“المستحيلات” كانوا ثلاثا وصاروا.. أربعاً!!

فؤاد الهاشم

في اليوم التالي، كتبت مقالاً – شديد اللهجة – حذف مدير التحرير الراحل الزميل اللبناني «سليمان فليحان» ثلثه لقساوة مفرداته ضد الادارة الأمريكية، ولعل اخف سطر فيه هو: «كنت أتمنى لو كان مقر المارينز في بيروت اعلى بقليل من بناية الامباير ستيت ليكون عدد ضحايا المارينز بعشرات الآلاف»!! بعد ساعات من صدور «الوطن» – وبها صور القتلى – ومقال «التمنيات المخيفة» التي كتبتها، زارنا دبلوماسي امريكي يعمل في القسم الاعلامي بالسفارة الامريكية، وكنت عند الزميل الراحل «سليمان» مفتعلا معه «هوشة صحافية» بسبب حذفه لثلث المقال القاسي، فجلس، ثم فتح مغلفا صغيرا كان يحمله في يده، واخرج ورقة فولسكاب بها شيء مطبوع بالعربية وآخر بالانجليزية، واخذ يقرأ – بالانجليزية – سطورا عرفت – انا والزميل الراحل – انها من مقالي.. العنيف!! انتهى من قراءته ثم نظر مباشرة باتجاهي قائلا: «هل تؤيد هذا الحادث ضد مقر المارينز في بيروت»؟! قلت له: «نعم»! قال: «وهل تؤيد هذا الفعل لو ان انفجارا مشابها وقع لسفارتنا – هنا عندكم – في الكويت»؟! اجبته: «لا.. على الاطلاق»! فعاد يسأل: «اذن؟ كيف تؤيد تفجير مقرنا في لبنان ولا تؤيده في.. الكويت»؟! قلت له: «لأن لبنان ساحة حرب يتقاتل فيها كل عفاريت الدنيا واجهزة مخابراتها الليبية والامريكية والبريطانية والايرانية والاسرائيلية والخليجية وحتى الجزائرية والفرنسية، وبالتالي، لا مجال للمقارنة بين الكويت ولبنان»!! سكت الدبلوماسي ولم يعلق، شرب قهوته – خلال دقائق – ثم.. غادر!! بعد هذا اللقاء معه بـ49 يوما، اقتحمت شاحنة مفخخة تحمل نصف طن من المتفجرات وثلاثمائة «سلندر غاز منزلي» مبنى السفارة الامريكية في الكويت والتي كان مقرها قرب فندق سفير الحالي وامام مطعم «لونوتر» على شارع الخليج!! كان الانفجار قويا الى درجة ان رجال الشرطة عثروا على «سلندر غاز» سقط قرب الاشارة المرورية في التقاطع الواقع امام فندق سفير بستكي في.. بنيد القار!! و.. يشاء السميع العليم ان يتصادف وجود شاب كويتي داخل مبنى السفارة قاصدا استخراج تأشيرة دخول للولايات المتحدة الامريكية لاستكمال دراسته للماجستير والدكتوراه وهو المرحوم «نجيب الرفاعي»، بينما لم يصب أي دبلوماسي أو موظف في السفارة، وكانوا – وقتها – في سرداب محصن تحت الارض قالوا انهم يقيمون حفلة لأحد زملائهم بمناسبة عيد.. ميلاده!! قتل في هذا الهجوم سبعة اشخاص وجرح 37 آخرين، ثم.. تبعها تفجير سيارة مفخخة في مطار الكويت مات على اثرها وافد مصري، وقنبلة القيت على السفارة الفرنسية، وعبوة ناسفة انفجرت في مركز التحكم الكهربائي على الدائري.. الخامس!! في اليوم التالي، كتبت مقالا – شديد اللهجة ايضا – لكن.. ضد عملية تفجير السفارة الامريكية والفرنسية والمطار ومحطة الكهرباء! بعد ست ساعات، جاءني اتصال من الدبلوماسي الامريكي – ذاته – لم يقل لي فيه سوى جملة: «ألم أقل.. لك»؟! فهل ادرك الآن – القارئ «الذكي.. علي» – بأن الكويت ليست سورية، ووقوفي مع الشيخ حمد بن جاسم في حربه ضد النظام السوري لا تعني وقوفي معه في حربه ضد النظام والشعب في.. الكويت؟! طرق الحياة جبلية متعرجة وليس طريقا سريعا، وحكاية «إما معي او ضدي» التي قالها «بوش الابن».. أكذوبة لا يصدقها.. احد!! ومستحيلة رابعة تضاف إلى المستحيلات الثلاث الغول والعنقاء و.. الخل الوفي!!

٭٭٭

.. في الستينيات – وابان المد الثوري الناصري – كان %90 من العمالة داخل شركات البترول الكويتية في الاحمدي والشعيبة من.. الفلسطينيين الذين هددوا الحكومة – ذات يوم – بأنهم سيغلقون صنابير النفط على أرصفة التصدير ويعطلون الانتاج – برمته – في حال اصدر جمال عبدالناصر أمرا.. اليهم!! الآن، «الاخوان» – أو الحركة الدستورية في الكويت – هددت كل ازلامها بالفصل من العضوية ان هم شاركوا – انتخابا أو ترشيحا – في الانتخابات البرلمانية القادمة!! لماذا لا تشرب حكومتنا – حليب السباع – وترد على تهديدهم هذا باحالة كل القياديين الاخوانية في شركات البترول الكويتية وبقية الوزارات الحكومية الى.. التقاعد مثل اجراءاتها التي اتخذتها – في الستينيات – فيما عرف بـ«سنة.. التسفير» التي شملت المئات من الفلسطينيين، وكان من بينهم المقبور بإذنه تعالى «فاروق قدومي»؟! لقد وصلت الروح إلى.. «اللهاث»، فهل نتركها تنسل من.. أفواهنا؟!

نقلاً عن صحيفة “الوطن”.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر | Leave a comment

العبودية في الإسلام 23

سردار أحمد

كذبة التدرج في تحريم العبودية ج2:
في هذه الحلقة سأحاول الوقوف على آيتين وهما:
1- آية [البقرة:178]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وسورة البقرة هي سورة مدنية، ترتيب نزولها (87) من أصل (114) سورة، وقد نزلت بعد الهجرة للمدينة، أي بعد نزول الوحي بأكثر من ثلاثة عشر عاماً.
2- آية [المائدة:45]: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وهي السورة ذات الترتيب (112).
من خلال دراسة هاتين الآيتين وتفسيراتهما يمكنكم اكتشاف مدى كثرة التناقضات والتخبطات والمفاجآت الغريبة في القرآن والنهج الإسلامي.

التفسيرات (التخبطات والتناقضات والمناورات):
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}: كُتِبَ عليكم: أي فرض عليكم، والقصاص: مقابلة الفعل بمثله مأخوذ من قص الأثر.
ورد في تفسير ابن كثير ج1 ب178 ص489: “أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات، حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، فنزلت فيهم. {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} منها منسوخة، نسختها {النفس بالنفس} [المائدة: 45]. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {والأنثى بالأنثى} وذلك أنهم لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة فأنزل الله: النفس بالنفس والعين بالعين، فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس، وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم، وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله: {النفس بالنفس}”
ما سبق لا يعني أن الحر بالحر والعبد بالعبد منسوخة وأنه يمكن قتل الحر بالعبد كما يوحون وينافقون، بل المنسوخ هنا هو بخصوص المرأة والرجل إن كانا متساويين بالحرية أو العبودية، وإن الأحرار تتساوى دماؤهم والعبيد تتساوى دماؤهم، أي العبد بالعبد والحر بالحر.
تأكيداً على تلك العشوائية نجد في تفسير مقاتل، ج1 ص106: “فأنزل الله عز وجل: {الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}، فسوى بينهم في الدماء، وأمرهم بالعدل فرضوا، فصارت منسوخة نسختها الآية التي في المائدة قوله سبحانه: {وَكَتَبْنَا} فيما قضينا {عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس} [المائدة:45]، يعنى النفس المسلم الحر بالنفس، المسلم الحر، والمسلمة الحرة بالمسلمة الحرة…” لاحظوا الكلام العشوائي: (أمرهم لله لهم بالعدل فرضوا)، ثم يقول (صارت منسوخة)، ويتابع القول (يعنى النفس المسلم الحر بالنفس المسلم الحر).
وفي تفسير النيسابوري ج1 ب178 ص414: “إذا كان القصاص واقعا بين الحر والعبد وبين الذكر والأنثى فهناك لا يكتفي بالقصاص، بل لا بد من التراجع. فأيما حر قتل عبدا فقود به، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه بشرط أن يسقطوا قيمة العبد من دية الحر ويؤدوا إلى أولياء الحر بقية ديته، وإن قتل عبد حرا فهو به فإن شاء أولياء الحر قتلوا وأسقطوا قيمة العبد من دية الحر وأدوا بعد ذلك إلى أولياء الحر بقية ديته، وإن شاءوا أخذوا كل الدية وتركوا قتل العبد. وإن قتل رجل امرأة فهو بها قود، فإن شاء أولياء المرأة قتلوه وأدوا بعد ذلك نصف ديته إلى أوليائه، وإن شاءوا تركوا قتله وأخذوا ديتها وإذا قتلت امرأة رجلا فهي به قود، فإن شاء أولياء الرجل قتلوها وأخذوا نصف الدية، وإن شاءوا تركوها وأخذوا كل الدية.”
قيل في تفسير البغوي- ج1 ص189: “ثم بين المماثلة فقال: [{الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} وجملة الحكم فيه أنه إذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد من المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف منهم الذكر إذا قتل بالذكر وبالأنثى، وتقتل الأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر، ولا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد، ولا والد بولد، ولا مسلم بذمي، ويقتل الذمي بالمسلم، والعبد بالحر، والولد بالوالد. هذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.] اما مقولة “من قتل عبده قتلناه” فالمقصود بها العبد المعتق، وهي حتى بالنسبة للعبد المعتق غير قطعية وملزمة، لأنها لا تتناسب مع قاعدة وجوب القياس والتكافؤ قبل القصاص.
وورد في تفسير الرازي ج3 ص63: “…الذي عليه الأكثرون أن تلك الفائدة بيان إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية على ما روينا في سبب نزول هذه الآية أنهم كانوا يقتلون بالعبد منهم الحر من قبيلة القاتل، ففائدة التخصيص زجرهم عن ذلك. واعلم أن للقائلين بالقول الأول أن يقولوا قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} هذا يمنع من جواز قتل الحر بالعبد لأن القصاص عبارة عن المساواة، وقتل الحر بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة لأنه زائد عليه في الشرف وفي أهلية القضاء والإمامة والشهادة فوجب أن لا يكون مشروعا”
وفي تفسير اللباب في علوم الكتاب، ج2 ص306: “وعليه الأكثرون: أن فائدته إبطال ما كان عليه الجاهلية من أنهم كانوا يقتلون بالعبد منهم الحر من قبيل القاتل، ففائدة التخصيص زجرهم عن ذلك، وللقائلين بالقول الأول: أن يقولوا: قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} يمنع من جواز قتل الحر بالعبد، لأن القصاص عبارة عن المساواة، وقتل الحر بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة، لأنه زائدة عليه في الشرف، وفي أهلية القضاء، والإمامة، والشهادة”
وفي اللباب في علوم الكتاب ج5 ص298: “قال أبو حنيفة [وأصحابه]: لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا [في] النفس، فيقتل الحر بالعبد كما يقتل العبد بالحر، ولا قصاص بينهما في الجراح والأعضاء، وأجمع العلماء على أن قوله – تعالى-: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا} لأنه لم يدخل فيه العبيد، وإنما أريد به: الأحرار؛ فكذلك قوله- عليه السلام: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم” أريد به الأحرار خاصة، والجمهور على ذلك، وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس، فالنفس أحرى بذلك.”
وذُكِر في تفسير القرطبي ج5 ص314 أنه: “أجمع العلماء على أن قوله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} أنه لم يدخل فيه العبيد، وإنما أريد به الأحرار دون العبيد؛ فكذلك قوله عليه السلام: “المسلمون تتكافأ دماؤهم” أريد به الأحرار خاصة. والجمهور على ذلك وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس فالنفس أحرى بذلك.”

في السنة والحديث:
روي عن النبي محمد حديث واحد فقط يساوي فيه بين الحر والعبد في القصاص، وقد تم نفيه وأحتسب من الأحاديث الضعيفة والمشكوك بأمرها، ففي أضواء البيان ج1 ص413: “قال ابن العربي: ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا: يقتل الحر بعبد نفسه. ورووا في ذلك حديثا عن الحسن عن سمرة أن رسول الله (ص) قال: [من قتل عبده قتلناه] وهو حديث ضعيف. ودليلنا قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [الإسراء: 33]، والولي ها هنا: السيد، فكيف يجعل له سلطان على نفسه، وقد اتفق الجميع على أن السيد إذا قتل عبده خطأ أنه لا تؤخذ منه قيمته لبيت المال”
وذُكِر نحوه في تفسير القرطبي ج2 ص248: “عن سمرة أن رسول الله (ص) قال: “من قتل عبده قتلناه” وهو حديث ضعيف. ودليلنا قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [الإسراء: 33] والولي ههنا السيد”، وفي تفسير الرازي ج5 ص176: “قوله: لا تبيعوا الدرهم بدرهمين، كقوله: لا تبيعوا الحر بالعبد”
كما نجد ان للنبي محمد وصحبه الأقربين مواقف في أحكام القصاص بين الأحرار والعبيد، فقد ذكر في معرفة السنن والآثار للبيهقي، وسنن الدار قطني، وأحكام القرآن للجصاص.. الخ: “أن رجلاً قتل عبده متعمداً، فجلده النَّبي (ص) مائة جلدة ونفاه سنة، ومحا اسمه من المسلمين، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة”، وفي تفسير البيضاوي ج1 ص213: “روي عن علي رضي الله تعالى عنه [أن رجلاً قتل عبده فجلده الرسول (ص) ونفاه سنة ولم يقده به.] وروي عنه أنه قال: من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد ولأن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، كانا لا يقتلان الحر بالعبد…”
وأيضاً عن مواقف النبي والصحابة وأسباب من لا يقتل الحر بالعبد نجد في تفسير الألوسي ج2 ب178 ص109: “منع الشافعي ومالك قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره ليس للآية بل للسنة والإجماع والقياس، أما الأول: فقد أخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه: «أن رجلاً قتل عبده فجلده الرسول (ص) ونفاه سنة ولم يقده به» وأخرج أيضاً أنه (ص) قال: “من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد” وأما الثاني: فقد روى أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كانا لا يقتلان الحر بالعبد بين أظهر الصحابة ولم ينكر عليهما أحد منهم وهم الذين لم تأخذهم في الله تعالى لومة لائم. وأما الثالث: فلأنه لا قصاص في الأطراف بين الحر والعبد بالاتفاق فيقاس القتل عليه.”
ونقرأ كذلك في أضواء البيان ج1 ص 414: “من أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد ما رواه البيهقي، وغيره عن عمر بن الخطاب، «أنه جاءته جارية اتهمها سيِّدها فأقعدها في النَّار فاحترق فرجها، فقال رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله (ص) يقول: «لا يقاد مملوك من مالكه، ولا ولد من والده»، لأَقدناها منك فبرزه، وضربه مائة سوط، وقال للجارية: اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله، وأنت مولاة الله ورسول»”

العبيد أموال والقصاص يعني التكافؤ:
ثبت بالسنة والآثار أنه في حال قام السيد بضرب عبده فإنه يجب عليه عتقه لأجل ذلك، وقيل يعاقب في الآخرة، ولم يرد شيء عن القصاص فيما لو قام السيد بضرب عبده ضرباً مبرحاً ومثل به، ففي الدر المنثور ج3 ص120: [رسول الله (ص) يقول: «من ضرب عبداً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه»… أخرج عبد الرزاق والترمذي وصححه عن أبي مسعود الأنصاري قال: بينا أنا أضرب غلاماً لي، إذ سمعت صوتاً من ورائي، فالتفت فإذا رسول الله (ص) فقال: «والله لله أقدر عليك منك على هذا. فحلفت أن لا أضرب مملوكاً لي أبداً».] ونعلم أن العبد لو حاول الهرب من سيده فلسيده حق ضربه وجلده، يقول النيسابوري في تفسيره: “كمن ضرب عبده لأجل الإباق المتقدم مائة جلدة، ولأجل الإباق المتأخر المترقب مائة أخرى” فعن أي عدالة وقصاص يتكلمون ؟!َ
في المحرر الوجيز ج1 ص192: “قال النخعي وقتادة وسعيد بن المسيب والشعبي والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف: يقتل الحر بالعبد، وقال مالك رحمه الله وجمهور من العلماء: لا يقتل الحر بالعبد، ودليلهم إجماع الأمة على أن العبد لا يقاوم الحر فيما دون النفس، فالنفس مقيسة على ذلك، وأيضاً فالإجماع فيمن قتل عبداً خطأً أنه ليس عليه إلا القيمة، فكما لم يشبه الحر في الخطأ لم يشبهه في العمد، وأيضاً فإن العبد سلعة من السلع يباع ويشترى”
وورد في أضواء البيان ج1 ب32 ص418 أنه: “روي عن الإمام أحمد من أنه لا قصاص بين العبيد، فيما دون النفس، وهو قول الشعبي، والثوري، والنخعي، وفاقا لأبي حنيفة، معللين بأن أطراف العبيد مال كالبهائم يرد عليه بدليل الجمهور الذي ذكرنا آنفا، وبأن أنفس العبيد مال أيضا كالبهائم، مع تصريح الله تعالى بالقصاص فيها في قوله تعالى: {والعبد بالعبد}”
وللعبيد أحكام خاصة في العبادات والعقوبات، مثلاً تقول الآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38]، قيل في تفسير القرطبي ج6 ص167/168: “فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده، وكذلك السيد إن أخذ مال عبده لا قطع بحال؛ لأن العبد وماله لسيده. ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده لأنه أخذ لماله، وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة وبقول الخليفة: غلامكم سرق متاعكم. وذكر الدار قطني عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): “ليس على العبد الآبق إذا سرق قطع ولا على الذمي”… عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): {إذا سرق العبد فبيعوه ولو بنش}”
القاعدة الأساسية ونقطة الارتكاز في التقييم هي أن العبد خادم وحقير، والعبيد هم أموال، والعبد وماله لسيده، وفقه الرقيق يختلف عن فقه الأحرار، فالعبد مثلاً معفى من أهم أركان الإسلام، صلاة الجمعة والحج غير مفروضة عليه، ولا تجب عليه الزكاة، وحتى إنه معفي من الجهاد، هذا يعني أن كثير من الأوامر الإلهية الموجهة (للمسلمين) لا تشمل العبيد ولو كانوا مسلمين، وإن آية (النفس بالنفس) لا تشمل العبيد، فالعبيد حسب الشرع الإسلامي ليسوا للأحرار بأكفاء وأنداد، لذلك لا يجب قتل الحر بالبعد، “لأن القصاص عبارة عن المساواة، وقتل الحر بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة، لأنه زائدة عليه في الشرف”، أما قتل العبد بالحر فقالوا أنه إذا قتل الحر بالحر فمن باب أولى أن يقتل العبد بالحر، ويمكن قتل الأدنى بالأعلى، وفي ذلك نقرأ في موطأ مالك ج5 ص323: ” قال مالك ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمدا ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا وهو أحسن ما سمعت”

آية النفس بالنفس:
تقول آية [المائدة:45]: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ونزلت هذه الآية قبل سورة التوبة (سورة البراءة) التي كان فيها التبرؤ من اهل الكتاب وتكفيرهم وإعلان الحرب عليهم.
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا}: في تفسير أبي السعود ج2 ص246: “{وكتبنا} عطف على (أنزلنا التوراة) {عليهم} أي على الذين هادوا، وقرئ وأنزل الله على بني إسرائيل {فيها} أي في التوراة.” [ملاحظة: الذين هادوا هم اليهود]، وفي تفسير الجلالين: “{وكتبنا} فرضنا {عليهم فيها} أي التوراة”
وذُكِر في فتح القدير للشوكاني ج2 ص320: “قد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس {كتبنا عليهم فيها} في التوراة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه، قال: كتب عليهم هذا في التوراة”
وفي تفسير الطبري ج10 ص358: “وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكمونك يا محمد, وعندهم التوراة فيها حكم الله. ويعني بقوله: {وكتبنا} وفرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النفس إذا قتلت نفسا بغير حق بالنفس”
وورد في شرح الأربعين النووية ج62 ص3: “{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45]، فهل هي في أهل الكتاب خاصة أم في هذه الأمة؟ من أراد الوقوف على النصوص في ذلك، فليرجع إلى أمهات التفسير مثل القرطبي و ابن كثير، وهما أوثق التفاسير، و ابن جرير كما قال ابن تيمية: أولى التفاسير في الرواية تفسير ابن جرير، حيث يفسر بالسند وبالرواية عن سلف هذه الأمة، والحقيقة أن والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه ناقش القضية، وقال كما قال مجاهد: نزلت في أهل الكتاب، (وإنكم لتتبعون سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة) كما جاء عنه (ص).”
ولو أخذنا ما قاله النبي محمد: “وإنكم لتتبعون سنن من كان قبلكم”، نجده مخالفاً ومناقضاً لما شرّع إله الإسلام للمسلمين، حيث أنه في آية النفس بالنفس التي نتحدث عنها ونعتبرها خاصة باليهود لا توجد دية {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} فكان عندهم إما قصاص أو تصدق ككفارة عن ذنوبهم، كأن تقول عفو والأجر على الله، أما المسلمون فقد فضلوا على غيرهم بالدية عند العفو، والحكم ليس واحد للجميع، وإن هذه الجزئية المهمة دليل واضح على أن آية النفس بالنفس نزلت في اليهود، وأن آية العبد بالعبد نزلت للمسلمين، وإن لم يكن كذلك تكون كل تفسيرات {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} عبارة عن أكاذيب (أو لربما نصف الآية ملزم للمسلمين ونصفها الآخر غير ملزم لهم -والموضوع مزاجي- والله أعلم- وكالعادة).
فقد ورد في تفسير الطبري ج3 ص374: ” خفف الله عن أمة محمد (ص)، فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة، وذلك قوله تعالى: {ذلك تخفيفٌ من ربكم} بينكم.”، وفي تفسير الطبري ج10 ص361: عن ابن عباس قوله: “إن بني إسرائيل لم تُجعل لهم ديةٌ فيما كتب الله لموسى في التوراة من نفس قتلت، أو جرح، أو سنّ، أو عين، أو أنف. إنما هو القصاصُ، أو العفو.”
وذُكِر في فقه السنة ج2 ص539: [ {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس،… } أي أن الله كتب على اليهود في التوراة أن النفس تقتل بالنفس إذا قتلتها”]
وفي فتاوى الأزهر ج10 ص286: “يقول الله سبحانه في شأن اليهود والتوراة {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة:45] ويقول في المسلمين {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}”
كان اليهود يحتكمون للنبي محمد باعتباره الرجل الأول صاحب السلطة، وكان هو يحكم بينهم بحسب ما جاء في كتابهم ألا وهو التوراة (كان ذلك قبل تكفيرهم والأمر بقتالهم)، لذا: “النبي (ص) رضخ رأس يهودي لرضخه رأس جارية بين حجرين, وقال الله سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعين بالعين}.”، ولم يحكم محمد على المسلم الذي قتل عبده كما حكم على اليهودي، بل جلده ونفاه سنة.
وتأكيداً على أن الآية نزلت في اليهود، ذُكِر في تفسير القرطبي، ج6 ص191: ” قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} بين تعالى أنه سوى بين النفس والنفس في التوراة فخالفوا ذلك، فضلوا؛ فكانت دية النضيري أكثر، وكان النضيري لا يقتل بالقرظي، ويقتل به القرظي فلما جاء الإسلام راجع بنو قريظة رسول الله (ص) فيه، فحكم بالاستواء”… وفي الصفحة 192: “وأيضا فإن الآية إنما جاءت للرد على اليهود في المفاضلة بين القبائل، وأخذهم من قبيلة رجلا برجل، ومن قبيلة أخرى رجلا برجلين. وقالت الشافعية: هذا خبر عن شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا ليس شرعا لنا؛ وقد مضى في {البقرة} في الرد عليهم ما يكفي فتأمله هناك. ووجه رابع: وهو أنه تعالى قال: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} وكان ذلك مكتوبا على أهل التوراة وهم ملة واحدة، ولم يكن لهم أهل ذمة كما للمسلمين أهل ذمة؛ لأن الجزية فيء وغنيمة أفاءها الله على المؤمنين، ولم يجعل الفيء لأحد قبل هذه الأمة.”
الفئ يؤكد أن المسلمين فقط يحق لهم الغزو والسبي والاستعباد، وآية العبد بالعبد والحر بالحر تلزم المسلمين، وبالتالي فهي غير منسوخة، وآية النفس بالنفس مخصصة لليهود.
وورد تفسير الطبري ج10 ص358: “قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكمونك، يا محمد، وعندهم التوراة فيها حكم الله. ويعني بقوله: {وكتبنا}، وفرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النَّفس إذا قتلت نفسًا بغير حق بالنفس””
أذكر هنا الآيات من سورة المائدة، السابقة واللاحقة لآية النفس بالنفس حيث تقول: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (43) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44) وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (45) وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين (46) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (47)}، وهي تؤكد حسب الآية (43) أن اليهود كانوا يأتون إلى النبي محمد كي يحكم بينهم، وحسب الآية (44) أن نبي الإسلام كان يحكم بين الذين هادوا -يعني اليهود- بموجب كتابهم التورة، والآية (45) هي آية النفس بالنفس، والآيات (46-47) تحدث عن المسيحيين ان يحتكموا بموجب أنجيلهم.
وكل ما سبق دليل على أن آية النفس بالنفس نزلت في اليهود وهي مذكورة في توراتهم، وأن المسلمين غير معنيين بمضمونها، وكتب الله على المسلمين القصاص في القتلى بحسب الآية العبد بالعبد والحر بالحر، وكرمهم عن غيرهم وأنعم عليهم بالدية التي لم تلكن لأحد قبلهم.
يقول الشاعر حسان بن ثابت (شاعر النبي محمد- توفي سنة 54هـ):
فَقُلتُ وَلَم أَملِك أَعَمروُ بنِ عامِرٍ…… لِفَرخِ بَني العَنقاءِ يُقتَلُ بِالعَبدِ
لَقَد شابَ رَأسي أَو دَنا لِمَشيبِهِ…… وَما عَتَقَت سَعدُ بنِ زَرِّ وَلا هِندُ
يعرف أن مالك والشافعي لا يقتلان الحر بالعبد ولا المؤمن بالكافر، قال الشافعي (ونسبه البعض لغيره):
خُذوا بِدَمي مِن ذا الغَزال فَإِنَّه…… رَماني بِسَهمي مقتليه عَلى عَمد
وَلا تَقتلوه إِنَّني انا عبده…… وَفي مذهَبي لا يَقتل الحر بِالعَبد
ونقرأ ما يشابه ذلك عن أبي الفتح البستي (توفي سنة 400هـ) حيث يقول:
خُذوا بدَمي هذا الغُلامَ فإنَّهُ…… رَماني بسهْمَيْ مُقلَتَيْهِ على عَمْدِ
ولا تَقتُلوهُ إنَّني أنا عَبدُهُ…… ولم أرَ حُرَّاً يُقتَلُ بالعَبْدِ
وها هو ابن معتوق الموسوي (1025-1087هـ) يقول:
ولو قبِلَ الموتُ الفِداءَ فديتُه…… ولكنّهُ لن يُعطيَ الحُرَّ بالعَبْدِ
بعد كل ما ورد عن أحوال العبيد في الإسلام، نجد في تفسير القرطبي ج5 ص190: [روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): “للعبد المملوك المصلح أجران” والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك.] وهذا كلام معيب ودليل على سخافة كبيرة، ولا يعني إلا الكذب واستغباء الناس، حيث فيه تشجيع على العبودية مع الإقرار بإعفاء العبيد من الجهاد، والحج، وحتى من بر الأم التي ربما تكون سرية يتسرى بها حر مسلم، أو سلعة في سوق النخاسين، والأكثر عيباً وسخرية هو وجود أناس لا زالوا حتى يومنا هذا يخضعون لهكذا تشريعات وأفكار لا منطقية.

يــــتــــبــــع

سردار أحمد

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

دك عيني دك

محمد الرديني

في امريكا مجلة اسمها فوربس ومحرريها من النوع البطران الذي ينطبق عليه القول “حسد عيشة”.
هؤلاء المحررين يركضون ليل نهار من اجل معرفة كم يملك هذا وكم يدخر ذاك وكأن القارىء سوف يقبل على قراءة مثل هذه “الكنوز” ومادروا ان الناس ملتهين ب”عيشتهم” وبالكاد يحصلون على قوت يومهم خصوصا في بلدان الشرق الاوسط ومنهم شعب العراق العظيم.
ويبدو ان احد المحررين فيها تحرش بالحكومة العراقية ليعرف عدد الاثرياء فيها وهي المرة الاولى الذي يتناول فيه محرر عالمي ثراء الشباب في المنطقة الخضراء .
وبدأ هذا الملعون بتصنيفهم كالتالي:
بغض النظر عن فوز المكسيكي كارلوس سليم الحلو بالمرتبة الاولى برقم –69 بليون دولار (خطية هذا كل مايملك) الا ان نشر اسماء الاغنياء الاخرين الذين حصلوا على التسلسل حسب ثرواتهم.
نقطة نظام: يقول التقرير ان معظم اغنياء العالم ومنهم يملكون شركات من نوع ما،عملوا بجد ليحصلوا على هذه المكانه .. واملاكهم واموالهم هي شرعيه لان طرق الحصول عليها هي نظيفه وشرعيه نتيجه جهد .
هناك اغنياء في العشرة بلدان الاكثر فسادا بالعالم وهي البلدان التي صادرات النفط لها تزيد عن 200 مليار دولار امريكي سنويا والعراق هو ياتي بالمرتبه الثالثه من ناحيه البلاد الاكثر سوءا وفسادا بالعالم وهو من الدول التي مدخولاتها من صادرات النفط اكثر من 200 مليار سنويا .
يقول التقرير الذي لاندري مدى “صحته”:
“يعتبر الساسة العراقيين من اغنى اغنياء العالم ولكن طرق كسبهم للمال بطرق غير مشروعه و قد اصبحوا من اغنى اغنياء العالم خلال عشرة سنين فقط اي بعد 2003 ولغايه 2012 . كما ان الحرب جعلت من الغني اكثر غنى والفقير اكثر فقرا نتيجة الفساد الذي حدث في العراق.
السياسيون العشرة الكبار القياديين في العراق ثالث دولة اكثر فسادا بالعالم استنادا الى الدول التي صادراتها اكثر من 200 مليار دولار امريكي سنويا هم اليوم من اغنى اغنياء العالم ، علما انهم اصبحوا من فئة الملياردير خلال فترة عشرة سنين فقط وهي الفتره من 2003 -.2012
والعشرة المبشرين بالثراء بالعراق هم كالآتي:
1. نوري المالكي رئيس الوزراء والامين العام لحزب الدعوه الاسلامي الحزب الحاكم في العراق .
2. السيد عمار الحكيم – سياسي عراقي يقود المجلس الاعلى للثورة الاسلامية بالعراق.
3. صالح محمد المطلق – يرأس مجلس الحوار الوطني – واحد من ثلاثه نواب لرئيس الوزراء.
4. حسين ابراهيم صالح الشهرستاني – نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة.
5. جلال الطلباني – الرئيس العراقي السادس والحالي.
6. مسعود برزاني – رئيس اقليم كردستان ورئيس الحزب الكردستاني.
7. نجرفان برزاني – رئيس الوزراء الحالي لاقليم كردستان.
8. قباد طلباني – ممثل اقليم كردستان بالولايات المتحده الامريكيه وابن رئيس جمهوريه العراق الحالي.
9. مسرور برزاني – عضو الحزب الكردستاني وابن رئيس اقليم كردستان ومدير المخابرات لكردستان العراق.
10. اياد علاوي – سياسي عراقي – رئيس وزراء سابق للعراق الجديد.
لانريد ان نحسد هؤلاء على رزقهم “الحلال” كما نتمنى ان تكون المجلة اياها قد “فبركت” هذا التقرير ربما لعداوة بين هذا المحرر وبعض المسؤولين بالمنطقة الخضراء او ربما تسرب اليه التقرير من احد اعداء دولة القانون ،نعوذ بالهق من مثل هذه العداوات التي تثير غيرة وحسد ممن لايستطيع السرقة هذه الايام.

تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

هل هناك دين مسالم ؟

شامل عبد العزيز

الأديان خيطت من أفكار تتناقض والمنطق لدرجة تجعل أي ذكى يهزئ منها ( بيير جارون ) ..
من يعتقد بأنني أحاول أن أجعل الطرف المقابل ( تحت أيّ مُسمى , ديني – سياسي ) على خطأ فهو واهم وعلى خطأ وسوف أكون أول واهم وعلى خطأ إذا كانت هذه هي فكرتي أو إيماني بل العكس سوف تكون أفكاري هي المرفوضة ,, غايتنا هي الحوار بأفضل طريقة من اجل أن تكون هناك فائدة وإلاّ سوف يكون كلامنا عبارة عن مهاترات ومناكفات وتعصب .
الرأي الواحد – الأوحد – خطأ – لا طعم للحياة به – لا طعم للحياة ولا معنى لها بدين واحد – بفكر واحد – من طبيعة الحياة ومن سننها التنوع – ومن خلال التنوع يكون الإبداع , محاولات أهل الأديان بأن يكون الناس على امّة واحدة مخالفة صريحة وسير عكس التيار , حسب رأيي المتواضع هذا هو التعصب وبمناسبة التعصب :
يقول أوليفر هولمز ” عقل المتعصب يشبه بؤبؤ العين كلما زاد الضوء المسلط عليه زاد انكماشه “
الأسئلة الرئيسية وموضوع المقال :
يحق لكل عاقل أن يسأل نفسه , كيف خرجت أوربا من عصور الظلام ( سوف نرى بعد قليل كيف خرجت ) ,, والسؤال الحقيقي هو لماذا كانت تعيش في الظلام ؟
كانت تعيش في ظلام لسبب بسيط جداً هو تسلط رجال الدين في أوربا بتحالفهم مع الحاكم الطاغية – المستبد أي كما هو حالنا في المجتمعات الشرقية الحالية ( الدين مطية واستغلال للمشاعر ) وطننا العربي الذي بدأ بمخاض لا ندري كيف ستكون ولادته ؟ هل هي ولادة حقيقية أم مشوهة ؟
لماذا يساند رجال الكهنوت الملك أو الحاكم , هل اعتباطاً ؟ لنقرأ ما يلي :
لاَ تَلْعَنْ رَئِيساً فِي شَعْبِكَ
أَيُقَالُ لِلْمَلِكِ : يَا لَئِيمُ وَلِلشُّرَفَاءِ : يَا أَشْرَارُ؟
كذلك في الإسلام ” وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ” وهناك الكثير ..
كانت أوربا غارقة في ظلام دامس لأن النصوص هي الحاكمة – يقترف فيها رجال الكهنوت أبشع الجرائم – كان رجال الكهنوت يقتلون ويعذبون كل مخالف لما تقوله أناجيلهم ,, كانت أوربا غارقة في جهل مطبق لأن الثقافة السائدة كانت ثقافة الكتاب المقدس والذي لا يمت للحياة لا هو ولا غيره بصلة ..
كانت الشعوب الأوربية تعاني الآمرين من جراء ذلك الظلم وذلك القتل والتدمير هذه هي الحقيقة .
رجال الكهنوت لم يتصرفوا بناءاً على ما تشتهيه أنفسهم بل كانوا يمتلكون الأدلة القطعية التي تُجيز لهم القتل – أي أنهم كانوا على ثقة تامة بما يفعلونه من اجل تنفيذ تعاليم يسوع والدخول معه في ملكوت الله – هذا هو واجب رجل الدين – التمسك الحرفي بالنص دون إعمال العقل – لأنه على يقين لا يخالطه شك بأن هذا النص من الله وعليه الامتثال لأوامر الله
ولكن لماذا حدث التغيير ولمن يعود الفضل في ذلك ؟ هل لرجال الدين الحمقى وكتابهم المقدس أم للفلاسفة والعلماء الذين ضحوا بحياتهم من أجل مجتمعات أفضل وهذا ما حصل بالفعل بعد أن سألت دماء هؤلاء الأطهار ولا دماء طاهرة عند رجال الكهنوت بل دماء فاسدة ومن جميع الأديان ..
في تعليق قديم للأستاذ عبد القادر أنيس قال بما معناه : يجب أن لا ننسى أن أوربا نهضت بفضل العلماء والفلاسفة وليس بفضل الكتاب المقدس وكان حديثه عن التسامح والفرق بين الأديان ثم قال لا نستطيع أن نحكم على تصرفات المسيح لأنه قُتل في عمر 33 سنة وماذا لو استمر هل سوف يكون على غرار الجميع أم سوف يخالفهم – انتهى التعليق بتصرف ,, إذن لا نستطيع أن نحكم غيابياً ونتكهن ونتوقع دون دليل علمي ملموس ودون أحداث التاريخ وننسب أشياء هي محض خيال وتحليلات في غير محلها .
يقول روبرت انجرسول :
لماذا عليَّ أن أترك تربية أطفالي لذلك الإله الذي هو نفسه تخلص من ابنه ؟
الشرارة الأولى :
بدا التحول العظيم بثورة علمية أطلق شرارتها اختراع الطباعة لجوتنبرج 1440م , كان الكتاب المقدس أول كتاب طبع بماكينة جوتنبرج في 1455 ,, في 1517 علق راهب مغمور يدعي مارتن لوثر منشورعلى باب كاتدرائية فتنبرج و أثارت بلبلة مما دفع الإمبراطور تشارلز الخامس إلى عقد مجمع رومس 1521 لمناقشة أفكار لوثر .. ( منقول بتصرف ) .. نحن هنا سوف لن نخوض في تفاصيل ذلك الاجتماع ولكن من أجل التوضيح للشرارة الأولى ..
نستمر :
انتقلت حركة الإصلاح إلى سويسرا و فرنسا و سائر شمال أوربا و قضت على حصانة الكهنوت الذي سجن أوربا في ظلام الجهل لمدة خمسة قرون متواصلة . آسهم الإصلاح الديني في التمهيد لعصر التنوير و الذي قام فيه صفوة عقول أوربا بتحطيم استبداد كل من الدين و الدولة ، قام سبينوزا بتفنيد منطق الحكم الديني و أسس للفكر العلماني و دعا جون لوك لحرية العقيدة و الفكر و الملكية و طالب مونتيسيكيو بفصل السلطات الثلاثة و قدم روسو نظرية العقد الاجتماعي و التي تأسست عليها الديمقراطية الحديثة و دعمها كانط بنظريته “من اجل سلام دائم ” انتهى ..
بفضل هؤلاء كان التغيير وكانت النهضة وكان العلم والنور وحقوق الإنسان ودولة المواطنة دون تمييز والديمقراطية والليبرالية وحرية الاعتقاد وباقي المبادئ السامية ..
لنقرأ معاً ثمّ لتقولوا رأيكم :
خمسة أشخاص لعبوا دورا محوريا في نقل أوروبا من حالة السبات العميق إلى مرحلة النهضة . هؤلاء الأشخاص هم البولندي كوبرنيكوس , الدنمركي براهه , الألماني كبلر , الايطالي جاليليو والانجليزي نيوتن . ولعل أكثر هؤلاء الأشخاص تأثيرا هو كوبرنيكوس لأنه هو صاحب الضربة الأولى التي زلزلت كيانات الجمود القائمة في عصره بل وصدعتها بغير رجعة وجعلتها غير قابلة للإصلاح . إن نتائج أطروحات كوبرنيكوس قد تخطت حدود الفلك لتؤثر في الدين والسياسة والفلسفة والثقافة الإنسانية كلها. فقد قال كوبرنيكس أن الأرض تدور وأنها ليست مركز الكون ضاربا بذلك بنظرية بطليموس ـ أرسطو عرض الحائط والتي استمرت 20 قرنا والتي دعمتها الكنيسة لمدة 12 قرن وجعلت مجرد التشكيك في هذه النظرية كفرا. إذن الأرض تتحرك والكنيسة ليست مركز الكون بل كانت كل هذه السنين الماضية على خطأ.
الآن مكة هي مركز الكون ؟ نحن لا نحتاج إلى 5 أشخاص – علماء- بل إلى 5 ملايين ؟
يقول كانط ” إني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي ” لا تفكر ” رجل الدين يقول لا ” تفكر ” بل آمن , ورجل الاقتصاد يقول ” لا تفكر ” بل ادفع , ورجل السياسة يقول ” لا تفكر ” بل نفذ , ولكن فكر في نفسك وقف على قدميك إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكنّي أعلمك كيف ” تتفلسف ” …
نعود للقس مارتن لوثر :
في سنة 1520 نشر مارتن لوثر نداءه الشهير الموجه إلى ” النبلاء المسيحيين في ألمانيا ” وتلاه برسالة عنوانها :”في الأسْر البابلي للكنيسة”. وفي كليهما هاجم المذهب النظري لكنيسة روما ..
ماذا حصل له ,,ما حصل لمارتن لوثر أكبر دليل على أن المخالف مصيره الحرمان أو القتل أو الحرق وحوادث التاريخ لا تكذب هذا الرأي .
طبعاً اخترت لكم أبسط نموذج للقهر بتدمير كل ما كتبه لوثر وحرمانه من حقوقه المدنية .
لقد تعاملوا معه ضمن النص الذي يبيح لهم ذلك ,, لنقرأ ما يلي :
Lk:19:27: 27 أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن املك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي
الحمد للعقل أنهم لم يذبحوه ولكن ذبحوا ملايين غيره ؟
أين التسامح والرأي – الرأي الأخر- الذي يتحدث عنه البعض ومن أجل ذلك كان هذا المقال لا لشيء غيره …
كل مخالف لتعاليم المسيح لابدّ من ذبحه ,, هذه هي شريعة الأديان ,, وفي الإسلام ومن لم يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ..
عدا طبعاً آيات السيف في سورة التوبة 5 – 29 مهما حاول البعض تأويل تلك الآيات من أبناء الدين الذي أنتمي إليه .
أهل الأديان ورجاله لديهم نصوص لا يستطيعون أن ينفكوا عنها وهذه حقيقة :
MT:10:34 بل سيفاً . لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض.ما جئت لألقي سلاما
من ليس له فليبع ثوبه و يشتري سيفاً ” لوقا 22/ 26
من الصحيح أن عدد الآيات التي تتحدث عن السيف في الإسلام أكثر منها في المسيحية ولكن العبرة ليس بالعدد بل العبرة بالنص والإيمان به ..
مارتن لوثر ( نموذج بسيط للمخالف ) :
هو صاحب حركة الإصلاح الديني كما هو معروف للجميع ولكنه مارق – مخالف لتعاليم يسوع ومبادئه معروفة من إباحة الطلاق إلى عدم الحج إلى روما وغيرها ..
ولكن هل تقبل الأديان بالإصلاح وكيف – أنا أتمنى أن يحدث هذا في العالم الإسلامي ولكن الأماني لا تكفي ؟
يقول الكاتب الأميركي – فرانك كلارك ” السبب في انتشار الجهل أنّ من يملكونه متحمسون جداً لنشره ”
سؤال المقال ؟
هل هناك دين مسالم ؟
هذا يدفعنا للسؤال الذي طرحه الأستاذ نجيب توما في تعليقه على مقالي – خرافات الأديان – :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=299120#345582
هل هناك دين مسالم ؟ أكيد لا ,, مهما حاول البعض التشدق والمراوغة وتزويق الألفاظ إلاّ أن فشلهم واضح للعيان ..
نعود لجزء من تعليق الأستاذ نجيب توما :
لا يوجد دين مسالم فإن جرى تقليم أظافر الديانة المسيحية بعد العصور المظلمة والمشينة فلا يعني أن الأظافر لا تنمو مجددا ..وان استطاعت الكنيسة لذلك سبيلا فلن تقصر بذلك..فكر جامد مع سلطة سياسية تساوي فاشية..إرهاب قمع وما يجري في أوربا من تطور واحترام للإنسان والأفكار المتنوعة ليس له علاقة بالدين المسيحي لا من قريب ولا من بعيد انه نتيجة نضال صعب وقاسي وطويل لمفكرين وعلماء ..إلى أن تم بنجاح فصل الدين عن الدولة ( انتهى ) ..
هل هناك رؤية وعلمانية أوضح من هذا الجزء من تعليق الأستاذ نجيب توما ,, هذا هو الإنصاف والحوار وتلاقح الأفكار ,, هذا ما نسعى إليه وما نحاول السير نحوه ,, هذا هو الذي يجب أن نركز عليه ونعمل من اجله وليس مناكفات البعض وتبريرات الآخر ..
جزء صغير من تعليق الأستاذ مثنى حميد مجيد ( من الأخوة الصابئة , لا مسلم ولا مسيحي ) ماذا قال على نفس المقال ( خرافات الأديان ) :
وأعتقد أن هذا النوع من الحوار الذي ينصب ويفند الأصولية الدينية هو نموذج لما نحتاج إلية وهو المطلوب فالموقف الوسطي الحيادي يتميز دائما بالموضوعية إذ لا يوجد دين أفضل أو أسوأ من دين ولا توجد خرافة أفضل من خرافة والعنف موجود في كل الأديان…وحتى الصابئة المسالمين لديهم ملاك وكح ومحارب اسمه أنوش أثرا يهاجم المدن ويدمرها مع سكانها بلا رحمة ! انتهى .
جميع الأديان لا تؤمن بالحرية الشخصية أو الحرية الفردية أو أي حرية أخرى وما يتمتع به الغرب حالياً ليس لأن الكتاب المقدس أجاز لهم ذلك بل لأن الدولة علمانية – ليبرالية – ديمقراطية والدين في الكنيسة .. هذا هو السبب الحقيقي وهذا هو الذي نتمناه ..
لنقرأ معاً :
فَأَخْرِجُوا ذَلِكَ الرَّجُلَ أَوْ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، الَّذِي ارْتَكَبَ ذَلِكَ الإِثْمَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، وَارْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ .
الرجم هو الرجم .. لا فرق ..
هل هذه النصوص تحتاج إلى تأويل ومعرفة خاصة أم أنها واضحة وضوح الشمس ..
إليكم النص التالي :
وَإِذَا تَدَنَّسَتِ ابْنَةُ كَاهِنٍ بِالزِّنَى فَقَدْ دَنَّسَتْ أَبَاهَا. بِالنَّارِ تُحْرَقُ ؟ ( النار في الدنيا والنار في الآخرة طبعاً ) .
بالمناسبة مارتن لوثر رفض تفسير الأناجيل حصراً من قبل رجال الكهنوت ..
( هناك نكتة ولكنّها نكتة سمجة يستخدمها البعض ألاّ وهي ” لا يجوز تفسير الأناجيل أو القرآن من قبلكم لأنكم لا تعرفون المعنى أو المغزى الحقيقي الذي ورد في تلك الكتب ” ) ؟ يا سلام على العقول ؟
الحرية الجنسية في الغرب ومنها المثليّة حرام شرعاً ولابدّ من العقوبة في الأديان ولكنها قائمة على قدم وساق بفضل القوانين والدساتير وإلا كيف نفهم النص الذي يقول ( أرجموه بالحجارة حتى الموت ) ؟
على مرّ التاريخ الإسلامي ( حادثتان مشهورتان ) – ماعز والغامدية – الرجم حتى الموت بسبب ( الزنا ) ممارسة الجنس .. علماً بأن القرآن لم يقل بالرجم بل بالجلد ولكن لنتماشى معكم من اجل عدم دخولنا في قائمة البعض ؟
أي تبرير لنهضة أوربا بأن الكتاب المقدس هو السبب يدخل في باب الجهل وعدم قراءة التاريخ بأعين مفتوحة وكذلك يدخل في خانة التعصب والطائفية ونحن لسنا بحاجة ل هكذا مسميات على صفحات الحوار المتمدن ..
محاولة تبرير الفظائع والقتل والتنكيل لتصرفات بعض الأفراد كارثة أكبر من كارثة تسونا مي ,, لماذا ؟
لأننا بذلك نضفي على النصوص وحوادث التاريخ بما هو ليس عقلاني أو صحيح فهل من المعقول أن يستمر القتل والتنكيل 500 عام بتصرفات بعض الأفراد ؟
يستطيع الطرف الآخر أن يقول نفس الكلام وأن حوادث التاريخ سببها تصرفات بعض الحكام وبعض رجال الدين ونعود للمربع الأول .
غاليلو المسكين ؟
ماذا فعل ؟ كان غاليلو يدافع عن نموذج كوبر نيكس بخصوص أن الشمس ثابتة والأرض والكواكب تتحرك حولها ، وهذا كما هو معروف مخالف للكتاب المقدس لأنه يقول بعكس ذلك ؟
أبسط حكم حصل عليه غاليلو هو تخفيف السجن إلى الإقامة الجبرية حتى أصابه العمى وهو الذي يسمى – أبو العلم الحديث – اعتبار ما كتبه هرطقة – منعوا تداول كتبه منعاً باتاً ( فقط ) ؟
إذن هل الفضل للكتاب المقدس أم للعلماء وأين هو فضل رجال الكهنوت هل هو بقتل الناس وسجنهم وتعذيبهم وحرقهم ؟
بالمناسبة هناك رجل دين سعودي يقول بتكفير كل من يعتقد بكروية الأرض ؟
كما جاء في بداية المقال هل نهضت أوربا بالدين ولماذا لم تنهض قبل كوبر نيكس و غاليلو ؟
أو ليس الكتاب المقدس هو نفس الكتاب أم حصل تغيير في الآيات والنصوص التي وردت فيه ؟
من يحاول إيعاز سبب النهضة للكتاب المقدس ( له غايات ومآرب ) ؟
يقول الكا جيس :
من العادة أن يكون الرجال في قمة إيمانهم الديني عندما يتصرفوا بأقل قدر من المنطق وأكثر قدر من الوحشية …
لو عاد الدين إلى أوربا الآن واقصد الحكم بالنصوص بدل القوانين الوضعية فإنها سوف نعيش في عصور ما قبل التاريخ ولكن ,, هيهات ..
بمناسبة الأظافر ” تنمو مجدداً ” : إليكم الرابط التالي ” تمتعوا بالقراءة ونحن في عام 2012 , لكي يتبين لكم في حالة عودة هؤلاء الظلاميين ما هو مصير الشعوب ولكي يكون كلامنا بدليل وليس افتراء :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,568545.0.html
متى ما سنحت الفرصة لهؤلاء ومن أي دين فإن النصوص هي الحاكمة وأن رجال الدين لهم القول الفصل – يجب أن لا نخدع أنفسنا , يجب أن ننظر بمنظار بعيد عن التعصب – الطائفية – المناكفات – الأديان وهذه للمرّة المليون من منبع واحد ومن مشكاة واحدة ولا يحتاج الأمر للكثير من العناء لفهم ذلك – بقراءة بسيطة وبأعين مفتوحة وبطريقة حيادية نستطيع أن نتوصل لذلك ..
ختاماً :
تقول سوزان – ب – أنطوني :
أنا لا أثق بالناس الذين يعرفون جيداً ما يريد الله منهم أن يفعلوه لأنني لاحظت أن ما يريده الله يتطابق دائماً مع رغباتهم و يتوافق معها …
/ ألقاكم على خير /

Posted in فكر حر | Leave a comment

بوادرُ عَـطف سـيّدةِ النجاةِ

رياض الحبيّب

هـنيـئًا بالولادةِ والمَمَاتِ ـــ لكمْ يا أهـل دجـلة والـفـراتِ

بكمْ عُـرِفَ العـراقُ برافـدَيهِ ـــ بمِرآةِ الأصايل والشّـتاتِ

زرَعْـتمْ أرضَكمْ وبنيتموها ـــ مِثالًـا للحـضارةِ في فلاةِ

وشَـيّدتُمْ على قدَمٍ وسـاقٍ ـــ جـنائن بالفـضاء مُعَـلّـقاتِ

وسَـطّرتُمْ شـرائعَ في كتاب ـــ تميّـز بالخطوط وبالسِّـماتِ

وورّثـتُم لنا إرْثًا ثمـينًا ـــ مُقابلَ ذِكْـرهِ بمُناسـباتِ

فكـنتم أوّل الدنيا ظُهـورًا ـــ بأسماءِ الّذين وباللواتي

وجُـدتُمْ بالكـثير ولم تضِنّوا ـــ على زمن النهـوض بمملكاتِ

***

ذكرْنا إرثكُمْ يومَ اٌستـفـزّت ـــ منازلَنا سـكاكينُ الغـزاةِ

أرادوها اٌغتصابًا واٌغتيالًـا ـــ وإلّـا الهـدم والتدميرُ عاتِ

أرادوا أن نعُـود إلى عُـصور ـــ تلاشت مِن ظلامٍ أو سُـباتِ

بكينا أمسِ سـومرَ ثـمّ أورًا ـــ وبابلَ بالـدِّمَاء مُضَـرّجاتِ

بكينا أمسِ في آشـورَ ثـورًا ـــ تصدَّعَ رأسُهُ بالنازلاتِ

تحـيّـرَ في هويّة ضاربيهِ ـــ لأنّ القِـشـرَ أشـبه بالنواةِ

يُحَثّ على سلوكِ الطير لكنْ ـــ تقوّى بالجُـذور كما النباتِ

يقاومُ بالصّمود ورُبّ صَـبْـر ـــ سُـكونٌ خلفَ عـصْفِ الذارياتِ

فلا يهـنأْ بفعْـلـتِهِ خـسـيسٌ ـــ سـيندمُ بَعْـدَها نـدَمَ الزناةِ

وتُسحَـقُ رأسُهُ سَـحْـق الأفاعي ـــ بكـعْـب اٌبن السبيل وكـعْـب شاةِ

فإمّا عـاجـلٌ أو بعْـد حِـين ـــ حِـسـابُ الحـقّ مِـن لـدُنِ القـضاةِ

* *

بكينا أمس في بغداد جَـمْعًا ـــ تفرّغ للعـبادة والصّلاةِ

تعرّض للرّعاع بلا دفاع ـــ وما راعـتهُ أسـلحة الطغاةِ

رآى في الموتِ منزلة وسَـيرًا ـــ على درب الشهادةِ فالحـياةِ

مع الربّ الإله فـقال مَجْـدًا ـــ لهُ هـاتِ الصَّـليبَ الحيّ هـاتِ

سوى الطفل الذبيح بلا لسان ـــ يُسائلُ ما جـرى والذبحُ آتِ

فـسِـيق الطفلُ مِن حِضنٍ أمين ـــ إلى حِضن خُرافيّ الصِّفاتِ

هـنالك ما نجا الناجـون لولا ـــ بوادرُ عَـطف سـيّدةِ النجاةِ

إذا جَـفّتْ عُـيونُ الأرض حُـزنًا ـــ فـوَاحَـتُها عـيون الأمّهاتِ

تعـزّ عليّ تعـزية الثـكالى ـــ إذا عُـدّ البريءُ مَعَ الخُـطاةِ

أمَرّ عليّ مِن سُـمٍّ زعاف ـــ وأصعـبُ مِن مُنازلة العُـتاةِ

فلا أخـشى سوى عِـلْجٍ جـبان ـــ يكـرّ من الوراء بهَـمْهَـمَاتِ

وفي ليلٍ يُخاتِـلُ مِـثـل ذئب ـــ يفـرّ إذا رآى نارَ الرّعاةِ

يلاقـيني الشّجاعُ بوعْـدِ حُـرٍّ ـــ شريفٍ والمُروءة في الثباتِ

هُمُ الفـرسانُ في زمني قـليلٌ ـــ غـدَوا مِن أصدقائيَ والثِّـقاتِ

¤ ¤ ¤

رياض الحبيّب

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

الراهب ونازك الملائكة

رياض الحبيّب

موقع لينغا

هذه معارضة شعريّة؛ عارضتُ بها، بلسان راهب، قصيدة الشّاعرة العراقيّة الكبيرة نازك الملائكة التي تحت عنوان “في دنيا الرهبان” وتقتضي المعارضة الإتيان بأبيات من وزن القصيدة (وهو هنا بحر الخفيف) ومن قافيتها، لكنّ القصيدة متعدّدة القوافي، ما اقتضى مقابلة كلّ قافية بمثلها

* * *

الشاعرة 1
سِر بنا يا طريقُ نحو حِمى الدَّير فقد نلتقي الرِّضَى والأمنا

فلعلّ الرّهبان قد أدركوا السّرّ المُعَمّى الخافي الذي نتمنّى

الراهب
مَرحَبًا ما الذي تُريدين مِنّا؟ * ليس سِرًّا على الورى ما اٌتّبَعْنا

بكلام الإنجيل نبضُ حياةٍ * في خِضَمّ الوجود رُوحًا ومعنى
– – –

2
هؤلاء الزّهّاد في القُنّة الخضراء حيثُ الحياةُ صَمْتٌ مديدُ

رُبّما كاشَفتْهُمُ الأنجمُ العُليا بأسرارها وباحَ الخلودُ

الراهب
قد صَمَتنا أمامَ رَبِّ البَرايا * خيرُ صوتٍ: صَلاتُـنا والنّشيدُ

نحنُ لا نرتجي مِن النّجم كَشْفًا * عن خلودٍ فالرَّبُّ حيٌّ مَجيدُ
– – –

3
مرحبًا يا رُهبانُ هلْ في حِماكُمْ * مِن حديثٍ عن كنزنا المفقودِ؟

هلْ لمَستُمْ بَريقهُ وشَذاهُ؟ * هل نعِمتُمْ بظلِّهِ الممدودِ؟

الراهب
كنزُنا في السّماء ليس لنا في الأرض شيءٌ للدَّفن أو للدُّودِ

كلّ نور يزولُ إلّـا كلامًا * قالهُ ربّنا لِعَهدٍ جَديدِ
– – –

4
إنَّ في أفْقِكمْ جَلالًـا وشِعرًا * وسُكونًا مُطلسَمَ الأستارِ

وصلاة لله تقطرُ حُبًّا * طهَّرَتْها يدُ الدّموع الغِزارِ

الراهب
ما جَلالٌ إلّا جَلال الباري * وسُكونٌ إلّا لحِفظِ الوقارِ

ما صلاةٌ بدون طُهرٍ وحُبٍّ * وبُكاءٍ على الخطايا الكِثارِ
– – –

5
فلِمَ الحُزنُ والشّحوبُ يطلّـان لديكُمْ مِن أعيُن وشِفاهِ؟

يُلقيان الظّلال فوق وُجُوهٍ * صامتات المرأى خواء الجباهِ؟

الراهب
حُزننا قائمٌ لأنّ أناسًا * لم تُعِرْ للخلاصِ أيّ انتباهِ

والشحوبُ الذي لدينا من الصّومِ ومِنْ خوفِنا أمامَ الإلهِ
– – –

6
ووراءَ الأهداب أستارُ حُزن * وذهولٌ ووحشةٌ لا تنامُ

إنْ يكنْ دَيرُكُمْ عَذابًا وهَمًّا * أيّها الرّاهبون فيمَ المُقامُ؟

الراهب
رُبَّ حُزنٍ لنا يصيرُ سُرورًا * آخِرَ الدّهْر إذ يحُلُّ السّلامُ

ونُجازى على الشّقاء بسَعْدٍ * وعلى دَيرنا ينوحُ الحَمامُ
– – –

7
لم أجدْ في الصّوامع الرَّثَّة الحَيرى عُلُوًّا ولم أجدْ آفاقا

إنّ هذا الجَناحَ يا ديرُ مقصوصٌ فلن يستطيع قطّ اٌنطلاقا

الراهب
العُلوُّ الذي نرومُ لذاتٍ * زهَدَتْ في حياتِها إملاقا

إنْ نطِرْ في السّماء بالرّوح لكنْ * لرضى الرّبّ ننزلُ الأعماقا
– – –

8
أثقلتْهُ رَغائبٌ ثَرَّة حَرّى تبقَّتْ مِن أمسِهِ المدفونِ

واٌشتياقٌ إلى الطّفولة والحُبّ إلى ضَمّةٍ وصَدر حنونِ

الراهب
دَفن الرّاهبُ الرّغائبَ طُرًّا * قبلما صار راهبًا بسنينِ

أيُّ صدر للناس أرحَبُ مِن صدر إلهٍ على الأنامِ حَزينِ؟
– – –

9
أيّها الرّاهبُ الذي يقطع العُمرَ وحيدًا في غرفة منسيّهْ

ليس يدري دفءَ المَوَّدة في عَينين في قرّ ليلةٍ شِتْويّهْ

الراهب
ليتهُ مَنسيٌّ من الناس حتّى الأهلِ في دَيرِهِ وفي البَرِّيَّهْ

كلّ دِفءٍ مؤقَّتٌ، ليس فيهِ * طاقةٌ مِن مَحبّةٍ أبديّهْ
– – –

10
حَدَّثوني عنكم فقالوا: قلوبٌ * نُسِجَتْ مِن وداعةٍ ونقاءِ

ونفوسٌ صِيغتْ من الضّوء والعطر وحامتْ على شفاه السماءِ

الراهب
ألفَ شُكر أميرة الشِّعر إنّا * دُون هذا المديح والإطراءِ

لو درى الناسُ مَصْدَرَ الضوء في النفس لأثنوا على إلهِ الضّياءِ
– – –

11
وحكوا لي عنكُمْ فقالوا: ضياءٌ * وكؤوسٌ مِن الشّذى رُوحيّهْ

وسُمُوٌّ إلى الذُّرى الطّاهرات البِيض فوق الرّغائب البَشَريّهْ

الراهب
كأسُ قانا الجليل أصحَتْ مِن السُّكر قلوبًا عتيقة حَجَريّهْ

هذهِ حالُنا: السّموّ بروحٍ * مِن ضَلال الرّغائب الأرضيّهْ
– – –

12
عَجَبًا أين ما سمِعتُ؟ هنا شوقٌ ونارٌ وأعينٌ مفتونهْ

وهوىً قيّدوهُ عطشان محرورًا فأين السّلامُ؟ أين السَّكينهْ؟

الراهب
ما اٌفتُتِنّا بأيّ مَجْدٍ وزينهْ * غير مَجدِ المسيح والأيقونهْ

فالهوى باتَ خارجَ الدّير مدفونًا لأنّ القلوبَ فيهِ رَصِينهْ
– – –

13
واٌسمُ (تاييسَ) لم يزلْ في شِفاه الرّيح يُتلى على الوجود اللاهي

رمزَ قلب مُمَزَّقٍ بين صَوتين: نداءِ الهوى وصوتِ اللهِ

الراهب
تلكَ قدّيسةٌ تخلّتْ عن اللهو وطَيش الهوى ورَصد المَلاهي

حَرّقتْ كسْبَها أمام عيون الناس لمّا مَشَتْ بخير اتّجاهِ
– – –

14
ما نسِينا غَواية الرّاهب المفتون في حُبّها وكيف هَداها

يا لهُ بائسًا سَما باٌبنة الإثم إلى قمّة السماء وتاها

الراهب
ذهَبَ الرّاهبُ الوقورُ ليَنهاها ولم يُفتَتَنْ بسِحر هواها

فاٌنتهَتْ واٌحتمَتْ بدَير العذارى * لمْ تغادِرْ حُدودَهُ عيناها
– – –

15
أيّها الدّيرُ يا جَديبًا من الحُبّ خواءً من النّدى والحَنانِ

يا غريقًا في الصّمت والوحشة الصّمّاء يا مُقفِرَ الرّؤى والأماني

الراهب
يا اٌبنة النّاس فاٌترُكينا لأنّ الحُبّ لله خالق الإنسانِ

نحنُ أدرى بحالِنا مِن سِوانا * ولنا الحقُّ في اٌختيار المكانِ
– – –

16
حان عن صَمْتِك الكئيب رحيلي * فدُروبُ الحياة خضراءُ حَيَّهْ

وذراعُ الوجود يفرش لي دربًا مِن الخِصْب والظّلال الثّريّهْ

الراهب
فهنيئًا لكِ الحياةُ الهَنيّهْ * وهنيئًا لكِ الدروبُ النّديّهْ

وهنيئًا لنا إذا عَيَّرَتْنا * بتُقانا قصيدةٌ نقديّهْ
– – –

17
وسألقى ربّي هناك بعيدًا * عن دَياجيكَ إنّ ربّي ضياءُ

وطريقي يمتدّ حيث يدُ الله جَمالٌ ورحمةٌ واٌرتواءُ

الراهب
لكِ أن تختاري الطريق التي فيها رُقِيٌّ ونِعمةٌ واٌستواءُ

بارَكَ الله كلّ مَن سار في دربٍ سَويٍّ وبُورِكَ الأتقياءُ

¤ ¤ ¤

رياض الحبيّب

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

العبودية في الإسلام 22

سردار أحمد

الحلقة الثانية والعشرون
كذبة التدرج في تحريم العبودية ج1:
إن حجة التدرج في تحريم العبودية، والادعاء بأن الإسلام قام بتحريم الرق على مراحل، التي يتحدث عنها المسلمون في كثير من المناسبات ما هي إلا كذبة، ولا نجد لها أي مسند شرعي، ولا يوجد أي دليل على ذلك التدرج في الشريعة الإسلامية، لكن يوجد ما هو عكس ذلك التدرج، أو بمعنى آخر تدرج نحو ترسيخ العبودية وزيادة التأكيد عليها في آيات القرآن، ويتوضح ذلك خلال المقارنة ما بين الآيات المكية والمدنية، والناسخ والمنسوخ، حيث نُسِخَت آيات الرحمة وقبول الآخر بالآيات المدنية التي تأمر بالقتل والقتال وتتحدث عن الجهاد والغنائم ومضاجعة السبايا.
قالوا “كان نزول القرآن مدرجا وتفريقه منجما مما أجمعت عليه الأمة وصحت به الآثار الاستقرائية استجابة للضرورة الملحة واقتضاء للحكمة الفذة في تعاقب التعليمات الإلهية يسرا ومرونة واستيعابا”. بالواقع هكذا أقوال ما هي إلا ترهات وأوهام، والتدرج الموجود في القرآن ليس له علاقة لا بحكمةٍ ولا بإلهٍ ولا بمنطقٍ ولا بعدالةٍ، وإنما له علاقة بالقوة والسلطة، والقمع الممارس على الآخرين تناسب طرداً مع حجم قوة محمد ومدى قدرته على القيام بذلك، والتغيير (التدرج) السيء الواضح حسب الآيات التي ستمر معنا كان من أهم أسبابه تحرر محمد من خديجة الزوجة القوية صاحبة السلطة والمال، وذلك بعد أن ماتت (قبل الهجرة بثلاث سنوات)، حيث (نزلت) بعد وفاتها آيات التوسع في النكاح والحرية فيه، وتم التركيز على ملكات اليمين والسبايا، وكذا كان ذلك التغيير لأسباب سلطوية، وكان الانعكاس لانتصارات محمد في غزواته وزيادة قوته، وربما لأجل ذلك قالو: “كان نتيجة هذا التدرج في النزول أن استوعَبَ نزول القرآن الكريم حياة النبي (ص) في الرسالة”، نعم استوعب القرآن حياة النبي الشخصية، حيث أن القرآن جزآن، حدهما الفاصل موت خديجة وانتصاراته العسكرية، وفي الجزء الثاني باشر نبي المسلمين النكاح والمضاجعة والسبي والاسترقاق بلا حدود.

فرض الجهاد أو فرض النهب والسبي والاسترقاق:
في بداية الإسلام لم يكن أهل الكتاب من الكفار، أي أن غزوهم لم يكن مشروعاً، وبالتالي لم يكن مسموحًا أن يصبح المسيحي ولا حتى اليهودي عبدا نتيجة الغزو، والغزو كان العامل والرافد الرئيسي للسلب والنهب والسبي والاسترقاق، لكن وبالتدرج نُسِخت الآيات التي ربما كانت الحافز في إمكانية التعايش السلمي بالآيات التي كفرت الجميع وأمرت بقتالهم وبالتالي استِعبادهم.
ورد في تفسير ابن ابي حاتم ج11 ص448: (عن قتادة، قوله:” “ولا تجادلوا أهل الكتاب” نسختها “اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم” ولا مجادلة أشد من السيف”.)
وورد في تفسير الطبري ج5 ص410: (نسخ: “لا إكراه في الدين” فأمر بقتال أهل الكتاب في “سورة براءة”) وسورة البراءة هي سورة التوبة وترتيب نزولها (113) أي هي السورة قبل الأخيرة في القرآن.
تقول سورة التوبة: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، ذكر ابن كثير في تفسيره ج4 ب28 ص132: “هذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب، بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلما استقامت جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع.”
وكانت الآية تقول: {…وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة:191] مدنية، وترتيب نزولها العام (87)، وهي أمر الله لرسوله أن لا يقاتلهم عند المسجد الحرام، ثم نسخ ذلك في سورة بقوله: { فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:5] والتي ذكرنا ان ترتيب نزولها (113)
وفيما يخص الزواج ومضاجعة ملك اليمين كانت الآية تقول: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21] وهي مكية وترتيب نزولها:84 أي آخر المكي، وبعد ذلك نزلت الآية في المدينة بعد معركة أحد (السنة الثالثة للهجرة) لتعلن التحول في الأمر الإلهي إلى شكل آخر: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء:3] مدنية
ورد في الدر المنثور، ج3 ص75: “نزلت في نساء أهل حنين لما افتتح رسول الله (ص) حنينا أصاب المسلمون سبايا، فكان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة منهن قالت: إن لي زوجا. فأتوا النبي (ص) فذكروا ذلك له، فأنزل الله {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} قال: السبايا من ذوات الأزواج.”، وبتلك الآية القرآنية أستحل المجاهدون المسلمون فروج المسبيات أو الأسيرات، وقبل ذلك كانت مواقعة السبايا ذوات الأزواج حسب الأعراف من الأعمال المخجلة حتى يأتي زوجها ويفديها، علماً بأنها الآية (24) من سورة النساء، وهي مدنية، وترتيب نزولها (6) مدني، وترتيبا نزولها في كامل القرآن (92)، حيث لم يكن قد بقي لمحمد الكثير للوصول إلى نهاية رسالته قبل أن يسن هكذا تشريع مخجل، وتأكيداً لما سبق أورد عن النبي محمد قوله: “جُعِل رزقي تحت ظِلّ رُمْحي، وجعل الذلة والصِّغار على من خالف أمري”، وقوله أيضاً: “أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي”، وكذلك مقولة: “من قتل قتيلاً فله سلبه”، ويذكرنا ذلك بصفية والتي كانت لا تزال عروساً، حين قتل محمد زوجها كنانة بن الربيع صاحب حصن خيبر، وقتل أباها حيّ ابن احطب، وقتل أخاها وكل أهلها، وأخذها لنفسه غنيمة ونام معها في نفس الليلة مكافأة له من الله.
* * *
العبيد بين المكي والمدني:
دام نزول الوحي23 سنة، منها 13 سنة في مكة، و10 سنوات في المدينة، أجمالي سور القرآن 114 سورة، منها على الأرجح 84 مكية, و2 مختلطة مكي ومدني (وهناك من يقول إن المختلط أكثر من سورتين)، و28مدنية. عدد الآيات المكية 4475، والمدنية 1716، نسبة المكي الثلثين، والمدني الثلث تقريباً.
السور المكية وما ورد فيها من آيات تتعلق بالعبيد حسب ترتيب النزول:
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [سورة: البلد] مكية وترتيب نزولها (35)، وهي اول آية يتم فيها التطرق لذكر العبيد، وهي الآية الوحيدة التي نزلت في حياة خديجة بخصوص العبيد، وكانت كَلِمة تدعو لفك رقبة، دون الدخول في تفاصيل التعامل مع العبيد، وملكات اليمين والجواري من حيث مضاجعتهن، حجابهن، زواجهن، …الخ.
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل:71] … … {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [النحل:75] مكية, وترتيبها نزولها هو (70) من إجمالي السور البالغة (114) سورة، وبعد أول ذِكر لكلمة رقبة في سورة البلد، تكون سورة النحل أول ما يذكر ملك اليمين، وكان ذلك بعد وفاة خديجة، وقالوا “سورة النحل نزلت في أخريات العهد المكي بعدما احتدم العراك بين المشركين والمؤمنين”، وقالوا سورة النحل نزلت بعد مقتل حمزة، وقد قتل حمزة في غزوة احد سنة 3هـ، عموماً هناك اختلاف على كونها مكية، أو هي مكية وفيها آيات مدنية، وهي من التناقضات الكثيرة المعروفة.
{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:6] مكية، ترتيب نزولها (74)
{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:30] مكية، ترتيب نزولها (79)
{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم:28] مكية، ترتيب نزولها (84)
النتيجة تم التطرق للعبيد والجواري وملكات اليمين في السور المكية في ستة آيات وهي الآيات التالية: (البلد:13- النحل:71- النحل:75- المؤمنون:6- المعارج:30- الروم:28).
اما في السور المدنية فقد ذكر العبيد حسب ترتيب النزول في الآيات التالية:
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177] … … {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:178] … … {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221]، سورة البقرة هي مدنية وترتيب نزولها (1) من بعد (84) سورة مكية و(2) مختلطات (إن صح التعبير)، أي ترتيب نزولها (87)، من أصل (114) سورة قرآنية.
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:50] … … {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب:52] … … {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب:55]… … {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب:59] وهي سورة مدنية، ترتيب نزولها المدني (4)، وترتيبها نزولها العام (90) من (114)
}وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا(3){ [النساء:3] … … }وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا{ [النساء:24] … … }وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [النساء:25] … … {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36] … … {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:92]، وهي سورة مدنية، ترتيب نزولها المدني (6)، وكان نزولها بعد معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة، وهناك من يتحدث عن زمن نزول بعض آياتها حتى السنة الثامنة للهجرة، وهي السورة ذات الترتيب (92) من (114)
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] … … {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32] … … {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور:33] … … {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58] مدنية، ترتيب نزولها المدني (16)، وترتيب نزولها العام هو (102)، وكان نزول سورة النور في السنة (7) هجرية، وهي السورة التي جاءت بآية (الإفك) التي تحمل براءة عائشة.
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:3] مدنية، وترتيب النزول المدني (19)، والترتيب العام (105)
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التحريم:1] مدنية، وترتيب النزول المدني (21)، وترتيب نزولها العام (107)
{لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89] مدنية وترتيب النزول (26)، وترتيب النزول العام (112)
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] مدنية وترتيب نزولها (27)، وترتيب نزول الكلي هو (113) وهي السورة القبل الأخيرة.
في السور المدنية تم الحديث عن العبيد في الآيات التالية: (البقرة:177- البقرة:178- البقرة:221- الأحزاب:50- الأحزاب:52- الأحزاب:55- الأحزاب:59- النساء:3- النساء:24- النساء:25- النساء:36- النساء:92- النور:31- النور:32- النور:33- النور58- المجادلة:3- التحريم:1- المائدة:89- التوبة:60)
الخلاصة أنه ذُكِرَ العبيد والجواري في (6) آيات المكية، و(20) آية مدنية، والإجمالي (26)، وأن السور المتعلقة بالجواري وملكات اليمين في الآيات المكية هي ليست من بداية النزول، بل هي في نهايات الآيات المكية، إلا آية واحدة منها تدعو لفك الرقبة، ولا يوجد ذِكر لملكات اليمين إلا بعد وفاة خديجة، وبعد نزول الوحي بحوالي عشر سنوات، وحتى أنه بعض تلك الآيات الستة المكية مشكوك في مكيتها، ويدعي بعض علماء الإسلام أنها مدنية، 23% من ذكر العبيد في القرآن كان في المكي، و77% كان في المدني، وحتى النهاية كان القرآن يشرع وسين القوانين لعالم العبيد وليس لعالم بلا عبيد.
يقول علماء المسلمين لتمييز المكي عن المدني أن: “كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية. سوى العنكبوت. وكل سورة فيها إذن بالجهاد. أو ذكر له. وبيان لأحكامه. فهي مدنية.” أقول لهم مضيفاً: كل سورة فيها ملكات يمين فهي مدنية أو آخر المكي ومشكوك في مدنيتها (نكاية بخديجة).
أما عن معاني الآيات المذكورة أعلاه فقد تم الوقوف عليها بالتفصيل سابقاُ، وباختصار أنها تتحدث عن عتق رقبة في بعض الحالات، وعن تكفير من يقول أن عيسى ابن الله، وتشبيه من يقول ذلك بمن يقول أن العبد مثل الحر، وحرية مضاجعة الجواري او ملكات اليمين، وفي القصاص من قتل عبدك تقتل عبده، والدعوة للتحجب كي تعرف الحرة من الجارية كي لا يتحرش بها أحد، وكأن ذلك موافقة على التحرش جنسياً بالجواري، و[البقرة:22] كانت بداية تشجع بالزواج من الجواري، وبعدها نزلت [النساء:25] لتحرم الزواج منهن إلا عند بشروط للضرورة، وحتى لو توافرت تلك الشروط فالصبر على عدم الزواج بهن أفضل، ولو قامت الجارية بفاحشة بعد الزواج فعليها نصف ما على المحصنات لأنها أبداً لن تصل لمستوى الحرائر، وفي حال القتل العمد الدعوة لعتق رقبة لكن بشرط ان تكون رقبة مؤمنة، ويمكن بدل ذلك صيام شهرين [النساء:92]، وفي مناسبة أخرى وتاريخ لاحق الدعوة لعتق رقبة أو بدل ذلك صيام ثلاثة أيام (فقط) [المائدة:89]، ودعوة على التصدق على العبيد، وتوبيخ موجه للنبي محمد كونه حرم على نفسه مضاجعة إحدى جواريه.
أن أكثر ما قدمه القرآن للعبيد كان التصدق عليهم، أو عتق رقبة في بعض الأحيان دون أن يعني ذلك عدم امتلاك المزيد من الرقاب، لا بل فرض الجهاد على المسلمين لامتلاك المزيد منها، بعد كل ما سبق ربما يستشف لنا شيوخ وعباقرة الإسلام الكثير من الإعجازات المنطقية والعلمية والرقمية ربما لم نلحظها.
انتهى نزول المدني والذي كان هو الجزء الأخير من القرآن، وفيه سنت القوانين التي تنظم عالم العبودية، وأتم محمد رسالته ونزلت الآية لتقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة]، اتممها دون ان يذكر كلمة واحدة عن تحرير العبيد، ومن المعلوم أنه في الإسلام تحريم المحلل كتحليل المحرم، لذا لا أحد يمكنه تحريم العبودية التي أقرها الله في آياته، المفروض أن الله لا يستحى من الحق، فلو كانت هناك أية فكرة عن تحرير العبيد لنطق بها النبي محمد وذُكِرَت في القرآن، أليس هو القائل أن “الساكت عن الحق كالناطق بالباطل”، ألم يقل النبي محمد إن: “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، ورد في (المغازي- ص337) في شأن غزوة أحد: كان “حول الكعبة ثلاثمائة صنم، وستون صنما مرصصة بالرصاص وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل رسول الله (ص) كلما مر بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول: “جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” فيقع الصنم لوجهه”.
يقول القرآن: {َإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58]، فأين كانت تلك العدالة في آيات العبودية والعبيد، وماذا فعل محمد لرعاياه العبيد حين قال “كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته”، لماذا لم ينطق نبي الإسلام بتحريم العبودية وهو الذي تحدى الأصنام المقدسة وحطمها بكل قوة، لماذا لم يواجه التمييز بين البشر لو كان مقتنعاً، ألا يعني ذلك أنها كانت بعيدة عن مدركاته، وقد قيل “كل ما سكت عنه فهو صالح” وبالنهاية التمييز بين البشر لا يتعارض مع الحكم العادل من وجهة نظر الشرع الإسلامي، والحديث عن التدرج في تحريم العبودية هو حالة نفسية تلبس بها البعض نتيجة الجهل المتوارث، ويدعيها بعضٌ آخر للنفاق والاسترزاق.
لو كانت حجة التدرج صحيحة لسنت بعض القوانين التي ربما كانت ستقلل مع مرور الزمن من أعداد العبيد، كمنع امتلاك المزيد من العبيد والاكتفاء بالعبيد الموجودين سابقاً في المجتمع، والتشريع لأن يكون أولاد العبيد أحراراً، أو على الأقل الأولاد المولودين لزوجين احدهما عبد أن يكونوا أحرارا، …الخ
لكن بعكس ذلك فرق الإسلام بين الأحرار والعبيد في شكل الحجاب والعورة، وطرق العبادة، والزواج، و حرمهم من المغانم في حالة (ما يسمى الجهاد في سبيل الله)، وجعل عدة الجارية نصف عدة الحرة، وجعل عقوبتها نصف الحرة في الحدود، وأعتبر العبيد أموالاً، ونزلت الآيات (المقدسة) حتى آخر لحظة لتثبت وتقر ما تم ذكره وتؤكد على دونيتهم.

يــــــتــــــبــــــع

سردار أحمد

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

العبودية في الإسلام 21

سردار أحمد

الفوائد التي قدمها الإسلام للعبيد ج3
المعاملة (الحسنة):
استكمالاً للحلقتين الماضيتين وفي معرض الحديث عن تحسين أحوال العبيد والرأفة بهم، والتي يدّعي المسلمون بأنها امتياز إسلامي، نجد في التاريخ امتيازات ما كان للفكر الإسلامي التوصل لها في ذلك الوقت، فنقرأ عن:
البابليين في القرون (18- 6 قبل الميلاد) وعن الطريقة التي كانوا يتعاملون فيها مع العبيد، في قصة الحضارة ص411، نجد أن العبد: “كان له على سيده أن يؤدي عنه أجر الطبيب، وأن يقدم له كفايته من الطعام إذا مرض أو تعطل عن العمل أو بلغ سن الشيخوخة. وكان من حقه أن يتزوج بحرّة فإذا رزق منها أبناء كانوا أحراراً، فإذا مات مَن هذا شأنه كان نصف أملاكه من حق أسرته…”، وفي الرق ماضيه وحاضره لعبد السلام ترمانيني نقرأ أنه في بابل لم يكن العبيد تعساء وكان السادة يعتنون بعبيدهم ويعلمون أولادهم مهنة من المهن ويتخدون لهم مكانا لتعاطيها ويتركون لهم نصيب من الأرباح.”
وعن حياة اليونان والعصر الذهبي والعمل والثروة في أثينة والأحرار والعبيد نجد في قصة الحضارة ص2134 أنه في القرن الخامس قبل الميلاد: “اشتهرت أثينة بحسن معاملة عبيدها، وكان من المعروف أن العبيد في أثينة الديمقراطية أحسن حالاً من الأحرار الفقراء في الدويلات الألجركية، وكانت ثورات العبيد نادرة في أتكا وإن كانت مما يخشى وقوعه القائمون بالأمر فيها. ومع هذا فإن ضمائر الأثينين لم تكن ترتاح إلى وجود الرق في بلدهم، وإن الفلاسفة الذين يدافعون عن هذا النظام ليظهرون في وضوح لا يكاد يقل عن وضوح من ينددون بهِ أن ما طرأ على الأمة من تطور أخلاقي قد جعلها أرقى من نظمها الاجتماعية…” وكذا في كتاب حكمة الغرب ج1، وعن اليونانيين وحياتهم في القرن الخامس قبل الميلاد كتب: “يمكن القول على وجه الإجمال إن جموع العبيد في المدن لم تكن تعامل بقسوة متعمدة.”
ومن النظريات الفاضلة عبر التاريخ نجد في القرن السابع قبل الميلاد في قوانين دولة ليكورجوس وارث عرش إسبرطة (جنوب اليونان): “هناك نوع آخر من العبيد وهم أولئك الذين يقومون بأحط أنواع الأعمال وأقساها في بلد آخر ويفضلون أن يكونوا عبيداً في يوتوبيا، ويعامل هؤلاء الأفراد معاملة حسنة، ويكادون أن يعاملوا بنفس الرقة التي يعامل بها تقريبا المواطنون، فيما عدا بانهم يكلفون بقد أكبر قليلاً من العمل،.. وإذا أراد أحدهم الرحيل وقلما يحدث ذلك، فلا يحتجزونه على غير إرادته، ولا يتركونه يرحل خالي اليدين.” (المدينة الفاضلة عبر التاريخ- ماريا لويزا برنيري، ترجمة د. عطيات أبو السعود)
و”في روما القديمة حين كانت مدينة صغيرة تعيش حياة بسيطة فكان هناك رقابة على التقاليد والأخلاق يمارسها حاكم مخصوص فإذا وجد سيدا يسيء معاملة رقيقه نهاه وزجره ومن أهان عبدا كان يلقى عقابا. فكان الرقيق يتمتع بشخصية إنسانية وكانت حياته مضمونة وكان السيد يعطيه حصة من المحصول.. ويجير له التزوج وإليه ينتسب أولاده. (الرق ماضيه وحاضره- عبد السلام ترمانيني)
في قصة الحضارة- قيصر والمسيح- الزعامة- القانون الروماني- قانون الأحوال الشخصية نقرأ عن بدايات الميلاد في ص3663 أن: ملك روما أنطونينس بيوس “حرم السادة القاسين من عبيدهم، وقيد تعذيب العبيد في المحاكمات بقيود شديدة، وفرض أشد العقوبات على كل سيد يقتل عبداً له”… وفي ص3610 نجد أنه: في عهد نيرون على الأرجح، على الأسياد أن يحكموا على العبيد بأن يقاتلوا في المجتلد إلا إذا وافق على ذلك موظف كبير. وأجاز نيرون للعبد الذي أسيئت معاملته أن يلجأ إلى تمثاله ويحتمي منه، وعين قاضياً لينظر في شكاوي أمثال هذا العبد- وكان ذلك تقدماً متواضعاً لرومة كأنه انقلاب ثوري، لأنه فتح أبواب المحاكم للعبيد. وقد جعل دومتيان خصي العبيد للأغراض الجنسية جناية، وحرم هدريان ملاك العبيد مما كان لهم من حق قتل عبيدهم دون موافقة الحكام، وأجاز أنطونينس بيوس للعبد الذي أسيئت معاملته أن يحتمي في أي معبد، وقرر أن يباع مثل هذا العبد إلى سيد آخر إذا أثبت أنه لحقه ضرر. وشجع ماركس أورليوس الأسياد على أن يعرضوا على المحاكم ما لحقهم من الأضرار على أيدي العبيد، بدل أن يقتصوا منهم بأنفسهم. وكان يرجو أن يحل القانون والحكمة بهذه الطريقة محل الوحشية والانتقام الفردي. وآخر ما نذكره من الإصلاحات أن مشترعاً عظيماً في القرن الثالث هو أبليان Uplian جهر بما لم يجرؤ على الجهر به إلا عدد قليل من الفلاسفة، وهو أن “الناس أكفاء بحكم قانون الطبيعة”. وقال غيره من المشترعين إن من القواعد المقررة أنه إذا كان ثمة شك في أن رجلاً ما حر أو عبد كانت الشكوك كلها مؤيدة لحريته.
في التوراة: رغم وجود عقدة أفضلية العبرانيين واليهود على سائر الشعوب، لكن نرى بعض الفوائد المقررة للعبيد غير موجودة في الإسلام، ففيها نجد فيما يخص العبد الهارب في الإصحاح23 من سفر التثنية: {(16) لا تُسلِّموا عبداً لجأَ إليكُم مِنْ مَولاهُ، (17) بل دَعوهُ یُقيمُ عِندَكم في الموضِعِ الّذي یختارُهُ ویَطيبُ لَه في مُدُنِكُم. لا تُرهِقوهُ.}. في الإسلام نقرأ عن العبد الآبق أي الهارب في صحيح مسلم: “أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم”. وأيضاً: “إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة”، وفي الترغيب والترهيب للحافظ المنذري – كتاب الصلاة: ” ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم هم له كارهون”. وفي الجامع الصغير بجلال الدين السيوطي نقرأ عن النبي قال: أيما عبد مات في إباقة دخل النار وإن كان قُتِلَ في سبيل الله.”
والعبد في الموسوية معفى من العمل يوم السبت وهو يوم راحة له، حيث نجد في سفر الخروج- الإصحاح20، الوصايا العشر: {(8) أذكر يوم السبت وكرسه لي (9) في ستة أيام تعمل وتنجز جميع أعمالك (10) واليوم السابع سبت للرب إلهك. لا تقم فيه بعمل ما، أنت وأبنك وأبنتك وعبدك وجاريتك وبهيمتك ونزيلك الذي في داخل أبوابك.} لكن في الإسلام العبد معفى من العبادة يوم الجمعة كي لا ينشغل عن خدمة سيده، ذكر عن العبد في البحر الرائق- باب صلاة الجمعة: “حتى أنه لا يصلي صلاة الجمعة كي لا ينشغل عن خدمة سيده.” وعن النبي قال: الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض. (المناهج القويم باب صلاة الجمعة… و فتاوي الأزهر- المسافر وصلاة الجمعة-ج9 ص33)
تقول التوراة في سفر الخروج، الإصحاح21 عن القتل والضرب: {(20) إذا ضرَبَ أحدٌ عبدَهُ أو جاريَتَهُ بقضيبٍ فماتَ تحتَ يَدِهِ، يُنْتَقمُ مِنهُ. (21) وإذا عاشَ يومًا أو يومَينِ فلا يُنتَقمُ مِنهُ، لأنَّ العبدَ ماُلهُ. (22) إذا وَقعَ خِصامٌ وصدَمَ أحدُهُم امرَأًة حُبلى فسَقط الجنينُ مِنْ دونِ ضرَرٍ آخَرَ، فليَدَفعِ الصَّادِمُ الغرامَة اّلتي يَفرِضُها علَيهِ زَوجُ اَلمرأةِ بِمُوافَقةِ القُضاةِ. (23) وإن وقعَ ضرَرٌ على اَلمرأةِ فنفْسٌ بِنفسٍ، (24) وعينٌ بِعينٍ، وسِنٌّ بسِنٍّ، ويَدٌ بِيدٍ، ورِجْل برِجْلٍ، (25) وحَرْقٌ بحَرْقٍ، وجُرْحٌ بجُرْحٍ، ورَضٌّ بِرَضٍّ. (26) وإ ن ضرَبَ أحدٌ عينَ عبدِهِ أو جاريَتِهِ فأتَلَفها، فلْيُحَرِّرْهُ بَدل عينِهِ. (27) وإن أسَقط سِنَّ عبدِهِ أو جاريَتِهِ فلْيُحَرِّرْهُ بَدل سِنِّه.}
ولو أردنا متابعة البحث والنظر فقط في الإيجابيات نجد أنه في اليهودية العبد العبراني يخدم ستة سنين وفي السابعة يخرج حراً، وعلى سيده اليهودي أن لا يطلقه فارغاً {وحين تطلقه حراً من عندك لا تطلقه فارغاً، تزوده من غنمك ومن بيدرك ومن معصرتك، كما باركك الرب إلهك تعطيه.}
وكما ذكر سابقاً في الإسلام لا يقسم للجواري والعبيد، ولا يلزم معاملة الإماء بالتساوي، لا في المأكل والمشرب ولا في الكسوة ولا في المعاشرة، ولا توجد قيود تقيد السادة المسلمين في ذلك. في التوراة- سفر الخروج باب معاملة العبيد: {إن تزوج بامرأة أخرى فلا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها.فإن أخل معها بواحدة من هذه الثلاث تخرج من عنده حرة بلا ثمن.}
في الأسفار اليونانية المدونة قبل الميلاد- باب النصائح: “(20) لا تعامل بالسوء عبداً يخلص في عمله، ولا أجيراً يتكرس لخدمتك، (21) أحب العبد الفهيم كنفسك، ولا تنكر له حريته.”
وفي الأسفار اليونانية- باب معاملة العبيد: ” النير وما إليه لتدجين الحيوان، والعصا والكرباج للعبد الشرير. (28) أجبره على العمل لئلا يتكاسل، والكسل يعلم كل أنواع الخبث. (29) العمل هو كل ما يليق به، فإن لم يطع ثقل عليه القيود. (30) لكن لا تبالغ في عقابه ولا تفعل شيئاً خارج العدل. (31) عامل عبدك كنفسك، لأنك اقتنيته بعرق جبينك، (32) عامله كأخيك.”
في الصين “أصدر الإمبراطور: كوانجوان الصيني في سنة 35 بعد المسيح مرسومين ملكيين يعرض فيهما، لوقاية حياة الرقيق وشخصه، وضمنهما عبارات، تشف عن كمال مروءته وعطفه نحو أرقاء مملكته. فقد جاء فيهما: أن الإنسان هو أفضل، وأشرف المخلوقات، التي في السماء وعلى الأرض، فمن قتل رقيقه، فليس من سبيل في إخفاء جرمه، ومن تجرأ وكوى رقيقه بالنار، حوكم على ذلك بمقتضى الشريعة، ومن كواه سيده بالنار دخل في إعداد الوطنيين الأحرار.” (تقريع العصا في الرق والنخاسة والخصا)
وعن البوذية ووصايا بوذا الخمسة بخصوص العبيد: التعاليم هي أن لا يعذب العبيد ويشغلهم فيما لا طاقة لهم به، إن لا يشغلوهم إن كانوا مرضا، أن يحرروهم بعد فترة من الخدمة، أن لا يستأثروا بطعام شهي دون العبيد.
وفي كتاب الرق ماضيه وحاضره- عبد السلام ترمانيني نقرأ: “في مصر القديمة كان الرقيق يعامل برقّة ولطف، وقد جاء في كتاب الموتى الفرعوني (عن بردية آني بالمتحف البريطاني) أن رحمة الله تَسَعُ العبيد، وأنه لا ينبغي أن تُساء معاملتهم، وكانت شريعتهم تحمي العبد من الاعتداء والأذى، فمن قتل عبداً قتل به. وتقرر ديانة المصريين أن الميت عند محاسبته أمام محكمة أوزوريس، يشهد على نفسه أنه لم يَسْعَ في ضرر عبده….في الهند يقضي قانون مانو “بحسن معاملة العبد، ويرتكب السيد ظلماً إذا أساء معاملة عبده، فالعبد ظلّ سيّده، وعلى السيد أن يصبر عليه، ولو أصابه مكروه. وللسيد أن يقتّر على نفسه، وليس له أن يقتّر على عبده إذا كان يؤدي عمله. تقول بعض الكتب عن تاريخ الهند: إذا كان هناك من فرق بين الخدم وبين العبيد، فذلك أن هؤلاء أقرب إلى أفراد الأسرة من الخدم، ولا يمكن لأحد أن يميزهم عن الأحرار.”
في النهاية ليست غاية ما كتبته البرهان على أن العبيد في الحضارات الأخرى كان وضعهم ممتازاً، فمجرد وجود مفهوم العبودية والرق يعني الغبن والظلم وانتفاء المساواة ما بين البشر في الحقوق والواجبات، لكن ما كتبته هو رد للذين يقولون أن: “الإسلام لم يشرع الرق بل نظم أوضاعا كانت موجودة قبل الرسالة وعمل في نفس الوقت على إلزام المسلمين بأفضل طرق المعاملة للرقيق ماداموا موجودين.” وللذين يمتدحون فقه الرق في الشريعة الإسلامية ويقولون متبجحين: “هل رأيتم مثل هذا”.
فليس من المنطق بشيء أن يقوم البعض في يومنا هذا بتعظيم الإسلام واعتباره مناسباً لكل زمان ومكان لمجرد أن الإسلام أوصى بإطعام العبيد ونادى بعدم ضربهم ضرباً مبرحاً!! ذلك ليس من مبادئ الحرية والكرامة والإنسانية والمجتمع المدني، والذين يعتقدون أن قوانين السبي واغتصاب السبايا هي تشريعات إلهية منزلة من عند الله ما هم سوى فئة ضالة جاهلة عالة على البشرية، فالله لا يشرع للاستعباد، والقوانين التي كانت موجودة قبل الإسلام بمئات وآلاف السنين وجِدت أكثر إيجابية ورحمة، والتشريعات الإسلامية كان المفروض بها أن تكون أكثر تقدماً، لكن يبدو أنها توقفت أو تراجعت للخلف.
بغض النظر عن التفاصيل، المجتمعات والحضارات القديمة التي لم تحرم العبودية في ماضيها حرمت ونست ومحت العبودية ومظاهرها، واليوم أصبحت أكثر مدنية، إلا المنهج الإسلامي فلا زال (مرغماً حسب القرآن وكتب الفقه) ينادي بالجواري والسراري والعبيد والغلمان وأمهات الأولاد، ويتحدث عن أحكامهم.
هناك أناس اليوم وللأسف بدلاً من أن يفكروا بطرق منطقية وجدية للخروج من أزمتهم وحالتهم المميزة كآخر شعوب العالم، يبحثون لتبرير الماضي بأي شكل، وليست لديهم الشجاعة للاعتراف بالأخطاء وليسوا مهيئين لتحمل نتائج التصحيح، وفي النهاية هم اليوم يعتبرون الحديث عن الجواري والسراري في الكتب والقصص والحكايات والمسلسلات أداة تسلية وضحك ومتعة وسعادة، وكأن ذلك يرمز للهوية القومية والدينية، ووضعهم التعليمي والثقافي لا يسمح لهم بأن يسألوا أنفسهم عن ماهية الموضوع، ولا عن أسباب الفساد الأخلاقي الذي كان لدى خلفاء وأمراء المسلمين الذين كانوا يمثلون الدين والرسول في قمة الهرم.

يــــتــــبـــع

سردار أحمد

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

في الذكرى السنوية الثانية لمجزرة كنيسة سيدة النجاة (31 تشرين أول 2010)

لويس إقليمس

“كي لا ننسى .. :كنّا هناك”
تعود إلينا هذه الأيام، الذكرى السنوية الثانية لمجزرة كنيسة سيدة النجاة الأليمة في 31 تشرين أول 2010، وسط ترقب مشوبٍ بالأمل والشكّ في آنٍ معًا: الأمل يكمن في رسالة الإرشاد الرسولي الذي خصّ به قداسة البابا المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، كي يثبتوا في جذورهم المسيحية ويتقوّوا بإيمانهم ضدّ حملات الترهيب والتهديد والتهميش المتواصلة ضدّهم وضدّ طموحاتهم الوطنية بحياة إنسانية طبيعية متساوية ومتوازنة قائمة على احترام الخيارات الشخصية في الدين والمعتقد والتوجّهات الاجتماعية وفي وسائل التعبير. أمّا الشكّ، فهو كامن في ما نراه ونعايشه ونلاحظه على أرض الواقع، من التمادي في إهمال استحقاقات المكوّن المسيحي بخاصة، ومعه المكوّنات قليلة العدد الأخرى (الأقليات)، في كلّ مسالك الحياة العامة التي ينبغي أن يتمتع بها نسيج الشعب العراقي ككلّ، اعتمادًا على مبدأ المواطنة التي تعني من جملة ما تعنيه، مساواة المواطنين جميعًا دون تمييزٍ  مكوّنٍ عن آخر من المكوّنات الأخرى، لاسيّما المصرّة منها على الاستحواذ على كلّ شيء بحجة ما يُسمّى باستحقاق الأغلبية والأكثرية العددية دينيًا وإثنيًا وطائفيًا، ما أثبت تسبّبها بالخلل والفوضى والفشل في تقديم الخدمات الآدمية الطبيعية وفي عدم الاستقرار السياسي والأمني، الذي يستمرّ فيه البلد غارقًا في بحرٍ من المشاكل السياسية التي ليس للشعب فيها حيلة، كما ليس له فيها لا ناقة ولا جمل.
بكلمات قليلة، لكنّها معتصرة ومفعمة بالألم والذكريات القاسية، كلّما تذكرتُ المأساة، بسبب هول المجزرة التي عايشها من كان يصلّي في هذه الكنيسة عصر الأحد 31 تشرين أول 2012، طيلة أربع ساعات بكمالها وتمامها، وأنا واحدُهم… أريد أن أقول: كنّا هناك بين أرجاء هذه الكنيسة الأجمل بين كنائس بغداد، نصلّي من أجل العراق، كلّ العراق، بكلّ مسيحيّيه ومسلميه وسائر المكوّنات الأخرى  كي تعيش بسلام وأمان وشرفٍ، كما كانت عليه حتى 2003.
قبل عام من اليوم، رويتُ على مواقع الكترونية وفي مجلة الفكر المسيحي، شهادتي حول ما جرى في هذه المجزرة من داخل غرفة السكرستيا التي تحصّنَ بها معي أكثر من خمسين مصلٍّ، بينهم الخوري “روفائيل قطيمي” الذي نالَه قسطٌ من نيشان تلك الحادثة، التي بقي طيلة الهجوم فيها واقفًا واجمًا صلدًا على رجليه حتى الربع ساعة الأخيرة من انتهائها، حيث تهاوى حينها مصابًا. أين وكيف؟ لا أدري ولا هو يعرف.
أتذكر، كيف بدأ القداس الذي كان يقيمُه القس “ثائر” ويخدمه الشمامسة والجوق معًا، أني أثناء فترة الموعظة بعد تلاوة الإنجيل، تندّرت مع زميلي الشماس “وديع”، بسبب مرور الكاهن الشهيد مرارًا وتكرارًا على كلام يسوع ل”بطرس” هامة الرسل: “من تقول الناس عنّي أنا هو”.. ولم يمرّ على بدء تلك العظة “الأخيرة” للكاهن المحتفل أكثر من خمس دقائق، حين أزفت الساعة الخامسة والثلث، حيث طرقَ سماعنا أولى طلقات الإنذار بالهجوم وما تلاه من انفجارات وهجوم عنيف على الكنيسة في غياب القوة المكلّفة بحمايتها التي غابت وتلاشت وغارت إلى مجهول  مساء ذلك اليوم، إلاّ من حرس الكنيسة غير المؤهلين للأمور القتالية، كما لم يفلح تدخلُ الحرس الخاص لمؤسسة سوق الأوراق المالية المجاورة، الذين تمكنوا من إصابة أحد الإرهابيين الخمسة المقتحمين والذي فجّر نفسه، على ما يبدو، على سور الكنيسة الأيسر…أتذكر آخر كلمات القس “ثائر” من على المذبح، حين توقف عن عظته وقال: “ماكو شيء”. وحاول عبثًا الاستمرار بالموعظة، بسبب تزايد قوة الهجمة الشرسة التي هزّت أركان الكنيسة ومَن فيها وألقت الفوضى والرعب في صفوف المصلّين… أتذكر كيف نزعتُ قميص الشمّاسية ودفعتُه لابني “رابي” ليرتّبه كي أستطيع الخروج لأتفحّص بنفسي ما يجري في الخارج. ولكن هول الهجمة منعتني حين رؤيتي ما يجري في مؤخرة الكنيسة ومن ثمَّ استحالة خروجي بعد أن تمكّن الإرهابيون الأربعة من دخولها من الباب الخلفيّ وبدأهم بتقتيل المصلّين، وقد سقط في مقدّمتهم الأخَوان “وسام” و”سلام”، اللذين لحقت بهما والدتُهما من شدّة حزنها على فلذتي كبدها… أتذكر العويلَ والصراخ داخل غرفة السكرستيّا التي دخلناها فآوتنا وبقينا فيها “رهائن محتجَزين طوعًا ورغمًا عنّا” للإرهابيين، وقد اختلط ذلك مع الفوضى التي عمّت آنذاك داخل الكنيسة وروّعت نفوس المصلّين… أتذكر كيف بدأ أحد الإرهابيين بعد ربع ساعة من اقتحامهم للكنيسة، وهو شاب في مقتبل العمر، يؤذن داخل الكنيسة وسماعنا إطلاقاتٍ نارية وانفجارات بعد الانتهاء من الأذان، عندما بدأوا بمسرحية مأساوية لقتل المصلّين بحسب رواية من بقي حيًّا في داخل الكنيسة، حيث لمْ يسلم منهم حتى الطفل الرضيع الذي أسكتَه رصاص الإجرام ولا اعتراض الطفل البريء “آدم”  على فعلتهم الشنيعة! … أتذكر كيف فارقتِ الحياة تلك الشابة العروس الشهيدة “رغدة” بين أحضاننا وسط العويل والبكاء والصراخ بعد ان كانت تمكنت من الزحف إلى هذه الغرفة الصغيرة وهي مضرّجة بالدماء لإصابتها البليغة في أمكنة عدّة من جسدها الطاهر وقد كانت جالسة حين إصابتها، على المصاطب الأمامية للجناح الأيمن من الكنيسة… أتذكر كيف كان يصلّي الشهيد “أيوب” أبياتَ الوردية ويرسم إشارة الصليب في نهاية كلّ بيت يصلّيه وهو يتألم صابرًا ساكتًا، إلاّ من أنين الجرح البليغ الذي كان أُصيب به وهو مرتمٍ مثلنا على أرضية الغرفة وبجواري، وأنا أتأمّلُه وأفكرّ ما عسى يكون خبرُ إصابته أو عدمُ نجاته لدى ذويه وعائلته وأصدقائه… أتذكر أني لم أتوانى في حينها بإرواء عطشه، بسقيِه ما استطعتُ من ماء متيسّر من ثلاجة الماء التي كانت على ميمنتي، لحين تدميرها بثالث قنبلة أطلقها الإرهابيون علينا من حيث لا ندري، وبسببها صمتَ الشاب “أيوب”، وكان صمتُهُ أبديًا … أتذكر كيف كنتُ أشجعهُ وأحلّيه بالصبر، فالفرَج قادم… لكنّه فارق الحياة قبل أن يأتي ذلك الفَرَج الذي تأخر بفعل فاعل. كيف، ولماذا؟ لا أعرف!
أتذكر أولى المكالمات الهاتفية الواردة من الصديق “أبو مريم” من “أربيل”، الذي كان يتصل لسؤالٍ خاص بعد دقائق معدودات من حصول الحادث دون معرفته به بعد، حينها أطلعتُه عمّا يحصلُ لنا طالبًا منه التصرّف والإبلاغ عن الهجمة بالوسائل المتاحة… أتذكر الاتصال الذي أجريتُه لاحقًا وبعد دقائق معدودات من الحادثة مع العقيد (العميد فيما بعد) “سعد” من قيادة عمليات بغداد، وكان أول اتصال تتلقاه هذه القيادة، وربما الحكومة أيضًا، عن العملية الإرهابية، وقد بقي العسكريُّ المذكور على اتصال متواصلٍ معي لمرات عديدة لمتابعة الحدث أول بأول ولإعطائهم الإحداثيات والتهيئة قبل اقتحام الكنيسة من قبل “الفرقة الذهبية” التي لم تصلح في حينها لتُسمّى حتى ب”الفخارية”، بسبب الإرباك والتأخير والانتظار المرّ الذي قاساه مَن كُتب له أن يبقى حيًا بأعجوبة من السماء! أتذكر المكالمات العديدة التي وردتني من أصدقاء ومسؤولين وكهنة ومقرّبين للاستفسار عن وضعنا بعد أن سمعوا ذلك عبر الفضائيات التي نقلت الحادث أوّلَ بأوّل… أتذكر كيف منعتُ نفرًا من المحاصَرين معي داخل غرفة السكرستيّا التي لم تكن محصّنة، من محاولة فتح بابها الخلفي، خيفة أن يجذب مثل هذا الفعلُ الطائش أحدَ الإرهابيين القابع على خطواتٍ منّا وأن يحصل ما يحصل.. أمّا الإجراء الوحيد الذي قمنا به، فقد كان دعمُنا لبابِ السكرستيّا المتهرّئ بدولاب كتبٍ حديدي خفيف كان إلى الجوار، تحسبًا متاحًا لاقتحام ممكنٍ، ولم يكن ذلك  مستبعدًا في أية لحظة فيما لو حاول هذا الإرهابيُّ القابع أمامه اقتحامَ السكرستيّا  وتفجير حزامِه الناسف علينا… أتذكر كيف استطاع ابني “رابي” من خرم الباب المذكور، أن يراقب تحرّكَ إثنينِ من الإرهابيّين الأربعة، أحدهما الجالس أمام باب السكرستيّا  والثاني على الجهة المقابلة لنا، وهما غير ملثّمين، وقد حفر تفجيرهما الانتحاري فيما بعد، أثرًا واضحًا في موقع قبوعهما… أتذكر الشعور الأبوي  الذي راودني حينما طلبَ منّي إبني هذا، عدم الصمت ومخاطبتَه بين الحين والآخر للاطمئنان عليّ، لاسيّما بعد أن أعلمتُه بإصابتي في وجهي والصنين الذي طرّشَ أذني اليسرى. كان يقول لي: ” بابا كلّمني حتى لو ما بيك شيء”… أتذكر الحرج الذي أُصبتُ به حين سكتَ جهاز النقال عندي، واضطررتُ لاستخدام البديل الثاني لاستكمال الاتصالات. حينها ظنّ مَن كانوا على اتصالٍ دائمٍ معي في خلية العمليات التي شكّلها النائب “يونادم كنّا” مع فريق مساعديه في مقر الحركة الديمقراطية الآشورية، أنه قد يكون حصل لي مكروه بسبب ذلك الانقطاع المفاجئ… أتذكر أنّي لم أستطع الردّ على نداءات عديدة من عديدين ومنهم نفرٌ من أسرتي في بغداد التي كانت انشغلتْ ذلك اليوم بأمور منزلية طارئة ولم ترافقني إلى الكنيسة كعادتها… وكذلك النداءات التي لم أستطع الردّ على الكثير منها وقد تتالت عليّ من أصدقاء ومن عائلتي وأهلي وأقربائي من “قرقوش” ومن مناطق أخرى وحتى من الخارج ممّن سمعوا بالحادث عبر وسائل الإعلام التي نقلت أجواء الحادث الذي طال زهاءَ أربع ساعات بهولها وترهيبها وقسوتها وعنفها وحقدها وإحراجاتها…
أتذكر كيف، أُطفئت الأضواء خلال النصف ساعة الأخيرة من العملية، حيث ساد الصمتُ والوجوم. حينها قلتُ لابني الفتي: قد اقتربت الساعة، وقد تكون النجاة حليفنا أو…؟ فتلكُم، كانت لنا إشارات للاقتحام ولحصول شيء ما. كما تأكّد الفعلُ من الضابط في قيادة عمليات بغداد بالهاتف. ساعتَها، تزلزلت أركانُ الكنيسة، ودوت انفجارات فاقتْ أصواتُها ما باستطاعة الآذان تحمّلها…كما غطّت الأتربة والغبار المتصاعد والشرارات النارية أرجاءَ الكنيسة قاطبة وكذا سقفَها بسبب هول الانفجارات المتلاحقة، والعصف الشديد للأسلحة المستخدمة والأحزمة الناسفة التي تفجّرت بالإرهابيين وفتّتت أجسادهم التي اختلطت دماؤهم بدماء شهدائنا الخمسة والأربعين، بمن فيهم الكاهنان الشهيدان الشابان، “ثائر عبدال” و”وسيم القس بطرس”… ثمّ هدأت فورة العاصفة ليصلنا بعدها صوتٌ ينادي: “قولوا يا ألله… قولوا يا ألله! نحن قوات طوارئ”. وهكذا، تبيّن الفرج من ضوء مصباح يدوي كان يحمله أحد العسكر المقتحمين طالبًا منّا الخروج، فقد انتهت العملية. ولكنْ كيف انتهت.. فقد كانت هناك مذبحة حقيقية، حصدت أرواحًا بريئة، جلُّ ذنبهم أنهم كانوا يصلّون ويتضرعون إلى الباري كي يسود السلام ربوعَ الوطن ويتعزّز التلاحمُ الوطني الذي انهار بعد 2003 وكي يهتدي الساسة بالمثول إلى الحكمة والروية والعدل في إدارة البلد المتهرّئ والغائص في حفرة الفساد والطائفية وسرقة أموال الشعب وحقوقهم وقتل الأبرياء وتصفية الحسابات. تلكم تمامًا، كانت توصية الكاهن الشهيد “ثائر” بعد قراءة الإنجيل حيث اعتاد الطلب في كل يوم أحد من المؤمنين الصلاة لأجل هذه النية…
كنتُ الثاني الذي غادر غرفة السكرستيا غيرَ مصدّق حالَنا. فقد حرستنا العذراء مريم، سيدة النجاة التي ارتدتْ ايضًا ثوب سيدة الشهداء والمعترفين في تلك الكنيسة التي يتباهى الناس باسمها، مسيحيين ومسلمين على السواء… وقد أصررتُ بعد خروجي سالمًا على إلقاء نظرة على أركان الكنيسة، رغم اعتراض أحد العسكر… فرأيتُ ما رأيتُ، غير مصدّقٍ الحالَ الذي آلت إليه كنيستي، فقد كانت، ما تزال بعدُ، تفترشها بعض الجثث وقطعُ اللحم المتشظّي والمتناثر هنا وهناك بين أركانها والفوضى التي كانت فيها المصاطب والمذبح واللوازم  الطقسية وحتى بيت القربان الذي دنّسه الإرهابيون بفعلهم الشنيع ذاك.. وفي فناء الكنيسة وحولها، كان جمعٌ من ذوي المصلّين وأصدقائهم واجمين بين انتظار مريب وأمل بلقاء أحبتهم أو مرارةٍ لمرافقة جثامينهم المحترقة أو الممزقة أو إسعاف المصابين منهم. لم استطع حينها البقاء أكثر من ذلك بسبب القشعريرة التي شعرتُ بها جرّاء إصابتي أنا أيضًا، وبسبب ملابسي المبللة التي اختلط فيها الماء المسكوب بسبب كسر ثلاجة الماء، بالدماءِ التي سالتْ ممّن كان مصابًا وزحفَ باتجاه السكرستيا أملاً في النجاة. حينها كان نفرٌ من دائرتي في انتظارٍ لنقلي لتلقي العلاج في مستشفى القديس رافائيل للراهبات بالكرادة، ومنها إلى داري حيث كانت أسرتي والجيران وبعض الأصدقاء في انتظار أخبارنا وعودتنا سالمين طيلة فترة العملية، والحمد لله!
رحم الله شهداء كنيستنا الخالدين في الذاكرة. وسيبقى الكاهنان الشهيدان، مثالاً للراعي الصالح بحفاظهما على الوديعة وشهادتهما في كنيستهما وبين رعيتهما. لمْ يهونا أو يضعفا أمام حقد الارهابيين ولا خارت قواهما أو تخاذلا. كما يشهد لهما من عرفهما عن قرب، أنهما لم يضعفا أمام المغريات في فترة خدمتهما، وكانت عديدة أمامهما. كما كان موقفهما، ولاسيّما  القس “ثائر”، من القضايا الوطنية مشرّفًا ومن مستقبل المسيحيين واضحًا بتفضيل الانتماء إلى الوطن موحدًا والالتصاق بجذوره والأمل برؤيته معافًا وبعودة اللحمة الوطنية لأبنائه. فقد أحبّه المسلمُ قبل المسيحي لتعاطفه مع المحتاجين، وكلُّ من كان يطرقُ بابَ كنيسته، لم يكن يُرجعُه خائبًا. كما كان القس “وسيم” أيضًا، مع زميله الشهيد السعيد، أصدقاءَ للشباب وحواضنَ للأطفال المرتادين لدروس التعليم المسيحي كلّ يوم جمعة بهمّة معهودة ومتابعة همام، إلى جانب الصوت الرخيم الذي اتسم به القس “وسيم”، وقد كنتُ أستأنس معه وأجاريه في اللحن حين يقيم الذبيحة الإلهية، لإجادته الألحان والطقس السرياني. وهنا لا يسعني إلاّ القول أيضًا، أننا فقدنا حضور الخوري “الختيار” روفائيل قطيمي الذي غادر رعيته لاستكمال العلاج وآثر البقاء في بلد الاغتراب الذي اختاره، متمنين له موفور الصحة والتوفيق.
كلمة أخيرة، أسوقها لأبناء كنيستنا خاصة والمسيحيين عامة: سوف تعود كنيسة سيدة النجاة عروسًا للكنائس بعد أيام، بعد إعادة تأهيلها وتقديسها لتفتح أبوابها للمصلّين من جديد. وبفضل مرتاديها وقاصديها ومحبيها، سوف تتزيّن وتلبس حلة جديدة تزخر جنباتُها بأسماء شهدائها الخالدين كي تبقى ذكراهم ذخرًا وعلامةً للشهادة التي بها رَووا بيت الله بدمائهم الزكية لتكون بذارًا للحياة. كما سيتابعُ زملاء الكاهنين الشهيدين، المشوار الذي كانا قطعاه بذات الهمّة والحرص والرعاية مع الراعي الجديد للأبرشية.
أخيرًا، كتب إليّ أحد الأصدقاء المسلمين في رسالة ردٍّ على الشهادة التي كتبتُها قبل عامٍ، يقول لي فيها (أنقلها حرفيًا):
((( ” ان جريمة كنيسة سيدة النجاة اختصرت  بمضامينها وبشاعتها كل الجرائم التي ارتكبت بحق ابناء بلاد النهرين  الاصلاء منذ اكثر من 1400 عام عندما قدم الغزاة الاوائل من الجنوب وعبثوا بالعراق قتلا وتدميرا باسم الله وادخلوا مفاهيم الكراهية والقسوة ونشروا الهمجية والبدائية بكل اشكالهاالى يومنا هذا.
قرات بامعان سرد المجزرة التي وقعت في كنيسة  سيدة النجاة على يد مجموعة متوحشة تلوثت عقولهم بعقيدة الشر.
ان المجزرة التي وقعت في الكنيسة يجب ان تكون حاضرة في قلب ووجدان كل من يؤمن بالحياة والسلم والمحبة  مع ضرورة  الحفاظ على التذكير بها وكشف وفضح عقائد الكراهية ووضع النقاط على الحروف وبجراة على الاسباب والافكار التي حولت هؤلاء وهم في ريعان الشباب الى متوحشين قتله للحياة بما في ذلك الفكر المسموم الجاثم في عقولهم وعقول غيرهم و الذي يتناقض مع السجية البشرية . ليس اله من يدعو الى الكراهية  وليس دين من يبرر القتل.

اتمنى لك التوفيق في مواصلة عرض هذه الماساة الانسانية في فلم او على الاقل فلم وثائقي هادف وباكثر من لغة.”

مع فائق تقديري واعتزازي

اخوك
علي الشريف)))

لويس إقليمس
بغداد، في 29 تشرين أول 2012

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

أجمل وردة لمصر في عيد الحب

مارثا فرنسيس

في عيد الحب وفي هذه المرحلة المصيرية التي تجتازينها؛ اهديكِ يا مصر بلدي الجميل، اجمل الزهور وأرق المشاعر الصادقة، اهديكِ حبي، فأنتِ حبيبة القلب، والروح ؛ اتألم لألمك وأبكي لجرحك، خاصة تلك الجروح التي تأتي من الأبناء والأحباء فهي أقسى وأدمى انواع الجروح، لا تحزني يامصر فالأم قد تتعرض للأذى من بعض ابنائها، الذين أعمتهم السلطة فتآمروا عليها، فيكون أثر الصدمة اشد من الم الجرح وإزهاق الروح ، ولكن ثقي يا حبيبة القلب ان لكِ ابناء اوفياء، يعشقون ترابك ويتنفسون هوائك، فتنتعش قلوبهم بالحياة، يمشون في شوارعك، ينطقون بأجمل مشاعر الحب على ضفاف نيلك، فيعزفون بقصص حبهم اروع السيمفونيات، وتحكي أشعارهم ملحمة عشقك. لكِ ابناء يبذلون دماءهم وأرواحهم رخيصة من أجلك محتسبين أن ذلك واجب لا يستحقون عليه ثواب أو شكر.
لاتحزني يا مصر ، ستُزهر حدائق عمرك من جديد، وستداعبك نسمات الربيع سريعا. فالحياة مستمرة والأشخاص زائلون ، فسُّنة الحياة أن يُعزل ملوك ويُنصَب ملوك، يرحل سلاطين ويحضر سلاطين والوطن باقِ والبلد شامخ، لا تستسلمي يامصر بل قومي واستنيري لانه قد جاء نورك ، أنفضي عنك التراب، حتى يخفق قلبك ويتسع، ويضم ليس أبناؤك فقط بل كل انسان يلجأ الى حضنك بحثا عن الأمان ،ستكونين يامصر اكليل جمال وبهاء مجد، وسيحفظ ابناؤك الحق ويجرون العدل، ارفعي رأسك يامصر وانظري؛ سيأتي بنوكِ من بعيد ليحفظوا اسوارك، ولا يُسمع بعد ظلم في أرضك ولا خراب في أرجائك.
هل ستسامحين يامصر ؟ هل ستغفرين لكل من امتدت يده ليُخَرِب ويُدمر في ارضك وممتلكاتك، هل تستطيعين العفو يامصر يا وطني الغالي لكل من اساء لإسمك ولشعبك، بعلم او بجهل؛ بالقول أو بالفعل، اعترف لكِ يابلدي الجميل انني أحيانا كدت أشك في صدق انتماء بعض اولادك الشباب لكِ، وتصورت لبعض الوقت انهم أوشكوا أن يكونوا ضدك، وكنت التمس لهم الأعذار بسبب معاناتهم من سوء الأحوال، حتى جاء الوقت الذي رأيت حبهم لكِ ودفاعهم عنكِ، وتمسكهم بكِ ومطالبتهم بحقوقهم ليظلوا تحت جناحيكِ بدلا من البحث عن فرص الهجرة الى بلاد يجدون فيها بعض حقوقهم. جاء الوقت ليحققوا رغبتهم في أن ينعم بدفء الوطن كل ابنائه من كافة الطبقات والأطياف والطوائف والأعراق.
أجمل وردة وأجمل تهنئة ياوطني بعيد الحب، ولكِ يامصر سلاما
محبتي للجميع

‎مارثا فرنسيس(مفكر حر)؟

Posted in فكر حر | 2 Comments