المواكب

قصيدة المواكب

جبران خليل جبران

الخير في الناس مصنوع إذا جبروا ….. والشر في الناس لا يفنى وان قبروا
واكثر الناس آلات تحركها . ………… أصابع الدهر يوما ثم تنكسر
فلا تقولن هذا عالم علم … ………….. ولا تقولن ذاك السيد الوقر
فأفضل الناس قطعان يسير بها ………….. صوت الرعاة ومن لم يمش يندثر
ليس في الغابات راع .. ………. لا ولا فيها القطيع
فالشتا يمشي ولكن … ………… لا يجاريه الربيع
خلق الناس عبيدا …… .. ………. للذي يأبا الخضوع
فإذا ما هب يوما ……….. ……. سائرا سار الجميع
أعطني الناي وغن ……… .. ….. فالغنا يرعى العقول
وأنيني الناي أبقى ……………… . من مجيد وذليل
وما الحياة سوى نوم تراوده ……. …….أحلام من بمراد النفس يأتمر
والسر في النفس حزن النفس يستره …… فان تولى فبالأفراح يستتر
والسر في العيش رغد العيش يحجبه . ….. فان أزيل تولى حجبه الكدر
فان ترفعت عن رغد وعن كدر ……….. جاورت ظل الذي حارت به الفكر
ليس في الغابات حزن …. ………… لا ولا فيها الهموم
فإذا هب نسيم ………….. ………. لم تجئ معه السموم
وغيوم النفس تبدو … ….. ………… من ثناياها النجوم
أعطني الناي وغن ………. ………. فالغنا يمحو المحن
وانين الناي يبقى ………….. …….. بعد أن يفنى الزمن
وقل في الأرض من يرضى الحياة كما …… تأتيه عفوا ولم يحكم به الضجر
لذاك قد حولوا نهر الحياة إلى ….. ….. أكواب وهم إذا طافوا بها خدروا
فالناس أن شربوا سروا كأنهم ………. رهن الهوى وعلى التخدير قد فطروا
فذا يعربد أن صلى وذاك إذا .. ………… أثرى وذلك بالأحلام يختمر
فالأرض خمارة والدهر صاحبها ……. وليس يرضى بها غير الألي سكروا
فإن رأيت أخا صحوا فقل عجبا! .. ……. هل استظل بغيم ممطر قمر؟
ليس في الغابات سكر ……………… من مدام أو خيال
فالسواقي ليس فيها ……………….. غير إكسير الغمام
إنما التخدير ثدي …… ……………….. وحليب للأنام
فإذا شاخوا وماتوا ………………….. بلغوا سن الفطام
اعطني الناي وغن ………………. فالغنا خير الشراب
وانين الناي يبقى ………………. بعد أن تفنى الهضاب
والدين في الناس حقل ليس يزرعه . ……. غير الألي لهم في زرعه وطر
من آمل بنعيم الخلد مبتشر ……… ……. ومن جهول يخاف النار تستعر
فالقوم لولا عقاب البعث ما عبدوا ……… ربا ولولا الثواب المرتجى كفروا
كأنما الدين ضرب من متاجرهم …….. أن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
ليس في الغابات دين …. …………. لا ولا الكفر القبيح
فإذا البلبل غنى ……. …………… لم يقل هذا الصحيح
أن دين الناس يأتي ……. ……….. مثل ظل ويروح
لم يقم في الأرض دين ………. ….. بعد طه والمسيح
أعطني الناي وغن ………… .. فالغنا خير الصلاة
وانين الناي يبقى … …………. بعد أن تفنى الحياة
والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا .به ويستضحك الأموات لو نظروا
فالسجن والموت للجانين أن صغروا …… والمجد والفخر والإثراء أن كبروا
فسارق الزهر مذموم ومحتقر . ….. وسارق الحقل يدعى الباسل الخطر
وقاتل الجسم مقتول بفعلته … ……. وقاتل الروح لا تدري به البشر
ليس في الغابات عدل ….. ……… لا ولا فيها العقاب
فإذا الصفصاف ألقى ….. ………. ظله فوق التراب
لا يقول السرو هذي …….. ……. بدعة ضد الكتاب
أن عدل الناس ثلج ……… ……. أن رأته الشمس ذاب
أعطني الناي وغن ………… …. فالغنا عدل القلوب
وأنيني الناي يبقى ……… …….. بعد أن تفنى الذنوب
والحق للعزم، والأرواح أن قويت …. .. سادت وان ضعفت حلت بها الغير
ففي العرينة ريح ليس يقربه … …….. بنو الثعالب غاب الأسد أم حضروا
وفي الزرازير جبن وهي طائرة . …… وفي البزاة شموخ وهي تحتضر
والعزم في الروح حق ليس ينكره … .. عزم السواعد شاء الناس أم نكروا
فان رأيت ضعيفا سائدا فعلى .. ……… قوم إذا ما رأوا أشباههم نفروا
ليس في الغابات عزم ….. ….. لا ولا فيها الضعيف
فإذا ما الأسد صاحت … …….. لم تقل هذا المخيف
أن عزم الناس ظل …… …… في فضا الفكر يطوف
وحقوق الناس تبلى … ……… مثل أوراق الخريف
أعطني الناي وغن … ………. فالغنا عزم النفوس
وانين الناي يبقى . …………. بعد أن تفنى الشموس
والعلم في الناس سبل بان أولها ……. أما أواخرها فالدهر والقدر
وأفضل العلم حلم أن ظفرت به .. ….. وسرت ما بين أبناء الكرى سخروا
فان رأيت أخا الأحلام منفردا . …….. عن قومه وهو منبوذ ومحتقر
فهو النبي وبرد الغد يحجبه .. …….. عن أمة برداء الأمس تأتزر
وهو الغريب عن الدنيا وساكنها …. … وهو المجاهر لام الناس أو عذروا
وهو الشديد وان أبدى ملاينة …….. … وهو البعيد تدانى الناس أم هجروا
ليس في الغابات علم ……….. لا ولا فيها الجهول
فإذا الأغصان مالت . … …….. لم تقل هذا الجليل
أن علم الناس طراً … ….. ….. كضباب في الحقول
فإذا الشمس أطلت … ….. ….. من ورا الأفق يزول
أعطني الناي وغن … . …… فالغنا خير العلوم
وأنين الناي يبقى ………. .. بعد أن تطفى النجوم
والحر في الأرض يبني من منازعه .. ….. سجنا له وهو لا يدري فيؤتسر
فان تحرر من أبناء بجدته ….. ………… يظل عبدا لمن يهوى ويفتكر
فهو الأريب ولكن في تصلبه …… …….. حتى وللحق بطل بل هو البطر
وهو الطليق ولكن في تسرعه ……. ……. حتى إلى أوج مجد خالد صغر
ليس في الغابات حر ….. ……. لا ولا العبد الذميم
إنما الأمجاد سخف … ………. وفقاقيع تعوم
فإذا ما اللوز ألقى ……. ……… زهره فوق الهشيم
لم يقل هذا حقير …….. ……… وأنا المولى الكريم
أعطني الناي وغن … ……… فالغنا مجد أثيل
وانين الناي أبقى …… …….. من زنيم وجليل
واللطف في الناس أصداف وان نعمت … أضلاعها لم تكن في جوفها الدرر
فمن خبيث له نفسان: واحدة ………. .. من العجين وأخرى دونها الحجر
ومن خفيف ومن مستأنث خنث ……. تكاد تدمي ثنايا ثوبه الإبر
واللطف للنذل درع يستجير به …. …. أن راعه وجل أو هاله الخطر
فان لقيت قويا لينا فبه ……………. . لأعين قد فقدت أبصارها البصر
ليس في الغاب لطيف … …… لينه لين الجبان
فغصون البان تعلوا ……. …. في جوار السنديان
وإذا الطاووس أعطي .. ……. حلة كالأرجوان
فهو لا يدري أحسن ….. …… فيه أم فيه افتتان
أعطني الناي وغن .. ……. فالغنا لطف الوديع
وأنيني الناي أبقى …… …. من ضعيف وضليع
والظرف في الناس تمويه وأبغضه …… ظرف الألي في فنون الإقتدا مهروا
من معجب بأمور وهو يجهلها … …….. وليس فيها له نفع ولا ضرر
ومن عتي يرى في نفسه ملكا ……. ….. في صوتها نغم في لفظها سور
ومن شموخ غدت مرآته فلكا …. ……… وظله قمرا يزهو ويزدهر
ليس في الغاب ظريف ……….. ظرفه ضعف الضئيل
فالضبا وهي عليل …… ……….. ما بها سقم العليل
أن بالأنهار طعما ….. ……… مثل طعم السلسبيل
وبها هول وعزم ……… ….. يجرف الصلد الثقيل
أعطني الناي وغن ……. ……. فالغنا ظرف الظريف
وأنين الناي أبقى …. ………… من رقيق وكثيف
والحب في الناس أشكال وأكثرها . ….. كالعشب في الحقل لا زهر ولا ثمر
وأكثر الحب مثل الراح أيسره .. ……. يرضي وأكثره للمدمن الخطر
وان الحب أن قادت الأجسام موكبه . ….. إلى فراش من الأغراض ينتحر
كأنه ملك في الأسر معتقل …….. ……. يأبى الحياة وأعوان له غدروا
ليس في الغاب خليع .. …… يدعي نبل الغرام
فإذا الثيران خارت . ……….. لم تقل هذا الهيام
أن حب الناس داء ……… …. بين لحم وعظام
فإذا ولى شباب ……. ……… يختفي ذاك السقام
أعطني الناي وغن …… …… فالغنا حب صحيح
وأنين الناي أبقى …… …….. من جميل ومليح
فان لقيت محبا هائما كلفا …………. …… في جوعه شبع في ورده الصدر
والناس قالوا هو المجنون ماذا عسى …. يبغى من الحب أو يرجو فيصطبر؟
أفي هوى تلك يستدمي محاجره … ……. وليس في تلك ما يحلوا ويعتبر!
فقل هم البهم ماتوا قبلما ولدوا ……….. أنى دروا كنه من يحيى وما اختبروا
ليس في الغابات عذل . …….. لا ولا فيها الرقيب
فإذا الغزلان جنت …… ….. إذ ترى وجه المغيب
لا يقول النسر واها ….. ….. أن ذا شيء عجيب
إنما العاقل يدعى ………. .. عندنا الأمر الغريب
أعطني الناي وغن ……… .. فالغنا خير الجنون
وأنيني الناي أبقى ……. ….. من حصيف ورصين
وقل نسينا فخار الفاتحين وما …. …. ننسى المجانين حتى يغمر الغمر
قد كان في قلب ذي القرنين مجزرة .. … وفي حشاشة قيس هيكل وقر
ففي انتصارات هذا غلبة خفيت … …… وفي انكسارات هذا الفوز والظفر
والحب في الروح لا في الجسم نعرفه . … كالخمر للوحي لا للسكر ينعصر
ليس في الغابات ذكر … …. غير ذكر العاشقين
فالألي سادوا ومادوا . ……. وطغوا بالعالمين
أصبحوا مثل حروف ……. . في أسامي المجرمين
فالهوى الفضاح يدعى .. …… عندنا الفتح المبين
أعطني الناي وغن …… ….. وانس ظلم الأقوياء
إنما الزنبق كأس … ……… للندى لا للدماء
وما السعادة في الدنيا سوى شبح … .. يرجى فأن صار جسما مله البشر
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحا ……. حتى إذا جاءه يبطي ويعتكر
لم يسعد الناس إلا في تشوقهم …… …. .. إلى المنيع فإن صاروا به فتروا
فان لقيت سعيدا وهو منصرف …. …… عن المنيع فقل في خلقه العبر
ليس في الغاب رجاء … . …… لا ولا فيها الملل
كيف يرجوا الغاب جزءا …. …. وعلى الكل حصل؟
وبما السعي بغاب ….. …… أملا وهو الأمل؟
إنما العيش رجاء ….. …… إحدى هاتيك العلل
أعطني الناي وغن …….. … فالغنا نار ونور
وانين الناي شوق ………… . لا يدانيه الفتور
وغاية الروح طي الروح قد خفيت . ……. فلا المظاهر تبديها ولا الصور
فذا يقول هي الأرواح أن بلغت … …….. حد الكمال تلاشت وانقضى الخبر
كأنما هي أثمار إذا نضجت … ……. …. ومرت الريح يوما عافها الشجر
وذا يقول هي الأجسام أن هجعت .. ……. لم يبق في الروح تهويم ولا سمر
كأنما هي ظل في الغدير إذا ……. ……. تعكر الماء ولت وامحى الأثر
ظل الجميع فلا الذرات في جسد ………. تثوى ولا هي في الأرواح تحتضر
فما طوت شمأل أذيال عاقلة … ………… إلا ومر بها الشرقي فتنتشر
لم أجد في الغاب فرقا …. …… بين نفس وجسد
فالهوا ماء تهادى … ……….. والندى ماء ركد
والشذى زهر تمادى …….. …. والثرى زهر جمد
وظلال الحور حور …. …….. ظن ليلا فرقد
أعطني الناي وغن …. ……. فالغنا جسم وروح
وأنيني الناي أبقى … ………. من غبوق وصبوح
والجسم للروح رحم تستكن به … …… حتى البلوغ فتستعلي وينغمر
فهي الجنين وما يوم الحمام سوى . …… عهد المخاض فلا سقط ولا عسر
لكن في الناس أشباحا يلازمها . ………. عقم القسي التي ما شدها وتر
فهي الدخيلة والأرواح ما ولدت .. ……… من القفيل ولم يحبل بها المدر
وكم على الأرض من نبت بلا أرج … ….. وكم علا الأفق غيم ما به مطر
ليس في الغاب عقيم . …………. لا ولا فيها الدخيل
أن في التمر نواة ………….. …. حفظت سر النخيل
وبقرص الشهد رمز …. ………… عن قفير وحقول
إنما العاقر لفظ ……………… صيغ من معنى الخمول
أعطني الناي وغن …………. … فالغنا جسم يسيل
وأنين الناي أبقى ……… …… من مسوخ ونغول
والموت في الأرض لابن الأرض خاتمة …… وللأثيري فهو البدء والظفر
فمن يعانق في أحلامه سحرا . …… ……. سيبقى ومن نام كل الليل يندثر
ومن يلازم تربا حال يقظته . …….. ….. يعانق الترب حتى تخمد الزهر
فالموت كالبحر، من خفت عناصره …. .. …… يجتازه، وأخو الأثقال ينحدر
ليس في الغابات موت … ……. لا ولا فيها القبور
فإذا نيسان ولى …………. …. لم يمت معه السرور
أن هول الموت وهم .. ………. ينثني طي الصدور
فالذي عاش ربيعا ……. ……. كالذي عاش الدهور
أعطني الناي وغن …. …….. فالغنا سر الخلود
وأنين الناي يبقى ……. ……. بعد أن يفنى الوجود
أعطني الناي وغن ….. ……. وانس ما قلت وقلتا
إنما النطق هباء ….. ………. فأفدني ما فعلتا
هل تخذت الغاب مثلي ….. … منزلا دون القصور
فتتبعت السواقي ……… …… وتسلقت الصخور؟
هل تحممت بعطر …. …….. وتنشفت بنور
وشربت الفجر خمرا … …… في كؤوس من أثير؟
هل جلست العصر مثلي …….. … بين جفنات العنب
والعناقيد تدلت ….. …… كثريات الذهب
هي للصادي عيون ….. ….. ولمن جاع الطعام
وهي شهد وهي عطر …… .. ولمن شاء المدام
هل فرشت العشب ليلا …. . ….. وتلحفت الفضا
زاهدا في ما سيأتي …… ……. ناسيا ما قد مضى؟
وسكوت الليل بحر ………. .. موجه في مسمعك
وبصدر الليل قلب …….. . ….. خافق في مضجعك
أعطني الناي وغن ….. …….. وانس داء ودواء
إنما الناس سطور …… …….. كتبت لكن بماء
ليت شعري أي نفع . ………. في اجتماع وزحام
وجدال وضجيج ……. ……. واحتجاج وخصام؟
كلها أنفاق خلد …… ……… وخيوط العنكبوتجبران خليل جبران (مفكر حر)؟
فالذي يحيا بعجز ……. …… فهو في بطء يموت
العيش في الغاب والأيام لو نظمت ………. في قبضتي لغدت في الغاب تنثر
لكن هو الدهر في نفسي له أرب …. …….. فكلما رمت غابا قام يعتذر
وللتقادير سبل لا تغيرها …… … والناس في عجزهم عن قصدهم قصروا

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

رمل وزبد

مختارات من كتاب رمل وزبد

جبران خليل جبران

على هذه الشواطئ أتمشى ابدآ
بين الرمل والزبد
أن المد سيمحو آثار قدمي
وستذهب الريح بالزبد
أما البحر والشاطئ فيظلان إلى الأبد

يقولون في يقظتهم :ما انت والعالم الذي تعيش فيه سوى حبة رمل على شاطئ غير متناه لبحر غير متناه
وفي حلمي أقول لهم:إنا هو البحر غير المتناهي وما جميع العوالم سوى حبات من الرمل على شاطئي
ما عييت إلا أمام من سألني من أنت؟

الإنسانية نهر من نور يسير من أودية الأزل إلى بحر الأبد

اجعلني يا الله فريسة الأسد قبل أن تجعل الأرنب فريستي

ليست قيمة الإنسان بما يصل اليه بل بما يتوق للوصول إليه

كيف اخسر إيماني بعدل الحياة وانأ اعرف أن أحلام الذين ينامون على الريش ليست أجمل من أحلام الذين ينامون على الأرض؟

سبع مرات احتقرت نفسي:
1 عندما رايتها تتلبس بالضعة لتبلغ الرفعة
2 عندما رايتها تقفز أمام المخلصين
3 عندما خيرت بين السهل و الصعب فاختارت السهل
4 عندما اقترفت إثما ثم جاءت تعزي ذاتها بان غيرها يقترف الإثم مثلها
5 عندما احتملت ما حل بها لضعفها ولكنها نسبت صبرها للقوة
6 عندما احتقرت بشاعة وجه ما هو عند التحقيق سوى برقع من براقعها
7 عندما أنشدت أغنية ثناء ومديح وحسبتها فضيلة

بعضنا كالحبر وبعضنا كالورق فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم
ولولا بياض بعضنا لكان السواد اعمي

ليست حقيقة الإنسان بما يظهره لك بل بما لا يستطيع أن يظهره لذلك إذا أردت أن تعرفه فلا تصغ إلى ما يقوله بل إلى ما لا يقوله

نصف ما أقوله لك لا معنى له ولكنني أقوله ليتم معنى النصف الأخر

كثيرا ما تغني لأولادنا لننام نحن أنفسنا

جميع كلماتنا فتات يتساقط عن مائدة الفكر

ليس الشعر رأيا تعبر الألفاظ عنه بل هو أنشودة تتصاعد من جرح دام أو فم باسم

انك لا ترى سوى ظلك وأنت تدير ظهرك للشمس

أنت حر أمام شمس النهار
أنت حر أمام قمر الليل وكواكبه
و أنت حر حيث لا شمس ولا قمر ولا كواكب
بل أنت حر عندما تغمض عينيك عن الكيان بكليته
ولكن أنت عبد لمن تحب لأنك تحبه
وأنت عبد لمن يحبك لأنه يحبك

نستدين في الغالب من غدنا لكي نفي ديون أمسنا

ما أبلد من يرقع نظرات البغض في عينيه بخرق ابتسامة في شفتيه!!

ما اعمي الذي يعطيك من جيبه لكي يأخذ من قلبك!

الفشل في حيائه خير من النجاح في ادعائه

جبران خليل جبران (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

المحبة

مقاطع من كتاب النبي

جبران خليل جبران

المحبة

إذا أشارت المحبة إليكم فاتبعوها , و إن كانت مسالكها صعبة متحدرة
و إذا ضمتكم جناحيها فأطيعوها , و إن جرحكم السيف المستور بين ريشها
و إذا خاطبتكم المحبة فصدقوها , و إن عطل صوتها أحلامكم و بددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعا صفصفاً
لأنه كما أن المحبة تكللكم فهي أيضا تصلبكم , وكما تعمل على نموكم هكذا تعلمكم و تستأصل الفاسد منكم

المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار الحنطة
و تدرسكم على بيادرها لكي تظهر عريكم
و تغربلكم لكي تحرركم من قشوركم
و تطحنكم لكي تجعلكم أنقياء كالثلج و تعجنكم بدموعها حتى تلينوا

المحبة لا تعطي إلا نفسها , ولا تأخذ إلا من نفسها
المحبة لا تملك شيئا و لا تريد أن يملكها أحد
لأن المحبة مكتفية بالمحبة

 

الزواج

قد ولدتم معا و ستظلون معا إلى الأبد
ولكن فليكن بين وجودكم معا فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض حتى ترقص أرياح السموات فيما بينكم
أحبوا بعضكم بعضا ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود بل لتكن المحبة بحرا متموجا بين شواطئ نفوسكم
ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه ولكن لا تشربوا من كأس واحدة

الأبناء

أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.
وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.

العطاء

أو ليس الخوف هو الحاجة هو الحاجة بعينها ؟
أو ليس الظمأ الشديد للماء عندما تكون بئر الظامئ ملآنة هو العطش الذي لا تروى غلته ؟
و هنالك الذين يعطون ولا يعرفون معنى الألم في عطائهم و لا يتطلبون فرحا و لا يرغبون في إذاعة فضائلهم هؤلاء يعطون مما عندهم كما يعطي الريحان عبيره العطر في ذلك الوادي
وقد طالما سمعتك تقول متبجحاً : إنني أحب أن أعطي و لكن المستحقين فقط
و أنت من أنت حتى أن الناس يجب أن يمزقوا صدورهم و يحسروا القناع عن شهامتهم و عزة نفوسهم لكي ترى جدارتهم لعطائك عارية و أنفتهم مجردة عن الحياء ؟
فانظر أولا هل أنت جدير بأن تكون معطاء و آلة عطاء

العمل

إن الحياة تكون بالحقيقة ظلمة حالكة إذا لم ترافقها الحركة
و الحركة تكون عمياء لا بركة فيها إن لم ترافقها المعرفة
و المعرفة تكون عقيمة سقيمة إن لم يرافقها العمل
و العمل يكون باطلاً و بلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة

وما هو العمل المقرون بالمحبة ؟
هو أن تحوك الرداء بخيوط مسحوبة من نسيج قلبك مفكراً أن حبيبك سيرتدي ذلك الرداء
هو أن تبني البيت بحجارة مقطوعة من مقلع حنانك و إخلاصك مفكراً أن حبيبك سيقطن في ذلك البيت
هو أن تبذر البذور بدقة وعناية و تجمع الحصاد بفرح و لذة كأنك تجمعه لكي يقدم على مائدة حبيبك
هو أن تضع في كل عمل من أعمالك نسمة من روحك

لأنك إذا خبزت خبزاً و أنت لا تجد لك لذة في عملك فإنما أنت تخبز علقماً لا يشبع سوى نصف مجاعة الإنسان
و إذا تذمرت و أنت تعصر عنبك فإن تذمرك يدس لك سماً في الخمرة المستقطرة من ذلك العصير

الفرح والترح

إن فرحكم هو ترحكم ساخرا..
فكما أعمل وحش الحزن أنيابه في أجسادكم تضاعف الفرح في أعماق قلوبكم

فإذا فرحتم فتأملوا ملياً في أعماق قلبوكم تجدوا أم ما أحزنكم قبلا يفرحكم الآن

 

الثياب

إن ثيابكم تحجب الكثير من جمالكم ولكنها لا تستر غير الجميل

الجرائم و العقوبات

قد طالما سمعتكم تتخاطبون فيما بينكم عمن يقترف إثما كأنه ليس منكم بل غريب عنكم و دخيل فيما بينكم

ولكنني الحق أقول لكم كما أن القديس و البار لا يستطيعان أن يتساميا فوق الذات الرفيعة التي في كل منكم

هكذا الشرير و الضعيف لا يستطيعان أن ينحدرا إلى أدنى من الذات الدنيئة التي في كل واحد منكم

أنتم الطريق و أنتم المطرقون
فإذا عثر أحد منكم فإنما تكون عثرته عبرة للقادمين وراءه فيتجنبون الحجر الذي عثر به
أجل و تكون عثرته توبيخاً للذين يسيرون أمامه بأقدام سريعة ثابته لأنهم لم ينقلوا حجر العثار من طريقه
إن القتيل ليس بريئاً من جريمة القتل
وليس المسروق بلا لوم في سرقت

لذلك لا تستطيعون أن تضعوا حداً يفصل بين الأشرار و الصالحين أو الأبرياء و المذنبين

أي عقاب تنزلون بذلك الذي يقتل الجسد مرة ولكن الناس يقتلون روحه ألف مرة ؟

الصداقة

إذا صمت صديقك ولم يتكلم فلا ينقطع قلبك عن الإصغاء إلى صوت قلبه.

وإذا فارقت صديقك فلا تحزن على فراقه.
لأن ما تتعشقه فيه، أكثر من كل شيء سواه ، ربما يكون في حين غيابه أوضح في عيني محبتك منه في حين حضوره.
ولا يكن لكم في الصداقة من غاية ترجونها غير أن تزيدوا في عمق نفوسكم.

الحديث

إن بينكم قوم يقصدون الثرثار المهذار، ضجراً من الوحدة والإنفراد. لأن سكينة الوحدة تبسط أمام عيونهم صورة واضحة لذواتهم العارية يرتعدون لدى رويتها فيهربون منها.
ومنكم الذين يتكلمون، ولكنهم عن غير معرفة، وبدون سابق قصد، يظهرون حقيقة لا يدركونها هم أنفسهم.
منكم الذين أودع الحق قلوبهم ، ولكنهم يأبون أن يلبسوه حلة اللفظ. وفي أحضان هؤلاء تقطن الروح في هدوء وسكون .

جبران خليل جبران (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | 1 Comment

مصر والألتراس , بين المجلسين الإخواني والعسكري

مصر والألتراس , بين المجلسين الإخواني والعسكري

رعد الحافظ

مَنْ يحكُم مصر العزيزة , اليوم ؟
الحكومة , ومجلس الشعب ( البرلمان المصري ) الإخواني السلفي ؟
أم المجلس العسكري وبقايا العهد البائد من تجّار السياسة الفاسدين ؟
وهل هو عهد بائد فعلاً ؟ أم مازالت نارهِ تحت الرماد ؟
وماذا عن الثورة المصريّة الباسلة التي ألهمت شعوب المنطقة ؟
هل سقوط شخص الرئيس مُبارك ( أو أيّ رئيس ديكتاتور ) , كان هو الغاية والهدف الأوحد ؟
أمّ إنّها الخطوة الأولى فقط , ولابّد أن تتبعها خطوات لاحقة لفضح وإسقاط باقي المسوخ , حتى لو إستغرق الأمر عقداً آخراً ؟
لو إفترضنا وجود قوى مُضادة للثورة المصريّة , حالها حال كلّ الثورات في التأريخ البشري . فمن هي برأيكم تلك القوى ؟
العسكر , أم رجال الأعمال و رأسماليّ عهد مبارك ؟
أم الإخوان المسلمين بجميع تفرعاتهم الإخطبوطيّة , الذين ركبوا قطار الثورة بعد أن تيقنوا من سلوك الطريق ؟
ومَن ينصب الأفخاخ لمَن ؟ وما الغرض ؟ هل الحُكم هو الغاية وهو أغلى من مصر ذاتها ؟
أخشى أن يأتيني الآن شخص طيّب القلب ليقول لي :
إخوان إيه يا عمّ , إنتَ ولا تفهم حاجه عن مصر وشعبها المتديّن .
أعداء الثورة معروفين زيّ الشمس , إنّهم الأمريكان والصهاينة وعملائهم (المفروض السعودية الوهابيّة من عملائهم ) وعادل إمام وشلّة الاُنس !
وممكن يضيف إلى هؤلاء وحسب مزاجه , الاقباط المصريين , مع أنّ المصريين في الواقع كلّهم أقباط في الأصل وإن لم ينتموا (حسب منطق صديّم ) !
بالمناسبة / صدر أمس حكم على عادل إمام بالسجن 3 أشهر لأنّهُ تطاول ( في الماضي ) في أفلامهِ على الإسلاميين ( خصوصاً لحاهم والزبيبة ) , حسب أصحاب الدعوة , لكنّه سيستأنف الحُكم .وهذا أوّل الغيث لبرلمان الإخوان .. ما علينا
********
باقي الغيث نراه ونسمع عنهُ في موضوع الساعة اليوم !
أقصد طبعاً الأحداث الدمويّة بعد مباراة الأهلي والمصري في بور سعيد .
ومع أنّي لم اشاهد المباراة لكن بعض المهتمين يقول أنّ للحكم , دور مهم في تلك الأحداث .
ولا أدري ماذا كان سيفعل نفس الجمهور لو حضرّ مباراة ريال مدريد وبرشلونة الأخيرة ضمن بطولة كاس الملك الإسباني وشاهد على الارض كميّة الظلم التي تعرض لها النادي الملكي؟
يعني لو نتخيّل أحد السلفيين بدل ملك إسبانيا , فربّما من السهل تخيّل بعدها مذبحة لفريق الخصم وأنصاره تحصد الالوف وليس العشرات .
أعتقد أن رقم الضحايا في مصر وصل الى 76 من أنصار الأهلي القاهري .
وهم (حسب البعض ) من شباب الثورة وكانوا مُستهدفين فعلاً من المجلسين … ( تعرفونهم طبعاً ) !
لأنّ المجلس العسكري يُريد إثبات حاجة الجميع لهُ , بدل التفكير بخلعهِ كما خُلِعَ مُبارك والمقربين منهُ .
ومجلس الشعب الإسلامي يكره أصلاً كرة القدم ويعتبرها ملهاة إمبريالية كافرة , والأفضل إلغائها في مصر من أصله وتحويل جموع الشباب الرياضي الى المساجد ليعمروها أكثر ما هي عمرانة اليوم !
*************
ملاحظة عن الألتراس
ألتراس (Ultras) هي كلمة لاتينية تعني الشيء الفائق .
إنّها فئة من مشجعي الفرق الرياضية المعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها .
أوّل فرقة ألتراس تم تكوينها عام 1940 في البرازيل وعُرفت باسم “Torcida” , ثم إنتقلت الظاهرة إلى أوروبا .
تستخدم الألتراس , الألعاب النارية , أو “الشماريخ” كما يطلق عليها في دول شمال أفريقيا (ومصر ) . وأيضا القيام بالغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقهم , وإضفاء البهجة والحماس على المباريات الرياضية وخاصة في كرة القدم ! ( بتصرّف من ويكيبيديا ) .
*********
الخلاصة
مصر الشعب والشباب والثورة قامت يوم 25 يناير 2011 , لكنّها لم تنتهي ممّا بدأتهُ بَعد !
سُفُنْ الثورات الحقيقية , تستغرق من عمر الشعوب عقود , لتستقر على الجودي .
التداعيات الحاصلة ( وأكثر بكثير ما سيحصل لاحقاً ) كانت متوقعة .
نعم كلّ شيء متوّقع , نتيجة الظلم والتعميّة والطغيان الكبير والطويل الذي ساد فيما مضى .( راجعوا مثال العراق لتتأكدوا بأنفسكم ممّا أقول ) !
هؤلاء البرلمانيين الجُدّد وأمثالهم من الإعلاميين الذين يصرخون ويبكون دموع التماسيح ( البكاء صار مودة العصر يا جماعة ) ,على تعويضات دماء الشهداء , بحيث يتحدث الناس تهكماً عن تسعيرة بائسة . هؤلاء سيبقون فترة ثم تكنسهم الجماهير الغاضبة كما فعلت مع الأقوى والأشدّ منهم .
بالنسبة لي شخصياً يمكنني متابعة أيّ تفاصيل في الحياة المصريّة , بل التمعّن فيما وراء الحدث والخبر , ما عدا شيء واحد لا أصمد ولا أستطيع قهر نفسي لمشاهدتهِ . إنّهُ طبعاً البرلمان المصري الحالي .
كم أتمنّى قناصة سطوح تونس ( المُفترضين ) يجلسون في شرفات البرلمان المصري , لتحذير الإخوان من التمادي بالبكاء والعويل والتمثيل .
لأنّهم فعلاً ناس تخاف … ما تختشيش !

تحياتي لكم
رعد الحافظ
3 فبراير 2012

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

أين الإسلام في برنامج حزب النهضة؟

أين الإسلام في برنامج حزب النهضة؟

عبدالقادر أنيس

مهد محررو هذا البرنامج بما اعتبروه خلاصة مشروعهم الإصلاحي، فكتبوا: “يلحظ المتابع لمسار البلاد الحضاري والثقافي منذ أزيد من قرن ونصف وعيا عاما في أوساط الشعب ونخبه السياسية والثقافية والإدارية ذا ثلاثة أبعاد يظل الحوار بينها مستمرا حول درجة عمق أحدها بالقياس إلى الآخر. أولها الوعي بالتخلف الحضاري مقارنة بما حققته أمم الغرب من تقدم أكسبها قوة وعزة وثراء. ويعزى هذا التقدم إلى تحرر العقول من الأوهام وتحرر الحكم من الاستبداد. وثانيهما الوعي العميق بالضرورة القصوى لردم هذه الهوة عن طريق بذل الوسع في اكتساب العلوم الحديثة والتقنيات وتطوير الإدارة والمؤسسات السياسية بما يحقق النجاعة ويطور وسائل الإنتاج ويدرأ آفة الاستبداد. والثالث، الوعي العميق والثقة في صلاحية الإسلام وتراثه مرجعية قيمية وثقافية وأساسا لهذا المشروع الإصلاحي والتحديثي عبر الاجتهاد والتجديد وتفعيل الحوار مع قضايا العصر وعلومه ومكتسباته وتلك هي خلاصة المشروع الإصلاحي”.
http://www.365p.info/livre/index.html
باستثناء هذا الادعاء الأخير الكاذب (صلاحية الإسلام…) لم يقدم لنا خبراء وعلماء النهضة الذين أشرفوا على صياغة هذا البرنامج أي دليل في طول وعرض هذا البرنامج الانتخابي الذي لا يختلف عن برامج العلمانيين حول “صلاحية الإسلام وتراثه مرجعية قيمية وثقافية وأساسا لهذا المشروع الإصلاحي التحديثي عبر الاجتهاد والتجديد وتفعيل الحوار مع قضايا العصر ومكتسباته”، إلا إذا كان الاجتهاد عندهم قد تحرر نهائيا من أي صلة له بالإسلام وراح ينهل من الخبرة الغربية بدون تحفظ . ورغم أنهم ختموا هذه الفقرة بقولهم “وتلك هي خلاصة المشروع الإصلاحي” فلم يكن هذا المشروع الإصلاحي إلا مشروعا حديثا تتخلله بعض التوابل الدينية، وهو يغرف من نفس المنهل الذي غرفت منه الأحزاب الأخرى العلمانية مثل حزب المؤتمر من أجل الجهورية مثلا
http://ar.webmanagercenter.com/management/article-6165-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%
قال حمادي الجبالي، الأمين العام للحزب، في افتتاح أحد اللقاءات: “شارك في إعداد هذا البرنامج أكثر من 182 خبيراً من كوادر الحركة، وتطلب 150 يوماً من العمل، وعبر أكثر من 42 تظاهرة مختلفة، حتى تتمخض عن برنامج ثري، يقدم في 365 نقطة مقترحة، بعدد أيام السنة، في المجالات جميعاً: سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وغيرها”.
http://www.arabstoday.net/index.php?option=com_content&view=article&id=147838&catid=39&Itemid=111
إن قراءة متأنية في نقاط هذا البرنامج سوف تكشف لنا أن الإسلام الذي هو عنوان وهوية هذه الحركة وسبب وجودها وسر قوتها وشعبيتها، لم يساهم في مضمون هذا البرنامج إلا في شكل عموميات مدسوسة دسا قد يحاولون فيما بعد تفعيلها فتتحول إلى قيود حقيقية.
لماذا هذا الغياب؟ هل يعود الأمر إلى ازدواجية في الخطاب؟ فمن جهة هناك برنامج مقدم للاستهلاك العام وخداع الناخبين، لأن الحرب خدعة، فجاء مطبوعا بمسحة عصرانية متفتحة ديمقراطية بل وحتى علمانية وهناك، من جهة أخرى، برنامج آخر ينتظر في الأدراج أو حتى في الصدور ريثما تأتي الظروف المناسبة لإخراجه ووضعه موضع التطبيق، حسب اتهامات بعض خصوم النهضة؟
تقديري الشخصي أن هناك فعلا برنامجان في الخطاب الإسلامي في أيامنا هذه: هذا البرنامج العصري الذي بين أيدينا والآخر يكمن ليس بعيدا عن الأول بل هو مدسوس في ثناياه رغم الحرص الشديد على تمويهه، فليس من المعقول أن يتغير القوم بهذه السرعة، مع أنه تغير محمود. لكن السبب في تعمد هذا الدس وإخفاء النوايا لا يعود فقط إلى تكتيكات انتخابوية، بل يعود أصلا، وقبل كل شيء، إلى عاملين اثنين على الأقل: الظروف الداخلية والخارجية القاهرة التي فُرضت عليهم فرضا وجعلت مجرد التعبير عن الأفكار الإسلاموية المعهودة لديهم من قبيل المجازفة والانتحار. ما يدعم تهمتي هذه هو أن الإسلاميين قبل عشرين سنة عندنا، وكان الغنوشي من مؤيدي الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، لم يكونوا يتحرجون ولا يقتصدون في تحميل خطابهم من العنف المعادي للحرية والديمقراطية والحداثة، بحجة أنهم لا يخشون في الله لومة لائم وأن هذا هو الإسلام الذي ارتضاه الله للمسلمين وأنه لا خيار لهم إلا الصدع به. فلماذا صار الغنوشي وصحبه يخشون الناس ولا يخشون الله بحيث نراهم يقدمون لهم برنامجا ضمن هذه الصياغة العلمانية حتى وإن دسوا فيها ألغاما دينية يمكن تفعيلها مستقبلا كما قال الغنوشي نفسه؟
http://www.onislam.net/arabic/islamyoon/observatory/104485-2008-02-07%2017-23-29.html
رأيي، وهو يندرج هنا في العامل الثاني، أن السبب يعود إلى خلو الإسلام وتجارب الحكم الإسلامي من أي خبرة سياسية واقتصادية وإدارية يمكن أن تتلاءم مع العصر وتفيده، خاصة بعد أن فشلت المحاولات الحديثة في تقديم بدائل جدية للتحديات الحديثة وهو ما دفع الإسلاميين في تونس إلى التزام صمت القبور عن كل شعارات الحركة الإسلامية التي كانوا يرفعونها في وجوهنا قبل عشرين سنة فقط عندما كانت تستبد بهم حمى أسلمة كل ما هب ودب: المأكل والملبس والمشرب والمجلس والمركب والاقتصاد والسياسة والتسيير ومختلف العلوم الاجتماعية وحتى العلوم الدقيقة حتى ابتدعوا مضحكات مبكيات من قبيل الخزعبلات الزغلولية؟ وقبل هذا وبعده فهم أبرع الناس في الانتقائية والاحتيال في التحريم والتحليل والسطو على إبداع الآخر بحجة أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذ بها أنى وجدها وينتحلها وينسبها إلى دينه، ولا ضير عندهم من تجاهل الإشارة إلى مبدعها والاعتراف بجميله.
جهود أكثر من 182 خبير من كوادر الحركة، و150 يوم من العمل، وأكثر من 42 تظاهرة مختلفة، و365 نقطة مقترحة، تمخضت عن برنامج انتخابي علماني في عمومه مع الحرص على تلغيمه بتحفظات دينية هنا وهناك، جرى التعبير عنها بلباقة من قبيل : “أن تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها”، ومن قبيل “الإسلام باعتباره مرجعية وسطية عليا متفاعلة عبر الاجتهاد مع كل خبرة بشرية ثبتت فائدتها” ومن قبيل “أن الإسلام يستوعب كل نافع ويحض عليه من مثل ما ورد في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تتماشى بصفة عام مع قيم الإسلام ومقاصده”، رغم أن الغنوشي قد صرح بما يناقض هذا الكلام في حوار معه بعد ظهور نتائج الانتخابات:
http://www.nourpress.com/elections-tunisie-2011/10252–q-q-ganouchi.htm
لنعد لتفكيك هذه الأبعاد الثلاثة التي وردت في هذه المقدمة الخلاصة:
“أولها الوعي بالتخلف الحضاري مقارنة بما حققته أمم الغرب من تقدم أكسبها قوة وعزة وثراء. ويعزى هذا التقدم إلى تحرر العقول من الأوهام وتحرر الحكم من الاستبداد”.
“وثانيهما الوعي العميق بالضرورة القصوى لردم هذه الهوة عن طريق بذل الوسع في اكتساب العلوم الحديثة والتقنيات وتطوير الإدارة والمؤسسات السياسية بما يحقق النجاعة ويطور وسائل الإنتاج ويدرأ آفة الاستبداد”.
“والثالث، الوعي العميق والثقة في صلاحية الإسلام وتراثه مرجعية قيمية وثقافية وأساسا لهذا المشروع الإصلاحي والتحديثي عبر الاجتهاد والتجديد وتفعيل الحوار مع قضايا العصر وعلومه ومكتسباته”.
المؤسف في صياغة هذه الأبعاد الصحيحة نسبيا، خاصة النقطتان الأوليان، أن هؤلاء الخبراء الـ 182 لم يتحلوا بالشجاعة الأدبية الكافية لممارسة ولو قدر متواضع من النقد الذاتي كحركة إسلامية مطالبة بالنزاهة والصدق تجاه مواطنيها وهي تتأهب لتولي أمرهم، على غرار ما فعلته الكثير من الأحزاب العلمانية بعد فشل تجاربها يمينا ويسارا، ويتحملون، ولو جانبا، من المسؤولية عما تعيشه منطقتنا من تخلف وإرهاب ، لعل أبسطها الاستبداد السياسي الذي لا يتحمل وحده كل ما تعانيه مجتمعاتنا من انسداد حضاري حقيقي طال أمده.
لم يقل لنا هؤلاء كلمة صادقة نزيهة حول كون هذا “الوعي بالتخلف الحضاري مقارنة بما حققته أمم الغرب من تقدم أكسبها قوة وعزة وثراء”، لم ينطلق أصلا من صميم الحركات الأصولية غربا وشرقا وقناعة ذاتية وتطور أصيل فيها وهي التي ربطت مصيرها لمدة طويلة بأعتى دكتاتوريات المنطقية النفطية وتحالفاتها الرجعية ووضعت نفسها في خدمة أحد أطراف الصراع العالمي لكسر شوكة الطرف الآخر دون أن يعود ذلك بأية فائدة على مصائر منطقتنا، ولا انطلق هذا الوعي من رجال الدين ولا من رحاب المؤسسات الدينية مثل الأزهر في مصر والزيتونة في تونس وغيرهما، بل انطلق من خارجهما بل حتى من تجرأ من رجالهم على الخروج عن القطيع عانى من الحصار والمحنة والعزل (مثال علي عبد الرازق وأمثاله في كل بلد)، وخاصة معارضة هذه المؤسسات الشرسة لكل تجديد ولكل نداء للاستفادة من منجزات الحداثة وارتهان مصيرها بمصير الأنظمة الاستبدادية العربية وتبرير توجهاتها الاستبدادية إسلاميا.
أما عندما يكتب هؤلاء الخبراء “ويُعْزَى هذا التقدم إلى تحرر العقول من الأوهام وتحرر الحكم من الاستبداد”، فهذا يدعو إلى الاشمئزاز منهم، ذلك أنه من حقنا أن نمطرهم بأسئلة كثيرة محرجة: ما هو هذا التقدم الذي تفوق به الغرب علينا؟ هل هو تقدم تكنولوجي فقط أم هو تقدم في شتى المجالات لا يمكن الفصل بينها مثلما ظل الإسلاميون يفعلون وهم يوهمون الناس أنه بالإمكان تحقيق التقدم عندنا باستيراد التكنولوجيا المادية الغربية دون الحاجة إلى العلوم الإنسانية والأنظمة السياسية والاجتماعية والتعليمية وما ينجر عنها من انقلابات فكرية وخلقية وعلاقات اجتماعية كانت في أصل هذا التقدم؟ ثم ماذا يقصد هؤلاء (الخبراء) بـ “تحرر العقول من الأوهام”؟ وتحرر الحكم من الاستبداد؟ ما هي الأوهام التي تحررت عقول الغربيين منها ويجب أن تتحرر عقولنا منها كذلك ؟ أليست هي بالذات الأوهام الدينية المعششة في عقولكم والتي صورت لكم دائما أنه يمكن الاكتفاء بخبرة وتجربة ومعرفة دينية أنتجها السلف وادّعوا لها العصمة والكمال وأغلقوا دونها باب الاجتهاد وحرية الفكر والتعبير تماما مثلما كانت تفعل المؤسسات الكنسية؟ أليس كبيركم الغنوشي هو من كتب قبل أقل من عام فقط عن ((دولة المدينة التي تأسست على دستور مكتوب اعترف بحقوق المواطنة لجميع المكونات الدينية والعرقية للسكان باعتبارهم “أمة من دون الناس” حسب تعبير دستور المدينة المعروف باسم “الصحيفة” (سيرة ابن هشام) حيث نصت على أن “اليهود أمة والمسلمين أمة” (أي أمة العقيدة) وأن “المسلمين واليهود أمة” (هي أمة السياسة أو المواطنة) بالتعبير الحديث أي شركاء في نظام سياسي واحد يخولهم حقوقا متساوية باعتبارهم أهل كتاب وأهل ذمة أي مواطنين حاملين لجنسية الدولة المسلمة من غير المسلمين))، ولا نجد أثرا لهذا الكلام في هذا البرنامج؟
http://www.ghannoushi.net/index.php?option=com_content&view=article&id=417:mouatana&catid=25:fikr&Itemid=2
فأي أوهام أكثر من هذه؟ وإذا لم يكن هذا من قبيل الأوهام، فلماذا لا يتجرأ هؤلاء الخبراء فيكشفون للناس عن هذه الكنوز الدينية الثمينة المدفونة والتي لم ينفض عنها المسلمون الغبار طوال القرون ولم يستفيدوا منها ويفيدونا ويقدموا لنا دستور المدينة بدل تضييع الوقت والجهد في صياغة دستور جديد كلنا نعرف أنه لابد أن يُسْتَوْحَى من أَلِفِه إلى يائه من الخبرة الدستورية الغربية وإلا فَقَد أي صلة بالدساتير؟
ثم ماذا تقصدون أيها (الخبراء) من حديثكم حول “تحرر الحكم من الاستبداد”؟ هل كان الغرب وحده خاضعا للاستبداد أم أن ديار الإسلام هي أيضا ظلت خاضعة له طوال تاريخ الخلافة الإسلامية التي طالبتم دائما بإحيائها؟ وهل في الإسلام نظرية سياسية للحكم غير استبدادية تعرفونها ونجهلها وجرى العمل بها في عصر من العصور؟
أما “..ثانيهما: الوعي العميق بالضرورة القصوى لردم هذه الهوة عن طريق بذل الوسع في اكتساب العلوم الحديثة والتقنيات وتطوير الإدارة والمؤسسات السياسية بما يحقق النجاعة ويطور وسائل الإنتاج ويدرأ آفة الاستبداد”. فهو كلام جميل ولكنه لا يعفينا من مساءلتكم: لماذا تَدْعَون الآن فقط إلى “ردم هذه الهوة (بيننا وبين الغرب) عن طريق بذل الوسع في اكتساب العلوم الحديثة والتقنيات وتطوير الإدارة والمؤسسات السياسية بما يحقق النجاعة ويطور وسائل الإنتاج ويدرأ آفة الاستبداد”؟ لماذا تضيعون وقتكم ووقت الناس في بذل الوسع في اكتساب العلوم الحديثة والتقنيات وتطوير الإدارة والمؤسسات السياسية بما يحقق النجاعة ويطور وسائل الإنتاج ويدرأ آفة الاستبداد؟ أليس عندكم في الإسلام البديل على الأقل في الجانب السياسي والاقتصادي والإداري كما قلتم لنا دائما؟ أين ذهبت كل الجهود التي كانت تمولها حكومات النفط الخليجية ولوثت بها العقول والمنظومات التعليمية في مختلف أطوارها حول البدائل الإسلامية في الاقتصاد والسياسة والمال والتربية والعلوم؟ ألم تكن إذن مجرد تشويش على مطالب الحداثة والتقدم من أجل تعويقها؟ ومنه ألا يحق لنا أن نحاسبكم ونرفع ضدكم دعاوى أمام المحاكم بسبب الفرص التي أضعتموها على شعوبنا مثلما تطالبون أنتم اليوم بمحاكمة المستبدين لنفس الأسباب؟ أين خرافة الحل الإسلامي التي تسببتم بها في كل هذه الفوضى والإرهاب والضياع؟
أما البعد الثالث فهو من قبيل دس السم في الدسم ! فبقدر ما إن البعدين الأولين عبرا عن رؤية صحيحة وواضحة ومنشودة ومحمودة بقدر ما إن صياغة هذا البعد الثالث: “الوعي العميق والثقة في صلاحية الإسلام وتراثه مرجعية قيمية وثقافية وأساسا لهذا المشروع الإصلاحي والتحديثي عبر الاجتهاد والتجديد وتفعيل الحوار مع قضايا العصر وعلومه ومكتسباته”، يعبر في نظري عن بلبلة عميقة في خبرتكم التي لم تمكنكم من الذهاب بعيدا في صياغة برنامجكم بما يتماشى ومتطلبات البعدين الأولين.
لقد بحثت فلم أجد في برامج الأحزاب السياسية في بعض البلدان الأوربية التي يدعو الإسلاميون إلى الاستفادة من خبرتها، بما فيه تلك التي تنتمي إلى أقصى اليمين، كل هذا الحرص عند أحزابنا جميعا، بما فيها الأحزاب الإسلامية، على ربط برامجها بهذه اللازمة المملة حول هواجس الهوية المرضية. لماذا كل هذا الإلحاح على التحدث عن “صلاحية الإسلام وتراثه مرجعية قيمية وثقافية وأساسا لهذا المشروع الإصلاحي والتحديثي عبر الاجتهاد والتجديد”. هل عقولنا عاجزة عن ابتكار مرجعيات قيمية وثقافية جديرة بالاهتداء بها وغير معصومة وقابلة للتعديل والتغيير والتطوير أم أن السلف قد بلغ الكمال وأغنانا شر الاجتهاد والابتكار؟
لكي نصدق مزاعم هؤلاء لا بد أن يثبتوا لنا أن إفلاس حكوماتنا السابقة ومؤسساتنا الاقتصادية والإدارية والتربوية وغيرها يعود إلى تنكرها لهذه المرجعية الإسلامية القيمية والثقافية؟ وهل الواقع في البلدان الإسلامية التي احتكمت منذ مدة طويلة إلى هذه المرجعية الإسلامية أفضل حالا من نظيرتها في تلك التي يتهمهما الإسلاميون بلوثة العلمانية والتغريب وتجاهل البعد الإسلامي في سياساتها؟ ثم متى ننتهي من هذه الأغنية السقيمة حول الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المتواصلة منذ بدايات النهضة قبل قرنين؟ هل العيب في عقم فينا وبلادة غريزية وتقصيرنا عن بذل الجهد الاجتهادي التجديدي أم أن حقيقة الأمر تكمن في كون هذا الموروث لم يعد يجدي معه أي اجتهاد بعد أن أعطى أقصى ما يمكن مع عصور الإسلام الأولى ويجب اليوم أن نتجاوزه، وهو ما فعله خبراء النهضة أيضا، والحق يقال، كما حاول ذلك المعتزلة والفلاسفة وانهزموا أمام تحالف أسلاف الإسلاميين المعاصرين مع حكام الاستبداد؟
وأخيرا لا بد أن نشيد بالكثير من المواقف المنيرة والحصيفة في هذا البرنامج ونتمنى أن تشكل نقلة نوعية صادقة في فكر هذه الحركة نحو مزيد من الوعي بمقتضيات العصر وما تتطلبه من ضرورة إحداث قطائع حقيقية مع الجمود والتخلف المرتبطين بالدين أصلا بوصفه الوجه الآخر للاستبداد. وهي نقلة لا أخال الإسلاميين قادرين على إنجازها وحدهم في غياب حركة علمانية قوية تتمكن من تعديل موازين القوى لتحول دون استفراد الإسلاميين بتقرير مصير مجتمعاتنا.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

دستور مصر الجديد المحترم

دستور مصر الجديد

محمد البدري

ليس صعبا وضع دستور محترم، فما اسهل ان يجلس الجميع ويتفقوا علي تقديم المشترك بينهم واستبعاد ما يجعلهم متفرقين. فجميعهم تضمهم ارضا واحدا وهذا الشرط الاول والوحيد في بناء صيغة يتوافق فيها الجميع ويتساوا امام بعضهم البعض. فاين تكمن اشكالية وضع دستور لمصر؟
المشكلة مسكوت عنها ولا يقدر احدا من الاطراف علي البوح بها لانها عورة المصريين منذ فجر التاريخ. فجميع شعوب الارض لها عورات ظهرت وتبدت في سلوكها السياسي الحاكم للداخل او المتعامل مع الخارج. بل هناك عورات شعبية يحملها كل فرد من مواطنيها ولا يدرك كيف يراه الاخرين عبرها. الدستور المحترم لا يحمل عورة من عورات السلطة او عورات الشعب. لكن عبر التاريخ كانت السلطة تحافظ علي عورة الشعب لامساكه متلبسا بها واتهامه بانه اما خائن او كافر ام متمرد. اهم عورات الشعب هو السكوت الطويل علي حالة الفقر والتي تدفعه لاعمال غير عقلانية عندما يصبح الفقر غير محتمل وصولا الي اليأس، هنا تقف له السلطة المتخمة بالثروات المنهوبة حكما علي افعاله. فقبوله بالنهب العلني والسكوت حتي يقضي الله امرا كان مفعولا او تقديم الرجاء والمشيئة والدعاء برفع الغمة هي عورة اخري لها مصدر ديني في عقائد الشعب التي يغذيها وينميها الحاكم اللص والمستبد. فالسؤال الثاني كيف يكون الحاكم المروج للدين هو اكبر لص لثروة الشعب وعورة الاوطان عامة.

مصر هي الوطن الاول في تاريخ النهب والسرقة، وهي موطن جميع الاديان. ودستورها ينبغي له وضع هذه القضية في اولوية مبادئه. ولان مصر لم تعرف الدساتير الا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد بدا الانتعاش بها مبكرا عن باقي دول المنطقة لانه ولاول مرة توضع علاقة بين الحاكم والمحكوم، اي الحد من قدرة الحاكم علي النهب والسرقة دون ضوابط.
بعد ثورة 25 يناير سقط الدستور القديم الذي سمح لحاكم مصر المخلوع ان ينهب بلا حدود وفي نفس الوقت لم تشهد مصر مدا دينيا اسلاميا عبر كل الوسائل المتاحة يروجه الحاكم ويدافع عنه ويتبناه في كل مناسبة مثلما شهدت في زمن مبارك. فمن التعليم الالزامي الي الاعلام المرئي والمسموع والمقروء شكل الدين الاسلامي علي وجه الخصوص اكثر من 60% من المادة المعرفية المطلوب زراعتها في عقول الاجيال الجديد. كان الدستور امتداد لدستور ثورة 1919 بعد عده تعديلات وصلت بالحاكم ليكون وكانه يحكم شعب من مقره في مغارة علي بابا والاربعين حرامي.

فهل كان الشعب حاضرا في الدستور ام انه كان حاضرا وبالدستور بنودا تلغي وجوده؟ أضاف الرئيس انور السادات مع توليه السلطة تعديلات هامة علي دستور من قبله، حيث جعل مبادي الشريعة الاسلامية مصدرا اساسيا للتشريع. ومنذ ذلك الحين بدا الترويج للاسلام واطلقت يد الجماعات الاسلامية وعلي راسها الاخوان المسلمين لتسيطر علي الذهنية الشعبية، وبالتوازي معها بدا الحديث علي استحياء عن القطط السمان من طبقة الاغنياء الجدد.
علي الجانب الاخر كانت التعددية الثقافية والدينية للشعب المصري ملغية بناء علي هذا البند رغم حضوره الواضح في بنود أخري تقر بالواطنة. فظهرت الفتن الطائفية في نفس العام الذي عدل فيه الدستور. فان تكون الشريعة الاسلامية حاكمة لباقي الفئات ذات الاديان الاخري هو نوع من الوصاية والاستحلال او ربما نوع من البلطجة الدينية.

لم يكن غريبا علي عبد الناصر ان يغير هوية مصر ويضيف اليها صفة العربية، فالرجل كان فقيرا في معرفته بالتاريخ، لكن فلسفة الحكام اللصوص المترسبة في اداة الحكم لمصر جعلته يضيف صفة العربية بوعي شديد، فلم تنهب مصر بقدر ما نهبت في ظل حكامها العرب بدئا من عمر ابن العاص حتي آخرهم قبل انفراد أحمد ابن طولون بالحكم. كان النهب للخارج او للداخل يجري برعاية الدين دون دستور وبدون المادة الثانية في الدستور. كما لو ان عورة الشعب التي استغلها الحاكم انتقلت في زمن الدساتير لتكون احد بنوده.

سبب آخر يجعل المادة الثانية من الدستور المزمع كتابته حائلا دون حقوق الشعب المصري فهي لا تضع باقي الاديان في المشهد الدستوري فهناك مسيحيين كاكبر جماعة مسيحية في الشرق الاوسط عددا وثقافة وحضارة وهناك يهود رغم قلة العدد بعد عمليات طرد متكامل ومتعاون بين ضباط يوليو و الحركات الصهيونية في اسرائيل. وهناك كثيرين ممن لا دين لهم او لهم قدسياتهم من خارج الديانات الثلاث ذات الاصول العبرانية أو الملحدين واللادينيين. كل هؤلاء لا يجوز ان يستبعدوا لمجرد ان هناك حاكم ظهرت تحت سلطته القطط السمان وعدل الدستور لظهورهم الشرعي وآخر اصبحت القطط ديناصورات في فترة حكمه التي وصلت الي 30 عاما. وليست تلك دعوة لتعدد تشريعات النهب انما ليكون الحضور علي قدم المساواه للجميع كمواطنيني وليس للتشريع بما تقوله الاديان، ففي اليهودية مثلا صودرت خزائن مصر بعد ان احتل الهكسوس مصر واصبح النبي العبراني المليح الوجه وزير ا علي خزائن الارض.
فالدستور المحترم يحدد العلاقة بين الفئات بالتساوي وليس بالاستحلال ووضع اليد، فما اسهل وضع اليد علي الثروة إذا كان منتج الثروة نفسه مأخوذ بحق الرقبة او بالاستحلال. الدستور المحترم بناء علي الغاء التمايزات بين مكونات المجتمع المصري سيكون داعما للعلاقة بين الراسمالية المصرية وبين الطبقات العاملة. فتحت دستور عبد الناصر او السادات او مبارك لم يكن هناك وجود حقيقي فاعل ونشط لاتحادات العمال ونقاباتهم لا لسبب الا لان الدستور ببنود الوصاية كانت حائلا ضد هؤلاء حيث دمج العمال والراسمالية الوطنية في كيان واحد هو وحده قوي الشعب، بل وضد العمل الحزبي في قلب العمل السياسي بالشارع. ألم نقل بجعل زعيم الامة خالد الذكر. ولنا في الشعارات الكاذبة من الاشتراكية الناصرية دليل آخر كيف لم تكن هناك اشتراكية من اي نوع رغم ان الكل يغني بالاشتراكية، والتي انتهت الي الا يكون هناك اي علاقة تربط ديناصورات مبارك بالشعب المنتج للثروة. فدستور عبد الناصر هو ذاته دستور مبارك بعد ان حسنه السادات لصالح مغارة علي بابا والاربعين حرامي.

ولنعد الي المادة الثانية من الدستور، فرغم ان البعض يوافق علي شكلها الحالي باعتبارها مادة فولكلورية، الا ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان به ما يمكن المصريين جميعا من تجاوز وعدم تكرار ظهور قطط سمان او ديناصورات بينما باقي الشعب في قاع السفينة او في الغاطس لا وجود له بعكس ما هو حادث في امريكا حيث اكبر انواع الدناصورات ورغم ذلك فالشعب متواجد وحاضر وينعم تحت وطاة الراسمالية بدون شريعة غراء بما لا يمكن للمصري ممارسته حتي بالدين الحنيف.
فالحقوق لا تتجزا فيما بين النصيب من كعكة تقسيم العمل الراسمالي بعدالة التعاقد علي اساسه، حتي ولو يكن عادلا وهو ليس كذلك غالبا، وبين المصادرة التامة للثروة وحقوق المواطنة التي تمتد بالمصريين الي الاف السنوات. أسوا ما في التمييز بين المواطنين في مصر علي اساس الشريعة انا باتت تتدخل حتي في العلاقات العاطفية بين الاحبة فلم يعد ممكنا زواج مسيحي من مسلمة ولم يعد في مجال القضاء الاخذ بشهادة الغير مسلم رغم ان معظم جرائم التزوير من نزلاء السجون بل وبلطجية مبارك الذي قتلوا الثوار كانوا جميعا من المسلمين. بل ان دين المواطن واختيار اي اله يرغب في مجاملته ونفاقه واستذلال ذاته له ليس من اختياره بل بوضع اليد عليه قبل ان ينقطع عنه الحبل السري.
كثيرة هي تلك المواد المعية لانجاز لدستور محترم. عمي البصيرة وافيون الشعوب والتلاوة يوميا واحاديث المشايخ والفقهاء تمنع الناس من رؤية الوثيقة العالمية لحقوق الانسان كاحسن مرجعية يمكن علي اساسها كتابة دستور محترم حتي ولو كانت لحديقة الحيوانات.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

أبو جهل يشتري فليت ستريت

نزار قباني

الديوان :  الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق
قصيدة : أبو جهل يشتري فليت ستريت

-1-
هل اختفت من لندنٍ؟
باصاتها الجميلة الحمراء
وصارت النوق التي جئنا بها من يثربٍ
واسطة الركوب,
في عاصمة الضباب؟
-2-
تسرب البدو إلى
قصر بكنغهامٍ,
وناموا في سرير الملكه
والإنجليز, لملموا تاريخهم..
وانصرفوا..
واحترفوا الوقوف -مثلما كنا-
على الأطلال….
-3-
ها هم بنو تغلب..
في (سوهو)
وفي (فيكتوريا)..
يشمرون ذيل دشداشاتهم
ويرقصون الجاز…
-4-
هل أصبحت إنجلترا؟
تصحو على ثرثرة البدو..
وسمفونية النعال؟؟
-5-
هل أصبحت إنجلترا؟
تمشي على الرصيف, بالخف.. وبالعقال؟
وتكتب الخط من اليمين للشمال…
سبحانه مغير الأحوال!!
-6-
عنترةٌُ.. يبحث طول الليل, عن روميةٍ
بيضاء كالزبدة..
أو مليسة الفخذين.. كالهلال
يأكلها كبيضةٍ مسلوقةٍ
من غير ملحٍ -في مدى دقيقةٍ-
ويرفعالسروال!!
-7-
لم يبق في الباركات..
لا بطٌ, ولا زهرٌ, ولا أعشاب
قد سرح الماعز في أرجائها
وفرت الطيور من سمائها
وانتصر الذباب…
-8-
ها هم بنو عبسٍ.. على مداخل المترو
يعبون كؤوس البيرة المبرده..
وينهشون قطعةٌ..
من نهد كل سيده…
-9-
هل سقط الكبار من كتابنا
في بورصة الريال؟..
هل أصبحت إنجلترا عاصمة الخلافه؟
وأصبح البترول يمشي ملكاً..
في شارع الصحافه؟؟
-10-
جرائدٌ..
جرائدٌ..
جرائدٌ..
تنتظر الزبون في ناصية الشارع,
كالبغايا…
جرائدٌ, جاءت إلى لندن,
كي تمارس الحريه…
تحولت -على يد النفط-
إلى سبايا…
-11-
جئنا لأوروبا..
لكي نشرب من منابع الحضاره
جئنا.. لكي نبحث عن نافذة بحريةٍ
من بعدما سدوا علينا عنق المحاره
جئنا.. لكي نكتب حرياتنا
من بعد أن ضاقت على أجسادنا العباره
لكننا.. حين امتلكنا صحفاً,
تحولت نصوصنا
إلى بيانٍ صادرٍ عن غرفة التجاره…
-12-
جئنا لأوروبا
لكي نستنشق الهواء
جئنا..
لكي نعرف ما ألوانها السماء؟
جئنا..
هروباً من سياط القهر, والقمع,
ومن أذى داحس والغبراء..
لكننا.. لم نتأمل زهرةً جميلةً
ولم نشاهد مرةً, حمامةً بيضاء
وظلت الصحراء في داخلنا..
وظلت الصحراء…
-13-
من كل صوبٍ.. يهجم الجراد
ويأكل الشعر الذي نكتبه..
ويشرب المداد
من كل صوبٍ.. يهجم (الإيدز) على تاريخنا
ويحصد الأرواح, والأحساد
من كل صوبٍ.. يطلقون نفطهم علينا
ويقتلون أجمل الجياد..
فكاتبٌ مدجنٌ..
وكاتبٌ مستأجرٌ..
وكاتبٌ يباع في المزاد
هل صار زيت الكاز في بلادنا مقدساً؟
وصار للبترول في تاريخنا, نقاد؟؟
-14-
للواحد الأوحد.. في عليائه
تزدان كل الأغلفه
وتكتب المدائح المزيفه..
ويزحف الفكر الوصولي على جبينه
ليلثم العباءة المشرفه..
هل هذه صحافةٌ..
أم مكتبٌ للصيرفه؟؟
-15-
كل كلامٍ عندهم, محرمٌ
كل كتابٍ عندهم, مصلوب
فكيف يستوعب ما نكتبه؟
من يقرأ الحروف بالمقلوب!
-16-
على الذي يريد أن يفوز
في رئاسة التحرير…
عليه.. أن يبوس
في الصباح, والمساء
ركبة الأمير..
عليه.. أن يمشي على أربعةٍ
كي يركب الأمير!!..
-17-
لا يبحث الحاكم في بلادنا
عن مبدعٍ…
وإنما يبحث عن أجير…
-18-
يعطي طويل العمر.. للصحافة المرتزقه
مجموعةً من الظروف المغلقه…
وبعدها..
ينفجر النباح.. الشتائم المنسقه…
-19-
ما لليساريين من كتابنا؟
قد تركوا (لينين) خلف ظهرهم
وقرروا..
أن يركبوا الجمال!!
-20-
جئنا لأوروبا..
لكي ننعم في حرية التعبير
ونغسل الغبار عن أجسادنا
ونزرع الأشجار في حدائق الضمير
فكيف أصبحنا, مع الأيام,
طباخين..
في مضافة الإسكندر الكبير.؟.؟
-21-
كل العصافير التي
كانت تشق زرقة السماء,
في بيروت..
وتملأ الأشجار, والبيادر..
قد أحرق البترول كبرياءها
وريشها الجميل..
والحناجر…
فهي على سقوف لندنٍ..
تموت…
-22-
يستعملون الكاتب الكبير.. في أغراضهم
كربطة الحذاء..
وعندما يستنزفون حبره..
وفكره..
يرمونه, في الريح, كالأشلاء…
-23-
هذا له زاويةٌ يوميةٌ..
هذا له عمود..
والفارق الوحيد، فيما بينهم
طريقة الركوع..
والسجود…
-24-
لا ترفع الصوت.. فأنت آمن
ولا تناقش أبداً مسدساً..
أو حاكماً فرداً..
فأنت آمن..
وكن بلا لونٍ, ولا طعمٍ, ولا رائحةٍ..
وكن بلا رأيٍٍ..
ولا قضيةٍ كبرى..
فأنت آمن..
واكتب عن الطقس,
وعن حبوب منع الحمل -إن شئت-
فأنت آمن..
هذا هو القانون في مزرعة الدواجن..
-25-
كيف ترى, نؤسس الكتابة؟
في مثل هذا الزمن الصغير
والرمل في عيوننا
والشمس من قصدير
والكاتب الخارج عن طاعتهم
يذبح كالبعير…
-26-
أيا طويل العمر:
يا من تشتري النساء بالأرطال..
وتشتري الأقلام بالأرطال..
لسنا نريد أي شيءٍ منك…
فانكح جواريك كما تريد..
واذبح رعاياك كما تريد..
وحاصر الأمة بالنار.. وبالحديد..
لا أحدٌ..
يريد منك ملكك السعيد..
لا أحدٌ يريد أن يسرق منك جبة الخلافه..
فاشرب نبيذ النفط عن آخره..
واترك لنا الثقافه….

نزار قباني (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

هل يستطيع الاسلاميون ان يغدروا بنا؟

هل يستطيع الاسلاميون ان يغدروا بنا؟

بقلم: طلال عبدالله الخوري

بعد ان وصل الاسلاميون للحكم بتونس, وهم مرشحون أيضا بان يصلوا للحكم باكثر من بلد, مثل: سوريا, مصر واليمن,…الخ, من خلال الانتخابات الديمقراطية, كثر الجدل حول نوايا الاسلاميين المستقبلية, حيث هناك تخوف من انهم سيتنكرون للديمقراطية, والبرنامج الانتخابي الليبرالي الذين اوصلاهما للسلطة؟!

من الملاحظ حاليا بأن الاسلاميون قد قفزوا على قطار الثورات العربية, وساهموا بانجاح هذه الثورات بشكل او بآخر. ولقد غيّر الاسلامينون ايضا من خطابهم, وتبنوا الخطاب الليبرالي, ولقد قام المرشد الروحي للاسلاميين, يوسف القرضاوي, بتأصيل للديمقراطية من التراث الإسلامي, وهذا كان يسيرا له لأن الاسلام يتميز بأنه حمال اوجه. وذهب الاسلاميون الى ابعد من ذلك حيث وعدوا بانصاف المرأة! فالمتحدثة باسم المجلس الوطني السوري ذو الاغلبية الاسلامية, بسمة قضماني, هي امرأة غير محجبة! والمتحدثة باسم حزب النهضة ايضا امرأة غير محجبة, واعتبر اعضاء من الحزب بحملاتهم الانتخابية بان شرب الكحول( المحرم شرعا) حرية شخصية، كما قدم الحزب وعوداً بأن يحافظوا على قوانين الأحوال الشخصية؟ اما حماس التي وعدت ناخبيها برمي اسرائيل بالبحر, تراقب هي الآن الاسرى الفلسطينيين المحررين بصفقة شاليط, لكي لا يزعجوا اسرائيل؟ اما اسلاميو مصر فيتحاورون مع الاميركان علناً؟

في هذه المقالة نريد ان ندلي بدلونا في هذا النقاش الهام والحيوي والمصيري, محاولين الاجابة على السؤال التالي:

لو فرضنا جدلاً بأن هناك نية لدى الاسلاميين بالغدر بنا فهل يستطيعون ذلك؟

للاجابة على هذا السؤال اريد ان اعرج الى التاريخ قليلاً, لكي أجلب منه مثالا قريبا من حالة الاسلاميين الذين قد يظنون بانهم يستطيعون ان يخدعونا, مثلما ظن اجدادنا عندما دخلوا الاسلام لكي يحافظوا على ممتلكاتهم, بانهم يستطيعون المناورة مؤقتا ثم يرتدون عن الاسلام عندما تسنح لهم الفرصة؟ ولكن الحقيقة هي انه بعد جيل او جيلين اصبح اجدادنا من الذين دخلوا الاسلام من اشد المتدينين بالاسلام!

لايضاح هذه الفكرة ساسرد قصة مثل يتداوله السوريون منذ مئات السنين بجلساتهم, وبسبب غياب المراجع التاريخية الموثوقة, يحق لنا استخدام القصص المتواترة لتوثيق تاريخنا. لقد اصبحت خاتمة هذه القصة مقولة شعبية يستشهد بها السوريون عند محاولة احد الاشخاص البسطاء بغدر من هو أدهى منه, فيقول السوري بهذه الحالة: اجينا لنسلم, لقينا الخوري عميؤذن (اي اتينا لنشهر اسلامنا, فوجدنا القسيس قد سبقنا وهو الآن ينادي بالآذان)؟
مناسبة هذه القصة: هي بعد الفتح الاسلامي لبلاد الشام كانت كل سوريا وبكامل قراها مسيحية متدينة. ولتأليف قلوب الناس على الدخول بالاسلام ( المؤلفة قلوبهم: مبدأ معروف بالاسلام لاغراء الناس للدخول بالاسلام) كان هناك عرف اسلامي مفروض يقضي بانه, بأي قرية, اذا أسلم ولو شخص واحد بهذه القرية, فيتم اقتسام املاك القرية من اراض بين المسيحيين والمسلمين مناصفة! اي يصبح هذا الذي ادعى انه اعتنق الاسلام مالكا لنصف اراضي القرية, ويبقى النصف الاخر لبقية سكان القرية من المسيحيين!
تقول القصة: كان باحدى القرى السورية خوري يملك كل اراضي القرية التي ورثها ابا عن جد. وكان هذا القسيس بحكم منصبه الديني والاقتصادي يفرض الكثير من الطلبات على سكان القرية من الفلاحين الذين يعملون لديه. فامتعض مجموعة من الفلاحين وارادوا ان يلقنوا هذا القسيس الذي اهلك كاهلهم بمتطلباته درسا لا ينساه, وارادوا ان يشهروا اسلامهم لكي يحصلوا على نصف املاكه من الاراضي! لاشئ يخفى على القسيس بالقرية وقد عرف بنوايا فلاحيه. ذهب الفلاحون الى اقرب مكان فيه مسجد لكي يشهروا اسلامهم فوجدوا القسيس قد سبقهم باشهار اسلامه واخذ ينادي بالآذان لكي يعلم الجميع بقراره. طبعا اخر ما كان يريده هذا القس هو ان يخسر نصف املاكه لفلاحيه ولو كان على حساب دينه, فعند حسابات الملك تنتهي وتتوقف حسابات الله. وبما أن الخوري قد سبقهم باشهار اسلامه, فلا يحق للفلاحن مقاسمة المسلم على املاكه, وبقي القس مالاكا للارض وبقي الفلاحون يعملون لديه. وهنا,طبعا, اطلق الفلاحون مقولتهم الشهيرة والتي يستخدمها السوريون: اجينا لنسلم, لقينا الخوري عميؤذن. أي بمعنى اخر: ارتضينا لانفسنا ان نكفر لكي تصطلح احوالنا, ولكن حتى الكفر لم يسعفنا؟ طبعاً, بالنسبة للسوريين في ذلك الوقت كان اشهار الاسلام هو الكفر! والكفر بالنسبة للسوري هو اشنع اثم يمكن ان يرتكبه الانسان ولا يجاريه اي أثم اخر .
طبعا لو حاول اي من الفلاحين او سادتهم بأي وقت من الاوقات الرجوع الى دينه الاصلي, لكان حكم الردة والقتل بانتظاره, هذا عدا ان اسرته ستخسر كل امواله وممتلكاته. ولكي يتجنب اي من الذين اسلمواشبهة الردة وبالتالي حكم الردة, فقد بالغوا باظهار تدينهم بالاسلام,.. وجيلا بعد جيل من المبالغة بالتدين, اصبح لدينا هذا المستوى المفرط من التدين في معظم البدان العربية والاسلامية والذي نراه الآن.

نحن نجزم بأن عبقرية الرسول وسر انتشار الاسلام يكمن في ان رسول الاسلام قد طور هذه المنظومة المتكاملة من شروط الاسلمة والتي تقول: اما الاسلام او الجزية او الحرب, ثم مكاملتها مع قانون الردة لمنع الذين يدخلون بالاسلام من الخروج منه. وبهذه التقنية البسيطة استطاع رسول الاسلام ان يخضع عشرات الشعوب المتحضرة والتي تمتد حضارتها الى آلاف السنين ومتجذرة بعمق التاريخ وهي الشعوب العربية, والارامية والعبرية والاشورية والسريانية والفارسية والقبطية والامازيغية والتركية والاوروبية والحضارات الاسيوية حتى الهند عبر افغنانستان وبكاستان حتى بلاد الهند والسند, وهذا الانجاز لم يسبقه اليه احد بتاريخ الانسانية.

اذا في منظومة الرسول للاسلمة كان حكم الردة بالقتل هو الرادع لمنع الذين دخلوا بالاسلام من التراجع عنه, فما الذي سيمنع الاسلاميين الحاليين من الارتداد عن الديمقراطية وبرامجهم الليبرالية؟؟ الذي سيمنعهم هو العوامل التالية:

اولا: ان العالم, الآن, قد تغيّر! وبالتالي الشعب العربي قد تغيّر كأحد مكونات شعوب العالم, فلا يستطيع الاسلاميون ان يعزلوا شعبنا بعد الآن عن بقية شعوب العالم كما فعل حكامنا المستبدين بالسابق والذين تخلصنا منهم اصلا لهذا السبب, واصبح شعبنا يزخر بالمثقفين والمتنورين والعلمانيين والذين تخرجوا من ارقى الجامعات بالعالم, ولن يستطيع احد معاملته كالقطيع, بعد ذلك, كما كان يفعل الطغاة سابقا,لان جدار الخوف قد تحطم وتقنية الثورات والاعتصامات اصبحت معروفة للجميع.

ثانيا: التكنولوجيا المتطورة التي سهلت من تواصل الشعوب مع بعضها البعض و بالتالي اصبحنا كمن يعيش بقرية كونية ننشد الحرية والديمقراطية.

ثالثا: لكي يستطيع اي حزب ان يقود حكما بوقتنا هذا ويرضي شعبه, فيجب عليه ان يقود تنمية اقتصادية, والتنمية الحقيقية لا تتم الا باستخدام اقتصاد السوق التنافسي, وهذا الاقتصاد لا يكون ناجحا وتنافسيا الا اذا كانت الحكومات لا تتدخل باقتصاد السوق. واذا فشل الاسلاميون اقتصاديا فسيعزف الناس عن انتخابهم.

اهم عقبة تجعلنا نتوجس من اعطاء الاسلاميين فرصة بالحكم هي المال الوهابي الذي يجد بالاسلمة وسيلة لاستمرار نظامه؟؟ فنحن على يقين بان البترودولار سيتدفق الى الاسلاميين لشراء الذمم والاصوات؟؟ ولتقوية حكمهم وتثبيته؟ ولكن من جهة اخرى لدينا امل بأن المال الوهابي لم يعد يستطيع ان يتغلب على الجيل الحالي المتنور والمتسلح بالتكنولوجيا والمتكامل مع العالم الخارجي بالعولمة. من جهة ثانية, فان المال الوهابي لم يعد قادرا على تغطية كلفة الاسلمة التي اصبحت مكلفة عليه وخاصة بانه هو اصلا بحاجة لهذا المال لبلاده للقيام بالمشاريع الاقتصادية لتنمية بلاده لكي لاتثور بلاده ضده ايضا.

مما سبق نرى, بأن كفر الاسلاميين بالاسلام وقبولهم بمبادئ الليبرالية لكي يجمعوا بين السلطة ويتمتعوا بهالة القداسة الاسلامية, لن تنجح معهم ,ولكنهم بالحقيقة بانهم سيتحولون الى علمانيين متشددين وبدون اي قداسة اذا ارادوا ان يحكموا في عصر العولمة. ونحن نعتقد بان فوز الأحزاب الإسلامية بالانتخابات الديمقراطية، ستنهي من تربية الأوهام في عقول الأسلاميين، لانهم سيضعون انفسهم بين خيارين لا ثالث لها، إما أن تتبنى هذه الاحزاب حكماً علمانياً ديموقراطياً، كما في حزب العدالة والتنمية التركي، وبذلك تخسر قداستها وشعاراتها الدينية المضللة، أو تعاند الحقائق وتصطدم بحائط العناد والفشل من الناحية السياسية والاقتصادية، وبالتالي يعزف الناس عن انتخابهم, وبهذه الطريقة الباهظة الثمن سيلاقي الاسلام السياسي حتفه, وحتما بالنهاية, سيتم فصل الدين عن الدولة كما حدث في اوروبا.
وفي الختام نحن نجزم بأنه كما اصبح السوريون وغيرهم من متدينين ومتعصبين بالاسلام, بنفس الطريقة سيتحول الاسلاميون مع الزمن لاشد المتعصبين للعلمانية, فليس من السهل الغدر بالشعوب في وقتنا الحالي.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

مأساة ديكتاتور روسيا مع سوريا الثورة

مأساة ديكتاتور روسيا مع سوريا الثورة

بقلم: طلال عبدالله الخوري

منذ بداية الثورة السورية المباركة ونظام بوتين الاستبدادي بروسيا الاتحادية يعادي ثورتنا السورية والتي يطالب عبرها  شبابنا سلمياً بالحرية والكرامة.
روسيا اليوم تحت حكم الطاغية بوتين هي ليست الاتحاد السوفياتي سابقا وحلفه مع اوروبا الشرقية بما كان يسمى حلف وارسو! والفرق بين قدرات روسيا الحالية والاتحاد السوفياتي سابقاً وزعيم حلف وارسو هو فرق كبير جداُعلى جميع الاصعدة منها السياسية والاقتصادية.

كان زعماء الاتحاد السوفييتي سابقا, يعتبرون انتشار الشيوعية هدفهم الاسمى , ولذلك كانوا يسخرون ما استطاعوا من الامكانيات الاقتصادية والعلمية والسياسية لتحقيق هذا الهدف, ولقد كانوا مؤمنين بسمو قضيتهم ورساخة هدفهم وصدق نواياهم.
اما الديكتاتور بوتين فهو طاغية من ماركة الزعماء العرب والذين يختصرون الوطن وكرامة المواطن ونجاح سياساتهم بشئ واحد ووحيد وهو استمرارية حكمهم ونظامهم ما داموا على قيد الحياة.

من مزايا خيبة الديكتاتور بوتين هو انه يحاول ان يوهم نفسه بان نظامه البائس قد ورث الامكانيات والنفوذ العالمي والتي كان يتمتع بهما الاتحاد السوفييتي سابقا زعيما لحلف وارسو؟؟  وذلك عن طريق تحالفه مع النظام السوري والايراني والذان مع بعضهما دولتان فاشلتان استبداديتان, وعلى وشك الانهيار, مع العلم بأن نظام بوتين نفسه على وشك الانهيار وان بوادر الربيع الروسي قد لاحت في الافق.

يحاول بوتين متوهما اعادة سياسة الاتحاد السوفييتي القديمة خلال الحرب الباردة! فهو يحاول ان يحتفظ بمصالح غير حقيقية وغير مبنية على التنافس الاقتصادي الحر, ولكن مبنية على مصالح رخيصة لانظمة استبدادية رخيصة مثل النظام السوري, والنظام الايراني,من اجل ان تكون هذه المصالح كأوراق يحملها بيده عندما يفاوض الغرب من اجل ان يحصل لنفسه على صفة لاعب بالسياسة الدولية ويحصل على مكاسسب وشروط تفاوضية لنفسه مع الغرب من دون ان ياخذ مصالح شعبه الاقتصادية على المدى البعيد؟ لأن كل ما يفكر به بوتين هواستمرارية حكمه بأي ثمن مثله بهذا مثل اي حاكم عربي ليس الا؟

اما في سورية فهو يحتفظ لنفسه بمرفأ في طرطوس لاسطوله البحري والذي هو عبارة عن خردة قديمة بالية مصنوعة بتكنولوجيا غير متطورة! ولديها الكثير من المشاكل والاعطال الفنية؟؟ فالعالم كله يذكر الحوادث الكارثية والناجمة عن المشاكل الفنية لهذا الاسطول في البحر الاسود, والذي نجم عنه موت الكثير من الخبراء بسبب المشاكل الفنية بمفاعلاتها النووية, وكلنا ايضا يذكر الخراب والآذى الذي شكله المفاعل النووي في تشيرنوبل؟؟ ولكن بما ان الأسد لا يهمه سوى بقاء واستمرارية نظامه, فلم يتجرأ اي سوري قط برفع هذه المشكلات للمفاعللات النووية بالاسطول البحري الروسي وخطرها الكارثي على الشعب السوري اذا ما وقع اي حادث لها اثناء وجودها بطرطوس؟؟

ما يحدث في سوريا ليس مأساة دموية بالنسبة إلى فلاديمير بوتين، ضابط المخابرات السابق في ألمانيا الشرقية، بل هو أزمة إقليمية موسعة، يريد ان يحتفظ بأكبر قدر من الاوراق منها في جعبته حتى يساوم بها الغرب على بقاء نظامه عندما يزهر الربيع الروسي ويطالب برأسه!

من هنا نرى بان الديكتاتور بوتين يخوض معركة بقائه  في الحكم على حساب الدم السوري! فهو يعتقد بانه إذا خسر سورية ستكون روسيا قد خرجت من المنطقة كلها وستعود إلى ما وراء حدودها ، بعدما طوقها حلف الـ «ناتو» في أوروبا الوسطى والشرقية، ويحاول الالتفاف عليها وعلى الصين في جنوب شرقي آسيا ووسطها والمحيط الهادئ.
من هنا نرى بأن هدف بوتين الرئيسي هي الاوراق التي يحتفظ بها لكي يساوم عليها مع أميركا من اجل اطالة بقاء نظامه البائد وهذه هي مأساة ديكتاتور روسيا مع سوريا الثورة.

هوامش: هل يعانق الربيع الروسي ربيعنا السوري؟

 

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

التسعيرة …. و يا بلاش؟

التسعيرة …. و يا بلاش؟

بقلم: طلال عبدالله الخوري

قامت الكاتبة اللبنانية سوسن الابطح بتحقيق صحفي هام, من خلال حوارات اجرتها مع بعض المعارضين السوريين الشباب اللاجئين ببلدها لبنان, ونشرته بجريدة الشرق الاوسط, وهو بعنوان:” عشائر سورية بدأت بالتململ.. وشيوخها يقمعون الشباب بالقوة”. تأتي اهمية هذا المقال وعلى بساطته وصدقه من حيث انه يوثق تاريخ سوريا السياسي وربما العالم العربي بأكمله منذ الاحتلال العثماني للوطن العربي وحتى وقتنا الحاضر؟
في هذه المقالة سنعرج على اهم ما ورد في هذا التحقيق الصحفي الرائع, وسنبين من خلال هذه الاجابات التي ادلى بها هؤلاء المعارضون الشباب وبمنتهى الصدق والعفوية وهم من أبناء العشائر السورية, كيف كان شكل الحكم بسوريا والوطن العربي منذ الاحتلال العثماني وحتى وقتنا الحاضر! وسنركز بالطبع على المرحلة الحالية من حكم عائلة الاسد لسوريا وهو ما يهمنا في هذا المقال.

تقول الكاتبة سوسن الأبطح:

بان العشائر السورية: يشكلون أكثر من 60% من السكان.. وولاؤهم سر بقاء النظام

تعليق كاتب المقالة:

نحن نعتقد بان الطبيعة القبلية والابوية ومبدأ الولاء لشيخ القبيلة وكبير العائلة وزعيم الطائفة في الوطن العربي عامة وفي سوريا خاصة كهدف لهذا البحث, تجعلنا نجزم بان فئات مكونات الشعب السوري بأكمله منتظمون بطريقة او بأخرى بما يشبه العشائر العربية السورية, فالمسيحيون, مثلا, ينوب عنهم أبائهم الروحيين من قساوسة ومطارنة, والمسلمون ايضا وبنفس الطريقة يتبعون شيوخ ملتهم وزعمائهم الدينيين , وبهذه الطريقة نستطيع ان نصل الى نتيجة مفادها بأن 100% من المواطنين السوريين ينهجون منهج العشيرة بطريقة او بأخرى, كما سنرى لاحقا, هذه الطبيعة القبلية سهلت على اي حاكم لسوريا( او لاي بلد عربي) تطويع البلاد لسلطته وبأرخص الاثمان؟ وكانت عن طريق شراء ولاء زعماء العشائر والكنائس والمساجد؟ وبهذه الطريقة ضمن الطغاة ولاء الشعب بكامله؟ وهذا بالضبط ما فعلته مؤخرا عائلة الاسد التي ما زالت تحكم سوريا منذ اكثر من اربعين عاما؟ وهذه الطريقة هي بالطبع سر بقاء النظام الحالي وجميع الانظمة التي حكمت سوريا بما فيها الاستعمار الغربي لسوريا.

ولكن الاهم من هذا كله: هو ان هذا المبدأ الابوي بالعشيرة وشراء ولاء زعماء العشائر من قبل السلطة الحاكمة بابخس الاثمان, هو أيضا سر عدم تأثر شعوبنا بموجات الثورات التحررية التي اجتاحت العالم على مر التاريخ؟؟ حتى كدنا ان نظن بان شعوبنا لا تنتمي الى هذا العالم؟
ان سر عدم تأثر شعوبنا بالموجات التحررية والتي جرت بالعالم على مر التاريخ, والتي كان اخرها تحرر دول اوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي قد حيير الباحثين الغربيين. وللاستزادة بهذا الموضوع راجعوا مقالنا بعنوان: شرعا: قتل الكفار للمسلمين حلال.

وللتأكيد على مبدأ شراء الزعامات العربية بابخس الاثمان, نريد ان نشير, هنا, الى استغلال هذه الميزة عند الشعوب العربية من قبل ثعلب السياسة الاميركية, هنري كيسنجر, والذي بذكائه استطاع ان يخلص اميركا من تبعات حربها بفيتنام, وهو مخترع سياسة “الخطوة خطوة” والتي طبقها بحنكة ليس لها مثيل خلال معالجته للنزاع العربي الاسرائيلي, حيث لم يول كيسنجر اي اهمية الى جميع الدول العربية المعارضة للصلح مع اسرائيل واهتم فقط باهم دولة عربية في ذلك الوقت وهي مصر؟ وعندما كان يرفع السياسيون الاسرائيليون مشكلة عدم موافقة بقية الدول العربية على اتفاقيات كامب ديفيد, كان يجيبهم بما معناه: بان العرب مجتمع عشائري! ويكفي ان نضمن ولاء زعيمهم, فاما البقية فستنجر وراءه كالقطيع؟ وزعيم العرب في ذلك الوقت كان زعيم اكبر واقوى دولة عربية آنذاك وهي مصر, اي انور السادات!

تؤكد الكاتبة سوسن الابطح:

بان النظام السوري لا يزال يمسك بزمام الأمور في المناطق العشائر بسوريا بسبب تحالفه المتين مع رؤساء العشائر الذين يمارسون ضغطا كبيرا بفعل نفوذهم على أبناء عشائرهم، ويردعونهم عن أي تحرك.
وتتابع السيدة الابطح وتقول: بان عبدالرحمن عدوان وهو من عشيرة سورية كبيرة اكد لها أن«النظام أفلح إلى الآن في تحييد العشائر التي تشكل نسبة أكثر من 60 في المائة من سكان سوريا بسبب المغريات والرشى التي يقدمها النظام لشيوخ هذه العشائر». ويشرح عدوان أن «المبالغ التي دفعت لهم مع بداية الثورة تبدأ من 150 ألف دولار لتصل إلى 250 ألفا للشيخ الواحد، وقد تزيد، وكل يقدر المبلغ الذي يدفع له بحسب حجم عشيرته، فثمة عشائر تبلغ ما يقارب مليوني شخص، مثل عشيرة البقارة الموجودة بشكل أساسي في حلب، وهناك عشائر لا تبلغ أكثر من آلاف قليلة». «المبالغ قليلة ».
ويقول السيد بيري, وهو من عشيرة طي : «إن رشوة شيوخ العشائر ليست بالأمر الجديد، وأنا أتحدث عن منطقتي وما رأيته بأم عيني. فشيوخ عشائر طي، تمت مكافأتهم عام 2004 بأن أصبح الشيخ محمد الفارسي عضوا في مجلس الشعب، وقدمت له كهدية سيارة (مرسيدس 500) كان يتباهى بها في المنطقة، تحمل رقما يعود إلى القصر الرئاسي. هذه الرشى لشيوخ القبائل لا تزال هي السياسة التي يتبعها النظام، ولهذا استطاع حتى هذه اللحظة تحييد عدد كبير من السوريين العرب بسبب إلزام شيوخ عشائرهم لهم، بعدم المشاركة في الثورة .
يضيف عبد الرحمن عدوان و يقول: «لا تزال القيم والتقاليد العشائرية مما يتوجب احترامه، وهو ما يلعب على أوتاره النظام. فشيخ العشيرة مسموع الكلمة، وقيمته المعنوية كبيرة، وبالتالي فإن موقفه من السلطة الحاكمة يقيدنا بشكل كبير، والآباء باتوا يضغطون على أولادهم، ولو عن غير اقتناع، كي يلتزموا بما يقوله الكبار، لذلك فإن تحركات شباب العشائر، تبقى في غالبيتها سرية وغير معلنة».
ويضيف عدوان: لقد حول النظام السوري شيوخ العشائر والمتحلقين حولهم إلى (شبيحة) مسلحين يستقوون على أفراد عشيرتهم، ويفرضون عليهم بالقوة ما لا يستطيعونه بسلطتهم التقليدية.

تعليق كاتب المقالة:

اولا: هذا المقال يدحض ما يردده بعض الكتاب الاسلاميين التافهين والذين حاولوا ان يلقوا سبب نجاح النظام السوري بالتحكم بقبضته على سوريا وافشال الثورة السورية على عاتق ولاء المسيحيين لنظام بشار الاسد وهم اقلية, ولقد قمنا بالرد على مثل هؤلاء السفهاء بمقالنا: اسلمة الدراسات الكنسية, حيث قلنا بانه لا يمكن لاي أقلية ان تكون عثرة بطريق الاكثرية, وهذا ما اكده بالتالي مقال السيدة الأبطح حيث كما نرى بان المشكلة هي اكبر بكثير من ولاء المسيحيون المزعوم لنظام بشار الاسد وان المشكلة بسوريا هي بعمق الاكثرية الاسلامية وهذا هو الواقع وهذا هو المنطق وهذا ما اكده هذا المقال.

ثانيا: هذه هي بالفعلة تسعيرة الزعماء السوريين والذين يحترمهم ويخضع لهم الشعب السوري من شيوخ عشائر ومساجد وقساوسة كنائس: راجعوا مقالنا: قس وعلماني: معضلة الكنائس العربية, للاستزادة.
اي انه حسب ما ورد بمقالة السيدة سوسن: بأن تسعيرة الزعيم حسب عدد الانفار التي تتبعه او من المفروض انها تتبعه؟ وهناك فئات من الشعب السوري وهي كثيرة ولكن زعمائهم لا يتم حسابهم ابدا بسبب قلة عدد تابعيهم؟ وبهذه الطريقة, فأن ما على نظام الاسد الا ان يسترضي ويضمن ولاء بضعة قليلة من الزعامات العشائرية والدينينة والتي لديها عدد معتبر من التابعيين, بابخس الاثمان وبذلك يضمن ولاء سوريا بأكملها؟
أي من هذه المقالة نستنتج بأن تسعيرة ضمان ولاء المواطن السوري, يقف على النظام الأسدي بأقل من دولار كرشورة للزعيم المزعوم؟؟ ويا بلاش ارخص من الفجل……
اي مواطن سوري مثل حال كاتب هذه المقالة, انفق على تعليمه وتخصصه اكثر من مئة الف دولار, وقرأ عدد من الكتب التي وزنها اكبر من ثقل عائلة الاسد مجتمعة! ويتم شراء ولائه من قبل بشار الاسد باقل من دولار ومن دون ان يعلم او يتم اخذ رأيه؟؟ يا للمهزلة!!!!!! ويا للبؤس ؟؟؟ وهناك الملايين من المواطنين السوريين الذين من حالي ايضا؟؟ وبعد ذلك هناك من ينتقدني لانني من الثائرين على وضعنا؟ اليست هذه الحالة المزرية تجعل الحيطان تثور؟؟
ولكن املنا هو بالتغيير نحو الافضل ولن ننحاد عن هدف التغيير قيد انملة, ومهما كلفنا الامر, فالوطن غالي على كل مواطن سوري.

ثالثا: من المهم ان نشير هنا الى ان الطريقة التي تم تشكيل بها المجلس الوطني السوري والى حد كبير هي نفس تركيبة الزعامات العشائرية والدينية والتي هي نفس التركيبة التي يستخدمها النظام بتحكمه بوطننا سوريا؟؟ وهذا حقيقة تدعو الى الاشمئزاز؟
لقد اكدنا واثبتنا بأكثر من مقال على ان ما يهتم به اعضاء المجلس الوطني السوري هو حصتهم بكعكة الحكم بسوريا اكثر من اهتمامهم بنجاح الثورة والتغيير بسوريا نحو مستقبل مزدهر وراقي للشعب السوري؟ راجعوا مقالنا: تشكيل المجلس الوطني ليست البطولة.
ولقد اثبتنا بان معظم اعضاء المجلس الوطني السوري وهم من الاسلاميين, هم يسعون الى التغيير فقط لانهم خارج السلطة, وأثبتنا ايضا على انهم على استعداد للوقوف مع النظام والمصالحة معه اذا قبل نظام بشار الاسد ان يرمي لم بعض الفتات من كعكة الحكم بسوريا: راجعوا مقالنا بعنوان هل تظنون الاسد اجدبا يا اخوان؟

من هنا نرى بان سبب استمرارية حكم بيت الاسد منذ اكثر من اربعين سنة هو بالدرجة الرئيسية رخص زعمائنا العشائريين والدينيين, من شيوخ عشائر الى شيوخ مساجد وقساوسة كنائس؟ لقد كانت هذه الشخصيات من الرخص بحيث جعلوا من تسعيرة المواطن التابع لهم اقل من دولار واحد؟ وجعلوا من استعبدانا ارخص من الفجل على النظام الأسدي, والسؤال الحيوي هنا هل يجب ان نثور على زعمائنا الاسرية والدينية اولا ام يجب ان نثور على السلطة السياسية المستبدة اولا؟ وما هي الاولوية هنا؟؟ هل يمكن ان تكون ثورتنا ضدهم جميعهم معا من زعامات اسرية ودينية ونظام سياسي حاكم؟؟

طلال عبدالله الخوري

هوامش:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=278769
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=277638
https://mufakerhur.org/?p=184

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment