خداع وتنتاقضات القرضاوي 2

خداع وتنتاقضات القرضاوي 2

كامل النجار

قدم الشيخ القرضاوي حلقة في برامج “الشريعة والحياة” يوم الخميس 10 أبريل 2008، عنوانها “معنى التسامح وملامحه في الإسلام”. وبعد أن شرح الشيخ معنى كلمة “تسامح” من الناحية اللغوية، قال (كلمة التسامح قلما عرفت بهذا المعنى عند الأقدمين فهي من المصطلحات المحدثة التي شاعت في ظلال الثقافة العربية الحديثة، وتعني التساهل مع المخالف، الرفق مع المخالف، عدم التشدد مع من يخالفه. لا يحمل هذا المعنى أي معنى أنك بتمن على الآخر، لا، هذه في معاني بطبيعتها لما تقول البر، لما تبر بالآخرين يعني معناها تمد يد المعونة وكذا، هذا ليس معناه أنك تمنن عليه، هذا المن يفسد البر كما قال تعالى {..لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى..}[البقرة:264]) انتهى.
ليت الشيخ يبين لنا متى شاع مصطلح التسامح في الثقافة العربية الحديثة، ومن هم الذين أشاعوه. هل هم خطباء المساجد الذين يلعنون اليهود والنصارى في كل بلد إسلامي وفي كل خطبة ويسألون الله أن يقطع دابرهم وينصر المسلمين عليهم؟ هل هم الحكام المسلمون الذين برعوا في تعذيب وقتل المخالف لهم؟ أم هم وعاظ الوهابية الذين كتبوا عدة كُتب في شتم الشيخ القرضاوي نفسه وسموه “الكاذب العاوي يوسف القرضاوي”؟ وغريب أن يسارع الشيخ بإنكار المن في تعامل المسلمين مع غيرهم. فالمسلمون يعتبرون أي شيء يقدمونه للآخر تنازلاً وكرماً من جانبهم يمنون به على الآخر. حتى حوارهم الشكلي مع بابا الفاتيكان يعتبرونه مناً منهم على البابا ولذلك علقوا الحوار عندما ألقى البابا محاضرته المشهورة في ألمانيا، كأنما البابا هو الوحيد المستفيد من مثل هذا الحوار. وليس غريباً أن يمن المسلمون على الآخر لأن القرآن يخبرهم أن الله نفسه قد منّ على العرب، فقال لنبيه (يمنون عليك أن اسلموا قل لا تمنوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (الحجرات 17). وقال كذلك (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) (إبراهيم 11). فالمن ليس غريباً على المسلمين.
وكان لابد للشيخ أن يذكر المقولة المحفوظة (لأن الإسلام كما شرحنا دائما هو دين الاعتدال والوسطية والتوازن، لا يحب الغلو ولا التفريط يعني، ولذلك كان السلف يقولون ديننا هذا بين الغالي فيه والجافي عنه) ثم أردف في شرح هذا الاعتدال وقال (وحينما بعث {الرسول} معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن أوصاهما بهذه الوصية الجامعة، قال: “يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا”، وحينما دخل أحد الأعراب وأراد أن يبول في المسجد، أعرابي جاي من البادية لم يتهذب بآداب الإسلام الجديدة، والمسجد لم يكن مفروشا بالحصير ولا بالسجاد، بالحصباء، فبدأ يبول هاج عليه الصحابة، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم “لا تزرموه” لا تقطعوا عليه بولته “وصبوا عليه ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”. فاتهام الإسلام بأنه دين التشدد أو دين التطرف هذا لا أصل له في تعاليم الإسلام، في نصوص الإسلام، في قواعد الإسلام، إنما وجد من بعض المسلمين للأسف في سائر العصور وخصوصا في عصرنا هذا وجد من المسلمين من يتسم بالتشدد ومن يتسم بالتطرف وبالغلو، وهذا يقاومه دائما أهل العلم) انتهى.
أولاً: قصة معاذ هي أبعد شيء عن التسامح، فكما روى البغدادي في تاريخه (وجاء معاذ وعند ابى موسى رجل، فقال هذا كان كافر اسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لا انزل ولا اجلس حتى يُقتل. قال فقتل) (تاريخ بغداد للبغدادي، ج3، ص 97). فمعاذ الذي بعثه رسول الله إلى اليمن وأوصاه أن يتسامح ولا يُعسر، رفض أن ينزل من على حماره حتى يُقتل الرجل الذي زعموا أنه قد ارتد، دون أن يسأل معاذ الرجل ويتأكد بنفسه أنه ارتد، ودون أن يحاول إقناع الرجل بالتوبة، إن كان فعلاً قد ارتد. فهل هذا هو التسامح الذي يتحدث عنه الشيخ؟ أما كون النبي قد سمح للأعرابي أن يبول في المسجد فلا يعني هذا أن الإسلام دين تسامح إنما يعني أن الدعوة كانت في أولها وكان الرسول يأمل في أن يكسب ذلك الأعرابي فيدخل في الإسلام، ولذلك تهاون معه. وحينما استقر الأمر للإسلام منع النبي المسلمين من دخول المسجد حتى بأحذيتهم، ناهيك عن البول فيه. ثم أن النبي كان يصطحب الحسن والحسين إلى المسجد وهما صغيران وكانا يبولان عليه وفي المسجد. ولا فرق بين بولهما وبول الأعرابي. والإسلام يبيح الصلاة في معاطن الإبل، أي في الأماكن التي تستريح وتبول وتُبعّر فيها الإبل. فما الفرق بين بول الإبل وبول الرجل العربي؟ ونشكر للشيخ أنه اعترف أن هناك بعض المتشددين في الإسلام. ولكن في الحقيقة فإن الإسلام نفسه مبني على التشدد. والشيخ يناقض الواقع عندما يقول إن أهل العلم يقاومون التطرف. من هم أهل العلم الذين قاموا التطرف. هل يقصد ابن تيمية أو ابن قيم الجوزية أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو الشيخ بن باز أم سلمان العودة أو الإمام أحمد بن حنبل؟ التطرف ليس حديثاً في الإسلام ولا غريباً عنه.
وفي مجافاة واضحة للواقع يقول الشيخ (. فالفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية والقواعد الإسلامية تسع الحياة وتجعل الحياة ميسرة لا معسرة) انتهى. الفقه الإسلامي الذي يجعل المرأة كلها عورة ويمنعها من الخروج من بيت زوجها إلا إلى قبرها، ويزوجها دون مشورتها وهي طفلة، ويمنحها نفقة ثلاثة أشهر فقط بعد طلاقها ويحرمها من أطفالها، ويبيح امتلاك وبيع العبيد وسبي النساء والأطفال، ويمنع الموسيقى والغناء، ويقول: اللهم قنا شر علم لا ينفع، ويقول إن خير العلوم هو علم الشريعة، مما قاد إلى تخلف المسلمين على مر العصور، هل هذا الفقه جعل الحياة ميسرة على المسلمين، ناهيك عن غير المسلم الذي فرض عليه الإسلام إعطاء الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، ومنعهم من الاستفادة من أموال الزكاة رغم أنه يجبي منهم الجزية والخراج؟ لا تناقضوا الواقع أيها الشيخ. فالخداع ما عاد ينطلي على الناس.
وعندما سأل مقدم البرمج الشيخ قائلاً (انطلاقا من ذلك فضيلة الدكتور، هل ترون أننا اليوم بحاجة إلى إشاعة ثقافة التسامح بين الناس؟) رد عليه الشيخ بقوله (نحن أحوج ما نكون إلى إشاعة هذه الثقافة. نريد أن تتسع الصدور لمن يخالفنا، لا نريد أن نضيق ذرعا بمن يخالفنا، نفتح له صدورنا، نرطب له ألسنتنا، نحاوره بالتي هي أحسن، ندعوه بالحكمة والموعظة الحسنة، ندعوه بالحب .. ثقافة الحب لا الكراهية، ثقافة الحوار لا الصدام، ثقافة التقارب لا التباعد، كل هذا يحث عليه الإسلام وفيه نصوص وفيرة من القرآن ومن السنة وفي من تراث السلف الكثير والكثير) انتهى.
لله درك أيها الشيخ. ما دام الإسلام يحث على تلك الصفات والقرآن مليء بالنصوص التي تحث عليها، لماذا نحن أحوج ما نكون إلى إشاعة هذه الثقافة الآن وبعد مرور ألف وأربعمائة عام من ظهور الإسلام؟ ألم تكن كل هذه القرون كافية لإشاعة هذه الثقافة بين المسلمين لو كان القرآن مليئاً بنصوص التسامح؟ والشيخ هنا يدخل في تناقض عجيب، إذ أنه أرغى وأزبد وغضب وخرج من مؤتمر حوار المذاهب الذي عُقد في الدوحة في يناير 2007 للحوار بين السنة والشيعة لطي صفحة الخلاف بينهما. وسبب غضب الشيخ هو أن الشيعة لم يلتزموا بوقف التبشير في البلاد السنية. وقد حدا هياجه وغضبه بالشيخ محمد باقر المهري، وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت إلى دعوة «اتحاد العلماء المسلمين» إلى عزل رئيسه، لأنه متشنج وغير متزن ويخضع لتأثير جماعات غسلت مخه، ويجب على من يشغل هذا المنصب أن يمثل الجميع، لا أن يحرض الحكومات ضد طائفة لمصلحة أخرى (الشرق الأوسط 26/1/2007). فإذا كان شيخ الوسطية يهيج ويرغي ويزبد ويطالب الشيعة بوقف التبشير في بلاد السنة، فماذا نتوقع من شيوخ الوهابية الذين يكفرّون الشيعة؟ وماذا نتوقع من المسلم العادي الأمي الذي لا يعرف من الإسلام إلا ما يراه ويسمعه من الشيوخ، مثل الشيخ القرضاوي؟ ومع ذلك يقول الشيخ: نفتح صدورنا لمن يخالفنا ونجادلهم بالتي هي أحسن. وفي تناقض واضح لهذه المقولة، ومما يُثبت أن الإسلاميين يقولون شيئاً ويفعلون ضده، قاطع الشيخ القرضاوي مؤتمر الأديان الذي عُقد بالدوحة في يونيو 2005 للحوار بين الأديان الثلاثة، احتجاجاً على مشاركة حاخامات من إسرائيل) (إيلاف 29/6/2005). وياله من فتح للصدور ومجادلة بالتي هي أحسن.
وعندما سأل مقدم البرامج الشيخ، قائلاً (لعل القرآن الكريم كما ذكرتم فضيلة الدكتور أبرز مصادر ثقافة هذا التسامح. ما هي أبرز ملامح التسامح، كيف تتجلى في القرآن الكريم)؟ رد عليه الشيخ بقوله (ملامح كثيرة جدا أبرزها الدعوة إلى الحوار، القرآن كله كتاب حوار، حوار بين الأنبياء وأقوامهم، حوار بين الله وعباده، حتى ربنا حاور الملائكة {..إني جاعل في الأرض خليفة ..}[البقرة:30]، حتى حاور إبليس يعني قال لإبليس {..ما منعك أن تسجد..}[ص:75] لآدم، {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال فاخرج منها فإنك رجيم) انتهى.
ياله من حوار يتعلم منه المسلمون آداب الحوار. الله حاور الملائكة بأن قال لهم: إني جاعل في الأرض خليفة. فلما قالوا له: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ رد عليهم بقوله: إني أعلم ما لا تعلمون. وكانت هذه نهاية الحوار. بمعنى آخر، قال لهم أنتم جهلاء لا تعلمون ما أعلم. ولذلك نسمع الإسلاميين يصفون كل من يحاورهم بأنه جاهل. حتى الشيخ نفسه وصف الدكتورة وفاء سلطان بالجهل، وهي لم تكن تحاوره شخصياً. وأما حوار الله مع إبليس كان كالآتي: لماذا لم تسجد لآدم عندما أمرتك؟ أجاب إبليس: أنا أحسن منه. خلقته من طين وخلقتني من نار. فرد عليه الله: أخرج من الجنة فإنك رجيم. انتهى الحوار. ياللتسامح ورحابة الصدر. إنها لغة العاطفة التي يخدع بها الشيخ البسطاء من الناس الذين يترنحون مع حركات يديه. ولكن كلام الشيخ يخلو من الحقائق.
ثم ينتقل الشيخ إلى مسألة التعدد العقدي والمذهبي، فيقول (وقلنا إن التعدد الديني واقع بمشيئة الله فمن يريد إلغاء التعدد الديني أو الاختلاف الديني كأنما يضاد مشيئة الله عز وجل التي أرادت للناس أن يكونوا مختلفين {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ..}[هود:118-119]، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين..}[يونس:99]، فهذا التعدد الديني واقع بمشيئة، ولذلك ربنا، ورغم كل هذا الاختلاف والتعدد لم يحاسب الناس عليه في الدنيا، يحاسب الناس عليه في الآخرة) انتهى.
ألا يناقض الشيخ نفسه هنا؟ يقول إن التعدد الديني والمذهبي هو مشيئة الله ومن يعارضه يعارض مشيئة الله، ثم يمنع الشيعة من التبشير بمذهبهم، ولا يعترف بالبهائية ويشترك مع بقية المسلمين في القول بأن اليهود أحفاد القردة والخنازير؟ وأشك أن القرضاوي يعتبر الشيعة من المسلمين، فالشيخ القرضاوي هو رئيس اتحاد العلماء المسلمين، ولو كان يعتبر الشيعة مسلمين، فهو رئيسهم ولا يجوز أن يمنعهم من التبشير، لأن رئيس الاتحاد لا يمنع أعضاء الاتحاد من ممارسة ما يمارسه هو. والقرآن يقول (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ونحن نقول للقرضاوي: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا سنيين؟ وماذا عن حاخامات اليهود الذين قاطع من أجلهم مؤتمر الدوحة للحوار؟ أليس دينهم بمشيئة الله؟
وعندما سأل مقدم البرامج الشيخ القرضاوي قائلاً (ذكرتم أن الاختلاف هو بمشيئة الله عز وجل وأنه نظريا، الخلاف رحمة. هل يعني التسامح الإبقاء على الخلاف دون معالجته؟) رد الشيخ (لا، لا مانع أن نعالج الخلاف ولكن المهم أن نقر بأن الخلاف لا بد واقع، نحن عالجنا هذا في حلقة سابقة وقلنا الاختلاف واقع، وهذ الاختلاف رحمة، الاختلاف ضرورة ورحمة وسعة، الاختلاف ضرورة، ضرورة دينية وضرورة لغوية وضرورة بشرية وضرورة كونية لأن ربنا خلق الكون {..مختلفا ألوانه..}[النحل:13]) انتهى.
وما دام الاختلاف ضرورة إلهية ورحمة للناس، لماذا لا يعترف الشيخ بالشيعة وبالبهائية والهندوسية والزرادشتية والبوذية والمانية والأيزدية والدرزية، وفوق كل ذلك بالمسيحية التي يسميها “النصرانية” وباليهودية. أيكفي أن نعترف بعيسى وموسى كأنبياء ثم نقول إن كتبهم محرّفة وهم أحفاد القردة والخنازير وهم الضالون؟ أيكفي أن نعترف بموسى وعيسى ثم نقول إن آخر الأنبياء قال (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) ونمنع بناء الكنائس والمعابد بالجزيرة العربية، مع أن الشيخ يقول إن الاختلاف والتعددية ضرورة إلهية ورحمة؟ أم أنها سياسة التحدث بلسانين؟
وعندما تعرض مقدم البرامج للعنف وقال (بالعودة إلى القرآن الكريم وأنه من أهم مصادر ثقافة التسامح في الإسلام، هناك بعض الآيات يفهم منها بعض المعادين للإسلام أنها تحض على العنف. هل في القرآن ما يحمل على العنف فضيلة الدكتور؟) رد الشيخ بالآتي: (بعضهم يقول في آية اسمها آية السيف زعموا أن دي آية السيف دي يعني نسخت 140 آية أو 200 آية أو كلام من ده، وحتى هذه الآية للأسف لم يحددوا أي آية هي، قولوا لنا آية السيف إيه؟ اختلفوا فيها ومعظم الآيات، أربع آيات ذكروها، لما تيجي تحللها لا تجد أنها آية سيف، أشهر الآيات هذه التي جاءت في الآية الخامسة من سورة التوبة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ..}[التوبة:5]، المشركون دول اللي هم أهل مكة الذين تعدوا الحدود ونقضوا العهود وفعلوا الأفاعيل بالمسلمين ثلاثة عشر عاما في مكة، ساموهم سوء العذاب وأخرجوهم من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.. وثمانية سنين، تسعة سنين في المدينة صدام مسلح دامي حرب مستمرة، وغزوا المسلمين في عقر دارهم مرتين أرادوا أن يستأصلوهم في غزوة أحد وغزوة الخندق، فهؤلاء الآية دي نزلت فيهم.. ربنا مع هذا أعطاهم مهلة أربعة أشهر قال {فإذا انسلخ الأشهر الحرم..} الأربعة الأشهر دي خلاص ما عادش لهم خيار {..خذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد..}) انتهى.
قد برع الشيخ في اللف والدوران. كل المفسرين من أمثال ابن كثير والقرطبي والطبري والجلالين قالوا إن الآية الخامسة من سورة التوبة هي آية السيف لأنها أمرت المسلمين أن يقتلوا المشركين أينما وجدوهم بعد انتهاء الأشهر الحرم. ولأن كلمة السيف لم تذكر في الآية حاول الشيخ أن ينكر وجودها. فهلا أخبرنا الشيخ بماذا أمرهم الله أن يقتلوا المشركين؟ هل أمرهم أن يقتلوا المشركين بالزهور والعطور؟ المفسرون سموها آية السيف لأن القتل وقتها كان بالسيف. وأغلبهم اتفق على أنها نسخت أكثر من 120 آية تسامح من القرآن المكي عندما كان محمد ضعيفاً ولا جيش له، ولذلك تسامح. يقول هبة الله ابن سلامة البغدادي (ت 410 هجرية) في هذه الآية (هذه الآية الناسخة، وذلك أنها نسخت من القرآن مائة آية، وأربعاً وعشرين آية) (الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة البغدادي، ص 128). ونفس القول نجده في “البرهان في علوم القرآن” للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، ج2، ص 40) أما قوله إن أهل مكة نقضوا العهود وفعلوا الأفاعيل، فقول لا سند له. هلا ذكر لنا العهود التي نقضوها؟ وما موقعة أحُد إلا ثأر لموقعة بدر التي هاجم فيها المسلمون قوافل مكة التجارية وقطعوا عليها الطريق. وإذا أراد الشيخ أن نعدد له الآيات القرآنية التي تحض على القتل وضرب الرقاب فإن ذلك من أسهل الأمور، ولكن يكفي أن نذكر له الآية الرابعة من سورة محمد (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فأما مناً بعد ذلك وأما فداء). يقول القرطبي في شرح هذه الآية (قال الزجاج: أي اضربوا الرقاب ضرباً. وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بها …. وقال: “فضرب الرقاب” ولم يقل فاقتلوهم، لأن في العبارة بضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن). هل يكفي الشيخ هذا الوصف الجميل لعملية قتل الكفار الذي يدل على تسامح الإسلام؟
ويقتصد الشيخ في الحقيقة اقتصادا واضحاً عندما يقول ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ..}[البقرة:193] حتى لا يفتن أحد عن دينه، لأنه هم كانوا يصادرون من يدخل في الإسلام ويعذبونه العذاب الشديد ويصبون عليه سياط الأذى والتعذيب، فيقول لا، لازم يترك الناس أحرارا {.. حتى لا تكون فتنة..) انتهى.
أولاً: الشيخ بتر الآية التي تقول (وقالتوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله). والدين عند الله هو الإسلام، كما هو معروف للجميع بحكم الآية (إنما الدين عند الله الإسلام) وكذلك (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). ثانياً: يقول ابن كثير في شرحه للآية (ثم أمر الله بقتال الكفار “حتى لا تكون فتنة” أي شرك، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم. “ويكون الدين لله” أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيحين – أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله”) فالشيخ القرضاوي أمام أمرين هنا: أما أنه يؤمن بما جاء في الصحيحين من أن النبي أمِرَ أن يقاتل الناس حتى يسلموا، وبالتالي تكون آية السيف صحيحة كما قال جميع المفسرين، أو أنه لا يصدق الأحاديث ويعتمد فقط على القرآن، ويكون قد أنكر السنة، وبالتالي فهو مرتد، حسب رأي فقهاء الإسلام. وحتى بدون الأحاديث، الآية هنا واضحة في عنفها. قالتوهم حتى يكون الإسلام هو الأعلى على جميع الأديان. يعني ناقضت هذه الآية قول الشيخ من أن التعددية والاختلاف ضرورة إلهية.
وفي نفاق يعلو ولا يُعلى عليه، يقول الشيخ (هناك دستور أخلاقي للحرب في الإسلام، دستور لا يقاتَل إلا من يقاتِل، لما وجد النبي امرأة مقتولة في.. غضب وأنكر ونهى عن قتل النساء والصبيان قال “لا تقتلوا امرأة ولا وليدا” طفل، لما تقارن بين هذا وبين ما جاء في التوراة، لا تستبقوا نسمة حية، تعاليم التوراة. بيقول لك “لا تقتلوا امرأة ولا وليد” ولا تقتلوا الرهبان في الصوامع ولا تقتلوا الحراث في أرضهم ولا تقتلوا التجار في متاجرهم، وبعدين نهى عن المُثلة لا يجوز أنه يُمَثل بالشخص بعد أن يموت يشوهه، حرم الإسلام هذا، حينما جاء لأبي بكر برأس واحد من قادة الفرس غضب فتح منديل كده وجد رأس، قال ما هذا؟ قالوا يا خليفة رسول الله إنهم يفعلون بنا ذلك، قال آتستاسون بفارس والروم؟! لا يحمل إلي رأس بعد اليوم، لا تحملوا هذه الجيف إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى.
أي دستور أخلاقي يتحدث عنه الشيخ؟ هل الذي يأمر بقتل النساء في السلم يتورع عن قتلهن في الحرب؟ من الذي أمر بقتل الشاعرة عصماء بنت مروان وهي ترضع طفلها؟ من الذي قال للمسلم الأعمى الذي قتل المرأة اليهودية التي كانت تٌحسن إليه “لا ينتطح فيها عنزان”؟ (الصارم المسلول في شاتم الرسول لابن تيمية، ج1، ص 50). من الذي أمر بقتل أم قرفة؟ (تاريخ الطبري، ج2، ص126). من الذي قتل زوجة حسن القريظي لأنها رمت بحجر يوم قتل جميع رجال بني قريطة؟ من الذي أمر بقتل أطفال بني قريظة الذين بدأ الشعر ينبت في عاناتهم؟ (نفس المصدر). وقد جمع الواقدي عن شيوخه أسماء من لم يؤمّن يوم فتح مكة وأمر الرسول بقتله وإن وجدوه متعلقاً بأستار الكعبة، وكانوا عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة. فالذي يأمر بقتل أربعة نسوة لأنهن هجونه بالشعر أو الغناء لن يتورع عن قتلهن في الحروب. والفقهاء قد أجازوا قتل أطفال ونساء الكفار، يقول ابن قيم الجوزية في الفوائد الفقهية المستنتجة من غزوة ثقيف التي رمى فيها النبي أهل ثقيف بالمنجنيق (و منها جواز نصب المنجنيق على الكفار، ورميهم به وإن أفضى إلى قتل مَن لم يُقاتل مِن النساء والذُرِّية) (زاد المعاد، ج3، ص 272). يقول مالك في المدونة (عن الليث بن سعد وعميرة بن أبى ناجية ويحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال لا بأس باتبغاء عورة العدو بالليل والنهار لان دعوة الاسلام قد بلغتهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى خيبر فقتلوا أميرهم ابن أبى الحقيق غيلة والى صاحب بنى لحيان من قتله غيلة وبعث نفرا فقتلوا آخرين إلى جانب المدينة من اليهود منهم ابن الاشرف) (المدونة ج3، ص 3). فهل الذي يغتال الناس غيلةً يتورع عن قتل نسائهم وأطفالهم في الحرب؟ وإذا كان الإسلام يمنع قتل النساء والصبيان، لماذا أباح فقهاء الإسلام قتل المسلمين الذين يتترس بهم العدو، حتى إن كانوا نساءً وأطفالاً؟ أما ماقاله أبو بكر يوم حملوا له رأس القائد الفارسي، فلا يبرهن على كرهه لقطع رؤوس الأعداء، فهو لم يقل: لا تقطعوا رؤوس الأعداء. وإنما قال (لا يُحمل إليّ رأس بعد اليوم، لا تحملوا هذه الجيف إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم). فهو لم يحترم رأس العدو القائد، فقال عنه “جيفة”، ولم يقل لا نريد أن نرى رؤوسهم مقطوعة، وإنما قال: لا تحملوها إلى مدينة الرسول. ويمكن لهم أن يحملوها إلى مدن أخرى، كما أثبت تاريخ الدولة العباسية الذي شهد مئات الآلاف من الرؤوس المقطوعة يطاف بها في المدن
سأل مقدم البرامج الشيخ ( ربما هذا يقودنا إلى سؤال فضيلة الدكتور، يعني التسامح مع من يكون، بين من ومن؟ وحول ماذا يكون هذا التسامح؟”.) فرد الشيخ (التسامح يكون بين المتخالفين في العقيدة بين المسلمين والنصارى، وفي المذهب بين السنة والشيعة، وفي الأيديولوجيات بين القوميين والإسلاميين، وفي العرقيات بين العرب والبربر”.) انتهى
يصدر هذا الكلام من شيخ غضب وأزبد وأرغى وخرج من مؤتمر الحوار بين السنة والشيعة. يا للتناقض ومحاولة تجميل صورة الإسلام بالكذب والنفاق. وأخيراً نقول للشيخ القرضاوي: هل يُصلح العطار ما أفسد الدهرُ؟

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

آن لكم أن تروا مَلِكَكم عارياً أيها المهللون!!

آن لكم أن تروا مَلِكَكم عارياً أيها المهللون!!

وفاء سلطان

النبأ يقول: أحدثت الحكومة السورية وزارة جديدة للمغتربين.
ـ وزارة للمغتربين؟! كان بودي أن أبكي فضحكت!!
زارت السيدة الوزيرة بثينة شعبان مؤخراً الجالية العربية في لوس أنجلوس حيث استقبلها قطيع كبير من المهلّلين والمصفّقين. أمطرتهم بخطاب طويل أثبتت من خلاله بالبرهان القاطع أنها تجاوزت حدّ الغباء الذي يُطلَبُ من الشخص في بلادنا أن يصل إليه كي يفوز بلقب الوزير، كما أكّدت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنها أهلاً لهذا المنصب!
***
عام 1990، وتحديداً في النصف الأول من ذلك العام، حضرتُ ندوة شعرية للشاعر الكبير المرحوم نزار قباني، أقيمت في فندق هيلتون في لوس أنجلوس. قدّم أحد الأشخاص الشاعر الكبير تقديماً رائعاً قال في آخره: نريد من الشاعر شعراً للتحريض والثورة!
سألت سيدة كانت تجلس بجواري: من هذا الرجل الشجاع؟! نظرت إلي باستغراب: ألا تعرفينه؟! إنه المخرج العالمي الكبير الأمريكي السوري الأصل مصطفى العقاد!
أثلجت كلماته صدري، وكنت يومها حديثة العهد جداً جداً في أمريكا، وقلت في سرّي: ما زالت الدنيا بألف خير طالما بقي هناك رجال يرون أنّ الوضع يحتاج إلى ثورة، والثورة تبدأ بكلمة!
منذ ذلك الحين وأنا أتصيّد أخبار هذا الرجل علّني أرى عالميته في تصريح.. في كلمة.. في موقف.. في مقال.. في مقابلة.. في فلم سينمائي يعكس مأساة الإنسان العربي وحقيقة وضعه، دون جدوى! لم أستطع أن أتقفى من آثاره سوى صوراً له تملأ موائد الحفلات المقامة على شرف المسعورين، غليونه ودخانه يملآن مساحة وجهه!!
قد يحتجّ عليّ قارئ: كان القطيع المصفّق لسيادتها كبيراً جداً جداً، لماذا اخترتِ هذا الشخص من بين مئات الأغنام؟!
وجوابي: العالمية مسؤوليةٌ وليست منصباً! عندما يتبجّح إنسانٌ بأنه وصل إلى سدّتها، لا تعود حياته ملكه؛ تصبح ملكاً لعالميته، لإنسانيته؛ ملكاً لوطنه، ملكاً صرفاً لأبناء هذا الوطن!
***
عندما يتعرّض الإنسان في مراحل حياته الأولى إلى تعاليم متضاربة متناقضة تفرض عليه السير في اتجاهين معاكسين في آنٍ واحد، يقع هذا الإنســان تحت ضغط هائل يحطم جهازه العقلي ويعرضه لاضطرابات فكرية
Thoughts Disorder
تنعكس سلباً على سلوكه وحياته.
يطلق العالم المختص في علم السلوك البشري
Bateson
على تلك النظرية
Double Bind Hypothesis
ويؤكّد في أبحاثه على أن الإنسان الذي يعيش تلك الحالة أكثر عرضة من غيره للإصابة بمرض “الفصام الشخصي”
Schizophrenia
الذي يفصل المريض عن واقعه ويلقي به في عالمٍ وهمي لا يمتّ بصلة لذلك الواقع.
لا أستطيع أن أفسّر سلوك الإنسان في بلادنا إلا على ضوء فهمه وتفسيره وطريقة ممارسته لدينه، فالدين في تلك البلاد المصدر الوحيد للتربية. لم يبقَ جاهلٌ على مدى خمسة عشر قرناً إلا وأدلى بدلوه في مستنقع ذلك المصدر، يلقي به ما هبّ ودبّ من أساطير وتعاليم متضاربة متناقضة مبهمة لا أساس لها من الصحة والواقع.
وقع الإنسان ضحية تلك الفوضى الفكرية ليخرج منها مخلوقاً مبهماً عاجزاً في كثير من الأحيان عن التمييز بين الضدّ وضدّه، بين الخطأ والصواب، بين الحق والباطل، بين الأسود والأبيض. يصفّق لسيادة الوزيرة بنفس الكف التي صفق بها لنزار قباني دون خجل أو وجل، يتخذ الموقف ونقيضه لأنه أُلزِمَ عقائدياً خلال سنوات عمره الأولى على أن يخلط بينهما.
هو ضائع وسط تعاليم تَفرضُ عليه ـ على سبيل المثال لا الحصر وقس على ذلك ـ أن يقاتل المشركين حيث يجدهم، وتفرض عليه في الوقت نفسه أن لا يأبه لكفرهم إذ أنّهم “إلى ربّهم مرجعهم فيُنبّئهم بما كانوا يعملون”!!
هو ملزم عقائدياً أن يرى تعاليمه تتعاضد ولا تتناقض،
تتوافق ولا تتنافر. تحت ضغط هذا الإلزام فقد الإنسان صوابه وانسلخ عن واقعه.
يأتي الوزير في بلادنا إلى السلطة حاملاً معه حقيبة شخصيّة لا ليحمل حقيبته الوزاريّة. على قمة جدول أعماله أن “لا يخرج من المولد بلا حمّص”! على الأقل، قصر وسيارة وحشم وخدم وحساب في أحد بنوك أوروبا يكبر ويتضخّم كلما أمدّ الله بعمره الوزاري! والناس مقهورون مظلومون مذبوحون من الوريد إلى الوريد، لهم أفواه تلهث وراء الرغيف ولا تمتلك وقتاً كي تحتج على سارقي الرغيف!
تلك حقيقة يدركها هؤلاء المصفقون لسيادتها كما تدركها وفاء سلطان، لكنهم طمروا رؤوسهم في الرمال مطمئنين لا أحد فيهم يستطيع أن يرى مؤخرة الآخر عارية ومكشوفة في الهواء!
***
على أعلى قمة في سلسلة الجبال المحيطة بمنطقة مصياف التابعة لمحافظة حماة السورية وقفتُ أراقب القصور المتناثرة على التلال والتي لم أرَ مثيلاً لها في بفرلي هيلز حيث يعيش أغنى أغنياء العالم، ودليلي شاب في الأربعين من عمره، ولكنّ عينيه الغائرتين وعظام وجهه البارزة تُظهره أعمر بكثير، يشير بيده ويقول بانكسار فظيع: هذا القصر للوزير فلان الفلاني، وهذا للضابط الفلاني، وما تبقى مقبرة القرية!..
كيف يستطيع إنسان أن يشيّد قصره فوق عظام الآخرين؟.. إنها عملية حيوانية وحشية للغاية!
هذا الغنى الفاحش واللامشروع في بلادكم، يا سيدتي الوزيرة، رذيلة وجريمة! ومن يصفّق لتلك الرذيلة والجريمة ويطمر رأسه في الرمل هو أشدّ منكم إجراماً وأكثر رذيلة!
هؤلاء الناس المقبورون أحياء ـ ولسنا نحن ـ المغتربون الحقيقيون! هؤلاء المقبورون أحياء ـ ولسنا نحن.. لسنا نحن.. لسنا نحن ـ الذين يحتاجون إلى تمثيل وزاري!!
المغترب من يعيش مهاجرا في وطنه وليس من هاجر إلى وطنه. الفقر في الوطن أبشع أنواع الغربة، وكرامتنا المصانة في المهجر أقدس وطن!
الوطن رغيف خبز نظيف جداً وسقف آمنٌ جداً وكرامة مصانة جداً جداً، وليس ماخوراً تٌمارس فيه كلّ أشكال الدعارة بلا حسيب أو رقيب!!.. لا بعث لهؤلاء المقبورين أحياء إلا بهذا الثالوث المقدس!!
أصدر سماحة مفتي الأزهر الشيخ الطنطاوي فتوى يسمح بموجبها للمرأة المسلمة أن تخلع حجابها عندما تضطر للعيش في بلاد غير مسلمة معتمداً في فتواه على الآية “ومن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه..”
أريد أن اطرح سؤالاً على سيادة الوزيرة وليس على سماحة الشيخ، لا لأنه دون مستوى الجواب فحسب، بل لأنه دون مستوى الإصغاء إلى السؤال، وسؤالي: ما هي الأسباب التي تجبر امرأة مسلمة على العيش في بلاد غير مسلمة؟!! ولكي أسهّل عليها المهمة، أصيغ السؤال بشكل آخر: إذا كان الفقر والقهر يجبرانها، ما الذي يجبر رئيس أركان الجيش السوري السيّد حكمت الشهابي مدججا بملايينه أن يدوس على شرفه العسكري وشرف بلاده ويفرّ إلى النعيم الأمريكي ـ عدوكم اللدود ـ لينعم فيه بقيّة عمره؟!! ما هي الإجراءات التي تتخذها سيادتكم للتخفيف من حدة هذا النزيف البشري والمالي، وإعادة حقن هؤلاء المغتربين في شرايين وطنهم من جديد؟!..
………………..
في زيارتي الأخيرة للوطن الأم، لفتت نظري ظاهرة اجتماعية غريبة عجيبة، لم أستطع في البداية أن أجد لها تفسيراً في مجتمع يتضوّر جوعاً. أعلى راتب شريف فيه لا يتجاوز المائة وخمسين دولاراً ولا يكفي لشراء طعام لعائلة مكونة من أربعة أشخاص في سوق يتعامل بالدولار!.. ورغم هذا الوضع المأساوي، على الأقل شخصٌ واحدٌ في كل عائلة يملك هاتفاً نقالاً أو ما يطلقون عليه (الموبايل) يكلّف اقتناءه ثلث الراتب الشريف!.. رأيت بأم عينيّ نساء يثرثرن به وهن في قاعة احتفال واحدة من طاولة إلى طاولة، وقيل لي أن سيدات المجتمع المخملي في دمشق يتحدثن إلى خادماتهن السيريلنكيات بالهاتف النقال من غرفة إلى غرفة!
كنت أناقش تلك الظاهرة مع طبيب زميلٍ لي، فأجابني على تساؤلاتي من حيث لا يدري بقوله: لي قريب وهو موظف بسيط جداً يعيل عائلته ووالديه ويدفع ثلث راتبه الهزيل على هاتفه النقال، سألته (يقول الزميل الطبيب): لماذا تقتني هذا الهاتف وتشكو في الوقت نفسه من ضيق ذات اليد؟ فأجابني بصدق وحرارة: يا دكتور.. أنت طبيب كل الناس تقيم لك اعتباراً أما أنا فإنسان فقير، أحتاج إلى وسيلة أردّ بها بعض اعتباري والهاتف النقال بالنسبة لي تلك الوسيلة!
آه يا سيدتي الوزيرة! لو تدركين أنت وَمَن يصفّق لك عمقَ القهر الإجتماعي والإحباط النفسي الذي وصل إليه ذلك الشخص كي يضحّي بلقمة عائلته اعتقاداً منه أنه يسترد بثمنها اعتباره الإنساني!! إنها وسيلة وهميّة تعكس جهل المواطن وإحباطه وتساهم عكسياً في عملية استرجاعه لكيانه المغتصب!
سيزداد اللص الكبير رامي مخلوف الذي يملك بمفرده شركات الهاتف النقال في سوريا تخمةً، ـ لا اشك لحظة واحدة في أنك تعرفينه وتصفقين له أيضاً بدورك ـ وسيزداد هذا المقبور حياً ضعفاً وهزالاً!
***
بدت ابنتي في زيارتها الأولى للوطن الأم مضطربة إلى حد الإحباط. ازداد إحباطها يوماً بعد يوم وهي تتجول في الأسواق والشوارع العامة تراقب حركات الناس وسلوكهم ولغتهم. سألتني في محاولة لدرء إحباطها: ماما، إذا أردنا أن نغيّر هذا البلد من أين سنبدأ؟! وبقيتُ عاجزةً عن الجواب حتى اللحظة التي رأيت بها صدام حسين يحبو خارج وكره بعد أن انهارت كل قصوره الوهمية التي شيّدها من رمال الصحراء فوق قبور الأحياء.
ـ انظري يا فرح! من هذا الوكر يجب أن نبدأ!
لقد باغتتنا الحضارة وكنّا في منأى عنها، هبطت بصورة مفاجئة وسريعة فوق مضاربنا فركضنا إليها قبل أن نتعلم كيف نمشي، وحاولنا أن نتسلّق سلمها قبل أن نصل إليه. صار الهاتف النقال وسيلتنا لرد الاعتبار!
***
جاء في خطاب السيدة الوزيرة: “سألني أحدهم هل يمكن للديموقراطية أن تعيش في بلادكم؟! بيني وبينكم أنا اليوم اكره كلمة الديموقراطية لأنها أصبحت غطاء لكل ما يريدون أن يبيعونا إياه من أوهام!..”
الديموقراطية يا سيدتي ليست وهماً! الديموقراطية فكر وأخلاق وقاعدة جماهيرية مثقفة واعية تعرف كيف تختار وزيرها وممثلها!
الديموقراطية لا تقود الناس كالأغنام إلى حلبة التصفيق. الديموقراطية لا تسمح للذكر أن يجمع في حظيرته ما ملكت يمينه من النساء. المرأة في المجتمع الديموقراطي عقل وكيان!
الديموقراطية يا سيدتي لا تقهر المواطن إلى الحد الذي يجبره أن يبع سرواله كي يقتني هاتفاً نقالاً، لا لغاية إلا كي يسترد بعض اعتباره!
لو عشتِ يوماً في مجتمع ديموقراطي لما كرهتِ الديموقراطية، ولو أحببتِها لكان من المستحيل أن تفوزي في بلادنا بلقب الوزير!
في تلك البلاد، الدكتاتورية مطلب إلهي وقناعة بشرية، ولكي نغيّر تلك القناعة يجب أن نغيّر ذاك الإله!! نحتاج إلى إله قبل أن يأمرنا بطاعتكم عليه أن يأمرنا بسحقكم عندما تشذّون وتظلمون!!!
تتابع السيدة الوزيرة: “أنا لم أقل لصاحب السؤال أنّ رأس يوحنا المعمدان مدفون في الجامع الأموي وأن جرافة لم تدخل إلى ذلك الجامع لتجرف رمزاً مسيحياً نبجلّه ونحترمه نحن المسلمون”!
مهلاً يا سيدتي الوزيرة! يبدو أنّ ذاكرتك التاريخية كالقربة المثقوبة لا تحمل ماء!! هل دُفن الرجل في كنيسته أم في جامعكِ؟!!
لم يكن يوحنا المعمدان القديس الوحيد المدفون في ذلك المكان، بل كان إلى جانبه عشرات القديسين الذين نُبشوا في العصر الأموي وألقيت رفاتهم خارج المكان في غياهب ذلك الزمان! أبقوا على رفات يوحنا المعمدان لقناعتهم المطلقة أنها تعود إلى نبي اسمه يحيى لا علاقة للمسيحيين به من قريب أو بعيد.
لماذا لا تسألين مسيحيّاً ممن يصفقون لك أن يتحدث لنا “كشاهد من أهله” عن ديموقراطيتكم المزعومة هذه؟! أو لماذا لا تتحدثين أنت “وكشاهد من أهله” عن الديموقراطية التي عومل بها أجدادك كأقلية من أقليات سوريا؟! ألم تكن مؤخراتهم العقار المنشّط الوحيد الذي أثار عبقرية السلطان سليم فابتدع الخازوق وخوزقهم كي يكون الدين عندها لله وينتهي الكافرون؟!
لكي نصحح أخطاء التاريخ علينا الاعتراف بحقائقه! نكران تلك الحقائق لا يلغي وجودها!!
تصرّ سيادة الوزيرة في خطابها على أن الغرب يستهدف هويتنا العربية!
هذه الألفاظ المبتذلة المستهلكة والتي ما برح بعثكم يكررها على مسامعنا كالأسطوانة المكسورة غسلت دماغ البشر وجحّشت عقولهم!
أية هوية تلك التي تتحدثين عنها؟! هل تحاولين إقناعنا بأنّ لهذا المواطن المسلوب اعتباره هوية يعتز بها ويفخر؟! الإعتبار يا سيدتي هو الهوية، وفاقد الشيء لا يستطيع أن يخسره!
العالم المتمدّن لا يطارد هدفاً وهمياً لا وجود له! وإذا كان قصدك أنهم يستهدفون ذلك الإنسان المسلوب اعتباره وهويته، قد يكون في ذلك القصد بعض الصحة! فالإنسان المسلوب الإعتبار يشكل خطراً على اعتبار الآخرين، والذي لا يمارس حقوقه ولا يحس بكيانه لا يؤمن بحقوق الآخرين ويرفض إحساسهم بكيانهم وهويتهم! هم يستهدفون ذلك الإنسان لا لكي يسلبوه هويته بل ليعيدوا له تلك الهوية!
دخلت أمريكا اليابان بعد أن أصمتت دكتاتوريتهم بقنبلتين ذريتين وبقيت هناك ما يقارب السبعة أعوام. خرجت بعد أن أعادت للإنسان الياباني حريته ورغيفه وكيانه. ليتكم ، يا سيدتي، تعرفون موقف اليابانيين اليوم من الأمريكان وموقفهم من الإسلام والمسلمين! عندما دخلت أمريكا العراق في آذار الماضي غادرت اليابان، ولأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، بارجتان حربيتان لتتجولا في منطقة الخليج العربي، ليس استعراضاً لعضلات اليابان وإنما كعمل رمزي يدل على تأييدها للمواقف الأمريكية.
منذ عدة شهور، شمّر السفير الياباني في دمشق عن ساعديه بعد أن انضم إليه دبلوماسيون أجانب ونزل إلى نهر بردى الجاف لتنظيفه وجمع الأوساخ المتراكمة منه بعد أن كادت تقتلهم رائحته. كان الدمشقيون يمرون بجانب النهر ويتفرجون مندهشين من ذلك الرجل الواثق من نفسه المؤمن بهويته إلى الحد الذي يؤكّد له أنّ القيام بعمل كهذا لن يسلبه هويته ولن ينتقص من اعتباره الوطني والدبلوماسي.
لو كنتِ، يا سيدتي، تمتلكين هوية واضحة المعالم وتمارسين اعتبارك الإنساني بحرية واحترام، لارتفعت ثقتك بنفسك إلى الحد الذي يدفعك كي تقودي حملة التنظيف بنفسك قبل أن يتصدّق بها عليكم دبلوماسي أجنبي يعيش ضيفاً في بلادكم!
***
تزعم أسطورة الملك العريان
The Naked King
أنّ ملكاً مغروراً استبد بشعبه ووصلت به نرجسيته إلى حدّ الجنون، فطالب حاشيته أن تخيط له أجمل حلّة في الوجود. خاف المعنيون بالأمر من أن تفشل مهمتهم، فلجأوا إلى ذلك الملك وخلعوا عنه جميع ملابسه ثم أقنعوه أنه يبدو الآن بأجمل حلّة!
خرج الملك إلى الشعب عارياً كما ولدته أمه فصاح الشعب: عاش الملك.. عاش الملك، ما أجمله في حلّته!!
تقول الروايات ـ لست متأكدة من صحتها ولكنني أثق بحكمتها ـ عندما ألقت القوات الفرنسية إبّان الاستعمار الفرنسي لسورية قبضتها على سليمان المرشد الذي ابتدع يومها ديناً جديداً وأقنع أتباعه بأنه ربّهم، أحالته إلى المحكمة فسأله القاضي: كيف أقنعتهم بأنك ربّهم، وردّ بثقة: هم الذين أقنعوني بأني ربّهم!!
***
نشرت جريدة لوس أنجلوس تايمز مؤخراً رسماً كاريكاتورياً يُظهر ملكاً يطير مع شلّة من حاشيته في منطاد في رحلة إلى الفضاء. انحنى الملك من منطاده كي يلوح لشعبه مودعاً فوقع تاجه وسقط على رأس أحد الرجال، التفت الناس إلى الرجل وصاحوا: يحيا ملكنا الجديد.. يحيا الملك الجديد!
يا سيدتي الوزيرة: لا تغرّك حلّتك الجديدة، فهي ليست إلا خيوطاً من الأوهام! يستطيع كلّ عاقل مخلص أمين محبّ لوطنه وإنسان ذلك الوطن أن يرى من خلالها الحقيقة العارية! هؤلاء المهلّلون في جاليتنا العربية يصفّقون للتاج غير عابئين بالرأس ولو كان برميلاً من القشّ.
غداً سيسقط التاج على رأس آخر، ليبدأوا بالتصفيق من جديد، وإنّ غداً لناظره قريب!!

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

ماقبل إنتخابات الجولة الثانية في مصر … وقبل فوات ألأوان ؟

ماقبل إنتخابات الجولة الثانية في مصر … وقبل فوات ألأوان ؟

سرسبيندار السندي

بحكم ما إنتهت إليه ألإنتخابات المصرية لم يعد أمام القوى الشبابية والثورية من خيار وإن كان أحلاهما مرا ، ولكن مالعمل كمال قال طارق بن زياد لأتباعه البحر من وراءكم والعدو من أمامكم فأين المهرب ، لذا أحب القول للذين خذلتهم نتائج ألإنتخابات لاتيأسو فاليأس ليس من شيم الثوريين بل من شيم المفلسين العاجزين ، لذا فالفرصة لازالت أمامكم لأن خسران نصف المعركة لايعني أبدا خسران الحرب التي بدأتموها فحتى لاتخسرماتبقى لكم أترك لكم هذه المقارنة والعاقل من يتعض ، لأنه كما قيل المؤمن العاقل لايلدغ من جحره مرتين فيكفي أن لدغت مرة في إنتخابات مجلس الشعب والليبب من ألإشارة يفهم ؟

ولتوضح ما قلناه علينا المقارنة بين ألإثنين بواقعية ومن خلال الميدان حتى لانكون من المفترين ؟

١ : عليكم دراسة بصدق وعقلانية صفات ومأثر وأقول اللواء أحمد شفيق ، فإذا كان ما يعاب عليه أنه من الفلول ، فبالحقيقة نصف الشعب المصري منهم ، وعلي رأسهم ألإإخوان ، بدليل عددهم في مجلس الشعب المصري السابق ، ومن ثم مغازلتهم للمجلس العسكري من خلال صفقات مشبوهه مقابل فوزهم هم في مجلس الشعب بغالبية وخروج العسكر من المولد سالمين وغانمين ؟

٢: أيهما أصدق بحكم ماضيه وأقوله ، هل هو شفيق أم مرشخ ألإخوان والإخوان ، والأن زائدا السلف ؟

٣ : الحقيقة المرة تقول لو فاز مرشح ألإخوان سي مرسي فليقرأ الثوار والأحرار واليمين واليسار مع دعاة الدولة المدنية على مصر أية الكرسي ؟

٤ : الحقيقة المرة ألأخرة تقول إن من يخرج عليهم بعد فوزهم فهو عاصي وكافر وزنديق وخارج على أمر ألله ورسوله وعلى الجماعه ، فمن سيشفع لك لو دقت الساعة ؟

٥ : أما لو فاز أحمد شفيق فمهما كان ذالك خطأ فهو أقل ظررا ، لأنه أولا لن يستطيع اللعب بذيله كادام هناك ميدان ، ومن ثم لن يستطيع ترشيح نفسه مرة أخرى بحكم الصناديق ، ولكن لو فاز سي مرسي مرشح ألإخوان فمن يستطيع معارضته بعد ذالك ، فلو لجا الشعب للميدان صدقوني سيحرقون مصر والكرسي كل إنسان ، كما قال شمشون على وعلى أعدائي ، وخير دليل حماس والصومال وأفغانستان وباكستان وليس أخرا إيران والسودان ، فقط تأملو كيف غدرو بالقوى الثورية والتحررية وتساءلو ما مصيرهم ؟

٦ : لذا على العقلاء في مصر أن لايأسو ويستسلمو ، حتى لايلدغو من جحرهم مرة أخرى كما حدث في إنتخابات مجلس الشعب ، فالحذر ثم الحذر والغبي من يكرر نفس الفعل وبنفس الظروف ويطلب نتائج مغايرة ؟

٧ : لذا على كل القوى الثورية ي مصر والخيرة وكل دعاة الدولة المدنية والوطنية أن يقطعو الطريق على القوى الظلامية التي ينبئ فوزها بشر عظيم لمصر وللمصريين بالمزيد من حمامات الدم كما هو الحال في سورية والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها لاسمح ألله ، والعاقل من يتعض من تجارب غيره ؟

سرسبيندار السندي

مواطن عراقي يعيش على رحيق الحقيقة والحرية ؟

Posted in فكر حر | Leave a comment

يوميات صحفي … سائق تاكسي 3

يوميات صحفي … سائق تاكسي 3

محمد الرديني

الشرطي والمرأة

تمتاز كل ليلة من ليالي عطلة نهاية الاسبوع في هذه البلاد بالصخب والضجيج  وهي عادة ما تكون فرصة امام الجميع  مراهقين وكبار ان يفرغوا شحناتهم وضغوطهم النفسية بعد عمل استمر اكثر من 50 ساعة في الاسبوع.
   البارات والنوادي والمراقص تعج  بالشباب والشابات ، يرقصون نفس الرقصات ويغنون نفس الاغاني، وربما يتحدثون بنفس الاحاديث تبدأ العطلة الاسبوعية مساء يوم الجمعة وماتكاد الساعة تفترب من الحادية عشر ليلا حتى يتهافت الشباب على النوادي الليلية  وقبل ان يصلوا الى بوابة اي ناد يكونوا قد اكملوا رقصتهم المعتادة في الشارع العام ، الكل يرقص بعضهم يرقص وحيدا على امل ان يجد مرافقته في هذه الليلة ومنهم من يرقص مع صديقته الجديدة التي وجدها هي الاخرى ترقص لوحدها في الشارع العام  قبل ان تصل برفقته الى النادي الليلي.
في كل ليلة من هذه الليالي يغنون نفس الاغاني ويرقصون نفس الرقصات بل حتى انهم يرون نفس الوجوه تقريبا، وكنت اعتقد ان  اغانيهم ورقصاتهم في اعياد رأس السنة ستكون ذات طابع خاص ، ولكني كنت مخطئا، فهاهي الرقصات نفسها والاغاني نفسها وكأن السنة الجديدة لم تمر بعد
في ليلة من تلكم الليالي   – كما تقول العرب  – كانت الساعة الثالثة فجرا، كنت آنذاك اقلُ زبونا الى حيث بيته حين استوقفتني سيارة شرطة ونزلت منها شرطية لاتتجاوز العشرين من عمرها، حيتني كانها تعرفني منذ زمن وقالت:
 ” اني آسفة ياسيدي اذ اقول لك انك تجاوزت السرعة المحددة في هذا الشارع.
ضحكت في سري حين سمعت كلمة “سيدي”
قلت وانا مازلت جالسا في سيارتي، وراكب شاب يجلس الى جانبي وهويحضن شريحة البيتزا
” اني آسف بدوري فلم اكن اقصد ان اقود بسرعة”
التفت الشرطية الى الراكب وقالت له:
 ” اني متأسفة سيدي لاني ساؤخرك عن تناول عشاءك
رآت  رخصة القيادة التي ارجعتها لي  بعد ثوان وقالت ناظرة الينا نحن الاثنين
 ” يمكنك ان تذهب وارجو الا يتكرر ذلك
ثم اعقبت ضاحكة:
 ” وحتى لايتأخر زبائنك عن تناول طعامهم”
 تذكرت في ذلك اليوم  احد الزملاء الصحفيين الذي كتب عمودا في الجريدة التي يعمل فيها جعل له                  عنوان” شرطي قال لي شكرا ذات يوم”، كان ذلك منذ سنوات طويلة وظل هذا الصحفي يتحدث بحماس عن كلمة الشكري التي اطلقها ذلك الشرطي.
لا اريد هنا ان اقارن ولا اريد ان ابخس قيمة ناسنا كما قد يعتقد البعض، كل مافي الامر ان  موظفي الحكومة في بلادنا العربية لايعرفون كيف يلفظون كلمة “شكرا”، لماذا؟؟ صدقا لااعرف
الشرطي والمرأة في بلادنا العربية كائنان معجونان بالظلم الى حد النخاع، فالشرطي لايصبح  كذلك الا بعد ان تنعدم امامه كل وسائل العيش الاخرى، وهو رجل اراد ان يكمل تعليمه مثل بقية البشر السويين ولكنه لم يستطع، وهو شاب طموح اراد ان تكون له وظيفة مثل غيره فلم يسعفه الحظ ، واراد ان يحلم مثل الاخرين فوجد طريقه ملأى بالكوابيس  والشرطي الذي جعلته انظمة العالم المتمرن عنوانا للامان واحترام القوانين ، جعلته الانظمة العربية رمزا للسخرية والقمع والاستبداد والجهل والغباء رغم النص الخاص بالقسم الشرطي الذي تراه مشنوقا على كل حيطان ادارات واقسام ومؤسسات الشرطة التابعة لوازارات الداخلية في الدول العربية والذي اتحدى اي شرطي عربي ( او غير عربي ممن يعملون في بلدان الخليج العربي) قد قرأه وحتى اذا فعل ذلك وهو امر اضطراري فانه سيقسم باغلظ الايمان لزوجته او صديقه المقرب انه لم يفهم شيئا مما قرأه، واذا وجدت شرطيا مرحا فانه سيقول لك وهو يضحك ربما كنت اقرأ احد المعلقات السبع
ولو اتيح لي ان  اقاضي جهة ما فاول ماأفكر فيه هو السينما المصرية التي جعلت من الشرطي برميل غباء متنقل لايفقه من الحياة سوى ضرب زوجته والطاعة الغبية لمرؤسيه والضحك بدون سبب.
حينما كنا صغارا كانت امهاتنا تهددنا  بالشرطي اذا طلبنا شيئا فوق طاقة مصروفها اليومي، حتى اذا كبرنا اصبحنا نختبىء في الازقة المظلمة اذا شاهدنا شرطيا قادما صوبنا
والمرأة هذا الكائن الذي لو طلب من رب العزة ان يطيل عمره اضعاف ما يعيش لكان طلبا يسيرا فالمرأة تصل الى سن العشرين وهي لاتعرف شيئا من الدنيا الا ما تقوله لها امها او خالتها مزودة اياها بقائمة طويلة عريضة من الممنوعات واللاءات التي تبدأ بالمحافظة على الشرف والنوم مبكرا والعودة من المدرسة مباشرة الى البيت وعدم البصبصة على سطح الجيران.
ولاتحتاج – هذه الطفلة ذات العشرين ربيعا- الى جهد كبير لتعرف ان هذا البيت الذي تعيش فيه ماهو الا سجن تتوفر فيه جميع الشروط الواجبة لذلك والتي تبدأ بالسجان الذي يصدر قائمة الاوامر اليومية والاخ الصغيرالذي يدربوه ليكون عنصر مخابرات حاسم حين يرافق اخته الى اي مكان خارج السجن والاب الذي اقل مايقال عنه انه الممثل الشرعي للديكتاتورية المصغرة.
جملة اعتراضية هل ياترى منبع الديكتاتورية العربية قادم من هذه الديكتاتورية المصغرة؟؟
ولا يكن امام هذه السجينة) سوى التفكير بالهرب من سجنها ، وبالتأكيد هي لاتملك الشجاعة لتقدم على هذه الخطوة فهناك الاعراف والقوانين الصارمة خارج السجن اضافة الى التعرض للقتل وهو امر يبيحه القانون.
وتضيق الحلقة حولها ولم تعد كل وسائل الهرب ممكنة الا وسيلة واحدة الزواج.
وتكون تعزيتها الوحيدة داخل سجنها هي البحث عن مواصفات فتى الاحلام ، كيف ستكون لون بشرته، انها بالتأكيد لاتريده شبيها لابيها او اخوها المخابراتي، انها تريده طويلا نحيفا ليس اسمر الوجه ولا ابيضه ، ضحوك بشوش يكره الجلوس في البيت، بل وانه يكره كل برامج التلفزيون وخصوصا نشرات الاخبار ، لايدخل غرفة نومه الا ليلا لينام ولايجلس بالصالون الا لكي يتحدث عن السفرات  التي سيقوم بها في الصيف المقبل واذا عاد من العمل فاول ما تسمعه منه هي تلك الضحكة الرنانة والقبلة السريعة على الخد ثم سرد  التفاصيل وتفاصيل التفاصيل عما حدث اليوم من قصص وحكايات ونوادر في القسم الهندسي الذي يشرف عليه او غرفة العمليات حيث اجرى وهو الجراح المشهور عملية جراحية استأصل فيها زوائد دهنية من العينين.
وتأتي الساعة ، وتقفز الام والعمة والخالة فرحات ينطنطن في ساحة البيت وهن يزفن البشرى الى العروسة فقد جاء العريس.
ويقفز قلب البنت من بين ضلوعها بل يكاد يطفر امامها ، لقد حان وقت الافراج وانتهت مدة المحكومية ولأول مرة ترى اباها يبتسم لها وهو يسألها عن رأيها بالعريس الذي لم تره بعد، تخفض عينيها خجلا وخفرا، هكذا علمتها عمتها، ويخرج بعد ان فهم القصد من هذه الاشارة
وتمر الايام بطيئة متى يأتي العريس، تسأل امها التي ترد عليها بعصبية ظاهرة
عيب يابنت لاتفضحينا امام الناس
ولم تفهم لماذا الفضيحة ، كل الذي سألته هو عن موعد زيارة العريس المرتقب ويأتي اليوم الموعود، دق العريس الباب بعد ان رأت والدها متجهم الوجه وحين سألت امها عن السبب قالت لها  ” لايجوز ان يفرح الاب بهذه المناسبة خصوصا امام العريس الذي سيعتقد – اي العريس  – ان البنت ” بايرة”  ولااحد يسأل عنها والاكيد ان بها عيبا عضويا او جسديا والا لماذا يبدو الاب سعيدا هكذ.ا
وللمرة الالف او بعد الالف لم تفهم البنت سبب كل ذلك رغم شروحات الام المطولة بمناسبة او غير مناسبة وتأتي لحظة تقديم الشاي وقبل ذلك تفحص نفسها امام المرآة للمرة العشرين، وهناك عشرين مرة اخرى من حصة الام ، وعشرون ثالثة للعمة او الخالة، ويدخل الاب  متجهما يحث النساء على الاسراع اذ لايجوز ان يجلس العريس منتظرا.
وتدخل العروسة تكاد تتعثر في مشيتها بينما استطاعت بالكاد ان تمسك صينية الشاي التي لا تدري لماذا لم تسقط من يدها حتى الآن، تضع الشاي على الطاولة وتهرول راكضة نحو الباب وتسمع ابيها وهو يضحك مزهوا بابنته التي رباها على الخجل والحياء.
   انتهت مراسيم الزيارة بسرعة او هكذا خيل اليها رغم انها لم تستطع ان تجيب صديقاتها الحاضرات في ذلك اليوم عن الاسئلة التي انهارت عليها  ماهو شكل العريس ؟ هل هو جميل كم يبلغ من العمر، ماذا يعمل ؟ ماذا كان يلبس؟ هل هو انيق؟ وشعره ، هل سرحه على الموضة الجديدة ام….. ؟
كل الذي فعلته بعد ذلك هو احتضان رأسها بين يديها ، وكان ذلك جوابا شافيا لكل الاسئلة لانها ببساطة لم تستطع رؤية العريس  وكيف يتسنى لها  ذلك وعيني ابيها  ترمقانها بعصبية وتوتر كيف  ذلك وانها لاتجرؤ ولن تجرؤ ان تضع عينيها امام عيني هذا الغريب الذي يسموه عريسها حتى على الاقل تعرف من هو وكيف هو وما هو؟
بعد ساعات من الاجتماعات المغلقة بين الام والاب في غرفة النوم ، يخرج الاب مبتسما  الى حيث تنزوي العروسة،  تذهب هي اليه حذرة، يقول لها بشيء يشبه الحب.
 ” مارأيك بالعريس؟
تسكت  يجب عليها ان تسكت ، اذ ليس من المعقول ان ترفض او تجيب من اول وهلة، هناك قنوات يجب ان يعبر رفضها او قبولها عبرها، هناك امها وخالتها وبالتأكيد لن يكون احد هذه القنوات ابوها
سمعت اباها يقول:
” انه شاب جيد، ان حدسي لايخطىء واعتقد انه طموح ، انه يعمل الان في سلك الشرطة لان عائلته فقيرة جدا وهو يريد ان يكمل دراسته الثانوية والجامعية بعد ان تكوني معه.
تسكت العروسة مرة اخرى بل انها ستسكت طالما ان اباها يقف امامها هكذا يتراجع الاب خطوات نحو باب البيت ليخرج  الى مقهاه المفضلة وبالتأكيد سيحدث اصدقاؤه عن هذه المناسبة.
لاتستغرق المفاوضات بين الام وابنتها سوى فترة قصيرة تتم بعدها الموافقة وتبدأ الاستعدادات لاقامة الافراح ومناقشة تفاصيله.
  في ليلة “الدخلة” تدخل العروس لترى شابا تعرف من النظرة الاولى انه يكبرها بسنوات، يبتسم لها ، يزيح اكليلها بخفة ويقودها نحو الفراش.
في تلك الليلة التي يقال انها ليلة بين عمرين ، عمر مضى وعمر جديد اقبل، لم تفهم كل مادار حولها ، كل الذي عرفته ان هذا الرجل قبلها بقوة، مضغ شفتيها حتى كادت ان تختنق ثم عراها ونام فوقها دقائق ثم نهض الى الحمام وهي هناك مازالت لاتدري ماالذي يدور حوله.
في الصباح نهضت متعبة رأته يبتسم لها وقال لها ” مبروك” لم تمض ساعة حتى جاءت امها وسألتها “ماهذا الاصفرار على وجهك؟
لم تحر جوابا او بالحقيقة لاتعرف الجواب بالضبط ولكنها تعرف ان امعائها بل وعضلات جسدها تؤلمها بشدة دخل العريس واومأ للام باشارة خاصة ولم تمر ثوان حتى ضج البيت بزغرودة الام: ابنتها باكر
تمر الشهور وتجد العروس نفسها حاملا، تحس بفرح داخلي واحساس بالسعادة لاتعرف مصدره  انها ستصبح اما، سيأتي ابنها او ابنتها ، لايهم ولكنها تدرك تماما انها ستسقيه حبا لاتعرفه البشرية الا عند الامهات ولكن….
ماذا يمكن ان تعطي لوليدها غير الذي اعطته لها امها او خالتها؟
وتدور الرحى بلا قمح ولا شعير.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

النفس الشريرة

النفس الشريرة

 قصص قصيرة : بقلم: رعد الحافظ

1 / الوطنيّة , ملجأ الأنذال الأخير

عندما  فجأةً إسودّت الدنيا بعينيهِ  , وإنسدّت جميع الأبواب بوجههِ , ونبذهُ الجميع لخطاياه الكبرى . وحتى عصابتهِ تخلّت عنه !
جاءتهُ الفرصة الذهبيّة , وإنفتح أمامهُ باب الهجرة الى الغرب , للتخلّص من تأريخهِ الأسود .
وعندما تلقى في مهجرهِ , نبأ موت عائلتهِ , ذهب ليستلم ثمن التأمين عن إصبعه الذي قطعهُ بنفسهِ , فإقتنى فلّة فاخرة .
ثمّ أصدر بيان تخوين الجميع !
**********
تلبيس إبليس
تخيّلهُ صديقهُ منذُ أيام الصبا
تخيّلهُ زارهُ في باريس التي هاجر إليها منذُ عقدين
تخيّلهُ أكلَ وشرب معهُ , ونام عنده , ثُمّ خانهُ !
لكن عندما تبيّن لهُ أنّ ذاك رجل آخر ,  طوى الصفحة ونفش ريشهِ وإنتقل يبحث عن عدو جديد !
*************
متباكي
إعتلى المنبر وحكى للجمع عن محنتهِ وكيف ضربوه علقة ساخنة لأنّه وشى بأحدهم . وكيف صعد المغمورون على كتفيهِ في مناسبة اُخرى .
قال للجموع / أنا لستُ جاسوس , أنا مارستُ وظيفتي , لم أشي بأحد , واجبي كمراقب عُمّال يُحتّم عليّ نقل حركاتهم لرئيستي في العمل .
وعندما تعاطف الجميع معهُ وربّتوا على كتفهِ
طعن أحدهم بخنجرهِ قائلاً / أنتَ يهوذا الأسخريوطي . أنتَ مَنْ سلّط عليّ الجلاوزة !
**************
27 مايس 2012

رعد الحافظ

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

اليوم مجزرة الحولة! كم مجزرة بقي لرحيل بشار الأسد؟

مجزرة لقتل الاطفال والنساء! كم مجزرة بقي لرحيل الجزار بشار الاسد

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

أعصار الروح

أعصار الروح

هناء شني

حكيم بارع في فكّ طلاسم الحزن,, يصنع دواء مركّز
لأخماد اللجة المزمجرة,, في نفوس الاشقياء.
مدّني بزجاجة من معطفه الابيض,,
وهمس في رأسي :
* *حان الوقت لتهدئ من أعصار روحكِ..,
قليل من الزمان وستشفىِ..!!
جرعة كل مساء من شرابي السرمدي ,,يستأصل الدموع من أجفانكِ..!!
أوعدكِ,, ستتلّذذ عروقكِ الداكنة وقلبكِ الملوّث بأيدي السفهاء من شرابي المركّز*..!

فعلت بوصيته….

أرتشف جرعات في أمسيات يتصاعد منها عويل الماضي البعيد..
ورعب الغد المجهول …
تنمو فجوة في القلب تحيطها اخاديد هرمة..
تتعالى ضحكات اللامبالات في حجرات النفس الخاملة..
وجرعات أخريات وعيناي معلّقة فوق رأسي,,أنظرالى,,
سحابة واجمة…!

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

العبودية في الإسلام 2

العبودية في الإسلام

سردار احمد

في هذه الحلقة وهي الثانية سأحاول ذكر بعض الأحاديث والأحكام من التراث والفكر الإسلامي، المتعلقة بعالم العبيد، والتي تُكذِب الكلام القائل بأن المسلمين سواسية.. (كأسنان المشط،) أو” إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وما شابهها من كلمات زائفة، بل على العكس، فهي ترسخ وتؤكد بأن البشر بل حتى المسلمون نوعان، النوع الأول الأسياد، والنوع الثاني عبيد لهؤلاء الأسياد، مجردين من حقوقهم كبشر، ولا يتشابهون مع الأسياد في أية امتيازات أو واجبات، لا في أمور الحياة ولا في العبادات.
– (أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم) صحيح مسلم ” آبق أو أبق تعني هارب”
-( عن النبي صلعم قال: إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة ) صحيح مسلم
-( ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم هم له كارهون ) الترغيب والترهيب للحافظ المنذري- كتاب الصلاة
– (عن النبي قال: أيما عبد مات في إباقة دخل النار وإن كان قُتل في سبيل الله) “الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي” ، فكل الذين يُقتَلون في سبيلِ اللهِ شهداء يدخلون الجنةَ إلا العبد الهارب من سيده فمصيره النار حتى لو بذل حياته دفاعاً عن الإسلام.
-(قال رسول الله صلعم أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة) صحيح مسلم “(الذمة) معناه لا ذمة له، قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: الذمة هنا يجوز أن تكون هي الذمة المفسرة بالذمام، وهى الحرمة، ويجوز أن يكون من قبيل ما جاء في قوله: له ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلعم.أي ضمانه وأمانته ورعايته.” (139-الإيمان- مسلم)
-يشترط فيمن يستحق غنيمة الحرب والجهاد شروط هي: أن يكون مسلما، بالغاً، عاقلاً، ذكراً، حراً، صحيحاً، وأن يشهد المعركة ولو لم يقاتل، (أي العبد حتى لو جاهد فلا يستحق الغنيمة ولو شهد المعركة وقاتل حتى النهاية!!!) والحر يستحق الغنيمة حتى لو نام تحت الشجرة (كأسنان المشط). ( للمملوك والمرأة والصبي والذمي الرضخ لا السهم) “لأنه عليه السلام كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد وكان يرضخ لهم، ولما استعان النبي صلعم باليهود على اليهود لم يعطهم شيئا من الغنيمة يعني لم يسهم لهم، ولأن الجهاد عبادة والذمي ليس من أهلها. ” البحر الرائق- باب الغنائم وقسمتها”
– ذكر في (زاد المعاد-ج4ص219)” أسلمت نفسي إليك أي جعلتها مسلمة لك تسليم العبد المملوك نفسه إلى سيده ومالكه”.
– … بل العبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه فله أجران. (قواعد الأحكام في مصالح الأنام-فصل في الاحتياط في جلب المصالح- ج1ص488).
فالإسلام أقرَّ الاستِعباد واعتبره فرضاً إلهياً, محمد وربه لم يتركوا للعبيد حتى لو كانوا مسلمين أي خيار للعمل والنضال من أجل التحرر، والتحول من عبودية الله والبشر إلى عبودية الله فقط، والعبد المملوك تجب عليه الطاعة والسمع لمالكه بمجرد الملك، وليس للعبد مجرد التفكير في الهروب من السيد، وحتى لو هرب وقضى حياته في سبيل الإسلام فمصيره نار جهنم، الإسلام حسم وبت بالأمر، إن لم يقبل العبيد بعبوديتهم للبشر إلى الأبد فقد كفروا بالله ورسولهِ، وهم ليسوا بمسلمين.

* * *

العبيد في الإسلام عبارة عن أموال، يُباعون ويُشتَرون كالحيوانات:
(( يصح بيع جارية الغناء وكبش النطاح وديك الهراش ولو زاد الثمن لذلك قصد أو لا لأن المقصود أصالة الحيوان …..( وذُكَر في عيوب البيع والرد): ولو باعها ” أي الجارية أو البهيمة “حاملا ” وهي معيبة مثلا ” فانفصل الحمل” رده معها….. حكم البهيمة وولدها حكم الجارية وولدها….. أن يكون العبد والبهيمة معلومين بالرؤية أو الوصف ….. (وقال أيضاً في الجناية): استحق في حمل الأمة دون حمل البهيمة فيما إذا انفصلا بجناية لأن ما وجب في جنين الأمة بدله فيكون للموصى له، وما وجب في جنين البهيمة بدل ما نقص منها فيكون للوارث)) “مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للإمام الخطيب الشربيني”.
– قال الشافعي: وهكذا إن كانت الجارية والماشية والعبيد الذين أصدقها أغلوا لها غلة أو كان الصداق نخلا فأثمر لها فما أصابته من ثمره كان لها كله دونه لأنه في ملكها ولو كانت الجارية حبلى أو الماشية مخاضا ثم طلقها كان له نصف قيمتها يوم دفعها لأنه حادث في ملكها ولا أجبره أيضا إن أرادت المرأة على أخذ الجارية حبلى أو الماشية مخاضا من قبل الخوف على الحبل وأن غير المخاض يصلح لما يصلح له المخاض ولا نجبرها إن أراد على أن تعطيه جارية حبلى وماشية مخاضا وهي أزيد منها غير حبلى ولا ماخض في حال والجارية أنقص في حال وأزيد في أخرى. (كتاب الأم- المجلد الخامس-ص 1661)
-(أن رسول الله صلعم قال: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) صحيح الإمام مسلم- الموطأ الإمام مالك
– ( ليس في رقاب العبيد صدقة إلاَّ أن يُشْتَروا للتجارة) كتاب الزكاة- موطأ الإمام مالك.
– (وقال ابن عباس‏:‏ ليس بين العبيد قصاص في نفس ولا جرح لأنهم أموال) المغني، باب الجراح.
– ” وعن سعد بن سعد في الصحيح عن الرضا عليه السلام قال سئلته عن المحرم يشترى الجواري ويبيع قال نعم” كشف اللثام (ط.ق) – الفاضل الهندي ج 2
– … ولو وكله في شراء جارية ليطأها لم يشتر له من تحرم عليه (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للإمام الخطيب الشربيني)
– من ابتاع أمة فإذا بها حرة فهي زانية وليس هو زانيا . (المحلي- ج11 ص290)
– فلو أباحهما له أو استعار منه الشاة لأخذ ذلك أو الشجرة ليأخذ ثمرها أو البئر ليأخذ ماءها أو الجارية ليأخذ لبنها جاز الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن أو أعتقها وهو معسر فإنه يجوز بيعها للضرورة ولا يجوز هبتها لا من المرتهن ولا من غيره. (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للإمام الخطيب الشربيني)
“وقال أبو عمر: قال ابن حبيب وأصحابه والأوزاعي والليث والشافعي: يجوز استقراض الحيوان كله إلا الإماء، وعند مالك: إن استقرض أمة ولم يطأها ردها بعينها وإن حملت ردها بعد الولادة وقيمة ولدها إن ولد حيا، وما نقصتها الولادة، وإن ماتت لزمه مثلها، فإن لم يوجد مثلها فقيمتها.” (عمدة القاري بشرح صحيح البخاري)
-عند رد الجارية بعد شرائها لوجود عيب فيها: “لا يرد معهما شيئا بدل اللبن لأن لبن الجارية لا يعتاض عنه غالبا ولبن الأتان نجس لا عوض له. وفي الجارية وجه ” أنه يرد معها بدل لبنها لأنه كلبن النعم في صحة أخذ العوض عنه.” (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للإمام الخطيب الشربيني)
– وأفضل المراضع الأم وللحرة الأجرة على الأب ولا تجبر على رضاعه وتجبر الأمة. وحد الرضاع حولان ويجوز الأقل بشهر ….. ( وجيزة الأحكام- آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء )
– قال المحقق في الشرائع: ويستحبّ لمن اشترى مملوكاً أن يغيّر اسمه. (شرائع الإسلام: ج2، ص58)، وقال العلامة في القواعد: ويستحبّ لمن اشترى مملوكاً تغيير اسمه وإطعامه حلواً والصّدقة عنه بشيء. (قواعد الأحكام، ص130)، ” وكانت جويرية اسمها برة فحول رسول الله صلعم اسمها جويرية ” صحيح الإمام مسلم ، و زينب كانت اسمها برة فقيل تزكي نفسها فسماها رسول الله صلعم زينب “صحيح مسلم”. أي العبد في الإسلام ليس من حقه حتى أن يكون لديه اسم .
أما عن صفية ذكر (( قوله: «فاصطفاها» أي: أخذها صفيا، والصفي سهم رسول الله، صلعم، من المغنم، كان يأخذه من الأصل قبل القسمة جارية أو سلاحا، وقيل: إنما سميت صفية بذلك لأنها كانت صفية من غنيمة خيبر، …. وقيل: حديث اصطفائه “صلعم” بصفية يعارضه حديث أنس أنها صارت لدحية، فأخذها منه وأعطاه سبعة أرؤس، ويروى أنه أعطاه بنتي عمها عوضا منها، ويروى أنه قال له: خذ رأسا آخر مكانها. وأجيب: لا معارضة، لأن أخذها من دحية قبل القسم وما عوضه فيها ليس على جهة البيع، ولكن على جهة النفل أو الهبة)) “عمدة القاري بشرح صحيح البخاري”، وذُكِرَ في صحيح مسلم : وقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلعم بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها له وتهيئها …
العبيد والحيوانات يُعَامَلون كأسنان المشط في الديانة المحمدية. الجارية، الماشية، والعبيد يخضعون لنفس القوانين تقريباً، فالعبيد حتى لو كانوا مسلمين فهم أقرب إلى الحيوانات مقارنة بقربهم إلى المسلمين الأحرار، والجواري المسلمات قريبات للحيوانات أكثر من قربهن للحرائر المحصنات، وهن أكثر شبهاً بالحيوانات والمواشي، العبيد عبارة عن أموال، وكل الكلمات أو القوانين المتعلقة بالمساواة، والتي تقول أن النفس بالنفس لا تُطَبَق على العبيد باعتبار أنهم أموال، والمسلم الحر يبيع ويشتري ويضاجع كما يشاء دون أن يخالف ربه قيد أُنمُلة.

* * *
أخوّة العبيد في الإسلام:
– لو أن رجلا ابتاع جارية وهي حامل فالوليدة وما في بطنها لمن ابتاعها اشترط ذلك المبتاع أو لم يشترطه قال مالك ولا يحل للبائع أن يستثني ما في بطنها لأن ذلك غرر.. ( موطأ مالك- القضاء في المدبر- ج5 ص164).
– لو اشترى ابن أم ولد له من غيره بأن استولد جارية بالنكاح ثم فارقها فزوجها المولى من غيره فولدت ثم اشترى الجارية مع الولدين فالجارية تكون أم ولد له وولده حر وولدها من غيره له بيعه. (البحر الرائق- باب نكاح الرقيق ) ” ما شاء الله حتى الأخوة كأسنان المشط”
– قد روى الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال قضى أمير المؤمنين (ع) في وليدة كانت نصرانية فأسلمت و ولدت لسيدها ثم إن سيدها مات و أوصى بها عتاقه السرية على عهد عمر فنكحت نصرانيا ديرانيا فتنصرت فولدت منه ولدين و حبلت بالثالث قال قضى أن يعرض عليها الإسلام فعرض عليها فأبت فقال ما ولدت من ولد نصراني فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيدها الأول و أنا أحبسها حتى تضع ولدها الذي في بطنها فإذا ولدت قتلتها و روى علي بن الحسين بن فضال ما يقارب معناه. (مجلة فقه اهل البيت العدد 41)
– قال الشيخ إذا اشترى جارية حبلى فوطأها قبل مضى أربعة اشهر وعشرة أيام فلا يبيع ذلك الولد لأنه غذاه بنطفته وكان عليه أن يعزل له من ماله شيئا ويعتقه وان كان وطيه لها بعد أربعة اشهر وعشرة أيام جاز له بيع ذلك الولد،….. إذا باع السيد جاريته الموطوئة فاتت بولد لدون ستة اشهر من وطى الثاني كان لاحقا بالمولى الأول وان كان لستة اشهر فصاعدا كان للثاني. (تحرير الأحكام (ط.ق) – العلامة الحلي ج2).
– ولد المرأة يلزمه بالعقد وإن لم يقر بوطء إلا أن يلاعن. وولد الأمة لا يلزم بغير إقرار بوطء (كتاب الأم- المجلد الخامس- ص1579)
فالأخوة في الإسلام يفرق بينهم عند بيع والدتهم الحامل مثلاً، أو بيع والدهم (السيد) لأخوتهم الذين هم من (واطئ) آخر،وإذا لم يعترف الواطئ بالوطء لم يلزم الواطئ بالأبوة، مما يؤدي لمشاكل في الأخوة أيضاً، فالسيد يورّث احد الأخوة ويبيع الأخ الثاني بسوق النخاسين, ويمكن أن يمتلك أحد الأخوة لباقي أخوته كعبيد، ويحق له بيعهم أو استعبادهم كما يشاء، وفي ظل هكذا نظام اجتماعي وضيع يختلط الحابل بالنابل، ولا يبقى هناك مكان للمشاعر والإنسانية، الإنسانية التي أرى أنها مفقودة عند فقهاء الإسلام وشيوخهم بشكل عام ، وفقدانهم لها لم يأتي من فراغ، بل نتيجةً لدين بلا رحمة تدينوا به، وتاريخ أسود انغمسوا فيه، وتربية قبلية رعوية تربوا عليها.

يـتـبـع

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

الليالي الخمسة 3

الليالي الخمسة 3

الليلة الثالثة

محمد الرديني

كان جدي حمدالعسكر كثير الاسفار، تساعده في ذلك بنيته القوية وعمله  كحرفي ماهر في صناعة الانابيب الحديدية. هذا العمل كان يدر عليه دخل ا يفيض عن حاجته. ورغم اني لم اره الا مرات قليلة في السنة حينما يأتي لزيارة امي ويسال عني بشكل خاص الا اني كنت اهابه وهي نوع من الرهبة الممتزجة بكثير من الاعجاب والخوف حين اقف امامه . كان نوعا من اولئك الرجال الذين يحبون الصمت ينظر اليك بقوة حين تكلمه، يشعرك انه يصغي اليك ولكنه في الحقيقة يسمع منك مايريد هو ان يسمعه فقط. قالت امي عنه ذات يوم انه يستطيع ان يجلس لوحده اسابيع دون ان يتحرك. رجل يحب الصمت ولا احد يعرف السبب.
في تلك الاوقات كنت احاول ان اقترب منه كانت شخصيته طاغية، يملأ البيت صخبا وضجيجا من الدقيقة الاولى لزيارته وكان الوحيد التي تسمح له امي بقرص خدها والعبث  بشعرها.
يستهل صخبه بالذهاب الى المطبخ يفتش عن طبخة اليوم، انها  حركة اصبحت مكشوفة للاختلاء بامي ولكنه يعرف ايضا ان امي طباخة ماهرة. وامام  الفرن يسألها مداعبا وبقايا الاكل في فمه:
–  هل انت راضية عن ابو محمد.
تنكس رأسها خجلة وتمتم بكلمات غير مسموعة . يصيح هو:
” قلتها عشرات المرات انه لايصلح لك، انه مزاجي لديه افكار غريبة تبعث على الجنون. نعم ، نعم انها آخر مرة ساكلمه آخر مرة ولكن هل يفيد الحديث معه، انه حائط اسمنت.
وترد هي بصوت خجول وخافت:
” انها القسمة ياابي.
” اي قسمة هذه، انكن غريبات الاطوار فعلا، حين تحب احداكن رجلا تجاهر بحبها ان كان في حضوره او غيابه ولكنها تردد كل الكلمات التي قيلت قبل قرن من السنين… انها قسمة، انه زوجي انه ابو عيالي ، ظل راجل ولاظل حيطة.
ينهض جدي غاضبا او بالحقيقة يتصنع الغضب فامي اعتادت على سلوكه هذا. نفس الكلمات ونفس تعابير الغضب كل مرة. وسرعان ماتتبدل ملامح وجهها وترتسم عليه اشراقة طفل وهو يحتضن لعبته حين يبدأ يقص عليها آخر اخبار سفرياته.
كانت تنصت اليه بخشوع غير مبالغ فيه واصغاء قلما يتكررعند الاخرين. كنت مأخوذا بهذا الاصغاء حتى اني تمنيت حين اتزوج الايكون هم زوجتي سوى الاصغاء كما تفعل امي.
وتستغل امي فترة شرود جدي للحظات لتسرع الى المطبخ وتلقي نظرة على الاكل، حينها يلتفت جدي الي فجأة ويقول:
” سافر يامحمد، ان السفر يعلمك اشياء كثيرة، انه يشعرك بالفخر كما يشعرك بالخيبة واليأس .
يتنهد قليلا ثم يعاود الحديث:
” للسفر مرارة قلما يقدر بعضنا على هضمها، ولكنها احلى بكثير من الثبات في مكان واحد. انه عالم فسيح فلماذا نستقر في مكان واحد.
وفي مرات عديدة كان جدي يأخذني معه الى مجلس الحي وهناك كنت اسمعه يسرد القصص الطويلة عن تلك العوالم التي رآها وتعابير وجهه تكن هي نفسها التي كان يتحدث بها مع امي.
ذات مرة سمعته يتحدث الى اصدقائه وكان قد عاد لتوه من سفرة طويلة، كنت احس في صوته تعب شديد وبحة لم تكن موجودة من قبل … قال اشياء كثيرة: عن الحب والحياة والبشر الذين يعيشون في وديان الجبال والهضاب التي ضمت اناسا لا يعرفون سوى السماء والعشب المترامي بين السهول.
ولكن الذي لم يقله حمد العسكر في ذلك اليوم قاله احد فتيان شط العرب ذات يوم:
” تحركت العبارة بصعوبة بالغة متجهة الى الجهة المقابلة من شط العرب وكان حمد العسكر يقف وسط  حشد من البشر ينظر اليهم ولايراهم، ولولا النسيم البارد الذي كان يداعب وجنتاه لما احس انه في هذا المكان.
في وسط الشط توقفت العبارة قليلا وسمع الركاب صوت الاسطى حسن سائق العبارة وهو يصرخ:
” تمسكوا جيدا فالموج بدأ يعلو والرياح ستصبح  قوية.
ضحك حمد العسكر في سره فالاسطى حسن يبالغ دائما في الحديث عن الجو. الركاب المدمنون على العبور معه كل يوم يعرفون ذلك جيدا.
ولكن  يبدو ان الصيحة في هذه المرة كانت جادة فلم تمض دقائق حتى بدأ الموج يرمي بالعبارة يمينا وشمالا وسرعان مالف الضباب كل شيء واصبحت الرؤية معدومة تماما.
احس حمد العسكر براحة غريبة وشعور طاغ  بانه خفيف جدا وهو ينظر الى امواج الشط ذات اللون الطيني. لاول مرة يشعر بانه صافي الذهن يمكنه ان يفكر بصوت عال وهو يقف وسط هؤلاء البشر.
لم تتح له الفرصة الا نادرا ان يفكر بصوت عال، فاذا كان في البيت واراد ان يرفع صوته قليلا في غرفة نومه فان امرأته تأتي اليه مذعورة وتتوسل اليه:
” مالك ياحمد ارحم نفسك قليلا.. لماذا كل هذا الهم؟ اتشكو من شيء ؟ اتريد ان آخذك الى الطبيب؟ هل …..
ويقاطعها بشكل صارخ:
” اسكتي ….
ويعيد الرجاء بتوسل هذه المرة:
” اسكتي ارجوك.
وكأنها لم تسمع ماقاله حين تختفي برهة ثم تظهر حاملة بيدها صينية صغيرة تنفث دخانا:
” تعال ياحبيبي .. تعال ابخرك بالحرمل.
وكالنيزك يخرج من الغرفة ثم من الباب الخارجي بعدها الى الشارع العام والى اقرب بار .. هل تراه  كان مصيبا حين كان يتصرف بهذا الشكل. لاادري ، هو اعرف انها تحبه  ولكن ليس هذا هو الذي يريد، لايريد هذا الذل في عينيها وهي التي تسميه حبا .. يريدها ان تكون مثل …استغفر الله العظيم .
كانت العبْارة تتحرك مثل السلحفاة فوق المياه، والاسطى حسن يبذل جهدا ملحوظا في السيطرة عليها.
انا اعرف تماما ان قلبها يستوعب حب الناس جميعا .. مرة بكت لانها رأتني ادوس على صرصار في مطبخ البيت.
” لماذا لم ترمه خارج البيت ، انه كائن حي على اية حال.
يلفني الصمت ، لااعرف كيف اجيبها هل اصرخ … هل اعوي .. هل ابكي واقول لها اني رجل وانت امرأة ولكن الذي بيننا مثل العبْارة التي يقودها الاسطى حسن، لاتستطيع ان تقود نفسها بنفسها.. انها كتلة حديد لااكثر ولا اقل.
” اتعرفين كيف يعمل الحداد.
بدهشة تفتح عينيها الواسعتين.
” نعم؟؟.
” اقول هل تعرفين كيف يلوي الحداد الحديد.
تضحك.. ( كنت في السابق احسب عدد ضحكاتها فقد كانت تعد على الاصابع).
” بواسطة النار طبعا .
” ولكنه حديد.
” نعم انه حديد.. ماذا تريد ان تقول ؟
” لاشيء ، انها فكرة طرأت برأسي فجأة.
اتذكر جيدا تلك الليلة  كنت احس بسعادة لا اعرف سببها وبالتأكيد لم تكن بفعل الشراب الذي تناولته فانا اعرف نفسي جيدا … صحيح كنت متوهجا، اكاد اشعر بان جسمي كله يرسل اشعاعات الى كل الجهات وجوفي بات  فارغا خفيفا وعيناي تبتسم لسبب لا اعرفه جيدا.
حين وصلت الى البيت كانت زكية في انتظاري وكعادتها سألتني:
” اين كنت …؟.
استغربت من الرقة التي سألتني بها، وبنفس الموجة الصوتية اجبت:
: اين اكون؟ في البار او اتسكع في الشوارع والطرقات.
” ولكنك تبدو سعيدا.
هذا هو الخيط الذي يربطني بها، انها تعرف كل شيء بمجرد ان تنظر الى عيني .. ذات يوم اعجبتني اغنية قديمة فطربت لها وبدأت آخذ صالة البيت طولا وعرضا وانا ارقص رقصتي الخاصة وحين انتهيت همست في اذني :
” هل ستلتقي باحداهن غدا.
صعقت، انه خبر صحيح  فقبل يومين خرجت من البار المجاور لبيتنا ولم اكد اضع اول خطواتي على رصيف الشارع حتى كانت تقابلني وجها لوجه.. نظرت اليها .. نظرت الي ، تخيلت انها تبتسم ، زال عني كل الخجل الذي حملته معي طيلة ثلاثين عاما وهمست لنفسي ببحة اذوب لدى سماعها ( ستكون مغامرتك الاولى.. هاانت تنال ماتريد بعد ان كنت تنوح وتقول لجميع المعارف والاصدقاء انك مازلت عذراء داخل شرنقة.. هيا تقدم فربما ستكون فاتحة خير لمغامرات مقبلة.
” انا .. انا اسمي.. اسمي حمد ، هل اتشرف .. اتشرف بمعرفتك.
” انا مريم.
” تشرفنا.
يارب الهمني القول، كيف استمر، اني لا اعرف كيف يتسنى لهؤلاء الملاعين ان يتحدثوا في هذه المناسبات دون انقطاع.
كادت ان تواصل سيرها لولا بقايا شجاعة كانت مخزونة في مكان ما في اعماقي.
” هل ادعوك لشرب كوب من الشاي ؟
قالت:
” هل انت مصر.
بسرعة البرق قلت:
” نعم … نعم.
” حسنا.
ومشينا معا .. كنت اتمنى في تلك اللحظة ان يراني كل اصدقائي .. يروني وانا اتمشى معها، صحيح ان خطواتي كانت واسعة ومقصودة كانما اريد ان استعد للهروب بعد ان اتركها ورائي عدة  خطوات ولكن اللبيب يعرف انها معي رغم ان خطواتي كانت تتوسع  بحذر حتى لااشعرها اني ملتصق بها.
قالت:
” تبدو وكأنك من الطراز القديم.
” لم افهم قصدك.
” كان الرجال في الماضي يستحون ان يمشوا بمحاذاة زوجاتهم ولهذا تراهم يتقدمون عليهن بمسافة لانهم ولا ادري لماذا يشعرون بالخجل من ذلك . وكانت الواحدة منهن تحاول اللحاق بزوجها ولكن دون جدوى فهو  يعرف كيف يسرع من خطواته او يبطئها عند الضرورة، انه اختصاص الرجال هنا على اية حال.
 ضحكت بخوف:
” لم اكن اقصد ذلك.
” اذن كنت تريد الا يعرف الناس انك معي .
” ماهذه الافكار.
ضحكت وحسبت ان هذه الضحكة هي نهاية الحديث.
شربنا الشاي  صامتين، لاول مرة لا اعرف ماذا اشرب فقد كان ذهني يغلي وجسمي يرتجف ويداي تختضان.. لماذا لاتعرف كيف تدير الحديث . لو كانت هي التي تقابلك الان لعرفت كيف تتحين الفرصة لكي تناكدها وتبحث عن الف سبب لكي تغلق باب غرفتك وتسرح في اللاشيء .. تكلم ، هل فرغ  ذهنك من كل المواضيع.
” لماذا انت صامت.
“لا اعرف عن اي شيء اتحدث فهذه هي المرة الاولى التي التقي بها مع حسناء مثلك.
” كل الرجال يقولون ذلك.
هل اقسم لها .. هل اقول لها ان زوجتي قالت ذات مرة لصديقاتها لو اني رايت حمد مع احداهن في غرفة نومي لكذبت عيناي؟ ماذا اقول ايها الناس .. كل اصدقائي يسخرون مني حين يبدأون الحديث عن مغامراتهم العاطفية بينما انا اركن الى الصمت.
احدهم يضحك بحركة خبيثة:
” وانت ياحمد الم تزل عذراء داخل شرنقة؟
وتجلجل الضحكات ، واضطر الى تمثيل دور الزعلان واغادر الى اقرب بار انفث فيه خيبتي.
” اين ذهبت.
” لا، انا معك.
” حسنا ظهرت اول خصلة فيك.
” ماهي ؟.
” الكذب.
” حاشا لله، فقد سرحت قليلا.
” اين..؟.
” ليس بعيدا.. هل نتمشى قليلا.
تأخر الوقت وعلي ان اذهب.
ايتها السماء .. انها ستذهب ، ماذا افعل؟ ماذا يقولون في هذه المناسبات.
استحضرت كل مواهبي وخيالاتي  والمشاهد التي رأيتها في حياتي في مثل هذه المناسبة ولكن دون جدوى فكل شيء طار من مخي.
واخيرا استجمعت قواي وقلت بصوت مضطرب:
” هل سالقاك مرة اخرى؟
” بعد يومين في نفس المكان.
حين عدت الى البيت كانت كل عضلة في جسمي توشي بالذي فعلته حتى ان رائحة جسدي باتت غريبة عني.
قالت زكية:
” انها رائحة الانفعال.. اين كنت هذا اليوم.
” نفس المكان الذي كنت فيه امس واول امس وقبل سنتين وقبل..
كنت قد انتهيت من رقصتي الخاصة ودلفت الى الحمام لاغتسل هروبا من زخات الاسئلة.
ادرت ظهري وانا على الفراش حتى لاتشي عيني بما افكر .. انها ملعونة هذه المرأة . قد يخطأ العرافون في قراءة الكف او الفنجان ولكن هذه المرأة لاتخطىء معي حين تنظر الى عيني.
مدت يدها لتربت بها على كتفي وفهمت الرسالة.
: اتركيني فانا متعب هذا المساء.
وكطفل مطيع تتلحف بذراعي وتغطي حتى رأسها وتغط بعد ثوان بنوم عميق, غريبة هذه المرأة  تستطيع ان تعد الى الخمسة لتراها قد نامت وعلا شخيرها, اما  انا فكأني انام على دبابيس ولولا كاسات العرق التي اشربها لما استطعت النوم ابدا.
بعدها بلحظات كنت ابحلق بالظلام واسحب يدي بخفة من تحت رأسها لاتركها تحط على كتفها.. ايتها المرأة النائمة التي تقرأ صفحات عيني ، هل تقرأين ما يجول بخاطري الان، هل تعرفين فعلا  ما اعانيه ، هل تدركين ان الرجل حين ينام مع زوجته يكون هو الشاي وهي السكر. وحين يختلطان ببعضهما ينتجان شيئا لاعلاقة  له بالشاي او السكر ، هل تفهمين ذلك ام اضع كل هذه  الاسئلة في عيني حتى تقرأينها.
في الصباح تنهض باكرا ، توقظ الاولاد برفق وتدخل المطبخ مثل اي طباخ امضى سنوات طويلة يطبخ في الفنادق الراقية. واسمع ثرثرة الاولاد الذين لايحلوا لهم الكلام الا في الصباح الباكر. اسمعها تتحدث اليهم بصوت خافت مثل اي امرأة في هذا العالم لاتعرف من الدنيا سوى انها ام، كل احاسيسها الانثوية تتمحور في خانة الامومة.
ذات ليلة صرخت وانا فوقها:
” كفى لقد مللت.
” ماذا دهاك؟.
” لست احد اطفالك حتى تعامليني بهذا الشكل.
” وكيف تريدني ان اعاملك.
” هذه اشياء لاتدرس، انها تعرف بالغريزة، الانثى تعرف كيف تتصرف تماما في مثل هذه الظروف ولااحد يعلمها.
” لم افهم قصدك.
” ومنذ متى كنت تفهمين قصدي.
بدأت وطأة الامواج تخف قليلا واخذت العبارة تستقيم في سيرها وحين رست في الجهة الثانية من الشاطىء كان هو آخر المغادرين.
في منتصف الطريق الى البيت قرر ان يتناول كاسا من العرق في البار القريب من البيت، ابتسم فهو يعرف تماما ان الكأس الواحدة لاتكفيه. وحين طلب اول كاس تذكر ان سؤالا ازليا يسمعه حين يصل الى البيت.
” اين كنت هذا اليوم.
ولكنه بدلا من ذلك سمعها تقول:
” لقد جاء حفيدك محمد اليوم ليودعك.
سأل باهتمام:
” يودعني؟ الى اين؟.
” قال ان سيكون بحارا.
صرخ حزينا:
” ولكنه اختار عملا يدوس على القلب.
غزت رأسه بعد ذلك افكار شتى جاءته من كل حدب وصوب، ولكنه يعرف لماذا تجهم ؟ انها الغيرة … البحر لايناسبه الان فماذا يفعل؟.  

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

تعلَّم-ي بحور الشعر (2) المديد

تعلَّم-ي بحور الشعر (2) المديد

بقلم: رياض الحبيّب

الحق يقال؛ إن ما ساعدني على حفظ القصيدة العمودية خلال أعوام الدراستين المتوسطة والثانوية وعلى ضبط تشكيل الحروف (أي الحركات الإعرابية) هو إتقاني بحور الشعر الستة عشر. أتذكر أني كنت أصحح البيت الشعري لغويًّا من الخلل الموجود في وزنه. وإنّ حرفًا واحدًا من حروف الأبجدية كافٍ تمامًا ليخلّ بالوزن الشعري للبيت الواحد أزاد أم نقص وليعطي انطباعًا عن الشاعر بأنه لا يتقن الوزن. وهذا لا يشمل الخطأ الساقط من الشاعر سَهْوًا. والشاعر الدقيق حين يقرأ مادة، شعريّة أو نثرية، يميّز ما بين السَّهو أثناء الكتابة وبين النقص في المعرفة. كنت أكتشف الشعر الذي يشكو خللًـا في الوزن بسرعة البرق ولا أزال. ولا شكوى لديّ من قلّة الأصدقاء لهذا السبب؛ أي أنّي حين كنت أصغي إلى شاعر دعاني إلى سماع قصيدته، ثمّ أذِن لي بالإشارة إلى أخطائه الظاهرة فإنّ من أصدقائي- وهم معدودون بالأصابع- مَن أحسّ بالخجل وغيره بالصدمة والثالث بالإحباط بعد تكرار الدعوة. لقد اعترف لي أكثرهم بصحّة نقدي الأخطاء التي وقعوا بها أو سَهَوا عنها وإن كان منهم مَن حَظِيَتْ قصيدته بتصفيق حار من الجمهور. ذلك أيّامَ كنّا نلقي القصائد في مهرجانات شعرية خاصة وثقافية عامة. ففترت علاقتي مع أغلبهم وانتهت وضميري مرتاح.
 
إن معرفة الوزن تساعد كثيرًا في فهم اللغة الشعرية وفي العثور على أخطائها الإملائيّة والنحويّة والعَروضيّة. لعلِّي أتذكر عددًا قليلًـا من أصدقاء الصِّبا من أهل الذوق الشعريّ الرفيع ومن ذوي الأذن المرهفة، يعرفون الأوزان ويتقنون تقطيع كلّ منها، لكن الواحد منهم لم يكتب بيت شعر واحد خلال حياته- حتى ذلك التاريخ. وكان هناك العكس؛ أي ممّن يكتبون الشعر ويُخرجون قصائدهم مليئة بالأخطاء على أنواعها، مثقلة بتكلف واضح في التعبير والنَّظم. منهم من كان يهتم بالنقد البنّاء ومنهم من كان يرضى بوصفه لا أباليًّـا. فمَن رضِيَ بالنصيحة في بداية المطاف، شاكرًا صاحبها وممتنًّـا أحيانًـا، صار له في نهاية المطاف شأن في الشعر وباعٌ طويل نسبيًّا. علمًا أني كنت أبحث عن النصيحة والإرشاد بين الكتب وبين الأصدقاء ولم أصقل موهبتي بسهولة! إنما قرأت من أبيات الشعر الآلاف، باهتمام ونظر ثاقب، كما قرأت إلى جانبها نماذج أخرى من الأدب والفلسفة. وهذا ما استغرق وقتًا على حساب أوقاتي المخصصة لواجباتي البيتية والكنسيّة والمدرسيّة وعلى حساب هواياتي الأخرى. فهل مِن هواة الشعر اليوم مَن يقرأ شرح ابن عقيل وألفيّة ابن مالك والشعر العربي من عصر اٌمرئ القيس حتى نهاية العصر العبّاسي الثاني وهو ما يزال في مستوى الدراسة المتوسطة؟ ومَمِّن شباب اليوم الذي قرأ الفلسفة الشرقية- ولا سيّما اليونانية- والغربية والشعر العالمي والروايات وهو ما زال في مستوى الدراسة الثانوية؟ شكرًا للمكتبة العامّة، بيتي الثاني، على السماح لي ولغيري باستعارة تلك الكتب.
 
ثانيًا: بحر المَدِيْد
 
إذا علمنا أن الطويل من أكثر البحور استعمالًـا في العصور الذهبية للقصيدة العموديّة فإن المديد على خلافه. ومن يقرإ اليوم شؤون المديد وشجونه لا يشجعه المديد على الاندفاع صوب هضم بحور الشعر. لكنّ المديد بحر أيضًا وحين يغوص المرء في الأعماق تزداد احتمالية عثوره على جوهرة ما هنا ولؤلؤة ما هناك، لذا سأركز على جوهرة هذا البحر ولؤلؤته بعد قليل، بعدما حظيَتا بتقبّل أسماع الشعراء. وقد تعرّفنا في بحر الطويل على عروضه “مفاعلن” وعلى أضربها الثلاثة: مفاعلن ومفاعيلن وفعولن. والعَرُوض (أي التفعيلة الأخيرة في شطر البيت الأوّل المسمّى صَدْرًا) مؤنثة. أمّا الضَّرْب (أي التفعيلة الأخيرة في الشطر الثاني المسمّى عَجْزًا) فمذكَّر
 
إن الدراسة الأكاديمية التي قام بها الأب لويس شيخو في الجزء الأوّل من كتابه «علم الأدب» قد احتوت على مُلخَّص للمديد (وسائر البحور) وعلى ملخّص لعيوب الوزن والقافية. ذكر فيها أنّ (وزن المديد: فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ- أربع مرّات- لكنّ المديد لا يستعمَلُ إلّـا مجزوءً فيصير: فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُنْ * * فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُنْ) انتهى. ونحن في حلقة المديد أمام تفعيلتين جديدتين هما فاعِلاتُنْ وفاعِلُنْ، بعدما تمّ التعرّف على التفاعيل الثلاث في حلقة بحر الطويل
 
أوّلًـا: العروض فاعِلاتُنْ والضرب فاعِلاتُنْ الذي مثلها
 أي: فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُنْ * * فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُنْ
 قال شاعر: إنما الدنيا بَلاءٌ وكدٌّ * * واٌكتئابٌ قد يَسُوْقُ اٌكتئابا
 التقطيع الشعري: إنْنَمَدْدُنْ- يابَلَـا- أُنْوَكَدْدُنْ * وَكْتِئابُنْ- قدْيَسُوْ- قُكْتِئابا
 وتقطيع أيّ بيت شعري يتمّ على أساس طريقة لفظِهِ (أي وفق الطريقة الصحيحة لقراءته) وليس على أساس طريقة كتابته. فكم من الناطقين بالعربيّة (والناطقات) ممّن يقرؤونها (ويقرأنها) بالطريقة الصحيحة اليوم سواء أكانت شعرًا أم نثرًا؟
 
وقيل في بيتين منسوبين للشاعر تأبّط شرًّا- ت نحو 530 م وفق ويكيبيديا
 إنَّ بالشِّعْبِ الَّذِي دُونَ سَلْعٍ * * لَقَتِيلـاً دَمُهُ مَا يُطَلُّ
 خلَّف العِبءَ عليَّ وولَّى * * أنا بالعِبْء لهُ مُستقِلُّ
 إنْنَبشْشِعْ- بلْلَذي- دونسَلْعِنْ * لقتِيلَنْ- دَمُهُو- مايُطلْلُو
 خلْلَفَلْعِبْ- أَعَلَيْ- يَوَوَللْـا * أنَبِلعِبْ- إِلَهُو- مستقِلْلُو
 وبالمناسبة؛ تُلفظ “أنا” في هذا البيت مخففة “أنَ” أي بحذف الألف وبفتح النون للضرورة الشعريّة. وقد رأينا مِثلها في قول الشاعر المَعَرِّي الذي من الطويل (ألا في سبيل المجد ما أنا فاعلُ) ويوجد في الشعر الكثير مِن “أنا” الواجب لفظها مخفَّفة
 
وقال الشاعر العبّاسي أبو العتاهية- ت سنة 826 م
 إنَّ داراً نحْنُ فيها لدارُ * * ليس فيها لمُقيم قرارُ
 كمْ وكمْ حَلَّ بها مِن أناسٍ * * ذهَبَ الليلُ بهِمْ والنهارُ
 إِنْنَدارَنْ- نحْنُفِيْ- هاْلَدارُو * * ليْسَفِيها- لِمُقِيْ- مِنقرارو
 كمْوكمْحَلْ- لَبها- مِنؤناسِنْ * ذهَبَلْلَيْ- لُبهِمْ- ونْنَهارُو
 
ملاحظة: يجوز في المديد خبْن فاعلاتُن إلى فَعِلاتُنْ: (لقتِيلَنْ) و(يَوَوَلْلـا) و(أنَبِلعِبْ) في بيتَي تأبّط شرًّا و(ذهَبَلْلَيْ) في بيت أبي العتاهية الثاني. ويجوز خبْن فاعِلُنْ إلى فَعِلُن: (دَمُهُو) و(أَعَلَيْ) و(إِلَهُو) في بيتَي تأبّط شرًّا و“لمُقِي” و”لَبِها” في بيتَي أبي العتاهية. أمّا في ما عدا القافية فإنّ خبْن فاعلاتن إلى فاعلاتُ أو خبْن فاعلاتن وكَفُّها معًا إلى فَعِلاتُ لَمِن عيوب الوزن التي تدُلُّ على أن الشاعر (الذي عَرَفَ بَحْرَ قصيدته وأتقن فنَّ التقطيع الشعري فيها) غير موفّق في انتقاء مفردات اللغة، كما يدلّ على أنّهُ لم يقرأ من الشعر العمودي ما يكفي ليفطن إلى كيفية صياغة البيت الشعري. فيكفي هذا الشاعر نقدًا أن يُقال عنه {غير متمكن} بدون مجاملة. وما تقدّم يشمل جميع الأعاريض وجميع الأضرب في جميع البحور، إلّـا حالات خاصّة سآتي على ذكرها في خضمّ الحديث عن كل من المنسرح والمضارع والمقتضب
 
ثانيًا: العروض فاْعِلُنْ وقد عثرت على أربعة أضرب لها؛ هي فاعِلنْ وفاْعِلَـانْ وفَعِلُنْ بخفض العين وفَعْلُنْ بتسكين العين. مثالًـا على العروض فاْعِلُنْ والضرب الأوّل مثيلها
 أي: فاعِلاتُنْ فاْعِلُنْ فاعِلُنْ * فاعِلاتُنْ فاْعِلُنْ فاعِلُنْ
 قال شاعر: مستهامٌ دمعُهُ سائحٌ * * بين جنبيهِ هوىً قادحُ
 حَلَّ فيما بين أعدائِهِ * * وَهْوَ عن أحبابهِ نازحُ
 ملاحظة: يستطيع القارئ، من معرفة الوزن بإتقان، أن يقرأ (وَهْوَ) غير المُشكَّلة (أي التي لا حركات على أحرفها) بطريقة صحيحة. فقد لزم الوزنُ تسكين الهاء في (وَهْوَ) وقد يُلزِمُ الوزن بقراءتها (وَهُوَ) بضمّ الهاء في بيت آخر وإن كان المعنى واحدًا
 
مثالًـا على العروض فاْعِلُنْ والضرب الثاني: فاعِلَـاْنْ
 أي: فاعلاتن فاْعِلُنْ فاْعِلُنْ * فاعلاتن فاْعِلُنْ فاعِلَـاْنْ
 قال شاعر: لا يَغُرَّنَّ اٌمرأً عيشُهُ * * كلُّ عيشٍ صائرٌ للزوالْ
 وقال آخر: قد عَـلِمْتُمْ أنَّكمْ دوننا * * فكفانا أنْ عَـلِمتُمْ بذاكْ
 ملاحظة: قد ترد ميم الجماعة الساكنة هنا في “عَـلِمتُمْ” مضمومة في أبيات أخرى. لكنّ من يتقن الوزن الشعري يستطيع تقدير الصواب بين كونها ساكنة أو مضمومة، هذا إذا ما وردت الجملة بدون تشكيل أو وردت بتشكيل مغلوط فيه. والحال عينها مع “أنَّكمْ” ومع ”علِمتُمْ” الأخرى
 
مثالًـا على العروض فاْعِلُنْ والضرب الثالث: فَعْلُنْ
 أي: فاعلاتن فاْعِلُنْ فاْعِلُنْ * فاعلاتن فاْعِلُنْ فَعْلُنْ
 أيها الحادي بنا صادِيًا * * يبتغي بَعْدَ الصَّدى رَيّا
 مُنعَمًا عَرِّجْ على طيِّءٍ * * بفتىً يهوى لها طيّا
 ملاحظة: إنّ إتقان الوزن كفيل بقراءة كلمة “عرج” غير المُشَكَّلة قراءة صحيحة. فقد يقرأها قارئ بصيغة الفعل الماضي (عَرَجَ) أو عَرَّجَ بتشديد الرّاء، ما يسبب اختلالًـا في الوزن واختلافًا ما في المعنى
 
مثالًـا على العروض فاْعِلُنْ والضرب الرابع: فَعِلُنْ
 أي: فاعلاتن فاْعِلُنْ فاْعِلُنْ * فاعلاتن فاْعِلُنْ فَعِلُنْ
 أيّها المظلوم لا تستكِنْ * * أو تغضّ الطَّرْفَ والبصَرا
 هُبَّ ضدَّ الظُّلم مستبسلًـا * * مَن تحدّى الظّالمَ اٌنتصرا
 
ثالثًا: العروض فَعِلُنْ بخفض العين مع كلٍّ من الضربين فَعِلُنْ (نظيرها) وفَعْلُنْ بتسكين العين. لعلَّ في هذا النوع من المديد جواهرَ ولآلئ بضَربَيْه، على أنه الأكثر استعمالًـا في مديد الشعر العربي سواء القديم منه والحديث
 أمثلة على العَروض فَعِلُنْ والضرب الأوّل: فَعْلُنْ
 أي: فاعلاتن فاْعِلُنْ فَعِلُنْ * فاعلاتن فاْعِلُنْ فَعْلُنْ
 ورد في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني شعر منسوب للشاعر الفارسي والعالِم نصير الدين الطوسي- ت سنة 1274 م
 طال تكذيبي وتصديقي * * لم أجدْ عهدًا لمخلوقِ
 إنّ ناسًا في الهوى غدَرُوا * * أحدثوا نقصَ المواثيقِ
 لا تراني بَعْـدَهُمْ أبدًا * * أشتكي عِشْقًا لمعشوقِ
 طالتكذي- بيْوَتصْ- ديقي * لمْأَجدْعَهْ- دَنْلِمَخْ- لُوْقِي
 
وقيل في بيت منسوب للشاعر الفارسي الشهير الأبيوردي- ت سنة 1189 م
 وظباءٍ من بني أسَدٍ * بهواها القلبُ مأهولُ
 
أمثلة على العَروض فَعِلُنْ والضرب الثاني الذي مثلها: فَعِلُنْ
 أي: فاعلاتن فاْعِلُنْ فَعِلُنْ * فاعلاتن فاْعِلُنْ فَعِلُنْ
 قال اٌمرؤ القيس: وخليلٍ قد أقارقُهُ * * ثُمّ لا أبكي عَلى أثرِهْ
 واٌبنِ عَمٍّ قدْ تَرَكْتُ لَهُ * * صَفْوَ ماءِ الحوض عن كدَرِهْ
 وخلِيْلِنْ- قدْءُفا- رِقُهُو * ثُمْمَلاءَبْ- كِيْعَلا- أثرِهْ
 وَبْنِعَمْمِن- قدْترَكْ- تُلهُو * صَفْوَمائل- حَوضِعَنْ- كدَرِهْ
 
وقال الشاعر العراقي الجواهري في قصيدته الشهيرة: أيها الأرق
 
مرحبًا يا أيّها الأرَقُ * * فُرشَتْ أنسًا لكَ الحَدَقُ
 لكَ مِن عينيَّ مُنطلَقُ * * إذْ عيونُ الناس تنطبقُ
 لك زادٌ عِندِيَ القلقُ * * واليَراعُ النِّضوُ والوَرَقُ
 ورؤىً في حانة ِ القدَرِ * * عُتِّقتْ خمرًا لمُعتصِرِ
 – – –
 خفقتْ مِن حَولِيَ السُّرُجُ * * في الرُّبى والسُّوح تختلجُ
 ومشى في الظلمة البَلَجُ * * وقطارٌ راحَ يعتلجُ
 بضُرامٍ صدرُهُ الحرجُ * * فهْوَ في القضبان ينزلجُ
 وكأنغامٍ على وترِ * * سُعُلاتٌ ذُبْنَ في السَّحَرِ
 
تنويه: أوّلًـا؛ لو قال الجواهري (مرحبًا أيّها الأرَقُ) بحذف “يا” النداء لكانت البلاغة أعلى درجة، لأنّ “يا” هنا لتمشية الوزن لا غير. وعلى مثل هذا التكلّف قد يُلامُ شاعر يحذو حذو الجواهري. إذ لولا “يا” لتغيّر البحر من المديد إلى المتدارك. فاستقامة الوزن تمّت هنا على حساب البلاغة. ثانيًا؛ لا يحصل تغيّر في وزن البيت إذا ما قرئت (لكَ مِن عينيَّ مُنطلَقُ) بفتح ياء المتكلم دون تشديد (أي: عَيْنِيَ) لكنَّ الوزن يختلّ عند قراءتها (عينيْ) بسكون ياء المتكلم. ويختلّ الوزن بعد تسكين ياء “عنديَ” في البيت الثالث وياء “حوليَ” في بداية المقطع الثاني. كما يختلّ بتسكين عين “سُعُلات” ما استوجب الدِّقَّة في القراءة.
 
أخيرًا؛ غنّت موهوبة الصوت الملائكي السيدة فيروز مع عملاق الطرب موهوب الحنجرة الذهبية وديع الصافي أبياتًا مُوشَّحَة من المديد في مقطع يوتيوب التالي (عنوانه: أندلسيّات. ومدته عشر دقائق) بالإضافة إلى أبيات من الطويل والبسيط والمُقتضِب والرَّمَل. والجميل في هذا المقطع هو أنّ الأبيات المغنّاة مكتوبة. هنا أبيات المديد- مثالًـا على العَروض فَعِلُنْ مع ضربها الثاني الذي مثلها
 
يا شقيق الروح مِن جَسَدي * * أهَوىً بيْ مِنكَ أمْ ألمُ
 أيّها الظّبْيُ الذي شرَدا * * تركَتْني مُقلتاكَ سُدى
 زعموا أني أراكَ غدا * * وأظنّ الموتَ دون غدِ
 أين مني اليوم ما زعموا؟
 أدْنُ شيئًا أيُّها القمَرُ * * كاد يمحو نورَكَ الخفرُ
 أدَلالٌ ذاكَ أم حذرُ * * يا نسيمَ الرُّوح مِن بلدي
 خبِّرِ: اٌلأحبابُ كيف هُمُ؟
 
http://www.youtube.com/watch?v=VX5p34meTAU&feature=related

Posted in الأدب والفن | Leave a comment