث كان وجهه شاحبا، ونظراته توحي ان ساعته لم تحن بعد.
القى الخوري التحية، فرد سعيد بصوت واهن:
اهلا ابونا… –
– بني..هل تسمح لي بالصلاة من أجل خلاص روحك؟
لم ينتظر جوابا من سعيد حيث بدأ بصلاة “ابانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك…” شاركه فيها كل المتواجدين في الغرفة الا سعيد حيث جال بنظره على من حوله وتعابير وجهه لا تعبر عن أي شيء.
وضع الخوري انجيله الضخم قرب رأس سعيد وهو يقول: “ليصفح الله لك عن خطاياك، كما صفح لنا عن خطايانا جميعا، وهو الذي ارسل ابنه المسيح من اجل انقاذ البشر من خطاياهم”.
فوجئ الجميع لاهتمام سعيد بالإنجيل.. وتسائل:
– ما هذا الكتاب الضخم يا ابانا؟
– انه الانجيل المقدس.
ونظر الخوري بعيون الأهل المتجمعين حول السرير، وكانه يقول لهم هل رأيتم فائدة احضار انجيل ضخم؟ تسأل سعيد:
– لماذا هو هكذا كبيرا؟
– مضمونه أكبر يا سعيد، انه يحمل تعاليم المسيح.
يا للخسارة ، لأنني لم اعرف هذا الكتاب الكبير من قبل؟-
– انه كبير بنصوصه وتعاليمه.
– يبدو انه كتاب عظيم.. لم اعرفه من قبل…
– كنت ضالا يا بني، حان الوقت لتطلب الغفران من الله، لتلقى وجهه بروح تائبة ونفس خاشعة.
– آه لخسارتي العظيمة…
– لا تتعب روحك يا بني، قبل هذا الكتاب ، ضع علامة الصليب على صدرك واطلب من الله وابنه المسيح الصفح والغفران.
قام الخوري بوضع علامة الصليب ثلاثة مرات فوق سعيد الممدد على السرير وهو يقول:”لتصفح له يا ابانا الذي في السماء عن خطاياه ، كان ضالا وتاب ، كان تائها ووجد الطريق”.
قال سعيد:
– اني أموت وحسرتي في نفسي… كنت بحاجة لهذا الكتاب الضخم.
استطرد الخوري:
– ليغفر لك الله آثامك مهما كانت .
أجاب سعيد:
. كان يجب ان اعرف هذا الكتاب الضخم من قبل-
– انها مشيئة الله ان تعود من ضلالك قبل موتك …الحجم لا اهميه له، المضمون له قيمة عظمى، وهو ما نريدك ان تؤمن به.
كم هي عظيمة خسارتي.. ساموت وحسرتي في قلبي.-
احتار الخوري من كلام سعيد، ولم يجد ما يضيفه الا تكرار ما قاله سابقا.
واصل سعيد:
– كنت بحاجة لهذا الكتاب الضخم .. آه من المي وحسرتي
?ما هي حكايتك يا بني، لم اعد افهمك.. أفصح لنفهم ماذا تقصد –
اشتد الألم على سعيد،التقط انفاسه، نظر في عيون المحيطين به، وقال:
اني الومكم لعدم معرفتي بهذا الكتاب حين كنت بحاجة اليه. –
قال كبير العائلة:
– وهل كنت تنصت لنصائحنا يا سعيد، حيث جلبت لنا الفضيحة تلو الأخرى لحماقتك ولسوء أعمالك؟
– نصائحكم لم تكن تنفعني، لو استمعت لكم لعشت ميتا في الحياة، ولكن هذا الكتاب كانت له ضرورته.
تبادل الأهل والخوري النظرات. التقط سعيد انفاسه وقال:
– اريد ان اروي لكم سبب حاجتي لهذا الكتاب حتى لا اموت وانتم على غير علم بما أقول، كنت عائدا من حقل والدي أقود عربة مليئة بالقش لإطعام القطيع وفي الطريق صادفت فتاة من اهل القرية عائدة مشيا في الظهيرة، أشفقت عليها ودعوتها لتصعد الى عربتي، فأنا أيضا أحمل قلبا رقيقا شفوقا… صعدت وجلست قربي خجلة. نظرت الى وجهها واعجبت بجمال عينيها، تناسق قسمات وجهها، وشعرت برغبة مجنونة لاضمها الى صدري واقبل عينيها ، تمنعت وقاومت، تغلبت عليها والقيتها وسط العربة فوق القش، كانت امامي ضعيفة وبكت. حاولت طمأنتها باني لن اسبب لها الألم فانا أحب النساء واعشق دلالهن.. وعندما كدت أوصلها هبط القش أكثر، هبط جسمها عميقا في القش .. حاولت رفعها لاعلو فوقها فانغرزت في القش اكثر.. محاولاتي باءت بالفشل.. وقد اقتربنا من القرية فاضطررت للتوقف عن محاولتي هذه حتى لا أورطها بمشكلة لا يعلم احد مداها. ولكن يا ابانا، لو كان بحوزتي هذا الكتاب الضخم ، لأضعه فوق القش، لكان لي عونا وما عانيت من فشل وحسرة لم تفارقني حتى اليوم…

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

الصراع الحربى والدعائى بين دين السنة ودين الشيعة فى العصر العباسى

أحمد صبحى منصور
الصراع الحربى والدعائى بين دين السنة ودين الشيعة فى العصر العباسى
كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية
الباب الأول : الأرضية التاريخية لنشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية
الفصل الرابع: تطور أديان المسلمين الأرضية فى العصر العباسى ( 132 ـ 658 هجرية ) (750-1258م )
الصراع الحربى والدعائى بين دين السنة ودين الشيعة فى العصر العباسى
اولا : الصراع الحربى والدعائى بين دين السنة ودين الشيعة فى العصر العباسى الأول ( 132 ـ 232 )
1 ـ اشتعل الصراع الحربى بين المتشيعين لعلى بن أبى طالب وأبنائه والدولة الأموية. تلون هذا الصراع بحرب كلامية بدأ فيها اختراع الأحاديث كحرب دعائية. اشتهر أبو هريرة بانحيازه للأمويين واختراعه أحاديث فى فضل معاوية ومن معه وفى التقليل من شأن على ، وقتها كان عبد الله بن عباسّ هو خصم أبى هريرة، إذ اشتهر ابن عباس بالدفاع عن بنى عمه من العلويين فى مواجهة الأمويين والزبيريين معا. وكان من الطبيعى أن يرد معسكر العلويين بوضع أحاديث فى فضل علىّ وآله وتسميتهم بآل البيت. اقتصرت الحرب الكلامية بالأحاديث على مجرد الرواية الشفهية ، ثم اتسع مجالها وتنوعها وتم تدوينها فى العصر العباسى حيث حملت الأحاديث الموالية للسلطة العباسية اسم السنة أو بتعبيرنا دين السنة.
2 ـ ونجحت دعوة سرية للشيعة فى تدمير الدولة الأموية سنة 132، وانجلى الأمر ليتضح أن القادة السريين للدعوة الجديدة ليسوا من نسل علىّ بن أبى طالب ، بل من بنى عمومتهم العباسيين. لذا استجد صراع مسلح بين العباسيين والعلويين فى ثورة محمد النفس الزكية، وبعد قتله و سجن أتباعه من كبار العلويين سنة 145 هجرية استمر الصراع العسكرى بين العباسيين والعلويين فى الحجاز،وكان منها ثورة الحسين بن على من نسل الحسن بن على ، وقد هزمه العباسيون فى موقعة ( فخ ) فى خلافة الهادى سنة 169 هجرية .
وقد نجا من مذبحة ( فخ ) اثنان هما: يحيى بن عبد الله الذى فرّ الى بلاد الديلم وأعلن الثورة فى أواسط آسيا فخدعه هارون الرشيد باعطائه الأمان ثم سجنه وقتله. أما الأخ الثانى فكان ادريس بن عبد الله الذى فرّ الى مصر سنة 172 هجرية ثم هرب منها الى المغرب الأقصى حيث أعلن ثورته، فبعث له الرشيد من قتله بالسم سنة 177. ولكن كانت جاريته حبلى فانتظر أتباعه البربر الى ان وضعت طفلها فأسموه ادريس وبايعوه بالخلافة . وأقاموا به دولة الأدارسة فى المغرب. وتتابعت ثورات أخرى للعلويين والشيعة ، مثل ثورة محمد الديباج ابن جعفر الصادق ، وقبله فى سنة 179 قتل الرشيد أخا للديباج هو موسى الكاظم ابن جعفر الصادق لأنه شكّ فيه. وكانت دولة الأدارسة ارهاصا بقيام الدولة الفاطمية الشيعية التى تأسست على أنقاض الأغالبة فى تونس ، ثم زحفت الى مصر والشام وأجزاء من العراق ، فى القرن الرابع الهجرى.
3 ـ في كل تلك الحروب بين العلويين والعباسيين فيما بين المغرب الأقصى وأواسط آسيا اشتعلت بينهما الحرب الدعائية التى تعتمد أساسا على الأحاديث. وهنا استدعى العباسيون اسم أبى هريرة ـ بعد موته بقرنين وأكثر ـ وأكثروا من صنع الأحاديث واسنادها اليه فأصبح أكبر راوية فى الدين السنى، وأضافوا اليه جدهم عبد الله بن عباس . ومع انهما معا ـ ابوهريرة وابن عباس ـ أقل الصحابة صحبة للنبى محمد الا إن العباسيين جعلوهما أكبر رواة الأحاديث فى الدين السّنى ، والأكثر شهرة وعلما بين الصحابة.
وفى العصر العباسى الأول ظهر أئمة الفقه ، وكان الفقيه الذى يخرج عن الدولة العباسية مستقلا برأيه يتعرض للاضطهاد كما حدث مع الشافعى ومالك ، وربما يتعرض للسجن والاغتيال كما حدث لأبى حنيفة، وقد قتلته الدولة العباسية وقامت بترويض تلميذية أبى يوسف وأبى الحسن فخدما الدولة العباسية و أسسا مدرسة فقهية ( حكومية ) متجاهلين معاناة واستقلالية استاذهما أبى حنيفة .
العصر العباسى عموما هو الذى شهد تدوين الدين السنى و تلوينه ليواجه الدين الشيعى الذى أتيح له أيضا التدوين والتلوين وسط مناخ ثقافى متسع باتساع الحركة العلمية والانفتاح على الثقافات اليونانية والشرقية.
4 ـ وكانت للتشيع مهارته الكبرى فى التسلل الى دين السّنة باصطناع الرواة والتخفى وراء أسماء الأئمة السنة وبذر أحاديث شيعية الهوى داخل الدين السنى ، وذلك موضوع شرحه يطول. إلا إن مهارتهم الكبرى تجلت فى انشاء فرق جديدة تبدو بعيدة ظاهريا عن التشيع. بعض هذه الحركات والتيارات ما لبث أن ابتعد عن التشيع ـ منشئه الأصلى ـ بعد أن حظى بأتباع كثيرين. أهم تلك التيارات المعتزلة ثم التصوف.
5 ـ ولد تيار المعتزلة قريبا جدا من التشيع مخاصما للدولة الأموية فاكتسب لقب ( المعتزلة ) الذى يعنى الخروج عن التيار الأساسى للدولة والمجتمع. وبالمناسبة فان ( الرافضة ) من ألقاب التشيع التى سادت فيما بعد وأصبحت علما على الشيعة، واللقبان معا ( المعتزلة والرافضة ) يرمزان الى نظرة الدين السنى السائد الى مخالفيه فى الفكر والعقيدة.وكان أبوحنيفة فى أواخر الدولة الأموية أحد قادة المعتزلة وظل طيلة حياته معاديا لرواة الأحاديث ونسبتها للنبى محمد ، وخصومته مع الأوزاعى وفقهاء العباسيين معروفة.ومهما يكن فقد خرج المعتزلة من حلبة الصراع الدينى وأفسحوا المجال للسنة والتشيع ثم التصوف الدين الأرضى الوافد فى القرن الثالث الهجرى.
الصراع الحربى والدعائى بين دين السنة ودين الشيعة فى العصر العباسى الثانى
( 232 ـ 658 )
شهد العصر العباسى الثانى ضعف الخلفاء العباسيين وتحكم القوى العسكرية فيهم. وأصبحت الخلافة العباسية مجرد رمز للدين السنى بينما يتحكم فى الدولة قادة وافدون بجحافل عسكرية من أواسط آسيا أتت لبغداد طلبا للسيطرة والسلطان.
بدأ العصر العباسى الثانى بالخليفة المتوكل الذى حكم فيما بين ( 232 ـ 247 ) وهو أسوأ خليفة عباسى فى ميدان التعصب. وقد أسقط العرب والفرس معا من الجندية وأحلّ محلهم الأتراك ، فتلاعب الأتراك بالخلافة والخلفاء فى عصر قوتهم فيما بين ( 232 ـ 334 ) .
ثم سيطر بنو بويه على الدولة العباسية (334 ـ 447 ) وكان هواهم مع الشيعة إلا إنهم خضعوا للخلافة العباسية التى أصبحت رمزا دينيا يمنحهم شرعية سياسية للحكم . ثم تلاهم السلاجقة ( 329 ـ 552 ) وكانوا متعصبين للدين السّنى فاضطهدوا الحجاج الأوربيين الآتين الى القدس فشجعوا المتعصبين الأوربيين على التنادى الى الحملات الصليبية التى أقامت ممالك لها فى سوريا والعراق وآسيا الصغرى وأسقطت دول السلاجقة فى تلك المناطق .
وغابت الخلافة العباسية بضعفها وانحلالها عن الصراع ضد الصليبيين فقام بالجهاد دول سنية متتابعة ومستقلة فى اطار الخلافة العباسية، وسرعان ما تنهار فيرثها قادة جدد من أتباعها.
بدأ ذلك بقيام دول الأتابكة فى عواصم الشام والعراق على أنقاض السلاجقة. واشتهر عماد الدين زنكى فى الموصل بالحرب ضد الصليبين فاشتهر ، وكان فى الأصل تابعا للملك السلجوقى محمد بن ملك شاه ، فأقام دولة بنى زنكى . وخلفه ابنه نور الدين زنكى فى جهاده ضد الصليبيين . وبرز من قواده آل أيوب ، ومنهم صلاح الدين الأيوبى الذى أقام الدولة الأيوبية على أنقاض الدولة الزنكية وضم اليها مصر بعد القضاء على الدولة الفاطمية فيها. ثم ورث المماليك سادتهم الأيوبيين وأجهزوا عليهم ثم على الوجود الصليبى.
ثالثا :دول التشيع المناوئة للعباسيين فى العصر العباسى الثانى
1 ـ فى العصر العباسى الأول أقام الشيعة دولة الأدارسة فى المغرب الأقصى فأقام العباسيون دولة الأغالبة فى تونس لتمنع امتداد الدعوة الشيعية الى مصر.
2 ـ فى بداية العصر العباسى الثانى قامت فى مصر دولتان مستقلتان ذاتيا فى اطار التبعية للدولة العباسية هما الدولة الطولونية ( 254 ـ 292 ) ثم الدولة الاخشيدية ( 323 ـ 334 )
3 ــ أثناء الدولة الأخشيدية فى مصر والشام نجح الفاطميون الشيعة فى اقامة خلافتهم فى المهدية بتونس سنة 296 بقيادة عبيد الله المهدى. وساءت الأحوال فى مصر أواخر الدولة الاخشيدية مما سهل على الفاطميين فتح مصر وجعلها مركزا للخلافة الفاطمية ، وأسست القاهرة والأزهر سنة 358 أو 972 ميلادية.
4 ـ وبدأ الصراع بين دينى السنة والشيعة يأخذ مجرى جديدا باقامة ملك الفاطميين فى مصر والشام وتوسعه فى أجزاء من العراق بل فى ضواحى بغداد نفسها حين استطاع البساسيرى دخول بغداد والدعاء فيها للخليفة الفاطمى المستنصر سنة 450 .
5 ــ اضطهد الفاطميون أتباع الدين السنى فى دولتهم ، وكان القتل والصلب جزاء من يعلن دينه السنى أو يضبط متلبسا بحب أبى بكر وعمر. وأسهب المقريزى فى ( الخطط ) فى ذكر أحداث من هذا النوع. ولكن ما لبث أن ضعف الخلفاء الفاطميون وتحكم فيهم وزراؤهم ، وبات من المضحك التوفيق بين مزاعم التأليه التى تحيط بالخليفة الفاطمى وضعفه أمام وزرائه.
6 ــ أدى الصراع مع الصليبيين ومع السنيين سياسيا وعسكريا الى التعجيل باسقاط الدولة الفاطمية ، فقد تنازع شاور وضرغام وزيرا العاضد الفاطمى وتسبب صراعهما فى إحراق الفسطاط ، واعطيا فرصة للصليبيين والزنكيين فى التنافس على الاستيلاء على مصر وخليفتها الفاطمى العاضد المغلوب على أمره . إستعان نور الدين زنكى ــ المسيطر على الشام والذى يتولى حرب الصليبيين ــ بقائده شيريكوه الأيوبى واخيه نجم الدين أيوب وابنه صلاح الدين الأيوبى على إنقاذ مصر من الصليبيين فأصبح شيريكوه الأيوبى وزيرا للعاضد الفاطمى وفى نفس الوقت تابعا للدولة الزنكية السنية التى تدين بالولاء للخليفة العباسى. مات شيريكوه وتولى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبى فقام بحلّ المشكلة بقتل الخليفة العاضد وسجن ذريته وإلغاء الخطبة للفاطميين واعلان تبعية مصر للخلافة العباسية . وأقام صلاح الدين فى مصر والشام الدولة الأيوبية ( 567 ـ 648 ).
7 ــ وقبل سقوطها كانت الدولة الفاطمية قد أفرزت أكبر عنصر تخريب أرعب الناس نحو قرن ونصف قرن من الزمان. انها طائفة الباطنية أو الحشاشين الذين أنشأهم الحسن الصباح فى قلعة آلموت فى قزوين فى أواسط آسيا. كان الحسن الصباح فى مصر حين توفى الخليفة الفاطمى المستنصر487 . وتدخل الوزير الأفضل ونقل ولاية العهد من نزار الى أخيه الأصغر المستعلى مخالفا عقيدة الشيعة فى كون الامامة بالنّص. ترتب على هذا انقسام التشيع الفاطمى الاسماعيلى الى نزارية ومستعلية. وتزعم الحسن الصباح جبهة المعارضة النزارية مفارقا مصر ، ثم استولى بالحيلة على قلعة آلموت وربّى فيها أتباعه الفداوية أو الفدائيين الانتحاريين، وكان يرسلهم لاغتيال خصومه من السلاطين والخلفاء والوزراء والفقهاء والصليبيين. واستمر الباطنية ينشرون الرعب بين المسلمين والصليبيين الى أن اجتثهم هولاكو أثناء زحفه الى بغداد. وقد استيقظ صلاح الدين من نومه ليجد خنجرا تحت وسادته جاء تحذيرا له من الباطنية. وبسبب شهرتهم فى الاغتيالات السياسية فقد اشتق الصليبيون كلمة الاغتيال من اسم الحشاشين فقالوا (Assasination) .
أخيرا : إختراع التصوف السنى بديلا للتشيع فىى مصر
1 ــ كل ذلك كان حاثا لصلاح الدين الأيوبى على مواجهة التشيع فكريا بعد القضاء على الدولة الفاطمية سياسيا.ونجح صلاح الدين فى مواجهة التشيع باختراع مزيج من دينى السنة والتصوف ، هو التصوف السنى.
2 ــوبينما سقطت كل تلك الدول من عباسية وسلجوقية وأيوبية ومملوكية وعثمانية..الخ، فان الذى بقى هو الدين السنى الصوفى أو ما يعرف بالتصوف السنى الذى أرساه صلاح الدين الأيوبى( ت 589 ) ولا يزال دينا للأغلبية من المسلمين حتى الآن .
3 ــ وقبل الدخول فى توضيح التصوف السنى وتوضيح للمسرح السياسى الذى تمت فيه ولادته وانتشاره نعطى فكرة سريعة عن دين التصوف وعلاقته بالاسلام.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

قضية التربية عند علماء المسلمين: القابسي و ابن سينا أنموذجا

على سبيل التمهيد:
في الواقع، لا يمكن أن يجادل اثنان في أن قضية التربية بصفة عامة كانت تحتل مكانة كبرى عند المسلمين قديما. و هكذا فإنه “لم يفت علماء التربية المسلمين الاشتغال على مناهج البيداغوجيا، فقد ألقوا بسهامهم في الموضوع وكانوا على موعد مع التاريخ حين استجابتهم لطرق هذا الأخير، وتطعيم النظريات التربوية التعليمية التعلمية تماشيا مع متغيرات الزمان ومستجداته. و الدارس لتراثهم التربوي يجد لمساتهم بارزة بقوة في هذا الشأن بما يسجل دون شك سبق بصمتهم و إبداعهم المنقطع النظير على المستويين المنهجي و العملي. أقصد الكيف المنهجي والكم الذهني الواجب مراعاته في إطار العلاقة التعاقدية الضمنية بين المكونات الثلاثة: المدرس و المتعلم و المادة موضوع التدريس. و هي علاقة تخضع للمد و الجزر، و البسط و الغل وفق ما يقتضيه المقام” (1). و لا نتعجب من ذلك ما دام الإسلام قد قدس العلم والعلماء وسما بالعلم إلى درجة العبادة و عني بالتربية الروحية و الدينية و الدنيوية و الخلقية للإنسان.
لقد أدرك المسلمون الأوائل أن التربية هي أداة الحضارة و وسيلتها في تخليد ذاتها و ضمان انسيابها و تناقلها عبر الأجيال. “و يكون فعل التربية في الحضارة هو رسم هذا الفعل و تحديد مداه و التأثير في سلوك الفرد الإنساني حتى ينسجم مع الأنماط الاجتماعية السائدة” (2). و هذا ما أدركه أيضا الصينيون القدماء و الإسبرطيون و الآثينيون بخصوص أهمية التربية في تحديد سلوك حضارتهم.
إطلالة على بعض أعلام التربية المسلمين:
بدأ الاهتمام بالتربية الإسلامية عند علماء المسلمين كعلم له خصوصياته منذ فترة مبكرة في عهد الدولة الإسلامية. و احتلت نظريات التربية جانبا مهما من كتب و مصنفات كبار هؤلاء العلماء المسلمين، بالإضافة إلى اهتماماتهم ببقية فروع المعرفة من علوم دينية و تاريخ و فلك و كيمياء و رياضيات و غيرها. و من هؤلاء الأعلام نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ أسد بن الفرات بن سنان (ت 213 هـ) و هو الأمير القاضي السمح تلميذ مالك بأنس.
2ـ ابن مسكويه (ت 241هـ/ 855م) الشيخ أبو علي أحمد بن محمد.
3 ـ ابن سحنون (ت 256هـ/ 869م) محمد بن سحنون بن سعيد التنوخي.
4 ـ القابسي (ت 324هـ/ 935م) أبو الحسن علي بن محمد المعافري وهو تلميذ ابن سحنون.
5ـ ابن جماعة (ت 373هـ/ 983م) عاش معظم عمره في الأندلس.
6 ـ ابن سينا (ت 370هـ/ 980م) الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا .
7 ـ الغزالي (ت 505هـ/ 1111م) الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الفيلسوف المتصوف.
8 ـ ابن خلدون (ت 809هـ/ 1406م) الوزير، السفير، القاضي عبدالرحمن بن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة و مؤسس علم الاجتماع الحديث.
وقفة مع القابسي:
هو أبوح الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بالقابسي نسبة إلى قرية قابس بالقرب من القيروان حيث ولد سنة 324 للهجرة. مالكي المذهب. و حسب السيوطي فإن القابسي كان حافظا للحديث، بصيرا بالرجال، عارفا بالأصلين، و رأسا في الفقه ضريرا زاهدا ورعا.
أهم مؤلفاته:
 الممهد في الفقه و أحكام الديانة.
 ملخص الموطأ.
 كتاب الاعتقادات.
 كتاب الذكر و الدعاء.
 الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين و أحكام المعلمين و المتعلمين.
تصوراته في ميدان التربية:
أ ـ الغرض من تعليم الصبيان هو معرفة الدين علما وعملا وتعليم الدين لا يتيسر إلا بمعرفة المبادئ التي تكتسب بالتعليم كالقرآن والكتابة. ومن هنا اتصل التعليم عند القابسي بالدين اتصال الوسيلة بالغرض.
ب ـ نادى بإلزامية التعليم أخذا بالحديث النبوي “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” (رواه البخاري) و ساعده في ذلك تطوع الأمراء والأغنياء في زمانه بالإنفاق على الكتاتيب وإجراء الأموال عليها لتستمر في الحياة.
ج ـ وجوب التعليم للجميع (أولاد و بنات) لأن المؤمنين والمؤمنات مكلفون جميعا بنص القرآن.
د ـ عدم الجمع بين البنين والبنات في فصل واحد “من صلاحهم ومن حسن النظر لهم لا يخلط بين الذكور و الإناث”. و هو بذلك متأثر بأستاذه سحنون الذي قال أكره للمعلم أن يعلم الجواري و يخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فساد لهن”.
ه ـ التعطيل يوم الجمعة و الأعياد: إن إجازة الأولاد يوم الجمعة أمر مستحب لأن ذلك سنة المعلمين منذ كانوا. أما بطالة الأولاد يوم الخميس فهذا بعيد. وكذلك بطالة الأعياد على العرف المشتهر المتواطأ عليه ثلاثة أيام في الفطر و خمسة أيام في الأضحى.
و ـ عقاب التلميذ: يرى القابسي أن الضرب إنما يكون من المعلم الجافي الجاهل و هو ينهى عن الضرب و المعلم غضبان. و الضرب على التعليم إنما هو عن كثرة الخطأ من الصبيان.
استنتاج:
استنادا إلى ما سبق، نخلص إلى أن أبا الحسن القابسي حصر الغرض من التعليم في معرفة الدين علما و عملا دون النظر إلى النواحي المعيشة. و هذا ما يتعذر قبوله في الوقت الحاضر، حيث هذا الكم الهائل من المعرفة التي تتضاعف كل فترة و هذه الأدوات و الآلات التي تشاركنا حياتنا و معاشنا بل تشاركنا أجسادنا احيانا؛ مما يتوجب معه الإلمام بكل الوسائل و التقنيات التي نحيا بفضلها. هذا مع العلم أنه قد أصبح يُنظر للتربية على أنها عملية استثمارية ذات مردود؛ فمع ارتفاع تكاليف التعليم ينظر أولوا الأمر إلى استرداد هذه الأموال من عائدات و نتائج هذا التعليم.
و نلاحظ أخيرا أن القابسي أجاز الضرب في بعض الحالات التي يتمادى فيها المتعلم و لا يتعظ مثلا. و هذا إجراء بيداغوجي تقليدي رغم أننا بدأنا نُسجل عودة بعض الأنظمة المتقدمة في التعليم إلى تطبيقه كما هو الحال في إنجلترا. و يبدو أن ما يسمى بالعقوبات البديلة اليوم لم تعد تؤتي أكلها في ظل استقالة الأسرة من تربية أبنائها و تراخي الأساتذة و تعسف القوانين ضدهم و التزايد الفطري للجمعيات الحقوقية التي تركب غالبيتها على جانبيات المواضيع فتأخذ بالقشور و تعرض صفحا عن جواهر المواضيع. و كانت النتيجة هي الفوضى في المدارس المغربية. لهذا نادينا ذات يوم بالعودة إلى بيداغوجيا “الفلاقة” (3) بمعناها العام من أجل الضبط و الانضباط لأنه بدونهما لا يمكن أن تتقدم المدرسة المغربية.
وقفة مع ابن سينا:
هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا. وهو واحد من العلماء والأطباء، والفلاسفة المسلمين من منطقة بخارى وتحديداً من بلدة أفشنة الأوزباكستانيّة التي ولد فيها عام 370 هجرية/ 980 ميلاديّة. كان يلقّب قديماً بالشيخ الرئيس. وقام الغربيّون بمنحه ألقاباً متعددة كأمير الطب وأبو الطب الحديث وكان ذلك خلال العصور الوسطى. كان متبحراً في العديد من أصناف العلوم المختلفة. ولذلك يوجد ما يقارب 200 ألف كتاب له وتتناول هذه الكتب مواضيع متعددة. وكانت تتمحور غالبيتها حول الطب و الفلسفة. وبالرغم من اتّباعه طرق وأساليب أبقراط وجالينوس إلّا أنّه يعتبر أول من قام بعمليّة التدوين في مجال الطب. و يعدّ كتاب القانون في الطب الأشهر من أعماله؛ وذلك لأنّه كان مرجعاً أساسيّاً في الطبّ لمدّة كبيرة قدرت بسبعة قرون. ومن أهمّ الأعمال التي قام بها في الطبّ أنّه قام بتشخيص مرض التهاب السحايا وفق منهج علميّ وبأسلوب دقيق ووضّح الأسباب والاحتمالات التي قد تؤدّي إلى اليرقان وأعراض حصى المثانة وقدّم معلومات وفيرة حول طرق العلاج النفسيّ وأثره في العلاج والشفاء منه.
كان والده ذا ديانة شيعيّة إسماعيليّة. وكان هو يهتم بالاستماع إلى اجتماعات والده التي تقام بالسرّ والتي كان أغلبها يقام في بيتهم. وكانت هذه الاجتماعات لها دور كبير في تكوّين مجموعة من الاتّجاهات والمواقف لديه. وقام بعدها بالارتحال إلى مدينة بخارى الذي تولى فيها القيام بواجب متابعة الأعمال الماليّة المتعلقة بالسلطان بأمرٍ من السلطان نوح بن منصور الساماني. ثم بدأ يتعلم مختلف العلوم. وعندما كان في سنّ العاشرة كان يحفظ القرآن الكريم بجميع أجزائه وآياته. ثم بدأ بعمليّة تعلّم الفقه والأدب والفلسفة والطبّ.
و طلب والده من أحد المتخصّصين بعلم المنطق والفلسفة بأن يعلّم ابن سينا هذا القليل من علومه. و استجاب لرغبة والده وعلمه المنطق. و قد اندهش معلمه من الأداء الذي أثبت له، حيث أنّه كان يمتلك القدرة على الإجابة بأسلوب منطقيّ عن الأسئلة المحوريّة التي كان يطرحها عليه، ووصفت بأنها لم تخطر على بال معلمه. وكانت إنجازاته تثمر وهو صغير. فقد استطاع وهو في سنّ الثامنة عشر من عمره أن يقدّم العلاج للسلطان. وتعتبر هذه الفرصة ذهبيّة لأنّها كللت مساهمته الناجحة بحجز مكتبة السلطان الخاصةِ تحت إدارة وإشراف ابن سينا. كان ابن سينا متميّزاً جداً فكانت له العديد من الأقوال المهمّة والتي لها معاني كثير كقوله “المستعد للشيء تكفيه أضعف أسبابه” و “الوهم نصف الداء” و “الاطمئنان نصف الدواء” و “الصبر أوّل خطوات الشفاء”. وفي اليوم العاشر من شهر ديسمبر من عام 1037 ميلاديّة (الموافق ل سنة 470 ه) ارتحل ابن سينا عن هذه الحياة ودفن في مدينة همدان الإيرانيّة.
أهم مؤلفاته:
 كتاب القانون في الطبّ، الذي كتبه عام 1030 م.
 كتاب الإشارات و التنبيهات.
 كتاب الشفاء.
 كتاب النجاة في المنطق و الإلاهيات.
 كتاب الأدوية القلبية.
 كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانيّة.
 كتاب القولنج.
 رسالة في سياسة البدن و فضائل الشراب.
 رسالة في تشريح الأعضاء.
 رسالة في الفصد.
 رسالة في الأغذية و الأدوية.
 أرجوزة في التشريح.
 أرجوزة المجربات في الطب.
 كتاب الألفية الطبيّة.
 كتاب مختصر إقليدس.
 كتاب مختصر المجسطي.
 كتاب مختصر علم الهيئة.
 كتاب مختصر الأرتماطيقي.
 رسالة الزاوية.
 رسالة في بيان علّة قيام الأرض وسط السماء.
 رسالة في إبطال أحكام النجوم.
 رسالة في الأجرام العلوية وأسباب البرق و الرعد.
 رسالة في الفضاء.
 رسالة في النبات و الحيوان.
 كتاب قانون الحركة الأول.
 ديوان ابن سينا – في الشّعر.
 مقالة في جوامع علم الموسيقى.
 مقالة في الموسيقى .
تصوراته في ميدان التربية:
أ ـ لا بد من أن يكون التعليم جماعيا في المدارس لا فرديا: لأن انفراد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب لضجرهما. ولأن الصبي عن الصبي ألقن وهو منه آخذ وبه آنس، ولأن التعليم الجماعي من أسباب المباراة والمساجلة والمحاكاة.
ب ـ تبدأ تربية الصبي منذ نعومة أظفاره: إذا فطم من الرضاع بُدِئ بتأديبه ورياضة أخلاقه قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة.
ج ـ أول ما يتعلم الصبي إذا اشتدت مفاصله واستوى لسانه وتهيأ للتلقين: القرآن الكريم لما فيه من صور الحروف و معالم الدين و القصص الخلقية و الأحكام.
د ـ مسايرة ميول الصبي وتوجيهه إلى الصناعة والمهنة التي تتفق مع ميوله: “ينبغي لمدبر الصبي إذا رام اختيار الصناعة أن يزن أولا طبع الصبي و يسبر قريحته و يختبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب ذلك”. و هذا ما يعمل في الدول المتقدمة في الوقت الحاضر حيث تجرى للأولاد اختبارات الذكاء و اختبارات الميول والقدرات و حسب احتياجات الدولة من مهنيين و فنيين وفق خطط مرسومة مدروسة.
ه ـ مبدأ الثواب والعقاب: و يكون ذلك بالترغيب والترهيب و الإيناس و الإيحاش، والحمد مرة و التوبيخ مرة أخرى، والضرب بعد الترهيب.
و – ينبغي أن يكون مؤدب الصبي عاقلا ذا دين، بصيرا برياضة الأخلاق، صادقا بتخريج الصبيان، وقورا رزينا بعيدا عن الخفة والسخف، لبيبا قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي، ذا مروءة ونظافة ونزاهة، فالمؤدب قدوة يقتدى به.
استنتاج:
بناء عليه، لا يمكننا إلا أن نُؤكد وجاهة تصورات ابن سينا بصفة خاصة و باقي العلماء المسلمين بصفة عامة فيما يتصل بحقل التربية إذ يملكون فيه قصب السبق حقيقة. و يصدمنا ابن سينا كثيرا عندما يتحدث مبكرا عن ربط التعليم بما هو مهني اقتصادي و حديثه عن اتجاهات المتعلمين حتى نكاد نجازف بالقول إن بعض أفكار البيداغوجيين الغربيين إن لم نقل جلها مقتبسة أو مسروقة من ابن سينا و باقي علماء المسلمين. و أفكار هؤلاء الغربيين تبدو جديدة للبعض في ثقافتنا العربية دائما و حتى الغربية أحيانا نتيجة الجهل بأصولها و جذورها و لحلاوة و طلاوة اللغات الأجنبية الحية التي دُبِّجت بها لا غير. فمتى نعود إلى تراثنا و إرثنا الثقافي و الحضاري و نقتبس منه ما يفيدنا في ديننا و دنيانا؟ (4).
على سبيل الختم:
من خلال ما تقدم و بالنظر إلى كل التصورات التربوية الغربية سواء القديمة أو الحديثة التي تعرفنا عليها من خلال معاشرتنا المتواضعة لفلسفة التربية نجمع القول فنقول إن “سلف الأمة المسلم قد خلف لنا ثروة علمية بيداغوجية مطمورة في ثنايا شتيت من المصنفات تنتظر من يعقد العزم على مدارستها و استنباش دفائنها و مكنوناتها” (5). لقد طرق هؤلاء غالبية الموضوعات التي تشكل جوهر الفعل التربوي في العالم المعاصر (6). فعندما نقرأ لعلماء مسلمين آخرين من قبيل الماوردي و الغزالي مثلا فإننا نحس تماما و كأننا نقرأ لهوارد غاردينر أو جون ديوي أو مونتسوري. يقول الماوردي حول الفروق الفردية: “و ينبغي للعالم فراسة يتوسم بها المتعلم ليعرف مبلغ طاقته، وقدر استحقاقه ليعطيه ما يتحمله بذكائه أو يضعف عنه ببلادته، فإنه أروح للعالم و أنجح للمتعلم”. و يؤكد الغزالي ذلك أيضا في “الإحياء” عندما يشير إلى أن من وظائف المعلم “أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره، أو يخلط عليه عقله… و لا يبث إليه الحقيقة إلا إذا علم أنه يستقل بفهمها، و قد قال علي رضي الله عنه و أشار إلى صدره: {إن هنا لَعُلُومًا جمة لو وجدت لها حملة (…) فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد، وهذا إذا كان يفهمه المتعلم، ولم يكن أهلا للانتفاع به، فكيف فيما لا يفهمه (…) و لذلك قيل: كل لكل عبد بمعيار عقله، و زن له بميزان فهمه، حتى تسلم منه و ينتفع بك، وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار، و قد قال تعالى: “و لا تؤتوا السفهاء أموالكم” تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده و يضره أولى و ليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق”.
و هذا السبق المعرفي في مجال التربية و غيرها من المجالات انتقل إلى الغرب بطريقة من الطرق منذ القرن الثاني عشر عبر قناة الترجمة و الاستعراب و الاستشراق فيما بعد و ما وازاه من دخول العرب في سُبَاتٍ عميق إبان ما درجنا على الاصطلاح عليه بعصر الانحطاط. و هذه القطيعة جعلت الأجيال العربية الإسلامية الحديثة تنبهر بالثقافة الغربية أيما انبهار متناسية أن تلك الثقافة مدينة في جزء كبير منها لشمس الحضارة العربية الإسلامية التي أشرقت على الغرب كما تذهب إلى ذلك المثقفة الألمانية سيجريد هونكه.
إن عرضنا المتواضع هذا نبغيه بدايةً للتفكير في ضرورة تعميق النظر في الفكر التربوي العربي الإسلامي و مقارنة نتائج ذلك بما يوجد في الثقافة الغربية لكي نستمد منه ما يمكن أن ينفعنا في إنارة الطريق لنا مستقبلا لإخراج المنظومة التربوية المغربية من الفوضى العارمة التي أمست تتخبط فيها و تميل حيثما مال بعض سماسرة البيداغوجيا منذ حوالي 30 سنة من الإصلاحات المعطوبة التي ما أنتجت عموما سوى عقولٍ مثقوبة (7). فمتى نرعوي؟! و الله من وراء القصد.
هوامش البحث:
(1) – عباسي، عبد العالي: إسهامات علماء التربية المسلمين في حقل البيداغوجيا، مقالة مهمة جدا منشورة بموقع تربويات بتاريخ 8 غشت 2015. و هذا رابطها الإلكتروني: http://www.tarbawiyat.net/news11394.html
(2) – بهجت سكيك، بهيج: الفكر التربوي و تنشئة الأولاد عند المسلمين الأوائل، مقالة منشورة بموقع قصة الإسلام، بتاريخ 05 ماي 2011. و هذار رابطها الإلكتروني:
http://www.islamstory.com/-%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%A6%D9%84&page=1
(3) – الكيري، لحسن: مدخل إلى بيداغوجيا الفلاقة، مقالة منشورة على موقع ثقافات بتاريخ 13/07/2016 و هذا رابطها الإلكتروني: http://thaqafat.com/2016/07/32129/
(4) – حلايقة، غادة: أهمية دراسة الفكر التربوي، مقالة منشورة بتاريخ 05 يوليوز 2015 بموقع “موضوع”. و هذا رابطها الإلكتروني:
(5) – الكيري، لحسن: الإصلاحات المعطوبة و العقول المثقوبة، مقالة منشورة بموقع أبناء آيير الجميلة و ذلك بتاريخ 02/10/2015. و هذا رابطها الإلكتروني: http://les-ayiriens.over-blog.com/2015/10/560ec078-ab2e.html
(6) – لغلى، بوزيد: الفكر التربوي التراثي: الخطيب البغدادي أنموذجا، منشورات نادي تراث الإمارات، الطبعة الأولى، سنة 2012.
(7) – الكيري، لحسن:
Funciones de la traducción en la didáctica de las lenguas extranjeras: el caso del árabe para los hispanófonos.، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في ديداكتيك اللغات مرقونة بكلية آداب الرباط و مناقشة بتاريخ 15 أبريل 2016. أشرف عليها الدكتور عبد اللطيف الإمامي و نال عليها الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا. ينظر تعريف التربية في الفصل الأول من القسم الثاني المخصص للوضع الراهن للغة العربية للأجانب. الصفحة 134.
*كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة و متخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء -المغرب.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

شاهد الأيام الأخيرة في حلب: قصف مستشفى داخل مدينة “الجحيم” قبل نهاية الحصار+18

شاهد الأيام الأخيرة في حلب: قصف مستشفى داخل مدينة “الجحيم” قبل نهاية الحصار+18
The last days of Aleppo: Hospital bombing Inside the city of ‘hell’ before the end of the siege

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

الناشطة السورية جود عقاد ببث حي: ثقافة جنسية

الناشطة السورية #جود_عقاد ببث حي: #ثقافة_جنسية
معلومات مهمة للأطفال و اليافعين عن الجنس

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, يوتيوب | Leave a comment

DNA – 02/03/2017 حسن فضل الله يُحاضِر بالعفة

DNA – 02/03/2017 حسن فضل الله يُحاضِر بالعفة

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | 1 Comment

فيديو: نائب عربي في الكنيست يطرد وزير اسرئيلي منه: اسرائيل قمة الديمقراطية والعدالة

سابقة في تاريخ الكنيست ، الوزير اليميني زئيف الكين يتهجم في خطابه على النائب احمد الطيبي ، والذي ترأس الجلسة ، ويحرض ضده ويتهمه بالمسؤوليه عن سفك الدماء، فقرر الطيبي انزاله عن المنصة وطرده من القاعة رغم انه وزير، واستعرض امام هيئة الكنيست ما يتعرض له وبعض زملائه النواب العرب من تهديدات بقتله واعدامه وذبحه بسبب مواقفه الوطنية… ما رأيكم ايها السادة القراء, عندما نائب عربي منتخب من الشعب العربي في إسرائيل يمسح الأرض بوزير مجرد موظف في الحكومة وغير منتخب من الشعب.. بالطبع المنتخب من الشعب هو اعلى من الموظف.. لأن الحكم للشعب وللديمقراطية.. نرجوا ان تقارنوا الديمقراطية في إسرائيل مع ما يجري في البلدان العربية.

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

. شنطتين دولارات جابولك الديسك يا عين امّك ، فكيف لك ان تتخيّل الأمراض اللي صابتنا نتيجة خمسين سنة شايلين فيها قرف و اجرام عائلتك

في آخر إصدار لفراس الاسد عن مذكراته الأوربية ، يشتكي المواطن العفيف من آلام الديسك اللي اصابتو نتيجة حملوا لشنطتين ملابس مليئة بالدولارات و لمسافة طويلة في احد شوارع جنيف لتسليمها الى خال اخوانه حسان الخيِّر تلبيةً لطلب والده رفعت الاسد و بمهمة مستعجلة ..

شنطتين دولارات جابولك الديسك يا عين امّك ، فكيف لك ان تتخيّل الأمراض اللي صابتنا نتيجة خمسين سنة شايلين فيها قرف و اجرام عائلتك ..

عنجد اللي بطلوا يستحوا ، كتبوا مذكراتهون

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

قرار الادارة الذاتية التي تتبع لها قوى سوريا الديمقراطية بتسليم قرى سورية في الشمال للنظام السوري

ان قرار الادارة الذاتية التي تتبع لها قوى سوريا الديمقراطية بتسليم قرى سورية في الشمال للنظام السوري .. كان و ما زال قرار صعب و شائك و لكن الاصعب منه ترك تلك القرى لدولة اجنبية كتركيا او لداعش .. نعم نحن السياسيين الجالسين بالخارج بإمكاننا الوقوف على مسافة واحدة معلنين المعارضة النزيهة دون ان نتقدم و لا نتأخر .. نستطيع القبوع في مكاننا ساكنين .. اما العسكري او من يداهمه مسلح فهو لا يملك ترف اللا انحياز .. بالتالي لا الوم و لا اؤيد .. كان الله في عون الجميع

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

قراءة في لغة كتابة القرأن مع أستطراد لأراء العالم الألماني كرستوف لوكسنبرغ الجزء الرابع

ومضة :
( بين العقيدة الدينية والعلم هناك دوما صراع ، يستعر حينا ويخمد حينا أخر ، ولكن الغلبة دوما للعلم ، أي للعقل .. كاتب البحث )
أستهلال :
سنتعرض في هذا الجزء الى موضوعة ” كتابة القرأن ” ، بشكل أوسع شمولا وتركيزا ، من موضوعة لغة القرأن وتأثرها بباقي اللغات / المتعايشة معها والمتقدمة عنها في نفس الوقت ، كالعبرية و الأرامية بلهجتها السريانية ، التي تعرضنا لها في الأجزاء الثلاثة السابقة ، لأجله أرى أنه كما أننا بحثنا في موضوع اللغة التي كتب بها القرأن ، فلا بد أن نعرج على مراحل كتابة القرأن ، وذلك من أجل ان يأخذ الموضوع صورته البنيوية النهائية .
تمهيد :
يقول البرفيسور ” بوين ” ( *1 ) : قبل مجئ الإسلام كانت هناك نقوشات باللغة العربية ، نصوص قصيرة جداً ، لكن أول كتاب حقيقي كتب باللغة العربية هو القرآن ، ولكن اللغة العربية التي كتب بها / القرأن ، كانت في طفولتها ، وفي هذا السياق أرى أن العربية وضعت ، ليس بخيارها أمام المحك في أختيارها كلغة للقرأن ، وأراد من أراد أن تكون العربية بالغة وناضجة ومتكاملة كلغة للكتابة والقراءة ، وهي غير منقطة وبلا تشكيل وبدون تحريك ، هذا الأمر أدى بالعربية ، التي لا تلبي متطلبات الحياة المجتمعية في تلك الحقبة ، الى أن ” تراهق ” على لغات أخرى كالعبرية و الأرامية بلهجتها السريانية وغيرهما (*2) ، فنتج قرأن لغته في بعض مفرداته عصية عن التفسير ، وليست واضحة المعنى ألا أذا ترجمت ، أو غيرت مواضع التنقيط والحركات من على حروفها ! .
النص :
أن القرأن الذي أنزل على مدى ثلاث وعشرين سنة ، من المنطق والضروري أن نقول بشأنه ما يلي : أولا / وحسب نص القرأن ، ان الله قد تكفل بحفظ هذا القرآن بنفسه فقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر / 9 ، وأنا لا أعرف تفسيرا عمليا وتطبيقيا وعقلانيا لهذه الأية على الواقع لفكري !! ، ثانيا ، نهى النبي في أول الأمر عن ” كتابة شيءٍ سوى القرآن ونهاهم عن كتابة كلامه ” مؤقتا حتى تتوافر همم الصحابة على حفظ القرآن وكتابته ، وذلك حتى ” لا يختلط كلام النبي بكلام الله تعالى ” فيبقى القرآن محفوظاً من الزيادة فيه أو النقص .ثالثا ، وكَّل النبي جماعة من الصحابة الأمناء الفقهاء حتى يكتبوا الوحي ، وهم ما عرفوا في تراجمهم بكتاب الوحي كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت وغيرهم ، رابعا ، وبعد وفاة الرسول كتب القرأن ، على مرحلتين ، ففي عهد خلافة أبى بكر الصديق ( 11 – 13 هـ / 632- 634 م ) وأثناء قتال المرتدين ، كثر قتل بعض الصحابة والتابعين والحفاظ ، فخاف عمرعلى ضياع القرآن المكتوب ، أي على ضياع القطع الأصليه التي كتبت بين يدي الرسول فعرض عمر على أبي بكر فكرة جمع القرآن ، وجمع تلك القطع من أجل استنساخ نسخة تعتبر ألأم والأصل لكي تكون مرجعا للمسلمين ، وكلف بها زيد بن ثابت .. ، خامسا ، ثم في خلافة عثمان بن عفان (23 – 35 هـ / 643- 655م ) ، حدثت واقعة أختلاف القراءات القرانية ، فبعضهم من قرأ ، ( وأتموا الحج والعمرة للبيت ) ومنهم من قال ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ونقل الصحابي حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي ” القول ” الى الخليفة عثمان بن عفان ، معللا أن هذه الأمة قد تختلف كاختلاف اليهود والنصارى ، فدعا عثمان زيد بن ثابت وأرسل إلى حفصة بنت عمر ، وكانت الصحف الصديقية عندها ، فقال لها أرسلي إلينا الصحف فأرسلتها إليه وطلب من زيد بعد أن شكل له لجنة تقوم بمساعدته في كتابة القرأن .. / سردت وأستلهمت هذه الافكار بناءا على قراءأت لكثير من المواقع منها / الأسلام سؤال وجواب ، موسوعة الأسرة المسلمة ، منتديات أتباع المرسلسن ، أضافة الى نهج كاتب المقال . وسأسرد فيما يلي قراءة خاصة للأفكار التي وردت في أعلاه .
القراءة :
ستكون القراءة على شكل أضاءات عقلانية ومتبعا مذهب ديكارت” الشك يقود الى اليقين” قدر الامكان وكما يلي: 1. من الضرورة العملية والتأريخية والوثائقية ، نقول ، أن القرأن كتب في أول أمره ، وكما هو معروف ، على جذوع الأشجار واللخاف ( الخزف ) إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق ، أي لمدة تزيد عن 24 عاما ، وأن الطبيعة المناخية للجزيرة العربية كانت صحراوية ، هناك برد وقيظ وجفاف ورطوبة وامطار وعواصف ترابية .. ، وليس من أماكن لحفظ هذه المخطوطات الأولية للقرأن ( عدد سور القرأن 114 سورة ، والتي تضم 6236 آية ، بها 330733 حرف ن وتضم 77845 كلمة / نقل بتصرف من
https://ar-ar.facebook.com )
، والسؤال هنا أين حفظ هذا العدد الضخم من هذه المخطوطات ، والذي يحتاج الى حيز مكاني كبير ، حتى وصل الى السيدة حفصة بنت عمر / زوجة الرسول . ففي زمن عثمان بن عفان ، ومن المؤكد كان هناك أماكن أخرى للخزن قبل وصولها لحفصة ، والتساؤل هنا !! هل كان لدى المؤمنين على القرأن وسائل خزن تحفظ هذه المخطوطات بطريقة سليمة تقيها من التلف نتيجة تغير المناخ لهذه الفترة الزمنية التي تقترب من ربع قرن ! .
2. أن نهي الرسول عن كتابة كلامه / حديثه ، من المؤكد كان له أسبابه والتي بينها الرسول ب ” حتى لا يختلط كلام النبي بكلام الله تعالى ” ، أذن هكذا أختلاط من الممكن قد حدث وهو الأمر الذي دفع الرسول لقول قولته أعلاه ، وهذا الحدث يجعلنا / في حالة تحققه ، أن يضيف للقرأن أشكالية أخرى وهي أختلاط كلام الله تعالى بكلام الرسول ، أضافة الى المشكال اللغوية ! .
3. في هذه الأضاءة ، أتساأل هل كل الحفاظ كانوا أحياء عند كتابة الوحي بمراحله الأولية ، أو اللاحقة ، وخلال 23 سنة الاولى / خاصة ، التي أنزل بها القران ، ألم يتوفى أو يقتل أحدهم ، أن حصل ذلك فيكون هناك نقصا في أجمالي النص القرأني ، لتوفي الحفاظ ، أن كان موتا أو قتلا في المعارك ، وهذا أحتمال ممكن ووارد ! .
.4 . أما مراحل كتابة القرأن ، والتي مرت بفترات متعددة ، منها النصوص الأولية التي نقلت عن الحفاظ ، ثم مرحلتي الكتابة في عهدي أبو بكر وعثمان ، ثم عملية أستنساخ القرأن ونقله ومن ثم أرساله الى الأمصار المفتوحة ، فأرى أن أي عملية أستنساخ تخضع الى أحتمالية الخطأ و التكرار والفقد والسهو والزيادة والنقص .. ، وهذا ينطبق على أي كتاب تم أستنساخه في تلك الحقبة الزمنية ، نتيجة ظروف الكتابة / الأضاءة ووضعية المكان وظروف الناقل والحبر المستخدم في الكتابة ونوع الرقعة المكتوب عليها ونوعية القلم أنذاك والرؤية البصرية التامة للكاتب ! فيصعب بالمطلق أن تتطابق النسخ عن المنسوخ منها / الأصلية ! .
5. أن قصور اللغة / العربية ، تؤدي بالكاتب الى أستخدام مفردات لغوية أخرى ، وذلك لأن الكتاب أغلبهم يتقنون لغات غير العربية كالعبرية والأرامية بلهجتها السريانية وغيرها ، فيلجأون الى مفردات من لغات كانت تتعايش مع العربية من أجل أستكمال معنى ما يكتبون أو لسد النقص اللغوي للعربية ، وبشكل لا أرادي ، وقد يلجأون الى ذلك دون الرجوع الى أحد .
الحجاج بن يوسف الثقفي : كما هو متداول أن الحجاج ( 40 – 95 هـ = 660 – 714 م ) ، هو الذي رعى عملية تنقيط القرأن (*3) وذلك في عهد الخليفة الأموي عبدُالملك بن مروان ، والمعروف أن الحجاج كان معروفا بقوته وقسوته وجرأته وفصاحة لسانه وقابليته الخطابية ، والحجاج قد تصرف وغير وعدل وشكل وحرك الكثير من التعابير والمفردات والكلمات . (*4) فنقلا عن كتاب ” المصاحف ” لابن أبي داود : فإليك الرواية التالية : عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة : 259 { لم يتسن وانظر } بغير هاء ، فغيرها ” لَم يَتَسَنه ” .
وكانت في المائدة : 48 { شريعة ومنهاجاً } ، فغيّرها ” شِرعَةً وَمِنهاجَاً “.
وكانت في يونس : 22 { هو الذي ينشركم } ، فغيَّرها ” يُسَيّرُكُم ” .
وكانت في يوسف : 45 { أنا آتيكم بتأويله } ، فغيَّرها ” أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ ” .
وكانت في الزخرف : 32 { نحن قسمنا بينهم معايشهم } ، فغيّرها ” مَعِيشَتَهُم ” .
وكانت في التكوير : 24 { وما هو على الغيب بظنين } ، فغيّرها { بِضَنينٍ }… الخ .
هذا غيض من فيض ، من الدور الكبير الذي لعبه الحجاج في هذا الصدد .
(*5) وفي نفس الصدد ، قال ابو بكر كان في كتاب أُبي حدثنا رجل فسألت أُبي من هو؟ فقال حدثنا عباد بن صهيب عن عوف بن ابي جميله أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفا ( او آية ) قال:
وكان في الشعراء26: 116 في قصة نوح ((مِنَ ألْمُخْرِجِينَ)) وفي قصة لوط (آية 167) ((مِنَ ألْمَرْجُومِينَ)) فغير قصة نوح ((مِنَ ألْمَرْجُومِينَ)) وقصة لوط ((مِنَ ألْمُخْرِجِينَ)) .
وكانت في الذين كفروا / سورة محمد 47: 15 ((مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَسِنٍ)) فغيرها ((مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)) .
وكانت في سورة الحديد 57: 7 ((فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَتقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)) فغيرها ((مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا)) .
خلاصة القول :
القرأن الذي بين أيدينا ، كما أسلفنا في الأجزاء السابقة ، يحتوي على تعابير وكلمات ومفردات ومعاني غيرعربية ، عامة أن اللسان العربي الذي أنزل به القرآن يختلف عن العربية التي وضع أسسها مجموعة من النحويين الأعاجم والعرب ، فالقرأن كما يبين ” كرستوف لوكسبيرغ ” ، وضع في عصرٍ يسبِقُ وضعَ قواعدِ اللغةِ العربية على يد سيبَوَيْه ( المتوفَّى سنة 795 م ) ، ويشكك لوكسبيرغ بكفاءة هؤلاء النحويين وبالأخص الأعاجم منهم ، الذين يجهلون “اللسان” الذي أنزل به القرآن ، مستندا بذلك إلى صاحب كتاب ” جامع البيان عن تأويل القرآن ” ، أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ( 839 – 923 م ) الذي أدرك الطابع الخاص المميز للغة القرآن ، إذ ناشد ” أهل اللسان الذين لهم علم باللسان الذي نزل به القرآن ، والذين هم أوضحهم برهانا فيما ترجم وبيّن من ذلك.. ” ، أن يتفضلوا بتفسير ما تيسر لهم من قبل علمهم ، ومضيفا إلى ذلك : ” كائنا من كان ذلك المتأول والمفسّر ” ، .. أذن أرى ، نحن أمام كم من المعضلات اللغوية النحوية وكم أخر من الكلمات غير العربية ، وكم ثالث من الكلمات صعبة التفسير والمعنى .. وقال البروفيسور الألماني ” بوين ” في هذا الصدد (( .. اذا أردنا أن نفهم القرآن بشكل صحيح ، فيجب أن نجد تفسيرات وقراءات جديدة له ، ” والدكتور ماركو جروس ” ساعد في ترجمة الكتاب / كتاب كرستوف لوكسبيرغ ، من الألمانية إلى الانجليزية ، أملا أن يعرض آراء الكاتب ، والذي بين أن ( ربع أو خمس القرآن ) يحتوي على كلمات غامضة أو كلمات بدون معنى ، و هذا الرقم يمكن تقليصه من خلال المعرفة باللغة السيريانية بحوالي خمسة في المئة .. )) ، وأضافة الى كل هذه المعضلات يأتي الدور الذي لعبه الحجاج بن يوسف الثقفي الذي تصرف وصال وجال في التغيير في القرأن !! ، كما أسلفنا .
من كل مما سبق أرى أن القبول لمبدأ القراءة الأرامية للقرأن هي حقيقة علمية جلية وواضحة لا تقبل أدنى شك ، وما نحن عليه الأن من حال !! ، هو تشبذ رجال الأسلام بالقراءة الماضوية للنص القرأني التي تحشرنا في زاوية حادة من المعضلات اللغوية ، ومهما تشكل الرفض والأنكار لهذه القراءة الحداثوية للقرأن ، من قبل رجال الأسلام الذين يقتادون على فتات المتاجرات الدينية ! ، والذين يبتعدون عن العلمية في البحث والتدقيق والتمحيص والتفسير .. ولكن لا بد أن يأتي اليوم الذي نفرق به ، بين عقلية البحث الجامدة والفكر الأسلامي الماضوي المقيت للغة القرأن البعيد عن العلمية ، وبين القراءة الحداثوية للنص القرأني بمرجعيته اللغوية الأرامية ! .
—————————————————————-
(*1) الدكتور الألماني (بوين) عالم وخبير في القرآن ، في تسجيل تلفزيوني لمحاضرة له بعنوان ” دراسة ألمانية جريئة عن القرآن “
YT/WDEDFeN0t3o
، نقل بتصرف مع أضافات للكاتب . (*2) يوجد في القرأن الكثير من التعابير والمفردات الغير عربية أو مأخوذة من لغات أخرة أو معربة .. ، أسردها للأستزادة ، ففي موقع / الأسلام سؤال وجواب ، يبين أن كلمات ( عليون ، سجين ، مرقوم ، أرائك ، تسنيم ) مأخوذة من العبرية كما ذلك في ” الإتقان ” للسيوطي ( 1 / 141 و 171) . وفي موقع / الألوكة ، يبين أن كلمة ” الآب ” غير غربية وقال السيوطي “آب” : قال بعضهم وهو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيدلة ، انتهى . قال ثعلب : الأب كل ما أخرجت الأرض من النبات ، وقال عطاء : كل شيء ينبت على وجه الأرض فهو الأب . أما كلمة ” أبلعي ” : قال السيوطي في الإتقان أخرج ابن حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى “هود- 44″ سورة هود الآية 44 { ابْلَعِي مَاءَكِ } قال بالحبشية : ازدرديه ، وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عند أبيه قال: اشربي بلغة الهند انتهى . وكلمة ” أخلد ” : قال السيوطي في الإتقان : قال الواسطي في الإرشاد : أخلد إلى الأرض ركن بالعبرانية و” السندس ” : قال في القاموس ضرب من رقيق الديباج معرب بلا خلاف ، وقال في لسان العرب: السندس البزيون ، وفي الحديث صحيح مسلم اللباس والزينة (2072) ، مسند أحمد بن حنبل (3/147). أن النبي بعث إلى عمر بجبة سندس قال المفسرون في السندس أنه رقيق الديباج ورفيعه وفي تفسير الإستبرق أنه غليظ الديباج ولم يختلفوا فيه ، الليث : السندس ضرب من البزيون يتخذ من المرتزى ولم يختلف أهل اللغة فيهما أنهما معربان . وفي موقع / منتديات الفقهاء ، يبين أن ، المشكاة : الكوة ، ونشأ : قام من الليل ومنه إن ناشئة الليل ، ويؤتكم كفلين أي ضعفين ، وفرت من قسورة أي لأسد ، كله بلسان الحبشة ، والغساق : البارد المنتن بلسان الترك ، والقسطاس : الميزان بلغة الروم . والسجيل : الحجارة والطين بلسان الفرس . والطور : الجبل ، واليم : البحر بالسريانية . والتنور : وجه الأرض بالعجمية كفلين أي ضعفين ، وفرت من قسورة أي لأسد ، كله بلسان الحبشة والغساق : البارد المنتن بلسان الترك ، والقسطاس : الميزان بلغة الروم . والسجيل : الحجارة والطين بلسان الفرس . والطور : الجبل ، واليم : البحر بالسريانية . والتنور : وجه الأرض بالعجمية . (*3) واختلفت الآراء في أول من أخذ بهذه النقط ، وأرجحها في ذلك ما ذهب إليه ، أن أول من قام بها هما : نصر بن عاصم ويحيى بن يَعْمَر ؛ وذلك عندما أمر الخليفة الأموي عبدُالملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق (75-95هـ) أن يضع علاجًا لمشكلة تفشي العجمة ، وكثرة التصحيف ، فاختار كلا من نصر بن عاصم ، ويحيى بن يَعْمَر لهذه المهمة ؛ لأنهما أعرف أهل عصرهما بعلوم العربية وأسرارها ، وفنون القراءات وتوجيهها . نقل بتصرف من / موقع المكتبة الشاملة – مقال تطور كتابة المصحف الشريف وطباعته . (*4) نقل بتصرف من موقع / ن للقرأن وعلومه – هل غير الحجاج في حروف المصحف . (*5) نقل بتصرف من موقع
karamiraq.yoo7.com/t1092-topic
هل غير الحجاج ابن يوسف الثقفي في حروف القرآن .

Posted in فكر حر | Leave a comment