تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 17

رياض الحبيّب

* تنويه: آثرت عرض هذه المقالة بقسمين ما اقتضى تخصيص حلقتين متتاليتين بسبب طولها- هنا القسم الأوّل-
لا أزال مستمراً في عرض الآيات القرآنية التي اعتبرها الرصافي في كتابه الموسوم “الشخصية المحمدية” في الذروة العليا من البلاغة. فقد بدأتُ بسورة آل عمران: ٦٤ فسورة النساء: ٤٧ وسأنتقل إلى رأي الرصافي في سورة الشعراء: ٢٢٧ كما ورد في الصفحة 615 من كتابه:

{وقوله في سورة الشعراء: ٢٢٧ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون) فإنّ هذه الآية مع فصاحة في اللفظ وبلاغة في المعنى تتضمن من الوعيد ما يصدع قلوب الظالمين ويهوّل عليهم أعمالهم الجائرة بوعيد ما عليه من مزيد. إنّ هذا الكلام البليغ ليُلقي في قلوب سامعيه من الخوف ما يجعل الناس يتواعظون به ويتناذرون. ولأنْ يخافَ الإنسانُ فيبلغ الأمنَ خيرٌ له من أنْ يأمَن فيبلغ الخوف} انتهى

أمّا أنا القارئ بعقليّة القرن الحادي والعشرين فلا أستطيع النظر إلى هذا المقطع (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) كما نظر إليه الرصافي بما لديه من خلفيّات ثقافية ودينية وبما لديّ، كما أنّ الزمن الذي عاشه الرصافي قد اختلف عن زمن تأليف القرآن وأنّ زمن الإنترنت والفضائيّات اليوم قد اختلف أيضاً عن زمن الرصافي؛ لذا لا أستطيع أن أتفق مع الرصافي في بلاغة المقطع المذكور، بدون متابعة النص من بدايته، لأنّ المقطع وحده غير واضح لديّ للأسباب التالية:
1 مَنْ هُم الذين ظلموا؟ بفتح الظاء واللام
2 مَنْ هو المظلوم أو الذين ظُلِموا؟ بالبناء على المجهول نحويّاً أي بضمّ الظاء وكسر اللام
3 ماذا سيعلمُ الذين ظلَموا ومتى سيعلمون؟
4 هل سينقلب الذين ظلموا إلى جهة الخير أي العدل أم ماذا؟
5 لماذا عَدَل مؤلّفُ القرآن عن اعتبار المقطع المذكور آية قرآنية كاملة، مستقلّة عمّا قبلها نسجاً متصلة بها معنىً، شأنها شأن غيرها من آيات قرآنية أخـَر، ذلك إمّا كان عَلّامُ الغيوب على دراية بأنْ يُكتـَبَ لذلك المقطع فيما بعد أنْ يكون في الذروة العليا من البلاغة؟

ولديّ تساؤلات أخرى ممّا يردُ بعد قليل، لكني اعتدت في جميع مقالاتي على الإستعانة بتفاسير الأئمّة المُعتمَدين لدى الإخوة المسلمين- والأخوات- من أجل أن يكون البحث علميّاً ومُوَثـّقاً وإلّا فلن يُكتـَبَ له الإحترام ولا النجاح. لذلك آليت على نفسي أن أتتبّع النصّ كاملاً وأسباب (النزول) قدر المستطاع، ابتداءً بالآية ٢٢٤ إلى آخر ما في السورة، معتمداً تفاسير الطبري والقرطبي وابن كثير، كي أحكم بضمير مرتاح على مقطع ما بأنه بليغ أو غير بليغ بصفتي قارئاً:
والشعراء يتبعهم الغاوون 224 ألمْ ترَ أنهم في كل واد يهيمون 225 وأنهم يقولون ما لا يفعلون 226 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون 227

ولأبدأنّ بالمقطع الذي رآى الرصافي أنّه في الذروة العليا من البلاغة، ثمّ أعود إلى ما سبقه. وهنا أوّلاً تفسير الطبري، المفسّر والمؤرّخ، المتوفى سنة 310 هـ:
يقول تعالى ذكره: وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بشركهم بالله من أهل مكة (أي منقلب ينقلبون) يقول: أيّ مرجـِع يرجـِعون إليه، وأيّ مَعاد يعودون إليه بعد مماتهم، فإنهم يصيرون إلى نار لا يُطفأ سعيرها، ولا يسكن لهبها. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
20421 – حدثنا ابن حميد… (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) يعني: أهل مكة.
20422 – حدثني يونس… قال: وسيعلم الذين ظلموا من المشركين أي منقلب ينقلبون

تعليقي:
1 رأيت بعد هذين الحديثين أنّ الظالمِين هم أهل مكة (من الذين كذ ّبوا محمّداً) والمشركون أمّا المظلوم فهو محمد ودعوة الإسلام. وهذا يكاد يكون جواباً على تساؤليّ الأوّل والثاني، لكنّ المفروض في كتاب منسوب إلى إله حكيم أنْ يُستوفى الكلام ليكون واضح المعنى وتالياً بليغاً، بدون الحاجة إلى حديث ممّن هبّ ودبّ ما قد يُختـَلـَفُ عليه والإختلاف قد حصل وهو كثير في كتب التفسير.

2 أرى المعنى (فإنهم يصيرون إلى نار لا يُطفأ سعيرها، ولا يسكن لهبها) ظالماً وقاسياً في الذروة العليا من الظلم والقسوة حيث لا مجال للرحمة من لدن الخالق بعد احتماليّة التوبة من لدن المخلوق، لولا أنّ مؤلّف القرآن تدارك الأمر فنسخ كلامه كأنه مهّد للردّ على هذا الإعتراض بالقول (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا) ولكنّه لم يحدّد نوعيّة الظلم ولا شرطاً لرحمة الخالق ولا زمناً لتوبة الظالم ولا مادّة دستوريّة (شرعية) للبتّ في الحكم على توبة الظالم أو استمراريّة ظلمه أو تماديه في الظلم ولا هويّة القاضي- وهذا ممّا سأقوم بالتوسّع فيه في خضمّ التعليق على تفسير ابن كثير للمقطع (وسيعلم الذين ظلموا…) بعد قليل. أمّا التعبير “نسخ كلامه” فلم آتِ به من عندي، إنما ورد في تفسير الطبري:
فنسخ من ذلك واستثنى، قال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
وورد في تفسير القرطبي أيضاً:
وروى الضَّحَّاك عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون) منسوخ بقوله (إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال الْمَهْدَوِيّ: وفي الصحيح عن ابن عباس أنّه استثناء.
——-

ثانياً- تفسير القرطبي ت 671 هـ
في هذا تهديد لمن انتصر بظلم، قال شُرَيح: سيعلم الظالمون كيف يخلصون من بين يدي الله عزّ وجَلّ؛ فالظالم ينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصرة. وقرأ ابن عباس: “أي منفلت ينفلتون” بالفاء والتاء ومعناهما واحد- ذكره الثعلبي. ومعنى “أيّ منقلب ينقلبون” أيّ مصير يصيرون وأي مرجع يرجعون؛ لأن مصيرهم إلى النار، وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العقاب وهو شرّ مرجع. والفرق بين الْمُنْقـَلَب وَالْمَرْجِع أنّ المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع الْعُود من حال هو فيها إلى حال كان عليها فصار كل مرجع منقلباً، وليس كل منقلب مرجعاً؛ والله أعلم؛ ذكره الماوردي.

تعليقي:
1 قول القرطبي {في هذا تهديد لمن انتصر بظلم} يعني لي أنّ انتصار محمد وزمرته (ومعهم جيش الملائكة) كان بعدل أمّا انتصار أعدائه فكان بظلم. فلماذا لم يكن محمد من الأساس هو المعتدي وهو الظالم في وقت كانت جزيرة العرب تنعم بالأمن والتعايش السلمي والتجارة الآمنة على رغم التعددية العقائديّة؟ وماذا كان دور الملائكة في المعارك الخاسرة (كما ورد في سورة الأنفال) وإلى من يرجع سبب هزيمة المسلمين في أحُد- مثالاً- وهزائم خلفائه من بعده في سائر عصور الخلافة، هل لتفوق جيش إبليس على جيش الملائكة؟ فقد ورد في سورة الأنفال:
إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أني مُمِدّكم بألفٍ من الملائكة مُردفين (٩)
وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم (١٠)

2 وقوله {وقرأ ابن عباس: “أيّ مُنـْفـَلـَتٍ ينفلتون” بالفاء والتاء ومعناهما واحد- ذكره الثعلبي} يدلّ على أنّ القرآن المكتوب زمن محمد لم يكن مُنقـّطاً وأنّ ابن عبّاس (الذي كان عمره ثلاث عشرة سنة أو 14 يومَ وفاة محمد) لم يسمع محمداً وهو يتلو القرآن إنما قرأ ما سطّر كتبة الوحي المُحمّدي. ولعمري أن اختلاف القراءات أدّى إلى مشكلة كبيرة مع القرآن ذاته قبل غيره، ضدّ ما قيل بأنّ ربّ القرآن حافظ لكلامه في سورة الحِجْر: ٩
إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون
فهل هذه الآية مجرّد ادّعاء ومطلوب من قارئ متواضع مثلي تصديقه؟ فأين الحفظ وكيف وأنّ ابن عباس الذي عاصر محمداً قد قرأ في مصحف ما قراءة مغايرة لما قرأ غيره في المصحف العثماني، هل هو “مُنقلب” أم مُنفلت؟ ذلك حتى لو سلّمنا بقول الثعلبي (معناهما واحد) فلا يجب أنْ تحدث هذه الظاهرة في كتاب منسوب كلامه لله الحكيم والعليم، إنما يمكن تقبلها في كتاب كلامه منسوب لإنسان. والنتيجة التي لا تقبل الجدل في نظري هي أنّ اللغة العربيّة- بعد ما تقدّم من التباس لغوي- لم تكن صالحة للتعبير عن فكر الله ولا جديرة بترجمة وحْيه، علماً أنّ الإلتباس المذكور والناجم عن عدم تنقيط الحروف يختلف عن موضوع اختلاف أحرف القرآن أي لغات قبائل العرب، كقوله في الآية الأولى في سورة الكوثر (إنّا أنطيناك…) و(أنطيناك) هي ممّا في لغة أهل العراق حتى اليوم والمختلفة عن لسان العرب في قريش (أعطيناك) الواردة في مصحف عثمان. أمّا الأمثلة على الإلتباسات اللغوية في القرآن فلا حصر لها عندي في كتب التفسير.
——-

ثالثاً- تفسير ابن كثير ت 774هـ
وقوله تعالى (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) كقوله تعالى (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) الآية
[يقصد ابن كثير سورة الروم: 57 وسورة غافر: 52 علماً أنّ “معذرتهم” لم ترد في القرآن في غير هاتين الآيتين]
وفي الصحيح أن رسول الله ص قال (إيّاكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) قال قتادة بن دعامة في قوله تعالى (وسيعلم الذين ظلموا…) يعني من الشعراء وغيرهم وقال أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدَّثَنَا إِيَاس بْن أَبِي تَمِيمَة قال حَضَرْت الْحَسَن وَمُرَّ عَلَيْهِ بِجنازَةِ نَصْرَانِيّ فقال (وسيعلم الذين…) قال عَبْد اللَّه بْن أَبِي رَبَاح عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى حتى أقول قد اِندَقَّ قَضِيب زَوْره (وسيعلم الذين…) وقال اِبْن وَهْب أخبرنا شُرَيْح الْإسْكَنْدَرانِيّ عَنْ بَعْض الْمَشْيَخـَة أنهم كانوا بأرض الروم فبينما هم ليلة على نار يشتوون عليها أو يصطلون إذا بِرُكْبَانٍ قد أقبلوا فقاموا إليهم فإذا فـَضَالَة بْن عُبَيْد فيهم فأنزلوه فجلس معهم- قال- وَصَاحِب لَنَا قَائِم يُصَلِّي حَتَّى مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة (وسيعلم…) قال فضالة بن عبيد هَؤُلَاءِ الَّذِين يُخـَرِّبُون الْبَيْت. وقيل المراد بهم أهل مكة وقيل الذين ظَلَمُوا من المشركين.
[وهذا المراد هو ممّا تقدم في تفسير الطبري]

والصحيح أنّ هذه الآية عامّة في كل ظالم كما قال ابن أبي حاتم… عن عائشة (رض) قالت:
كتب أبي في وصيّته سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذا مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو بَكْر بْن أَبِي قُحَافـَة عند خروجه من الدنيا حين يُؤْمِن الكافِر ويَنْتَهي الفاجر ويُصَدِّق الكاذِب إِنِّي اِسْتَخْلفْت عَليْكم عُمَر بْن الْخطَّاب فإِنْ يَعْدِل فذاكَ ظَنِّي بِهِ وَرَجائي فِيه وإِنْ يَجُرْ وَيُبَدِّل فلَا أعْلم الغيْب (وَسَيَعْلمُ الَّذِين ظَلَمُوا أَيّ مُنْقلَب يَنْقلِبُون)

تعليقي
قول ابن كثير {قوله تعالى (وسيعلم الذين ظلموا…) يعني من الشعراء وغيرهم} وقوله {والصحيح أنّ هذه الآية عامّة في كل ظالم} يعني الشعراء خصوصاً والظالمين عموماً (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا) فأرى أنّ مؤلّف القرآن قد ألقى بثقيل اللوم على الشعراء- المعارضين- وهم طائفة موهوبة من الناس شأنهم شأن الكهّان والخطباء والفنانين وفي رأيي أنّه لم يكن مُنصفاً بل كان حاقداً عليهم أقصى درجات الحقد، لماذا؟
سأجيب على هذا التساؤل وهنا أوّلاً نماذج ممّا جمعت عن الحقد المحمّدي على الشعراء المختلفين والثناء على المتفقين- أي لا علاقة لله بالموضوع بقوله (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً) لأنّ من الشعراء كأميّة بن أبي الصّلت مؤمنين بالله ويعملون الصالحات ويذكرون الله كثيراً ولكنّ مشكلة محمد معهم أنهم لم يصدّقوا دعوته أو لم يُسلموا لله وفق الإرادة المحمّديّة؛
ورد في تفسير الطبري حديث 20416 {حدثني يونس… في قوله (وذكروا الله كثيرا) قال: ذكروا الله في شعْرهم. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الذين استثناهم من شعراء المؤمنين بذكر الله كثيراً، ولم يخصّ ذكرهم الله على حال دون حال في كتابه، ولا على لسان رسوله، فصِفتهم أنهم يذكرون الله كثيراً في كل أحوالهم}

رابعاً- تفسير الجلالين- المَحَلّي ت 864 هـ والسّيوطي ت 911 هـ
“وسيعلم الذين ظلموا” من الشعراء وغيرهم “أي منقلب” مَرْجـِع “ينقلبون” يرجـِعون بعد الموت.

تعليقي: ولكنْ لماذا التركيز على الشعراء، هل يمثـّلون عامّة الناس؟ وما معنى (يرجـِعون بعد الموت) ولماذا تمّتْ معاقبتهم أساساً بالتعذيب والإغتيال بدلاً من محاولة إقناعهم بالإسلام بحجّة عقلانيّة أو بمعجزة ما؟

وسنرى فيما يأتي- وفي القسم التالي أي الحلقة 18- مدى المصداقيّة المحمّديّة بقوله (وذكروا الله كثيراً) فهل قصد محمد ذكـْرَ الله حقّاً أم اٌنّه قصَدَ «ومدحوا محمداً والإسلام كثيراً» وهل استحقّ الشاعر حسّان بن ثابت الأنصاري لقب “شاعر الرسول” بعد معرفة ميّزات الرسول ومواصفات شاعر الرسول؟ علماً أنّي لم أقرأ في حياتي شعْراً في مستوى بذاءة شعر حسّان بن ثابت، في وقت يؤكد النقاد- نقلاً عن سيرة حسّان في ويكيبيديا- أنّ ما نظمه حسّان بعد إسلامه قد افتقر إلى الجزالة وقوة الصياغة التي كانت له في الجاهلية. وهنا اعتراف حسّان بالسّباب والهجاء في أشهر قصائده:
لَنَـا فِي كـلّ يـومٍ مـنْ معـدٍّ *** سبـابٌ أوْ قتـالٌ أوْ هجـاءُ
فنحْكم بالقَوافِـي مَـنْ هَجانـا *** ونضربُ حيـن تختلـط الدمـاءُ
ألا أبـلـغْ أبـا سفيـانَ عنِّـي *** فأنتَ مُجـوّفٌ نَخـبٌ هـواءُ
بـأنّ سيوفنـا تركتـكَ عبـداً *** وعبـد الـدارِ سادتـها الإمـاءُ
هجوتَ محمـّداً فأجبتُ عنـهُ *** وعنـد اللهِ فِـي ذاكَ الـجـزاءُ
[واضح أنّ القصيدة قيلت قبلما أسلم أبو سفيان مُكرَهاً بعد فتح مكـّة]

ومن البذاءة في شعر حسّان ما حصلت عليه في محرّك گوگل للبحث:
قال حسّان يهجو هند بنت عتبة التي مثـّلت بجثة حمزة بن عبد المطلب في أحُد انتقاماً لقتل أبيها وعمّها وأخيها في معركة بدر. وكانت من النسوة الأربع اللواتي أهدر رسول الإسلام دماءهن، لكنه عفا عنها وصفح حينما جاءته مسلمة تائبة. وقد بات ابنها معاوية بن أبي سفيان من كتـّاب الوحي بين يدَي محمد وأوّل خلفاء الأمويّين والعاصمة دمشق:
وَعَصاك إِســـتـُكِ تَتَّقين بها *** دَقَّ العُجايَةَ عارِيَ الفِهرِ
قَرِحَت عَجيزَتُها وَمَشرَجُها *** مِن نَصِّها نَصّاً عَلى القهرِ
زَعَـــمَ الوَلائِدُ أَنَّها وَلَدَت *** وَلَداً صَغيراً كانَ مِن عَهرِ
الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج15 ص 192

لَعَنَ الإِلَهُ وَزَوجَــها مَعَها *** هِندَ الهُنودِ طَويلَةَ البَظرِ
… إلخ
البدء والتاريخ لاٌبن المُطهّر ج1 ص 247
_____________________

في القسم الثاني- الحلقة الثامنة عشرة- بعض الشواهد على مواقف رسول الإسلام من الشعر والشعراء ممّا ورد في أحاديث صحيحة.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 16

رياض الحبيّب

تناولت في الحلقة الخامسة عشرة تحليلاً للآية القرآنية المرقمة ٦٤ في سورة آل عمران وكانت المثال الأول من الأمثلة التي ساق الرصافي في كتابه الموسوم “الشخصية المحمدية” حول الآيات التي اعتبرها في الذروة العليا من البلاغة في القرآن؛ إذ ورد في نهاية الصفحة 614 من كلام الرصافي:
{لا يُنكـَرُ أنّ في القرآن ما هو جدير بأن يكون في الذروة العليا من البلاغة، فانظر إلى قوله في سورة آل عمران: ٦٤ … إلخ} ثمّ أضاف:
{وانظر في سورة النساء: ٤٧ (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـَزَّلـْنا مُصَدِّقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها) إلى ما في هذا الكلام من الوعيد بطمس الوجوه وردّها على أدبارها. فليس من المستطاع أن يوعد الإنسان خصومَهُ بأشدّ تقريعاً وتعنيفاً ولا أبلغ إرهاباً وتخويفاً من هذا الوعيد. إنّ طمس الوجوه وردّها على الأدبار لو قيل لصخرة لصدعها خشية، فهو كلام يدلّ على أنّ الموعد قادر قهّار وأنـّهُ لا يليق أن يقوله إلّا الله القادر الجبار العزيز المتعالي} انتهى

تعليقي:
1 سأكتب أوّلاً الآية القرآنية المذكورة كاملة-
(يا أيّها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مُصدّقاً لما معكم من قبْل أنْ نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وكان أمرُ الله مفعولا) – النساء: ٤٧

2 هنا تفسير القرطبي:
[وجدتُهُ أكثر تفصيلاً وشمولية من تفاسير الطبري والجلالين لتلك الآية]

يَا أَيُّهَا الَّذِين أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا
قال ابن إسحاق: كلّم رسول الله ص رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور وكعب بن أسد فقال لهم: (يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق) قالوا: ما نعرف ذلك يا محمد. وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر; فأنزل الله عزّ وجلّ فيهم “يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها” إلى آخر الآية .

نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا:
نصب على الحال.

مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى:
الطمس استئصال أثر الشيء; ومنه قوله تعالى (فإذا النجوم طمست) – المرسلات: 8 ونطمس بكسر الميم وضمها في المستقبل لغتان. ويقال في الكلام : طسم يطسم ويطسم بمعنى طمس; يقال: طمس الأثر وطسم أي امّحى, كله لغات; ومنه قوله تعالى: (ربنا اطمس على أموالهم) – يونس: 88 أي أهلكها; عن ابن عرفة. ويقال: طمسته فطمس لازم ومُتعَدٍّ. وطمس الله بصره, وهو مطموس البصر إذا ذهب أثر العين; ومنه قوله تعالى (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) – يس: 66 يقول أعميناهم .

واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية; هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين. أو ذلك عبارة عن الضلال في قلوبهم وسلبهم التوفيق؟ قولان. روي عن أ ُبَيّ بن كعب أنه قال: “من قبل أن نطمس” من قبل أن نضلكم إضلالاً لا تهتدون بعده. يذهب إلى أنه تمثيل وأنهم إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة. وقال قتادة: معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء. أي يذهب بالأنف والشفاه والأعين والحواجب; هذا معناه عند أهل اللغة. ورُوي عن ابن عباس وعطية العوفي: أن الطمس أن تزال العينان خاصة وتـُرَدّ في القفا; فيكون ذلك ردّاً على الدبر ويمشي القهقرى. وقال مالك رحمه الله: كان أوّل إسلام كعب الأحبار أنه مرّ برجل من الليل وهو يقرأ هذه الآية: “يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا” فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته فأسلم مكانه وقال: والله لقد خفت ألا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي. وكذلك فعل عبد الله بن سلام، لما نزلت هذه الآية وسمعها أتى رسول الله ص قبل أن يأتي أهله وأسلم وقال: يا رسول الله، ما كنت أدرى أن أصل إليك حتى يحول وجهي في قفاي. فإن قيل: كيف جاز أن يهددهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بهم; فقيل: إنه لما آمن هؤلاء ومن اٌتـّبعهم رفع الوعيد عن الباقين. وقال المبرد: الوعيد باق منتظر. وقال: لا بد من طمس في اليهود ومسخ قبل يوم القيامة.

أَدْبَارِهَا أَوْ (أي أصحاب الوجوه) نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ:
أي نمسخهم قردة وخنازير; عن الحسن وقتادة. وقيل: هو خروج من الخطاب إلى الغيبة

وَكَان أَمْرُ اللهِ مفعولا:
أي كائناً موجودا. ويراد بالأمر المأمور فهو مصدر وقع موقع المفعول; فالمعنى أنه متى أراده أوجده. وقيل: معناه أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به.

3 والآن وبعد معرفة معنى الآية القرآنية المذكورة استناداً على تفاسير معتمدة من المسلمين؛ أرى أنّها (آية) مرعبة وفي الذروة العليا من الفظاعة قبل النظر إليها من جهة البلاغة- ممّا يأتي تناوله بعد قليل. وقد أخبَرَنا الرصافي في كتابه عن النوبات العصبيّة الحادّة التي انتابت رسول الإسلام قبل نزول الوحي عليه وبعده، في الصفحة 114-117 ممّا نقل عن السيرة الحلبية، كما ورد ذكر تلكم النوبات في كتاب “محنة العقل في الإسلام” لمؤلّفه الصحافي اللبناني مصطفى جحا والذي دفع حياته ثمناً عن كتابه هذا. ومن جهة أخرى، لا داعيَ بعدئذ لإنكار الحديث الآتي أو الإدّعاء بضعفه- وقد رواه ابن بابويه القمي ت 329 هـ في “عيون أخبار الرضا” ج 2 ص 9 ح 24 وقد ورد أيضاً في “بحار الأنوار” ج 8 ص 310 ب 24 ح75 لمؤلفه الشيخ محمد باقر المجلسي المعروف بالعلّامة المجلسي ت 1111 هـ:

عن الامام علي بن أبي طالب (رض) قال: دخلت أنا وفاطمة على رسول الله ص فوجدته يبكي بكاء شديداً فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله ما الذي أبكاك؟ فقال (ص) يا عليّ: ليلة أ ُسري بي الى السماء رأيت نساءً من أمّتي في عذاب شديد واذكرت شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن؛ رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها ورأيت امرأة معلقة بلسانها والحميم يصب في حلقها ورأيت امرأة معلقة بثديَيها ورأيت امرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها ورأيت امرأة قد شـُدّ رجلاها الى يدها وقد سُلّط عليها الحيّات والعقارب ورأيت امرأة عمياء في تابوت من النار يخرج دماغ رأسها من فخذيها وبدنها يتقطع من الجذاع والبرص ورأيت امرأة مُعلّقة برجليها في النار ورأيت امرأة تقطّع لحم جسدها في مقدّمها ومؤخرها بمقارض من نار ورأيت امرأة تحرّق وجهها ويدها وهي تأكل امعائها ورأيت امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار وعليها ألف ألف لون من بدنها ورأيت امرأة على صورة الكلب والنار تدخل من دبرها وتخرج من فمها والملائكة يضربون على رأسها وبدنها بمقاطع من النار.
فقالت فاطمة: حسبي وقرّة عيني أخبرْني ما كان عملهن وسيرهنّ حتى وضع الله عليهنّ هذا العذاب؟

فقال ص: يا بنيّتي أمّا المُعلّقة بشعرها فإنها كانت لا تغطّي شعرها من الرجال. أمّا المعلقة بلسانها كانت تؤذي زوجها. أمّا المعلقة بثديها فانها كانت تمتنع عن فراش زوجها. أمّا المعلقة برجلها فانها كانت تخرج من بيتها بغير اذن زوجها. أمّا التي تأكل لحم جسدها فانها كانت تزيّن بدنها للناس. أمّا التي شدّ رجلاها الى يدها وسُلّط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت قليلة الوضوء قذرة اللعاب وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تنظف وكانت تستهين بالصلاة. أمّا العمياء والصمّاء والخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلّقه بأعنق زوجها. أمّا التي كانت تقرض لحمها بالمقارض فإنها كانت قوّادة. أمّا التي رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار فإنها كانت نمّامة كذ ّابة. أمّا التي على صورة الكلب والنار تدخل من دبرها وتخرج من فمها فإنها كانت معليّة نوّاحة.

ويُروى أنّ تلك الحادثة حدثت أثناء المعراج تحديداً أي صعود محمد إلى السموات السبع لمقابلة الله وأنّ من الناس في مكة ممّن رفضوا تصديق هذه القصة بل ارتدّوا بسببها قائلين أنّ محمداً قد خرف وأصابه مسّ من الجنون. بَيْدَ أنّ اللافت في القصة هو غياب رؤية أيّ عذاب للرجال، إنما العقوبات (الإلهية) في الرؤيا المحمدية كانت مقتصرة على النساء! وأمّا اليوم فلو رآى شخص رؤيا شبيهة بالرؤيا المحمدية المذكورة فلا يختلف عاقلان في تشخيص مشكلة ما في مخ الشخص ما يستوجب إمّا تدخلاً جراحيّاً أو مصحّة نفسيّة ذات عناية فائقة.

4 أمّا تقدير درجة البلاغة وتقويمها- بعد ما تقدّم من تفسير للآية القرآنية- فأظنّ أنّ المطّلعين على كلام العرب في تلك الحقبة من الزمان- والمطّلعات- ولا سيّما الدارسين سيرون أنـّه كلام لا يستحقّ ضرب مثال به على البلاغة، لأنّ من سمات الكلام البليغ حسن اللفظ والتعبير، بالإضافة إلى انسجام العبارة ووضوح المعنى وحبكة الأسلوب ورصانة المقصد، إنما سيختارون مثالاً من كتاب مؤلّفه إنسان سويّ أي طبيعي. ولو افترضنا أنّ كلاماً ما مصدره فكرٌ غير عادي فأوّل إعتبار يُحسَبُ له هو أن يكون عقلانيّاً وبعيداً عن أيّة هلوسة كلّ البعد! لأنّ فكراً صاحبه إنسان طبيعي لا يقتضي جريه وفق العادة فحسْبُ، بل أحياناً كثيرة ما خرجت أفكار المفكّرين لتصبح فوق العادة (باتساع زاوية الرؤية والتعمّق في النظر) ولكنها لم تخرج عن العقلانية حتـّى لو خرجت عن إطار العاديّة.

5 لو جاز لنا أن نقارن بلاغة القرآن مع غيرها فالحكمة- في رأيي- أن تتمّ المقارنة مع المؤلّفات المعاصرة لزمن تأليف القرآن من جهة- ولكنْ من جهة أخرى، لا يجب أن تتفوّق بلاغة أيّة جملة- عربيّة أو غير عربيّة- على بلاغة أيّة آية قرآنيّة ولا يتفوق بيت شعر ما أو أسجوعة ما بلاغيّاً على القرآن لا قبل الإسلام ولا بعده، هذا إنْ أصرّ المتعصبون للقرآن على اعتباره موحىً به من الله أو صالحاً لزمان ما ومكان.

6هنا بضعة أبيات من معلّقة عمرو بن كلثوم، هي بحسب خبرتي مع الأدب الجاهلي في الذروة العليا من البلاغة، علماً أنّ المعلّقات قد سبقت القرآن:

إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ *** تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجدِينَا
عقاراً عُتِّقت من عهد نوحٍ *** ببطن الدّنِ يبتذل السنينا
هو ذا الشاعر عمرو بن كلثوم قد تكلّم في معلّقته بصيغة الجمع- وبها تكلّم مؤلّف القرآن أيضاً، لكنْ لم يدّع الشاعر بكلامه نبوّة ولم ينسبْ قوله إلى الله ولم يقل أحد أنّ الأبيات التالية موحىً بها من الله. فقد اخترت له:
وأنّا الطالبون إذا انتقمنا *** وأنّا الضاربون إذا ابتـُلينا
وأنّا النازلون بكلّ ثغرٍ *** يخاف النازلون به المَنونا
إذا لم نحمهنّ فلا بقينا *** لشيء بعدهنّ ولا حيينا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها *** ونبطش حين نبطش قادرينا

وهنا ما اخترت من معلّقة لبيد بن ربيعة العامري:
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَا *** حِجَجٌ خـَلَوْنَ حَلالُهَا وَحَرَامُهَا
شرح الزوزني- يقول: هي آثار ديار قد تمّت وكملت وانقطعت بعد عهد سكانها بها سنون مضت أشهر الحرم وأشهر الحلّ منها، وتحرير المعنى: قد مضت بعد ارتحالهم عنها سنون بكمالها. خلون: المضمر فيه راجع إلى الحجيج، وحلالها بدل من الحجيج، وحرامها معطوف عليها، والسنة لا تعدو أشهر الحرم وأشهر الحلّ، فعبر عن مضي السنة بمضيهما.

حَتَّى إِذا سَلَخا جُمَادَى سِتَّة ً *** جَزءاً فطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُها
[هو ذا الصيام معروف في جزيرة العرب قبل الإسلام وكذلك الحج والأشهر الحرم]
رَجَعَا بِأَمْرِهِمَا إِلىَ ذِي مِرَّةٍ *** حَصِدٍ وَنُجْحُ صَرِيْمَةٍ إِبْرَامها
[ذو مِرّة فاستوى – سورة النجم: 6]
فَالضَّيْفُ وَالجَارُ الجنيبُ كَأَنَّمَا هَبَطَا تَبَالَةَ مُخْصِبَاً أَهْضَامُها
[وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ – سورة النساء: 36]

وهل في القرآن كلّه بلاغة مُجْدية ليقارنها إنسان عاقل وعادل مع التالي من الروعة والرقـّة والتلقائيّة والإنصاف:
إِنَّا إِذا الْتقتِ الْمَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ *** مِنَّا لِزَازُ عَظِيمَةٍ جَشَّامُها
وَمُقَسِّمٌ يُعْطِي الْعَشِيرَةَ حَقَّها *** وَمُغذمِرٌ لِحُقوقِها هَضَّامُها
فضْلاً وذو كَرَمٍ يُعِينُ عَلَى النَّدى *** سَمْحٌ كَسُوبُ رَغائِبٍ غـَنَّامُها
مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ *** ولِكُلِّ قوْمٍ سُنَّةٌ وإِمامُها
لَا يَطْبَعُون ولاَ يَبُورُ فِعَالُهُمْ *** إِذ لا يَمِيلُ مَعَ الْهَوَى أَحْلامُها
فاٌقـْنـَعْ بِمَا قَسَمَ الْمَلِيكُ فإِنَّمَا *** قَسَمَ الْخلائِقَ بَيْنَنَا عَلاَّمُها
وإِذا الأَمَانَةُ قـُسِّمَتْ في مَعْشرٍ *** أوْفى بأَوفر حَظِّنا قـَسَّامُها

7 أين قول مؤلّف القرآن بقوله (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـَزَّلـْنا مُصَدِّقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها) من قوله في سورة البقرة: ٤٧ و ١٢٢ (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضّلتكم على العالمين) أم أنه كان يحاول استمالة اليهود إلى دينه قبلما يئس منهم، حتـّى نعتهم بنعوت مزرية ولعنهم ودعا أخيراً إلى قتالهم وفرض الجزية عليهم- التوبة: 29 وغيرها. وعلى أيّة حال فكلام مؤلف القرآن من كلام العرب ولا أدري لماذا يميّزه المتعصّبون بلاغيّاً عن غيره ولماذا يعتبرونه سماويّاً وأنّ المعلّقات في نظري أرقى فكراً من القرآن وأرقّ عاطفة، بالإضافة إلى ما تقدّم من سمات الكلام البليغ؟

8 قوله (نلعنهم كما لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ) يتناقض لاهوتيّاً مع عهد الله في الكتاب المقدس؛ فمتى لعن الله اليهود وكيف لعنهم والمُخلّصُ (أي السيد المسيح له المجد) مزمع أنْ يأتي منهم؟ بل لا تجوز اللعنة حتى قرآنيّاً بسبب التناقض، إذ ورد في القرآن- سورة النساء عينها والآية 171 (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد… إلخ) والسيدة العذراء التي ولدت يسوع كانت يهودية من نسل داود الملك ومن سبط يهوذا- وهو أحد أسباط إسرائيل الإثني عشر وأهمّها- وهذا بغض النظر عن غلط القرآن في تأنيث كلمة “كلمة” بقوله “ألقاها” والهاء ضمير متـّصل يعود على الكلمة، لأنّ الكلمة مؤنثة لفظاً مذكّرة معنىً إذ المسيح هو الكلمة- كما في بداية الإنجيل بتدوين يوحنـّا:
يو-1-1 فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ.
[يقول: كان الكلمة ُ ولم يقل: كانت]

وبغضّ النظر أيضاً عن فهم مؤلّف القرآن المغلوط للعقيدة المسيحية بقوله (ولا تقولوا ثلاثة) فأين مزاعم القرآن في الكتاب المقدّس الزاخر بمئات الآيات في التوحيد؟ وذلك سواء ما ورد في النساء: 171 أو في المائدة: 73 (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة… إلخ) وغيرها من مزاعم جاهلة أو افترائية باطلة.
______________

في الحلقة السابعة عشرة تعليق على البلاغة في سورة الشعراء: ٢٢٧ وغيرها- ما أمكن- من الأمثلة التي ساق الرصافي على الذروة العليا من البلاغة في القرآن.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

منتج فيلم الرسول يشهر إسلامه

طلال عبدالله الخوري 14\9\2012 

منتج فيلم الرسول المسئ للإسلام يشهر إسلامه؟

Posted in فكر حر, كاريكاتور | 1 Comment

أهل القرآن يتخبطون في تأويله 2-2

كامل النجار

يقول الشيخ د. أحمد صبحي منصور (إن من الطبيعى أن نفهم القرآن بالقرآن : أى أن نتعرف على مصطلحات القرآن من خلال القرآن نفسه. وهذا معنى البيان القرآنى. وهو معنى أن الله تعالى جعل بيان القرآن بالقرآن ، فلكى تفهم القرآن لابد أن تتدبره وتتعقله من خلاله هو ، وبمفاهيمه هو ، وخصوصا أن القرآن لم ترد فيه إحالة إلى شروح أخرى تعين على فهمه) انتهى .
والقرآن يقول لمحمد (لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم أن علينا بيانه) (القيامة 16-19). وهنا نجد مشكلة في تفسير القرآن بالقرآن إذ أن أول سورة نزلت على محمد كانت سورة إقرآ التي أمره فيها جبريل أن يقرأ سورةً من القرآن لم يكن محمد يفهما ولا يعرف قراءتها. ثم الآن يقول له (لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه) ما هو السبب الذي جعل الله يقول لمحمد لا تعجل به لسانك ونحن نعرف أن جبريل كان يأتيه بالآيتين أو الثلاثة ويرددهن له حتى يحفظهن. فلماذا أمره الله ألا يعجل به لسانه. هل كان محمد لا يجيد نطق ما أخبره به جبريل، فطلب منه الله أن يصبر حتى يررد جبريل الآية عدة مرات؟ وماذا نفهم من (إن علينا جمعه وقرآنه)؟ إذا افترضنا أن الله يجمع القرآن، فهل هو الذي يقرأه لمحمد أم جبريل كان يفعل ذلك؟ وإذا كان جبريل يفعل ذلك لماذا قال الله إن عليه قراءته؟ ويزيد الله ويقول لمحمد (ثم إنّ علينا بيانه). فحتى محمد نفسه ما كان يفهم القرآن حتى يبينه له الله. فكيف للمسلم العادي أن يقرأ القرآن ويتبين معانيه؟ ثم يزيد القرآن ويقول لمحمد (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً) (مريم 97). فكيف يبشر محمد بالقرآن المتقين وينذر به قوماً لدا إذا لم يشرحه لهم وقت نزوله؟ فإذا كان محمد قد شرح القرآن لقومه فلا بد أن هناك من حفظ شرحه ونقله إلى غيره حتى دونوه في كتب التفسير. فهناك كلمات كثيرة في القرآن لم يفهمها المعاصرون مثل (وفاكهةً وأبّا)، فسألوا عنها كما تقول الروايات. وهذا هو عين المنطق إذا أراد الله لهم أن يتدبروا القرآن، فالمتدبر لابد أن يسأل عما لا يفهم. وإذا قرأنا تفاسير المفسرين لكلمة “أبا” يتبين لنا أنهم لم يفهموا معناها فاختلفت تفاسيرهم. فكيف للمسلم العادي أن يقرأ القرآن ويفهم ماذا قصد الله بكلمة “أبّا” التي لم يفهمها عمر بن الخطاب ولا أبو بكر عندما سئلوا عنها؟ فالقرآن لا يفسر نفسه، وكما قال علي بن أبي طالب (القرآن لا ينطق إنما ينطق به الرجال). فالرجال الذين ينطقون به يحتاجون إلى التفاسير ليفهموه.
ثم أن القرآن يقول لمحمد (بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل 44). فكيف يبين محمد للناس دون أن يشرح لهم القرآن؟ وماذا عن (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون. إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون) (يس 13-14). كيف يفهم الناس هذه الآيات دون أن يشرحها لهم محمد؟ عن أي قرية كان يتحدث، ومن هم الاثنان الذان أرسلهما الله ثم عززهما بثالث؟ هل يمكن أن نفهم هذه الآيات من داخل القرآن نفسه دون شرح؟ وآيات أخرى كثيرة مثل (أصحاب الأيكة) من هم، وأين كانوا، وماذا فعلوا؟ ففهم القرآن من داخل القرآن نفسه وبدون الرجوع إلى من أتى به يكون ضرباً من التخبط والتخمين ليس إلا
يقول الدكتور منصور (ونعطى نماذج سريعة للاختلاف والتناقض بيم مفاهيم القرآن ومفاهيم التراث : الدين فى مفهوم القرآن يعنى الطريق، والسبيل، والصراط، والطريق قد يكون مستقيماً وقد يكون معوجاً. وقد يكون الدين أو الطريق معنوياً، أى العلاقة بالله تعالى. وقد يكون الدين أو الطريق حسياً مادياً كقوله تعالى عن أهل المدينة فى عصر النبى يعلمهم فن القتال ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة 122) فالآية سبقتها وتلتها آيات فى سياق القتال وتتحدث هذه الاية الكريمة عن النفرة للقتال، وضرورة إرسال فرقة استطلاع تتعرف على الدين أو الطريق ثم تنذر الناس وتحذرهم. ومن الخبل أن نفهمها على أن يترك المؤمنون رسول الله عليه السلام فى المدينة ثم يذهبوا للتعليم خارج المدينة، وهى موطن العلم بالإسلام، وكان غيرها مواطن الشرك فى ذلك الوقت.) انتهى
أعتقد أن التوفيق قد أخطأ الدكتور منصور في محاولته ربط الدين بالطريق، وجعل الطريق فعلياً وهو البقعة من الأرض التي يسلكها المسافر أو الغازي في جيش محمد، فهو يقول: (ومن الخبل أن نفهمها على أن يترك المؤمنون رسول الله عليه السلام فى المدينة ثم يذهبوا للتعليم خارج المدينة، وهى موطن العلم بالإسلام، وكان غيرها مواطن الشرك فى ذلك الوقت). الآية المذكورة من آيات سورة التوبة التي كانت آخر سورة نزلت من القرآن، وترتيبها حسب الظهور هو 113 من 114 سورة. في ذلك الوقت كان محمد قد أخضع جميع القبائل العربية للإسلام، فعندما يقول (ما كان للمؤمنين أن ينفروا كافة) كان يتحدث عن المؤمنين خارج المدينة الذين طلب منهم أن أن يرسلوا طائفة من كل قبيلة إلى المدينة ليتفقهوا في الدين ثم يعودوا إلى قبائلهم ليشرحوا لهم الدين لأن محمد اقتحم تلك القبائل بالقوة وأدخلها في الإسلام دون أن يشرح لهم الدين.
و افتراض الدكتور منصور بأن الدين في القرآن تعني الطريق فافتراض لا ينطبق على كل الآيات التي جاءت بها كلمة الدين. فمثلاً، القرآن يقول (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) (التوبة 12). فهل يقصد القرآن هنا إذ طعن المشركون في الطريق الذي يربط، مثلاً، مكة بالمدينة؟ ويقول القرآن كذلك (وادعوه مخلصين له الدين) (الأعراف 29). فهل المقصود: مخلصين له الطريق؟ وماذا عن (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) (الأنفال 72). فالواضح هنا أنه يحثهم أن ينصروا إخوانهم المسلمين إذا حاقت بهم الهزيمة وطلبوا مساعدة إخوانهم المسلمين الأخرين. فلا براح لكلمة الطريق في هذه الآية. وماذا عن سورة الكافرون (يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين). فالغالبية العظمى من الآيات التي وردت بها كلمة الدين كانت تعني العبادة أي دين الإسلام. وإذا أراد الدكتور أن يقول إن الدين هو الطريق معنوياً، يصبح المثل الذي أعطانه عن نفور طائفة من المؤمنين ليكتشفوا الطريق وقت الغزوات مثلاً لا مكان له في شرح القرآن.
ثم يستمر الدكتور منصور فيقول (ولكن مصطلحات التراث جعلت التفقه قصراً على العلم بالشرع، مع أن مفهوم التفقه فى القرآن يعنى العلم والبحث العقلى والمادى فى كل شىء.
ـ والسنة فى اللغة العربية تعنى الشرع، تقول “سن قانوناً” أى شرع قانوناً. وفى القرآن تأتى فى التشريع بمعنى الشرع حتى فيما يخص النبى (الأحزاب 38) وتكون حينئذ منسوبة لله تعالى، أما النبى فهو صاحب القدوة والأسوة (الأحزاب 21) فالسنة لله تعالى، ولنا فى النبى أسوة حسنة، وتأتى السنة منسوبة لله تعالى أيضاً فيما يخص تعامله جل وعلا مع المشركين، وتكون هنا بمعنى المنهاج والطريقة (الأحزاب 62، فاطر 43، الفتح 23) ولكن السنة فى التراث تعنى شيئاً مختلفاً سياسياً ومذهباً فقهياً.) انتهى
أنا لا أوافق الدكتور فيما ذهب إليه من أن التفقه في القرآن يعني العلم والبحث العقلي والمادي في كل شيء. فالذي يريد أن يتفقه في دين جديد أو مذهب سياسي أو أي دعوى أخرى، لابد له أن يمحص محتوى تلك الدعوى ويسأل عن كل كبيرة وصغيرة فيها، وينتقد ما لا يتوافق مع أفكاره. ولكن القرآن لا يتيح للناس تلك الفرصة. فالقرآن مثلاً يقول لليهود الذين انتقدوا آيات محمد (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا) (النساء 47). فهل هذا تشجيع على التفقه والبحث في آيات القرآن أم تهديد ووعيد – آمنوا وإلا؟ وهاهو يهدد المشركين الذين كانوا يجلسون في مجالسهم ويفندون قرآن محمد (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) (الأنفال 38). فهذا إنذار واضح: كفوا عن نقاش الآيات، نغفر لكم، وإن تعودوا للنقاش سوف تنالكم سنة الأولين من قوم لوط ونوح، أي سوف نخسف بكم الأرض. والذي يتفقه في نظرية جديدة، كما قلنا، لا بد له من أن يسأل، ولكن القرآن لا يجيب على الأسئلة. ماذا عندما سألوا محمداً عن المحيض؟ هل شرح لهم أن الحيض عبارة عن أوعية دم تغطي جدار الرحم لتهيئته لتغذية البويضة الملقحة، وفي حال فشل التلقيح يلفظ الرحم تلك الطبقة من الأوعية الدموية؟ هل شجعهم محمد ليبحثوا في هذا الأمر؟ كل ما قاله لهم القرآن (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) ( البقرة 222). وبقية الأسئلة كثيرة وإجابة القرآن عنها لا تسمن ولا تغني من جوع. وفي النهاية طلب القرآن من المؤمنين ألا يسألوا محمداً (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدى لكم تسؤكم). وزاد عن ذلك وقال لهم (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سٌئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) (التوبة 108). فالتوجيه الإلهي للناس في القرآن هو الكف عن الأسئلة، فكيف يدعّي الدكتور أن القرآن يحث الناس للتفقه والبحث العلمي في كل شيء؟
ونأتي الآن إلى موضوع النسخ في القرآن، فيخبرنا الدكتور منصور (والنسخ فى القرآن يعنى الإثبات والكتابة والتدوين، ويعنى فى التراث العكس تماماً، أى الإلغاء. ولنا بحث منشور فى هذا الموضوع) انتهى .
القرآن يقول (ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) (البقرة 106). فإذا كان معنى النسخ هو التثبيت والكتابة، يصبح معنى الآية أعلاه هو كل ما يثبت الله آية يأتي بأحسن منها أو مثلها. أو بمعنى أخرر: كلما يكتب الله آية يأتي بآية أخرى أحسن منها. أي يكرر نفسه بلا داعٍ للتكرار.
وفي سورة الحج يقول لنا (وما أرسلنا من قبلك من رسول أو نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يُحكّم الله آياته والله عليم حكيم) (الحج 52). وهذا يعني أن كل الأنبياء والرسل بما فيهم محمد قد تدخل الشيطان في وحيهم، فأثبت الله وكتب ما ألقى الشيطان ثم حكّم آياته من بعد ذلك. وهذا يؤكد أن القرآن به آيات ألقاها الشيطان في أمنية محمد، وثبتها الله في كتابه لأن النسخ يعني التثبيت، كما يقول الدكتور منصور. وعليه لم يفهم ابن عباس ولا عمر ولا أبو بكر ولا علي بن أبي طالب القرآن لأنهم فهموا النسخ على أنه إلغاء الآية بآية أخرى، وأصدروا أحكاماً قضائية مستنتجة من مفهومهم للنسخ كإلغاء
ثم يستمر الدكتور فيقول لنا (- وكذلك الحال مع “أولوا الأمر”، فالمقصود بهم فى القرآن هم أصحاب الشأن وأصحاب الخبرة والاختصاص فى الموضوع المطروح (النساء 59، 83) وليس المقصود هم الحكام كما يتردد فى التراث.) انتهى
فإذاً عندما يقول القرآن (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) (النساء 59) كان يقصد أن نرد الأمر إلى ذوي الاختصاص والخبرة في الموضوع ونطيعهم مهما قالوا. فلما أتت هذه الآية هل كان هناك ذوو اختصاص بالقرآن غير محمد نفسه، وقد قال القرآن ردوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منكم. فمن هم أولي الأمر والاختصاص في ذلك الوقت. وإذا كان ما يقوله الدكتور صحيحاً فهذا يعني إذا ذهب المريض إلى طبيب مختص ووصف له الطبيب العلاج فلا بد أن يطيعه ويفعل ما أمر به الطبيب ذو الاختصاص، ولا حاجة لمعاينة طبيب اختصاصي آخر قد يختلف في رأيه عن الأول. فالطاعة واجبة لذوي الاختصاص. أعتقد أن الآية واضحة وتعني طاعة ولي الأمر الحاكم.
يقول الدكتور منصور (1ـ ضمير الملكية : (الياء ) فى قولك ( كتابى وقلمى ) تفيد الياء هنا ملكيتك للقلم أو الكتاب . ومثال ذلك فى القرآن الكريم كلمة ( كتابى ) فى : (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ) ( النمل 28). اى كتابى الذى أملكه . هنا يتحول الأمر الى النقيض حين تقول ( ربى )، ياء الملكية تعنى العكس وهو أن الذى يملكك هو الله جل وعلا وليس العكس . وبهذا المعنى نفهم قول موسى عليه السلام (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )( الشعراء 62 )) انتهى
لا أرى أي سبب يجعل الياء في ضمير المتكلم تعني التمليك، فالمثل الذي أتى به الدكتور عن الكتاب يعني: كتابي الذي كتبته، ولا يعني كتابي الذي أملكه، لأنك بمجرد أن ترسل الخطاب أو الكتاب، لا يعود الخطاب ملكك بل ملك من أرسلته له. وإذا اتبعنا تأويل الدكتور منصور نجد أني عندما أقول: (زوجتي) يعني أني أملكها، وإذا قلت (همومي أضعفتني)، هذا يعني أني أملك تلك الهموم. وإذا قلت (تأخرت طائرتي ساعتين)، فهذا يعني أني أملك الطائرة. وإذا قلت (ديوني أرهقتني) فهذا يعني أني أملك تلك الديون، ولكن العكس صحيح بأن الديون هي التي تملك حياتي وتصرفاتي. و إذا قالت الزوجة (زوجي) فهذا يعني أنها تملك الزوج رغم أنه قد يكون متزوجاً ثلاث نساء أخريات. وإذا قلت (ديني الإسلام) فأنا أملك الإسلام. فالياء التي لا ترتبط بالرب هي للملكية، كما يقول الدكتور منصور، ولكن الياء المرتبطة بالإله هي للعبودية. مع أن الإله ما هو إلا فكرة تتكون في عقولنا، وما دامت فكرة فهي ملكي. لا أعتقد أن مثل هذا الطرح هو ما قصده كاتب القرآن. ياء المتكلم هنا لا تعني أكثر من الارتباط والانتماء، فزوجتي تنتمي لي وأنا انتمي إليها ولا ملكية في الأمر. وكذلك كل الأمثلة التي ذكرتها. العملية كلها عملية ارتباط، ولكن الدكتور أراد أن يدخل فيها العبودية لله، ومفهوم العبودية، حتى لله، مفهوم لا يليق بالإنسان
ثم يقول لنا الدكتور ( ـ ضمير الغيبة : ( هو ) يفيد غياب الشخص ،ولكن عندما تستعمل (هو ) بالنسبة لرب العزة الذى لا يغيب فإن كلمة (هو ) تفيد وتؤكد الحضور وليس الغياب ، بل يأتى السياق يؤكد على الحضور وعدم الغياب كقوله جل وعلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا )( المجادلة 7 ). تكررت كلمة ( هو ) عن رب العزة لتؤكد الحضور وليس الغيبة) انتهى .
أعتقد أن الدكتور حمّل الضمير أكثر مما يحتمل. هناك ثلاثة ضمائر: ضمير المتكلم (أنا، ونحن)، وضمير المخاطب (أنتَ، وأنتي، وأنتم)، وضمير الشخص الثالث (هو، وهي، وهم)، الذي نقول عنه في العربية ضمير الغائب، ولكن هذا لا يعني أنه غائب فعلاً. فقد يكون محمد مثلاً معي في الغرفة ويتصل شخص آخر بالتلفون ويقول: أين محمد؟ فأقول له: هو معي بالمكتب. فمحمد موجود وليس غائباً رغم أني استعملت ضمير الغائب له. فقول الدكتور إن استعمال الضمير (هو) لله تعني الحضور وليس الغياب، قول زائد لا معنى له.
ويقول الدكتور منصور (صفة ( الحى ) تعنى الحىّ الذى لا يموت : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ) ( الفرقان 58) وهى تناقض صفة (الحى ) لدى المخلوقات التى لا بد أن تموت ( وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( آل عمران 27 )) انتهى
هذا كذلك اجتهاد لا معنى له. صفة الحي تنطبق على الإنسان وعلى الله وعلي النبات والحيوان. الفرق الوحيد أن الإنسان في وقت من الأوقات يموت، والله المزمع لا يموت لأنه فكرة لا وجود لها على أرض الواقع. ولكن في أي لحظة زمنية يكون الاثنان أحياء إلى أن يموت الإنسان. ولذلك عرّف كاتب القرآن قصده بأن قال الذي لا يموت. ولو كانت كلمة حي في صفة الله تعني أنه لا يموتـ لما أضاف كاتب القرآن وصفاً إضافياً في آخر الجملة ، ولاكتفي بقوله: الله الحي. أما قوله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، فقول خاطيء يرجع إلى اعتماد محمد على الأشياء المرئية فقط. فمحمد كان يعتقد أن بذرة الذرة أو حصاة التمر ميتة، وعندما يزرعها الإنسان تنمو وتخضر. ولذلك جاء بهذه الآية، بينما البذرة ليست ميتة وإنما هي مسبتة أي مشتية

hibernating

 تنتظر المناخ المناسب والمياة العذبة لتنمو. فليس هناك إخراج للحي من الميت.
في النهاية إذا كان الدكتور أحمد صبحي منصور، زعيم جماعة أهل القرآن، يرنو إلى نشر فكر أهل القرآن، عليه أن يعتبر نفسه رسولاً عن أهل القرآن، وبالتالي عليه أن يتصرف كتصرف الأنبياء، كما أوصى القرآن محمداً وقال له (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). ولكن دعونا نقرأ ما كتبه الدكتور كمقدمة لمقاله هذا (هناك آفة يعانى منها بعض هواة الكتابة ، هى إنهم لا يقرأون ، وبعضهم إذا قرأ ولديه فكرة معينة فهو لا يتخلى عن فكرته ، ولا يفهم ما يقرأ ـ لو قرأ ، وهو يلاحقنى بنفس الأسئلة دون ان يكلف نفسه عناء القراءة . مؤخرا ، إنتهيت من كتابة ونشر أربع مقالات عن الثورة المصرية الراهنة ثم بدأت أستانف الكتابة فى سلسلة ( كتب ـ كتاب ) فى القرآن الكريم ، مع سلسلة أخرى تتكون من أربع مقالات ساخرة بعنوان ( تبرئة ابن حجر من بيع الحشيش للبشر ..آه يا بقر..؟؟) للتعليق على ثورة السلفية المصريين على المفتى فى اتهام ابن حجر ببيع الحشيش. عطّلنى عن عملى تعليق ظل صاحبه يلاحقنى به من التسعينيات دون ملل ودون رحمة ، ودون أن يقتنع ، ودون أن يقرأ لى.!). انتهى. لاحظوا هنا أن الدكتور ضاق ذرعاً بالأسئلة، فقال (وهو يلاحقني بنفس الأسئلة دون أن يكلف نفسه عناء القراءة). هل سكن الدكتور مع السائل ليعرف إن كان يقرأ أو لا يقرأ؟ إنه نفس الضيق بالأسئلة الذي أبداه محمد لأصحابه وقال لهم (لا تسألوا عن أشياء).

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

أهل القرآن يتخبطون في تأويله 1-2

كامل النجار

حركة أهل القرآن أو “القرآنيون” قديمة قدم الإسلام، فقد ظهرت بالتقريب مع حركة الخوارج. ولكن فقهاء الدولة الأموية ومن بعدهم الدولة العباسية، الذين كانوا يعتمدون على صناعة الحديث لمساندة خلفائهم، اتخذوا من مقولة علي بن أبي طالب لابن عمه ابن عباس عندما أرسله لمحاورة الخوارج (لا تجادلهم بالقرآن فإنه حمّال أوجه بل جادلهم بالحديث) سلاحاً اضطهدوا به أهل القرآن واضطروهم لاستعمال التقية والتخفي خوفاً على أرواحهم. وبما أن الأحاديث قد أصبحت السلاسل التي تربطنا بالماضي السحيق، ولم نستطع حتى الآن الفكاك منها، يصبح تشجيع أهل القرآن ومساندتهم أمراً مستحباً إن أردنا الخلاص من هذا الكابوس الجاثم على صدورنا. ولكن لكي نشجع أهل القرآن فلا بد لنا أن نقرأ في كتاباتهم منطقاً يقنعنا بنواياهم وبوسائلهم العلمية التي يزعمونها في بحوثهم. ولكن حتى الآن لم يقنعني الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور بجدية نهجه في البحث إذ أنه يفترض معنًى معيناً لكلمة ما ثم يحاول أن يفرض علينا اتباع ما يقول دون نقاش. ومما يؤسف له أن الشيخ منصور يقدم لنا أنصاف المعاني التي توافق طرحه ويحجب عنا ما تبقى من معاني الكلمة المطروحة، فيصبح كالذي يقول (لا تقربوا الصلاة) ويصمت.
فلو أخذنا مقاله الأخير بموقع الحوار المتمدن تحت عنوان (إختلاف معنى بعض الألفاظ القرآنية بل تناقضها حسب السياق) بتاريخ 4/11/2011، نجد الآتي:
(اللغة كائن حى يتطور باستمرار، تموت منها ألفاظ وتتولد ألفاظ جديدة ، و بالاحتكاك باللغات الأخرى يتم التلقيح وتوالد واستعارة ألفاظ اجنبية وتعريبها. واللغة العربية بالذات هى أقدم اللغات الحية التى لا تزال موجودة حتى الان قبل وبعد ظهور الاسلام. عاصرت اللغة العربية لغات أخرى تحولت لهجاتها الى لغات مستقلة على حساب تلك اللغة الم التى اندثرت ، مثل اللغة اللاتينية التى ماتت وتحولت لهجاتها الى لغات مستقلة كاللغات الفرنسية و الأسبانية و البرتغالية والايطالية وغيرها، وكل منها اكتملت وأصبح لها معاجمها وقواعدها) انتهى
لا شك أن اللغة كائن حي قد يموت وقد يتطور، ولكن اللغة العربية ليست أقدم اللغات الحية التي لا تزال موجودة. فاللغة السريانية التي اشتقت منها العربية، ما زالت حية في أجزاء معينة في العراق يتحدثها الصابئة. واللغة الحبشية التي استعار القرآن بعض كلماتها ما زالت لغة حية وهي أقدم من العربية. واللغة النوبية ما زالت حية في جنوب مصر وشمال السودان، واللغة الأمازيقية ما زالت حية. كل هذه اللغات أقدم من العربية وقد أدى الاستعمار الاستيطاني الإسلامي إلى حصرها في جيوب معدودة بعد أن حاول العرب المسلمون قتل تلك اللغات. اللغات التي ماتت كاللغة اللاتينية والكلدانية وغيرها فقد انتعشت بانتعاش الإمبراطوريات التي فرضت لغتها على الشعوب المستعمرة، وعندما انتهت تلك الإمبراطوريات انتهت معها لغتها. فإذا انتهت الإمبراطورية العربية الإسلامية في شمال إفريقيا فسوف تموت العربية ويحل مكانها اللغة الأمازيقية.
يستمر الشيخ أحمد صبحي منصور فيقول (لا تزال اللغة العربية حية حتى الآن لسببين : القرآن الكريم و تأدية الصلاة اليومية ) انتهى. وهذا قول لا أوافقه عليه. اللغة العربية والقرآن فُرضا على الشعوب في شمال إفريقيا عندما غزتهم قوات الدولة الأموية وفرضت عليهم الإسلام واللغة العربية. وبما أن الإسلام واللغة أصبحتا وراثيتين يتعلمها الطفل مع تعلمه النطق، أدى هذا إلى ديمومتهما. فالقرآن ليس هو سبب بقاء اللغة العربية حية، ففي باكستان أو الهند أو بنغلاديش يقرأ المسلمون القرآن بلغته لأنهم حفظوه كالببغاوات دون فهم لغته، وفي حياتهم العادية يتحدثون لغاتهم المحلية. فاللغة العربية لغة ميتة عندهم رغم وجود القرآن والصلاة اليومية.
ثم يقول الشيخ أحمد صبحي منصور، دون أي سند علمي (هذا التغير الكمى والكيفى حدث ويحدث للغة العربية بينما يظل القرآن فريدا محتفظا بلغته ومصطلحاته التى لا يمكن فهمها إلا من خلال القرآن الكريم نفسه. ولولا القرآن الكريم لاندثرت اللغة العربية كما أندثرت الآرامية قبلها ، وكما اندثرت السريانية واللاتينية بعدها) انتهى.
أولاً: يظل القرآن فريداً لا لأن لغته فريدة ولكن بسبب التلقين الببغائي والمبالغ الطائلة التي تصرفها السعودية والأزهر لطبع المصاحف وتنقيحها والتأكد من أنها مطابقة للأصل. ولكن رغم ذلك تحدث أخطاء كما حدث قبل عامين عندما أرسل الأزهر آلاف المصاحف إلى دارفور واتضح فيما بعد وجود بعض الأخطاء بها، فأحرقوها عن آخرها وطبعوا غيرها. فلولا توفر المال وتفرغ رجالات الدين الذين تصرف عليهم الدول الإسلامية بسخاء، لتحرف القرآن تدريجياً عن طريق مثل هذه الأخطاء. وثانياً: مصطلحات القرآن ليست هي التي حافظت عليه لأن مصطلحاته هي نفس مصطلحات اللغة العربية، وقد أكد القرآن نفسه هذا القول عندما قال لمحمد (أنزلناه بلسانك). فلسان محمد كان هو نفس لسان قريش ونفس لسان الشعر العربي في الفترة التي سبقت القرآن (الشعر الجاهلي). وقد ظل هذا الشعر، الذي اقتبس محمد كثيراً من أبياته، ما زال يحتفظ بمصطلحاته، وما زلنا نفهمها عندما نقرأ المعلقات. فقوله (لولا القرآن لاندثرت اللغة العربية) قول لا يسنده أي بحث علمي.
ثم يقول الدكتور منصور (ـ هل نفهم هذا القرآن العربى بمعاجم اللغة العربية؟ إن للغة العربية معاجمها المتميزة، و قد تم تدوينها بعد القرآن بقرون ، وهى خير دليل على أن اللغة العربية كائن متحرك تختلف فيها معانى الألفاظ من عصر لأخر ، ومن مكان لأخر. إلا إنه لا يجوز أشتراط فهم القرآن بمعاجم لغوية كانت ترصد حركة اللغة حتى عصرها) انتهى.
اللغة العربية ليست فريدة في هذا المضمار، فكل اللغات الحية لها قواميسها التي كُتبت بعد مئات السنين من بدء تلك اللغات. وما زال أهل اللغات الأخرى يرجعون لمعاجمها إذا استعصى عليهم شيء في اللغة. وكل كتب التاريخ الإسلامي الذي تخصص فيه الدكتور منصور، كُتبت بعد مئات السنين من موت محمد، فهل تعلم الدكتور منصور تاريخ الإسلام من مكان آخر أم من الكتب التي كُتبت بعد مئات السنين؟ وعليه لا يمكن أن نفهم القرآن بدون الرجوع إلى معاجم اللغة التي تشرح معاني تلك الكلمات المستعصية علينا. وهذا ما نفعله مع الشعر “الجاهلي”. والحل الآخر هو الرجوع إلى تفاسير العرب المسلمين الذين عاصروا محمداً كابن عباس وغيره لنعرف منهم ماذا فهم المسلمون ومحمد من كلمات القرآن الغريبة. أما أن يخترع الدكتور منصور معنًى من عنده ثم يقول لنا هكذا قصد الله أن يقول، فلا يمكننا أن نقبل بمثل هذا المنطق
وبدون الالتزام بالنزاهة العلمية يقول لنا الدكتور منصور (ولذلك فإننا اليوم نجد عجبا حين نرجع إليها ،فمعظم مفرداتها اندثرت من الاستعمال فى عصرنا الذى جاء بمصطلحات جديدة من الغرب يتضاعف عددها باضطراد. وحتى فى لغتنا المستعملة المتوارثة تجد بعض المفردات قد اختلفت عما سبق، فكلمة (عميد ) ظلت حتى العصر العباسى تعنى (المريض حبا )، وفى ذلك يقول الشاعر :” وإنى من حبها لعميد..” ، ويقول الفيروز آبادى ، فى معنى كلمة عميد ” هدّه العشق” اى أمرضه العشق. فأصبحت كلمة ( عميد ) اليوم تعنى مرتبة عالية فى الجيش أو فى رئاسة الكليات الجامعية. الخلاصة أن تلك المعاجم تم تدوينها بعد نزول القرآن بعدة قرون لتسجل حركة اللغة العربية فى زمانها وليس زماننا، وقد أصبح أغلب ما فيها من كلمات عربية غير مستعمل فى عصرنا) انتهى .
أولاً: إذا أخذنا اندثار الكلمات فإن أغلب اللغة العربية الفصحى يمكن اعتبارها مندثرة لأننا لا نتحدثها في حديثنا اليومي، وحتى القلائل الذين يستعملونها في نشرات الأخبار وفي الصحف لا يجيدونها ويخطئون في كل جملة وفي كل سطر. فاللغة الفصحى لغة كتابة فقط وليست لغة حديث. ثانياً: الأمانة العلمية كانت تتطلب من الدكتور منصور عندما اقتبس من معجم البلدان، أن يأتي بكل معاني كلمة “عميد” ولا يقتصر على تعريفها بالمحب المستهام. فالقاموس المحيط يقول إن كلمة عميد أصلها ( العَمودُ: وجمعها أعْمِدَةٌ وعَمَدٌ وعُمُدٌ، والسَّيِّدُ،
كالعَميدِ، وـ من السَّيفِ: شَطِيبَتُهُ التي في مَتْنِه، ورَئيسُ العَسْكَرِ،كالعِمادِ، بالكسر،
والعُمْدَةِ والعُمْدانِ، بضمهما) انتهى. فكلمة العميد منذ بداية اللغة العربية كانت تعني زعيم القوم الذي هو كعمود الخيمة الذي يحمل ثقلها، وتعني رئيس الجيش، وتعني كذلك المحب المستهام. فلم يحدث أي تغيير في معنى كلمة العميد كما زعم الدكتور. ويزيدنا ابن سعد في الطبقات الكبرى في معنى كلمة “عميد” فيقول (فأنشدني بعض الجرميين شعرا قاله عامر بن عصمة بن شريح يعني الأصقع * عندما أسلم:
وكان أبو شريح الخير عمي *
فتى الفتيان حمال الغرامه
عميد الحي من جرم إذا ما *
ذوو الآكال سامونا ظلامه
وسابق قومه لما دعاهم *
إلى الإسلام أحمد من تهامه) (الطبقات الكبري، ص 336).
ثم يسأل الدكتور منصور، فيقول (هل نفهم القرآن الكريم بمصطلحات التراث ؟ لقد زاد فى تطور اللغة العربية وازدياد وتعقد مصطلحاتها أن صار لكل طائفة دينية مصطلحاتها الدينية الخاصة بها ، فالشيعة لهم مصطلحاتهم ، وعلى سبيل المثال فان مصطلح (النواصب ) لدى الشيعة يطلقونه على السنة الذين ( يناصبون أهل البيت العداء ) ونفس المصطلح ( النواصب ) له معنى مختلف فى علم النحو إذ يعنى أدوات النصب التى تنصب الفعل المضارع أو الاسم , بل ان كلمة ( النصب ) تعنى التحايل على الناس و( النصب) عليهم، ولا علاقة لهذا ( النصب) على الناس بعلم النحو. بل إن كلمة ( النحو ) فى حد ذاتها مصطلح جديد ،ومثله المصطلحات الجديدة فى إطاره مثل الرفع و الجر و السكون والاعراب و البناء و الفعل و الاسم و المبتدأ و الخبر و الفاعل و المفعول به ..الخ) انتهى
المصطلحات الدينية لم تغير معاني اللغة، فكلمة نواصب مشتقة من النصب المعروف لكل من يتحدث العربية فالنصب يعني الغش ويعني أن نناصب شخصاً العداء. وكون الخليل ابن أحمد أو سيبويه استعمل كلمة نصب وناصب ليرمز بهما إلى علامة الفتحة فوق الكلمة لا يعني أنه أدخل جديداً في اللغة بحيث تغيرت معاني كلماتها. ولولا هذه العلامات التي أدخلها سيبويه (ت عام 180 هجرية) لأصبح من الصعب جداً فهم القرآن لأن الآية (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، لولا علامة النصب التي أدخلها سيبويه لأصبحت الآية تعني أن الله يخشى العلماء، بينما الفتحة وقواعد النحو جعلت معنى الآية أن العلماء يخشون الله.
ويقول الدكتور منصور (ومصطلح السنة يأتي في القرآن بمعني المنهاج والطريقة أو الشرع ،وبمعني الشرع يأتي منسوبا لله تعالي (33 / 38) . وفي العصر الاموى استعمل مصطلح السّنة في معرض الاعتراض علي السياسة الاموية واهمية ان ترجع الي ما كانت عليه سنة النبي ،أي طريقته العادلة فى الحكم .وبها بدأ الاستعمال السياسي لكلمة السنة وقتها) انتهى
ولا خلاف أن كلمة سُنة مشتقة من سنّ أي شرّع، وهكذا كان استعمالها في اللغة العربية وحتى في لغة التراث أي الأحاديث. فمثلاً (أخرج عبد الرزاق عن أيوب. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من استن بسنتي فهو مني، ومن سنتي النكاح”. (الدر المنثور للسيوطي). فالشرع ليس كله منسوباً لله كما يقول الدكتور منصور. فهناك الشارع المدني الذي يُشرّع دساتير الأمم، وهناك الشارع الديني الذي يستخلص القوانين من الآيات والأحاديث، وهناك الأنبياء الذين استنوا سنناً مختلفة. فمحمد مثلاً استن السواك وقال لولا أن يشق على أمته لأمرمهم بالسواك عند كل صلاة، وهي سنة حسنة يجب اتباعها. أما كلمة سُنة في القرآن فلها معاني كثيرة. (قل للذين كفروا أن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) (الأنفال 38). فسنة الأولين هنا تعني خسف الأرض بالكافرين أو إرسال الريح العاتية عليهم أو أي نوع من أنواع دمار الشعوب الماضية التي ذكرها القرآن. بينما الآية التي تقول (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) (الإسراء 77)، أي نفس قصة الأنبياء من قبلك الذين كذبهم قومهم فأرسل الله عليهم العذاب. فهذه هي سنة المرسلين قبلك؟ وفي آية أخرى يقول (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين) (الكهف 55). فسنة الأولين هنا تعني المعجزات. فالذي منع الأعراب من الإيمان هو انتظارهم المعجزات كما حدث مع الأنبياء من قبل. فيظهر لنا هنا أن كلمة سنة لا تعني فقط المنهاج أو الشرع كما يزعم الدكتور منصور
ثم يقول لنا الدكتور منصور (وأصبحت السنة من ناحية الفقه والفروع تعنى المذاهب الفقهية الاربعة المنسوبة للأئمة ابي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ،هذا في عصر الاجتهاد الفقهي . وفي كتب الفقه السنى اصبح مصطلح السنة يشيرالي درجة اقل من درجات الواجب ،فيقال هذا فرض واجب ،وهذا سنة .اويقال “يسنّ”بمعني يستحسن. ـ ومع كل هذا التطور والتعقد فى المصطلحات التراثية لا يجوز فى المنهج العلمى أن نستعملها فى فهم القرآن الكريم ، ليس فقط لأنها تمت ولادتها بعد عصر القرآن متأثرة بظروف سياسية واجتماعية وفكرية ، ولكن أيضا لأن للقرآن مفاهيمه الخاصة ومصطلحاته الخاصة التى تعارض بل وأحيانا تناقض تلك المصطلحات التراثية المستحدثة.) انتهى
ولا شك أن أهل المذاهب الأربعة من حقهم أن يسموا مذاهبهم سنة أي طريقة أي تشريع لأنهم أتوا بتشريعات أي سنن من القرآن والأحاديث التي استنبطوا منها أحكام مذاهبهم. فاستعمالهم لكلمة سنة هنا لا يخالف معني الكلمة المتعارف عليه. وهناك فعلاً تضارباً بين بعض أحكام السنة وبين القرآن، والسبب في ذلك ليس اللغة وإنما تقديس محمد عند المسلمين الأوائل الذين جعلوا أحاديثه تنسخ بعض صريح القرآن.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة التي أفند فيها تأويل الدكتور منصور لآيات القرآن

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

إعجاز قرآني أم تخاريف؟

كامل النجار

بعد أن قرأت مقال السيدة فينوس زهرة الحوار المتمدن خطر ببالي عدة أسئلة وإشكالات، وبما أن القرآن يوصينا أن نتدبر فقد تدبرت هذه الأمور وسوف أطرحها للقاريء ليتدبر هو الآخر.
يقول القرآن في سورة آل عمران (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين) (الآية 133). ويقول في سورة الحديد (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض أُعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (الآية 21).
وقبل أن نتحدث عن الجنة نفسها أحب أن أوضح أن الآية الثانية (سورة الحديد) وهي سورة مدنية، فيها خطأ نسخي. فالآية ربما كانت (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله) وليس “رسله” لأن محمد كان يقاتل اليهود والنصارى ويقول عنهم في القرآن إنهم كفار، وليس من المعقول أن يدخل الكفار الجنة رغم أنهم آمنوا بموسى وعيسى وهم رسل الله. فلا بد أنه كان يقصد “من آمن بالله ورسوله” أي محمد، وبذا يحصر الجنة على المسلمين فقط.
أما الجنة نفسها التي عرضها كعرض السماء أو السموات فلن يدخلها إلا عدد بسيط جداً من الخلق (السابقون السبقون. أولئك المقربون. في جنات النعيم. ثلة من الأولين وقليل من الأخرين) (الواقعة 10-14). ويزيدنا إيضاحاً فيقول في نفس السورة (ثلة من الأولين. وثلة من الأخرين) (الآيات 39-40). فهذه الجنة التي لا حدود لها، أي infinite كما يقول علماء الفيزياء، لأن السماء فضاء غير محدود ولا يمكن الوصول إلى آخره، أعدها الله لثلة من الأولين وثلة من الأخرين. أليس هذا تبذيراً والله لا يحب المبذرين؟ وحسب ما روت السيدة فينوس فإن الخيمة التي زارتها كان طولها ستين ميلاً. وعليه فإن عدد الخيام في هذه الجنة لا يمكن حصره، فماذا سوف يفعل الله ببقية الخيام الخالية من السكان؟
والقرآن لم يقل لنا كيف يتواصل هؤلاء الناس فيما بينهم إذا كانت كل خيمة طولها ستون ميلاً والمسافات بينها لا تُحصر. وقد حكى بعض الظرفاء نكتة عن هذه المسافات. تقول النكتة إن ثلاثة أصدقاء ماتوا في حادث سيارة وصعدوا إلى السماء، فقابلهم جبريل وقال لهم إنكم تحتاجون مواصلات في هذه الجنة. وسوف نعطي كلاً منكم سيارة حسب أعماله. فسأل الأول وهو شاب إذا كان قد خان زوجته، فقال لجبريل: نعم. خنتها عشر مرات. فقال له جبريل سوف نعطيك سيارة فلوكسواجن. وسأل الثاني وكان شاباً أيضاً. فقال نعم. خنتها 3 مرات. فأعطاه سيارة مرسيدس. وسأل الثالث وكان رجلاً في الستين من عمره. فقال الرجل: منذ أن تزوجت زوجتي قبل 40 سنة لم أنظر إلى امرأة أخرى. فأعطاه سيارة رولز رويس. وبعد فترة من الزمن كان الصديقان الشابان في سياراتيهما ومرا على الرجل الكبير وهو جالس في سيارته الرولز رويس وهو يبكي. فقالا له لماذا تبكي وقد أعطاك الله رولز رويس؟ فقال لهما: لقد مرت من هنا زوجتى وهذا ما جعلني أبكي. فقال له أحدهما: يجب أن تكون مسروراً إذا رأيت زوجتك في الجنة. فقال لهما: المشكلة أنها كانت تركب على سكيت بورد skateboard.
وبما أن القرآن يقول (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) فحتماً هو لن يعذب إنسان النيانتيدال ولا إنسان الهوموسيبيان ولا الفراعة قبل موسى ولا أقوامهم. فكل هؤلاء سوف يدخلون الجنة. فهل سوف يعطي لرجالهم حوريات؟ وهل يستطيع رجل النيانتيدال التفاهم مع حورياته؟
والقاريء لا شك يعلم أن الجنة والنار متجاورتان وبينهما برزخ نحيف. ويتحدث أصحاب الجنة مع أصحاب النار (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا) (الأعراف 44). فكل واحد من أصحاب الجنة اللامحدودة ينادي من خيمته التي يبلغ طولها ستين ميلاً، أصحاب النار الذين يصرخون بأعلى أصواتهم وهم يُشوون في النار، ويسألهم إن كانوا قد وجدوا ما وعدهم ربهم حقاً. وبما أن لغة الجنة هي اللغة العربية التي نزل بها القرآن، فهل سوف يفهم أهل النار من الإنكليز والأمريكان والهنود والصينيين والأفارقة هذا السؤال، حتى إن سمعوه مع هدير جهنم ومع صراخهم المستمر؟
فإذا كانت الجنة والنار متجاورتان لهذا الحد، والجنة عرضها السموات والأرض، أين تكون النار التي سوف يدخلها الغالبية العظمى من الناس الذين سوف يبلغ عددهم مئات المليارات عندما يأتي يوم الحساب، إذا كان هناك يوم حساب.
ولكن الإشكال الأكبر هو أن النار موجودة الآن حسب القرآن (النار يعرضون عليها غُدواً وعَشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) (غافر 46). فآل فرعون يُعرضون على النار كل صباح ومساء ثم يوم الحساب يقول الله لهم: ادخلوا أشد العذاب. وفي السنة المحمدية حسب ما روى البخاري، أن أبواب النار توصد في رمضان. وهذا يعني أنها تكون مفتوحة بقية السنة لمن يريد أن يزورها. فأين هذه النار الموجودة الآن ونحن نعلم أن الجنة عرضها السموات والأرض؟
وهذه النار الموجودة الآن ويزورها آل فرعون في اليوم مرتين، وقودها الناس والحجارة. وبما أن الناس لن يدخلوها إلا يوم الحساب، فلا بد أن وقودها الآن هو الحجارة فقط. وكما نعلم من الفيزياء فإن الحجارة تحمى في النار ويصير لونها أحمرَ، ولكن لا يمكن للحجارة أن تُطعم النار إلا إذا كان بها نفط. فهل حجارة السماء بها كميات خيالية من النفط تغذي جهنم التي ظلت مشتعلة منذ ظهور محمد حتى الآن، وسوف تظل مشتعلة حتى يوم الحساب حتى يدخلها المجرمون فيكون شحمهم غذاءً لها؟ وهذه النار بها شجرٌ من زقوم لا يحترق بل يجود بشراب مر على أهل النار. فمحمد قد ضرب بقوانين الفيزياء عرض الحائط
الله الذي خلق جنة لا حدود لها لأفراد قلائل، يفعل أشياء أخرى تُعتبر مضيعة للوقت. فمثلاً، نحن نعرف أن الإنسان عندما يموت يتحلل جسمه إلى مكوناته الطبيعية من أملاح ومعادن أخرى ويضيع في التربة من حوله. ولكن الله يخبرنا أنه سوف يخلق العظام مرة أخرى ويكسوها لحماً في يوم الحساب. وما دام الله قادراً على كل شيء، لماذا لم يجعل جسم الإنسان يحتفظ بلحمه وعظامه إلى يوم الحساب، ووقتها لا يحتاج الله إلا أن ينفخ فيه الروح كما فعل في قصة القرآن عن ذلك الرجل الذي مر على قرية مهجورة فقال: كيف يحيي الله هذه القرية؟ فما كان من الله إلا أن أماته مع حماره ولكن جعل الحمار يحتفظ بعظامه رغم أن اللحم قد تحلل. وبع مائة سنة أحياه الله وقال له انظر إلى طعامك الذي لم يتلف، وانظر إلى عظام حمارك وسوف ترى أننا نجمعها مع بعض ثم نكسوها لحماً. فهو قد جعل عظام الحمار تبقى على شكلها لمائة سنة، فلماذا لم يفعل الله نفس الشيء مع عظام الناس ويوفر على نفسه خلق العظام من التراب مرة أخرى؟ أعتقد أن خيال محمد لم يكن من الوسع بحيث يتغلب على هذه المشكلة
رب القرآن يفاخر بقوله (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) (الأنعام 38). فإذاً القرآن يحتوي على كل شيء نعرفه. يقول لنا القرآن (وأرسلنا الرياح لواقحَ فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) (الحجر 22). والذي يتحدث عن ظاهرة طبيعية يجب عليه أن يذكر القاعدة العامة ولا يتمثل بالشواذ أو القلة. فالله هنا يقول إنه أرسل الرياح لواحقاً. فنفهم أن الرياح هي التي تلقح الأزهار لتنتج لنا الفاكهة. ولكن في حقيقة الأمر فإن الرياح لا تلقح أكثر من خمسة بالمئة من الأزهار لأن قوة الرياح تدفع بالطلع بعيداً في الهواء. والغالبية العظمى من الأزهار تلقحها الحشرات مثل النحل والفراش والدبور وغيرها. والقرآن لم يذكر هذه الحقيقة بل قال عندما ذكر النحل (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون. ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذُللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) (النحل68-69)؟ فمحمد الذي كان يعتمد على الأشياء المرئية بالعين لم يكن يعلم أن الحشرات، ومنها النحل، عندما يحط على الأزهار ليمتص رحيقها تعلق حبات الطلع على الشعيرات التي بأرجل النحل، وعندما يحط النحل على زهرة أخرى ينزل الطلع من الأرجل على الزهرة فيلقحها. كل ما رآه محمد من النحل أنه يحط على الأزهار فيأكل منها ويخرج من بطونه عسلٌ فيه شفاء للناس. فكيف يقول (ما فرطنا في الكتاب من شيء)؟
وفي نفس سورة النحل يقول لنا إنه خلق لنا (الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) (آية 8). فهو هنا، مرة أخرى، يذكر النادر ويغض الطرف عن الأكثر. فالحجاز وقت ظهور محمد لم يكن به إلا عدد بسيط من الخيل، والشاهد على ذلك أن في غزوة تبوك في سنة تسعة هجرية كانت الخيول تُعد على أصابع اليد الواحدة، وكان محمد نفسه يركب ناقةً. أما البغال فلم يعرفها أهل الحجاز إلا بعد فتح الشام وكانوا يسمونها البرازين. فكيف لرب السماء أن يذكر الخيل والبغال والحمير ولا يذكر البعير الذي كان العمود الفقري للركوب وحمل الأثقال؟ فقد كانت قوافل قريش التي اعترضها محمد تتكون من ألف بعير، كما تذكر كتب التراث عن غزوة بدر. فهل نسي الله الجِمال وهو من المفترض أنه لا ينسى؟
وفي نفس سورة النحل يقول في الآية 14 (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طريا وتستخرجوا منه حِليةً تلبسونها وترى الفُلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله). إذاً البحر سخره لنا لناكل منه السمك ونستخرج منه الحلية وتمخر فيه مراكبنا. ولولا البحر لما كانت هناك حياة. فالطفيليات مثل الألقي Algae هي التي تنتج لنا أكثر من 90 بالمئة من الأوكسجين الذي نتنفسه. والتيارات تحت سطح البحر هي التي تتحكم في الطقس، خاصةً في فصل الشتاء. والغالبية العظمى من الأمطار تتكون من التبخر من البحار. كل هذا لم يكن معلوماً لمحمد ولذلك تحدث عن الأشياء المرئية مثل المراكب والخزف واللؤلؤ الذي يستخرج من البحر، والسمك طبعاً. فهل لم يفرّط في الكتاب من شيء
وأخيراً يقول لنا القرآن (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ) وهو قد تدبر الأمر وخلق الناس فقط ليعبدوه. وأظن أن تدبيره قد باء بالفشل لأنه يقول لنا في آية أخرى (خلق الإنسان من نطفةٍ فإذا هو خصيم مبين) (النحل 4). ومن المؤكد أن الخصم لا يعبد خصمه. فكيف فات على الله أن يبرمج الإنسان الذي خلقه من النطفة برمجة مضبوطة حتى يعبده بدل أن يكون خصيمه؟ هذه مجرد أفكار أوحاه لي مقال السيدة فينوس، فأرجو أن يتمعنها المدافعون عن الإسلام ويجيبوا لنا على تلك الأسئلة.

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

تأملات طفلة في مجتمع عربي

فؤاده العراقيه

وانا طفلة كان يتبادر الى ذهني سؤال لا يهتم له الكبار فكنت اسأل عن السبب في أن الشركات التي تنتج مواد التنظيف والغسيل تخاطب النساء فقط , كأن يضعون في اعلى العلبة افتحي من هنا أو اضغطي هنا , فكنت أخجل من هذه العبارة ولكني أداري خجلي منها عن طريق قطعهذه العبارة ورميها في سلة المهملات لقناعتي بأن هذا هو مكانها الأصلي , أو اقوم بتضليل تلك العبارة أو مسح حرف الياء أو نون النسوة التي كنت اخجل منها دوما حيث كانت نفسي تشمأز منها كونها تخاطب الجنس الأدنى فقط والذي انتمي اليه وسأتحمل في المستقبل أعباء وقرف هذا العمل الذي سيشل قدراتي ولا أستطيع الأبداع من خلاله , تصرفي هذا على السجية يحمل من العفوية والسذاجة الشيء الكثير .
في نفس الوقت كنت ارى جميع الكتب المدرسية تخاطب الذكور دوما في عباراتها مثل عزيزي الطالب , أو تكون صيغة السؤال في الأمتحانات : عرف ما يأتي أوعلل ما يلي ….. بغض النظر عن عدد الطالبات الأناث في الصف الدراسي والذي كان يفوق عدد الطلاب الذكور حيث الأناث مغضوض النظر عنهم دوما , كذلك في الشوارع والمحلات تكتب اللافتات للذكور فقط وفي التلفزيون يقول المذيع عزيزي المشاهد غير مباليا للمشاهدة الا ما ندر من البعض الذين كانوا يفرحوني عندما يبدأون اخبارهم بسيداتي وسادتي , كأن حياتنا خالية من النساء ولا دور لهن فيها سوى للبيت وللغسيل والمطبخ والتنظيف , فكنت اسأل عن السبب في خلو البلاد من تفاعل النساء فيها وحجبهن عن الدور الطبيعي للأنسان وعن معنى يقنعني بهذا الحجب , ويأتيني الجواب بأن الذكر كل شيء في حياتنا هو الأقوى والأذكى والأرقى .
كنت أرى جميع عوائلنا عندما كنت ازورهم مع والدتي تقوم على التفرقة واذلال المرأة , فعندما كنت ارى الأم تقف في المطبخ تعد الطعام لتنتهي الى اعمال المنزل الأخرى من تلميع وترتيب وغسل الملابس وكيها وحاجياتهم التي لا تنتهي وبالأضافة الى متابعتها لدروسهم لو كانت الأم متعلمة , تقوم بجميع هذه الأعمال وهي سجينة بين جدران واعمال تقتل حسها ومشاعرها .
أما الزوج فيعمل خارج البيت ليأتي لهم بالمال ليعيلها , بمعنى يتصدق عليها عندما يرغب بل ويزيد لها مصروفها عندما تكون اكثر طاعة له لتملي غروره المنقوص ورجولته المزيفة حتى يشعر بانه الأقوى والأرقى ليجد من خلالها ما يميزه فيحمد ربه على انه لم يخلقه امرأة , فيخلق بذلك ميزة له من خلالها يتفوق بها عليها بعد ان يشعر بعجزه في احيان كثيرة عند خروجه للشارع .
بعد ان يأخذ هذا الزوج حمامه المهيأ له ويرتدي ملابسه النظيفة والمكوية بعناية يجلس هو واضعا رجلا على رجل ينتظر طعامه بعد ان تُهيأ له زوجته مستلزمات الهدوء من ابعاد الأطفال عنه ليتناول طعامه بمتعة , بعدها يذهب لفراشه ليأخذ قيلولته فتتحمل هي مسئولية الهدوء ومنع الأصوات المزعجة عنه ليستمتع بنوم مريح , ثم بعدها ينهض ليرتدي ملابسه التي اعدتها له بعناية ويخرج بعد هذه القيلولة ليجدد نشاطه ويُمتع مزاجه ويزيل الملل الذي يحيطه من جدران البيت , ليلتقي بصديقه الرجل الذي يشبهه عقلا , أما امرأته فهي الجسد له والنقيض العقلي بعد ان سلبها مجتمعها ذلك العقل معتبراّ اياها جسداّ لمتعة الرجل فقط .
كثير من الفتيات تنتابهن مثل هذه الأسئلة ولكنها تتبدد بقساوة وجبروت القوانين والسلطة التي تريد للمرأة هكذا حياة .
سؤالي هو : كيف تستطيع هذه الزوجة في ظل هذا النظام العبودي أن تبدع في عمل ما او تُنمي أي موهبة تمتلكها ؟ كيف سينهض مجتمع نصفه مشلول القدرات مُسخر لأعمال تشل كل فكر لديه ليصبح مجرد روبورت لقضاء احتياجات النصف الثاني منه ثم قضاء احتياجات الأطفال الجسدية دون العقلية ؟ هي غير قادرة على ان تنمي فكرها ولا مجال لها للابداع في خضم حياتها هذه , والنتيجة ستفقد هذه الزوجة جميع قدراتها وستؤثر على ابنائها وتربيتهم بعد ان تصبح مجرد ماكينة للتفريخ ولعمل يومي بلا ارادة ولا فكر, مرعوبة دوما من زوجها وتحاول ارضاءه كونه ولي نعمتها, ليكون دورها مقتصرا على خدمته خوفا من طلاقها فمن حقه ان يطلقها ولأسباب كثيرة منها ما يستطيع ان يفتعلها بسهولة , لكن لا يحق للزوجة ذلك ولو طلبت التفريق فلها ان تتحمل نتائج عملها الغبي من جهد ووقت واموال تستنزفها منها المحاكم , ومن ثم الفشل وبعدها يأتي دور التهديد من قبل الزوج فله حق تأديبها واهانتها , ولهذا السبب لا تجرؤ غالبية النساء على هذه الخطوات مهما قسى عليهن الزوج وخصوصا بعد ان هدرت حياتها متوكلة على هذا الزوج الذي اعطته حق امتلاكها من خلال اعالتها دون الأعتماد على نفسها .
هذه العلاقات ارتكزت على اساس الحب الجسدي بدون وعيا بها وبأرادة منعدمة معتمدة على الغريزة فقط , وبهذا قد تقدمنا شكلا بالزمن ورجعنا للخلف قرون .

تقوم علاقاتنا على اساس الحب المريض والتفرقة بين الجنسين اي المالك والمملوك , وتقوم على اساس الطاعة للرجل المعيل سواء من الزوجة او الابناء ولكنهم خسروا ارادة ابنائهم وابداعهم ومن ثم حياتهم باكملها , بمعنى الخسارة لثلاث ارباع مجتمعنا .
اليوم خرجت أغلب النساء للعمل واستقلت ماديا ولكن لن تستطيع الأستقلال فكرياّ من هذا الموروث االبليد, فبالأضافة الى اعمالها المنزلية اصبحت تعمل خارج المنزل بعد ان اضطر الرجل لأعانة المرأة له ولكن لا يحق لها ان تتصرف بمالها الذي تجنيه ايضا فهو حكراّ لذلك الزوج فازداد عبأها اكثر .

فلا ينصلح حال مجتمع الا بثورة على القانون الفاسد من خلال السلطة التي تتحكم بأنسانيتنا .

ابداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا بهم نهزم التخلف وننصر الأنسانية
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

مابين حانة ومانة ضاعت الامانة

محمد الرديني

ادعي اني من المتابعين لتعليقات القراء التي ترد الى هذا الموقع وادعي ايضا ان هناك اسماء محددة اقرأ لها كلما اطلت، فالجميع يعرف ان الوقت لايتسع الا لقراءة ماتريد او انت بحاجة اليه.
خلال الشهر الماضي وقفت طويلا امام ظاهرتين في تعليقات الزملاء على ما اكتبه ويكتبه زملائي في هذا الموقع.
الظاهرة الاولى: هناك حالة قنوط ويأس خطرين جداً إصابت الناس بحالة من الاحباط وفقدان الامل في القضاء على التسيب الحاصل في كل مفاصل الدولة وانهيار كل القيم وانحسار تلك الأخلاق التي كان العراقي يتفاخر بها امام شعوب الارض .
لقد وصل الناس حسب هذه الظاهرة الى حالة الانكفاء والبحث عن الخلاص الفردي .. اماالشعارات الوطنية وحب الوطن والنضال من اجل رفعته وتقدمه ولتعش الطبقة الكادحة، والديمقراطية اولا ونعم لحرية الرأي،فقد اصبحت كلمات باهتة طعمها طعم ( الباجة البايتة يومين).
لماذا هذا الوضع؟.
بعيدا عن التنظير الذي يشتهر به العرب دون خلق الله يمكن القول ببساطة انه امر طبيعي! فحين تجد نفسك منهوبا وعينيك ترى السارق يمد يده الى لقمة عيشك ويداك مكبلتان واحساس بالعجز ينتابك، تلجأ الى اسهل الطرق التي ادمن عليها العراقي وهي اللطم بكلتا اليدين او تقبيل قفل شباك(….) او الزحف نحو قبر احد السادة طالبا العون والنجدة.
وحين تجد ان حكومتك اصبحت خبيرة في استعمال كلمة الشفافية حتى اورودها في كل صغيرة وكبيرة وكتبوها حتى على ورق الحمامات العمومية،اذا كان هناك حمامات،.. حين تجد ان الكل يكذب ويكذب ويكذب ثم يتهادى بين اروقة الفضائيات ليعود مرة اخرى للكذب ثم يكذب ولا يدري ان مستمعيه، ان وجدوا، يسخرون منه ويدعون رب العالمين ان يصيبهم بالتيفوئيد الذي انقرض من عقود من السنين.
زحف الى هذه الظاهرة رجالا من مختلف الاعمار وشابات في عمر الزهور.
على من تقع مسؤولية هذا الانهيار؟.
انها بالتاكيد تقع على النخبة الواعية من هذا الشعب والذين ربما يعيشون الان في احلك اوقات الخوف والرهبة من الفريق فاروق الاعرجي وضباطه الاشاوس وجنوده الغر الميامين.
اذن مالعمل..؟.
سؤال لااستطيع وحدي الاجابة عليه كما لا ادعي اني لدي الجواب الشافي خصوصا خصوصا واني اكره الشفافية والديمقراطية وحرية الرأي التي استوردها اخوان الصفا في المنطقة الصفراء لكني اعرف ان ثورات الشعوب مثل طبخة الحمص”اللبلبي” اليابس تحتاج الى وقت طويل حتى يؤتى اكلها.
ام الظاهرة الثانية وهي الاخطر والاشد ظلاما تبدأ بالسؤال التالي.
لماذا تكتبون ايعا القوم ولمن؟.
هذا الشعب لايستاهل منكم كل هذا الجهد وكتاباتكم “ض…” بسوق الصفافير.
لكل من هؤلاء له الحق في أي يفكر كيفما يشاء ولأني منهم فلي الحق ان اقول كلمتي.
لست وطنيا بالمفهوم القاموسي والقوالبي لبعض النظريات الجاهزة ولست اذوب في حب العراق كما يذوب فيه اولاد الملحة في الجبايش وكلي علي بيك وطوزخرماتو والقرنة.
لم تغب عيني عن اولاد الملحة ابدا،كانوا يظهرون لي بين الاسطر اطفالا يبكون وكبارا مطأطي الرؤوس وشيوخا يدارون دمعة خرجت غصبا عنهم.
احد اطفال الملحة قال لي قبل يومين:أريد الذهاب الى المدرسة ولكني حين اجد امي تبحث عن مساعدتي في عملها بغسل ملابس بعض القوم اترك بل والعن المدرسة واقبل يد امي قبل ان ارفع عنها حمل الملابس لأنشره على حبل الغسيل.
وامس قال لي احد الشباب الملحين: خويه جزنا من العنب ونريد سلتنا، ياخويه واهكل ما عندنه مانع.. خلي يسرقون ولكن ماذنبنا بعد ان درسنا سنوات طويلة واهالينا انتظروا يوم تخرجنا، لنجلس في بيوتنا مع الوالد والوالدة كل منّا صافن بوجه الآخر.
وقبل كتابة هذه السطور بساعات قال لي احد شياب الملحة: بويه..فلك صاب هاي الناس..عود ليش ما يحترمون الكبار في السن.. سمعت من صديق ابني يعيش في بلاد الكفار ان الجبير بالسن ياخذ راتب اكثر من الاستاذ المدير العام بولايتنا وما ادري يصدك مدري يكذب لما يكول الدواء والفحص الشهري واجراء العمليات كلها مجانا، ويحلف باله
ان الممرضات يجن مرتين بالاسبوع ويلفن على الشياب.
بشرفك عمي هاي حالة؟.
صحيح عمي هاي مو حالة، بس اعتقد تذكر انتفاضة العشائروثورة العشرين، وتذكر الرصافي من يمسح اعضاء مجلس البرلمان بالارض وتذّكر الجواهري…
بس عمي بس.. هذوله كانوا زلم.
فاصل قضائي مثل التبن: قبل يومين اطلق سراح الارهابية ماجدة سليمان التي جندّت العشرات من النسوة لتفجير الاماكن العامة والمجمعات السكنية واستشهد المئات من جراء ذلك.
النكتة المريرة.. انها اعترفت بعظمة لسانها بكل ما فعلته ولكن القضاء العراقي العاشق للديمقراطية قال انه تم اطلاق سراحها بتصويت الاغلبية.
مبروك لعوائل الشهداء.
طاح…..

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

استراتيجية الاستفزاز و قياس رد الفعل

اكرم هواس

و يموج العالم الاسلامي من جديد000 لا لشيء سوى انه تم استفزاز المسلمين مرة اخرى  في قضية هي في الواقع لا تقدم و لا تؤخر شيئا في علاقة المسلم الجذرية بدينه و مبادئه و قيمه الاخلاقية000ما يستند اليه هذا الاستفزاز من قيمة فاعلة هو المستوى العالي جداً من استعداد المسلمين السيكولوجي الاستفزاز خاصة من قبل الغرب000 او بكلام اخر000 عدم قدرة المسلمين خلافا لمبادئ الاسلام على احتواء العناصر و العوامل المتغيرة و التي تعمل على حث و تحفيز كوامن الاستفزاز000
اسباب فقدان المسلمين القدرة على احتواء المتغيرات كثيرة لكنها اهمها تتعلق بتاريخ التراجع الهائل في العلاقة مع الغرب000 و بشكل ما فان اللحظة التاريخية لانتصار الغرب على المد الاسلامي في اسبانيا و ما تلاها من استعمار مباشر للعالم الاسلامي قد شكلت أيضاً نقطة تحول كبيرة و مهمة في استراتيجية الغرب فيما يتعلق بالحرب النفسية مع المسلمين000
و لكن قبل ان نتحدث عن هذه الاستراتيجية و نقطة التحول فيها لابد من عرض بعض الملاحظات التي يمكن ان تساعدنا في فهم الأسس التاريخية لهذه الاستراتيجية000 اولا000 فيما يتعلق بالإسلام و علاقة النبي محمد به فلابد من التذكر ان النبي تعرض للكثير من الإهانات المباشرة في مكة و الطائف و غيرها و لم يقبل النبي باي حال من الأحوال رد هذه الإهانات بل بدلا من ذلك كان يدعو ربه ان يهدي هؤلاء الى دين الحق000 و قد أثبتت الاحداث ان هذا النمط من السلوك قد أتى اكله و أدى بالكثيرين الى الانتماء الى الاسلام000
ثانيا000 ان النبي كان ينادى من قبل أصحابه و أعدائه على حد سواء باسمه الشخصي اي محمد و لم يعترض على ذلك بل ربما كان يشجع ذلك للفصل بين شخص الرسول و الاسلام كدين و ثقافة عامة000
ثالثا0000 ان اتباع الديانات الاخرى و اصحاب المصالح قد أنتجوا الكثير من الأفكار و الشائعات التي تؤسس على فرضية كذب و تلفيق الاسلام كدين000 هذه الفكرة الأولية تطورت فيما لتؤسس استراتيجية بعض المؤسسات الدينية اليهودية و المسيحية خاصة في الغرب الذي كان يتعرض للفتح الاسلامي000 الهدف الواضح من هذه الاستراتيجية كان تحصين الذات ضد أفكار الاسلام التي كانت تنتشر بسرعة بين الناس000
اي ان الاستراتيجية الاولى قبل التحول كانت هي استراتيجية معاكسة للمد الاسلامي الثقافي و السياسي و كانت تستهدف إلحفاظ على روحية المؤمنين بتلك الديانات و منعهم من الانفتاح على الاسلام و الانخراط فيه000 اي ان الاستراتيجية كانت ترتكز على ترسيخ الحاجز النفسي بين بين الايمان بتلك الديانات و امكانية الانزلاق الى التغيير باتجاه الاسلام000
اهم عناصر هذه الاستراتيجية كانت من جهة الفصل بين مفهوم الدين التاريخي لدي اتباع اليهودية و المسيحية و الواقع الاجتماعي الثقافي للعرب و من جهة اخرى شخصنة الاسلام اي التركيز على شخصية النبي محمد و بيبلوغرافية تطوره الشخصي اي ولادته تربيته00 حيث كان يطلق على المسلمين صفة المحمديين000 و هذا ما كان يستهدف نقل مفهوم الاسلام من منظومة أخلاقية الى قضية قبلية و سياسية منفعية000 هذه التسمية رفضها المسلمون بقوة على ان اساس000 من كان يعبد محمدا فأن محمدا قد مات000
لكن أي تقييم واقعي و موضوعي سيتفهم هذا الامر كونه كان يعبر عن الحق الطبيعي للمؤمنين او منضوين داخل منظومة اجتماعية للدفاع عن الذات و حماية المؤسسات القائمة رغم ان ذلك أدى الى انتاج الآلاف او مئات الآلاف من الكتب و المقالات و غيرها من وسائل الترغيب و الترهيب التي كانت موجهة الى اليهود و المسيحيين لمنعهم من تغيير أفكارهم بشكل يؤدي الى انهيار تلك المنظومات و المؤسسات اليهودية و المسيحية000
كل هذا الكم الهائل من الأدبيات و الأفكار و الرؤى لم تزعج المسلمين رغم انها كانت دوما تصفهم بالقتلة و المجرمين و المغتصبين و اللصوص000 الخ من اسؤا الصفات لان الاسلام كان متواصلا في تقدمه و انتصاراته سياسيا و اقتصاديا كما الحال في الشان الاجتماعي الثقافي و الديني000
لكن نقطة التحول حدثت عندما تراجع انتصار المسلمين و تحول الى هزائم000 هنا تحولت الاستراتيجية الدفاعية الى استراتيجية هجومية بحيث ان محتوى هذه الأدبيات و أفكار الشيطنة اصبحت موجهة الى المسلمين بهدف أضعاف الروح المعنوية و خلق شروخ في التزامهم الأخلاقي و بالتالي ارتباطهم بالمنظومة الأخلاقية التي يؤمنون بها0000 و لا شك ان هذه الاستراتيجية الجديدة قد نجحت كثيرا خاصة انها لم تعد تخص المؤسسات التقليدية و المجموعات الدينية و انما تبنتها الدولة و مؤسساتها المختلفة و المصالح الاقتصادية و لو بشكل غير رسمي000 و لعل سهولة و سرعة الاستعمار تؤشر بشكل واضح النجاح منقطع النظير لهذه الاستراتيجية000
الان و في هذه الحقبة الزمنية000 الغرب هو عالم مفتوح و القوانين تحمي بشكل واضح كل المبادرات الفردية و الجماعية و منها حرية التعبير و التفكير و النقد 0000 النظام الديمقراطي يوفر الحرية للجميع000 و هذه الحماية القانونية تستخدمها الكثير من اصحاب المصالح لوضع و تمرير رؤاها و استراتيجياتها دون ان تستطيع الدولة ان تكبحها او ان تضع حد لها000 الأمثلة كثيرة لكن فيما يتعلق بالدين فهناك آلاف الدراسات التي تنفي الوجود الحقيقي للسيد المسيح كما ان هناك آلاف الكتب و المقالات و الأفلام التي تسخر من السيد المسيح و من السيدة مريم و تجعل منهما رموزا جنسية فاضحة دون ان يتدخل لمنعها او حتى الاعتراض عليها0000
من جانبها تقوم الدولة نفسها باستخدام هذا الفضاء الواسع للحرية في تمرير بعض الإجراءات دون ان تخترق القوانين بشكل فاضح سواء كان يتعلق ذلك بسياسات داخلية او خارجية000 و في هذا الصدد فان اللجوء الى الأساليب الاستفزازية هي واحدة من المجالات التي قد تجتمع عليها مصالح بعض القوى الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية مع بعض مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الاستراتيجية000
هنا000 اعتقد ان قياس مدى توسع و تجذر الأفكار و الثقافة الديمقراطية من ناحية و من ناحية ثانية العلاقة بين الدولة و الثورة في المجتمعات المسلمة التي شهدت الربيع العربي مؤخراً 000 قد يكون واحدا من اهم اهتمامات مراكز الدراسات الاستراتيجية و كذلك المصالح الاقتصادية و مصالح المجموعات الدينية في الدول الغربية000 دعنا نتذكر ملاحظتين مهمتين000 ان موجة الاعتراضات الجديدة بدات في المجتمعات التي شهدت تغييرات سياسية بفعل الثورات العربية و هي مصر و ليبيا و اليمن0000 بينما ان اولى الموجات الاعتراضية على الرسوم الدانماركية بدات أيضاً من مصر و حينها اتهمت وسائل الاعلام الدانماركية سفيرة مصر في  ذلك الحين في الدانمارك و التي لم تكن من الإسلاميين المتشددين بأفتعال الازمة000 اي ان رؤية السفيرة التقت مع رؤية الإسلاميين المتشددين الذين قادوا حملة الاعتراضات000 بكلام اخر000 ان الدولة المصرية التي كانت تحارب الإسلاميين التقت معهم في رد الفعل تجاه الاستفزاز000
ثانيا000 في الأشهر جرت في الباكستان التي يخاف الامريكيون من احتمال وقوع اسلحتها النووية بيد الاسلاميين و افغانستان التي يستعد الامريكيون اعادة تسليمها الى قوات طالبان 000 جرت احداث قد تدخل في اطار الاستفزاز و رد الفعل000 فقد قتلت الطائرات الامريكية غير المأهولة الكثير من المواطنين 000 بالمناسبة جرى ذلك أيضاً الى حد ما في اليمن000 اما في افغانستان فقد جرى إحراق نسخ من القران و رميها في دورات المياه000 و قد اعترف الأمريكيون بذلك كما اعترفوا بقتلهم للمواطنين ابرياء000 اعتقد ان الهدف كان أيضاً قياس مدى رد الفعل و مدى سيطرة القوى الحاكمة000
اخيرا0000كيف ستنتهي هذه الازمة بل ما مدى امكانية توسعها على المستقبل القريب و البعيد غير معروف000 لكن الدول الغربية و خاصة ستستفاد من دروسها000 اما الحديث عن استراتيجية الاستفزاز و قياس رد الفعليين هذه المقالة فلا يهدف باي حال من الأحوال لاختزال احداث كبيرة بهذا الحجم000 و لكنه محاولة لتسليط الضوء على زاوية واحدة من زوايا المشهد المتعددة000

Posted in فكر حر | Leave a comment

لماذا تأخرنا وتطور الآخرون ؟

طلال عبدالله الخوري   14\9\2012

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت اوروبا منهكة, والدولة الوحيدة المتقدمة كانت الولايات المتحدة الاميركية بسبب بعدها جغرافياً عن مكان الحرب والدمار.

كانت الحرب العالمية الثانية درساً قاسيا لكل شعوب العالم بشكل عام وللأوروبية  بشكل خاص, وخلاصة هذا الدرس أنه لا شئ جيد في الحرب, ولقد اقسمت الشعوب وزعامائها بعدم الدخول في أي  حرب جديدة بعد الأن, وفهموا بان الحرية والبناء هما ما يجب ان يسعى اليه الانسان, وان الدول اذا تعاونت فيمكن ان تزدهر وتتطور  بدلا من ان تتحارب وتدمر وتقتل بعضها البعض.

من ثمار دروس الحرب العالمية الثانية أيضاُ هو السعي لبناء المنظمات الدولية, والتي تنظم وتقنن علاقات الدول ببعضها البعض لمنع نشوب حروب جديدة, ولحل المشاكل الدولية ان وجدت.
 ولكن المنظمات الدولية خطت خطوة ابعد من ذلك وقامت باصدار المعايير الدولية لحقوق الانسان  ووثقتها بميثاف وقعت عليه كل الدول  بالعالم و يعتبر هذا الميثاق ارفع ما توصلت إليه الانسانية من رقي وتحضر.

كان من البديهي ان تبدأ كل دولة بتطوير انظمتها التعليمة وجامعاتها ومراكزها البحثية العلمية, لما لها امن اولوية في تطوير كل مجالات الحياة الاخرى.

 نتج عن هذا التطور ثورات علمية وتكنولوجية واقتصادية, وتم فتح اسواق العالم على بعضها البعض, والذي ادى بدوره الى ازدهار عالمي بكل المجالات, واصبح العالم بفضل الشبكات الاجتماعية الانترنيتية كقرية صغيرة يتواصل الناس بواسطتها مع بعضهم البعض.

هكذا تقدم العالم وتطور فما الذي حصل لدينا وأدى الى تخلفنا؟

أولا:الأموال السهلة

الى الآن يتباهى الرواد الأوائل من سوريا ومصر ولبنان والأردن وفلسطين, كيف سافروا إلى دول الخليج العربي, وغرفوا بالأموال السهلة وعادوا بها, ويحكون القصص كيف انهم حصلوا على رواتب ضخمة مقابل اعمال بسيطة.

 أدى ظهو ر النفط في دول الخليج الى تدفق الاموال السهلة الى الاسواق العربية, مما أدى الى تقاعس الناس عن العمل الجاد, بالوقت الذي كان به الاميركي والاوروبي يسعى ويكدح من الصباح الى المساء لكي يطور نفسه.

ومن الأموال السهلة التي تدفقت الى الأسواق العربية هي اموال الجماعات الاسلامية وخاصة جماعة الاخوان المسلمين, والتي تدفقت من الخليج العربي وذلك لكي تقف بوجه المد القومي الذي كان يهدد عروش ملوك وامراء الخليج.

ومن الاموال السهلة التي وصلت الى منطقتنا هي اموال الحرب الباردة, حيث سعى المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي بتقديم المساعدات لكل من سوريا ومصر واليمن والعراق والجزائر بكل المجالات وذلك بهدف كسبها الى صفها في المحافل والمعارك الدولية التي كانت تجري بين المعسكرين الغربي والشرقي.

ومن الاموال السهلة التي تدفقت الى الاسواق العربية أيضاً هي اموال عائدات قناة السويس, وعائدات السياحة والحج الديني الى الاراضي المقدسة.

من هنا نستنتج بأن الشعوب العربية قد كسبت الاموال السهلة من تدفق النفط, واموال الجماعات الاسلامية واموال المساعدات الخارجية بسبب الحرب الباردة, واموال قناة السويس, والسياحة والحج, فلم يجد شعبنا اي سبب للعمل بجد واجتهاد لتطوير بلدانهم , مقارنة بالشعوب الاخرى والتي لم يكن لديها اموال سهلة, وكانت تكدح من الصباح حتى المساء.

ثانيا: مؤامرة الحكام العرب ورجال الدين على أنظمه التعليم وإفساد الشعب

هناك الكثير من الاسلاميين واليساريين والذين يعلقون سبب تخلف الشعوب العربية على شماعة المؤامرة الاميركية والغربية الاسرائيلية علينا!

ونحن سنثبت بانه لم يكن هناك اي مؤامرة اميركية او غربية  او اسرائيلية علينا, وانما المؤامرة الوحيدة التي كانت علينا هي من قبل حكامنا الاستبداديين, وذلك من اجل تثبيت حكمهم لنا و استعبادهم لنا مدى الحياة, فقاموا وبمساعدة رجال الدين بتحطيم النظم التعليمية ببلادنا, لان التعليم هو العدو الاول للاستبداد ورجال الدين, في الوقت التي كانت به الشعوب الاخرى تصرف بسخاء من اجل تطوير التعليم والبحث العلمي.

إن اهم تقنية للتحكم بالشعوب هي بتجهيل الشعب ,لان الانسان الجاهل تسهل قيادته, لذلك قام الزعماء العرب وبمنهجية بإفساد واهمال  المدارس والجامعات والبحث العلمي. بالاضافة الى قطع السبل على المتعلمين واجبارهم وتشجيعهم على الفساد او باحسن الحالات وضعهم في حالة يأس لكي يهاجروا للعمل ببلدان اخرى.

لقد شجع الطغاة العرب شعوبنا على الفساد بطرق مباشرة وغير مباشرة , لكي يصبح هؤلاء الفاسدون شركاء المستبد بفساده, ومصلحتهم من مصلحته, ويهمهم بان يبقى هذا المستبد بالسلطة الى الابد لكي لايتم الكشف عن فسادهم.

يقول نعوم تشومسكي ان من استراتيجيات التحكم بالشعوب هو تشجيع الشعب على استحسان الرداءة و تشجيع الشعب على أن يجد أنه من ” الرائع ” أن يكون غبيا, وهمجيا وجاهلا.

من هنا نرى بان تدفق الاموال السهلة الى جيوب شعوبنا بسبب تدفق النفط, ساهمت بتحول الناس الى مجموعة من الكسالى تأكل وتنام وتتعبد وتنجب الاولاد, في الوقت الذي كانت به الشعوب الاخرى تكد وتجتهد وتبني وتتطور بكل مجالات الحياة.
والشعرة التي فصمت ظهر البعير بتخلفنا هو تأمر حكامنا ورجال الدين على تجهيلنا لتسهل قيادتنا وتركيعنا وافسادنا.

هل هناك حل؟

نعم والحل بسيط هو ان نبدأ بالعمل كما عمل الاخرون ومن جد وجد ومن سار على الدرب وصل.

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

Posted in فكر حر | 2 Comments