آخر ما دوّنه كيانوري السكرتير الأول لحزب توده ايران قبل رحيله

نور الدين كيانوري 1915-1999

ترجمة عادل حبه

مقدمة عادل حبه

في الآونة الأخيرة حصل موقع “راه توده” على مدونة للفقيد نور الدين كيانوري السكرتير الأول السابق لحزب توده ايران، والتي دونها قبل أشهر من رحيله. وتلقي المدونة الأضواء على العديد من القضايا والأحداث التي مرت على إيران بعد الثورة، ومنها المأساة التي تعرضت لها الساحة الإيرانية إثر حملات التصفية والملاحقات التي تعرضت لها الحركات السياسية الإيرانية يسارية كانت أم قومية ووطنية وحتى تيارات إسلامية من التي لا تنسجم رؤياها مع النهج الديني المتشدد المتربع على السلطة في البلاد. وقد نشر الموقع الجزء الخاص في المدونة حول ما تعرض له حزب تودة من مطاردات وإعدامات وسجون وفبركة الاتهامات المتنوعة بهدف تشديد ماكنة القمع ضده وتبشيع صورته أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
ولابد من الإشارة إلى أن سعي السلطات الاستبدادية والمستبدين عموماً في العالم لاقصاء أية حركة سياسية أو تيار فكري أو شخصيات سياسية عن طريق الملاحقات والتصفيات الجسدية والسجون وفبركة الاتهامات الباطلة وانتزاع الاعترافات من السجناء والمعتقلين المنتمين إلى الحركات السياسية الأخرى هي ظاهرة ملازمة لكل أنظمة الاستبداد علمانية كانت أم قومية أو تلك التي تتستر بالرداء الديني والمذهبي والطائفي، بغض النظر عن ما يعلن عن طبيعة هذه الأنظمة. فلو تصفحنا كتب التاريخ وأحداثه لشاهدنا صوراً بشعة ولا إنسانية عن هذه الممارسات. وبلغ الأمر حداً أن مورست هذه الأساليب أثناء العهد الستاليني في الاتحاد السوفييتي وخاصة في العقد الثالث من القرن الماضي، تعرض الآلاف من قادة الحزب الشيوعي السوفيتي والجيش السوفييتي إلى أبشع أساليب انتزاع الاعترافات بواسطة التعذيب والتي تراوحت بين العمالة للنظام الهتلري أو السعي للإطاحة بالقوة والانقلاب على سلطة ستالين و “معاداة الشعب” والتجسس لصالح دول أجنبية. وقد راح ضحية هذه الممارسات التعسفية عشرات الآلاف من خيرة كوادر الحزب والدولة السوفييتية والجيش السوفييتي. وتكررت هذه الصورة المشينة في ألمانيا حيث وجهت تهمة حرق مبنى الرايخشتاغ إلى الحزب الشيوعي الألماني والكومنترن وأودع قادة الحزب الشيوعي السجن ومن ضمنهم زعيم الحزب آرنست تيلمان ومحاكمة الزعيم الشيوعي البلغاري ديمتروف. ومورست هذه التقليعة المشينة في الولايات المتحدة في الفترة المكارثية وفي أوج الحرب الباردة تحت شعار “مكافحة النشاط المعادي للولايات المتحدة”. وعلى نفس الهوى، راح صدام حسين يقلد هذه الممارسات بحيث راح يفبرك الاتهامات الكاذبة ضد التيارات السياسية والمواطنين العراقيين وزجهم في السجون وأصدار أحكام الإعدام بالجملة ضد من ينافسه أو من يشم منه رائحة الأختلاف على طريق الاسقاط السياسي لمنتسبي الأحزاب الأخرى. وكمثال واحد على هذه الممارسة المشينة هو تنفيذ أحكام الإعدام ضد 31 شاباً عراقياً شيوعياً ومؤازراً باتهام محاولة الانقلاب؟؟ في أيار عام 1978.
وفي تاريخ الاستبداد الإيراني هناك الكثير من هذه الأمثلة، ومنها اتهام حزب توده ايران بمحاولة اغتيال الشاه في عام 1949، وأصدار قرار بحظر نشاط الحزب وشن حملة من الاعتقالات ضد قادة الحزب ومنهم نور الدين كيانوري لمجرد العثور في جيب منفذ المحاولة على بطاقة العضوية في حزب توده؟؟، ولا ندري كيف يتوجه هذا الشخص صوب تنفيذ مثل هذه المحاولة دون أن يفرغ جيوبه من الوثائق التي تدل على هويته!!. وبالرغم من انتصار الثورة الايرانية في عام 1979 وانهيار حكم الشاه الذي سار على النمط نفسه في إدارة الدولة، إلاّ أن النظام الجديد لم يتخل عن الأساليب التي اتبعها أسلافه في التعذيب وانتزاع الاعترافات الكاذبة وتوجيه تهم التجسس والعمالة للأجنبي والتسقيط السياسي والاستعانة بالساواك الشهنشاهي السابق لتكريس هذه الممارسات التي أودت في ليلة واحدة في حملة “تنظيف السجون” في إيران الإسلامية إلى إعدام الآلاف من منتسبي مختلف الأحزاب السياسية في عام 1987 في حادثة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الاستبداد الإيراني.
عن هذه الأساليب المدانة والتجارب المريرة التي تعرض لها حزب توده، يتحدث الفقيد كيانوري في مدونته عن بعض، وليس عن كل أساليب الاستبداد المقيت. فهناك الكثير من الأحداث التي لم تتوفر الفرصة لكيانوري متابعتها أو فات عليه استذكارها أو الإشارة إليها في ظروف سجنه الأخير. لقد عايشت الفترة التي أعقبت الثورة الإيرانية، وتم اعتقالي في الفترة التي سبقت الحملة على حزب توده واعتقال قادته وكوادره وأعضائه. ولذا سأسعى إلى التدقيق بشكل سريع ومختصر في بعض ما جاء في مدونة كيانوري بناء على ما لمسته وما توصلت إليه من استنتاجات قبل وأثناء فترة السجن. يشير كيانوري إلى أربعة عوامل أدت إلى شروع أطراف في الحكم في إيران بعد الثورة إلى شن حملتهم ضد الحزب. وأود أن أشير إلى عامل إضافي خامس في هذا الإطار، وهو خشية أطراف عديدة داخلية وخارجية من أي تقارب بين التيار اليساري الذي قوى عوده خاصة بعد التقارب بين تيارين يساريين مؤثرين هما حزب توده ومنظمة فدائيي خلق ( الأكثرية)، وبينهما وبين أحد أطراف الحكم في إيران والذي عرف آنذاك بـ “خط الإمام”، هذا التقارب والانسجام الذي قد يؤدي إلى تبعات ونتائج على النطاق الداخلي والاقليمي والعالمي مما يثير حفيظة قوى متباينة في الداخل من ناحية، ومن ناحية أخرى يثير حفيظة قوى اقليمية ودولية وخاصة الغرب ودوائرها المخابراتية التي كانت تعمل بشكل محموم ضد أي تقارب بين هذين الاتجاهين. ومن بين الأساليب التي اتبعتها هذه القوى هو تجنيد كل الإمكانيات لتشويه وفبركة الاتهمات ضد حزب توده بالذات واليسار عموماً، هذا الأسلوب الذي يتناغم مع الرؤية الضيقة لبعض الأطراف السياسية الإيرانية الحاكم. وساهمت في الحملة حتى أطراف في الجبهة الوطنية الإيرانية التي أسسها للزعيم الوطني الراحل د. محمد مصدق لأسباب تتعلق بالخلافات التاريخية.
أما الملاحظة الثانية حول المدونة فهي، أن الفقيد يركز بالأساس حول احتمال إندساس في قيادة الحزب، والمقصود هنا عضو اللجنة المركزية “قائم پناه”، ويمر مر الكرام على الدور الذي لعبه الخائن فلاديمير كوزيچكين، ضابط المخابرت السوفييتي، في التحضير للمأساة التي تعرض لها حزب توده واليسار الإيراني عموماً. وفي الحقيقة أنه بعد اعتقالي في آذار عام 1980 من قبل نفس طاقم الساواك الذي اعتقلني عام 1964 في طهران، اكتشفت أن جهاز المخابرات بقي نفسه، وكان يركز جهده على نشاط التيارات اليسارية بالذات مع حذف الدوائر والاقسام التي كانت تلاحق التيارات الدينية في عهد الشاه، والتي شاركت في الحكم بعد الثورة. ومن المعلوم أن هذه الطواقم المخابراتية كانت لها في زمن الشاه علاقات متينة مع أجهزة المخابرات الغربية واسرائيل، وهناك دلائل على على استمرار هذه العلاقات بهذا الشكل أو ذاك. وراحت هذه الأطراف تفتش على أنجع الأساليب لتحقيق غاياتها في التأثير على مسار الأحداث في إيران لصالحها. ووجدت هذه الأطراف الداخلية والمخابرات الخارجية ضالتها في تجنيد ضابط المخابرات السوفييتية فلاديمير كوزيچكين الذي كُلّف بمهمة الصلة مع الأحزاب الإيرانية في نهاية عام 1979، كما كُلِّف بمهمة حزبية للعلاقة بين الحزب الشيوعي السوفييتي وبين حزب توده إيران، وهي ممارسة دأب عليها الحزب الشيوعي السوفييتي مع كل الأحزاب الشقيقة وبضمنها الحزب الشيوعي العراقي، وهي ليست علاقة سرية بل معروفة للقاصي والداني، وتمارسها كل الأنظمة ومن ضمنها النظام الإيراني مع الأحزاب الدينية المتعاطفة معه في سائر أرجاء العالم. علماً أن الحزب بعد الثورة فتح مقراً له وكان يستقبل وفوداً من الأحزاب الشيوعية وغير الشيوعية التي كانت تفد إلى العاصمة طهران. وقد كلفتني قيادة الحزب الشيوعي العراقي بالعلاقة مع هذا الشخص بناءاً على اتفاق بين الحزبين وذلك لنقل رسائل وتوجيهات قيادة الحزب الشيوعي العراقي، التي أصبحت خارج البلاد بعد أن شنت السلطات البعثية العراقية حملتها على الحزب، إلى القيادة الميدانية التي بدأت تستقر في جبال كردستان العراق، أي علاقة تخص حاجة الحزب إلى إيصال البريد الحزبي إلى الداخل فحسب. ولكن بعد عدة لقاءات مع هذا الشخص فاجأني بتقديم ورقة كتب عليها أسماء بعض من رجال الدين الإيرانيين، وطالبني بكتابة تقارير عنهم، أي ممارسة التجسس على الشأن الإيراني، وهو أمر سيء ويضر بالعلاقة بين الحزبين ولا يدخل في صلب مهمتي الحزبية في إيران. رحت أضرب أخماساً بأسداس حول هذه المفاجأة. فلم يعد هناك أي سر في إيران بعد الفوضى التي عمت إيران بعد الثورة حيث يستطيع أي متابع أن يحصل على أية معلومة دون الحاجة إلى الأسلوب المخابراتي، كما أن كل الوثائق السرية للحكم أصبحت منتشرة في الشوارع أو بيد الأحزاب المعارضة التي سطت على موجودات ومخزونات ووثائق الأجهزة الأمنية، على غرار ما حصل في العراق بعد إنهيار النظام في عام 2003. ولذا فوجئت بالطلب، وتبلورت لدي فكرة إن هذا الرجل أما استفزازي أو أحمق. ولذا أخبرت قيادة الحزب بالسلوك المريب لهذا الشخص وطلبت التحقيق حول هذا الحادث، كما أخبرت القيادة بقطع صلتي به، ولم أذهب بالفعل إلى المواعيد المحددة اللاحقة. كما أخبرت قيادة حزب توده بالخبر وحذرتهم من الصلة بهذا الشخص دون أن يتخذوا أية إجراءات.
وبعد مرور عدة أسابيع، أبلغني الرفيق الشهيد گاگيك أوانسيان، عضو ل.م. لحزب توده الذي أعدم لاحقاً في حملة تنظيف السجون في أواخر الثمانينيات، أن هناك بريداً مرسلاً من قيادة الحزب الشيوعي العراقي وعليك استلامه، وحدد لي الموعد والمكان الذي كان في شارع “ميرداماد” في شمال طهران بعد الظهر. توجهت إلى الموعد، وفوجئت بالشخص نفسه ينتظر في شارع فرعي، توجهت إليه وكان مرتبكاً وسلّمني على عجل ظرفاً يحوي رسائل لم أعرف محتواها إلاّ بعد القبض عليّ وهي رسائل من المكتب السياسي. كما دس على عجل شدّة من النقود الإيرانية لم أعرف سبب دسها. فقد كنت في ضيافة حزب توده إيران ولست بحاجة إلى أي عون مادي. وما أن دسّ المبلغ في جيبي حتى غادر مسرعاً المكان دون أن تتيح لي الفرصة لإرجاع المبلغ. وما أن غادر المكان بسرعة عجيبة حتى بان عدد من السيارات وقد أضاءت الأضواء القوية العالية في محاولة تطويقي واعتقالي، وتوجهت بسرعة إلى بعض الشوارع الفرعية، ولكن المنطقة كانت مطوقة من أجهزة الأمن حتى تم اعتقالي.
قادوني إلى أحد مقرات “الساواك” الذي تغير أسمه إلى “ساواما”، وما أن وصلت حتى طلبوا مني المبلغ وزلت ألسنهم وأشاروا إلى مقداره….10 آلاف تومان !! كانوا يعرفون مقدار المبلغ قبل أن يعدوه أمامي، مما يعني أنهم هم من سلموه هذا المبلغ. وتحول الشك لدي أزاء كوزيچكين إلى يقين بأنه يتعامل على الأقل مع المخابرات الإيرانية، وقد سلموه هذا المبلغ لدسه في جيبي كي يكون أحد الأدلة ضدي. علماً أنه لم يعتقل، وهذا ما أكد لي السمة الاستفزازية لهذا الشخص، كما تبين لي حجم وخطورة المخطط الذي يواجهه حزب توده وأنا. وبدأ التحقيق معي حول دور الأحزاب الشيوعية والاتحاد السوفييتي في التآمر على النظام الجديد، وعن انخراطي في التجسس على الجمهورية الاسلامية وعن تواطؤي وعلاقتي مع حزب توده وعن علاقتي برجل المخابرات السوفييتي كوزيچكين. وقد قام بالتحقيق “أفندية” وليس ملتحين ومعممين، وكان من بينهم شخص سبق وأن حقق معي أثناء اعتقالي في عام 1964 وأسمه السري “علي زاده”، وعرفت لاحقاً أنه من عائلة كربلائية معروفة من بيت المراياتي. طلبت منهم أدلة، صورة أسود أبيض أو ملونة عن لقائي بالضابط السوفييتي أو مع قيادة حزب توده!! يبدو أنهم كانوا مرتبكين ولم يتسن لهم التقاط الصور وتوفير الأدلة. كما طلبت منهم أية دلائل عن تهمة الجاسوسية!! عرفت فيما بعد أن الرسائل التي استلمتها من الاستفزازي هي رسائل من المكتب السياسي حول الأوضاع التي أحاطت بالحزب بعد الحملة التي تعرض لها عام 1978 في العراق، ولا ليس لها أية إشارة إلى إيران. حاول المحققون بشتى الطرق والضغوط فرض أعترافات هم يسعون إليها لإدانتي مع مغريات مصحوبة بالتهديدات بإطلاق سراحي. ولكنني والحق يقال خيّم عليّ الهدوء وبرودة الأعصاب ورباطة الجأش بحيث لم يستطيعوا زحزحتي عن موقفي.
بعد فترة تم نقلي إلى معسكر “جمشيدية” في وسط طهران والتابع للانضباط العسكري. وكان المعتقل فارغاً باستثناء معتقل واحد هو الأدميرال مدني قائد القوة البحرية يعد الثورة، وكان قد وجه الاتهام له بالعمل لصالح المخابرات المركزية؟؟ حاولت في معتقل جمشيدية التعرف على أي شخص من بين الحراس، وجميعهم من الجنود، قد يستطيع إيصال خبر اعتقالي إلى زوجتي وأطفالي الذي كانوا في طهران. وبعد جهد جهيد وأحاديث مع الجنود الحرس، استطعت التعرف على أحد الجنود الذي يتعاطف مع حزب توده، ورجوته أن يجلب لي قلم وورقة دونت فيها إصراري على تواطؤ الموظف السوفييتي مع المخابرات الإيرانية، بل وحتى البريطانية وحذرتهم من أن الضربة ضد حزب توده آتية لا ريب فيها، وينبغي الحذر من هذه المؤامرة. وطلبت من هذا الجندي النبيل أن يسلم الرسالة إلى الرفيق محمد علي عموئي. وقد أخبرني هذا الجندي وصول الرسالة، كما إن زوجتي أكدت لي بعد إطلاق سراحي عن وصول الرسالة أيضاً. وأعيد التحقيق في “جمشيدية” وتكررت الأسطوانة نفسها والاتهامات نفسها ومع نفس إصراري على نفي هذه الاتهامات. ثم تم نقلي إلى سجن “ايڤين” الشهير واودعت في زنزانة معزولة كلياً عن العالم الخارجي يحيث لم أسمع أي صوت، ثم نقلت إلى القاطع الثالث ثم الرابع، حيث زارني

الشهيد محمد منتظري سيد كاظم بجنوري

الفقيد محمد منتظري( لجأ إلى بيتنا عام 1972 بعد فراره من إيران وقتل في حادث افجار الحزب الجمهوري في عام 1981) وسيد كاظم بجنوردي( استعان بي لترجمة كتاب “اقتصادنا” للشهيد محمد باقر الصدر)، والذين قضيا معي مرارة السجن في عهد الشاه في سجن قصر في عقد الستينيات من القرن الماضي. مرت الأيام، وزارني في السجن أيضاً القنصل السوري أياد المحمود الذي أخبرني عن الجهود المبذولة لإطلاق سراحي بعد طلب الرفيق عزبز محمد من الرئيس الراحل حافظ الأسد التدخل لدى آية الله الخميني في هذا الشأن. وبعد بضعة أيام تم نقلي إلى سجن مطار مهرباد، وكان ينتظرني هناك السيد كفاش زاده من مكتب الخميني ليرافقني إلى الطائرة التي أقلتني إلى دمشق.*
وإلى القارئ الكريم نص ترجمة المدونة التي كتبها الفقيد نور الدين كيانوري.

أسباب الحملة ضد حزب توده وفترة السجن

لماذا تعرض حزب توده ايران لهذه الحملة بالرغم من المساعدات البالغة الأهمية التي قدمها للجمهورية الاسلامية الإيرانية؟

1- الموقف المعارض للحزب في مسألة استمرار الحرب بعد الانتصارات الباهرة في تحرير خرمشهر وعبور الجيش الايراني لشط العرب والانتقال إلى الأراضي العراقية.

لقد أعلن حزب توده ايران بوضوح أن “استمرار الحرب سيلحق بالبلاد كارثة لا يمكن تلافيها”. وطرح هذا الموقف في الوقت الذي عبأت كل الإمكانيات في البلاد لاستمرار الحرب “بأمل الانتصار السريع”. من الصحيح القول أن هذا الموقف له علاقة بحرص الحزب على المصلحة الوطنية، وكان موقفاً شجاعاً في ظل الجو السائد لدى السلطة الحاكمة. ولكن تحذير الحزب لم يلق أذناً صاغية، حتى وإن وجد من يقتنع بهذا الرأي، فإنه لم يكن يملك الشجاعة لدعم هذا الموقف. فما جرى هو العكس حيث راحت مطبوعات الحكومة وغير الحكومة بشن حملة ضد الحزب متمهة أياه “بالتخريب” و “إضعاف معنوية المقاتلين” الذين يخوضون المعارك بحماس من أجل إبادة المعتدي! إن ست سنوات من حرب الاستنزاف أدت إلى مئات الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف من الأسرى وأكثر من 100 مليار دولار من الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الوطني والخراب ببقاع واسعة من غرب البلاد وو…وهذا يؤكد على مدى شجاعة تنبؤات حزب توده ايران عندما حذر من ” الكارثة التي لا يمكن تلافيها”.

2- التغير في سياسة الاتحاد السوفييتي وتزويده العراق بالسلاح

إن سياسة الاتحاد السوفييتي تجاه ايران قبل شهرين من انتصار الثورة في 11 شباط عام 1979 وحتى بعد أشهر من توغل الجيش الإيراني في الأراضي العراقية
كانت قائمة على الدعم الشامل للثورة، وأبدى الاتحاد السوفييتي استعداده لتقديم العون في كل المجالات. وانعكس هذا الدعم في “تحذير برجنييف” لأمريكا حول عدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية في الوقت الذي بدأ “الجنرال هويزر”(مبعوث البنتاغون إلى طهران في أوج موجة الاحتجاجات الشغبية ضد حكم الشاه -ع.ح.) في طهران بالتدابير من أجل دعم الجيش الإيراني للقيام بانقلاب عسكري والذي استمر لمدة سنتان ونصف.
وبعد انتصار الثورة، وعلى إثر فرار الكثير من المسؤولين والخبراء الإيرانيين والأمريكان، تعرضت الكثير من المصانع الإيرانية إلى نواقص جدية. وأعلن الاتحاد السوفييتي مباشرة عن استعداده لتقديم المساعدة على سد احتياجات ايران في جميع المرافق، واستمر على تقديم عروضه، بالرغم من السياسة المعادية للاتحاد السوفييتي التي اتبعها رئيس الحكومة المؤقتة المهندس مهدي بازركان الذي سعى إلى جلب دعم الولايات المتحدة التي كانت تعمل في ذلك الوقت على تدبير انقلاب عسكري.
إن الوثائق التي تم العثور عليها في السفارة الأمريكية بعد احتلال الطلبة للسفارة تشير بوضوح إلى هذين الاتجاهين. ففي لقاء بين عباس أمير انتظام، المعاون السياسي للمهندس بازركان، وبين ضابط ” المخابرات المركزية “، تشير الوثيقة الموجهة من السفارة إلى وزارة الخارجية الأمريكية إلى ما يلي:
“أشار انتظام إلى سوء ظن زعماء إيران تجاه الاتحاد السوفييتي، وقال يعتبر السفير السوفييتي أكثر السفراء نشاطاً في طهران….وهو يقدم يومياً كل العروض والمقترحات لمؤسسات الدولة. ولكن يتم رفضها، ولكنه يحاول أن يقدم عروضه من جديد”. وقال أمير انتظام:” إن نشاط الاتحاد السوفييتي ينصب على مواجهة أمريكا، وينظر الإيرانيون إلى ذلك على أنه مجرد موقف انفعالي”.
وإضافة إلى كل المقترحات والعروض في مختلف الميادين، فإن الاتحاد السوفييتي قدم معلومات بالغة الأهمية عن مؤمرات أمريكا عن طريق حزبنا وسلمت إلى الحكومة الإيرانية، وسأعرج على ذلك في مدونة أخرى. ولكن أهم خطوة اتخذها الاتحاد السوفييتي لمساعدة ايران تمثلت في قطع الأمدادات والتجهيزات العسكرية إلى العراق بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية.
في فترة الشاه، عقد العراق معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي في جميع المجالات وخاصة في ميدان تأمين المعدات العسكرية. وعند عدوان العراق على إيران كانت أغلب المعدات العسكرية التي يملكها العراق هي معدات سوفييتية. وبعد العدوان مباشرة، قطع الاتحاد السوفييتي كل إمداداته العسكرية إلى العراق. وقد أعلن صوت أمريكا في ذلك الوقت أن باخرتين سوفيتيين محملتين بالمعدات العسكرية كانت متجهتين إلى العراق قد أمرت بالعودة إلى الموانئ السوفييتية. وقد تم تأكيد هذا الموقف على لسان ممثل مؤسسة البحوث الستراتيجية الكندي في الكونفرنس العالمي الذي نظمته وزارة الخارجية الإيرانية بعد نهاية الحرب. فقد أشار بصراحة إلى أنه في العامين الأولين من الحرب، رفض الاتحاد السوفييتي تزويد العراق بالمعدات العسكرية، ولكن بعد دخول الجيش الإيراني إلى الأراضي العراقية استأنف ارسال المعدات العسكرية من جديد إلى العراق. وقد نُشرت تفاصيل هذا الكونفرنس في جريدتي كيهان واطلاعات الايرانية.
ويجب عليّ أن أضيف إلى ما أشير أعلاه أن موقف قادة ايران تجاه الاتحاد السوفييتي الذي أشار إليه أمير انتظام لا ينطوي على سوء الظن ورفض المساعدات التي عرضها الاتحاد السوفييتي فحسب، بل من الناحية العملية وجهت ضربة قوية إلى الاتحاد السوفييتي عن طريق قطع صادرات الغاز إليه بناء على نصيحة من “الأصدقاء الأمريكان للحكومة المؤقتة”. وقد أشير إلى ذلك بشكل صريح في الوثائق التي عثر عليها في السفارة الأمريكية بعد احتلالها من قبل الطلبة، وكلي أمل أن أعود للبحث في هذا الموضوع.
لقد رفضت الجمهورية الاسلامية الايرانية القرار المرقم 589 الذي أصدره مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، كما رفضت كل الشروط والأمكانيات المناسبة بعد الهزيمة النكراء للجيش العراقي في خرمشهر واستعداد العربية السعودية والكويت بتعويض خسائر ايران البالغة 50 مليار دولار. ويعود السبب في رفض القيادة الايرانية الظروف المساعدة لوقف الحرب هو التقدير الخاطئ لهذه القيادة لمدى ضعف العراق، وكون الجيش الإيراني أصبح من القوة بحيث يمكنه من إنزال ضربة مهلكة بالعراق خلال فترة قصيرة. وقد أشار حزب توده ايران في آخر برنامج له “سؤال وجواب” إلى أن هذا الطريق المسدود يشكل “نذير كارثة على إيران”. إن الدولة السوفييتية التي عقدت مع العراق قبل سنوات معاهدة الصداقة والتعاون، اضطرت بموجب هذه المعاهدة إلى معاودة ارسال المعدات العسكرية التي يحتاجها العراق بعد وقفها لمدة سنتين. ففي تلك الفترة كان الاتحاد السوفييتي قد عقد مع العديد من دول العالم ، كسورية ومصر والهند، معاهدات صداقة وتعاون من أجل الحفاظ على استقلال هذه الدول أزاء التهديدات الأمريكية، وإن أي اخلال بتعهداته تجاه العراق من شأنه أن يوجه ضربة قوية إلى هيبة الاتحاد السوفييتي.
لقد أدى هذا التغيير في سياسة الاتحاد السوفييتي إلى وضع حزب توده ايران في ظروف بالغة الصعوبة، وبدون أدنى شك فإنه شكل عاملاً مؤثراً في القرار الذي اتخذته السلطات الايرانية في توجيه ضربتها صوب الحزب.

3- دخول القوات السوفييتية إلى الأراضي الأفغانية

يشير تاريخ افغانستان خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى أن هذا الشعب المنكوب كان من الشعوب القلائل التي تعرضت إلى مثل هذا الحرمان، ويعيش الآن أسود فترة في تاريخه ( كتبت هذه المدونة عندما كان الطالبان يمسكون بزمام الأمور في أفغانستان- ع.ح.) .
وبدأت محنة شعب أفغانستان في عام 1973 مع قيام داود خان باسقاط الشاه محمد ظاهر وإزاحته عن العرش الأفغاني. لقد اتبع محمد ظاهر شاه في عهده سياسة معتدلة ومتوازنة تجاه جاره القوي الاتحاد السوفييتي ووتجاه أمريكا عن طريق العربية السعودية، وسمح لباكستان بإقامة قاعدة عسكرية في أفغانستان، وهكذا حافظ على التوازن بين الاتحاد السوفييتي وامريكا وحلفائها.

انقلاب داود خان العسكري

كان داود خان، وهو ابن عم محمد ظاهر شاه، يعد العدة منذ سنوات لاستلام السلطة، وأصبح بعد الانقلاب من اتباع أمريكا. لقد كان يعلن لسنوات أنه من أصدقاء الاتحاد السوفييتي، وكان يتمتع بالراحة سنوياً في منتجعات الاتحاد السوفييتي. لقد خَدَع داود خان الاتحاد السوفييتي، واستطاع بمساعدة الضباط الذين درسوا في الاتحاد السوفييتي أن يجندهم للقيام بانقلاب عام 1973، وأعلن النظام الجمهوري وأبعد محمد ظاهر شاه خارج البلاد واستقر في روما عاصمة ايطاليا.
ما لبث داود خان بعد أن استلم زمام الأمور في البلاد أن أماط اللثام عن وجهه الحقيقي وتقارب مع شاه إيران، وابدى الأخير بإشارة من أمريكا استعداده لتقديم قرض قدره 2 مليار دولار. ومن ناحية أخرى بادر داود خان إلى إزاحة أصدقاء الاتحاد السوفييتي من مناصبهم وهم الذين قدموا المساعدة في نجاح انقلابه. وشرع بملاحقة ومطاردة الحزب الديمقراطي الافغاني الذي كان يتمتع بنفوذ بين الشعب. إلاّ أن خيانته لم تحقق أهدافها فسرعان ما قام الحزب الديمقراطي الافغاني بانقلاب من نفس أؤلئك الضباط وأُطيح بداود خان.

الحزب الديمقراطي الافغاني

على الرغم من أن هذا الحزب يعد من أكثر المنظمات السياسية نفوذاً في البلاد، إلاّ أن نهايته كانت محزنة للغاية. في أول مؤتمر لهذا الحزب انتخب ” نور محمد تَرَكي” سكرتيراً أولاً للحزب وببرك كارمل السكرتير الثاني. كان تركي ينحدر من القومية “البشتونيه” في حين كان بابرك كارمل ينحدر من القومية “الدريه”. وبعد مؤتمر الوحدة اندلعت الخلافات الحادة بين الرجلين، وكان تركي طموحاً إلى حد بعيد وادعى أن له الحق كسكرتير أول بالحزب أن يقوم بتعيين أعضاء السكرتارية ومسؤؤلي اقسام اللجنة المركزية دون الرجوع إلى رأي السكرتير الثاني. وفي نهاية هذه الاختلافات بين وجهة نظر شقي الحزب؛ أي كتلة “خلق” التي يتزعمها تركي وكتلة “ڀرچم” التي يتزعمها ببرك كارمل، ومع مرور الوقت سيطرت كتلة تركي على السلطة التنفيذية للدولة وعينت قادة الكتلة الأخرى كسفراء في دول أوربا الشرقية.
وينبغي أن نضيف بهذا الصدد إلى حقيقة أن الطلبة الذين احتلوا السفارة الأمريكية في طهران عثروا على وثيقة موجهة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية إلى السفارة في طهران تشير إلى أن انقلاب داود خان و “ثورة” الحزب الديمقراطي الأفغاني قد جرت بدون علم السلطات السوفييتية.
بعد هذا التاريخ مرت فترة مريعة في الأجواء السياسية الأفغانية: فقد كان تركي ميالاً للشهرة ومبتلى بمرض التسلط، هذا المرض الذي استغله وكلاء وعملاء الولايات المتحدة في أفغانستان وسربوا حفيظ الله أمين عميل أمريكا كبديل لتركي إلى أجهزة تركي، وأضفوا عليه مختلف أنواع الألقاب مثل ” القائد الداهية” و ” بطل كل المحرومين في العالم”، وأصبح مصدر ثقة تركي. وقام حفيظ الله أمين بزيارة إلى أمريكا وتلقى الأوامر الضرورية من أسياده، وبعد عودته عينه تركي رئيساً للوزراء. وبعد ذلك اتخذ أمين سلسلة من التدابير لتصفية الجيش من القادة الموالين للاتحاد السوفييتي وعين بدلهم الضباط المتخرجين من المعاهد العسكرية الأمريكية. تابع الاتحاد السوفييتي هذه الخطوات بدقة، وحذر تركي من استمرار هذه الاجراءات بدون أن تترك لديه أي أثر. في تلك الفترة، كان تركي يستعد للمشاركة في مؤتمر عدم الانحياز مستخدماً طريقه وعودته عبر موسكو. وفي موسكو قدم القادة السوفييت الوثائق التي لا يمكن دحضها حول عمالة أمين لأمريكا، ووعدهم بإزاحة أمين بعد عودته إلى أفغانستان. ويبدو أن أمريكا قد اطلعت على مجريات الأمور، وبمجرد عودة تركي وقبل أن يتخذ أي إجراء؛ استبق حفيظ الله أمين الأحداث واعتقل تركي في غرفة نومه وأعلن عن إصابة تركي بالسكتة القلبية ويخضع للمعالجة الطبية. وبعد فترة تم خنقه من قبل ضابطين من أنصار أمين بواسطة وسادة وضعت على أنفه. وقد هرب أحد الضابطين إلى الخارج بعد سقوط حفيظ الله أمين، أما الضابط الآخر فقد تم اعتقاله واعترف خلال استجوابه.
وهكذا لم يكن أمام الاتحاد السوفييتي القبول بهذا الواقع وتسليم كل الأمور في أفغانستان بيد أمريكا، وقرر إرسال قواته إلى أفغانستان. واتخذ هذا القرار زعيم الاتحاد السوفييتي آنذاك ليونيد برجنيف، مع اعتراض أندروبوف رئيس ك.ج.ب. على هذا القرار.
من منطلق الاحترام لآية الله الخميني، كلّف الاتحاد السوفييتي سفيره في طهران في الليلة التي سبقت التدخل السوفييتي في أفغانستان بتوضيح هذه الخطوة السوفييتية للزعيم الإيراني. فقد توجه السفير السوفييتي إلى مدينة قم وانتظر حتى السحر كي ينهي الخميني صلاة السحر كي يوضح له الرسالة الشفهية التي وجهها إليه ليونيد برجنيف. وهكذا وفي صباح يوم 25 كانون الأول/ديسمبر 1979 دخلت وحدات من الجيش السوفييتي الأراضي الأفغانية ، وتم على الفور توقيف حفيظ الله أمين وعدد من معاونيه وقدموا إلى محاكمة علنية قضت بالحكم عليه بالإعدام.
ولكن هذه البداية الموفقة انتهت في نهاية الأمر بموجة من الآلام للجيش السوفييتي. فقد استغلت الولايات المتحدة هذه الخطوة مستفيدة من المشاعر الوطنية للشعب الأفغاني الذي كان يعادي بشدة كل تدخل لجيش أجنبي في أراضيه. ومن خلال جملة من العلاقات مع مختلف الأقوام الأفغانية، شرعت الولايات المتحدة بتقديم السلاح والذخائر والمساعدات المالية مما حولت الأراضي الأفغانية إلى مستنقع للجيش السوفييتي. وأعلنت المحافل الخبرية الرسمية وغير الرسمية في أمريكا أنه قد آن الأوان للانتقام من الاتحاد السوفييتي جراء الفشل الذي لحق بأمريكا في الحرب الفيتنامية. وحفلت الصحافة ووسائل الإعلام بموجة من الأكاذيب حول ما سمي بجرائم الجيش السوفييتي.
وبعد ست سنوات من الحرب وبعد أن تولى غورباتشوف مقاليد الأمور اتخذ القرار بسحب الجيش من أفغانستان. ولم يجر الإعلان عن تكاليف هذه الحرب وخسائرها. وبعد خروج الجيش السوفييتي من أفغانستان، استطاع الجيش الأفغاني للدولة الأفغانية التي يتزعمها الرئيس محمد نجيب الله أن يشيع الاستقرار في البلاد رغم المساعدات المالية السخية والمعدات العسكرية التي وفرتها العربية السعودية والباكستان إلى الميليشيات المسلحة. ولكن على أثر خيانة قادة الوحدات الشمالية للجيش الأفغاني بقيادة الجنرال دوستم، ومحاولات

محمد نجيب الله
(1947-1996)
الانقلاب الذي دبره رئيس أركان الجيش أديا إلى تشتت الجيش، مما سهل على الميليشيات المسلحة السيطرة على كابل مما دفع بنجيب الله اللجوء إلى مقر الأمم المتحدة في كابل. وهكذا استطاعت أمريكا الهيمنة على أفغانستان.ومنذ ذلك الحين اندلعت الحرب بين المجاميع القومية المختلفة في أفغانستان؛ أي بين الپشتون والطاجيك والدري (هزاره) والأوزبك في مختلف بقاع أفغانستان إلى أن قامت أمريكا والعربية السعودية والباكستان بتقديم الدعم لمجموعة قروسطائية “الطالبان” وبتقديم الدعم عبر الباكستان بالدبابات والطيران والصواريخ التي توالت على أفغانستان. وهكذا دشنت أفغانستان أسود مرحلة في تاريخ الشعب الأفغاني المظلوم، ولا يمكن التنبوء متى ستنتهي هذه المرحلة؟ (كتبت هذه المدونة قبل سقوط حكم الطالبان في عام 2001 بعد غزو الولايات المتحدة للبلاد إثر أحداث سبتمبر 2001. ع.ح.).

4- النمو الكمي والنوعي لنفوذ حزب توده ايران، واتحاده مع منظمة فدائيي الشعب.

توجيه الضربة

قبل بضعة أسابيع من توجيه الضربة، شنت الصحافة الرسمية حملة معادية
للحزب رافقها تشديد في الملاحقة والرقابة ليل نهار على أعضاء الحزب مما

الشهيد عباس حجري ومحمد علي عموئي
الصورتان مهداتان إلى عادل حبه في قاطع رقم أربعة في سجن قصر عام 1967

احسان طبري فرج الله ميزاني
1917-1989 1927-1987

قيادة الحزب إلى الشعور بالخطر من اقتراب توجيه الضربة ضده. وبالاقتران مع هذا الخطر المحدق، قرر المكتب السياسي توفير الإمكانيات لخروج عدد من قادة الحزب والكادر المركزي الذي سبق وأن قدم إلى إيران بعد الثورة. ومن أجل إدارة الحزب تقرر أن يبقى الرفيق عموئي في إيران لإدارة شؤون الحزب، كما تطوع الشهيد عباس حجري للبقاء أيضاً. وأصر الرفاق على ضرورة أن نغادر أنا وطبري إيران وبسرعة. وقد رفضت هذا القرار إذ عزّ عليّ أن اترك الرفاق ليتلقوا هذه الضربة.علمنا قبل تاريخ الضربة عن فرار كوزيچكين (ضابط المخابرات السوفييتية العامل في السفارة السوفييتية في طهران والذي تمرد على السلطة السوفييتية وتعاون مع المخابرات البريطانية والايرانية على حد سواء ثم لجأ إلى بريطانيا-ع.ح.). وقد أبلغ الرفاق السوفييت مهدي برتوي عدة مرات وطالبوا عاجلاً بمغادرة كيانوري وفروغيان إيران. فروغيان كان على معرفة بالطرق شمالي خراسان ورافق الشهيد ميزاني وابنته التي كانت تتلقى التعليم في الاتحاد السوفييتي وكانت قد زارت إيران دون أن تتمتع بتأشيرة دخول ثانية إلى الاتحاد السوفييتي. بالطبع رافق ميزاني ابنته فقط حتى الحدود ولهذا لم تناله الضربة الأولى. فبعد أن عاد إلى طهران أجرى اتصالاً هاتفياً مع زوجته واخبرته بحملة الاعتقالات واستطاع الوصول إلى مكان اختفائه.

احتمال الخيانة قبل توجيه الضربة

في البداية ينبغي التمييز بين الخيانة وبين الضعف تحت طائل التعذيب. فقد شوهدت في تاريخ الأحزاب العالمية الكبيرة كلتا الحالتين. ففي المحاكمات التي جرت في العقد الثالث من القرن الماضي في الاتحاد السوفييتي شاهدنا شخصيات بارزة مثل بوخارين وكامنييف وزينوفييف وعدد كبير من أبطال الحرب الأهلية والضباط الكبار في الجيش السوفييتي من أمثال المارشال بلوخر والمارشال توخاچفسكي وهم يعترفون بتجسسهم لصالح ألمانيا الهتلرية. إننا على علم بأن 3/4 مندوبي المؤتمر الثامن عشر للحزب في عام 1930 قد اتهموا بالخيانة وتمت محاكمتهم وإعدامهم. ونموذج على ذلك المارشال روكوسوفسكي وهو أحد أبطال الحرب الوطنية العظمى ضد المعتدين الهتلريين. فقد تم اعتقال هذا المارشال قبل سنوات من الحرب باتهام المشاركة في محاولة مفبركة من عدد من الضباط العقداء، وحكم عليه بالسجن المؤبد وبالأعمال الشاقة في سجون سيبريا. ولكن بعد هجوم الجيش الألماني، تطوع هو وآخرون كثيرون للمشاركة في الحرب. في البداية، تسلم قيادة فوج في الخطوط الأمامية من الجبهة، وأبدى نبوغاً قيادياً استثنائياً بحيث تقدم بسرعة في سلسلة المراتب ليصبح مارشالاً وقاد جبهات مؤثرة خلال الحرب. ويشير المارشال ژوكوف، أبرز قائد في الجيش السوفييتي في الحرب العالمية الثانية وفاتح برلين، في مذكراته إلى الدور الفعال جداً للمارشال روكوسوفسكي في خلال الحرب.

دور قائم پناه

غدا معلوماً لقيادة الحزب بعد الضربة الأولى إن أحد أعضاء اللجنة المركزية وهو “غلام حسين قائم ڀناه” قد تحول إلى جلاد ووضع نفسه في خدمة محققي الجمهورية الإسلامية. لقد كان قائم پناه أحد الأفراد الذين زكّاه أحمد علي رصدي مسؤول تنظيم الحزب في الاتحاد السوفييتي، وعاد إلى إيران وتطوع وشارك في نضال الحزب. وفي الدورة السابعة عشر لاجتماع اللجنة المركزية انتخب عضواً في اللجنة المركزية. وتشير وثائق التحقيق مع قادة الحزب إلى أن بداية خيانته اقترنت باعتقاله أو أنه كان على صلة قبل اعتقاله ، وكان يقدم المعلومات لوزارة المخابرات في الجمهورية الاسلامية وكان له دور في تحديد توجيه الضربة.
وبعد انتقال سجناء توده إلى سجن إيفين، حُشر في الغرف التي تضم كافة السجناء وذلك كي يتنصت على الأحاديث التي يتداولها السجناء حول الأفعال السلبية للجمهورية الاسلامية. وكان هذا الخائن محط ثقة فلاحيان ( علي فلاحيان وزير المخابرات السابق وعضو مجلس الخبراء-ع.ح.) الذي تولى تنفيذ مسلسل الإعدامات الجماعية في السجون الإيرانية عام 1988. وفي أحد الأيام وفي أثناء تنفيذ الإعدامات، جُلب غلام حسين قائم پناه بصحبة كل من الدكتور جودت ورصدي و گلاویژ، وعند التنفيذ تم إخفاءه ونفذ الحكم بالثلاثة الآخرين.
لقد علمت بخيانة قائم پناه منذ الايام الأولى لاعتقالنا. ففي أحد الأيام جلبوني إلى إحدى الغرف وأجلسوني على كرسي وبدأ التحقيق دون أن يعصبوا عيناي، وشرعوا التحقيق بخشونة وعنف. وعلى حين غرة دخل قائم پناه الغرفة وصفعني وقال: “أبن العاهرة اعترف بخيانتكم”. وعندها شرع بضرب مريم بالسوط (زوجة كيانوري) وابنتها أفسانه وأجبرت على رؤية هذا المشاهد المؤلمة ورأيت دناءة هذا الشخص. إن تفاصبل كل ذلك قد دونتها في الرسالة التي وجهتها من السجن إلى آية الله خامنئي، وسلمت نسخة منها إلى البرفسور گالیندپول ممثل الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التحقيق في قضية حقوق الإنسان في إيران ضمن تقريره الذي قدمه إلى هيئة الأمم المتحدة.

البرامج التلفزيونية

نور الدين كيانوري أثناء التحقيق وعرض البرامج التلفزيونية

لقد أشرت في البداية إلى التفاوت بين الضعف أمام التعذيب وبين الخيانة. إنني لا أعرف أي من الأصدقاء ممن لم يبد ضعفاً أثناء التعذيب. إنني شخصياً قد ضعفت أثناء التعذيب. ففي حديث لي أكدت على موضوعة الانقلاب، كما إنني اشتركت في المائدة المستديرة المعروفة بالقيادية وأشرت إلى الموضوع نفسه.
لقد انصب تركيز الجلادين أثناء التعذيب على الانقلاب وموضوعة تشكيل هيئة أركان الانقلاب وهو محظ كذب. وحتى تاريخ الانقلاب كان متناقضاً، تارة في آذار وتارة أخرى في نيسان. وفي أطار هذا الكذب الصريح جرى فبركة تركيبة مجلس الانقلاب ومجلس العمليات، وجرى تسمية وزارة خيالية أيضاً. وبلغ الأمرحداً أنهم وزعوا الوزراء والمناصب حسب الموقع الحزبي ومكانة الأفراد في سلم المراتب الحزبية. فعلى سبيل المثال تم تعيين طبري وزيراً للثقافة وكيانوري رئيساً للجمهورية، وعموئي وحجري في مناصب عسكرية. وبعد هذه الرواية المفبركة، اتخذ التعذيب طوراً أشد من سابقه، ومن ضمنها التعليق من اليدين والضرب الشديد بالكابلات لأن مخابرات الحرس الثوري قد صدقوا أن القوات السوفييتية ستعبر الحدود من أجل تقديم المساعدة للانقلاب.
بالطبع انتابني في مواقع أخرى الضعف، وسأورد ذلك في المجال المناسب. أحد مظاهر الضعف قد انتابني نتيجة لعامل آخر. كان في السجن حوالي 3000 سجين، ووجد من أبرز مشاعر الود تجاهي وأخبرني أحدهم عن حال مريم وأفسانه الوخيم. فقد أخبرني أن قدم مريم بلغ مرحلة خطرة، وإن إحدى قدميها قد أصبحت سوداء نتيجة التعذيب، وإن استمرار ذلك سيؤدي إلى هلاكها الحتمي. ويستطيع القراء الأعزاء أن يتصوروا تأثير هذا الخبر عليّ. لقد هددني الجلادون في أول لقاء تلفزيوني بأنهم سوف يستخدمون السوط ضد مريم. وتعرضت مريم إلى نماذج أخرى من التعذيب الحقير وقد دونت ذلك في الرسالة التي وجهتها إلى السيد خامنئي.

مهدی پرتوي

إن عدد من الرفاق ومن ضمنهم الشهيد ميزاني كانوا على اعتقاد بأن مهدي پرتوي قد خان الحزب وتهاون مع الأمن الإيراني. وبعد موجة التعذيب التي
تعرضت لها، طلبوا مني أسم وعنوان مسؤول التنظيمات السرية للضباط. ولم أعترف بأسمه وعنوانه واقتصرت على ايراد أسمه المستعار “خسرو”. وفي أحد الأيام جلبوا صورة ل”پرتوي” وقالوا : هل هو ذا خسرو؟ وأجبت بنعم. واعتقد أن برتوي لم يتعاون من السلطة قبل اعتقاله. لماذا؟ الدليل هو أنه كان على على بلقائي مع السكرتير الأول للسفارة السوفييتية، فلو كان پرتوي يتعاون مع المخابرات لاستطاع أن يرتب الأمور بحيث يستطيع مأموري المخابرات الاطلاع على محل اللقاء وواحد من لقائين جرى قبل أسبوعين من الحملة مما سيؤدي إلى فضيحة للحزب وللسفارة السوفييتية.

مهدي پرتوي في الوسط، والشهيدين العقيد بيژن كبيري من اليمين والعقيد هوشنگ عطاريان من اليسار**

لقد نصب ضباط المخابرات في الضربة الأولى فخين. الفخ الأول هو أنه قبل الضربة الثانية اعتقل الفقيد رحمن هاتفي مرتين، الأولى في مطعم كان يتناول طعامه فيه والثانية في الشارع، وقادوه إلى مكان وسألوه عدداً من الأسئلة ثم أطلقوا سراحه بذريعة أن هناك خطأ. أما الفخ الثاني فكان مع الفقيد هدايت حاتمي. فقد تم اعتقاله في بيته وجلبوه إلى المعتقل الذي ضم 3000 سجين ثم أعلنوا أن هناك خطأ وأطلقوا سراحه.وقبل أسبوعين من الضربة الثانية، جلب المحقق صورة فوتوغرافية لسيارة، جلس فيها رحمن هاتفي في الجانب الأيمن خلف مقود السيارة وكانت الباب مفتوحة وكانت رجلا هاتفي ممدودة في الخارج وكأنه يود ركوب السيارة. وقتها قال لي المحقق: ” أنهم جميعاً سيلتحقون بك قريباً”. ومن المثير للعجب كيف أن الفقيد هاتفي لم ينتبه إلى أن هناك آخرون يتابعونه وعليه أن لا يتصل بأحد.
إن الخطأ الآخر الذي ارتكبه أصدقاؤنا هو أنهم لم يفكروا بأن البيوت التي كنّا نعقد فيها الاجتماعات ومن ضمنها بيت الشهيدة فاطمة مدرسي كانت تحت المراقبة، هذا البيت الذي عقد فيه مهدي برتوي عدة اجتماعات وكان لنا بحث حول التنظيم العسكري السري، ومن المحتمل إننا كنا ملاحقين بشكل دائم وإنهم عرفوا مكان البيت. وفي وقت لاحق وفي أثناء وجودنا في السجن طرق سمعي أن أثنين أو ثلاثة رفاق اتخذوا من هذا البيت مخبأ لهم. وهذا يتناقض مع ألف باء العمل السري في ظروف حكم فاشستي حيث يجب أن لا يطمئن أي شخص إلى أي من البيوت التي يرتادها. فتجربة اعتقال النقيب عباسي وكشف محل عمل ووثائق تنظيم الضباط (في عام 1953 بعد الانقلاب ضد مصدق –ع.ح.) مازالت حية في ذاكرة جميع الأصدقاء دون أن يتعضوا بها.
إنني أشير إلى هذه القضايا في هذه المدونة كي يتعظ بها الشباب من أعضاء حزب توده في المستقبل عندما يعملون في ظروف غير مساعدة من العمل العلني ويضطرون إلى اللجوء إلى العمل السري ويتذكروا هذه الدروس الأليمة.

رواية الانقلاب

إنني لا أستطيع أن أجزم من الذي فقس هذه البيضة الهشة. ولكنني على علم بعدد من القضايا التالية:
لنرى لماذا كانت وزارة الأمن تصر على تهمة الانقلاب تجاه الحزب، فالسبب هو أن جميع الاتهامات الأخرى كانت على قدر من التفاهة والمثيرة للسخرية بحيث لا يمكن لأي فرد أن يصدقها. إن الوثيقة التالية تؤكد على أن المسؤولين في قيادة الجمهورية الاسلامية الذين هضموا خدعة الكذبة الأولى، إلاّ أنهم سرعان ما تيقنوا من عدم صحتها. هذه الوثيقة هي الحديث الذي أجراه المهندس مير حسين موسوي مع مجلة “حوزه” تحت عنوان “الإمام والإدارة الإسلامية” الذي نشرته جريدة كيهان في الرابع من تموز عام 1990 بعد لقاء موسوي بالإمام وجاء فيه:
“في الوهلة الأولى، قدمت توضيحات كثيرة، وما لبث أن انتبهت بإنني لا أحتاج إلى تقديم الإيضاحات. ولذا عرضت هذه القضايا بشكل مختصر وتلغرافي في خدمة الإمام. كنت أشعر بأن الإمام قد تفهم الإشارات السريعة التي قدمتها، وتبين أنه تلقى القضايا بشكل دقيق وعميق. فعلى سبيل المثال وبالارتباط مع قضية حزب توده، اتصلوا بنا تلفونياً وأشاروا إلى أن حزب توده ينوي القيام بانقلاب واسع ومن المكن أن يجري تنفيذه خلال 48 أو 24 ساعة اتصلنا تلفونياً بالأخ هاشمي رفسنجاني وعرض القضية على بقية المسؤولين الكبار في الدولة. ويبدو أن آية الله خامنئي وآية الله أردبيلي لم يكونا موجودين. ولذا توجهت مباشرة إلى مقر الإمام. وقدم الأخوان في المخابرات معلوماتهم. استمع الإمام بدقة على ما طرح، ثم قدم تحليلاً حول مواقف الشرق والغرب وقال: ” هذه المعلومات غير صحيحة كلياً وسوف لا يحدث أي شيء”.وتم الإصرار من بعض الحاضرين على الإمام حول صحة المعلومات، وإنهم اعترفوا بذلك. عندها تناول الإمام الحديث وقال:” إنني لا أقول بأن لا تراقبوا الأمور ولا تحققوا، ولكن اعلموا أن هذه المعلومات كاذبة”. وبعد ذلك تبين أن تحليل الإمام كان صحيحاً ووجهة نظره مؤكدة. إن عمى القلب والتحامل هو من يدّعي بأن المعلوامت التي حصل عليها جاءت من مصادر خاصة. ( من الطريف أن رفسنجاني في مذكراته التي نشرها قبل وفاته أشار بصراحة:”نحن نراقب حزب توده ، أما فيما يتعلق بإقدامه على اتقلاب عسكري فلا يوجد لدينا أي دليل حول ذلك”، كما أن من الغباء التصديق بأن حزب توده قادر على نجاح الانقلاب بواسطة عدد قليل من الضباط لا يتجاوز عددهم أصابع اليد وضد سلطة الخميني التي كانت تلقى الدعم الكاسح آنذاك من قبل الشارع الإيراني-ع.ح.).
من أجل الحصول على الاعترافات الكاذبة حول الانقلاب، تعرضنا إلى أقسى وأشد أنواع التعذيب. فالشهيد عباس حجري كان سليم البنية والصحة، وترك التعذيب أسوأ الآثار، فقد شلت يده اليمنى كلياً بحيث إضطر إلى استخدام يده اليسرى عند تناول الطعام وراح يتعلم استخدام اليد اليسرى من أجل الكتابة. هذه هي رواية الانقلاب، وقد أشرت إلى دليل مهزلة هذه الرواية في الرسالة التي وجهتها إلى السيد خامنئي.
رفاقي وأصدقائي الأعزاء. إن أخر رواية أنقلها لكم هي شرح ما جرى من “استعدادات” لما يسمى بالطاولة المستديرة التي قام الجلادون بالتحضير لها. فكما رويت لكم آنفاً، فقبل بضعة أيام من تشكيل ” المائدة المستديرة المزعومة” التي كان يديرها المسمى “موسى”، استدعاني والرفيق عموئي وقال:”لدينا مقترح بتشكيل مائدة مستديرة من أعضاء في اللجنة المركزية وتتحدثوا عن عمل اللجنة المركزية”. وطلب منا بأن نفكر في ذلك وأبداء وجهة نظرنا لاحقاً. وأخبرته بأنني سوف أفكر في الأمر ونتهيأ لذلك. وفي لقاء لاحق مع موسى اخبرته بأنني غير موافق على تشكيل مثل هذه الطاولة المستديرة، وأنه من الأفضل أن يلتقي أعضاء السكرتارية ليبحثوا في هذا المقترح. ولم يلتقي بي بعد ذلك. وبعد عدة أيام أبلغت بارتداء ملابسي الرسمية لأجراء حديث مع المحقق. قادوني إلى صالون كبير ولم يكن في سجن 3000 ، وكان الصالون على شكل مدرج. وهنا شاهدت العديد من الرفاق أعضاء اللجنة المركزية، ولكن لم يسمحوا لنا بالحديث بل وحتى السلام عليهم. وأجلسوني في زاوية من زوايا الصالون وكنت تحت مراقبة جلاد بأسم “رحيم” وكان جلاداً بحق، وآخر أسمه مجتبى . وبعد وقت قصير صدرت الأوامر بالجلوس حول منضدة طويلة وأجلسوني في وسطها، وحذرونا من الحديث مع الآخرين بأية كلمة. وشرعت الكامرات بالتقاط الصور والأفلام التي كانت موضوعة على بعد عدة أقدام من أماكن جلوسنا. ولم يقتصر مشاهدة هذا المشهد على الرفاق والأصدقاء، بل تابعها كل مشاهدي التلفزيون. وأود أن أشير إلى ثلاث نقاط لم يشاهدها الجمهور.
1-صدرت الأوامر إلى عموئي، باعتباره المتحدث الأول أن يبدي ملاحظاته على حديث “قائم پناه”، هذا الخائن الذي لم يتوان عن توجيه مختلف التهم الحقيرة التي طالبوه بها تجاه كل تاريخ الحزب.
2-قطع التصوير ثلاث مرات، وطلبوا مني ( عبر تهديدات الجلاد رحيم بتعريضي للتعذيب من جديد) عند الجواب على الأسئلة التي كانت أشبه بالتحقيق وبوجوه عبوسة، قررت أن لا أقدم أية إجابة عليها.
3-وكما أشرت في رسالتي الموجهة إلى السيد خامنئي، فبعد 18 ليلة قضيتها تحت التعذيب، أصاب الشلل يدي اليسرى وبقيت على حالها حتى الآن. وفي خلال أحد الأحاديث أردت أن أضع مكبرة الصوت أمامي والموجودة على المنضدة بعد كل نوبة من الحديث، لم أستطع أن أدبر الأمر بواسطة يدي اليسرى مما أدى إلى سقوط المكبرة على الأرض وانكسرت مما دعى إلى تبديلها. وقد شاهد هذا المشهد الكثير من المشاهدين.
ومن صميم القلب أتمنى السعادة والازدهار لأخواني وأخواتي العزيزات
31 /أيار /1999
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قبل يومين من بدأ الحملة كنت في دمشق، وتوجهنا أنا والرفيق عبد الرزاق الصافي إلى مطار دمشف لاستقبال الرفيق عزيز محمد القادم على طائرة خاصة تابعة لرئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية، بعد أن تدخلت اليمن الديمقراطية للسماح له بمغادرة طهران إثر المعوقات التي وضعها المسؤولون الإيرانيون أمام مغادرته إذ كان في ضيافة حزب توده إيران بعد مغادرته مواقع الأنصار في كردستان، سألناه عن صحة خبر الحملة التي شنت ضد حزب توده من قبل السلطات الإيرانية. ونفى الرفيق العائد للتو من إيران هذا الخبر الذي أعلنت عنه هيئة الإذاعة البريطانية قبل يومين من بدء الحملة.
**بیژن کبیري، عقيد في الجيش الإيراني وقتئد وقاد تحرير جنوب إيران من غزو صدام حسين وفك الحصار عن عبادان في الحرب العراقية الإيرانية. عضو حزب توده ايران، وساهم في الثورة الإيرانية عندما قام بتسليم الحرس الأمبراطوري إلى الثوار. كما شارك في تأسيس استخبارات الجيش بعد الثورة الإيرانية. وقد جرى الحكم عليه بالإعدام في 1984، ونفذ الحكم به في عام 1984.
أما العقيد هوشنگ عطاريان فقد تلم قيادة القوات البرية أثناء الحرب العراقية الإيرانية وقائد القوات الغربية واستعاد الأراضي التي احتلتها قوات صدام في غرب إيران, اعتقل وأعدم في عام 1984 بتهمة العضوية في حزب توده إيران.
[

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, مواضيع عامة | Leave a comment

زوجي مسيحي الديانة وأنا مسلمة، أين المشكلة؟

د. الهام مانع تؤم المصلين بمسجد في سويسرا

إلهام مانع

زوجي مسيحي الديانة.
وانا مسلمة.
هل أجبت على سؤالك أيها العزيز؟

ونحن معاً منذ ثلاثة وعشرين عاماً.
على الحلوه والمره.
في السراء والضراء.
وفي المرض.
هو بدينه وأنا بديني.
وابنتنا تربت على المحبة.
محبة الإنسان والخير فيه.
وديانتهُا شأنُها.
هل أجبت على سؤالك أيها النبيل؟

جاء سؤالك متوقعاً بعد مقال “اريد هذا الرجل”.
قلتَ في تعليقك:”لم توضح لنا الكاتبة شيئا عن توماس الذي اعجبت به لأول مرة. دينه. صفاته. هل هناك حب هكذا دون تبرير وتوضيح؟”
قرأت سؤالك وقلت لنفسي “سؤال وجيه، ردي عليه في مقال الجمعة”.

إذن دينه، مسيحي الديانة.
وصفاته، إنسان.
إنسان أثق فيه.
يحترمني واحترمه.
ونحن متوافقان.
فكريا وروحياً.
ولذا كان إختياري صائباً.
وانا ممتنة لذلك.
اشكر الرحمن على نعمته صباح مساء.
هل أجبتك على سؤالك أيها الكريم؟

وانا وهو اتخذنا قرار الزواج بعد ثلاثة أشهر.
قال لي “انا مستعد ان اغير ديني”.
قال لي ذلك ليس لأنه يريد أن يغير دينه، بل لأنه عاش في اليمن ويعرف عاداتنا وتقاليدنا.
قالها لأنها يحبني.
وقد غير دينه.
كي يتزوجني.

وأنا حينها صَّمت.
لم أطلب منه أن يغير دينه، لكنه عندما اقترح ذلك صَّمتُ.
وكان صمتي إيجاباً.
كان صمتي جباناً في الواقع.
كنت ادري أني بزواجي من سويسري سأخرق الكثير من القواعد المجتمعية اليمنية لدينا.
وتحديداً مجتمعنا الصنعاني المحافظ، لا يحب لبناته إلا أبناء بلده.

قلت لنفسي “زواجك من سويسري سيثير في كل الأحوال ضجة ولغط وكلام. على الأقل هذا الجانب سيهدأ من وقع الخبر”.

وكي أكون صادقة معك أكثر لم يكن لهذا الجانب اية اهمية لدى أبي.
عندما إتصلت به من واشنطن كي ابلغَه برغبتي في الزواج، ردَّ علي بجملة واحدة:”هل ستُكملين درجة الدكتوراه معه؟”
جَفلت من سؤاله.
الدراسات العليا كانت طموحي، وكنت أعرف أنني سأكمُلها في كل الأحوال، مع توماس أو بدونه.
هو قراري انا.
ليس قرار من سأتزوجه.

رددت عليه:”طبعاً”.
فجاءت إجابته هادئة بسيطة:”إذن دعيه يقابل أخيك”.
اخي كان يعيش في واشنطن ايضاً.
وقد قابله.
وتزوجنا فيما بعد في حفل حضره أبي وأمي معاً.

لم يسألني أبي عن دينه. لم يسألني هل سيغير من دينه.
ولو كان يهودي الديانة أو ملحداً ما أثار الموضوعُ قضيةً لديه.
كان سابقاً لزمانه.
يؤمن بالإنسان فينا.
و يعرف إبنته.
لم تكن لتختار عبثاً.
زواجُها قرارُها.

لكن توماس كان يعرف اليمن.
ولذا أسلم.
وقد ارتحت لذلك.
ارتياحُ الجبان.

ثم تراكمت علي السنوات، تعلمت فيها الكثير، وتعمقت فيها أيضا في ديني، وفي إيماني بضرورة إصلاح هذا الدين الكريم.
ومع الوقت أدركت أن ذلك القيد، الذي نضعه على المرأة المسلمة بعدم زواجها من غير المسلم يشبه كثيراً عاداتنا تلك في صنعاء، تلك التي تصر على الفتاة أن تتزوج من أبناء جلدتها، وتحديداً من أبناء عمومتها.
قاعدة دينية، اصلَّنا لها فقهيا، وهي في الواقع عادة وتقليد أ لبسناها رداء دينيا.
وأدركت أن تلك القيود تنتمي إلى منظومة فقهية يجب أن تتغير.

منظومة فقهية يجب أن تتغير لتحل محلها قوانين عائلية مدنية تحترم المرأة والرجل، تؤمن بالإنسان فيهما، وتتعامل معهما على قدم المساواة.
قوانين مدنية تسمح بالزواج المدني.
ذاك الذي نتزوج من خلاله بغض النظر عن دين او لا دين من نتزوج.
إنسان يتزوج من إنسانة.
والمَحك هو التوافق الفكري والروحي ممتزجاً بالاحترام.

كلُ بلدان المنطقة لاتسمح بالزواج المدني.
الإستثناء هو لبنان وإسرائيل، اللتان تسمحان بتسجيل الزواج المدني المعقود خارج حدودهما. خارج حدودهما.
وغياب القانون المدني حتى داخل لبنان وإسرائيل يظهر لنا أن هناك مشكلة لدينا ولديهما. .
لأن بلداننا ترفض التعامل معنا على أننا مواطنين ومواطنات.
بل أتباع ديانات.
بلداننا تقسمنا على حسب هوياتنا الدينية، لاتتعامل معنا على أننا متساويين ومتساويات امام القانون.
ليس فعلاً.

إذن ايها النبيل، انا مررت برحلة تحول فكرية، إنعكست علي وعلى طريقتي في التعبير.
كَففت عن النفاق.
عن قول ما لا أعَنيه.
وكَففت عن الكذب.
أقولُ الكلمة وأنا أعنيها.
كما هي.
كما أفكر فيها.
ولَعلها لذلك تصدم.
لأننا اعتدنا كثيراً على النفاق. أعتدنا على الكذب.
نخاف أن نقول ما نفكر فيه، فنقول غيره!

كففت، إذن أيها القاريء النبيل، عن الكذب.
ولأني أعرف أنه عندما أسلم، فعل ذلك لأنه يحبني، وأنه غَير دينه كي يتزوجني، أصبحت اقولها كما هي.
“زوجي مسيحي الديانة،
وأنا مسلمة الديانة،
و نحن متوافقان.
أين المشكلة؟”

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

DNA – 17/03/2017 إسرائيل تقصف سوريا من سوريا

DNA – 17/03/2017 إسرائيل تقصف سوريا من سوريا

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

رحيل

تأليف: مَارِيَّا لاَوْرَا إِسْبِيدُو فْرَايْرِي*
ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**

لقد حان الوقت لكنه لا زال لا يجرؤ على مواجهة نظرة أمه المتوجعة و المذعورة. كيف له أن يعيش بدونها؟ – كانت تنم عن ذلك عيناه البنيتان – كيف؟
لقد كدس الصندوق الأخير، و كل ما يُرى في الصالون و بهو الاستقبال هي كومات من الكارتون و الأكياس و الحقائب. ستُصاب أمه بالذعر عندما تفكر في الفوضى، الغبار و العناكب…لكنه بكل اللطافة التي يملك أرسل أمه إلى منزلها منذ ساعات و أغلق الباب بإحكام خلف المرأة القلقة. بحث عن حاسوبه الشخصي وسط الفوضى و شغل الموسيقى. على الأقل فإن السرير جاهز و يكفي أن تُفرش فوقه ملاءتان كي يصبح مريحا. سيتكفل بالباقي غدا و في الأيام المقبلة. لا داعي للعجلة.
هو منزله الأول. لقد ادخر مالا خلال أعوام و زار العشرات مثله و ناضل ضد خمول أصدقائه الذين انتظروا الزيجة أو مساعدة الوالدين كي يحصلوا على ما حصل عليه هو. إنه منزله. بجدرانه الصفر و أبوابه البيض و مطبخه الجديد و حوض الاستحمام المغير حديثا. مع الجوارب التي لن تتأخر في التراكم على الأرض، مع نظامه و فوضاه. الآن نعم، الآن يمكنه أن يقول أنا ذاهب إلى المنزل و يحس مع نفسه بأنه يقول الحقيقة.
*القصة في الأصل الإسباني:

Mudanza
Ya era hora. Pero aún así no se atreve a enfrentarse a la mirada dolida, horrorizada, de su madre. ¿Cómo va a sobrevivir sin ella? – le gritan esos ojos castaños -¿Cómo?
Ha amontonado la última caja, y todo lo que se ve en el salón y en el recibidor son montones de cartón, bolsas y maletas. Su madre se horrorizaría al pensar en el desorden, el polvo, los ácaros… pero con toda la amabilidad de la que es capaz, la ha mandado a su casa hace horas, y ha cerrado con firmeza la puerta detrás de la acongojada mujer. Busca su ordenador en mitad del caos y pone música. Al menos, la cama está ya montada y bastará tender dos sábanas para hacerla acogedora. Mañana ya se encargará del resto, y los otros días. No hay prisa.
Es su primera casa. Durante años ha ahorrado, ha visitado docenas de ellas, ha luchado contra la inercia de sus amigos, que han aguardado a una pareja, o a la ayuda de los padres para obtener lo que posee ahora. Es su casa. Con sus paredes amarillas y sus puertas blancas, su cocina nueva y su bañera recién cambiada. Con los calcetines que no tardarán en acumularse en el suelo, su orden y su desorden. Ahora sí, ahora puede decir Me voy a casa y sentir que está diciendo la verdad.

*كاتبة إسبانية شابة. ازدادت بمدينة بيلباو الإسبانية سنة 1974. هي أصغر كاتبة إلى حد الآن تحصل على جائزة أدبية إسبانية رفيعة تسمى بجائزة “بلانيطا”. و قد كان ذلك بفضل روايتها الشائقة “الخوخ الجامد”. جدير بالذكر أن هذه الكاتبة غزيرة الإنتاج في عدة مجالات كالرواية و القصة القصيرة و الشعر و الصحافة و الترجمة.
**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة و متخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء -المغرب.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

شاهد زياد الصوفي يعلق على تهويل إعلام النظام السوري لحادثة اطلاق الصواريخ التافهة

شاهد زياد الصوفي يعلق على تهويل إعلام النظام السوري لحادثة اطلاق الصواريخ التافهة

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

يا أولاد الأفاعي: ألهيتم الناس بالدين كي يتسنى لكم سرقة البلد ونهبه

عام 2003 زرت سوريا للمرة الأولى بعد أن هاجرتها وكان ذلك عام 1988. التقيت في دمشق بصديق قديم، كان ضابطا وله باع طويلة في الحكومة… جرى بيننا حديث طويل، أرعبني ماقاله فيه! لأول مرة في حياتي أسمع عن ظاهرة القبيسيات التي تديرها منيرة القبيسي، والتي تدعمها الدولة بالمال والعتاد، والتي تقوم بتجنيد النساء لخدمة نشر الاسلام الاصولي. ولأول مرة أسمع عن ظاهرة معاهد الأسد للقرآن… وحدثني الكثير عن مفتي سوريا يومها كفتارو ودوره الظلامي في قولبة الشباب الجديد!قال لي: المستقبل وخيم، هؤلاء الأطفال سيخرجون إلى المجتمع مغسولي الدماغ، ولست متفائلا حول المصير!
….. ( نزكي لكم قراءة:  القبيسيات السحاقيات في غابات الأسد الإيرانية)
بعد ثمان سنوات تماما بدأ المستقبل الذي عبّر لي صديقي يومها عن مخاوفه منه، ومازال المستقبل مستمرا منذ عام ٢٠١١!
لا غرابة، الكثيرون ـ وليس صديقي ـ كانوا مقتنعين أن سوريا مقبلة على دمار وخراب، ولقد صحت مخاوفهم..
…..
تصوّرا طفلا يتربى على قراءة الآية التي تقول: “إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الجنة فيقتلون ويقتلون” كيف سيخرج إلى الحياة هذا الطفل؟ (يَقتلون أو يُقتلون) أين هي قيمة الحياة التي سيتعلمها من هذا الآية؟؟
عندما تغرس في ذهنه منذ نعومة أظفاره بأنه لا فرق بين أن تُقتل أو تَقتل، سيقتنع بأنه لا قيمة للحياة، ولن يسعى يوما لحمايتها ناهيك عن تحسين نوعيتها!
……
الغرب تآمر على سوريا؟؟؟؟ يا أولاد الأفاعي…. من يستطيع أن يتآمر على بلد أهله يبجلون الحياة ويقدسونها؟؟؟ من يستطيع أن ينخر مجتمعا لو لم ينخره دوده أولا؟؟؟ يا أولاد الأفاعي… لو فيكم ذرة عقل أو أخلاق تعرفون أن تلك الآية ستخلق مستقبلا،
كالمستقبل الذي تعيشونه اليوم! يا أولاد الأفاعي… ألهيتم الناس بالدين كي يتسنى لكم سرقة البلد ونهبه، دون أن تدركوا أن من يلعب بالنار سيحترق بها، وها هي تحرق البلد بأكمله!
….
كلما كتبت حرفا يخرجون علي من أوكارهم: لماذا لا تتحدثين عن خطط اسرائيل؟؟؟ يا أولاد الأفاعي.. لو كان بمقدوركم أن تخططوا ضد اسرائيل، هل تقصرون؟؟؟؟ طبعا، ليس بمقدروكم، لأن الشعب الاسرائيلي يحب الحياة ويقدسها، ومن يحب الحياة
ويقدسها لا أحد يستطيع أن يتآمر عليه.

أما أنتم فعقيدتكم عقيدة قتل وفناء، ولذلك، هم أحياء وأنتم كُتب عليكم الموت، فلكل كما يشاء!…

نزكي لكم قراءة موضوع ذو صلة: سياسة تربية الوحوش سلاح ذو حدين ستفترسك بالنهاية

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

لماذا حرض ولي العهد السعودي أميركا على ترك السوريين يقتلون على يد النظام وداعميه: سوريا قضية خاسرة

طلال عبدالله الخوري 17\3\2017 © مفكر حر

لقد وضح لنا السبب الرئيسي لزيارة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين” لأميركا ومقابلة الرئيس الاميركي دونالد ترامب رجل الأعمال الناجح الذي قالها بصراحة بأنه يريد أن يحمي حلفائه مثل السعودية, ولكن يجب عليهم أن يدفعوا المال مقابل هذه الخدمات (للمزيد هنا: رئيس أميركا القادم ترامب على السعودية ان تدفع ما نخسره في حمايتها)… مثل هذا التصريح نزل برداً وسلاماً على الأسرة الحاكمة في السعودية, وهذا بالضبط كل ما يريدونه من أميركا منذ معاهدة البارجة الأمريكية “كوينسي” التي وقعها ” الملك عبد العزيز آل سعود” مع الرئيس الأميركي “فرانكلين روزفلت”, بأن يدفعوا لأمريكا مقابل حماية اسرتهم بالحكم من اي خطر يمكن أن يتهددهم (للمزيد هنا: مساهمة العرب في الحضارة الإنسانية؟), وهذا بالضبط ما فعله ولي العهد بزيارته الأخيرة لأمريكا, حيث حمل معه شيكاً بقيمة ” 200 مليار دولار” ووقع مع ترامب إتفاقيات إقتصادية, ولكن بالواقع هي ثمن حماية أميركا لهم, وبالتحديد ثمن لمساعدتهم في حربهم باليمن التي يغوصون بمستنقعها منذ سنوات, وتستنزفهم مالياً وبشرياً وعسكرياً.

إلى هنا والأمور طبيعية وهذا شأنهم!! ولكن ما أحزننا هو ان ولي العهد السعودي حرض أميركا على عدم الإستثمار بمساعدة الشعب السوري, وتركهم يقتلون على يد النظام السوري الإجرامي وحلفائه الأكثر إجراما مثل إيران وروسيا؟؟ ومن المعروف انه لولا المساعدة الأميركية للمعارضة السورية بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية والخبرات العسكرية, هذا عدى عن التأييد السياسي, لتمكن المجرم بشار الأسد مع حلفائه من إبادة المعارضة السورية عن بكرة أبيها بأشهر قليلة بعد بدأ الثورة, كما فعل والده المقبور “حافظ الأسد” في الثمانينات, ولا ينكر هذا غير جاحد او جاهل … فقد تواترت الأنباء اليوم عن قول “علي الشهابي” رئيس المؤسسة العربية والعضو بالوفد السعودي إلى البيت الأبيض، في تصريح لشبكة الـسي ان ان:” إن المملكة العربية السعودية تنظر إلى سوريا كـ”قضية خاسرة،”,… وأن الجنرالات الجيدون يدركون المعارك الخاسرة،”.. بينما قال ولي العهد السعودي، في اجتماع جمعه مع وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، إن “أي منظمة إرهابية في العالم هدفها في التجنيد وهدفها في الترويج للتطرف يبدأ أولا في السعودية التي فيها قبلة المسلمين .. وإذا تمكنوا من السعودية فسيتمكنون من العالم الإسلامي كله، ولذلك نحن الهدف الأول، ولذلك نحن أكثر من نعاني، ولذلك نحتاج العمل مع حلفائنا وأهمهم الولايات المتحدة الأمريكية قائدة العالم” .. وكما ترون هذا تحريض واضح من قبل ولي العهد ومستشاريه, والأنكح انه مدفوع الأجر, لكي تترك أمريكا الدولة العظمى الوحيدة في العالم السوريون يهومون على وجوههم ويقذفون الى حتفهم على يد اجرام النظام وروسيا وايران.. ويغرونها بالمال لكي تركز على دعم مكافحة الإرهاب في السعودية وفق الأجندة السعودية, وأيضاً ان تركز على مساعدتهم في تحقيق الإنتصار في حربهم في اليمن.. وهذا بالضبط ماتريده روسيا بأن يعطى لها شيك على بياض لكي تفرض اجنداتها السياسية على القضية السورية.

ولكن لحسن الحظ بأن المصالح الأميركية والسياسة الأميركية أكبر من أن يستوعبها السياسيون الفاشلون والمبتدئون في وفد ولي العهد السعودي, والذين أقصى ما يفهموه هي توقيع الشيكات وشراء المواقف السياسية المجانية… لهذا السبب رد عليهم “ديفيد وينبيرغ” الخبير الأميركي في الشؤون السعودية في الدفاع والديمقراطيات قائلاً:” إن الرياض لا تزال قلقة من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة سواء في سوريا أو اليمن .. ومن الخطأ أن تكون السعودية مترددة في زيادة دورها ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش،” في سوريا…”… أي بإختصار هو يقول للسعوديين انتم مهمتكم ان تدفعوا الشيكات. ولكن المصالح الأميركية وفقط المصالح الأميركية هي التي تحدد اين ومتى وكيف تستثمر إمكانياتها العسكرية… ومن المعروف بأن الأمن القومي الأميركي وحلفائه الأوروبيون يقلقهم الطموحات الروسية في التمدد بالعالم اكثر بكثير من حرب اليمن..

لذلك نحن نتوقع بان تزيد أميركا مساعدتها للسعودية في حربها في اليمن ولكنها ستحافظ ايضا على مصالحها في سوريا بعدم السماح لروسيا بأنتزاع نصر سياسي او عسكري يكون روقة بيدها تضغط بها على اميركا والغرب لفرض نفسها كقطب ند ومنافس لهم كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي سابقاً.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

من المعابد الى القنوات الفضائية

قضية السيطرة على المجتمعات, من المواضع المهمة لكل سلطة راغبة بديمومة سطوتها, وكان سابقا الجماعات الحاكمة تلجأ الى طريقين الأول القوة والإرهاب, والثاني الترغيب والإعلام, وهذا يكون عبر المعابد للسيطرة المجتمعات, حيث تصبح المعابد أداة السلطة, عبر تلقين المجتمع فكرة تقديس السلطة, وبما للمعابد من هالة في نفوس الجماهير, تنقاد المجتمعات لما تطرحه المعابد من أفكار, وتصبح يقينيات لا نقاش فيها, كوجوب السمع والطاعة للسلطة, او أن دفع الأموال للسلطة يقرب الإنسان من الإلهة, أو أن دعم السلطة في صراعاتها يحقق للجماهير مرضاة الإلهة.
ونجح الحكام في حقب ماضية في هذا النهج, فكانت المعابد عبارة عن وسيلة إعلامية بهالة دينية, لتسفيه وعي المجتمعات والسيطرة عليها, مما يبين أن عقلية الحكام تتميز دوما بالمكر الشديد, ولولا المكر والأكاذيب لما دامت السلطة الغاشمة طويلا.
في عصرنا الحالي الأمور اختلفت مسمياتها, لكن لب القضية بقي هو نفسه, حتى بعد مئات السنين.

● قنوات التلفزيون في زمن الطاغية
في زمن نظام صدام كان الإعلام يعمل في اتجاهين, الأول: الاتجاه نحو إرهاب المجتمع من سطوة القائد المبجل وحزبه, وإلزامهم بالطاعة والخضوع, والرضا بما قسمه لهم, عبر أبراز قوة النظام إعلاميا, والاتجاه الثاني: نحو تجميل صورة الطاغية, وجعل كل ما يفعله هو الصواب, وكل ما ينطق به هو الحق, وعمل على تكريس ذاك عبر برامج إعلامية احترافية, وحصل تأثير كبير في الثمانينات, وأصبحت فئات كثيرة من الجماهير تنتظر بلهفة الساعة التي يطل فيها الطاغية, بفعل عمليات التلقين المستمرة, والتي أنتجت فئات مقتنعة تماما بكل ما يقوله الطاغية, هكذا هو الإعلام أداة خطرة جدا, من الممكن أن تحول فئات واسعة الى مجرد قطيع خاضع فقط للأوامر.
لكن بعد حرب الكويت والحصار انكشف للمجتمع زيف الأعلام, واهتزت الصورة التي بذل الأعلام سنوات على ترسيخها في عقلية الفرد العراقي, فالذي كان بمصاف الإله والخوارق, تحول الى رجل مهزوم وحقير, فاتجه الأعلام الى رسم صورة جديدة له, وهو الرجل المتدين والذي تحاربه القوى العظمى لتقواه وصلاحه, ونجح في منهجه في تسعينات القرن الماضي.

● فضائيات تسفيه الوعي
اليوم تتواجد الكثير من الفضائيات العراقية ذات النهج الخطير, التي تعتمد منهج تسفيه وعي المواطن, عبر نشر وتصنيع الإخبار الكاذبة, وتهيئة الصورة الجذابة خارجيا والضحلة داخليا, برامج ومسلسلات تهدف لعملية صنع مسخ, وليس إنسان, فتسعى لخلق قناعات حسب أهواء القائمين على القناة, تسخر أموالها لإغراض خاصة لا تنتمي لجانب الخير العام, بل هي قائمة لمصلحة شخوص وتعمل لأجل هذا الأمر.
صنع الإنسان التافه هدف كبير لهذه القنوات, فتقوم بوضع خطط لدورة برامج ومسلسلات تدعم هذا المحور, ليتحول الإنسان من موجود مهتم بقضايا تخصه, الى موجود يتابع قضايا ليست مرتبطة به, فقط كي تثبط همته ويتحول لعبد لا يفكر الا ما قاله الأعلام ” المعابد”, وهنا يعلن النجاح الكبير لعملية تسفيه وعي المواطن, ليتحول الى مجرد ببغاء يردد كلام الوحش الإعلامي.

● فضائيات المعابد
تنهج الكثير من الفضائيات العراقية التابعة لأحزاب أو شخصيات سياسية, نهج معابد الكفار في الزمن الماضي, فهي تجعل ما يقوله القائد برتبة النص المقدس! الذي لا يجوز نقده ولا يصح رفضه, بل هو الحقيقة الكاملة! والتي يجب أن يلتزم بها كل المواطنين, وتعمد هذه القنوات على بث برامج مركزة ولساعات طويلة, هدفها ترسيخ رسم صورة القائد, باعتباره المنقذ الوحيد للعراق!
صورة أخرى على انه رجل شريف جدا وزاهد جدا, كما كان يروج لصدام بالأمس يروج لبعض أصنام الحاضر, حتى ترسخ هذا الأمر وسط الفئات الجاهلة والفئات النفعية, وصورة ثالثة باعتبار أن الحكمة مكانها فقط هذا الشخص, والجمهور يعامل على أساس انه قطيع خراف, يستجيب لكل ما تبثه الفضائيات, وبعد فترة يصبح مطيع جدا لأي أمر يصدر من القائد, الذي رفع لرتبة المعصومين, فيكون طاعته نوع من العمل الصالح! كما لقن من قبل الأعلام الخبيث.
ويصبح عملية نقده من المحرمات, وأي جهد لإقصائه بمصاف الكفر والخروج عن الدين, عند هذه النقطة يتبين مقدار النجاح الذي حققته القنوات, ومع الأسف الأمر مستمر لحد ألان, في عملية تحويل المجتمع الى قطيع تابع لأي نداء من راعي الأغنام, وهذا نتاج خطاب أعلامي ماكر ومخادع.

● الثمرة
بعد أن فهمنا الدور الخبيث الذي تضطلع به اغلب القنوات الفضائية العراقية, كان لابد للمجتمع من ردة فعل, وكما حصل مع نظام صدام بعد هزيمة حرب الكويت والحصار الاقتصادي, فالأمر كشف بعد سنوات من السرقات والهزائم, والتي كشفت عورة النخبة الحاكمة والتي ما عاد يجملها أي جهد, فقبحها أصبح ظاهرا لا ينفع معه أي ترقيع.
فهل تتوقف معابد الحاضر “القنوات الفضائية” عن دجلها وخبثها, بعد أن أصبح غير ذي نفع, أم أن لعبة الأكاذيب لا تتوقف؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

المعارضة العراقية بعد 2003 وإرهاصاتها

– مقدمة
إبتداءً، يمكن القول بإختصار شديد، إنه ليس هناك معارضة حقيقية في العراق. وبالأحرى لم يكن هناك معارضة عراقية حقيقية، عندما تم إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

فالجماعات المختلفة والتي أطلق عليها جزافاً تسمية المعارضة العراقية، لم يكونوا معارضين أولا، كما لم يكونوا عراقيين ثانيا. إن كل ما كان يجمع تلك الجماعات، هو (كره صدام حسين)، والرغبة الكامنة في الإستحواذ على المناصب والثروات. ومن وراء كل ذلك، هو تحقيق أجندات دولية متعارضة، إتفقت بشكل مؤقت وفق صيغة (الأخوة الأعداء). وخير مثال على ذلك، هو أمريكا وإيران. فأمريكا كانت ومازالت تنظر الى إيران على إنها محور الشر في العالم. وبالمقابل، ما زالت إيران ترى في أمريكا على إنها الشيطان الأكبر.

فتلك الجماعات المختلفة التي لم يكن يجمعها جامع، إفتقرت جميعها لأي أيدلوجية سياسية، لا بل إن بعضهم قال لي شخصياً: إن زمن الأيدلوجيات قد ولّى. وهكذا لم تكن تلك الجماعات تمتلك أي رؤيا سياسية، لعدم وجود مفكرين سياسيين لديها. وقد إعتمدوا في نظرتهم السياسية، الى ما تلقّنه لهم الدول التي إحتضنتهم، مثل أميركا وإيران وبريطانيا وغيرها، وما تزودهم به من تعليمات وتوجيهات لاحقاً. على العكس من حزب البعث العربي الإشتراكي، الذي تم إسقاطه في العراق، والذي كان يستند الى نظرية سياسية، صاغها مفكرو الحزب، أمثال ميشيل عفلق، وشبلي العيسمي، وإلياس فرح، وغيرهم. ويتذكر القراء العرب لمؤلفات عفلق، في سبيل البعث، وذكرى الرسول العربي، ونظرتنا الى الدين. كما يمكن تذكر كتب العيسمي، مثل، العلمانية والدولة الدينية، وعروبة الإسلام وعالميته. ويتذكر الجميع كيف ان حزب البعث وقبل ان يستلم السلطة في العراق كان قد وضع تصورا للعديد من المسائل الجوهرية وقضايا الساعة التي تشغل بال المواطن العادي، حيث ناقش مسألة الدين، وهي من الامور الجوهرية في اي مجتمع، وكتب مفكرو الحزب آنذاك كراسا تحت عنوان (نظرتنا الى الدين)، وكذلك أصدر اعلام الحزب كراسا اخر ضع تصورا لحل المسألة الكردية من خلال مفهوم الحكم الذاتي عام 1970. وكذلك الامر بالنسبة للمسيحيين في العراق، وعلى اختلاف طوائفهم من خلال قانون منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية عام 1972. ومسائل اخرى جوهرية تخص دور المرأة والعمال والفلاحين والطلبة في المجتمع.

ويمكن القول بإختصار، إن البعثيون في العراق كانوا أكثر خدمة للإسلام من الأحزاب الإسلامية التي حكمت العراق طيلة 14 سنة الماضية، والتي أساءت له كثيراً. كما كانوا أكثر خدمة للشعب العراقي، في مجال الخدمات العامة.

للإجابة على سؤال ما إذا قد نشأت جماعات معارضة لنظام الحكم بعد 14 سنة من حكم الأحزاب الإسلامية؟

نقول ابتداءً، انه من حيث المبدأ، إن قيام معارضة سياسية وطنية، يتطلب توافر ثلاثة أمور أساسية فيها، وهي: –
– رؤيا سياسية
– قاعدة جماهيرية
– قيادة كاريزمية
فهل توافرت هذه المتطلبات اليوم في المعارضة الشعبية في العراق؟

• بدايات المعارضة بعد 2003
نتيجة معاناة العراقيين في الداخل من حصار إقتصادي قاسي فرضته الأمم المتحدة طيلة 13 سنة، إضافة لقسوة النظام في سنواته الأخيرة، فقد وجد العراقيون في إزاحة النظام متنفساً كبيراً للتخلص من الحصار وظلم النظام معاً. وهذه كانت غاية الحصار في تخلي الشعب عن القيادة، باعتبارها سبب جوعه وإضطهاده.

وتتشكل القوى السياسية في العراق من مجموعة من الأحزاب والقوى متباينة الأهمية والامتداد والعمق، بعض هذه القوى يمتد في تاريخه إلى عدة عقود لكنه اضطر إلى تجميد عمله أو نقل نشاطه إلى المنفى، وبعضها نشأ ونمى في الخارج، والثالث ظهر في الفترة التي تلت الغزو مشكلا ظاهرة من التعددية السياسية لم يعرفها العراق أو المنطقة من قبل وذلك بغض النظر عما فيها من فوائد أو ما يوجه إليها من نقد.
أما الأحزاب القومية العربية فهي على العموم قديمة التشكيل وما زالت تحتفظ بقياداتها القديمة، ومعظمها أعلن معارضته للاحتلال وقاطع العملية السياسية وكذلك الانتخابات الأخيرة، ومن بين أبرز هذه الأحزاب: –
•الحركة الاشتراكية العربية بزعامة السيد عبد الإله النصراوي
•الحزب القومي الناصري بزعامة السيد صبحي عبد الحميد
•حزب الإصلاح الذي تشكل بعد الحرب بدعم من الجناح السوري لحزب البعث.

ولم تظهر في الأيام الأولى لغزو الولايات المتحدة إي مقاومة تذكر، وحتى البعثيون كانوا مازالوا تحت تأثير الصدمة. إلا إنه بمرور الوقت، تكشفت الأمور بعد إن نظم البعثيون أنفسهم وشكلوا جماعات مقاومة مسلحة للوجود الأمريكي. كما إن السُنة، عزفوا عن المشاركة في انتخابات 2004. وعموما، يمكن تقسيم المعارضة السياسية في العراق الى نوعين رئيسيين هما: مسلحة أو سلمية.

أولا- جماعات المعارضة السياسية المسلحة
لذا فقد كانت هناك أربع جماعات معارضة مسلحة، 3 جماعات منها، معارضة عراقية مسلحة، وجماعة معارضة إرهابية مسلحة من الخارج، وهي: –
1. البعثيون وأنصار النظام السابق.
2. جماعة السُنة.
3. جماعة شيعية واحدة، هي تيار مقتدى الصدر.
4. تنظيم القاعدة الإرهابي.
أما البعثيون فقد شكّلوا في عام 2005، الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية والتي تعرف إختصاراً (الجهاد والتحرير)، وتضم عدة جماعات من بينها جيش رجال الطريقة النقشبندية، وأمينها العام هو عزة إبراهيم الدوري، نائب رئيس الجمهورية الأسبق. وقد إمتنعت الإدارة الأمريكية عن أي تعامل رسمي معها.
في حين إستطاعت الإدارة الأمريكية من إحتواء جماعتي السنة والتيار الصدري، من خلال إشراك التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في العملية السياسية، ومنحهم بعض المناصب الوزارية والبرلمانية. وإتفقت مع فصيل سني في الانبار غرب العراق، من تشكيل جماعات مسلحة خاصة بمناطقهم سميت قوات الصحوة، أو ما يعرف ايضاً بمجالس الإسناد أو الإنقاذ، وهي تجمعات عشائرية عراقيّة سُنّيّة أنشئت بعد الاحتلال الأميركي للعراق لمواجهة تنظيم القاعدة، في أيلول/سبتمبر 2006، وقد بلغ قوامها 80 ألف مقاتل، وأبرز مؤسسيها عبد الستار أبو ريشة، وقد خلفه شقيقه أحمد، والتي ألغيت بعد إلانسحاب الأمريكي من العراق فيما بعد. وعلى الرغم من مشاركة السُنة في السلطة، إلا إن العلاقة بينهما وبين الأحزاب الشيعية ما زالت غير مستقرة.
واليوم عاد السُنة للمطالبة بالإقليم السنّي الذي من المقرر أن يشمل المحافظات السنية الأربع، وهي: الانبار، والموصل، وصلاح الدين وديالى، بإستثناء العاصمة بغداد، ومحافظة كركوك الغنية بالنفط، والمتنازع عليها.
ولم يبقي إلا فصيل سني صغير يمثله حارث الضاري أمين عام هيئة علماء المسلمين الذي ترك العراق وإستقر في عمان بالاردن، فأهمله الأمريكان، وهي ليست حزبا تقليديا بل مؤسسة دينية تعاطت مع الشأن السياسي وقد تأسست بعد الحرب مباشرة وعرفت بأنها من القوى المناوئة للوجود الأجنبي، وقاطعت العملية السياسية والانتخابات عموماً. وقد خلفه في هذا المنصب إبنه مثنى، منذ كانون الأول/ديسمبر 2015.
أما بقية السُنة فقد أعلنوا موالاة الحكومة بشكل أو بأخر، أو شاركوها في تقاسم الغنائم، مقابل بقاء السلطة بيد أحزاب الشيعة.
أما الأكراد فهم شريك أساسي في ممارسة السلطة، ومنحت لهم بعض المناصب السيادية، مثل منصب رئيس الجمهورية، ووزارة الخارجية أو المالية، وعدد من النواب، وغير ذلك. وعلى العموم، فالكرد ليسوا معارضين للحكومة على الإطلاق وإن إختلفوا معها أحيانا، فهو إختلاف على تقاسم الغنائم، وليس إختلاف أيديولوجي أبدا، وسياستهم تتمثل في إرساء مزايدة العلاقة معهم على المزايد الأعلى.
وبقيت القوات الأمريكية تحارب فقط تنظيم القاعدة الإرهابي الذي لا يمكن إغراءه بالمال أو المناصب، طيلة عقد كامل، حتى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ليحل محل القاعدة، بنسخة أكثر إرهابا من سابقه.

ثانياً- جماعات المعارضة السياسية السلمية
سعت الإدارة الأميركية الى إشراك السنّة في الحكم، وقد أنشئت أحزاب عديدة منها: –
– الحزب الإسلامي العراقي
– مجلس الحوار الوطني
– كتلة المستقبل
– حزب الامة العراقي
– مؤتمر صحوة العراق
– المؤتمر الوطني العراقي
– الجبهة العراقية للحوار الوطني
– جبهة التوافق
– الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية (الحل)
وقد مارست الأحزاب السنيّة دوراً مزدوجاً في الانضمام للحكومة ومعارضتها في نفس الوقت. ودخلوا انتخابات عام 2006، وفازوا ببعض المناصب السيادية والوزارات، مثل نائب رئيس الجمهورية الذي كان من حصة الحزب الإسلامي وقد تقلده طارق الهاشمي، كما منح لهم منصب رئيس البرلمان، فتقلده على التوالي: محمود المشهداني، وأسامة النجيفي، وسليم الجبوري. إلا إن هذه الجماعات قد جرى ضربها في عهد نوري المالكي، حيث قدم المشهداني إستقالته مرغما في ديسمبر/كانون الاول 2008، وغادر الهاشمي الى تركيا في ديسمبر/كانون الاول 2011، واستقال وزير المالية رافع العيساوي في مارس 2013 وغادر الى الأردن، وهذه كلها ضمن حملة ضرب الجماعات السنيّة في العراق. وبعد إلإنسحاب الأمريكي عام 2010، إستطاعت إيران من إحتواء الجماعات السنيّة المتبقية.
ويرى البعض إن العملية السياسية في العراق بأنها ميتة ومبنية على المحاصصة، حيث إن لكل من السنة والشيعة والأكراد حصة حددها المحتل الأميركي.

واعتبر أن المكون السني هو الحلقة الأضعف في العملية السياسية بسبب قبوله اللعبة السياسية الجائرة المبنية على أسس طائفية، مشيرا إلى أن المشاركين في العملية السياسية من السنة لا يمثلون جميعا فكرة الهوية للمكون السني وإنما ينتسبون لهذا المكون بالهوية وانتماؤهم الحقيقي هو للمصلحة الشخصية، حسب تعبيره.

• واقع المعارضة اليوم
وإستمر حال المعارضة السياسية، على هذا المنوال، حتى ظهور داعش وإستيلائه على مدينة الموصل، المدينة الأثرية المعروفة، وثاني أكبر محافظة عراقية، بتاريخ 9 حزيران 2014. ومنذ ذلك التاريخ، ظهرت جماعات معارضة مختلفة، وهي جميعها معارضة سياسية سلمية، إلا إن المؤشر الخطير فيها، انضمام الشيعة الى المعارضة، بعد أن تم إغراءهم طيلة عقد كامل بأن الحكم بأيديهم، وعليهم التغاضي عن كل مساوئ النظام، حماية للمذهب، ومقابل إطلاق الحرية لهم في ممارسة شعائرهم الدينية.
إلا أن ما خلفه إستيلاء داعش على الموصل من تداعيات خطيرة، أهمها: –
أولا. سوء الأوضاع الاقتصادية، نتيجة التدهور الكبير في أسعار النفط، حيث إنخفض سعر البرميل من أكثر من مئة دولار الى أقل من خمسين دولاراً.
ثانيا. إنشاء فصائل شيعية مسلحة لمحاربة داعش، اعتبرت ميليشيات أول الامر، إستمدت شرعيتها من فتوى الجهاد الكفائي الصادرة عن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، ثم جرى توحيدها تحت مسمّى (الحشد الشعبي)، الذي أعترف له بشرعيته وفقا لقانون هيئة الحشد الشعبي في 2016. وتم إشراكها في معارك كثيرة داخل العراق وخارجه، مما أدى الى تزايد أعداد القتلى من الشيعة تحديداً.
ثالثا. تدني مستوى الخدمات العامة، كالكهرباء والماء والصحة والتعليم والقضاء، وغيرها، مما أدى الى تفاقم نقمة الشيعة الى جانب السنة قبلهم.
رابعا. تدهور العلاقة بين الحكومة المركزية والاكراد، وإصرار كل طرف على مواقفه، حول العديد من القضايا، مثل تصدير نفط الإقليم، وحصته من ميزانية الدولة، وإستجواب وإقالة عدد من المسؤولين الكرد في الحكومة المركزية، وقضية كركوك المتنازع عليها.

• جماعات المعارضة اليوم
ويمكن تقسيم هذه الجماعات الى ثلاثة أنواع، وهي: –
أولا. الإحتجاجات السلمية
(1) حركة الاحتجاجات المدنية
لقد اثبتت حركة الاحتجاجات الشعبية في العراق والتي قادتها مجموعة من الناشطين المدنيين ومنذ ما يقرب من خمس سنوات من انطلاقتها وتحديدا في شباط 2011 انها غير قادرة على دفع الحكومة تجاه الاصلاح ناهيك عن التغيير الذي لم يتبلور في ذهنهم بشكل واضح. فحكام اليوم لا يقومون بأي خطوة نحو الاصلاح الاّ مرغمين وعلى قدر ذلك الارغام وبالشكل الذي لا يكون فاعلا ولا يصب في مصلحة الشعب، مثل تغيير امين بغداد، او تغيير وزير الصحة او حتى تغيير رئيس الوزراء. وهذا ما يدل على ان المشكلة تكمن في جوهر النظام بشكل عام.
وقد قمعت تلك الاحتجاجات بشتى الطرق معتمدين في ذلك على الخبرة الايرانية في هذا المجال. لذا فقد بدت الاحتجاجات غير فاعلة وضعفت شيئا فشيئا، لكنها ظلت مثل الجمر تحت الرماد انتظار من يشعل الشرارة الاولى للثورة. وقد عانت تلك الحركة من نقاط ضعف يمكن ايجاز اهمها بما يلي:
1. عدم وجود قيادة موحدة للحركة.
2. عدم وجود فلسفة ومنهاج لها.
3. ضعف الامكانيات المادية لها.
4. طغيان المصلحة الخاصة على معظم قادة الحركة.
5. ضعف البعد الدولي للحركة.
6. عدم تحصين قادة الحركة أمنيا.
7. بطء الحركة وتعثر مسيرتها قياسا الى اجراءات الحكومة.
كل هذه العوامل أدت الى سهولة احتواءها وتحجيمها واضعاف تأثيرها. وتعاني احتجاجات ساحة التحرير في العراق من هذه الصعوبات، وهذا ما قاد الى انقسام حركة الاحتجاجات الى مجموعات صغيرة عديدة لا يربطها رابط ثوري. اما الايام الاولى للاحتجاجات والتي شهدت تجمع عشرات الالوف من المواطنين فيعود الى توافر الرابط العقائدي الثوري لدى عموم الشعب، وبمجرد غياب الرابط تفرق الجميع وأصبح قادة التنظيم دون غطاء في مواجهة السلطة.
وتضم كل مجموعة عدد قليل من الافراد الذين تجمعهم صلات معينة، لذا فان تأثيرها كان ضعيفا واستطاعت السلطة تحجيم دورها والقضاء على بعض قادتها. وهنا ظهرت مجموعة الحزب الشيوعي العراقي الاكثر تنظيما بحكم خبرتها الطويلة واستطاعت ان تتسيّد الموقف لفترة معينة رغم انها شريك في السلطة منذ البداية، الا ان كل هذه الخبرة لم تمنعها من الوقوع في شباك الاسلام السياسي الذي يستند الى الدين والمقدس والله. وبالفعل فقد استطاع أحد تيارات الاسلام السياسي والمشارك فيما يسمى تضليلا بالعملية السياسية من ان يتقدم الى الامام ويقف في واجهة حركة الاحتجاجات ويتسيّد الموقف بفضل شعبيته والتزام انصاره.

(2) حركة الاحتجاجات العراقية 2013، وهي حركة شعبية نشطت في المناطق ذات الاغلبية السنية من العراق مثل الرمادي و صلاح الدين و الموصل وكركوك و تبعتها مناطق متفرقة من بغداد مثل الأعظمية و الدورة وكذلك في ديالى و طالب المتظاهرون خلالها باطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية وايقاف نهج الحكومة الذي وصفوه بال”طائفي” والغاء المادة 4 ارهاب وقانون المساءلة والعدالة من الدستور العراقي وانشاء اقليم “سني” لاحقاً تحولت المطالب إلى اسقاط النظام الحاكم ذي الاغلبية الشيعية وايقاف ماوصفوه بالتدخل الإيراني في العراق اعقبت هذه الاحتجاجات اشتباكات مسلحة في المناطق التي حدثت فيها التظاهرات بين قوات الجيش العراقي والشرطة من جهة ومسلحين سنة ينتمون إلى هذه المناطق من جهة أخرى.
وقد ظهرت هذه الحركة بعد إنسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2010، وإنفراد إيران في العراق، في الولاية الثانية للمالكي، وبفضل سياسته الرعناء، عاد السُنة لمعارضة الحكومة من خلال ما عٌرف بساحات الإعتصام، مثل ساحة إعتصام الفلوجة في الرمادي وساحة إعتصام الموصل في الموصل، وساحة إعتصام الحويجة في وكركوك، وديالى، والتي تم فضّها جميعها بالقوة.

ولقد طرح الاعتصام المفتوح والمستمر كأحد الحلول لتطوير حركة الاحتجاجات، لحين تحقيق مطالبها او اجراء التغيير. وكان لهذا الخيار -فيما لو إستمر- ان يؤدي الى ظهور طبقة سياسية جديدة تتولى مهمة التغيير الشامل في العراق، وآنذاك سنكون امام ثورة. الا ان تسارع الاحداث جعل من الاعتصام امر غير ذي جدوى بعد الان. فالأمور قد وصلت الى نقطة النهاية.

(3) الحراك المدني المستقل
ويضم مجموعة من الشباب الناشطين المدنيين من مختلف محافظات العراق. وقد إنبثقت هذه الحركة في شباط 2011، ثم تم تأسيس جماعة بإسم الحراك المدني عام 2013 للقيام بحملة إلغاء تقاعد الرلمانيين. وقد عقد الحراك المدني المستقل تسعة مؤتمرات في محافظات مختلفة، وكانت إنطلاقة المؤتمر الأول في مدينة النجف، إلا إن دخول جماعات تنتمي للأحزاب السياسية القائمة، وفي مقدمتهم التيار الصدري قد إستلبت هذا الحراك إستقلاليته، وإستغلت حاجته للأنصار، ولكنهم كانوا أنصار وقتيين، سرعان ما ينفضون من حولهم. إلا إن الحراك لم يستطع حتى هذه اللحظة أن يتخلص من أسارهم. كما إن الحزب الشيوعي والتيار الصدري هم شريكين متشاركين في الحكومة.
وقد ضمت هذه الحركة عدة جماعات هي:
• الحزب الشيوعي العراقي
• أنصار التيار الصدري
• تنسيقيات التظاهرات في مختلف المحافظات، بإستثناء محافظات إقليم كردستان العراق.
• الحراك المدني المستقل
وكانت إنطلاقة الإحتجاجات العراقية في 31 يوليو/تموز 2015 في ساحة التحرير في بغداد للمطالبة بتحسين واقع الخدمات وخصوصا الكهرباء، حيث طالبوا بمحاسبة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي أو إقالته، بالإضافة للمطالبة بتخفيض رواتب المسؤولين والوزراء والنواب والدرجات الخاصة. ثم إنتقلت الى مشاكل أخرى كثيرة، مثل مشكلة رواتب موظفي السكك الحديد، مشكلة الضرائب، وإقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، وغيرها.

ثانيا. الاعتصام المدني
• الإعتصام المدني الشعبي (التيار الصدري والتيار المدني)
انطلقت صباح الجمعة (18 مارس/آذار 2016) فعاليات اعتصام أتباع التيار الصدري في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد. وفي يوم السبت 30 نيسان 2016، إقتحم المتظاهرون من أنصار التيار الصدري بوابات المنطقة الخضراء المحصنة حيث المقار الحكومية وصولا الى البرلمان، ثم سحب التيار الصدري مؤيديه من المنطقة الخضراء في بغداد الأحد 1 مايس 2016 بعد يوم من اقتحامهم مقر البرلمان. وطلبت عناصر من ميليشيا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من المتظاهرين المغادرة بعد 6 ساعات على اقتحامهم المبنى داخل المنطقة الخضراء الشديدة التحصين.
• إعتصام نواب البرلمان (حركة الإصلاح البرلمانية)
ولاحقا، في 12 أبريل/نيسان 2016 اعتصم عدد من اعضاء مجلس النواب، داخل قاعة البرلمان احتجاجاً على الكابينة الوزارية الثانية التي قدمها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي. وقيام أكثر من 50 نائبا بالاعتصام وقضاء الليلة في مبنى البرلمان للمطالبة بعقد جلسة لإقالة الهيئات الرئاسية الثلاث في العراق.
وطالب أكثر من 100 نائب عراقي من مختلف الكتل في وثيقة تم تقديمها أمس إلى رئيس البرلمان العراقي بعقد جلسة لبحث موضوع إقالة الرئاسات الثلاث في البلاد “التنفيذية والتشريعية ورئاسة الجمهورية”.
وفي 14 نيسان صوّت النواب المعتصمون داخل مجلس النواب برئاسة النائب عدنان الجنابي، بالإجماع على إقالة هيئة رئاسة البرلمان واختيار الجنابي رئيساً له بدلاً من سليم الجبوري بشكل مؤقت.
وفي 26 نيسان أنهى البرلمان أزمة استمرت لأكثر من أُسبوعين، بعقد جلسة أعادت الثقة برئيسه سليم الجبوري ونائبيه الذين تمت إقالتهم في جلسة سابقة عقدها 170 نائباً. وتّم تصوّيت مجلس النواب العراقي على تسمية مرشح الكابينة الوزارية الجديدة عبد الرزاق العيسى لمنصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وعلاء دشر لمنصب وزير الكهرباء، ووزير الموارد المائية حسن الجنابي، وعلاء غني وزيراً للصحة ووفاء المهداوي وزيرة للعمل والشؤون الاجتماعية.
وهكذا، فقد أستخدمت بعض الكتل السياسية وسيلة الإعتصام للضغط على الحكومة لانتزاع بعض المناصب الحكومية الكبيرة. فهل كان الإعتصام سلاح للتغيير أم وسيلة ضغط فقط؟

ثالثا. الأحزاب السياسية الجديدة
وقد ظهرت اليوم ضمن تشكيلات جديدة. وقد سبق الذكر، أن مفوضية الانتخابات قد أعلنت عن تسجيل أكثر من 200 حزب وتنظيم سياسي، منها 133 حزبا قديما، و79 حزبا جديدا. إلا إن معظمها سيدخل ضمن تحالفات أحزاب السلطة، لذا سنقتصر هنا على أهمها والمعلن منها، وهي: –
• المشروع العربي في العراق
تأسس في منتصف عام 2015، والمشروع العربي في العراق تنظيم وطني اجتماعي ثقافي سياسي عام، يؤكد على وحدة العراق أرضا وشعبا، وبأن العراق جزء من الامة العربية. وهو يسعى إلى بناء عراق ديمقراطي يؤمن بأن العراق مجتمع تعددي، ومن ثم لا بد من له من نظام سياسي يؤمن المشاركة الحقيقية لمكوناته. الأمين العام لـلمشروع العربي في العراق الشيخ خميس الخنجر.
• المبادرة الوطنية – موطني
أعلن عنها في بغداد بشهر كانون الأول (ديسمبر) 2015، منطلقا وإطارا لتحالف قوى الاعتدال والتغيير المدني ضمن صيغة شركاء في الرؤية وليس التنظيم. وراعي هذه المبادرة هو الدكتور غسان العطية، الذي يرى إن على القوى المدنية العراقية أن تستثمر وعي الشباب المتنامي بضرورة مغادرة “منهج المحاصصة العرقية – الطائفية التي بنيت عليها العملية السياسية”، ووجود مطالب شعبية “تزداد إتساعا بوجوب إصلاح النظام، وبروز معارضة نيابية”، بالإضافة إلى “خسارة أحزاب الإسلام السياسي لمصداقيتها وفقدان جمهورها الذي بنته عبر الخطاب والتحشيد الطائفي ضد الآخر، في ظل حماية بعضها لفاسدين كبار”، ودعا قوى الإعتدال المدنية إلى استثمار ذلك من أجل إحداث التغيير المنشود. وأن التغيير في البلاد يقوم بالدعوة إلى تشكيل حكومة، محددة ومفوضة بمهام، تكون إما برئاسة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي أو أي شخصية أخرى”. وذكر العطية، راعي مبادرة “موطني” التي تقوم على دعوة أطراف الاعتدال العراقي للعب دور محوري بانتخابات مجلس النواب العراقي المقبل، تكون مهمة هذه الحكومة العمل على ضمان نزاهة وعدالة وحرية الانتخابات النيابية المقبلة من خلال إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات المستقلة، وإشراك القضاء في عملية الإشراف والتنفيذ للانتخابات.
• حزب الحق الوطني
تأسس في 17 كانون الأول 2016، يهدف الحزب الى لم الشمل والابتعاد عن الضغينة والتفرقة وتسييس الدين، والتي أضعفت الوحدة الوطنية ومزقت النسيج الاجتماعي العراقي”، وإلى تحقيق المصالحة الوطنية من خلال برنامج شامل يقضي على جميع ما خلَّفته المرحلة السابقة من دمار للمجتمع العراقي”. الأمين العام للحزب النائب أحمد المساري.

– تقييم جماعات المعارضة السلمية اليوم
وكما سبق القول، في إنه لم يكن هناك معارضة سياسية عراقية بالمعنى الحقيقي لإسقاط نظام صدام حسين، فإن الأمر ذاته اليوم، فليس هناك معارضة حقيقية، وإنما مطالبة بالإمتيازات الشخصية، أكثر من المطالبة الجماعية بحقوق شعب، وسيادة دولة، وتطور أمة. وهذا ما يفَسّر تخلي الكثير من المعارضين السياسيين العراقيين بمجرد منحهم بعض المناصب والإمتيازات.
وإجمالا، تعاني معظم الجماعات العراقية المعارضة السلمية اليوم من قصور كبير، تمثّل فيما يلي: –
آ- غياب الرؤيا السياسية الشاملة
وبالتأكيد ان وجود فلسفة للتغيير أمر ضروري واساسي لا غنى عنه لكل ثورة أو حركة تغيير شعبية لكي يلتف حولها ابناء البلد الواحد ويسعون لتحقيقها. وعلى الرغم من المناداة مؤخرا بالحكم المدني، إلا إن الرؤيا ما زالت غير واضحة لدى قادة المعارضة وأنصارها.

ب‌- ضعف التنظيم الرصين
ان واحدة من اعقد المسائل في الثورة هي مسألة تنظيم الثوار، نظرا للصعوبات التي تكتنف مسألة ضبط مجموعة من الافراد الثائرين وتوجيههم نحو الهدف.
وعادة ما تقوم التنظيمات الثورية بهذه المهمة، وهو أمر وان كان صعب جدا، الا انه ليس بالمستحيل في الحالة العراقية. فتشكيل هيئة سياسية او حزبية تتولى مسؤولية تنظيم وقيادة الثورة في بلد معين أمر ممكن التحقيق شرط توافر عنصري التمويل المالي وقاعدة الانطلاق الجماهيرية، اي الطبقة الاجتماعية التي ستقوم الثورة على اكتافها مثل طبقة العمال او طبقة الطلاب أو الفلاحين وغير ذلك. وهذا بالطبع لا يمنع من اندلاع الثورة بشكل عفوي نتيجة احتقان الشارع جراء الظلم الاجتماعي والضغط الاقتصادي.

ج- غياب القيادة الكاريزمية
وفي ظل اوضاع اجتماعية ونفسية كهذه، يصعب القيام بثورة دون ظهور قيادات ذات كاريزما شعبية تشحذ الهمم وتعيد ترميم الشخصية المنكسرة ثانية. وبصراحة مطلقة، فان كل الطبقة السياسية التي جلبت لحكم العراق بعد عام 2003 كانت تفتقد لهذا العنصر المهم، مما جعلها تفقد احترامها وتقديرها لدى العراقيين. ومن هنا ظهرت التبريرات الجوفاء التي تزيد العراقيين انكسارا وهو ان مشاكل العراق عصية على الحل حتى لو جاء الانبياء لحكمه. والواقع ان الانبياء هم صفوة روحية من البشر لا تصلح للحكم، وانما يصلح له رجال دولة قادرون على ادارته وفقا لأساليب عصرية. ويجب ان يظهر فهم علمي ومنطقي يحل مسألة نقل الجبل من مكان لأخر باستخدام العقل والتكنولوجيا بدلا من البحث عن حلول سحرية مختصرة.

– وسائل التغيير المنشود
ويثور التساؤل عن وسائل التغيير المتبعة من جماعات المعارضة العراقية اليوم، ومدى فاعليتها في تحقيق التغيير المنشود؟

• التظاهرات، وهي مستمرة كل يوم جمعة في ساحة التحرير ببغداد، أو مجسرات ثورة العشرين في النجف، وأماكن أخرى. إلا انها غير ذي جدوى، وتأثيرها يكاد يكون معدوما، سوى في مناسبات محددة، عند انضمام التيار الصدري لها لغرض معين، ويتم اقتحام المنطقة الخضراء، كما أسلفنا.

• وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال إنشاء صفحات ومجموعات على الفيسبوك وتويتر وأنستغرام، وغيرها، وهي اليوم كثيرة جداً واعدادها بالمئات، ودورها ينحصر في التوعية فقط. وهذه الوسائل وإن كان لها دور كبير في إعتصامات ما سميّ بالربيع العربي. إلا إن الحالة العراقية تختلف تماما، لسبب واحد بسيط، إن العراق محكوم بدول أجنبية، والقائمون على السلطة في العراق اليوم، ليسوا حكاما بالمعنى الحقيقي، بل هم مجرد دمى على مسرح السياسة في العراق، وإن تغيير هؤلاء لن يغير الوضع ما لم يتغير النظام برمته. ورأينا إن تغيير الجعفري بالمالكي، والمالكي بالعبادي لم يؤدي الى حل لأزمات العراق الكثيرة.

• توجيه وسائل الإعلام الى إخفاقات الحكومة وسوء إدارتها، وتسليط الضوء على ملفات الفساد الكثيرة والكبيرة، من خلال إنشاء بعض المواقع الألكترونية، والمدونات الشخصية، ونشر المقالات والبحوث والدراسات عن ذلك.

• إنشاء تنظيمات سياسية معينة، وهذه لا يمكن إعتبارها معارضة بالمفهوم الحقيقي، لإن تسجيلها في العراق سيجعلها خاضعة لقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية لعام 2015، ومن شروطه التعجيزية هو دفع رسوم تسجيل الحزب البالغة قرابة خمسون ألف دولار. وهذا ما يعيق أي جماعة معارضة من تسجيل تنظيمها. ومع كل ذلك، فقد سجّلت شخصيات حكومية مثل الوزراء ونواب برلمان وتجار ما يزيد على 300 حزب سياسي حتى الآن.

• المجموعات المغلقة، وهي جماعات تنشئ لها حلقة مغلقة لعدد من الأصدقاء الذين يتفقون في توجهاتهم. وهي أشبه بالندوات التي يتم فيها بث الشكوى وطرح الهموم وتبادل الأمنيات.

– التأثير الدولي على الثورة
العراق، ومنذ عام 2003، قد أصبح ساحة للصراعات الدولية. وإزاء حجم التدخل الدولي الكبير هذا، فان قيام ثورة وطنية شعبية في العراق يعد امرا صعبا للغاية دون الاخذ بنظر الاعتبار تأثير تلك التدخلات الدولية ومصالحها الاستراتيجية في العراق. وفي مقدمة هذه الدول امريكا وإيران. ويمكن تشبيه مدى تأثير هاتين الدولتين على العراق كجهاز تلفاز تحتفظ امريكا بجهاز السيطرة عن بعد (الريموت كونترول)، في حين ان إيران كالمشاهد القريب من التلفاز الذي يغير قنوات الاستقبال حسب هواه دون حاجة الى الريموت. واليوم، بعد مجيء رئيس أمريكي جديد هو ترامب، فان إدارته تسعى لانتزاع الريموت العراقي من يد إيران. لذا فقد كان سبب إحجام العراقيين عن أي مطالبة فعلية بالتغيير، هو رضا الولايات المتحدة الامريكية ضمنيا عن الوضع القائم والفوضى في العراق، في عهد الإدارة السابقة برئاسة أوباما. وإنطلقت شهيّة العراقيون في التغيير بعد وصول ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة، وإرساله هو وباقي طاقم إدارته إشارات عدم رضا الولايات المتحدة عن التدخل الإيراني في العراق. وتبدو خطوات الإدارة الأمريكية الجديدة مشجّعة للعراقيين ليعبّروا عن إمتعاضهم وعدم رضاهم عن ألاوضاع في العراق.
وقد شكّل هذا العامل الدولي سابقا عنصر اعاقة لأي ثورة تسعى الى تغيير للسلطة من خلال اقتحام مقر الحكومة في المنطقة الخضراء، لوجود السفارات الاجنبية فيها وعلى رأسها السفارة الامريكية. لذا فان ارسال رسائل تطمين لها من جماعات المعارضة، هو امر ضروري لأي حركة تغيير قادمة.
لذا فان اي تنظيم سياسي او شعبي يفكر في القيام بتغيير الأوضاع السياسية في العراق، لابد من ان يضع نصب عينيه ابتداءً اسلوبا للتعامل مع هاتين الدولتين المار ذكرهما سابقا، على الرغم من صعوبة ذلك، لان الدعم الدولي امر ضروري في اي حركة تغيير سياسي.
وبدا هذا الأثر واضحا على تحركات السياسيين، فقد رأينا تحرك العديد من العراقيين -بضمنهم المشاركين في الحكومة- يتسابقون الى عواصم الدول المختلفة طلباً للمساعدة. ويدخل ضمه هذا المسعى، تحرك الجميع وتسابقهم للوصول لتلك العواصم، فالشيعة ما زالوا يهرولون الى إيران، والسُنة ما زالوا يتسابقون على الوصول الى الرياض وأنقرة وعَمان والدوحة، وغيرها. وتأتي مؤتمراتهم ضمن هذا السياق، فقد عقدوا مؤتمرا في ميونيخ وانقرة في شباط وآذار 2017.

– معوقات التغيير في العراق
هناك جملة معوقات، تعيق أي حركة تغيير سياسي جوهري في العراق للتخلص من حالة الفوضى والتفجيرات والدمار ونهب المال العام، التي ضربت البلاد منذ 14 سنة وحتى الأن، وأهمها: –
• إنعزال الحكومة في مقر شديد التحصين، يعرف بالمنطقة الخضراء.
• وجود فصائل مسلحة كثيرة، بلغ عددها أكثر من 150 فصيلا، بحسب تصريح رئيس الوزراء حيدر العبادي.
• تدهور مستوى المعيشة في العراق، بحيث أصبح الفقر والعوز المادي من معوقات العمل السياسي المنظم.
• وقوف المرجعيات الدينية المختلفة سواء الشيعية أو السنية، لا بل حتى المسيحية الى جانب السلطة القائمة وإضفاء الشرعية عليها حتى الان، مبررين ذلك، بقبول الظلم تجنبا للفوضى.
• الانتخابات الصورية، فما زال الكثير من العراقيين وجماعات المعارضة السلمية، ترى إن التغيير يجب أن يتم من خلال صناديق الإقتراع. ويغيب عن هؤلاء بعض الحقائق الخافية عليهم في مسألة الانتخابات عموما، وفي العراق خصوصا. ويمكن إختصارها فيما يلي: –
– إن النائب الجيد يقف وراءه ناخب جيد. والناخب العراقي هو ناخب عقائدي يصّوت لمرشح طائفته وعشيرته، رغم إقراره بفساده وعدم صلاحيته. وهو بهذا الوصف ليس ناخباً حراً كما يفترض هذا النظام. كما إن النظام الانتخابي الحالي لا يقوم عل أساس المواطنة، الذي يحق بموجبه لأي عراقي ترشيح نفسه للمنصب على قدم المساواة المفترضة دستورياً، لذا فما زال من المستحيل أن يحظى أي مرشح من الأقليات المسيحية أو الايزيدية أو الصابئة أو غيرها بأي منصب سيادي، بل تم تحجيمهم وفقا لنظام الكوتا الانتخابي. والاستثناء الوحيد الذي تحقق منذ عام 2003، هو منح منصب رئيس الجمهورية لمرشح كردي.
– إن الانتخابات في العراق، كانت معيبة في المرات الثلاث التي جرت فيها للأعوام 2006 و2010و2014. ويكفي أن نذكر إنه لم يؤخذ بنتائج الانتخابات في المرتين الأخيرتين على الاقل، فقد فاز أياد علاوي ولم تمنح له السلطة، بل جددت لنوري المالكي، وفاز المالكي ثانية عام 2014، وانتزعت منه وأعطيت الى حيدر العبادي.
– إن الانتخابات العراقية ومنذ 2003 تخضع لتأثيرات وضغوط دولية كبيرة. لذا فإن نتائجها غير وطنية تماما.
– تلعب الجماعات والفصائل المسلحة دوراً مؤثرا فيها، وسيتعاظم دورها في الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في أيلول/سبتمبر القادم مستندة الى تضحياتها الكبيرة في تحرير الموصل.
• معوقات إجتماعية، والى جانب كل المعوقات أعلاه، فهناك معوقات مترسخة في الشخصية العراقية، وهي بلا شك، مستّمدة من طبيعة الشخصية العربية والإسلامية على مّر العصور، وهي: –
1. الشخصية الإستحواذية-الإقصائية، أي إن كل جماعة تريد الإستحواذ لذاتها، وإقصاء غيرها. وهذا هو سرّ عدم الاتفاق فيما بينهم.
2. الشخصية التسلطية، والتي يريد كل شخص فيها أن يطبق فلسفته الخاصة، وأن يتحكّم هو وحده، على طريقة (أعطني الإمارة ولو على حجارة).
3. الطبيعة القبلية للشخصية العراقية، والتي ترى إن قبيلتها أو عشيرتها على حق دوما، لأنها الحاضنة التي تحميها وتدافع عن حقوقها. وهذا ما يعرف عند العرب (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).
لذا فقد رأينا عدد من الوزراء ونواب البرلمان يعرضون خصوماتهم على عشائرهم، في الوقت الذي يجلسون تحت قبة البرلمان لتشريع القوانين. ولم يسأل أحد منهم نفسه، هذا السؤال: ما الجدوى إذا من تشريع القوانين، إذا كان أعضاء البرلمان والوزراء يحلّون خلافاتهم في مجالس عشائرهم؟
4. تعدد الولاءات وتغييرها: فالشخصية الإسلامية قد مارست منذ البداية هذا الأمر بعد ظهور مسألة البيعة، وإعتادت على تغيير ولاءاتها الشخصية وفقا لمصالحها الشخصية، ورضوخا للقوة. وتعتبر حادثة مقتل الحسين المعروفة، خير مثال على ذلك. وهذا ما جعل جماعات المعارضة تفتقد لرجال مبادئ يصرّون على إنتزاع حقوقهم على طريقة ميرابو، خطيب الثورة الفرنسية الذي قال عند محاصرة تجمعهم في ملعب التنس بالقرب من القصر، وقال لمبعوث الملك: ” قل لسيدك لن نبرح هذا المكان الا على اسنة الرماح”.
وقد أشار القران الكريم الى أصحاب المبادئ، بقوله: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. سورة الأحزاب، الآية 23.
5. إنكار الحقوق: إن أكبر إعاقة لأي تغيير في العراق والمجتمعات العربية يكمن في مسألة انتهاك الحقوق. وق أشار القرآن الكريم الى ذلك بقوله: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ. وهذا موضوع كبير بحد ذاته، ويصعب حلّه، فقد إعتادت المجتمعات العربية أن تؤجل إيفاء الحقوق الى يوم القيامة. وهذا يعود للطبيعة العربية النهّابة والوهّابة. لذا فإنها لم تكلّف نفسها عناء الحساب، بل تركته ليوم الحساب. وهذا ما يدفع الناس للتردد في أي تغيير، لإنه لن يعطيهم حقوقهم. ويلتحق بالتغيير فقط الطامحون المندفعون نحو القفز وإنتزاع الغنائم، أو ما أصبح يعرف عراقياً ب (الفرهود).
6. الطيبة العراقية: فالعراقيون في عمومه شعب مؤمن وطيب وخلوق ويخشى الله، وهو ما يعرقل أي حركة تغيير أو ثورة. وقد إعتاد العراقيون على المسامحة والغفران حتى لأولئك الذين أذاقوهم سوء العذاب، وإمهاله ليوم الحساب كما أسلفنا. لذا فقد كانت فلسفة التغيير تظهر من الجماعات الضعيفة كالأقليات.
وقد أجاد الصحفي والكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل عندما وصف الوضع الحالي بقوله: ان العراق اليوم اضحى عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة من اللصوص ليست لهم علاقة لا بالسياسة ولا بحكم ولا بإدارة الدولة! واضاف هيكل في حوار موسع ان العراق كان تركيبة جديدة وان القوى التي انشأته لم تعد تهتم به وتركته لأهله الذين يرغبون بالتماسك الداخلي فيه. ونحن نقول ان الشرفاء هم وحدهم من ينقذ العراق مما هو فيه من حالة ضياع وتشظٍ وهم كثر ان شاء الله وسوف يتصدرون المشهد السياسي عاجلاً أم آجلاً.
واخيرا، ان الثورة لا تتضمن تحريضا بل هي تصحيح لمسارات خاطئة لإعادة الامور لنصابها، وإرجاع القطار على السكّة، بعد خروجه عنها، ومهما سار فلن يزيد ذلك الأمور إلا سوءا. واليوم تبرز الحاجة لإصلاح الأذهان قبل إصلاح الأوطان. فالتخلف آفة المجتمعات، ويجب توعية الناس على ما هو صحيح، فمهما ساد الخطأ زمنا طويلا، فلن يصحّ الا الصحيح.

د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
15 مارس 2017

المصادر
1. الصحوة (مليشيا)، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
2. الاحتجاجات العراقية 2013، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
3. الأحزاب السياسية في العراق، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
4. خارطة القوى السياسية في العراق، موقع قناة الجزيرة، في 7/4/2005.
5. العراق.. دور السنة بالعملية السياسية وخلافات الشيعة، موقع قناة الجزيرة، في17/4/2016.
6. د. رياض السندي، الاعتصام في العراق-وجهة نظر قانونية-، موقع الحوار المتمدن في 18/3/2016.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

قراءة في مسؤولية الخطاب الديني عن التحرش الجنسي

برزت ظاهرة التحرش بشكل كبير وجدي في الأونة الأخيرة ، وأرتبطت بالعرب بشكل خاص ، وحتى أصبحت هذه الظاهرة مرافقة لهم أينما أرتحلو وحلو (*) ، والتحرش الجنسي يعرف على أنه : « اعتداء ذو طبيعة جنسيّة ، تجاه شخص آخر . وعلى الرغم من أن الاعتداءات الجنسية غالباً ما تكون من قبل رجل تجاه امرأة ، إلاّ أنه من الممكن أن يحدث من قبل رجل تجاه رجل ، أو امرأة تجاه رجل ، أو امرأة تجاه امرأة » / موقع نوافذ – من مقال د. أسامة عثمان ، وسأتكلم في هذا المقام عن التحرش ضد المرأة .. وتحتل مصر مركزا متقدما في هذا المجال ، نتيجة للكبت و الأنغلاق المجتمعي ، فلا يجد المرء تنفسا في المجتمع المصري يفرغ فيه شحناته الجنسية سوى هذا العمل / الفعل اللاأخلاقي ، وسأفرغ ملاحظاتي وتساؤلاتي على شكل أضاءأت : 1. للخطاب الديني الأسلامي أثر كبير في بروز هذا الفعل اللاحضاري ، حيث أن التحرش الجنسي يتناسب طرديا مع بروز وتفاقم الخطاب الديني المتزمت ، فلا نلحظ أي ظاهرة مثلا في مصر للتحرش في ستينات أو سبعينات القرن الماضي الذي كان فيه الخطاب الديني هزيلا ، حيث كانت مصر بمنتجعاتها / الأسكندرية ومرسى مطروح .. ، تعج بالمصرين والمصريات وهن بلباس السباحة / المايوه ! ، ولم يسجل أي فعل يذكر من هذا النوع في تلك الأيام الخوالي ، أما الأن فالمصريات بكامل لباسهم أضافة للحجاب أو النقاب ولا تستطيع المرأة ان تتمشى بحرية بشوارع معينة وباوقات خاصة ! . 2. وتمادت ظاهرة التحرش بالبروز العلني في كثير من المناسبات ، حيث أن الجمهور أصبح لا يخجل من ممارستها ، و كأنها فعلا عاديا ، كمثل ما حدث مع بعض المراسلات الصحفيات ، كالذي حدث مع مراسلة
france 24
في ميدان التحرير في مصر / شاهد الفديو التالي :

، وكذلك ما حدث بسائحة أجنبية -الاعتداء جنسيا على سائحة أجنبية وتجريدها من ملابسها في ميدان التحرير/ شاهد الفديو التالي :

3. أن عملية الفصل الجنسي بين الذكور و الأناث ، ساعد على بروز هذا الفعل ، لأنه ولد لدى الذكور حالة نفسية مستعصية تجاه الجنس الاخر ، خاصة في التعامل و الأندماج ! والذي جعل من الذكور يجهلون الكيفية و الطريقة و الأداء في التخاطب مع الجنس الأخر ، خاصة في المجتمعات المغلقة ، الذكورية منها ، فلا يوجد طريقة معينة في التعامل سوى ما مخزون منه في العقل الباطن ، وهو الجنس ! .
4. ساعد رجال الدين و الشيوخ والدعاة .. ، كخطاب وتوجيه ، وحث على التحجب و التنقب .. ، في زيادة الهوة بين الجنسين ، وهذا الأمر ساهم على زيادة وتيرة التحرش الجنسي ، حيث الأن الذكور ، هم أصلا مغيبين عن التفاعل مع الجنس الأخر ، وما يشاهدوه هو المرأة ” المقمطة ” بلباس يقال له اللباس الأسلامي ! وأغلبهم يجهلون ما يكمن وراء هذا اللباس من أشكال ! ، فيلجأ الذكور الى ممارسة التحرش كنوع من أفراغ الغرائز الجنسية ! وكوسيلة معرفية ! .
5. لجاء الكثير من الفنانين الى حلول قد تبدوا أكثر جرأة وغير مسبوقة ، وهذا ما دعت أليه المخرجة المصرية أيناس الدغيدي ، حيث طالبت .. ( بترخيص بيوت الدعارة فى مصر ، معتبرة أنها تحمي المجتمع وقد تشكل حلاً لإنهاء قضايا التحرش الجنسي ، خاصة وأن الأمر موجود ولا يمكن إنكاره ، على حد تعبيرها .. ) / جاء هذا في مقابلة مع قناة الحياة المصرية في 6.2.2016 .
كلمة :
أن التوجيه الديني لرجال الدين ، خاصة المسلمين ، بأن المرأة أن تلزم بيتها ، وأذا أضطرت للخروج أن تتنقب أو أن تتحجب .. والدعوة الى عدم الأختلاط ، كل هذا من أجل وضع الملف في عمامة رجال الدين ، وذلك من أجل السيطرة على العلاقات المجتمعية وعلى التقاليد و الأعراف والعلاقات الأسرية ..، وذلك من أجل وضع كل هذا الملف في ذمة رجال الدين الذين يعتاشون على فتاته ، هذا الأمر وغيره وجه المجتمع الى خلق حدود بين الجنسين ، وساعد أيضا على خلق فصل مجتمعي في كيان هو بالأصل كيان واحد بشقيه الذكوري والانثوي ، هذا التغريب و التجهيل و تحريم الأختلاط هو النواة و الأساس في بروز ظاهرة التحرش الجنسي ، فأذا أردتم البحث عن أي مشكلة مجتمعية فأبحثوا عن رجال الدين الذين يقتادون من بناء أسوار الفصل بين قطبي الحياة وهما الرجل و المرأة ! .
—————————————————————————————————— (*) JANUARY 10, 2016
برلين ـ “راي اليوم” ـ جاسم محمد : تتفاعل حادثة التحرش الجماعي مع ردود افعال مسؤولين ورأي عام للشارع الالماني ، بعد ان تعرضت مئات النساء في مدينة كولونيا ليلة الاحتفال بالعام الجديد 2016 للتحرش الجنسي . ومازالت الشرطة تبحث عن المتهمين وتجري تحقيقات مع عدد من المشتبه فيهم .. تعليقات بعض ابناء الجالية المسلمة في المانيا وصفت الحادث بانه مفتعل ضد الاجانب ، واخذ اهتماما اكبر من حجمه الحقيقي . وجائت ردود فعل وزير العدل الألماني “هايكو ماس″ سريعة بقوله ان هناك إمكانية ترحيل المتورطين في حالات الاعتداء التي وقعت في مدينتي “كولونيا وهامبورغ” . وقال “ماس″ في تصريحات صحفية : “يجب معاقبة كل من يعتقد أنه قادر على أن يكون فوق القانون والعدل في بلادنا ، بغض النظر عن البلد التي جاء منها ”. وأشار “ماس″ إلى إمكانية تطبيق عقوبة السجن حتى على طالبي اللجوء خلال فترة البت في الطلبات ، وفي سياق اخر ، تواجه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل انتقادات متزايدة بعد هذه الحوادث ، احتجاجا على سياسة الانفتاح التي تنتهجها حيال اللاجئين في وقت يسعى فيه خصومها لاستغلال هذه الحوادث ضد سياسة المستشارة ..

Posted in فكر حر | Leave a comment