حوار مع القرضاوي 15: العلمانية والعقيدة

عبد القادر أنيس

يستهل الشيخ القرضاوي هذا الفصل من كتابه ((الإسلام والعلمانية: وجها لوجه))

الإسلام والعلمانية وجها لوجه، للدكتور يوسف القرضاوي

بقوله: ((العلمانية لا تجحد الجانب العقدي في الإسلام، ولا تنكر على الناس أن يؤمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر، انطلاقا من مبدأ مسلّم به عندها، وهو تقرير الحرية الدينية لكل إنسان، فهذا حق من حقوقه، أقرته المواثيق الدولية، ومضت عليه الدساتير الحديثة)).

وأنا أتساءل: مادام هذا حق من حقوق الإنسان، وما دام القرضاوي يعترف أنه حق ويرى أن ((هذا حق من حقوقه، أقرته المواثيق الدولية، ومضت عليه الدساتير الحديثة)) فلماذا يرفضه القرضاوي وغيره من رجال الدين ومن ورائهم صحيح دينهم؟ أليس هذا دليلا دامغا على تفوق حقوق الإنسان كما صاغها البشر على هذا الدين المهيمن الذي لا يقر الحرية الدينية لكل إنسان سكن هذه الأرض البائسة وأراد أن يخرج من صفوف القطيع ويربي أطفاله تربية إنسانية خالصة، لأن القرضاوي يريده ((أن يكون أساس التكوين النفسي والفكري لأفراد الأمة، وبعبارة أخرى، يكون محور التربية والثقافة، والفن والأعلام، والتشريع والتقاليد في المجتمع كله)) أليس هذا هو مضمون كل الأيديولوجيات الفاشية القائمة على الإجماع في العقيدة والفكر والممارسة، الرافضة للتنوع والاختلاف والاستمتاع بكل ألوان الطيف عدا الأبيض أو الأسود؟

ألا تتفوق العلمانية هنا على الدين عندما تجعل الدين قضية حرة شخصية لا يفرضها المجتمع بمؤسساته المختلفة الدينية والتربوية وحتى البوليسية على الناس؟ ألا تكون الممارسة الدينية هنا أفضل لأنها تقوم على الحرية والاقتناع والإخلاص الصافي لما نحب أو نعبد؟

لكن القرضاوي لا يعترف بالحرية الدينية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان لهذا يقول مستدركا: ((ولكن الإسلام في داره “دار الإسلام”، لا يكتفي بأن تكون عقيدته مجرد شيء مسموح به، وليس محظورا كالمخدرات والسموم البيضاء.. إن الإسلام يغرس في نفس الطفل، منذ نعومة أظفاره، عقيدة التوحيد، التي تحرر الإنسان من العبودية لكل ما سوى الله، من العبودية للطبيعة، والعبودية للحيوان، والعبودية للجن، والعبودية للبشر، والعبودية للحجر، والعبودية لهوى النفس، والعبودية لأي طاغوت، عبده الناس من دون الله. وإفراد الله تعالى بالعبادة له، والاستعانة به، وحده لا شريك له، كما تعلم ذلك سورة الفاتحة، التي يقرأها المسلم في كل صلاة)) (إياك نعبد وإياك نستعين) (سورة الفاتحة:5).

وهو كلام إنشائي لا يصدقه تاريخ البشرية ولا تاريخ المسلمين ولا نصوصه التي أباحت استعباد الناس من مهزومي الحروب، ومما كان يجلب إلى بلادهم من عبيد أفريقيا وغيرها، كما أباحت تجارة الرقيق وأقامت لها أسواقا وحتى مصانع للإخصاء حسب تعبير المؤرخ دوزي، تواصلت طوال تاريخ الإسلام. كما يعرف تماما أن نظام الحكم عندنا من خلافة وملكية وسلطنة لم يكن الحكم فيها يختلف عن الفرعونية والكسروية والقيصرية. وكان من النادر أن تجد فقيها يرى في ذلك مخالفة للإسلام رغم حنينهم الدائم لتلك التجربة البدوية البسيطة التي مارسها المسلون في يثرب وراحوا يبالغون في حقيقتها عبر العصور. وهي تجربة نجدها في تواريخ جميع الأمم في فترة توحدها وتأهبها لبناء كينونتها.

الراجح أن القرضاوي والغزالي وغيرهما عندما يتحدثون عن الحرية والعبودية فهم لا يرون أمامهم إلا الرجل المسلم فقط. أما أن تشمل ((عقيدة التوحيد، التي تحرر الإنسان من العبودية لكل ما سوى الله)) حسب تعبير القرضاوي السالف الذكر، فهذا محال. أليس من المخجل أن نقرأ يوميا في المواقع الإسلامية مثل هذا الكلام التالي المؤيد بالنصوص الإسلامية الصحيحة المقدسة؟:

((“وفي كتاب إحياء علوم الدين حديث يورده الغزالي “للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات)) ويقول الغزالي : “إن النكاح نوع رق فهي رقيقة له”..”أما الأستاذ الفهيم حسن ألبنا فيقول في كتابه حديث الثلاثاء : “مهمة المرأة زوجها وأولادها أما ما يريد دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين” أما أمير المؤمنين كرم اللـه وجهه (يقصد عليًّا بن أبي طالب) فقد قال : “أيها الناس لا تطيعوا للنساء أمراً ولا تأمنوهن على مال ولا تدعوهن بدون أمر فإنهن إن تركن وما يردن أفسدن الملك وعصين المالك.. وجدناهن لا دين لهن في خلواتهن ولا ورع لهن عند شهواتهن.. اللذة بهن يسيرة والحيرة بهن كثيرة فأما صوالحهن ففاجرات وأما طوالحهن فعاهرات وأما المعصومات فهن المعدومات.. فيهن ثلاث خصال من اليهود، يتظلمن وهن ظالمات ويحلفن وهن كاذبات ويتمنعن وهن راغبات”)).

http://www.yassar.freesurf.fr/tiamat/bal522.html

وبالتالي فاستشهاد القرضاوي بقول ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس: ((إن الله ابتعثنا، لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ..)). قول مردود عليه بشواهد التاريخ الإسلامي الذي حرص رجال الدين دائما على وضعها في خانة الممنوع من التداول واللامفكر فيه تحت طائلة التكفير والتخوين والاغتيال والاترداد.

كذلك قوله: ((والتوحيد ـ كذلك ـ أساس الإخاء الحقيقي بين البشر، فالأرباب لا يؤاخون العبيد، إنما يتآخى العباد أمام رب العباد.. وبهذا وضع الأخوة في المرتبة التالية للشهادتين، لأنها ثمرة لهما.. والتوحيد ـ كذلك ـ أساس المساواة الحقيقية بين البشر، فإن المتألهين في الأرض، لا يتساوون بمن يؤلهونهم، وينحنون لهم خاشعين.. أما عقيدة التوحيد، فتسوي بين الناس جميعا، باعتبار عبوديتهم لرب واحد، إلى جوار بنوتهم لأب واحد، وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حجة الوداع، على رؤوس الأشهاد، وقال: “أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (سورة الحجرات:13).))

وقوله: ((التوحيد أساس المساواة الحقيقية بين البشر)).

وقد رأينا من خلال الشواهد السابقة أن توحيد الله في الإسلام لم يحل دون اتخاذ المسلمين غيرهم من المغزوين في عقر دارهم عبيدا ومواليَ، ولم يحل دون وضع المرأة في مرتبة لا يحسدها عليها العبيد، ومن وضع الرعية عبارة عن كم لا قيمة له أما الحكام المسلمين طوال قرون الإسلام الطويلة، أما معاملة غير المسلمين فأي حديث عن المساواة معهم هو كذب في كذب، ولا يزالون حتى اليوم شبه مواطنين في أوطانهم.

ثم يقول: ((حتى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، لم يرفع نفسه عن مرتبة العبودية قيد شعرة، فهو “عبد الله ورسوله” ليس إلها، ولا نصف إله، ولا ثلث إله، بل خاطبه الله تعالى بقوله: (قل إنما أنا بشر مثلكم، يوحى إلي، إنما إلهكم إله واحد) (سورة الكهف:110). وحذر أمته من الغلو، الذي سقط في هوته أصحاب الأديان السابقة، فقال: “لا تطروني، كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله” متفق عليه)).

نبي الإسلام لم يكن هكذا وهو على قيد الحياة، أما بعد مماته فقد أحيط بهالة من التقديس وبمعجزات وخوارق نسبت إليه ابتداء من القرآن الذي جعلوه أكبر معجزاته رغم أنهم يقولون إنه كلام الله أنزل عليه، إلى انشقاق القمر ليله البدر حتى افترق فرقتين إلى كون الله قد زوى ـ أي جمع ـ له الأرض كلها فضم بعضها لبعض حتى رآها وشاهد مغاربها ومشارقها إلى حنين جذع شجرة إليه لما فارقه إلى المنبر وصار يخطب على المنبر بعد ما كان يخطب عليه ولم يسكن حتى أتى إليه فضمه وأعتنقه فسكت !!! وغيرها من المعجزات مثلما نجده في الرابط:

http://www.quran-radio.com/alrasool3.htm

فهل يعتبر من يأتي بهذه المعجزات مجرد بشر كباقي البشر؟ طبعا لا، وهو نفسه لم يصبح ذلك الداعية البسيط الذي ظل ثلاث عشرة سنة في مكة يجوب ساحاتها بحثا عمن يريد الاستماع إليه. أما عندما صار قائدا مرهوبا لدولة وجيش فقد صار يوبخ سائليه والمعترضين عليه: ((وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً…))

معاداة القرضاوي للعلمانية يبررها بقوله:

((ومن ناحية أخرى، نرى العلمانية ـ وإن قبلت عقيدة الإسلام نظريا أو كلاميا ـ ترفض ما تستلزمه العقيدة من معتنقيها، وما توجبه على أبنائها إيجابا حتما، بمقتضى الإيمان، وذلك بين واضح في أمرين أساسيين: أولهما: رفضها اتخاذ العقيدة أساسا للانتماء والولاء، فهي لا تقيم للرابطة الدينية وزنا، بل تقدم عليها رابطة الدم والعنصر، ورابطة التراب والطين، وأي رابطة أخرى..وهذا مناقض تماما لتوجيه القرآن، الذي يقيم الأخوة على أساس الإيمان والعقيدة، (إنما المؤمنون إخوة) (سورة الحجرات:10) (فأصبحتم بنعمته إخوانا) (سورة آل عمران:103).. ويجعل ولاء المؤمن ـ قبل كل شيء ـ لله ورسوله وجماعة المؤمنين (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا، فإن حزب الله هم الغالبون) (سورة المائدة:55،56). ويلغي كل رابطة مهما يكن قربها وقوتها، إذا تعارضت مع رابطة الإيمان، حتى رابطة الأبوة والبنوة والأخوة، يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا، لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء، إن استحبوا الكفر على الإيمان، ومن يتولهم، فأولئك هم الظالمون) (سورة التوبة:23)، (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر، يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم، أو أبناءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه) (سورة المجادلة:22). )) انتهى.

لا مكان عند القرضاوي من خلال هذا الكلام لأية علاقات حميمة بين مواطني البلد الواحد مع اختلاف معتقدهم. يستحيل مثلا أن يؤيد مسلم انتخاب مسيحي إلى البرلمان، أو أن يتحالف مسلم مع مسيحي في نقابة المؤسسة ضد مدير المؤسسة المسلم. الفرز ليس طبقيا ولا نقابيا ولا سياسيا ولا مهنيا، الفرز ديني فقط، بل هو سني بين السنة وشيعي بين الشيعة ومسيحي بين المسيحيين وهكذا يجب أن يكون الوطن عبارة عن جزر دينية تناصب بعضها العداء والارتياب، ويتحتم على المواطنين أن يوالوا طوائفهم في السراء والضراء وفي المنكر والمعروف وفي الحرب والسلم. لا مكان في دولة القرضاوي لصداقة تقوم خارج الدين ولا لعلاقة حب خارج الدين ولا لأية علاقة أخرى إلا إذا بررها رجال الدين دينيا.

هذا ما نفهمه من قوله أيضا: ((ويحذر (الله) المؤمنين من اتخاذ أعداء الله أولياء في آيات كثيرة، ويشدد في ذلك، حتى يكاد يعتبره ردة عن دين الله (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (سورة المائدة:51) ويقول بعدها: (يا أيها الذين آمنوا، من يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين) (سورة المائدة:54). وقوله: ((إنما كان قول المؤمنين، إذا دعوا إلى الله ورسوله، ليحكم بينهم، أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون) (سورة النور:51).)) وقوله (((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما) (سورة النساء:65).))

القرضاوي قائل هذا الكلام في أواسط ثمانينات القرن الماضي (1985)، لم يتغير حتى اليوم رغم لجوئه إلى التحايل الذي تمليه الظروف. فلقد بينت في مقال سابق نية القرضاوي الحقيقية حين قال حول الناسخ والمنسوخ ((حين يكون المسلمون مستضعفين ولا قدرة لهم على مقاومة عدوهم، فعليهم أن يصبروا ويقولوا التي هي أحسن، ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا أصبحوا أقوياء كان لهم شأن آخر، وهذا من ضمن التفسيرات لآيات النسخ)).

حوار مع القرضاوي 2

وها هو يلجأ إلى هذه الحيلة في:

http://www.iumsonline.us/index.php?option=com_content&view=article&id=388:2009-06-02-05-30-56&catid=5:article&Itemid=80

يقول: ((فكرة الانتماء إلى الإسلام، وإلى أمة الإسلام، وإلى دار الإسلام، التي كانت سائدة في القرون الماضية منذ عصر النبوة، فعصر الراشدين، فعصور العباسيين والعثمانيين: قد لا تكون مقبولة عند غير المسلمين. على أساس أن أصل هذا الانتماء ديني، ينطلق من القرآن والسنة.. هذا مع أن فقهاء المذاهب المختلفة جميعا، قرَّروا: أن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وهم الذين يعبَّر عنهم في الاصطلاح الفقهي بـ(أهل الذمة) يعدُّون من (أهل دار الإسلام). فهم من (أهل الدار) وإن لم يكونوا من (أهل الملَّة.. وفي اجتهادي: أن كلمة (أهل الدار) هذه تمثِّل مفتاحا للمشكلة، مشكلة المواطنة، لأن معنى أنهم (أهل الدار) أنهم ليسوا غرباء ولا أجانب، لأن حقيقة معناها: أنهم أهل الوطن، وهل الوطن إلا الدار أو الديار؟ .. وإذا ثبت أنهم أهل الوطن، فهم (مواطنون) كغيرهم من شركائهم من المسلمين. وبهذا تحلُّ هذه الإشكالية من داخل الفقه الإسلامي، دون الحاجة إلى استيراد مفهوم المواطنة من سوق الفكر الغربي.))

فلماذا لم تبتكروا هذه المواطنة قبل الغرب يا مولانا. أم على الغرب أن يخترع ويبتكر ويبدع ثم يجيء القرضاوي والزنداني ليسطوا على حقوق الغير في التأليف والابتكار وينسبوها إليهم بحجة أنها كانت موجودة عندهم ولم ينتبهوا إليها. فما أبأس هذا الفكر !

فما هو الإسلام الصحيح يا مولانا؟ أهو إسلام قرضاوي (1985) أم هو إسلام قرضاوي أيامنا في قوله؟

((ومن واجبات المواطنة التعايش واحترام الآخر، والتزام القيم الأخلاقية كالعدالة والتعاون على الخير، والنصح من خلال القوانين السائدة لإصلاح ما يضر البلاد أو العباد.))

وفي قوله ((إن الاشتراك في الوطن يفرض نوعا من الترابط بين المواطنين بعضهم وبعض، يمكن أن نسمِّيه (الأخوة الوطنية) فكلُّ مواطن أخ لمواطنه، وهذه الأخوة توجب له من حقوق المعاونة والمناصرة والتكافل ما يستلزمه معنى (الأخوة) أي الانتماء إلى أسرة واحدة.. وقد يعترض بعض الإسلاميين من الحرفيين والمتشدِّدين على اطلاق الأخوة خارج الإطار الديني. فليس عندهم أخوة إلا أخوة الإيمان، أي الأخوة الدينية، ولا اعتراف بأيِّ أخوة سواها.))

وفي قوله ((وإذا ثبتت الأخوة، فقد ثبت ما تقتضيه وتستلزمه من المحبَّة والمساواة والتضامن، إذ لا معنى للأخوة بغير هذا.))

ومع هذه الأقوال المخادعة التي نال بها صاحبها صفة الاعتدال عند البعض، ها هو يستدرك فيقول:

((فأيُّ هذه الولاءات والانتماءات أولى بالتقديم على غيرها؟ أعني: إذا تعارض الولاء للوطن والولاء للدين، فأيُّهما يقدم، وبأيِّهما نضحِّي؟ الذي يظهر في هذه الحالة: أنه في حالة التعارض بين الدين والوطن، فإن الدين هو المقدَّم، لأن الوطن له بديل، والدين لا بديل له)).

ولهذا يستهجن قول الشاعر اللبناني رشيد سليم الخوري:

بلادُك قدِّمْها على كـلِّ مِلَّـة ومن أجلها أفْطِرْ، ومن أجلها صُمِ!

هَبُونِي دينًا يمنح العربَ وحدةً وسِيروا بجثماني على دين بَرْهَمِ!

سـلامُ على كفـر يوحِّد بيننا وأهـلا وسـهلا بعـده بجهنـمِ

وطبعا كلنا نعرف الآن نتيجة تقديم الولاء الديني أو المذهبي أو الطائفي على الولاء الوطني أو غيره، في لبنان وفي غير لبنان.

كل هذا الكلام المعسول قاله الشيخ للضحك على ذقون السذج من المسلمين وعلى ذقون الغرب الديمقراطي اللبرالي الذي سمح له بإلقاء محاضرته في دياره، أما القرضاوي الحقيقي فهو القائل: ((ولا يرخص في شيء من ذلك، إلا في حالة الضعف، التي لا تجد فيها جماعة المؤمنين بدا من إظهار التقية للكافرين، وذلك استثناء من القاعدة العامة، يقول القرآن (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك، فليس من الله في شيء، إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير) (سورة آل عمران:28).

ويشرح ((والآية تدل على أن الولاية تعني الانتصار لهم والوقوف في صفهم، من دون المؤمنين، وليس المراد المودة القلبية، فلو كان هذا المراد، ما رخص فيه، لأن الضعيف يمكنه أن يضمر الكراهية والبغضاء في قلبه، ولا يطلع عليه أحد)).

هذا هو نموذج المواطن الصالح الذي يريده القرضاوي ودينه لنا، فمتى نرفضه جملة وتفصيلا؟

يبتع   عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 14: العلمانية والإسلام: هل الرفض متبادل؟

عبد القادر أنيس

يقول القرضاوي في مستهل هذا الفصل: “العلمانية ـ بالمفهوم الذي شرحناه ـ لا تقف من الإسلام موقفا محايداً.. ولا يمكن أن تكون “محايدة” كما زعم بعض العلمانيين العرب. فهذا بالنسبة للإسلام مستحيل.. إن الإسلام يواجهها بشموله لكل جوانب الحياة الإنسانية: مادية ومعنوية، فردية واجتماعية، وهي لا تسلم له بهذا الشمول، فلا مفر من الصدام بينهما”.

أمام هذا الخطاب الشمولي الذي أفشل كل المحاولات العاقلة المتواصلة منذ أكثر من قرن في ديارنا بغية إرساء دولة وطنية علمانية ديمقراطية تتحقق فيها المواطنة التامة بين سائر الناس مهما اختلفت معتقداتهم ومذاهبهم وطوائفهم وأفكارهم، ما هو الخطاب العلماني الواجب تبنيه للخروج من هذا الانسداد؟ هل يجب أن نواصل الدفاع عن علمانية خجولة مترددة، كما يدعونا إليه البعض، أمام هذا الخطاب الإسلاموي المتعنتر حتى لا نصطدم مع قناعات الناس الدينية عندنا؟ أم علينا أن نخاطب الناس كراشدين ومسؤولين عن مصائرهم، ونوجه سهام النقد مباشرة لهذا الخطاب الشمولي وليس فقط لحامليه من رجال الدين ومن السياسيين الذين يتملقون العامة وشيوخها ليستمروا في الحكم؟ كيف يمكن أن نتجاوز هذه الأزمة الخانقة التي تسببت فيها هذه الدولة الهجينة الحالية بشقيها القومي الاستبدادي والثيوقراطي القروسطي؟

كلنا نعرف والقرضاوي يعرف أن الله لن ينزل من عليائه لممارسة حقه الشمولي في حكم العالم كما يوهمنا به رجال الدين عبر الدعوة إلى تحكيم الشريعة، بل سيتولى رجال الدين المهمة بالوكالة عنه ضمن نظام الدولة الثيوقراطية سواء تولوا هم إدارتها مباشرة كما هو الحال في إيران أم اقتسموا النفوذ مع حكومات شبه مدنية كما هو حال جميع دولنا العربية، بحيث يحتفظون بمهمة الحسبة والرقابة على العقول والضمائر حسب ما يعنيه مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تطبيقا لمبدأ “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده…” مثلما فعل قتلة فرج فودة بمباركة من الغزالي والقرضاوي، وطبعا فمن يحدد ما هو معروف وما هو منكر هم رجال الدين لا غير بوصفهم “العلماء” الاختصاصيين في هذا الدين، مثلما تفعل الشخصيات والمؤسسات الدينية في أوطاننا من خلال تصديها لكل المطالب التي تنادي بها قوى الحداثة والعلمانية.

يقول القرضاوي رافضا أي تنازل لأي حكم ديمقراطي مدني علماني حقيقي: “إن النصرانية قد تقبل قسمة الحياة والإنسان شطرين: شطر للدين، وشطر للدولة، أو بتعبير الإنجيل: شطر لله وشطر لقيصر، فتعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله! أما الإسلام فيرى الحياة وحدة لا تتجزأ، ويرى الإنسان كيانا واحدا لا ينفصم، ويرى أن الله هو رب الحياة كلها، ورب الإنسان كله، فلا يقبل قيصر شريكا لله، فلله ما في السموات وما في الأرض، ومن في السموات ومن في الأرض، وقيصر وما لقيصر، كله لله! فلا يجوز أن يستولي على جزء من الحياة، ويوجهها بعيدا عن هدى الله”.

ولقد سبق لي في المقال السابق أن أشرت إلى رأي المفكر الكبير جورج طرابيشي حول مقوله المسيح هذه “أعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر” وكيف أن تغير موازين القوى وبروز قوى علمانية مقتدرة هو الذي أخرج هذا القول إلى السطح ونفض عنه الغبار المتراكم عبر القرون دون أن يأبه له رجال الدين أو بالأحرى أخرجه من حيز الممنوع من التداول واللامفر فيه حسب تعبير محمد أركون، مثلما كشف علمانيونا حديث “أنتم أدرى بأمور دنياكم”وحتى حديث “طلب العلم فريضة على كل مسلم” قبل أن يضيفوا إليه “ومسلمة”، لكن ضعف علمانيينا لم يمكنهم من وضعه موضع التطبيق مثلما فعل نظراؤهم في أوربا رغم مرور ما يقرب من قرن على أول محاولة جريئة لطرح مبدأ الدولة المدنية العلمانية، حين نشر المفكر الأزهري علي عبد الرازق كتابه “الإسلام وأصول الحكم.

الراجح أن رجال الدين عندنا ليسوا مستعدين لقبول التعايش مع نظام علماني ما لم تتغير موازين القوى في أوساط الرأي العام عندنا وحينها سوف يكون عليهم إما التكيف وإما الانزواء.

لقد رأيناهم يلجئون إلى مخزونهم الديني لتوظيفه في استخراج ما أمكن من الحيل للالتفاف على كل خطوة نحو الحداثة كما رأينا في القراءات السابقة لكتابي القرضاوي والغزالي.

عبدالقادر أنيس

ومع ذلك فإن ضغط التغيرات العالمية يدفعهم، من حين إلى آخر، للتكيف وتقديم تنازلات سرعان ما يتراجعون عنها عندما يخف الضغط. هذا التكيف يقومون به عادة عبر التحايل على النصوص المقدسة وليّ أعناق الآيات والأحاديث والأحداث التاريخية، من أجل استحلاب شواهد لإيهام الناس أن موروثهم فيه ما يكفي وزيادة لمواجهة متطلبات العصر.

لقد اتهم علي عبد الرازق الأزهري من قبل أسلاف القرضاوي الأزهريين بأنه يدعو إلى إقامة دولة مدنية فاضطر إلى النفي والتراجع بعد القمع الذي تعرض له، وها هو القرضاوي اليوم يدعو إلى الدولة المدنية !! ولكن أية دولة مدنية؟

فعن سؤال: “ماذا يعني المفكرون الإسلاميون بقولهم : ( الحكم الإسلامي في الإسلام يقوم على الدولة المدنية ، وليس على الدولة الدينية؟؟ ما المراد بذلك؟ أم أن هذا الكلام به خطأ؟”

أجاب القرضاوي: “فالدولة الإسلامية كما جاء بها الإسلام، وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مَدَنِيَّة، تقوم السلطة بها على البَيْعة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها، ومن حق الأمة ـ مُمثَّلة في أهل الحلِّ والعَقْد فيها ـ أن تُحاسبه وتُراقبه، وتأمره وتنهاه، وتُقَوِّمه إن أعوجَّ، وإلا عزلته، ومن حق كل مسلم، بل كل مواطن، أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا، أو ضيَّع معروفًا، بل على الشعب أن يُعلن الثورة عليه إذا رأى كفرًا بَوَاحًا عنده من الله برهان”.

“أما الدولة الدينية “الثيوقراطية” التي عرفها الغرب في العصور الوسطى والتي يحكمها رجال الدين، الذين يتحكَّمون في رِقاب الناس ـ وضمائرهم أيضًا ـ باسم “الحق الإلهي” فما حلُّوه في الأرض فهو محلول في السماء، وما ربطوه في الأرض فهو مربوط في السماء؟ فهي مرفوضة في الإسلام، وليس في الإسلام رجال دين بالمعنى الكهنوتي، إنما فيه علماء دين، يستطيع كل واحد أن يكون منهم بالتعلُّم والدراسة، وليس لهم سلطان على ضمائر الناس، ودخائل قلوبهم، وهم لا يزيدون عن غيرهم من الناس في الحقوق، بل كثيرًا ما يُهضَمون ويُظلَمون، ومن ثَمَّ نُعلنها صريحة: نعم.. للدولة الإسلامية، ولا ثم لا.. للدولة الدينية “الثيوقراطية”.

القرضاوي

هذا، إذن، نموذج مثالي من التحايل الذي يلجأ إليه رجال الدين الإسلاميون عندما تتغير الظروف، لكنه تحايل يمس الشكل أما المضمون فحاشا أن يصيبه تبدل. نلمس هذا التحايل حتى في صياغة السؤال، فهل وُجِد فعلا مفكرون إسلاميون من هذا العيار يدعون إلى دولة مدنية ولو إسلامية؟

كان القرضاوي قد قال قبل 20 عاما في هذا الكتاب موضوع هذا الحوار (الإسلام والعلمانية: وجها لوجه): “إن الإسلام يأبى إلا أن يوجه الحياة كلها بأحكامه ووصاياه، وأن يصبغها بصبغته، وهي صبغة الله (ومن أحسن من الله صبغة) (سورة البقرة:138)، ويضفي عليها من روحه الصافية، وهي روح ربانية الغاية، أخلاقية المنزع، إنسانية المضمون.. ولا يقبل الإسلام إلا أن يصحب الإنسان ـ بتوجيهه وتشريعه ـ في رحلة الحياة منذ أن يولد، وإلى أن يموت، بل قبل أن يولد، وبعد أن يموت.. ولا يرضى الإسلام أن يكون في الحياة فضلة لا عمدة، وأن يكون له منها الهامش لا الصلب، وأن يكون لغيره القيادة، وعليه الطاعة والاتباع! إن طبيعة الإسلام أن يكون قائدا لا مقودا، وسيدا لا مسودا، لأنه كلمة الله، “وكلمة الله هي العليا” ولهذا فهو “يعلو ولا يعلى”.

قرضاوي اليوم، من خلال إجابته عن السؤال السابق لا يختلف عن قرضاوي 1985 إلا في الشكل. في تلك الحقبة كان الإسلاميون في صعود وكان الشارع العربي يفور ويمور ويجور بفضل القوة التي كانوا يستمدونها، من جهة، من الضعف والعجز الذي أصاب الدولة القومية بعد دخولها في الأزمات السياسية والاقتصادية المعروفة ومن مساعدات وتواطؤ بلدان البترودولار المتحالفة مع أمريكا ضد المعسكر الاشتراكي والبلدان العربية التي كانت حليفة له، من جهة ثانية، ومن تبعية عمياء لجماهير واسعة عجزت عن توعيتها وحل مشاكلها الدول الاستبدادية القومية. أما اليوم فقد تغير الحال وأصبح حلفاء الأمس أعداء وأعداء الأمس حلفاء، بالإضافة إلى الانشقاق الذي حدث في صفوفهم حتى تجاوزتهم الفصائل الجهادية وراحت تمارس إرهابا أعمى لم يعودوا مستعدين لتبريره والدفاع عنه لأن الحلفاء في الداخل والخارج لم يعودوا في حاجة إلى هكذا إسلام. بل حتى القرضاوي صار يتعرض للهجوم من طرف تلاميذ الأمس وصار ينعت بفقيه السلاطين حتى توهم البعض أن القرضاوي معتدل.

الدليل على أن هذه الدولة المدنية التي يزعمها القرضاوي شكلية وهمية قوله:

“هذا الحاكم في الإسلام مقيد غير مطلق، هناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته، بل وضعها له ولغيره من المكلَّفين: رب الناس، مَلِك الناس، إله الناس. ولا يستطيع هو ولا غيره من الناس أن يلغوا هذه الأحكام، ولا أن يُجمِّدوها. ولا أن يأخذوا منها ويدعوا بأهوائهم. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].

القرضاوي

هذه الدولة ليست مدنية في شيء إلا في تحايل القرضاوي على المفاهيم. الدولة المدنية بالمفهوم العصري كما هي قائمة في البلدان العلمانية الديمقرطية هي دولة مرجعيتها الشعب عبر ممثليه المنتخبين، والاحتكام فيها ليس إلى نصوص مقدسة متعالية على النقد والتشكيك، كما رأى القرضاوي، بل إلى اجتهاد بشري دائم لا عصمة له ولا معيار إلا معيار الخبرة العلمية المتواصلة وموازين القوى بين الكتل الاجتماعية المتنافسة على السلطة وعلى كيفية تقاسم خيرات البلاد وإدارة الاختلافات والأنانيات بطرق سلمية لا تقصي أحدا. وعليه فدولة القرضاوي المدنية هذه هي دولة ثيوقراطية سواء تولى الحكم فيها رجال الدين كما هو حال إيران أم تولاها رؤساء وملوك وأمراء كما هو حال البلدان العربية التي يجري فيها تقاسم النفوذ والسلطة والجاه ورغد الحياة بين هؤلاء ورجال الدين أمثال القرضاوي.

في آخر زيارة للقرضاوي للجزائر تعرض لوعكة صحية فأدخل أرقى مستشفيات البلاد (المستشفى العسكري بعين نعجة بضواحي العاصمة) حيث أشرف “على علاجه الفريق الطبي الخاص بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة من بينهم شقيق الرئيس مصطفى بوتفليقة.

“كما أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (تابع) شخصيا وباهتمام عملية علاج يوسف القرضاوي منذ الدقائق الأولى التي أدخل فيها المستشفى”

الفريق الطبي للرئيس بوتفليقة يتابع علاج القرضاوي بمستشفى عين النعجة

وقد رأى الجزائريون على شاشتهم كيف زاره رئيس البلاد وكيف اشتكى له من الإشاعات التي يجري ترويجها حول صحة رئيسهم.

كذلك قام رئيس الوزراء، يومئذ، عبد العزيز بلخادم، بزيارة له للاطمئنان على صحته !

هذه هي الدولة المدنية النموذجية التي يدعو لها القرضاوي ولا يحلو له العيش إلا في كنفها. وهي أبعد ما تكون عن الدولة المدنية الحقيقية. وطبعا لا يمكن أن نصدق أن القرضاوي قد حضي بكل هذا الاهتمام لوجه الله أو لكرم الضيافة العربية أو حتى لخدماته (الجليلة) للإسلام، لولا نفوذه على الناس وحاجة السلطة “المدنية” إلى رضا رجال الدين لمواجهة انتقادات المعارضة ووسائل الإعلام ولتحريف سخط المواطنين وتذمرهم والحصول على تزكية ثمينة منه وربما “بركته”.

لهذا فقول القرضاوي: “والعلمانية تريد من الإسلام أن يكون تابعا لها، يأتمر بأمرها، وينتهي بنهيها، لا أن يأخذ موقعه الطبيعي والمنطقي والتاريخي، آمرا ناهيا، حاكما هاديا”. غير صحيح في دولة مدنية علمانية حقيقية حيث رجال الدين أكثر حرية مادام الدين الذي يدعون إليه يتوقف عند الناحية الروحية كعلاقة حميمة بين العبد والمعبود. أما أن يزعم القرضاوي أن دينه قادرا على أن : ” يتحرك ويحرك، ويوجه الشباب، ويقود الجماهير، ويفجر الطاقات، ويضيء العقول، ويلهب المشاعر، ويصنع الأبطال، ويربي الرجال، ويضبط مسيرة المجتمع بالحق، ويقيم بين الناس الموازين القسط، ويوجه التشريع والثقافة والتربية والإعلام، ويعلم الناس أن يدعوا إلى الخير، ويأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، ويقاوموا الانحراف والفساد، فهذا ما لا ترضى عنه العلمانية بحال”. فهو دور لدين لم نره إلا في شكل مخدر باسم القضاء والقدر وطاعة أولي الأمر، أو كمثير للعامة ومولد للإرهاب، وهذا عندما يكون في أقصى نشاطه وحيويته و”ثوريته”.

القرضاوي غير محق عندما يقول: “تريد العلمانية من الإسلام أن يقنع بركن أو زاوية له في بعض جوانب الحياة، لا يتجاوزها ولا يتعداها، وهذا تفضل منها عليه، لأن الأصل أن تكون الحياة كلها لها، بلا مزاحم أو شريك!”. لأن الدين في البلاد التي استقرت فيها العلمانية ليست هذه حالته.

لكنه محق عندما يقول في نهاية هذا الفصل: “من هنا يصطدم الإسلام بالعلمانية، ولابد في أكثر من مجال، يصطدم بها في كل شعبة من شعب تعاليمه الأربع الرئيسية: العقائد، والعبادات، والأخلاق، والتشريع”.

وهذه هي محنة المجتمعات الإسلامية التي لم تستطع التخلص من الهيمنة المطلقة لهذا الموروث البالي ورفع جبروت رجاله على عقول الناس والإطاحة بهذه الشمولية التي يزعمها رجال الدين لدينهم، في عصر يشهد تساقط كل الشموليات.

يتبع   عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

الحفاظ على «جمهورية» مصر

روجر كوهين         الشرق الأوسط

ارتكب الرئيس المصري محمد مرسي خطأ فادحا. ربما كانت دوافعه شريفة، وحتى لو كان الأمر كذلك، فإن الخطأ الذي ارتكبه جسيم ويحتاج إلى تصحيح. إن حصوله على سلطات شبه مطلقة من خلال الإعلان الدستوري الذي أصدره يحصن قراراته من الطعن عليها أمام القضاء ويذكرنا بالمقولة الشهيرة للدبلوماسي الفرنسي تاليران: «خطأ أقبح من جريمة».

ويقول مرسي إن هذه الخطوة مؤقتة – وسيلة لمساعدة مصر على الخروج من المأزق الذي تعاني منه بعد الثورة بصورة أسرع – ولكن كلمة «مؤقتة» ليست ذات مصداقية في بلد قام فيه الرئيس المخلوع حسني مبارك بحكم البلاد لعقود من خلال سلطات ديكتاتورية «طارئة».

ولا يمكن تمرير دستور الدولة العربية الأكثر أهمية – التي تضم نحو 25 في المائة من العرب في العالم وتعد الاختبار الحقيقي للحرية التي وعد بها الربيع العربي – بالقوة من خلال جمعية تأسيسية انسحب منها نحو 25 في المائة من أعضائها، ومعظمهم من الليبراليين والنساء، احتجاجا على هيمنة الإسلاميين عليها.

والآن، أضرب القضاة (الذين يجب أن يقوموا بالإشراف على الاستفتاء على مسودة الدستور في نهاية المطاف) عن العمل، وأنجز مرسي عملا سياسيا فذا نتيجة تهوره، وهو توحيد القوى الليبرالية والعلمانية، غير الفعالة والمنقسمة على نفسها، في احتجاجات حاشدة للمطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري. وفي تغريدة على موقع «تويتر» وصف المعارض المصري الحائز جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي – مرسي بأنه فرعون جديد، وهو ما وجد صدى كبيرا في الشارع المصري.

وفي الحقيقة، يتعين على مرسي إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح مرة أخرى. إن السياسات الديمقراطية عملية شاقة للغاية، واسألوا أوباما عن ذلك! لا يمكن لمرسي أن يتجنب المساومات السياسية الصعبة في مصر الجديدة التي فاز فيها هو بالانتخابات الرئاسية بنسبة 51.7 في المائة، وهو ما يعني أن نسبة الـ48.3 المتبقية لا يمكن أن تداس بالأقدام. وكحد أدنى، يجب أن يتراجع الرئيس عن قراره وأن يمنح الجمعية التأسيسية مصداقية بأن تضم كافة التيارات والأطياف.

قلت إنني أميل إلى أن نفترض أن دوافع مرسي شريفة، لأنه يعرف جيدا أن الديكتاتورية لن يكون لها مكان في مصر الجديدة، ويجب أن لا ننسى أنه قد أطاح بالعسكر، وساعد على وقف إطلاق النار في غزة، وكان شجاعا فيما يتعلق بإيران وسوريا. إنه نتاج ثقافة جماعة الإخوان المسلمين التي باتت تميل إلى التآمرية والسرية، وترى أن الأعداء يحيطون بها من كل جانب، نتيجة القمع الشديد الذي تعرضت له.

من السهل أن نرى كيف يقنع مرسي نفسه، ولا سيما في ضوء قرار المحكمة المحتمل يوم الأحد المقبل بحل الجمعية التأسيسية، بأن هناك مؤامرة من النظام القديم لتقويض الإرادة الشعبية وإعادة مصر إلى المربع صفر مرة أخرى. وتكمن المشكلة في أنه لم يحاول حل هذه القضية من خلال التواصل والحوار، ولكنه عزل نفسه في شرنقة مطلقة وسمح بالتصويت على مشروع الدستور.

وفي مقابلة أجريتها معه مؤخرا في القاهرة، قال عصام سلطان، وهو المحامي البارز الذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين ثم تركها لتأسيس حزبه الخاص: «يمثل مرسي إرادة الشعب. ورغم ذلك، فإننا يجب أن لا ننسى أنه ينتمي إلى جماعة تم إجبارها على العمل تحت الأرض لأكثر من 60 عاما، وهو ما أدى إلى حدوث بعض الأمراض، كالتعميمات القاتلة، التي بموجبها يتم النظر إلى الجميع على أنهم أعداء للدين».

أضاف سلطان: «ينبغي أن تكون المصالح وأفكار الناس هي الأساس في أي نقاش وليس الدين. ولكن اليساريين والليبراليين يعانون أيضا من بعض المشكلات، فأفكارهم تأتي من الخارج وليس من داخل النظام الديمقراطي المصري».

يميل الكثير من الليبراليين في مصر هذه الأيام إلى التقليل من أهمية الحريات وجعلها قضية ثانوية. هذا أمر صحيح بالفعل، فضلا عن أنهم يقولون: «نحن أحرار فيما نقول ونكتب، وهذا أمر جيد، ولكن لا يمكننا تحمل (الإخوان المسلمين) ومعارضة كل ما يقومون به». ولمثل هؤلاء أود أن أقول، إن الحرية ليست جملة اعتراضية توضع بين قوسين، وإن نسبة 51.7 في المائة، التي نجح بها مرسي «كافية للغاية في أي ديمقراطية لتمكين الشخص من الحكم».

لقد قطعت مصر شوطا طويلا على هذا الطريق، حيث قام جنرالات الجيش الذين تلقوا تدريبهم في الولايات المتحدة بتأدية التحية العسكرية لرئيس منتخب بصورة حرة ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن ظهور أمة فخورة بنفسها من حالة الجمود السياسي الكبيرة التي تعاني منها البلاد. ورغم ذلك، فإن هذه الإنجازات لا تزال هشة للغاية.

ينبغي على مرسي ومعارضيه الليبراليين أن يتذكروا جيدا الكلمات التي قالها بنجامين فرانلكين أثناء خروجه من المؤتمر الدستوري الذي عقد في فيلادلفيا عندما سُئل عن نظام الحكم الذي تم اعتماده، فأجاب قائلا: «جمهورية، إذا استطعتم المحافظة عليها».

تتطلب المحافظة على الحرية الوليدة في مصر الشجاعة والتوصل إلى حلول وسط. ينبغي على مرسي تصحيح خطئه، ويتوجب على أوباما العمل الجاد من وراء الكواليس لضمان ذلك، بينما يجب على الليبراليين التوحد صفا واحدا لقبول المساومات.

إن مسودة الدستور الجديد سوف تؤدي إلى إفشال مصر من خلال تفضيل المعسكر الإسلامي، ولكن مثل هذه المشكلات لا تستعصي على الحل. فمنذ أن كتبت عن هذا الأمر في الشهر الماضي، تم حذف تلك المادة المثيرة للجدل التي كانت تقول إن الرجال والنساء متساوون في الحقوق «بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية»، وهذا يعد أمرا مهما.

من الواضح أيضا أنه قد تم التوصل في وقت سابق من الشهر الحالي إلى تسوية واسعة بخصوص الإشارة إلى «مبادئ» الشريعة الإسلامية كمرجعية أساسية في الدستور، كما هو الحال في الدستور الحالي، ولكن هذه التسوية قد تحطمت نظرا لمحاولة الإسلاميين الإسراع في صياغة مسودة الدستور، التي تقوم بتركيز السلطة في أيدي الرئيس بصورة مقلقة.

إن تمرير وثيقة بهذه الأهمية بصورة سريعة ليس أمرا سهلا على الإطلاق، فسوف يؤدي إلى انقسام مصر واختفاء الاستثمارات واستمرار الاضطرابات. يجب على مرسي أن يتغلب على الشكوك الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين لتشكيل جمعية تأسيسية تتمتع بمصداقية وتضم بين أعضائها المعارضين الليبراليين، الذين ينبغي عليهم، مثل الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، التعبير عن وطنيتهم من خلال الالتزام بالبراغماتية.

ينبغي المحافظة على هذه الحرية التي تشهدها مصر للمرة الأولى في تاريخها، فربما تكون عاملا رئيسيا في حدوث تغيير في هذه المنطقة التي تحتاج بشكل ملح إلى فكر جديد.

* خدمة «نيويورك تايمز»

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

أين انت؟ يا مثبت العقول

محمد البدري

يقولون في مصر المحروسة “المجانين في نعيم” لان المجنون بليد الفكر والحس العقلي وبالتالي فلا احساس لديه بالمسئولية حيال واقعه فيتصرف علي عواهنه محققا اشباعاته ورغباته رغم انف الجميع دون رقابة أو محاسبة. اليس هذا هو النعيم بكل معانيه؟ إنها الجنة لو كنتم تعلمون.

قال الرئيس مرسي في حواره مع مجلة تايم الامريكية ان 90% من المصريين يؤيدونه بشأن سلوكياته السياسية وخاصة الاخيرة منها حيث اصدر فيها اعلانا دستوريا يعطيه صلاحيات استثنائية مطلقة غير خاضعة لاي ملاحقة قضائية أو دستورية باكثر مما كان يتمتع به سابقه المخلوع. وبمجرد اعلانه تحركت الاحداث وامتلا ميدان الثورة بمعارضة قوية تهتف ضد الرئيس وفي المدن الاخري احرقت مقار جماعة الاخوان المسلمين المنتمي اليها الرئيس المصري الجديد.

 نسي مرسي ان العالم يعرف عنا باكثر مما نعرف نحن عن انفسنا، او في احسن الاحوال ما نكذب به علي انفسنا باعتبارنا عربا ومسلمين. مرسي اتي للحكم باقل من 25% من اعداد الاصوات الانتخابية وكان ضمن من انتخبوه من لم يجد مرشحا صالحا في انتخابات الاعادة فاضطر لترجيح السئ علي الاسوأ عملا بالحكمة التي تقر اخف الضررين، او حسب قول الاسلاميين “درأ المفاسد مقدم علي جلب المنافع”، حيث لم تكن هناك منافع في نتائج الانتخابات الرئاسية في دورتها الاولي.

 نَعِمَ الرئيس مرسي باقواله لمجلة تايم لانهم تغاضوا ولم يتساءلوا عن صحة النسبة المؤيده له التي ذكرها. ولم تكد تمر ساعات الا وامتلأ ميدان الثورة باعداد هائلة من الاحزاب السياسية ومن المصريين بعفوية توحي لنا بمدي دماثة خلق صحفيي مجلة تايم في عدم استفاهمهم عن صدقية النسبة، تاركين قائلها لينعم باقواله ولو الي حين…

لم يراجع مرسي نفسه أو مستشاريه فيما فعله، فخرج في حوار تليفزيوني في مصر بديلا عن خطاب اعلنت رئاسة الجمهورية انه سيلقيه علي الشعب المصري ليدافع عن استحقاقاته الرئاسية في مصر المحروسة. فقال ما لا يجرؤ أحد علي قوله حتي وهو في لحظات النشوة أو الغياب العقلي الكامل. قال الرئيس: الإعلان الدستوري ينتهي بإقرار الدستور الجديد. وهو ما يعني انه يريد فرصة لممارسة الاستبداد بموافقة الشعب لفترة محدوده. وفي ترجمة لهذا القول في لغة الذئاب: إعطوني فرصة لادخل الحظيرة لفترة قصيرة. وفي لغة اللصوص اعطوني حق دخول البيوت في غياب لاصحابها لفترة لن تطول. وفي لغة الارهابيين البسوني حزاما ناسفا لفترة، اعدكم جميعا بانها لن تطول بي وبكم.

 فإذا كان مستشاريه – معظمهم من اعضاء الجماعة الاسلامية أو الاخوان – هم من أشاروا عليه بهذا التصريح فان من حق كثيرين ان يقولوا لمبارك آسفين يا ريس، فعلي الاقل كنت مستبدا بمستشارين عقلاء. إما إذا كان هو الذي تفتقت قريحته بذلك فعلي المصريين ان يقولوا: اللهم لا نسالك رد القضاء بل نسألك اللطف فيه.     محمد البدري (مفكر حر)؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

سقوط النجمة الذهبية

فاتن واصل

مائدة طعام متوسطة الحجم يحدها من الأربعة جوانب ستة مقاعد إنحبس إثنان منهم بواسطة المائدة التى وُضِعَت ملاصقة للحائط وقد تغطت بمفرش أبيض يميل للاصفرار يبدو عليه القدم ومغطى بدوره بمفرش من البلاستيك الشفاف ممزقة أركانه وحادة كالسكين .. تنتصب على المائدة زهرية مصنوعة من الخزف الملون بألوان داكنة متآكلة داخلها زهور من البلاستيك الملون..أسدلت الست أم علي الستارة البيضاء ذات القماش الخفيف الذى يُظهــِر ما وراءه والمزيَّنة حروفها بكورنيش من الدانتيلا الرخيصة أمام شباك صالة المدخل المطل على الحارة الضيقة، بعد أن انتهت من أعمالها للنظافة اليومية من كنس ومسح للبلاط .. وقد ملأ المكان رائحة الغسيل الأبيض المنشور على منشر مثبت فى الشباك فعطــَّرَ الصالة برائحة الصابون المختلط بالكولونيا التى تحرص ام علي ان تضع قطرات منها فى مياه الغسيل.

صالة المدخل التى حَوَت الى جانب منضدة الطعام طاقم أسيوطى بوسائد مغطاة بقماش الكريتون المنقوش برسومات نباتات خيالية وألوان صاخبة وقد اهترأ نسيجه وتنسلت خيوطه فى زوايا وسائد المقاعد، كما توجد منضدة صغيرة خشبية تحمل تليفزيون صغير بشاشة رمادية وآثار الاصابع تلطخ مفاتيح التشغيل، وُضِعَ فوقه منفضة سجائر خزفية قديمة تحتوى أزرار وبطاريات وقصاصة ورق مطوية، بجوار المنفضة جهاز ترانزيستور فى حجم كف اليد، وعلى الحائط صورة للشيخ الشعراوى مقصوصة من مجلة ملونة تم لصقها على الحائط الأزرق المتآكل بشريط لاصق فى الاربعة أركان انفك أحدها.

انكسر شعاع الشمس الذى تسرب بعضه من بين ضلفتى الشيش وارتمى بعضه الآخر على الكنبة الاسيوطى، وامتد باقى الشعاع على السجادة البالية كالحة الالوان التى ورثتها أم علي عن أمها.. وقفت أم على تمسك بيدها قطعة قماش تطوحها فى الهواء لتطرد بها الذباب بينما عيناها تدوران فى الغرفة تتأملان المكان كالذى يفكر فيما يمكن عمله لإضافة بعض التحسن، واتجهت نحو برواز خشبى تخدشت كراته الأرابيسك ومثبت على الحائط ويحتوى على آية الكرسى، أزالت برفق الاتربة التى التصقت عليه وهى تتأمله وتعدل من وضعه وتتأكد من متانة تعليقه.

أم علي وهذا لقبها الذى أُطلـِقَ عليها يوم أن رزقت بابنها علي الصبى الوحيد ذو السبع سنوات الذى عاش بعد أن فقدت ثلاث صبية عقب ولادتهم مباشرة وقد نصحتها جارتها العجوز أن تنذر نذرا لأولياء الله الصالحين حتى يعيش ابنها لأنها إمرأة من النوع الذى لا يعيش أبناءه الذكور، فنذرت ان تخرج كل عام و طوال حياتها بالفول النابت واللحمة للسيدة نفيسة حتى تحفظ لها إبنها علي، وظلت تفي بالنذر دون كلل ومهما ضاقت بها ظروفها المادية لدرجة انها إضطرت لبيع قرطها الذهبى الذى تبقى لها من أمها فى أحد السنين لكى تفي بطقوسها السنوية.

لأم علي بنتان الكبرى أسماء فى الخامسة عشرة من عمرها والصغرى شيماء فى التاسعة، تحبهما لكن الولد كان دائما له النصيب الأكبر من هذا الحب والأفضلية، كانت عادة ما تطالب أختيه بالعناية به وبطلباته بينما تكون غائبة لأداء واجب عزاء أو شراء بعض الاحتياجات، تطلب منهما إطعامه وتحميمه وتغيير ملابسه وحفاضاته عندما كان صغيرا، أسماء كانت تفعل ما تأمرها به أمها عن طيب خاطر، وكانت تشعر نحو أخيها بأمومة ربما لفارق السن بينهما، أما شيماء فقد كانت دائمة التذمر والرفض والتمرد ولم تكن تهتم به بل على العكس كان من الممكن أن تضربه أو تنصرف عنه وكثيرا ما كانت تشعر بالغيرة، وخاصة حين كان يجذب إهتمام أبيهم الذى كان يحبها ويفضلها عن الجميع، لكنه بعد ولادة علي، حوَّل إهتمامه إليه وصار لا يتحدث إلا عنه وكأنه محور حياته أو لم ينجب غيره. أسماء كانت تنصفها وتنحاز لها أحيانا دون أن تجعل احد الأبوين يلاحظها، وكأن الاخت الكبرى كانت تحتمى بشجاعة تلك الصغيرة التى لم تكن أبدا تقبل أن يـُعَامَل أخيها معاملة فيها ولو بعض التميُّز عنها لمجرد انه ولد.

دق جرس الباب ودخلت البنتان عائدتان من المدرسة ، تمسك اسماء بيد أخيها وتمدها للأم كما لو كانت تسلم عهدة وهى تقول ” إتفضلى سى زفت ابنك جبته من قدام المدرسة بيلعب كورة مع العيال ورامى شنطته فى الأرض.. انا بقولك لو فضل على كده حيصيع ومش حينفع، شوفى العرق والتراب .. واد مقرف “.

شيماء انسحبت فى صمت الى غرفة داخلية إذ قوبلت بلا مبالاة من أمها بعد ان زفت لها خبر حصولها على نجمة ذهبية معدنية لنيلها الدرجات النهائية فى إمتحان الحساب.. بدلت لبس مدرستها وعادت حاملة كراسات وكتب وجلست فى هدوء على مائدة الطعام بعد ان نظمت الكتب والأدوات أمامها بعناية ووضعت فى منتصفهم النجمة المعدنية المذَّهبة وقالت وهى لازالت ترتب الأدوات : ماما أنا جعانة طابخة إيه.؟

ردت الأم : صينية بطاطس ورز .

فسأل علي وهو منشغل بمراقبة أخته وعينه على نجمتها الذهبية : مافيش لحمة ؟

قالت أم على : فى فرخة بس حتاكلوها بالليل بعد الضيوف ما يمشوا.. ثم بابتسامة ودودة توجهها للصغيرة : والنهاردة شيمو حتاخد اكبر حتة.

ابتسمت الطفلة بفرحة وشك أيضا فقد اعتادت أن يحظى علي بهذا الاهتمام من أمهم، فى حين استفسرت أسماء الابنة الكبرى بسرعة : يييه .. هو النهاردة ؟؟؟ ثم أكملت : دى حتبقى ليلة نكد.

قالت شيماء موجهة السؤال لأمها: ليه هو فى إيه ؟

جاوبت الام بغموض : ولا حاجة جاى لنا شوية ضيوف حيزفوا لنا عروسة الليلة.

لم ينتبه كلا الطفلان علي أو شيماء لما تقوله الأم فقد اشتبكا فى قتال جانبى لأن علي خطف النجمة الذهبية المعدنية من أمام شيماء والتى كانت قد بدأت فى أداء فروضها المدرسية فقفزت تطارده، نظرت أسماء الابنة الكبرى لأمها بلوم وتساءلت هامسة : انتى ما قولتيلهاش ..!!

فهزت أم علي رأسها بالنفى وهى تحملق فى وجه أسماء وتعض على شفتيها محذرة أن تنطق بكلمة.. فى نفس اللحظة علا صوت الطفلان وصرخت شيماء : يا ماما تعالى حوشيه، والله لقول لبابا لما ييجى. ألقت أسماء نظرة عطف على اختها التى بدأت تضحك من قلبها حين وقع أخوها على الأرض وقد انتصرت عليه وأخذت نجمتها .. تمتمت أسماء: الضحكة دى مش دايمة.

فى تمام الثالثة عاد أبو علي كما كانوا ينادونه أو الاستاذ صالح فى موعده اليومى، اندفع نحوه علي وشيماء مهللين

قبَّل الطفلين وألقى التحية على أم علي ملقيا فى يدها ببعض الأكياس وسأل أين أسماء فردت من داخل المطبخ :انا هنا يابابا.

سألته أم على بحذر : جبت اللى قلت لك عليه.

رد : أيوة يا ستى عندك فى الكيس الأبيض .. هو جاي إمتى ؟

أردفت بعد ان استدارت فى طريقها للداخل .. الساعة خمسة عنده حاجة فى آخر الشارع وبعدين دورنا.

نظر لشيماء وهى جالسة تمسك بأصابعها الصغيرة قلمها وتكتب فى كراستها وكأنها جراح يمسك بمبضعه، تستند بمرفقها على المائدة وتضع قبضتها أسفل خدها، ترتمى ضفائرها الطويلة المربوطة بإحكام على ظهرها، وترتدى قميص نومها الكستور وفى قدميها البيضاء الصغيرتين ترتدى خفا كبيرا واضح أنه لأختها الكبرى، قالت لأبيها دون ان ترفع رأسها عن كراستها كما لو كانت متيقنة انه لن يهتم : جبت الدرجة النهائية فى الحساب وأخذت نجمة ذهبية علشان ماما تشبكها لى على المريلة بكرة وانا رايحة المدرسة ، وكمان الأبلة باستنى.

رد الأب الذى كان جالسا بانهاك: شاطرة يا شيمو .. بنتى حبيبتى ،ومستعدة بقى للنهاردة ؟

التفتت الصغيرة لأبيها وسألته : مستعدة لأيه ؟

دخلت الأم حاملة أطباق طعام الغداء وخلفها أسماء تمشى بآلية ووجهها متجهم وتحمل طبقا عليه أرغفة خبز وتمتمت بسرعة : إزيك يا بابا، نظرت الأم له محدقة فى حركة تحذيرية وقالت موجهة كلامها لشيماء: بابا قصده استعديتى للامتحان بتاع الشهر.

فردت شيماء : مستعدة بس خلى علي يسيبنى فى حالي أنا مش بعرف أذاكر من دوشته. .. مش حتاخدنى بقى لمدرس الموسيقى صاحبك اللى حيعلمنى البيانو؟

قالت أم على : يا ساتر عليكي هو علي ده يبقى جوز أمك..!! ياللا قومى شيلى حاجتك علشان نتغدى خلينا نخلص من الليلة دى. وبادرها أبوها : طبعا يا شيمو بس بعد السنة الدراسية ما تخلص.

قالت الأم فى استنكار .. بيانو ؟ هو احنا لاقيين ناكل عشان تقوللى بيانو.. يا أخويا روح كده.

فى الخامسة دق جرس الباب واندفع داخل صالة المدخل سيدة من الجيران عانقت أم علي بحماس وقالت : مبروك، عقبال فرحها .. آديني جيت أهو حسب الميعاد هو المنيـِّل سيد المزيِّن ما جاش؟ فقالت أم على : تلاقيه على وصول عنده عملية جراحية تانية على أول الشارع مانتي عارفاه عامل فيها دكتور الموكوس إلآهى يعدم ،ثم ضحكتا بصوت عال وسألت الجارة : أمال فين البت شيمو؟

فقالت أم على: والنبى مش عاوزة سيرة علشان تطاوعنا، هى ما تعرفش حاجة احنا حنشيلها ونكــَتِفهَا وياللا بسرعة بسرعة كله يخلص فى ثوانى، ربنا يستر ويعدى الموضوع على خير.. ولكظت أسماء التى إرتسمت فى عينيها نظرة تائهة مرتبكة ثم قالت لها : قومى شوفى أختك بتعمل ايه .. وإياك تقولى لها حاجة.

همَّت أسماء مسرعة الى الداخل وغابت بعض الشئ ثم أتت لتخبر أمها أن شيماء تلعب مع علي فى غرفة النوم .. فنظرت لها الأم نظرة متفحصة وسألتها : أمال كنتى بتعملى ايه كل ده ؟ أوعي تكونى قلتى لها حاجة، أومأت أسماء بالنفى، فأكملت الأم: طب روحى إعملى لنا كوبايتين شاى خلينا نعدل دماغنا..ولمَّا ييجى المنيل سيد عاوزاكى تفضلى مع علي جوة الأوضة ما تخرجيش إلا لما نخلــَّص مفهوم !!

فى هذه الليلة وفى المستشفى العام كان يرقد سيد المزين بجرح كبير فى رأسه يتلوى من الألم قائلا : وأنا كان مالى ومال العيلة الخُـلل دى ياربى .. الله يخرب بيوتكم.

حين علا صوت صراخ شيماء: الحقينى يا أسماء بينما تقيد أرجلها وأذرعها أمها وجارتها، أفلت علي من بين يدى أسماء وخرج صارخا :أختى أختى سيبوا أختى وظل يضرب أمه وجارتها بكلتا قبضتيه .. وساد الهرج والمرج والارتباك وخاصة الجارة التى كادت تفقد إحكام سيطرتها على شيماء ..فى هذه اللحظة بالذات اندفعت أسماء بجسدها ورمت بنفسها على سيد المِزَيِّن لحظة أن همَّ بإجراء عملية البتر فوقع على الأرض وجرح جرحا عميقا إندفع بسببه الدم من رأسه كالنافورة مما أربك الجميع ونُقــِلَ فورا الى المستشفى العام والذى أمر بدوره بإبلاغ الشرطة.

…………………….

كتب المحقق فى دفاتره يصف الحادث كالتالى : من تقرير الطبيب ، جرح عميق تسبب فيه جسم معدنى على شكل نجمة ذهبية تسببت فى جرح قطعى برأس المصاب الذى سقط على الأرض، وكان سقوطه بسبب تعثر الطفلة أسماء الابنة الكبرى للاستاذ صالح عبد الرحمن البالغة من العمر خمسة عشر عاما.. سقطت النجمة ثم سقطت الطفلة فسقط المِزَيِّن.

‎فاتن واصل – مفكر حر؟‎

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

المطبخ العراقي المعاصر

محمد الرديني

اصدر احد المؤرخين من اولاد الملحة وهو المعروف بحياديته في تحليل مسار التاريخ العراقي والمطبخي منه بشكل خاص.

واشار هذا المؤرخ الى ان هناك مطبخا جديدا تأسس بعد الغزو الامريكي أي ان عمره الان قد قارب سنته العاشرة وبذلك اصبح يافعا يشار له بالبنان.

وقال في مقدمة الكتاب “ان هذا العنوان لايشير الى حقيقة هذا الكتاب فانه لايستعرض صناعة كبة “الموصل” ولا سر الاقبال على باجة الحاتي ولا سبب عدم بيع “الدولمة” في المطاعم الشعبية هذه الايام بل ولا اصرار اكثر من مليون عراقية على طبخ الباذنجان الذي حمل لقب “وحش الطاوة”منذ زمن بعيد.

ان هذا الكتاب ايها السيدات والسادة يتناول ابرز ماتم طبخه وظهر الى الوجود بعد الغزو الامريكي ورعاية العديد من المسوؤلين الحكوميين من منصب مدير عام فما فوق.

وهذا نص بعض الفصول تم اختيارها بعناية.

الفصل الاول: في بداية السنة الماضية “بزغ” ورقص القوم حين تم اعلان النجف عاصمة الثقافة الاسلامية لعام 2012 ورحب الجميع بهذا القرار فهذه المدينة المقدسة تستحق ان تكون كذلك فلها مكانة خاصة لدى جميع المسلمين بالعالم.

واستعد الطباخون لوضع اللبنات الاساسية لهذا المشروع بعد ان تم رصد 693 مليون دولار،اكرر 693 مليون دولار وهو المبلغ الذي يؤسس لمشروع بناء 693 مدرسة في جميع انحاء البلاد او يقضي على امية 6 ملايين هم مجموع الاميين في البلاد نفسها.

وبعد التطبيل والتزميرلأكثر من 6 شهور كان الطباخون قد انهوا طبختهم واعقبوها باللطم على الصدور حين لم يكتب للمشروع الاستمرار.

ليكن.

هناك كثير من المشاريع لايكتب لها النجاح ولكن هذا لايعني ان مخصصاتها تذهب الى جيوب الطباخين.

وهاهي ميسون الدملوجي من القائمة العراقية تقول”نخشى ان يكون مصير مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية مثل مصير مشروع النجف عاصمة الثقافة الإسلامية، الذي خصص له مبلغ 693 مليون دولار وأختفت الأموال بعد تأجيله”.

الفصل الثاني:

يعرف اولاد الملحة ماذا كان وراء صفقة الاسلحة الروسية التي خصص لها 4 مليارات دولار وخصص للطباخين 195 مليون دولار ولكن الذي حدث ان رئيس الطباخين اخطأ في تقديرنسب بعض المقادير بحيث زاد من بعضها وقلل من بعضها الآخر مما ادى الى حرقها وانتشار دخانها خارج المطبخ واستطاع سابع جار ان يشم “الحرك” في قاع “الجدر”.

وتقرر بايعاز من الرئيس ان يتم الاستغناء عن خدمات اولهم الذي قال لمقربيه انه ضاع بين الرجلين رغم ان هدد وتوعد بفضح بقية الطباخين.

الفصل الثالث:

الطبخة المقبلة ستكون مع الموافقة على مشروع “بغداد عاصمة الثقافة العربية”.

ولم يبال الطباخون باسئلة اولاد الملحة، اذ كيف تكون بغداد عاصمة الثقافة وقبل اقل من شهرين اقتحم فوج من القوات الخاصة صرح اتحاد الادباء العراقيين واتلف العديد من الاجهزة الكترونية والاثاث المكتبي تحت نظر رئيسه السيد الناقد فاضل ثامر؟.

كيف تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية واطنان المزابل تحيط بشاعرنا الكبير معروف الرصافي؟.

كيف تكون ومائدة نزهت لم يشيعها الا ثلاثة من محبيها وبقت ايام عديدة في ثلاجة الموتى تنتظر رحمة المحسنين في نقلها الى مثواها الاخير؟.

كيف تكون….؟ لاداعي للاستمرار فالكل يعرف ان بغداد هي كومة قمامة برعاية السادة صابر العيساوي وصلاح عبد الرزاق؟.

لم يبالوا بكل ذلك بل كان جل طومحهم ان يعرفوا كم رقم رصيد هذا المشروع حتى يعدّوا طبختهم.

ولكنهم تفاجأوا “بخازوق” من النوع الثقيل حين اعلنت الحكومة قرارها بتسليم المشروع الى شركة “روتانا” الفنية.

ولطم القوم ليس لضياع المقسوم فقط وانما للحيرة التي انتابتهم وهم يرون ان المقسوم ذهب الى خزينة هذه الشركة التي يرأسها امير سعودي(الوليد بن طلال) وهي بالتالي شركة معنية بالطرب وليس بالامور الثقافية.

ثم كيف تكلف وزارة الثقافة بذلك ووزيرها المدعو سعدون الدليمي مايزال مشتبها به حول صفقة الاسلحة الروسية؟.

احدهم قال بالحرف الواحد “منكم لله ضيعتوا منّا 30 مليون دولار بقرار حكومي بائس”.   تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

مُباركة الخطوة الفلسطينيّة المُهمّة للسلام !

خيرُ الدروب ما أدّي بسالكهِ حيثُ يقصد . ( ميخائيل نعيمة )

138

 دولة من مجموع 

191

 قالت نعم , عند التصويت على القرار الذي يرفع من درجة التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة من صفة مُراقب , الى صفة دولة مراقبة غير عضو في المنظمة الدوليّة المهمة .

9 دول فقط قالت لا ,من بينها إسرائيل ( طبعاً ) والولايات المتحدة وكندا والتشيك وبنما ( وبعض الجُزر الصغيرة البائسة )

قائلةً تلك خطوة تعيق السلام المنشود .

أنا لا أفهم , كيف ستعيق هذهِ الخطوة السياسية الدبلوماسيّة المُغرقة بالحقوق التأريخيّة للشعب الفلسطيني , ناهيك عن الواقع على الأرض

جهود السلام المنشود ؟

41 دولة إمتنعت عن التصويت ( من بينها بريطانيا وألمانيا ) ما يعني أنّها مترددة في حسم موقفها من القضيّة المهمة ( ربّما الأهّم ) في الشرق الأوسط .

3 دول لم تُشارك أصلاً في التصويت .

17 دولة أوربيّة ( أو أكثر ) صوّتت لصالح القرار منها النمسا وفرنسا وإيطاليا والنرويج وإسبانيا , والسويد طبعاً ( كم أنا فخور بقادة السويد ) .

**************

لِمَن يعود الفَضل ؟

الفضل الأوّل فيما حدثَ أمس يعود بالطبع لنضال الشعب الفلسطيني عموماً .

( هذا لا يعني أنّي سأبارك يوماً طريقة حماس البائسة )

لأنّ خراطيشهم لا تصيب إلاّ الأبرياء وتجلب الدمار على شعبهم الصابر

والفضل المُباشر لو اُسند لشخصٍ ما , فلمحمود عباس طبعاً , ومعاونيه .

فلقد بذلَ جهوداً كبيرة في إقناع العالم بالحقّ الفلسطيني وفائدة هذهِ الخطوة للسلام .

وأهمّ تلك الجهود كانت في إقناع الأوربيين . فمنهم تأتي معظم المساعدات الماليّة ( ويا لبؤس عرب الخليج ) , التي تعتمد عليها السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة .

*********

الخلاصة

قصدْ محمود عباس كان واضحاً لا لبسَ فيهِ , والدرب الذي سلكهُ سلمي , لا جِدال في ذلك . فماذا يريد المخالفون ؟

هل هناك شعبٌ فائض عن الحاجة في الشرق الأوسط ؟ تسائل محمود عباس قبل التصويت على القرار .

ثمّ صفّق لهُ جميع مُريدي السلم العالمي .

الخطوة التي تحقّقت مهمة في ظنّي , واللحظة كانت تأريخيّة بالفعل .

لكن الأهمّ هو القادم مستقبلاً , أقصد العمل على الأرض .

وأين بالضبط ؟

في محاولة إقناع ( الطرف الآخر ) , أيّ الشعب الإسرائيلي ومنظماتهِ الشعبيّة وأحزابهِ التي تؤيد السلام

في المضي والإنضمام للعمل معاً لتحقيق الدولة الفلسطينيّة عملياً على أرض الواقع / دولة قابلة للحياة بمعنى الكلمة .

لأنّ ناتنياهو واليمين المتطرف الحاكم ومن يساندهُ في إسرائيل , إستطاعوا فرض فكرتهم عن الخطوة الفلسطينيّة

بحيث تخوّف أغلب الشعب الإسرائيلي منها , وإعتبروها خطوة ضدّ طريق السلام .

أنا أظنّ ( واللهُ أعلم ) , أنّ حماس ومن لفّ لفّها ستشارك اليمين الإسرائيلي ( معناها عملياً تصطّف معهُ ) , في وضع العصي في عجلة عباس !

لذلك اُكرّر نصيحتي ( في الواقع هي ليست نصيحة .. لكن محبّة )

على الفلسطينيين في قادم الأيام أن يثبتوا عكس ذلك لتنتصر أرادة الخير والمحبّة والسلام , والى الأبد في المنطقة المنكوبة بتجار الحروب !

الرابط

الأمم المتحدة: التصويت بمنح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو

تحياتي لكم

رعد الحافظ   رعد الحافظ(مفكر حر)؟

30 نوفمبر 2012

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر | Leave a comment

مصر و”حماس” و”حزب الله”.. ومفهوم الهزيمة والانتصار

خيرالله خيرالله     المستقبل اللبنانية 

كانت حركة “حماس” في غزة تحتفل بـ”انتصارها” على غزة، عندما انتهز الرئيس محمد مرسي فرصة تركيز العالم واهل المنطقة على الحرب الاخيرة التي شهدها القطاع. استغل مرسي الفرصة كي ينصّب نفسه رئيسا يمتلك صلاحيات مطلقة في مصر. قضى مرسي فجأة بالضربة القاضية على استقلال السلطة القضائية وحولها تابعا لرئاسة الجمهورية واغلق في الوقت ذاته كلّ الابواب امام أيّ مراقبة قانونية او محاسبة لما يقوم به. تبيّن أنّ لا همّ آخر لدى مرسي سوى مصر وكيفية اقامة نظام جديد فيها محوره حركة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها.

خرج الرئيس المصري الذي رعى الاتفاق الجديد بين “حماس” واسرائيل المنتصر الاوّل من حرب استمرّت ثمانية ايّام سقط فيها مئة واربعون قتيلا فلسطينييا ومئات الجرحى…من اجل عودة الوضع الى ما كان عليه قبل العملية الاولى التي استهدفت مركبة عسكرية اسرائيلية تلاها تبادل لاطلاق الصواريخ بين الجانبين.

الملفت أن مرسي انتصر في حرب دارت خارج مصر لم تكلّفه سوى اتخاذ موقف يتلخص بالطلب من “حماس” الاكتفاء بتلقي الضربات الاسرائيلية ثم الاعلان عن انتصارها المتمثل في أنها ستظل، الى اشعار آخر ممسكة بغزة…

باستثناء ذلك، أي الامساك بغزة وتكريسها كيانا مستقلا، ليس معروفا بعد ما الذي جنته “حماس” من تلك الحرب التي تورّطت فيها غصبا من عنها، لاسباب ايرانية وسورية الى حدّ كبير، ودفعت من خلالها ثمنا لفوضى السلاح التي رافقت سيطرتها على القطاع في منتصف العام 2007 وطوال المرحلة التي مهّدت لتلك السيطرة.

كلّ ما يمكن قوله الآن، انّ اي كلام عن انتصار لا معنى له باستثناء أن “حماس”، بتكريسها السيطرة على غزة واهل غزة، انما رسّخت القطيعة بينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية و”فتح”. هل يمكن اعتبار ذلك انتصارا بأيّ شكل؟ اذا كان يمكن تسمية ما اسفرت عنه الحرب الاخيرة في غزّة انتصارا، فما هو إذاً مفهوم “حماس” للهزيمة؟

كان ملفتا ذلك الغياب للسلطة الوطنية عن احداث غزة. جاء الغياب، بناء على طلب اسرائيلي اوّلا، في وقت كانت هناك حاجة الى رجال شجعان يقولون ما يجب قوله عن أنّ اسرائيل لم تعد في حاجة الى عملية برّية في غزة ما دامت “حماس” تعهّدت عبر مصر بوقف اطلاق الصواريخ في اتجاه الاراضي الاسرائيلية.

اكثر من ذلك، هناك حديث عن هدنة طويلة بين “حماس” واسرائيل ينصرف خلالها كلّ طرف من الطرفين الى الاهتمام بما يعنيه مباشرة. ستهتمّ “حماس” بغزة وستحاول مجددا قلب موازين القوى في الضفّة الغربية. في غضون ذلك، ستتابع اسرائيل بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتطويق القدس!

ستكون”حماس” معنية اكثر من ايّ وقت بالامساك بغزة والبحث في مستقبل علاقتها مع مصر بعدما تبيّن لها أنّ ليس من السهل دفع القاهرة الى اتخاذ مواقف معيّنة. اظهر محمّد مرسي طوال ازمة غزّة أن مصلحة مصر والاخوان المسلمين فوق اي مصلحة اخرى وأن الاولوية لدى الاخوان تعزيز هيمنتهم على اكبر دولة عربية وليس الانسياق خلف شعارات تطلقها “حماس”، حتى لو كانت جزءا من حركة الاخوان المسلمين.

كان السائد في اوساط “حماس” والجهات الايرانية وغير الايرانية التي تدعمها انّ في الامكان جرّ مصر الى تصعيد، اقلّه في المجال السياسي، مع اسرائيل. لم يحدث شيء من هذا القبيل. ففي وقت كانت المعارك مشتعلة في غزّة، كانت مصر توقّع اتفاقا تحصل بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي. كذلك، كانت هناك اتصالات مباشرة مصرية- اسرائيلية واخرى مصرية- اميركية توّجت بزيارة لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون للقاهرة. بعد ذلك اتصل الرئيس باراك اوباما بالرئيس المصري ليشكره على الجهود التي بذلها من اجل وقف الحرب الدائرة بين اسرائيل و”حماس”. اضافة الى ذلك، لم يتردد كبار المسؤولين الاسرائيليين في توجيه المديح الى مرسي…

كلّ كلام عن الوحدة الفلسطينية في اعقاب حرب غزّة لا قيمة تذكر له. فأيّ مصالحة فلسطينية في حاجة الى مضمون سياسي كي يكون لها معنى من اي نوع كان. وفي غياب المضمون السياسي للمصالحة، وهو مضمون معروف جيدّا، بل اكثر من اللزوم، ستهتمّ “حماس” اكثر من أيّ وقت بتحويل غزة “امارة اسلامية” على الطريقة الطالبانية كما ستترتّب عليها مسؤولية التنسيق مع السلطات المصرية المعنية من اجل تنظيف سيناء من الارهاب والارهابيين. ستضطرّ الى ذلك عاجلا أم آجلا، في حال كانت تنوي المحافظة على علاقات وثيقة، او لنقل طبيعية، مع القاهرة.

هل ستتمكن “حماس” من مواجهة مرحلة ما بعد الانتصار “الضخم” الذي حققته، وهو انتصار وهمي اكثر من أيّ شيء آخر، أم ستستسلم لمصر واخوان مصر بعدما تبيّن أن ليس في استطاعتها أخذ مصر الى مواقف لا تريدها، او على الاصح ليس في استطاعتها دفع تكاليفها.

ستركّز مصر الاخوان في المرحلة المقبلة على كيفية اقامة نظام جديد يشبه الى حد كبير نظام العسكر الذي انهته “ثورة 25 يناير”. لن يكون لدى محمد مرسي وقت سوى لمصر. أما اسرائيل، وفي ظل الهدنة الطويلة مع “حماس”، فهي ستنصرف الى سياستها العدوانية المتمثلة في تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية والقضاء على خيار الدولتين على الارض التاريخية لفلسطين…

بعد حرب غزة بنسختها الجديدة، هناك خاسر كبير هو الشعب الفلسطيني وقضيته. تشبه تلك الخسارة تلك الهزيمة التي لحقت بلبنان واللبنانيين بعد حرب صيف 2006 التي رفع بعدها “حزب الله” شارة النصر من منطلق أن الانتصار على لبنان واللبنانيين هدفه الاوّل والاخير!

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

برقية عاجلة جدا

صلاح الدين محسن

برقية عاجلة جدا :

من ام مصرية . لابنها . العضو بالجماعة :

اسمع يا ابني .. الناس دي انكشفوا خالص .. و حقيقتهم بانت – والبلد حتتحرق علي ايديهم ولايهمهم . والدم حيبقي للركب .. فاما تبعد عنهم نهائي .. يا تبعد عن امك . ولا انت ابني ولا اعرفك وتحرم علي ليوم القيامة . حط عقلك في راسك يا ابني . كلمتين قلتهم لك. وعلقهم حلق في ودانك .

*****************

صلاح محسن فيسبوك

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

نظام الحكم في زمن مرسي

محمد البدري

 تتداعي الاوضاع في مصر بتسارع اصبحت متابعتها يلهث لها اسرع عدائي مارثونات المسافات القصيرة والطويلة علي السواء. واصبحت الرئاسة تلعب لعبة القط والفأر مع جماهير المصريين. ومع كل خطأ صادر من مؤسسة الرئاسة نجد رد فعل شعبي واسع رافض تسانده قوي المجتمع المصري الحزبية وهو ما لم يحدث سابقا طوال عصر الحكم بنظام يوليو اللهم الا في حادثتين شهيرتين عندما خدع عبد الناصر الشعب في محاكات الطيران درءا لثورة عليه بسبب الهزيمة الكبري التي الحقها هو بهم وكذلك في اعتراض قوي مصرية علي زيارة القدس وعقد اتفاق كامب ديفيد مع السادات.

 فعلي مدي اقل من نصف عام أخطأ الرئيس مرسي كثيرا وتراجع كثيرا ايضا في معظم قراراته مقارنة بالستون عاما الماضية. فهناك مشتركات بين نظامي قبل الثورة في منهج التراجع عما يتخذه الحاكم من قرارات أهمها سحب قرارات رفع الاسعار في ثورة المصريين 18/19 يناير 1977. لكن ما يميز نظام مرسي انه يضمر فلسفة كاملة غير معلنة ينوي تطبيقها علي المصريين دون البوح بمفرداتها، بعكس الثلاثة الذين حكموا قبله حيث كانت تتبدل سياساتهم طبقا للاحوال لكنهم كانوا يعلنون بوضوح وصراحة ما ينتون عمله.

 الرئيس مرسي عضو جماعة الاخوان وترأس حزب الحرية والعدالة عندما قررت الولايات المتحدة الامريكية التدخل في الشأن الداخلي في مصر بعد الثورة بتحويل مصر الي دولة دينية كانت السعودية بنظامها هي النموذج حيث اسرة واحده تستأثر بالحكم والثروة. هكذا تطابقت عين الادارة الامريكية والاخوان المسلمين والاسرة السعودية علي السواء بعد ان سلمت الاخيرة بان نظام مبارك لم يعد ممكنا عودته. العائلة هناك تقابلها الجماعة في مصر والطاعة والولاء لرأسها مشترك بين الجماعة بمرشدها والاسرة المالكة هناك بملكها. ولو اصبح الدستور في مصر محكوما بالقرآن ولو مؤقتا فان نهاية المطاف وبالسلطة والمجتمع ستجعل مصر محكومة كالسعودية دون دستور انما القرآن وهو ما كانت الجماعة تعلنه بان “القرآن دستورنا” وان “الاسلام هو الحل”. لهذا انشات الجماعة حزب “العدالة والحرية” بعد اقل من اربعة أشهر من الثورة ليدخل سباق الانتخابات إما علي مجلس الشعب أو علي الرئاسة أو كلاهما كهدف نهائي لسرقة الوطن باكمله.

 ومع فوز مرسي بالرئاسة بعد كثير من الشكوك في نزاهة الانتخابات بالرشوة أو بالتزوير او ببقاء كثيرين خارج لعبة الانتخاب بين من بقي من مرشحي الرئاسة في الجولة الثانية لعدم القناعة بهم، بدأ اللعب بالقانون والدستور كخطوات تمهيدية للوصول الي ما يشبه الحكم في مملكة آل سعود. ففي الدستور الذي يسرعون في كتابته علي عجل من فئات تم اختيارها بشكل خاطئ تماما ولا يمثل معظمها قيمة قانونية أو دستورية وليس لهم في علوم السياسة والاجتماع من شئ اللهم الا بخداع البسطاء من شعب مصر باللحية وما يشابهها من مظاهر اتفق البسطاء علي انها من أمور الدين لجهلهم اساسا بالدين، فان دستورا يخرج منهم ومعظمهم من احزاب دينية متشددة تنفق عليها مملكة آل سعود الكثير من الاموال سيكون دستورا اقرب العرف الديني. فقد حاولت الاحزاب الدينية ان تضع نفسها كجماعة في الدستور بان تضمن نصا يقول “بما لا يخالف عقيدة اهل السنة والجماعة” لتختتم بها كثيرا من نصوص الدستور. وعندما فشلوا لاعتراض البعض وعدم توافقهم معهم علي هذه الصياغة حاولا تخفيفها الي ووضع جملة ” بما لا يخالف صحيح الشريعة”.

 جرت أهم المعارك لتحويل مصر الي دولة دينية داخل الجمعية التاسيسية لكتابة الدستور حول المادة الثانية التي ورط السادات مصر فيها عندما كان هو ذاته يريد ان يكون حاكما بامر الله لانه رئيس مؤمن لدولة مؤمنة حسب اقواله. لكن احد الحكماء وقتها نصحه بان يضع لفظ “مبادئ” أمام لفظ “الشريعة الاسلامية” دعما لحالة التحضر التي تمتع بها مصر دون باقي الدول التي لم تعرف الدولة الا بدعم من امثال “لورنس” العرب أو “مكماهون” أو “تيودور روزفلت” الذي قايض حاكم السعودية علي نفط المملكة مقابل دعمه للاسرة الحاكمة وعقيدتها الوهابية في نهاية الحرب العالمية الثانية. استضافت المملكة اعضاء جماعة الاخوان بعد ان انقلبوا علي بعضهم البعض قتلا وتشريدا في العام 1954 حيث حاولا اغتيال جمال عبد الناصر احد اعضائها الذي انقلب عليهم مستاثرا بالسلطة ورافضا اقتراحات المرشد باخذ عدة وزارت في حكومته بعد ان جري تجريف الوطن من كل احزابه.

 إنه التشابه إذن بين نظام يوليو ونظام آل سعود وما يجري تاسيسه بالاخوان المسلمين حاليا. فكما زرعت الاسرة السعودية اعضائها في كل مفاصل الدولة زرع عبد الناصر ضباطه في كل اجهزة الدولة وهو ما يجري بنفس الاسلوب من جماعة الاخوان بعد وصول مرسي للسطة. هذا التغلغل الفئوي الوظيفي لهذه النماذج الثلاثة له تاريخيته في الحكم بالاسلام قديما. فكما استبعد عبد الناصر اعضاء الجماعة وكما استبعدت الاسرة السعودية كل بقايا الشريف حسين برعاية امريكية استبعد القرشيين الانصار في سقيفة بني ساعدة وكان العتف قرينا للاحداث وقتها. أخذ “أبو بكر” بيعته وفي نهايتها أقر “عمر” لتولي امور الناس هناك ولم يشرك أحدا من الانصار، نصف مجتمع المسلمين وقتها. وبنهاية عصر “عمر” بمقتله جعلها في عشيرته وقبيلته المسلمة من قريش دون كل المسلمين قدماء ومحدثين فجعل الولاية لمن بقي علي قيد الحياة من المبشرين بالجنه وعددهم 6. ولأنه الحاكم العادل جدا (لا نعرف مبررا لها) حسب اشاعات الرواة الاسلاميين فقد جعل ابنه القاتل معهم لترجيح عملية الاختيار بين هؤلاء الستة مفضلا اياه علي الانصار ومن لحق بدين الاسلام من بعد وفاه مؤسسه. يبدو التشابه واضحا، فالقاتل والخارج علي القانون قديما يشبه انضمام اعضاء كثيرين ممن حملوا الجنازير والسكاكين زمن السادات في الجامعة وكذلك من اشتركوا في قتله وقتلوا مصريين في احداث المنصة وما بعدها في اسيوط الي الجمعية التاسيسية لكتابة الدستور. وتبدو الامور بهذا الشكل كقاعدة في الحكم بالاسلام وكان المجرمين والقتلة هم افضل العناصر للترشيح للحكم أو لكتابة الدساتير.

ولن نسترسل في حكم القبيلة والاسرة والعشيرة بعدها حيث عثمان الذي استبدل كل عمال عمر بعمال من قرابته الي معاوية … الخ نظام الحكم بالاسلام الذي اصبحت الولايات المتحدة الامريكية هي الراعيه له في عصرنا الحديث.

مرسي إذن علي طريق جمال وعلي طريق المماليك وعلي طريق بنو امية ومن قبلهم الخلفاء الراشدين!!! اعلنها الرئيس الجديد انه رئيس لكل المصريين وقال اطيعوني ما اطعت الله فيكم. لكن قراراته وحمايته لمؤسسات مشبوهة كمجلس الشوري وتاسيسية الدستور واعتراضه علي حل مجلس الشعب بالقانون الذي يريد ان يحوله بعض اعضاؤة الي زاوية او مسجد، ليس رئيسا لكل المصريين انما لاصناف كانت سببا في خراب مصر علي مدي اكثر من 1400 عام.   محمد البدري (مفكر حر)؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر | Leave a comment