اقتصاد السوق: الجميع يربح

اقتصاد السوق: الجميع يربح

طلال عبدالله الخوري

علم اقتصاد السوق هو العلم الوحيد الذي لم يخترع أو يبدع نظرياته العلماء والباحثون, ولكن علم الاقتصاد ببساطة هو محاولة لنقل ما يدور عمليا في الاسواق من تبادلات للسلع ووضعها ضمن اطر وقواعد منهجية علمية اقتصادية لكي يستفيد منها الدارسون, والتي بالنهاية تؤدي الى تسهيل ايجاد افضل الطرق والوسائل لتطوير الاقتصاد والاستمرار في النمو والازدهار الاقتصادي, والابتعاد عن مخاطر الكساد.

تبادل السلع بالاسواق بدأ مع ظهور الانسان على وجه الارض, عندما قام الانسان الماهر بالصيد بمبادلة صيده من اللحوم مقابل الادوات التي يحتاجها بصيده مع الانسان الماهر بصنع الأدوات, وسيستمر اقتصاد السوق ما دام الأنسان على سطح الأرض, حيث أن السوق هو الذي يحدد القيمة التبادلية لكل سلعة, وفق قانون العرض والطلب, والسوق أيضا هو الذي يحدد كمية ونوعية السلع التي يرغب بها المستهلكون, بعيدا عن تدخل المؤدلجين والسياسيين والفاسدين المستغلين.

في اقتصاد السوق كل انسان هو منتج للسلع ومستهلك للسلع, ويقوم السوق بآلياته التلقائية بتحديد القيمة التبادلية لكل ما ينتج ويعرض بالسوق للاستهلاك, لذلك تعتبر آليات السوق أفضل وسيلة طبيعية تلقائية وعادلة لكي يحصل كل انسان على قيمة ما ينتجه من سلع, ان كانت هذه السلع بشكل بضائع استهلاكية, او سلع كعمل بجهد عضلي, او سلع فكرية و ابداعية وعلمية.

هناك محاسن كثيرة لاقتصاد السوق ولكن هناك ايضا بعض المساوئ, كما هو الامر الواقع بالحياة, ولا يمكن ان نحصل على المحاسن من دون المساوئ, كما هي الحياة! والذي يظن بان اقتصاد السوق سينتهي, او الذي يعتقد بان اقتصاد السوق قد انتهى! او الذي يطالب بنهاية اقتصاد السوق بسبب وجود سلبيات له, هو كمن ينادي بتدمير الحياة على الارض لان هناك من يتعذب على الارض. والاكثر من هذا, انه لا يوجد اقتصاد بديل افضل من اقتصاد السوق!! وجميع البدائل, كالاقتصاد الاشتراكي, اثبتت فشلها الكارثي على البشرية, بينما في الجهة المقابلة, اثبت اقتصاد السوق بنجاحات باهرة واعجازية مكنت جميع الدول التي تتبع اقتصاد السوق الى الوصول الى الازدهار الاقتصادي والرفاهية لجميع المواطنين.

ينعت اليساريون العرب اقتصاد السوق: بالرأسمالية المتوحشة,…؟؟ التي تستغل جهد العمال, لكي يكدس اصحاب رؤوس الأموال فرق القيمة من أجرة العمال وقيمة العمل, بحساباتهم المصرفية؟
في هذه المقالة سنبين بأن في أقتصاد السوق ليس من مصلحة احد ان يستغل أحد آخر, وأن العدالة التي يقدمها السوق بتحديد القيمة التبادلية لكل سلعة تجعل من مصلحة كل فرد ان يكون عادلا مع كل فرد آخر, وأن يتعاون الجميع من اجل ازدهار وخير الجميع, وأن الاستغلال يعود بمردود عكسي على الجميع بما فيها المستغل.

ان المنتج, صاحب رأس المال, ليس من مصلحته استغلال العمال واعطائهم اجر اقل من القيمة التبادلية لسلعتهم والمتمثلة بساعات العمل التي يعملونها لديه, وذلك للأسباب التالية:

أولاً: اذا لم يعط المنتج العامل حقه من أجر, فلن يستطيع هذا العامل شراء السلع التي ينتجها هو او التي ينتجها غيره, وبالتالي سينخفض الاستهلاك وبالتالي سترتفع اسعار الانتاج وبالتالي ستقل الأرباح, مما يؤدي الى الافلاس والكساد؟

اذا من هنا نرى بأن من مصلحة المنتج ان يحصل المستهلك على اجر جيد وعادل حسب قيمة العمل التبادلية بالسوق من اجل زيادة الاستهلاك وبالتالي زيادة الارباح وتخفيض قيمة كلفة الانتاج. وبالفعل فأن شركة ( أي بي ام) تريد ان يكون كل مستهلك قادرا على شراء كمبيوتر لاولاده, وبنفس الطريقة تريد كل شركة سياحية ان يستطيع كل عامل ان يذهب برحلة استجمامية في اجازته السنوية! وبنفس الطريقة تريد مصانع السيارات ان يكون بامكانية كل عامل شراء سيارة لأسرته في كل عام!!

ثانيا: اذا لم يدفع المنتج الاجر العادل للعامل فهناك من يستطيع ان ينافسه ويعرض على العامل اجر افضل, وهذا يؤدي الى خسارة هذا العامل المدرب! وبالتالي سيخسر هذا المنتج وسيؤدي به الى الافلاس؟ لذلك يجب ان يحرص صاحب العمل اعطاء عماله افضل اجر ممكن لكي يحافظ على تنافسية عروضه للعمل.

من جهة اخرى, فأن في اقتصاد السوق لن يكون من مصلحة العامل ان يحصل على اجر اعلى من القيمة التبادلية لسلعته في السوق, وذلك لانه اذا حصل على اجر اعلى من ذلك فهذا يعني بان قيمة السلعة التي تنتجها شركته سترتفع مما يؤدي الى ان منافس اخر سينتج نفس السلعة وبسعر اقل, وهذا يؤدي بالتالي الى افلاس شركته وفقدانه لوظيفته وباب رزقه؟؟

من هنا نرى بانه في اقتصاد السوق هناك مصلحة متبادلة بين المنتج والعامل بان يكون الاجر عادل وحسب القيمة التبادلية لسعر السوق وبهذه الطريقة فقط يربح كل من المنتج والعامل والمستهلك.

من جهة ثانية ليست من مصلحة العامل ان ينخفض ربح الشركة التي يعمل بها عن حد معين, لأن هذا سيؤدي بالتالي الى عدم وجود منفعة مناسبة تستدعي الى ان يستثمر صاحب رأس المال امواله في هذه الشركة وبالتالي يقوم باغلاق هذه الشركة وبالتالي يفقد العامل عمله ورزقه؟ وأيضا اذا انخفض ربح صاحب رأس المال عن حد معين فلن يتمكن من الاستثمار بتطوير الآلات! وبالتالي ستقل تنافسية الشركة مما يؤدي بالنهاية الى الافلاس واغلاق الشركة وفقدان العامل الى عمله ورزقه.

في اقتصاد السوق, أيضا ليس من مصلحة كل من المنتج والمستهلك, ان لا يتمكن الانسان العاطل عن العمل من العيش الكريم وتأمين قوته وسكنه؟ لأن الانسان العاطل عن العمل سينتفض ويقوم بالسرقة! والجريمة! مما يؤدي الى حالة عدم الاستقرار؟ والذي يؤدي بالتالي الى خسائر اقتصادية كبيرة على الجميع, لذلك من مصلحة الجميع ان يتم تأمين العيش الكريم حتى للانسان العاطل عن العمل.

مما سبق نرى بأن اقتصاد السوق هو الاقتصاد الذي يخرج به الجميع رابحين من منتجين, واصحاب رؤوس اموال, وعمال ومهندسين وحتى العاطلين عن العمل! وهو الاقتصاد الوحيد الذي أمن للانسان العيش الكريم! وأمن البيئة المناسبة لحدوث المعجزات الاقتصادية من الازدهار, حيث بلغت تعداد سكان العالم الآن سبعة مليارات نسمة يعيشون برفاهية.

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

هوامش:

https://mufakerhur.org/?p=499

https://mufakerhur.org/?p=501

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الاقتصاد التنافسي :المطلب للثورات العربية

الاقتصاد التنافسي :المطلب للثورات العربية

طلال عبدالله الخوري

من بين شعوب العالم , شعوب ما يسمى بالعالم العربي هي الوحيدة التي ما زالت ترزح تحت نير الحكومات الاستبدادية , لدرجة اننا اصبحنا ظاهرة غريبة يتم تدريسها بالجامعات العالمية لبحثها واستخلاص العبر منها , ولن تكون مهمة المفكرين والباحثين سهلة, لان حالتنا لا تصدق وذلك بسبب المناعة التي ابدتها شعوبنا للتحرر من الاستبداد , حيث من المعروف بان العالم مر بثلاث موجات تحررية ادت الى تحرر معظم بلدان العالم ولكنها لم تستطع ان تؤثر على شعوبنا وكأننا ننتمي الى كوكب آخر, فالموجة العالمية التحررية الاولى كانت بفضل الثورة الفرنسية التي جعلت المتنويرين من امثال طه حسين ينادون باللبرالية وحرية الفكر, ولكن محاولتهم كانت متواضعة وتم وأدها بمهدها تحت تسلط الاسلام المتحالف دائما وابدا مع السلطة . وكذلك الامر, ادى ظهور الاحزاب القومية باوروبا الى ظهور احزاب قومية عربية ولكنها ما ان وصلت للسلطة سارت على نفس المنوال الاستبدادي والتي توارثناه منذ 1430 سنة.
اما الموجة الثالثة من الحرية التي اكتسحت العالم , فقد تمت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990 م, حيث تحررت كل اوروبا الشرقية من الاستبداد الشيوعي وتنفست الحرية والديمقراطية لاول مرة بعد تسلط الحكم الشمولي عليها. ولقد كنا نتوقع بان تنهار الاحزاب القومية واليسارية العربية ومعها كل الانظمة العربية الشمولية والتي كانت تسير وراء الاتحاد السوفياتي وتستمد قوتها من حماية المعسكر الشرقي لها, وبالتالي كنا نتوقع بان تتنفس بلادنا الحرية مثل ماحصل باوروبا الشرقية, ولكن مرة اخرى خاب املنا واظهرت انظمتنا المتحالفة مع المؤسسة الدينة الاسلامية مناعة ضد الحرية. واخيرا, وبعد ظهور ثورة الانترنت المعرفية التي كسرت كل القيود على المعرفة , بدأت شعوبنا تتنفس الحرية واصبحنا نرى الثورة تلوى الثورة تكتسح منطقتنا وتهز العروش الصدئة وطريقة حكمها التاريخية والتي اكل عليها الدهر وشرب.
الحرية بنهاية الامر هي حرية اقتصادية, أي العدالة الاقتصادية لجميع المواطنين, اي منع تقنين سرقة المواطن من قبل الحكم الاستبدادي عن طريق احتكار اقتصاد البلد بقوة القانون, وهذا لا يتم الا بالاقتصاد التنافسي, لذلك اول مطلب لثوراتنا الشبابية يجب ان يكون قوننة الاقتصاد التنافسي واصدار القوانين المنظمة له لحمايته من الفساد وبالتالي حماية المصالح الاقتصادية للمواطن.
لهذا السبب سأحاول في هذه المقالة شرح الاقتصاد التنافسي وقوانينه بطريقة بسيطة يفهمها القارئ الغير مختص.

قانون العرض والطلب

يذهب المستهلك الى السوق ليشتري سلعة ما, فيجد ان سعر هذه السلعة يساوي ما يعادل الاجرة التي يحصل عليها لعدة ساعات عمل معينة, هنا على المشتري أن يتخذ القرار هل هذه السلعة ستؤمن له احتياجاته بما يعادل هذه الساعات المعينة من العمل , وبناء على ذلك يتخذ القرار فيما اذا كان سيشتري السلعة ام لا.
,الآن, يجد المستهلك في السوق نفس السلعة ولكن بسعر اقل , فيزداد اقبال المستهلكين على شراء السلعة الارخص ويقل على السلعة الاغلى , وهنا على منتج السلعة الاولى ان يخفض من سعره لكي يبقى منافسا بالسوق. وبهذه الطريقة تعمل الية لسوق تلقائيا بين العرض والطلب لتصل لنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر. اذا نقطة التوازن هي النقطة التي يتوازن بها كمية السلعة المعروضة من المنتجين مع كمية طلب المستهلكين لهذه السلعة باقل سعر ممكن يحقق الفائدة للمنتج لكي يستمر بالانتاج ويحقق الفائدة القصوى للمستهلك لشراء السلعة باقل سعر تنافسي ممكن.
الآن, لنفرض بان المنتج الاول لم يستطع تخفيض سعره , بسبب عدم استخدامه لافضل الطرق بالانتاج من اقلال للهدر , واستخدام المواد الاولية التنافسية , او لعدم استخدام افضل التقنيات الحديثة بالانتاج, فيضطر هذا المنتج اما لتحسين انتاجه ليبقى منافسا او يخرج من السوق بسبب الافلاس.
الآن , يأتي منتج اخر ويرى بان منتجي هذه السلعة يحصلون على ربح جيد , فيقرر دخول السوق ويقوم بانتاج نفس السلعة, مما يؤدي الى زيادة الانتاج, وهذا بدوره يخفض السعر,مما يؤدي الى الاخلال بنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر , وهنا تعود آلية السوق التلقائية الذهبية للعمل حتى تصل الى نقطة التوازن الجديدة بين العرض والطلب والسعر.
الآن, لنفرض بان احد المنتجين للسلعة حصل على تصميم لالة جديدة تزيد من سرعة وكمية الانتاج وتقلل من الكلفة, فتصبح سلعته اكثر تنافسية , مما يؤدي الى الاخلال بنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر , وهنا تعود آلية السوق التلقائية الذهبية للعمل حتى تصل الى نقطة التوازن الجديدة بين العرض والطلب والسعر.
الآن. لنفرض بان احد المنتجين لديه موهبة خلاقة بطريقة تصنيع هذه السلعة, ايضا هنا تصبع سلعته اكثر تنافسية , مما يؤدي الى الاخلال بنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر , وهنا تعود آلية السوق التلقائية الذهبية للعمل حتى تصل الى نقطة التوازن الجديدة بين العرض والطلب والسعر .
قانون العرض والطلب يبين بان أي سلعة تصبح من اجود ما يكون وارخص ما يكون عندما يكون السوق تنافسي باكبر عدد من المنتجين واكبر عدد من المستهلكين , ولهذا السبب يتبنى العالم الانفتاح لكي يصبح العالم كله سوق واحدة فيه اكبر عدد من المنتجين المتنافسين واكبر عدد من المستهلكين, مما يؤدي الى الفائدة الكبرى للمنتج والمستهلك.

قوانين السوق التنافسي الحر

يحتاج السوق التنافسي الحر الى قوانين تضمن التنافس الحر وتحمي الشركات المنتجة للسلع من احتكار الشركات المنافسة وتحمي المستهلك من تعرضه للسرقة بسبب الاحتكار. تعمل قوانين المنافسة ومنع الاحتكار على حماية العملية التنافسية ومنع الشركات من إبرام اتفاقات مع بعضها البعض لغرض الاحتكار. مما لاشك فيه إن المنافسة هي المحرك للحياة الاقتصادية وان الأسواق التنافسية هي المحققة لمصالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء, فهي التي تسمح للمستهلك بالحصول على السلع ذات الجودة العالية بأفضل الأسعار, كما أن توفر عنصر المنافسة هو الذي يعطي للمنتج الدافع والحافز لرفع مستويات إنتاجه عن طريق إدخال المستلزمات والتقنيات الحديثة والمتطورة في الإنتاج لتحسين ورفع درجة الجودة والنوعية للسلع المنتجة. تستوجب المنافسة تعدد المنتجين أو الموزعين في سوق السلعة أو الخدمة وهذا التعدد لازم حتى لا يكون هناك تحكم بالأسعار. يجب ان يكون حق المنافسة الشريفة بالسوق مكفول للجميع , على ان استخدام هذا الحق مشروط بالا يؤدي الى منع حرية المنافسة او تقييدها او الإضرار بها وهو ما يؤدي في النهاية الى الإضرار بمصلحة المواطنين والإخلال بقواعد التوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك.
ولكي تتحقق المنافسة الكاملة لابد من توافر عدة شروط ومنها التعددية و وجود عدد كبير من المنتجين الذين ينتجون السلعة او يعرضونها, وأيضا عدد كبير من المستهلكين الذين يطلبون السلعة بحيث لايستطيع أي منهم ان يؤثر بشكل فاعل على السوق لو انسحب منه او تواجد فيه. ونحن نتوقع بان يصبح محرك البحث غوغل السوق التنافسي العالمي الكامل بعد ان يتم تطويره ليقدم كل العروض الممكنة لاي سلعة يحتاجها المشتري من كل انحاء العالم , حيث تشير الاحصائيات على تزايد التجارة الالكترونية على النت بمتوالية هندسية.
ومن شروط المنافسة المثالية الكاملة للسوق ان تكون هناك شفافية في المعرفة الكاملة بكل الظروف السائدة في السوق, مما يترتب عليه مقدرة كل شخص سواء كان منتج او مستهلك على معرفة الاسعارالتي تعرض بها السلع للبيع في تلك الاسواق . وكذلك حرية الدخول والخروج من السوق وعدم وجود عوائق امام المشتري في اتخاذ قرار الشراء من عدمه وذلك بدخوله الى السوق او خروجه منها, وكذلك حرية المنتج في الدخول الى ميدان انتاج سلعة معينة او الخروج من ذات الميدان وقتما يشاء, بالاضافة الى إمكانية تنقل عناصر الإنتاج بين فروع الانتاج , وهذا يعني سهولة انتقال عناصر الانتاج من سلعة إلى أخرى ومن منطقة جغرافية الى اخرى لضمان عدم وجود عوائق امام انتقال عناصر الانتاج بين الاستعمالات المختلفة البديلة , فلا يجب ان تقوم أي حواجز او عوائق فعلية او قانونية تمنع انتقال عناصر الانتاج المختلفة من ان تنتقل الى ذلك الفرع الذي ينتج سلعة معينة, وفي هذا المجال ايضا بدأت الانترنت ومحركات البحث المساهمة بفاعلية بجعل الاسواق العالمية تنافسية تقترب من الكاملة بتسهيل الدخول والخروج من الاسواق والغاء الحواجز بين المنتجين والمستهلكين والاسواق.
وبالمقابل هناك ايضا عوامل تساهم بابتعاد الاسواق عن المنافسة الكاملة وبالتالي التقليل من فوائد المنافسة على المنتجين والمستهلكين, منها على سبيل المثال لا الحصر هو البطئ باستجابة الاسواق للتغيرات الطارئة والزمن اللازم للعودة لنقطة التوازن بين العرض والطلب , وهذا موضوع بغاية التعقيد ولا حاجة للدخول به الآن .
مما سبق نستنتج بان السوق التنافسي الكامل هو الوحيد الذي يكفل للمنتج والمستهلك حقوقهما ويحمي المواطنين من ان يكونوا عرضة للاستغلال والسرقة من قبل المنتجين والسياسيين عن طريق تأمين الاجر العادل لهم وعن طريق تأمين افضل السلع بافضل الاسعار , لذلك نرى بان يكون اقتصاد السوق التنافسي المطلب الاول للثورات العربية التي تدور رحاها في الوقت الحالي لان الحرية بنهاية الامر هي حرية اقتصادية تحرر المواطن من سرقة المستبدين.

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

Posted in ربيع سوريا | Leave a comment

اقتصاد السوق الحر التنافسي اهم حق للانسان

اقتصاد السوق الحر التنافسي اهم حق للانسان

طلال عبدالله الخوري

تتضمن وثيقة حقوق الانسان العالمية والتي تم الاتفاق عليها باجماع الدول على الحقوق الاساسية للانسان, ومنها على سبيل المثال حق الانسان بحرية الفكر والمعتقد, والعدالة والمساواة بغض النظر عن الجنس, او العرق او العمر. للمهتمين, يمكنهم الرجوع لهذه الوثيقة والتي تم بحثها ودراستها بكثير من الكتب والمقالات. ولكن للاسف لم تتضمن هذه الوثيقة على حق الانسان بحصوله على اجر عادل لعمله وجهده وابداعه بحيث لايتم استغلال تعبه ,ولم تتضمن بنفس الوقت على حق الانسان بحصوله على السلع التي يحتاجها بسعر عادل ايضا والتأكد من عدم فرض عليه سعر احتكاري وهذه طريقة اخرى لاستغلال الانسان وسرقته. ما نقصده هنا هو اعتبار حق الانسان بالتمتع بمزايا الاقتصاد التنافسي الحر والذي يضمن عدالة الاجور وبنفس الوقت يضمن عدالة الاسعار, حيث لم تعرف البشرية قط الية اقتصادية اعدل من السوق التنافسي الذي يكفل عدالة الاجور ويؤمن افضل الاسعار للسلع. نحن نجزم بان سبب عدم وجود هذا البند في وثيقة حقوق الانسان, هو الظروف السياسية التي كانت سائدة وقت اصدار هذه الوثيقة , حيث كما هو معروف كان هناك معسكرا موازيا للعالم الحر هو المعسكر الاشتراكي والذي يتبنى احتكار الحكومة للاقتصاد, و وجود مثل هذا البند سيقضي على الاجماع الدولي الكافي آنذاك لتبني هذه الوثيقة . وبالفعل ,منطقيا, ما هي فائدة كل الحقوق الآدمية الاخرى اذا تمت سرقتنا ماديا بواسطة الاقتصاد الاحتكاري؟ هل نستطيع مثلا ان ننعم بحرية الفكر اذا اصبحنا فقراء بسبب سرقة اموالنا بالسوق الاحتكاري؟ حقيقة اقتصادية معروفة وهي ان اي اقتصاد غير تنافسي فهو اقتصاد احتكاري وفيه يتم ظلم وسرقة البشر.
في السطور اللاحقة, سنثبت ان حق الانسان بالاقتصاد التنافسي هو اهم مطلب لحقوق الانسان , والاهم من هذا سنثبت بان الاقتصاد التنافسي هو الضامن الحقيقي لبقية الحقوق, وبدونه حتى لايمكن ضمان اي من الحقوق الاخرى للانسان ويصبح التوقيع عليها مجرد حبر على ورق, وهذا ما حصل بالضبط بالدول الاشتراكية والدول العربية الاستبدادية والتي تنهج الاقتصاد الاحتكاري الحكومي الرسمي او الاحتكاري غير الرسمي عن طريق منح المزايا الاحتكارية لرجال السلطة واعوانهم.
سنبدأ المقالة بالتعريف بالسوق الحر التنافسي وقانون العرض والطلب, ثم نتطرق الى كيفية ان حرية العبادة هي نتيجة طبيعية لتبني الاقتصاد التنافسي الحر. ثم نبين ان العلمانية , الديمقراطية , العدالة والحرية تموت خارج البيئة الطبيعية للاقتصاد التنافسي الحر. وبعدها نبين الفهم الخاطئ لبعض اليساريين واللادينيين العرب للعلمانية والاقتصاد التنافسي الحر, وننهي المقالة بخاتمة.

السوق الحر التنافسي وقانون العرض والطلب

ان موضوع الاقتصاد موضوع معقد ولقد تمت دراسته باطنان من المجلدات ويتم تدريسه اكاديميا بالجامعات العالمية, ولكن سأحاول شرح ما يهم القارئ الغير مختص بالاقتصاد بطريقة ابتعد بها عن المعادلات الرياضية الصعبة والمنحنيات البيانية المعقدة. ولكن هذا لا يعني بان الغير الاكاديميين لايستطيعون فهم الاقتصاد, حيث يمكن اكتساب آليات السوق عن طريق الممارسة العملية وعن طريق اكتسابها وتعلم اسرارها ونقلها من الاباء الى الابناء, وهذا ما حصل مع التجار وابنائهم على مر الزمن.
نشأ السوق مع ظهور الانسان, وذلك عندما اضطرالانسان الماهر في صنع الادوات أن يبادل أدواته الحجرية مقابل الطعام او الفراء من الأنسان الماهر بالصيد, وهكذا بدأ اقتصاد السوق وقانون العرض والطلب, وما زال مستمرا حتى الآن ولن ينتهي ما دام هناك بشر على الارض.
يحتاج السوق الحر التنافسي الى قوانين تضمن التنافس الحر وتحمي الشركات المنتجة للسلع من احتكار الشركات المنافسة وتحمي المستهلك من تعرضه للسرقة بسبب سعي الشركات المنتجة للسلع للاحتكار ولفرض الاسعار التي تريدها من دون منافسة. تعمل قوانين المنافسة ومنع الاحتكار على حماية العملية التنافسية ومنع الشركات من إبرام اتفاقات مع بعضها البعض لغرض منع المنافسة او لغرض استغلال وضعها المهيمن على السوق .
مما لاشك فيه إن المنافسة هي المحرك للحياة الاقتصادية وان الأسواق التنافسية هي المحققة لمصالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء, فهي التي تسمح للمستهلك بالحصول على السلع ذات الجودة العالية بأفضل الأسعار, كما أن توفر عنصر المنافسة هو الذي يعطي للمنتج الدافع والحافز لرفع مستويات إنتاجه عن طريق إدخال المستلزمات والتقنيات الحديثة والمتطورة في الإنتاج لتحسين ورفع درجة الجودة والنوعية للسلع المنتجة. تستوجب المنافسة تعدد المنتجين أو الموزعين في سوق السلعة أو الخدمة وهذا التعدد لازم حتى يكون هناك عدد كاف من الأشخاص ليتنافسوا في الحصول على اكبر قدر من العملاء وألا كنا بصدد احتكار يمكن صاحبه من التحكم في الأسعار. يجب ان يكون حق المنافسة الشريفة بالسوق مكفول للجميع استخدامه , على ان استخدام هذا الحق مشروط بالا يؤدي الى منع حرية المنافسة او تقييدها او الإضرار بها وهو ما يؤدي في النهاية الى الإضرار بمصلحة المواطنين والإخلال بقواعد التوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك. ولكي تتحقق المنافسة الكاملة لابد من توافر عدة شروط ومنها التعددية و وجود عدد كبير من البائعين او المنتجين الذين ينتجون السلعة او يعرضونها وعدد كبير من المستثمرين او المستهلكين الذين يطلبون السلعة بحيث لايستطيع أي منهم ان يؤثر تأثيرا محسوسا على السوق لو انسحب منه او تواجد فيه.
من هنا نر بأن من شروط المنافسة الكاملة للسوق هو وجود عدد كبير من المنتجين لكل سلعة, وهذا ما يفهمه كل الاقتصاديين بالعالم , مما حفز جميع الدول الاروبية لكي توحد سوقها بسوق واحد لكي تعم فائدة المنافسة الكاملة على جميع المواطنين الاوروبيين . أي ان سبب اتحاد الدول مع بعضها هي اسباب اقتصادية, و لكي يعم الخير على جميع مواطني الدول المتحدة وليس لاسباب دينية او قومية كما تنادي الاحزاب الدينية والقومية العربية, ولهذا السبب نجح الاتحاد الاوروبي وفشلت جميع مشاريع الوحدة العربية. وهذه الفائدة من كبر عدد المنتجين والاقتراب من المنافسة الكاملة هي بالضبط ما تسعى اليه الاتفاقات الاقتصادية الدولية بين الدول ان كانت ثنائية او مجموعة من الدول, مثل اتفاقية دول شمال اميركا بين اميركا وكندا والمكسيك اواتفاقية اميركا مع الصين او اتقاقية الدول لشرق اسيا…الخ. ونحن نتوقع بان يصبح محرك البحث غوغل السوق التنافسي العالمي الكامل بعد ان يتم تطويره ليقدم كل العروض الممكنة لاي سلعة يحتاجها المشتري من كل انحاء العالم , حيث تشير الاحصائيات على تزايد التجارة الالكترونية على النت بمتوالية هندسية.
ومن شروط المنافسة المثالية الكاملة للسوق ان تكون هناك شفافية في المعرفة الكاملة بكل الظروف السائدة في السوق, مما يترتب عليه مقدرة كل شخص سواء كان شار او بائع على معرفة الاثمان التي تعرض بها السلع للبيع او تطلب عندها للشراء في تلك الاسواق . وكذلك حرية الدخول والخروج من السوق وعدم وجود عوائق امام المشتري في اتخاذ قرار الشراء من عدمه وذلك بدخوله الى السوق او خروجه منها وكذلك حرية البائع في اتخاذ قرار البيع من عدمه اضافة الى حرية المنتج في الدخول الى ميدان انتاج سلعة معينة او الخروج من ذات الميدان وقتما يشاء, و إمكانية تنقل عناصر الإنتاج بين فروع الانتاج , وهذا يعني سهولة انتقال عناصر الانتاج من سلعة إلى أخرى ومن منطقة جغرافية الى اخرى لعدم وجود عوائق امام انتقال عناصر الانتاج بين الاستعمالات المختلفة البديلة , فلا يجب ان تقوم أي حواجز او عوائق فعلية او قانونية تمنع انتقال عناصر الانتاج المختلفة من ان تنتقل الى ذلك الفرع الذي ينتج سلعة معينة, وفي هذا المجال ايضا بدأت الانترنت ومحركات البحث المساهمة بفاعلية بجعل الاسواق العالمية تنافسية تقترب من الكاملة بتسهيل الدخول والخروج من الاسواق.
وبالمقابل هناك ايضا عوامل تساهم بابتعاد الاسواق عن المنافسة الكاملة وبالتالي التقليل من فوائد المنافسة على المنتجين والمستهلكين, منها على سبيل المثال لا الحصر هو البطئ باستجابة الاسواق للتغيرات الطارئة والزمن اللازم للعودة لنقطة التوازن بين العرض والطلب , وهذا موضوع بغاية التعقيد ولا حاجة للدخول به الآن , ولكن نشير ان السبب الرئيسي لتوحيد العملة الاوروبية هو زيادة سرعة استجابة السوق لتغيرات سوق تبادل العملات واسعارها مما يزيد بتنافسية السوق الاوروبية وبالتالي تمكين جميع الناس من مستهلكين ومنتجين من التنعم بمردود هذه التنافسية الكاملة.
مما سبق نستنتج بان السوق التنافسي الكامل هو الوحيد الذي يكفل للمنتج والمستهلك حقوقهما ويحمي المواطنين من ان يكونوا عرضة للاستغلال والسرقة من قبل المنتجين والسياسيين عن طريق تأمين الاجر العادل لهم وعن طريق تأمين افضل السلع بافضل الاسعار , لذلك نطالب بان يكون السوق التنافسي الحر هي حق من حقوق الانسان ويتم تبنيه بوثيقة حقوق الانسان.

حق حرية العبادة هي نتيجة طبيعية لتبني الاقتصاد التنافسي الحر: حيث تخضع المنشآت والمؤسسات الدينية لقانون العرض والطلب والمنافسة الحرة , وفيها يختار الناس بحرية السلعة الدينية التي يرغبون بها ويتبروعون من اموالهم لاختيارهم هذا, بنفس الطريقة التي يختارون بها المسرح او السيرك الذي يريدون مشاهدته ويدفعون نقودهم ثمنا لبطاقة الدخول. وكما يحصل للمسرح و السيرك في السوق التنافسي عندما لا يكون هناك عدد كافي من الناس الراغبين بسلعتهم الفنية يتم افلاس المسرح واغلاقه وبيعه, كذلك الامر يحصل للمنشأت الدينية عندما لا يكون هناك كمية كافية من المؤمنين الراغبين بالتبرع لسد خدمات هذه المؤسسة الدينينة , حيث يتم اغلاقها وبيعها كعقار, وهذا ما حصل للكثير من الكنائس بالغرب. فهل هناك اكثر من هذا حرية للعقيدة تؤمنها الية السوق التنافسي؟
العلمانية , الديمقراطية , العدالة والحرية تموت خارج البيئة الطبيعية للاقتصاد التنافسي الحر: حيث ان القوانين البلاد هي بنهاية الامر قوانين اقتصادية وتحرير القوانين من كل تبعية وسيطرة هي بالنهاية تهدف لتحرير المواطن اقتصاديا من كل تبعية وسيطرة بما فيها السيطرة الدينية والسياسية. اي بنهاية الامر العلمانية الحقيقية ما هي الا مصطلح اخر لاقتصاد السوق الحر التنافسي عندما يكون الانسان حرا اقتصاديا ويحصل على اجره العادل وعلى سلعه بجودة عالية واسعار عادلة, فالسوق التنافسي الحر هو الوحيد الذي يكفل لنا كل هذه الامور مجتمعة.
وهنا اريد ان اعرج على الفهم الخاطئ لبعض اليساريين واللادينيين العرب للعلمانية والاقتصاد التنافسي الحر: حيث ينعتون الاقتصاد التنافسي الحر بالرأسمالية المتوحشة التي تستغل جهود العمال من دون ان يقدموا لنا اي برهان على ذلك او ان يقدموا لنا اي بديل لاقتصاد افضل من الاقتصاد التنافسي. ومن اخطائهم ايضا , اعتبارهم لاي دستور غير مبني على الشرائع الدينية هو دستور علماني. مثلا هم يعتبرون دساتير الدول الشيوعية دستير علمانية, وهذا خظأ من وجهة نظر اقتصادية , حيث يعتبر الاقتصاد اي فلسفة او فكر او نظام سياسي او ديني يريد ان يتحكم بتنافسية السوق نظام غير علماني لان التسلط والتحم هو نوع من انواع العبودية وبالتالي لم يتم الفصل عمليا بين الدين والدولة (الاقتصاد) وهذا يناقض العلمانية.
لقد تم دحض الفهم الخاطئ للعلمانية من قبل الاسلاميين ومحاولتهم تشويهها عبر الكثير من الكتابات والمقالات الهامة , ولكن لم يتم فضح الفهم الخاطئ للعلمانية والاقتصاد التنافسي من قبل بعض اليساريين واللادينيين العرب وذلك لعدم وجود مختصون راغبون في ايضاح هذه المشكلة, ونظرا لاهمية هذا الموضوع, ارتأينا اضائته قدر الامكان.

من هنا نرى بان اقتصاد السوق الحر التنافسي والخاضع طبيعيا لقانون العرض والطلب هو اهم حق من حقوق الانسان , نطالب بان يتم تبنيه بأوطاننا , ونطالب بان يتم وضعه كبند الاول والاساسي في وثيقة حقوق الانسان, حيث لم يعد هذا المطلب موضوع خيار وطني محلي يخضع لخيار السلطة السياسية المحلية , فهذا الحق هو الكفيل بان يحصل الانسان على الاجر الحقيقي لجهده وعمله وان لا يتم سرقة تعبه وكده من قبل الفاسدين والمتسلطين من سياسيين وفاسدين, وكما اثبتنا اعلاه فان بقية اركان حقوق الانسان هي اما نتجية طبيعية لتطبيق قوانين السوق الحر التنافسي او هي تحصيل حاصل لتطبيق سياسة الاقتصاد التنافسي, لا بل لايمكن بأي شكل من الاشكال تطبيق واحترام حقوق الانسان بدون تطبق الحاضن الطبيعي لهذه الحقوق وهو السوق التنافسي وقانون العرض والطلب.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

كاريكاتور الطغاة العرب والثورات الشبابية

الطغاة العرب وثورات الشباب

Posted in كاريكاتور | 1 Comment

متى الحقائب تنزل من أيادينا متى

متى الحقائب تنزل من أيادينا متى

كريم العراقي

متى الحقائب تنزل من أيادينا*

*وتستدلّ على نور ليالينا؟*

*متى الوجوه تلاقي مَن يعانقها*

*ممن تبقّى سليماً من أهالينا؟*

*متى المصابيح تضحك في شوارعنا*

*ونحضر العيد عيداً في أراضينا؟*

*متى يغادر داء الرعب صبيتنا*

*ومن التناحر ربّ الكون يشفينا؟*

*متى الوصول فقد ضلت مراكبنا*

*وقد صدئنا وما بانت مراسينا؟*

*ذبنا اشتياقاً لمن نهوى ولا خبر*

*يحيي القلوب ولا صبر يداوينا*

*تلك العواصف يا قبطان غامضة*

*من كل شر رياح الشر تأتينا*

*بالحزم والعزم والإيمان ندفعها*

*وبالشياطين والدخلاء ترمينا*

*كم مزق اليأس أشرعة الرجاء*

*بنا وما تزال مجاذيف أمانينا*

*كالمد والجزر تطوينا مشاعرنا*

*ليل الكوابيس يضحكنا ويبكينا*

*نقلّب العمر من يأس إلى أمل*

*وخنجر الغيض يقتلنا ويحيينا*

*ويغضب البحر مأخوذاً بمحنتنا*

*فهو الذي كان يشرب من شواطينا*

*ويعلم البحر أنّا مثله كرما*

*أنقى من الدر أهدينا معالينا*

*بدء الحضارات منبتها وبذرتها*

*لثورة العقل كم حرثت أيادينا*

*ويعلم البحر لولا غدر من غدروا*

*لما خرجنا شتاتاً من روابينا*

*إلى المجاهيل قادتنا كوارثنا*

*كيف الوصول وقد دفنت موانينا*

*وكم وصلنا لبرّ زادنا وجعاً*

*ماذا إلى أين شرطته تنادينا*

*تلك الجوازات، شر، ريبة، فزع*

*فإن أقمتم أقيموا ههنا حينا*

*وإن رحلتم فخير في الرحيل لنا*

*وهم الذين تربوا في بوادينا*

*حزن المنافي تأقلم في دواخلنا*

*حتى كأنّا ولدنا في منافينا*

*معذبون مدى التاريخ يا وطني*

*جف الفرات وما جفّت مآقينا*

*إنا نصلي وإن الله يسمعنا*

*مما سيأتي دعونا الله ينجينا*

*قل للمقادير إن جارت وإن فتكت*

*لكم نهضنا كباراً من مآسينا*

*عواصف الحقد ما سحقت كرامتنا*

*وعزت النفس تغلي نارها فينا*

*قل للبيوت التي كانت مسيجة*

*بالنخل والورد واللبلاب.. آتينا*

*ليسوا من الشعب من دفنوا مدارسه*

*وشوهوا الحب والإنسان والدينا*

*هل الخيام بديل عن منازلنا*

*هل في العراء ذئاب الليل تحمينا؟*

*فلا المقابر نابت عن حدائقنا*

*ولا القذائف أنستنا أغانينا*

Posted in الأدب والفن | 1 Comment

رجال وردود أفعال

رجال وردود أفعال

مارثا فرنسيس

تختلف ردة فعل الرجل تجاه ماتمتاز به المرأة عنه، خاصة إذا لم يتعامل بذكاء مع هذا التميز لدى المرأة، وقد تناولت في مقالي السابق تميز المرأة بصفات خاصة اُطلق عليها الحاسة السادسة وهذه الصفات بإختصار هي قدرة المرأة على الاهتمام بالتفاصيل وقدرتها على القيام بأكثر من عمل في نفس الوقت وبنفس التركيز، وأضيف أن المرأة تتمتع بنضج اجتماعي وقدرة على الحكم على الآخرين أكثر من الرجل، ومعنى قدرتها على الحكم على الآخرين إنها قد تشعر بعدم الرضى مثلا عن التقارب مع عائلة معينة أو مع اصدقاء بعينهم بينما قد لا يتفق معها الرجل في نفس الحكم خاصة إذا لم يستند عدم رضاها عن هذه العلاقة على أسباب ملموسة ويستطيع الرجل بذكاء أن يقدر ويحترم ماتشعر به الزوجة حتى ثبوته أو ثبوت عكسه.
ماذا يفعل الرجل إذا كانت زوجته ناجحة وذكية وإذا كانت لبقة ولطيفة في الحوار أكثر منه أو إن كانت ذات شخصية قوية لها ملامح محددة تعرف ماذا تريد وكيف تحقق ماتريد وإن كان إهتمامها بتفاصيل الأشياء ملفت للنظر واذا كانت تسعى للنجاح وتحققه سواء في مجال عملها أو في طموحها للبحث أو الدراسة؟
هناك رجل يشعر بالغيرة من ذكاء زوجته أو من نجاحها سواء في العمل أو في العلاقات مع الآخرين أو في إهتمامها ببحث أو بدراسة أمر ما تهتم به، فيكون رد فعله محاولة إثباط عزيمتها أو محاولة استخدام سلطته الذكورية الممنوحة له من المجتمع والثقافة والدين فيتعمد شغلها في أمور البيت و كثرة الطلبات الشخصية أو القاء كل حمل ومسئولية الأولاد بالكامل عليها حتى تستنفذ قوتها ولا تنجز ماتريده شخصياً.
وآخر يقارن دائما بينه وبينها وحتى إذا كانت تستطيع ترتيب أمور البيت والأولاد في فترة إنشغالها أو خروجها فهو يلجأ لتسفيه رأيها باستمرار وإحراجها وعدم اعطائها الفرصة للتحدث أو لإبداء الرأي امام الآخرين أو في مناقشة ما؛ بأن يقاطعها أو يشغل الآخرين بشكل أو بآخر عن الإستماع لها، ويتصيد لها الأخطاء في محاولة لإرسال رسالة محبطة لها لزعزعة ثقتها بنفسها او تأنيب ضميرها بأنها مقصرة في واجباتها وأنها يجب أن ترتب أولويات حياتها حسب رأيه الشخصي!
وثالث يشعر بالقلة والضعف وأستطيع أن أزعم أنه يعاني من هذه المشاكل النفسية من قبل ولكنها تظهر بوضوح إذا  كانت زوجته شخصية لماحة ولبقة وناجحة فكلما شاهد نجاحها شعر أكثر بالقلة ورغم أنه يمكن التعامل مع هذه المشاكل النفسية والتخلص منها؛ إلا أنه يكتمها ويتعذب منها وتظهر بوضوح في سلوكياته وإما أن يكون موقفه اللامبالاة او التظاهر بالانشغال او يكون عنيفا تجاه الآخرين سواء باللفظ او بالفعل وخاصة مع زوجته ويعلم جميعنا أن نساء كثيرات يُضرَبن ويُعنَّفن من أزواجهن رغم كونهن شخصيات ناجحة ولها وزنها وقيمتها في المجتمع.
أما الزوج الناضج المتفهم -وأتمنى أن يزداد أمثال هذا النوع النادر- فهو الرجل الواثق من نفسه الذي يعرف ويقدر قيمة إختلاف زوجته كإمرأة عنه ويحترم هذا الإختلاف ويحاول ويبذل جهداً في التعلم عن كيفية التعامل مع هذه الإختلافات الطبيعية التي لا يمكن إعتبارها عيوباً في شخصيته كرجل أو في شخصية المرأة، هذا الرجل يدفع زوجته للنجاح وللدراسة ويفتخر بها أمام الجميع ويعتبر نجاحها نجاحاً له فيحاول جاهدا رفع بعض أعباء مسئولية البيت والأولاد قدر الإمكان حتى لو أضطر ان يضحي بساعات راحته لكي يهئ لها الظروف المناسبة حتى تتفرغ بعض الوقت لإنجاز ما تقوم بدراسته أو عمله بنجاح.
هل يعتبر من  الإحلام أو من المستحيلات وصول أي رجل إلى هذا المستوى ؟
هل يمكن للرجل أن يدع جانباً كل موروثات عتيقة جاهلة عن المرأة وأن يقبل التعلم  بوداعة معترفاً أنه لا يعلم كل شئ وأن رحلة العمر تستحق الاستعداد لها بالدراسة والمعرفة وهل يمكنه أن يدرك ويتفهم من هي المرأة وماهي طبيعة شخصيتها وماهي إختلافاتها الطبيعية عنه والتي لا تستحق ان تعاقب عليها منه أو من المجتمع، وأن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست معركة حربية لابد فيها من غالب ومغلوب، وهل يمكن ان يدرك أن كل مافي الكون يدور حول الوحدة والتنوع؟
محبتي للجميع

Posted in فكر حر | Leave a comment

عــــدت يا يـــوم مولــــدى

كامل الشناوي

عُدت يا يوم مولدي … عُدت يا أيها الشقي

الصبا ضاع من يدي .. و غزا الشيب مفرقي

ليت يا يوم مولدي .. كنتَ يوما بلا غد

ليت أني من الأزل .. لم أعش هذه الحياة

عشتُ فيها و لم أزل .. جاهلا أنها حياة

ليت أني من الأزل .. كنت روحا و لم أزل

أنا عمر بلا شباب .. و حياة بلا ربيع

أشتري الحب بالعذاب .. أشتري فمن يبيــع ؟؟؟

أنا وهــــم .. أنا ســـراب ..!!

كامل الشناوي (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

تتعرى الأشجار في الشتاء …؟

تتعرى الأشجار في الشتاء …؟

سيمون خوري

 

 

ألقيت قوسي وأخر سهم في جعبتي فوق قبر ثورة نافقة
منذ أن جاءني طيف شبابي، وذكرني بغرف مغلقة
تفوح منها رائحة عفنة ورطوبة، ودماء جافة.
صبرت كأيوب السومري ..بيد أن الليل كان طويلاً.
لماذا خدعتنا يا ليونيداس ..ورحلت ؟
اعتذرنا كما اعتذر أدموا عن تناول طعام الآلهة.
وأصبح لكل شارع وزاوية أميراً وإماماً.
ألقيت قوسي وأخر سهم في جعبتي فوق قبر ثورة نافقة
فقد ارتدت عشتار ثوباً أسوداً
بلا نجوم تضئ أطرافه
ونذرت أفروذيتي للإمام صوماً
فلن تكلم بعد اليوم أنسياً
لأن الأشجار تتعرى في الشتاء
كلحظة الولادة.
بيد أن المناخ الصحراوي ابتلع كل الحقائق.
فلا أضواء ولا ظلال، ولا ألوان طيف قوس قزح
بترول وحجر، ونفايات من ثرثرة قديمة
فلا تبحث عن أبجدية الرسم في عالم متمزق
بين أسود ورمادي وأغبر.
ولا تحاول رسم ابتسامة أو نظرة حب خاطفة..
فهنا مسرح القرود الصغيرة
ولا بد أنها مقدسة أيضاً.
ترقص على أبواب كهف قديم، يقود الى كهف أخر
كهف بعد كهف، أدغال من الكهوف الكثيفة.
فقدا ارتدت الحياة عباءة قديمةً
مليئة بالسل والسعال ويمنع السؤال
ومناخ الصحراء يبتلع الورد والياسمين وشط الهوى
فلا تسأل بعد الأن عن سر عشق أوزر يس لرحيق زهرة اللوتس
ولا عن أسباب عشق سليمان لعشتار.
ولا عن أسرار ديو نيسيوس في حانة قديمة.
لأن الشمس تدور حول الأرض في عين حمئة.
ولا تسأل عن معنى التكامل والتفاضل، وحاصل الجمع والضرب.
أو كيف يمكن للعقل أن يتحدى المستحيل..؟
ففي مسرح الفضائح
لا إعجازا سوى إعجاز النصوص..؟
فقد قرر الأمام، رجم قيس وليلى. ونفي جبل التو باد الى ” السماء ” السابعة!
سأبحث عن أوراق الشجر التي سقطت في الشتاء
عن مصير أؤلئك الناجون من الطوفان.
ممن ينتظرون شروقاً للشمس منتصف الليل.
لكن الأشجار تتعرى في الشتاء…؟
يهطل المطر ، تخضر الأشجار ،تبتسم الطبيعة ، وتتعفن الكهوف.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

رباعيات الخيام

رباعيات الخيام

عمر الخيام

سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر

نادى مِن الحانِ : غُفاة البشَر

هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن

تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر

***

أحسُّ في نفسي دبيب الفناء

ولم أصَب في العيشِ إلاّ الشقاء

يا حسرتا إن حانَ حيني ولم

يُتحْ لفكري حلّ لُغز القضاء

***

أفق وهات الكأس أنعمُ بها

واكشف خفايا النفس مِن حُجبها

وروّ أوصالي بها قَبلَما

يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها

***

تروحُ أيامي ولا تغتدي

كما تهبُّ الريح في الفدفدِ

وما طويتَ النفس هماً عَلى

يومين : أمسْ المنقضى والغدِ

***

غدٌ بِظَهْرِ الغيب واليوم لي

وكم يخيبُ الظنُّ في المقبلِ

ولَستُ بالغافلِ حتى أرى

جمالَ دنيايَ ولا أجتلي

***

سمعتُ في حلمي صوتاً أهابَ

ما فتَّق النّوم كمام الشبابَ

أفق فإنَّ النّوم صنو الردى

واشرب فمثواكَ فراش الترابَ

***

قَد مزَّق البدرُ سنَار الظلام

فأغنم صفَا الوقت وهات المدام

واطرب فإنَّ البدر مِن بعدنا

يسري علينا في طباقِ الرغام

***

سأنتحي الموتَ حثيث الورود

ويَنمحي اسمي مِن سجِل الوجود

هات أسقنيها يا مُنى خاطري

فغايةُ الأيام طولْ الهجود

***

هات أسقنيها أيهذا النديم

أخضَب مِن الوجهِ اصِفرار الهموم

وإن أمُتْ فاجعَل غسولي الطلى

وقدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكروم

***

إن تُقتلَع مِن أصلِها سُرحتي

وتصبحُ الأغصان قَد جفَّت

فصغْ وعاء الخمَر مِن طينتي

واملأهُ تسرِ الروح في جثتي

***

لَبستُ ثوبَ العيش لم أُستشَر

وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَر

وسوفَ أنضو الثوب عنّي ولم

أُدرك لماذا جئتُ ، أينَ المقر

***

نمضي وتبقى العيشةُ الراضية

وتنمحي آثارُنا الماضية

فقَبل أن نَحيا ومِن بعدِنا

وهذه الدُنيا علَى ما هيه

***

طَوت يدُ الأقدار سفرَ الشباب

وصوَّحت تلكَ الغصون الرطاب

وقَد شدا طيرُ الصبى واختفى

متى أتى . يا لهفا . أينَ غاب

***

الدهرُ لا يعطي الَّذي نأمل

وفي سبيلِ اليأس ما نَعمَل

ونحنُ في الدُنيا علَى همّها

يسُوقنا حادي الردى المُعجّل

***

أفق خفيفَ الظَّل هذا السّحَر

وهاتها صرفاً ونَاغِ الوتر

فما أطاَل النّوم عمراً ولا

قصَّر في الأعمارِ طول السهَر

***

اشرب فمثواكََ التراب المهيلِ

بلا حبيب مؤنسٍ أو خليل

وانشق عبير العيش في فجرهِ

فليسَ يزهو الورد بعدَ الذبولِ

***

كم آلم الدهر فؤاداً طعين

وأسلم الروح ظعين حزين

وليسَ ممَن فاتَنا عائدٌ

أسألهُ عن حالةِ الراحلين

***

يا دهرُ أكثرت البلى والخراب

وَسُمْتَ كُلّ الناس سوء العذاب

ويا ثرى كم فيكَ مِن جوهرٍ

يبينْ لو يُنبَش هذا التراب

***

وكم توالى الليل بعدَ النهار

وطالَ بالأنجمِ هذا المدار

فامشِ الهوينا إنَّ هذا الثرى

مِن أعينٌ ساحرةِ الأحورار

***

أينَ النديم السمح أينَ الصبوح

فقد أمضَّ الهمّ قلبي الجريح

ثلاثةٌ هنّ أحبُّ المُنى

كأسٌ وأنغامٌ ووجهٌ صبيح

***

نفُوسنا ترضى احتِكام الشراب

أرواحنا تفدى الثنايا العِذاب

وروح هذا الدنَّ نستّلهُ

ونستقيهِ سائِغاً مُستطَاب

***

يا نفسَ ماهذا الأسى والكدر

قَد وقعَ الإثم وضاع الحذر

هَل ذاقَ حلو العفوَ إلاّ الَّذي

أذنبَ والله عفَا واغتفر

***

نلبسُ بينَ الناس ثوب الرياء

ونحنُ في قبضةِ كفّ القضاء

وكم سعينا نرتجي مهرباً

فكانَ مسعَانَا جميعاً هباء

***

لم تَفتَحَ الأنفسَ باب الغيوب

حتى تَرى كيفَ تسأم القلوب

ما أتعس القلبَ الَّذي لم يَكد

يلتأم حتى أنكأتهُ الخطوب

***

عامل كاهليك الغريب الوفي

واقطع مِن الأهلِ الَّذي لا يفي

وعِف زلالاً ليسَ فيه الشفا

واشرب زعافَ السمّ لو تشتفي

***

أحسن إلى الأعداء والأصدقاء

فإنَّما أُنس القلوب الصفَاء

واغفر لأصحابكَ زلاّتهم

وسامح الأعداء تَمْحُ العِداء

***

عاشر مِن الناسِ كبار العقول

وجانب الجهّال أهل الفضول

واشرب نقيعَ السمّ مِن عاقلٍ

واسكب علَى الأرضِ دواء الجهول

***

يا تارك الخمرَ لماذا تلوم

دعني إلى ربي الغفور الرحيم

ولا تُفاخرني بهجرِ الطلى

فأنتَ جانِ في سوِاها أثيم

***

أطفىء لظَى القلب ببرد الشراب

فإنَّما الأيام مثلَ السحَاب

وعيشُنا طيف خيالٍ ، فَنل

حظّكَ منهُ قبلَ فوَت الشباب

***

بستانُ أيامك نامي الشجَر

فكيفَ لا تقطفُ غضّ الثمَر

اشرب فهذا اليوم إن أدبرت

به اللَّيالي لم يعدهُ القدر

***

جادت بساط الروض كفُّ السحَاب

فنزّه الطرفَ وهات الشراب

فهذه الخضرةَ مِن بِعدنا

تنمو علَى أجسادِنا في التراب

***

وإن توافِ العشب عندَ الغدير

وقَد كسَا الأرض بساطاً نضير

فامشِ الهوينا فوقهُ . إنه

غذّتهُ أوصالُ حبيبٌ طرير

***

يا نَفس قَد آدكِ حملُ الحزن

يا روح مقدور فُراق البدن

إقطف أزاهير المُنى قبلَ أن

يجفَّ مِن عيشك غضّ الفنن

***

يحلو ارتشاف الخمَر عندَ الربيع

ونشرُ أزهار الروابي يضوع

وتعذّب الشكوى إلى فاتنٍ

علَى شفا الوادي الخصيب الينيع

***

فلا تَتب عن حسوِ هذا الشراب

فإنَّما تَندمُ بعدَ المتَاب

وكيفَ تصحو وطيور الربى

صدّاحةٌ والروض غضّ الجناب

***

زخارفُ الدُنيا أساس الألم

وطالبُ الدُنيا نديم الندم

فكن خليَّ البال مِن أمرها

فكلُّ ما فيها شقاءٌ وهم

***

وأسعدْ الخلقْ قليل الفضول

مَن يهجر الناس ويرضى القليل

كأنهُ عنقاءَ عندَ السّهى

لا بومةٌ تنعبُ بينَ الطلول

***

مَن يحسبَ المال أحبَّ المُنى

ويزرع الأرضَ يريد الغِنى

يفارق الدُنيا ولم يُختَبر

في كدَّهِ أحوال هذى الدُنى

***

سرى بجسمي الغضَّ ماء الفناء

وسار في روحي لهيب الشقاء

وهمتُ مثلَ الريحَ حتى ذرَت

تُرابَ جسمي عاصفات القضاء

***

يامَن يَحارُ الفَهمُ في قدرتك

وتطلبُ النَفسُ حمى طاعتك

أسكرَني الإثمُ ولكنّني

صحوَت بالآمال في رحمتك

***

لم أشرب الخمَر ابتغاء الطرَب

ولا دعتني قلّةٌ في الأدب

لكنَّ إحساسي نزّاعاً إلى

إطلاق نفسي كانَ كلّ السبب

***

أفنيتُ عمري في اكتناهِ القضاء

وكشفُ ما يحجبهُ في الخفاء

فلم أجد أسرارهُ وانقضى

عمري وأحسستُ دبيب الفناء

***

أطاَل أهل الأنَفس الباصره

تفكيرهم في ذاتِك القادره

ولم تزلْ يا ربْ أفهامهم

حيرى كهذى الأنجمُ الحائره

***

لم يجنِ شيئاً مِن حياتي الوجود

ولن يضير الكون أنَّي أُبيد

وا حيرتي ما قالَ لي قائلٌ

ماذا اشتعالُ الروح ! كيفَ الخمود

***

إذا انطوى عيشي وحانَ الأجل

وسدَّ في وجهي باب الأمل

قَرَّ حبَاب العمر في كأسهِ

فَصَّبها للموتِ ساقي الأزل

***

إن لم أكنْ أخلصتُ في طاعتك

فإنّني أطمعُ في رحمتك

وإنَّما يشفعُ لي أنّني

قَد عشتُ لا أُشرك في وحدتك

***

يا ربْ هيىء سببَ الرزق لي

ولا تذقني منّةَ المُفضلِ

وابقني نشوانَ كيما أرى

روحي نَجتْ مِن دائِها المعضلِ

***

أفنيت عمري في ارتقابِ المُنى

ولم أذق في العيشِ طعم الهنا

وإنَّني أُشفقَ أن يَنقَضي

عمري وما فارقت هذا العَنا

***

لم يبرحَ الداء فؤادِي العليل

ولم أنل قصدي وحانَ الرحيل

وفات عمري وأنا جاهلٌ

كتابَ هذا الدهر جمّ الفصول

***

صفَا لكَ اليوم ورقَّ النسيم

وجالَ في الأزهارِ دمع الغيوم

ورجّعَ البلبل ألحانهُ

يقول هيّا اطرب وخلّ الهموم

***

الدرع لا تمنعُ سهم الأجل

والمال لا يدفعهُ إن نزل

وكلُّ ما في عيشنا زائلٌ

لا شىءَ يبقى غيرَ طيب العمل

***

اللهُ يدري كلُّ ما تُضمر

يعلمُ ما تُخفي وما تُظهر

وإن خدعتَ الناس لم تستطع

خدِاع مَن يطوي ومَن يَنشر

***

وإنَّما بالموت كلٌ رهين

فاطرب فما أنتَ مِن الخالدين

واشرب ولا تَحمل أسىً فادحاً

وخلّ حمل الهم للاحقين

***

رأيت خزّافاً رحاهُ تَدور

يجدُّ في صوغِ دنانِ الخمور

كأنهُ يخلطُ في طينها

جمجمة الشاهِ بساق الفقير

***

تمتلكُ الناس الهوى والغرور

وفتنةُ الغيدِ وسُكنى القصور

ولو تُزال الحجبُ بانت لهم

زخارف الدُنيا وعُقبى الأمور

***

إن الَّذي تأنس فيه الوفاء

لا يحفظ الودَّ وعهدَ الأخاء

فعاشر الناس علَى ريبةٍ

منهم ولا تُكثر مِن الأصدقاء

***

زاد الندى في الزهرِ حتى غدا

مُنحنياً مِن حملِ قطر الندى

والكُم قَد جمعَ أوراقهُ

فظلَّ في زهرِ الربى سيّدا

***

وأسعد الخلق الَّذي يُرزق

وبابهُ دونَ الورى مُغلق

لا سيَّد فيهم ولا خادم

لهم ولكن وادعٌ مُطلق

***

قلبي في صدري أسيرٌ سجين

تُخجلهُ عشرةُ ماءٍ وطين

وكم جرى عزمي بتحطيمه

فكانَ يَنهاني نداءُ اليقين

***

مصباحُ قلبي يستمدُ الضياء

مِن طلعةِ الغيدِ ذوات البهاء

لكنّني مثلَ الفراش الَّذي

يسعى إلى النّورِ وفيهِ الفناء

***

طبعي ائتناسي بالوجوه الحِسان

وديدني شرِبَ عِتاق الدِنان

فاجمع شتات الحظَّ وانعم بها

مِن قبلِ أن تطويكَ كفّ الزمان

***

تَعاقبُ الأيام يُدني الأجل

ومرّها يطويكَ طيّ السجِل

وسوف تَفنى وهي في كرّهِا

فقَضّ ما تغنمهُ في جذل

***

لا تَشغل البَال بماضي الزمان

ولا يآتي العيش قبلَ الأوان

واغنم مِن الحاضرِ لذّاتهِ

فليسَ في طبعِ اللَّيالي الأمان

***

قيلَ لدى الحشر يكون الحساب

فيغضب الله الشديدَ العقاب

وما انطوى الرحمن إلاّ علَى

إنالةِ الخير ومنح الثواب

***

كانَ الَّذي صوّرني يعلمُ

في الغيبِ ما أجني وما آثمُ

فكيفَ يجزيني علَى أنّني

أجرمتُ والجرمُ قضاً مبرمُ

***

هات اسقني كأس الطلى السلسلِ

وغنّني لحناً مع البلبلِ

فإنَّما الإبريق في صبهِ

يَحكي خرير الماء في الجدولِ

***

الخمَرُ في الكأسِ خيالٌ ظريف

وهي بجوفِ الدنّ روحٌ لطيف

أبعد ثقيل الظَّل عن مجلسي

فإنَّما للخمَر ظلٌ خفيف

***

بابُ نديمي ذو الثنايا الوضاح

وبيننا زهرٌ أنيقٌ وراح

وافتضَّ مِن لؤلؤِ أصدافها

فافترَّ في الآفاقِ ثغرُ الصباح

***

نارُ الهوى تمنعُ طيب المنام

وراحةُ النفس ولذُّ الطعام

وفاتر الحبُّ ضعيف اللّظى

منطفىء الشعلةَ خابي الضرام

***

القلبُ قَد أضناهُ عِشق الجمال

والصدرُ قَد ضاقَ بما لا يُقال

يا ربْ هل يُرضيك هذا الظما

والماءُ ينساب أمامي زُلال

***

خلقتني يا ربْ ماءً وطين

وصغتني ما شئتَ عزاً وهون

فما احتيالي والَّذي قَد جرى

كتبتهُ يا ربْ فوقَ الجبين

***

ويا فؤادي تلكَ دُنيا الخيال

فلا تنؤ تحتَ الهموم الثقال

وسلّم الأمر فمَحوَ الَّذي

خطّت يدُ المقدار أمرٌ مُحال

***

وإنَّما نحنُ رخاخ القضاء

ينقلنا في اللوحِ أنّى يشاء

وكلُّ مَن يفرغ مِن دورهِ

يُلقَى به في مستقّرِ الفناء

***

رأيتُ صفّاً مِن دنانٍ سرى

ما بينها همسُ حديثٍ جرى

كأنّها تسألُ : أينَ الَّذي

قَد صاغَنا أوباعَنا أو شرى

***

سطا البلى فاغتالَ أهلَ القبور

حتى غدوا فيها رُفاتاً نَثير

أينَ الطلى تتركني غائباً

أجهلُ أمر العيشَ حتى النشور

***

إذا سقاني الموت كأس الحمام

وضمَّكم بعدي مجال المدام

فأفردوا لي موضعي واشربوا

في ذكرِ مَن أضحى رهين الرجام

***

عن وجنة الأزهار شفَّ النقاب

وفي فؤادي راحةٌ للشراب

فلا تَنمْ فالشمس لما يزل

ضياؤها فوقَ الربى والهضاب

***

فكم علَى ظهرِ الثرى مِن نيام

وكم مِن الثاوينِ تحت الرغام

وأينما أرمي بعيني أرى

مشيّعاً أو لهزةً للحمام

***

يا ربْ في فهمك حَار البشرْ

وقصَّر العاجز والمقتدرْ

تَبعثُ نجواكَ وتبدو لهم

وهم بلا سمعٍ يعي أو بصَرْ

***

بيني وبينَ النفس حربٌ سجَال

وأنتَ يا ربي شديدَ المحُال

أنتظر العفو ولكنّني

خَجلان مِن علمك سوء الفعال

***

شقَّت يدُ الفجر سِتار الظلام

فانهض وناولني صبوح المدام

فكم تُحيّينا لهُ طلعةٌ

ونحنُ لا نملكُ ردَّ السلام

***

مُعاقروا الكأس وهم سادرون

وقائموا اللَّيل وهم ساجدون

غرقى حيارى في بحارِ الُنّهى

والله صاحٍ والورى غافلون

***

كُنّا فَصرنا قطرةٌ في عباب

عشنا وعُدنا ذرّةٌ في التراب

جئنا إلى الأرضِ ورحنا كما

دبَّ عليها النمل حيناً وغاب

***

لا أفضح السرّ لعالٍ ودون

ولا أطيل القول حتى يبَين

حالي لا أقوى علَى شرحها

وفي حنايا الصدر سرّي دفين

***

أولى بهذى الأعين الهاجده

أن تغتدي في أُنسها ساهده

تَنَّفَس الصبحُ فقم قبلَ أن

تحرمهُ أنَفَاسنا الهامده

***

هل في مجالِ السكون شىءٌ بديع

أحلى مِن الكأسِ وزهرُ الربيع

عجبتُ للخمّار هل يشترى

بمالهِ أحسنَ مما يبيع !0

***

هوى فؤادي في الطلى والحباب

وشجو أذني في سماعِ الرباب

إن يَصغْ الخزّاف مِن طينتي

كوباً فأترعُها ببرد الشراب

***

يا مدَّعي الزهدَ أنا أكرمُ

مِنكَ ، وعقلي ثملاً أحكمُ

تَستنزفُ الخلقَ وما أستقي

إلاّ دمُ الكرم فمَن آثمُ

***

الخمَرُ كالورد وكأس الشراب

شفّت فكانت مثل وردٍ مُذاب

كأنَّما البدر نَثا ضوءهِ

فكان حوَل الشّمس منهُ نقاب

***

لا تَحسبوا أنّي أخاف الزمان

أو أرهب الموت إذا الموت حان

الموت حقٌ . لَستُ أخشى الردى

وإنَّما أخشى فوات الأوان

***

لا طيبَ في الدُنيا بغيرِ الشراب

ولا شجيَّ فيها بغيرِ الرباب

فكّرت في أحوالهِا لم أجد

أمتعُ فيها مِن لقاءِ الصحاب

***

عش راضياً واهجر دواعي الألم

واعدل مع الظَالم مهما ظلَم

نهايةُ الدُنيا فناءٌ فَعش

فيها طليقاً واعتبرها عدم

***

لا تأمل الخلَّ المقيم الوفاء

فإنَّما أنتَ بدنيا الرياء

تحمَّل الداء ولا تلتمس

لهُ دواءً وانفرد بالشقاء

***

اليوم قَد طابَ زمان الشباب

وطابت النفس ولذَّ الشراب

فلا تَقُل كأس الطلى مُرّةٌ

فإنَّما فيها مِن العيشِ صاب

***

وليسَ هذا العيش خلداً مقيم

فما اهتمامي مُحدثٌ أم قديم

سنَترك الدُنيا فما بالنا

نضيّعُ منها لحظَات النعيم

***

حتَّامٌ يُغري النفس برقّ الرجاء

ويُفزع الخاطَر طيف الشقاء

هات اسقنيها لَستُ أدري إذا

صعَّدتُ أنفاسي رددتُ الهواء

***

دنياكَ ساعات سُراع الزوال

وإنَّما العُقبى خلود المآل

فهل تَبيع الخُلد يا غافلاً

وتشتري دنيا المُنى والضّلال

***

يامَن نسيتَ النار يوم الحساب

وعفَت أن تشربَ ماء المتَاب

أخافُ إن هبَّت رياح الردى

عليكَ أن يأنفَ مِنكَ التراب

***

يا قلب كم تشقى بهذا الوجود

وكلّ يوم لك همٌ جديد

وأنتِ يا روحي ماذا جنَتْ

نفسي وأُخراكِ رحيلٌ بَعيد

***

تناثرتْ أيام هذا العمرْ

تنَاثرُ الأوراق حوَل الشجرْ

فانعم مِن الدُنيا بلذّاتها

مِن قبلِ أن تسفيكَ كفّ القدر

***

لا توحشَ النفس بخوف الظّنون

واغنم مِن الحاضرِ أمَنْ اليقين

فقد تساوى في الثرى راحلٌ

غداً وماضٍ مِن ألوف السنين

***

مررتُ بالخزّاف في ضحوةٍ

يصوغُ كوب الخمَر مِن طينةٍ

أوسعَها دعّاً فقاَلت لهُ

هل أقفرَتْ نَفسُكَ مِن رحمةٍ

***

لو أنّني خُيَّرت أو كانَ لي

مفتاحُ باب القدر المقفلِ

لاخترتَ عن دنيا الأسى أنّني

لم أهبطَ الدُنيا ولم أرحلِ

***

هبطتُ هذا العيش في الآخرين

وعشتُ فيه عيشةَ الخاملين

ولا يوافيني بما ابتغي

فأينَ منّي عاصفات المنون

***

حكمكِ يا أقدار عين الضّلال

فأطلقيني آدُ نفسيَ العقال

إن تُقصري النّعمى علَى جاهلٍ

فلست مِن أهل الحِجا والكمَال

***

إذا سقاكَ الدهر كأس العذاب

فلا تُبنْ للناس وقعَ المصاب

واشرب علَى الأوتارِ . رنّانةٌ

مِن قبلِ أن تُحطّمَ كأس الشراب

***

لا بدَّ للعاشق مِن نشوةٍ

أو خفّةٍ في الطبعِ أو جنّةٍ

والصحو بابَ الحزن فاشرب تكنْ

عن حالةِ الأيام في غفلةٍ

***

أنا الَّذي عشتُ صريع العقار

في مجلسٍ تحييهِ كأسٌ تُدَار

فَعُد عن نصحي . لقد أصبحَت

هذى الطلى كلّ المُنى والخيَار

***

أعلمُ مِن أمري الَّذي قَد ظهَر

واسْتَشِفّ الباطن المستتر

عدمت فهمي أن تكنْ نشوتي

وراءها منزلةٌ تُنتَظَرْ

***

طارت بي الخمَر إلى منزلٍ

فوق السماك الشاهق الأعزلِ

فأصبحَتْ روحي في نجوةٍ

مِن طينِ هذا الجسد الأرذلِ

***

سئمتُ يا ربي حياةَ الألم

وزاد همّي الفقر لما ألمّ

ربي انتشلني مِن وجودي فقد

جعلتَ في الدُنيا وجودي عدَم

***

لم يخل قلبي مِن دواعي الهموم

أو تَرضَ نفسي عن وجودي الأليم

وكم تأدبتَ بأحداثهِ

ولم أزل في ليلِ جهلٍ بهيم

***

اللهُ قَد قدّر رزق العباد

فلا تؤمّل نيلَ كلّ المراد

ولا تُذِق نفسكَ مُرّ الأسى

فإنَّما أعمارنا للنفاد

***

إن الَّذي يعرف سرّ القضاء

يرى سواء سعده والشقاء

العيش فانٍ فلندع أمرهِ

أكانَ داءً مسَّنا أم دواء

***

يا طالب الدُنيا وقيتَ العثَار

دع أمل الربح وخوف الخسَار

واشرب عتيق الخمَر فهي التي

تفكَّ عن نفسك قيد الإسار

***

الكأس جسم روحهِ الساريه

هذى السلاف المزّةَ الصافيه

زجاجها قَد شفَّ حتى غدا

ماءً حوى نيرانها الجاريه

***

قَد ردّد الروض غناء الهزار

وارتاحت النفس لكأس العقار

تبّسم النّور فقم هاتها

نثأرُ مِن الأيامِ قبلَ الدمار

***

بي مِن جفاءِ الدهر همٌ طويل

ومِن شقاءِ العيش حزنٌ دخيل

قلبي كدنّ الخمَر يجري دماً

ومقلتي بالدمعِ كأسٌ تسيل

***

وكلّما راقبتُ حال الزمن

رأيتهُ يحرمُ أهل الفطن

سُبحان ربي . كلّما لاحَ لي

نجمٌ طوته ظُلمات المحَن

***

ماذا جنينا مِن متاعِ البقاء ؟

ماذا لقينا في سبيلِ الفناء ؟

هل تُبصر العين دُخان الألى

صاروا رماداً في أتونِ القضاء

***

تلكَ القصور الشاهقات البناء

منازلُ العزّ ومجلى السناء

قَد نعبَ البوم علَى رسمِها

يصيحُ : أينَ المجد ، أينَ الثراء

***

هوّن علَى النفس احتمَال الهموم

واغنم صفَا العيش الَّذي لا يَدوم

لو كانت الدُنيا وفَتْ للألى

راحوا لما جاءكَ دور النعيم

***

وإنَّما الدهرُ مُذيق الكروب

نعيمهُ رهنٌ بكفّ الخطوب

ولو درى الهمّ الَّذي لم يجىء

دنيا الأسى لاختار دار الغيوب

***

صبَّتْ علينا وابلات البلاء

كأنّنا أعداء هذا القضاء

بينا تَرى الإبريق والكأس قَد

تَبادلا التقبيل حوَل الدماء

***

تفتّح النوَّار صبّ المدام

واخلَع ثياب الزهد بين الأنام

وهاتها مِن قبلِ سطو الردى

في مجلسٍ ضمّ الطلى والغرام

***

حَار الورى ما بين كفرٍ ودين

وأمعنوا في الشكِ أو في اليقين

وسوف يدعوهم مُنادي الردى

يقولُ ليسَ الحق ما تسلكون

***

نَصبتَ في الدُنيا شرِاك الهوى

وقلت أجزي كلّ قلبٍ غوى

أتنصب الفخَ لصيدي وإن

وقعتُ فيه قلتَ غاصٍ هوى

***

أنا الَّذي أبدعت مِن قدرتك

فعشتُ أرعى في حمى نعمتك

دعني إلى الآثام حتى أرى

كيفَ يذوب الإثمُ في رحمتك

***

إن تُفصل القطرةُ في بحرها

ففي مداهُ منتهى أمرها

تقاربتْ يا ربْ ما بيننا

مسافةَ البُعد علَى قدرها

***

وإنَّما الدُنيا خيالٍ يزول

وأمرنا فيها حديثٌ يطول

مشرقها بحرٌ بعيد المدى

وفي مداهُ سيكون الأفول

***

جهلتِ يا نفسي سرّ الوجود

وغبتِ في غورِ القضاء البعيد

فصوَّري مِن نشوتي جنّةً

فربما أُحرمَ دار الخلود

***

يا ورد أشبَهتَ خدود الحسان

ويا طلى حاكيتَ ذوب الجمان

وأنتَ يا حظَّي تَنكَّرْتَ لي

وكُنتَ مِن قبلِ الأخَ المستعان

***

أولى بكَ العشق وحسو الشراب

وحَنَّةُ النّاي ونوح الرباب

فأطلق النفس ولا تتصل

بزخرُف الدُنيا الوشيك الذهاب

***

لا تَشغل البَال بأمر القدر

واسمع حديثي يا قصير النظر

تنحْ واجلس قانعاً وادعاً

وانظر إلى لعبِ القضاء بالبشر

***

يا قلب إن ألقيتَ ثوب العناء

غدوتَ روحاً طاهراً في السماء

مقامك العرش ترى حطَّة

أنكَ في الأرضِ أطلتَ البقاء

***

إن الَّذي يَذبل زهر الربيع

ينثر أوراقَ وجودي الجميع

والهمُّ مثل السمَّ ترياقهُ

في الخمَرِ فاشرب قدَر ما تستطيع

***

زجاجةُ الخمَر ونصف الرغيف

وما حوى ديوان شعرٍ طريف

أحبُّ لي أن كُنتَ لي مُؤنساً

في بلقعٍ مِن كلّ مُلكٍ منيف

***

أتَسمع الديكَ أطاَل الصياح

وقَد بدا في الأفقِ نور الصباح

ما صاحَ إلاّ نادباً ليلةً

ولَّتْ مِن العمرِ السريع الرواَح

***

علامَ تشقى في سبيلِ الألم

ما دمتَ تدري أنكَ ابن العدم

الدهرُ لا تجري مقاديرهُ

بأمرنا فارضْ بما قَد حكَم

***

تحملُ الداء كبير الرجاء

أنكَ يوماً ستنال الشفاء

واشكر علَى الفقر الَّذي إن يَرد

أصبحَت موفور الغِنى والثراء

***

ليتك يا ربي تُبيد الوجود

وتَخلق الأكوان خَلقاً جديد

فتُغفلَ اسمي أو تزيد الَّذي

قدّرتَ لي في الرزقِ بين العبيد

***

وصلتني بالنفس منذُ القدم

فكيفَ تفري شملَنا الملتئم

وكُنتَ ترعاني فماذا دعا

إلى اطراحي للأسى والألم

***

هات الطلى فالنفس عما قليل

توشكُ مِن فرطِ الأسى أن تسيل

عساي أنسى الهمَّ في نشوتي

مِن بعدِ رشفي كأسها السلسبيل

***

يا ساقي الخمَر أفق هاتها

ثمَّ اسقني سائلَ ياقوتها

فإنَّها تبعثُ مِن روحها

نفسي وتحيي ميّتَ لذّاتها

***

صبَّ مِن الإبريقِ صافي الدماء

واشرب وهات الكأس ذات النقاء

فليسَ بين الناس مَن ينطوي

علَى الَّذي في صدرها مِن صفَاء

***

أينَ طهور النفس عفُّ اليمين

وكيفَ كانت عيشةَ الصالحين

إن كُنتَ لا تَغفر ذنبي فما

فضلُكَ يا ربي علَى العالمين

***

ابدعتَ فينا بيَّنات العِبَر

وصغتنا يا ربْ شتّى الصور

فهل أطيق اليوم محوَ الَّذي

تركتهُ في خلقتي مِن أثر

***

طبائعُ الأنفس ركّبتها

فكيفَ تجزي أنفساً صغتها

وكيفَ تُفني كاملاً أو ترى

نقصاً بنفسٍ أنتَ صوّرتها

***

تُخفي عن الناس سنَا طلعتك

وكلُّ مافي الكون مِن صنعتك

فأنتَ مجلاهُ وأنتَ الَّذي

تَرى بديع الصُنع في آيتك

***

يا ربْ مهّد لي سبيلَ الرشاد

واكتب لي الراحةَ بعدَ الجهاد

وأحييِ في نفسي المُنى مثلما

يحيىَ موات الأرض صوب العهاد

***

لن يرجعَ المقدار فيما حكَم

وحملكَ الهمّ يُزيد الألم

ولو حزنتَ العمر لن يَنمَحي

ما خطّهُ في اللوحِ مُرّ القلم

***

ولىَّ الدجى قم هات كأسَ الشراب

كأنَّما الياقوت فيها مُذاب

واحرق مِن العودِ بخوراً وخذ

مِن غصنهِ المعطار واصنع رباب

***

الخمَرُ توليكَ نعيم الخلود

ولذّة الدُنيا وأُنس الوجود

تُحرقُ مثل النار لكنّها

تجعلُ نار الحزن ماءً بروَد

***

عيشي مِن أجلِ الطلى مستحيل

فإنَّها تشفي فؤادي العليل

ما أعذب الساقي إذا قالَ لي

تناول الكأس ورأسي يميل

***

أولى بهذا القلب أن يخفقا

وفي ضرامِ الحبّ أن يُحرَقا

ما أضيعَ اليوم الَّذي مَرّ بي

مِن غيرِ أن أهوى وأن أعشقا

***

سارع إلى الّلذات قبل المنون

فالعمر يطويهِ مرور السنين

ولَستُ كالأشجار إن قُلّمتْ

فروعها عادت رطاب الغصون

***

إنَّ الألى ذاقوا حياةَ الرغد

وأنجزَ الدهرُ لهم ما وعَد

قَد عصفَ الموت بهم فانطووا

واحتِضِنوا تحتَ تراب الأبد

***

نفسي خلت مِن أُنسِ تلكَ الصحاب

لما غدوا ثاوينَ تحتَ التراب

في مجلس العمر شربنا الطلى

فلم يفق منّا صَريعُ الشراب

***

ولَستُ مهما عشت أخشى العدَم

وإنَّما أخشى حياةَ الألم

أعارني الله حياتي وعن

حقوقهِ استرداد هذا النسَم

***

قالوا امتنع عن شربِ بنت الكروم

فإنّها تورث نار الجحيم

ولذّتي في شربِها ساعةٍ

تعدلُ في عينيّ جِنان النعيم

***

إن دارتْ الكأس ولذَّ الشراب

فكنْ رضيّ النفس بين الصحاب

واشرب فما يجدُ بكَ هجَر الطلى

إن كانَ مقدوراً عليكَ العذاب

***

شيئان في الدُنيا هما أفضلُ

في كلّ ما تنوي وما تعملُ

لا تتّخذ كلَّ الورى صاحباً

ولا تنل مِن ما يؤكلُ

***

لو كانَ لي قدرةَ ربٌ مجيد

خَلَقتَ هذا الكون خَلقاً جديد

يكون فيهِ غير دُنيا الأسى

دُنيا يعيشُ الحر فيها سعيد

***

إذا بلغتَ المجد قالوا زنيم

وإن لزمتَ الدار قالوا لئيم

فجانب الناس ولا تلتمس

معرفةً تُورث حَمل الهموم

***

خيرٌ لي العشق وكأس المدام

مِن ادعاءِ الزهد والاحتشام

لو كانت النار لمثلي خلَت

جنّات عدن مِن جميعِ الأنام

***

عبدكَ عاصٍ أينَ مِنكَ الرضاء

وقلبهُ داجٍ فأينَ الضياء

إن كانت الجنّةُ مقصورةً

علَى المطيعين فأينَ العطاء

***

أهل الحِجا والفضل هذى العقول

قَد حاولوا فهَم القضاء الجليل

فحدّثونا بعض أوهامهم

ثم احتواهم ليلُ نومٍ طويل

***

يا عالم الأسرار علمَ اليقينْ

يا كاشف الضّرَ عن البائسينْ

يا قابل الأعذار فئنا إلى

ظلّك فأقبل توبةَ التائبينْ

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

وماذا سيحدث , لو لم نُغيّر قناعاتنا ؟

وماذا سيحدث , لو لم نُغيّر قناعاتنا ؟
رعد الحافظ
raad57dawood12@yahoo.com
تزدحمُ الأفكار في رأسي أحياناً , كما يزدحمُ السير وقت خروج الموظفين من دوامهم , فلا أهنأ بنوم حتى اُفرّغ بعضها على الورق .
مشاكلنا نحنُ العرب والشعوب المشتركة في العيش معنا عويصة غالباً عميقة في جذورها تمتد حيثُ الأزل .
بعضها يتعلق حتى بطريقة عيشنا وتفكيرنا وتكاثرنا وحبنّا وكرهنا وتبخر نصف مواردنا الإقتصادية ( الناتجة من باطن الأرض بلا تعب منّا ) على مظاهر التديّن بينما النصف الآخر يتوزّع بين الفساد وتفاصيل الإستهلاك اليومي , وجزء أقلّ من اليسير فقط هو للبناء والنهوض والتطوير هذا لو وجد تطوير بمعنى الكلمة !
******
لا أنتوي ( مُبارك ) مُناقشة تفاصيل هذه المقدمة في مقالة واحدة .
لكن سأختار فقرة من بينها / الخطأ في المفاهيم والإصرار عليه !
مايعني عكس الموضوع المهم / لماذا يُغيّر المثقفون قناعاتهم ؟
هذا الذي تردّد كثيراً هذا الإسبوع , وناقشه العديد من الأساتذة الأفاضل .
أنا أجلب إنتباهكم ( للبديل ) وأتسائل / ماذا سيحدث لو لم نُغيّر قناعاتنا مُطلقاً ؟
هل سيكون وفاءً للمبادىء , ونأياً بالنفس عن الإنتهازية والبرغماتيّة ؟
أم محضَ جمودٍ فكري يقود الى الركود أو حتى / النزول الى الحضيض ؟
*******
سأبتعد عن مثال الشيوعيّة والماركسيّة قدرَ الإمكان , وإحتمال تحوّل المرء منهم الى الليبراليّة كنظام وفكر مفتوح لكل الإحتمالات بمعنى الحريّة الفكرية
كي لا اُروّج لسلعتي !
فقد أشبع الموضوع الرفاق والأساتذة المختصين بهِ , بحثاً وآراءً وحواراً !
مع ذلك مازال ثمّة نفرٍ ضال ( كلّ واحد منهم يُسمي نفسه حزباً ,يقف أمام المرآة ويخاطب نفسهِ هناك إجتماع فلنحضر ) يتغنى حول الإضطهاد والمؤامرة والتصهين وترك المباديء , فمَنْ يضطهد مَنْ ؟ وعن أيّ مبادىء يتحدثون ؟
على كلٍ ,الشيوعي العنيد فؤاد النمري المعروف بصراحتهِ وجرأتهِ جاءّ بالقولِ الفصل عن مبادىء الأدعياء, فقال نصاً ما يلي :
{ أعيد وأكرّر أنّ الماركسي الشيوعي بلا مبادئ , لذلك هو غير قابل للإنجماد }
تعليق / 23 الجمود العقائدي , في مقالهِ / لماذا يُغيّر المثقفون قناعاتهم ؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296142
بالنسبة لي خلاص خلصنا , إنتهت الحفلة وسمعتُ أفضل لحن ختامي / رُفعت الأقلام وجفّت الصًحف !
ويقولون المبادىء لا تتجزأ ! فأين مبادىء هؤلاء الذين لايجيدون سوى الشتائم ؟ فإن لم يجدوا خصوماً شتموا رفاق الأمس !
هؤلاء ينسون أنّ الأكاذيب لا تتناقض مع الحقائق فقط , بل تتصارع مع ذاتها حسب / دانيال وبستر .
سأرّكز اليوم على مثال آخر واضح للعيان عاشته شعوبنا في القرن الأخير وجلب لنا البؤس والخراب والويل والثبور .
ومازلنا ندفع ثمن الإصرار على الجمود الفكري فيه .
إنّهُ موضوع الوحدة العربية والقوميّة العربية والاُمّة العربية الواحدة !
مُقابل فكرة الأقطار والأقاليم وحقوق الأقليّات , في تكوين دولها المستقلة حسب رؤيتها .
ولن أتطرّق للمثال العراقي الحالي ودعاوي الأقاليم , لكي لا يُساء فهمي ويحدث الخلط في المقاصد , فأبدو داعياً الى التجزئة وتقسيم البلد في هذا الوقت الحرج وينبري أصحاب الألسنة القاطعة والمهرجون , ليشبعوا رقصاً في الجنازة .
وحقيقةً أنا ضدّ تقسيم العراق قلباً وقالباً, ربّما من لهفتي عليه كوني بعيد عنهُ !
لكنّي مع نظام الكومونات (البلديات ) , كما في السويد بكلّ تجلياتهِ الرائعة . اُكرّر هذا ليس أيضاً , موضوعي اليوم .
*************
كيف نشأت الدعاوي القوميّة العربية ؟
ألا تتعارض القوميّة مع الدين الواحد , أم أنّ جميع العرب يجب أن يكونوا مسلمين ؟
بإختصار ودون الغوص في الكتب , لكن من الواقع والتأريخ القريب المتفق عليه يُجمع أغلب المتابعين , على أنّ الدعوة القوميّة تنامت حوالي الحرب العالمية الأولى .أيّ منذُ بداية القرن العشرين الى حوالي سبعة أو ثمانية عقود منهُ
معناها من الكواكبي والأفغاني ومحمدعبده , ثمّ ساطع الحصري ومروراً ببعض مسيحي الشام كقسطنطين زريق وميشيل عفلق , ثمّ جمال عبد الناصر ( الجمهورية العربية المتحدة ) , وحزب البعث الفاشي بمختلف شخوصه ( رفعوا شعار من المحيط الى الخليج امّة عربية واحدة )
وأخيراً / الأخضر القذافي الذي إنتهى حُلمهِ كملك ملوك العرب وأفريقيا الى إخراجهِ من زنكة ليبية بلونين .( ماذا حدثَ لإبنهِ سيف الإسلام ؟ )
حتى صُديماً عندما إحتل الكويت قال يومها / عودة الفرع الى الأصل في أولى الخطوات العمليّة , للوحدة العربيّة الكُبرى . نعم هكذا يُفكّر الطغاة !
***********
عندما يشتد النقاش ويحضر التخوين وتحضر المؤامرة , ماذا يقول الأدعياء ؟
يقولون , الأنكليز والفرنسيين ( الإستعمار القديم ) هم الذين دعموا الفكرة القوميّة لدى شعوب المنطقة بداية ق 20
لغرض في نفس ( إبراهامي ) لكي يعزلوهم عن الرجل المريض العثماني , ليسهل إحتلالهم .
دليل هؤلاء , هو تدبير الإنكليز ودعمهم للشريف حسين وأولادهِ , في الثورة العربية الكُبرى , التي يعتبروها أولى مظاهر القومية العربية .
حسناً , لكنّهم ( في موجة تناقض معروفة عنهم ) , يعودوا للقول , أنّ الإنكليز والفرنسيين أجهزوا على الأحلام القوميّة العربية بعد بضعة سنوات
في إتفاقيّة سايكس بيكو ,عندما تقاسموا إرث الرجل المريض .
يعني ( أنا مع حقوق المرأة ثم القضاء على المرأة ) , لماذا أحتاج هذه الجملة لعادل إمام في كلّ مقال ؟ كم هي قويّة وصامدة نظرية المؤامرة !
هناك تناقض آخر شنيع وقضيّة حقوق الأكراد بدولتهم وعدم سماح الإستعمار بها , فهل كان الإستعمار مع مزيد من التقسيم أمّ ضدّه ؟
ثم السؤال الأهم / تقسيم ماذا ؟ هل كان ثمّة وطن واحد موّحد لهُ رئيس وبرلمان واحد جاء الإستعمار فقسّمه ؟
أم أنّ الإحتلال العثماني ليس إحتلالاً ؟ ويقلك تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ .
وفي الثلاثينات والأربعينات من ال ق 20 كانت طريقة هتلر ونازيتهِ القوميّة ألهبت الحماس عند أصدقائهِ العرب ( أمين الحُسيني مثلاً )
فحلموا ببناء ألمانيا العربية , قبل أنْ يُحسنوا التصرف في المحافظة على دولة فلسطين .
حتى الجامعة العربيّة هي من تجليّات أعمال الإستعمار , أليس كذلك ؟
لكن من جهة اُخرى , لازم نرسي على برّ , ليتجانس القول مع المنطق .
إذا كانت الأفكار القوميّة خير , فمن جاء بها يُريد الخير لنا , أليس كذلك ؟
وإنْ كانت نتائجها ( الوحدة مثلاً ) شرّ , فلابّد لنا التخلص من قبضتها وتغيير أفكارنا وقناعاتنا حولها , أليس هذا هو المنطق السليم ؟
***********
الخلاصة
مادامت الحياة مستمرة سنحتاج الى التغيير والتطوير وتبديل القناعات , دون إشتراط خسارة المبادىء الإنسانيّة . طبيعة البشر والحياة يتطلب هذا التغيير !
سأتكيء طويلاً على جملة النمري حتى يتمكن الأدعياء من نقضها .
فهي حسمت الأمر ضدّ هجومهم على الأستاذ الكبير عزيز الحاج ,لذلك سأكرّرها
{ أعيد وأكرّر أنّ الماركسي الشيوعي بلا مبادئ , لذلك هو غير قابل للإنجماد }
إنظروا ماذا إستقر في وجدان العرب اليوم ؟ أشياء عديدة من بينها ما يلي :
الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح .( ألا تُفضلون تبديل تلك القناعة؟ )
أمريكا هي عدوة الشعوب على طول الخط . ( نفس السؤال السابق )
الوحدة كيفما كانت / خير وتعاون وقوّة . والفرقة والإنفصال / شرّ مُطلق وضعف يقود للصراع والقتال بينهم .
هم معذورين في هذا الفهم , نظراً لماضيهم وصراعهم القبلي منذُ الجاهليّة الى يومنا .
لكن من جهة ثانية , إنظروا للمثال اليمني ( الحيّ ) وهم أصل العرب , ومشكلتهم اليوم الأهم , هي طلب الإنفصال لكراهيّة الجنوبيين لها .
( حتى في ورطة وحدة اليمن , صدام لهُ يد )
اليمنيون الجنوبيين أنا شاهدتهم عن كثب ,هم أقلّ تشدّداً بمظاهر التديّن من الشماليين , نسائهم تكتفي بالحجاب غالباً دون النقاب ومدنهم قريبة من البحر ويمكنهم الاتصال بالعالم .
بينما الشماليين يحبّون القات والعزلة عن العالم !
حال اليمنيين مع الوحدة كمن وضع قدمهِ الأولى ثم فَطنَ الى اللغم المزروع ,فلا هو يستطيع المضي الى الأمام ولا يستطيع سحب قدمهِ والتراجع خشية الإنفجار .
ونصيحتي لهم لو شاؤوا / إصغوا الى صوت الشعب الجنوبي في إستفتاء حرّ تراقبهُ الأمم المتحدة .
لأنّ أصوات أدعياء القوميّة والوحدة والجهجهون تشّق الآذان فلا نسمع صوت العقل !
التجزئة لا تعني في العصر الحديث سوى نيل الأقليات حقوقها المشروعة ,بعدها يمكن حدوث الإتحادات الإقتصادية والتجاريّة والسياسيّة , كالإتحاد الأوربي .
إنظروا الى مثال يوغسلافيا التي تفاقمت فيها المشاكل والحروب حتى تقسّمت الى ست دول . ثم الآن تدخل الواحدة تلو الأخرى ضمن الإتحاد الأوربي .
حتى إسكتلندة ممكن أن تستقل عن بريطانيا , لا أحد يخشى ذلك اليوم والأمور متروكة للإستفتاء الشعبي . لأنّهُ عملياً , سيزداد التعاون .
مخاطر الحروب في أوربا إنحسرت اليوم كثيراً , بسبب وعي الشعوب لدمارها وليس بسبب الشعارات القوميّة البائسة التي ألهبت تلك الحروب .
بينما بعض العرب ما زالوا مُصّرين على تلك الأفكار , أفلا ينبغي تغييرها ؟
أخيراً / ظاهرة التكذيب والتشكيك !
لماذا أوّل ما يخطر ببال المعارض لفكرة الكاتب هو أنّهُ كاذب يُراوغ يزوّر الحقائق ليخدع القراء والتأريخ ؟
هنا أقصد مثال الأستاذ عزيز الحاج وسلسلة مقالاتهِ الأخيرة عن كتاب حنّا بطاطو وما ثار حولها من حوار إنقلب عند ضعاف النفوس الى هرج ومرج وردح يثير الغثيان عند العقلاء .
لماذا تفترض مجتمعاتنا الكذب أولاً ؟ يعني أنتَ كاذب حتى يثبت العكس . ولماذا لايكون المتحدث صادق حتى يثبت العكس ؟
لا أنسى جواب معلمّة اللغة السويدية ,في السنة الأولى , عندما قلت لها / وماذا لو كان كاذباً ؟
نظرت اليّ بتعجب لترى أنّها فهمت قصدي وسألتني / ولماذا سيكذب ؟
فبصورة عامة هم لايكذبون لأنّهم أحرار لايخشون شيئاً طالما هم ملتزمين بالقانون العام .
سألتني صديقتي العراقيّة وهي من عائلة شيوعيّة وقُتل أخاها في النضال , حتى اُمّها العجوز ما زالت شيوعيّة تتابع أخبار الحزب الذي صارَ أحزاباً بالعشرات .
قالت : لماذا حشرتَ نفسكَ في قضيّة جدليّة كقصّة عزيز الحاج ؟
قلتُ لها : كلّما يحتاجه الشرّ لينتصر , أن يقف الأخيار لايعملون شيئاً ! حسب الفيلسوف الإيرلندي إدموند بيرك

تحياتي لكم
رعد الحافظ
23 فبراير 2012

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا, فكر حر | 1 Comment