لماذا تقف الكنيسة المصرية ضد إنسانية الانسان؟

أيمن رمزي نخلةcopt

(1)

الكنيسة المصرية بأغلبية مذاهبها وتفريعاتها وشُعبها المتعددة ومجالسها الملية، تقف على ثلاثة رؤوس أساسية هم الكنيسة الأرثوذكسية ـ بحُكم أكثرية العدد ـ والكاثوليكية والبروتستانتية. وهناك مجموعة أخرى مِن الرؤوس تتصارع لتُثّبت وجودها في ظل التناحر والرفض والنبذ مِن هؤلاء الرؤوس الأساسية، مثل السبتيين وشهود يهوه والمورمون ويسوع وحده، وغيرهم.

(2)

في الدولة المصرية، يَحكم الأسرة قوانين عامة، مستمدة مِن الشريعة الإسلامية، وغير المسلمين مِن المسيحيين المصريين لهم لوائحهم المفترض أنها مستمدة مِن شريعتهم (رغم أن المسيح، نفسه، قال أنه لَم يأت بتشريع، وحين سألوه أن يُقِيم القسط بين أخوين سألهم: مَن أقامني عليكم قاضيا؟).

(3)

يَطول شرح موضوع التشريع المسيحي، مِن بدايات تلاميذ المسيح الذين كانت مهمتهم نشر رسالة الملكوت، ثم يَأتي بولس الطرسوسي ويكتب تعاليم أخذها مِن تلاميذ المسيح، وتَتوالى تفريعات وجماعات المسيحيين طبقًا لنشر التعاليم الشفاهية على يد بطرس وتوما ومرقس ويوحنا وبرنابا، غربا وشرقا.

(4)

ثم يتواصل التاريخ الكنسي مرورًا بتكوين الكنائس المختلفة شرقا وغربا وجنوبا وشمالا.

وينقل لنا التاريخ تكوين كنيسة الهند، على يد توما. وبطرس وتأسيسه لكنيسة روما، ومرقس ـ وروافد أخرى ـ وتأسيسهم للكنيسة المصرية.

وطبقًا لطبيعة كل شعب، والثقافة التي نشأت فيها الرسالة التي جاء بها هذا التلميذ أو ذاك، تَكونت قوانين خاصة بكل جماعة مستقلة.

طبعًا، ناهيك عن الحروب الطويلة والدامية، والانقسامات المتعددة التي قامت فيما بعد بين هذه الكنائس بعضها البعض.

كانت هذه الحروب على كراسي الحُكم، وبِناء على تفسيرات كبار الكهنة والباباوات، والشعب دائمًا هو الضحية والوقود.

(5)

وننتقل سَريعًا، إلى اللوائح المصرية التي تُطَبق على المسيحيين المصريين، فهناك ما هو خاص بالمجلس الملي الأرثوذكسي وما هو خاص بالمجلس الملي البروتستانتي وأيضًا الكاثوليكي، هذا بالنسبة للأقباط، لكن هناك عائلات أرثوذكسية وكاثوليكية مصرية مِن غير الجذور القبطية، مثل الأرمن والروم، لهم لوائحهم الخاصة.

كل هذا، طبعا، إذا اتحدت “مِلة” الطرفين عند الزواج، لكن إذا اختلفت فيُطَبق القانون العام وهو شريعة الدولة وليس الكنيسة.

(6)

أنا شخصيا ليس لي مشكلة شخصية مع قوانين الكنيسة، لكن تعاملي المباشر مع مئات الأسر المسيحية الذين يكتوون بسبب نار هذه القوانين والكهنة الواقفين خلف تنفيذها على هواهم وما يَترأى لهم، و التي تقف ضد إنسانية هذه الأسر التي وصلت الصراعات بين أطرافها إلى أقصى درجات البُغض، وإستحالة العِشرة بين هذه الأطراف المتصارعة، كل هذا وأكثر هو الذي جعلني أتعاطف معهم.

(7)

في مجتمعنا المصري، نادرًا ما يَلجأ حتى المسلمين للزواج الثاني إلا إذا وصلت العلاقة بين الزوجين إلى حالة استحالة الحياة معًا، فما بالك بالمسيحيين الذين زُرعت فيهم “عقيدة” الزوجة الواحدة هي الأساس، رغم أن معظم الأنبياء في العهد القديم كانت لهم أكثر مِن زوجة. وتعاليم العهد الجديد لم تَفرض على المؤمنين الجدد المرتبطين بأكثر مِن زوجة أن يَتخلى عن إحداهن.

طبعًا، ناهيك عن عدم وجود تشريعات ونصوص صريحة مفصلة لا مِن السيد يسوع، ولا السيد بولس ولا بطرس خاصة بالعلاقات الأسرية. ولم نسمع عن عقدهم لزواج بين مؤمنين جُدد، أو اعتراضهم على قوانين مجتمع يَعيشون فيه.

كما ذكرت، فإن المبدأ الأهم الذي زرعه السيد المسيح هو أنه لم يَأت مُشرعًا ولا قاضيًا.

وعليه، فإن تشريع “لا طلاق إلا لعلة الزنا” هو تَشريع كَنسي مُستحدث مِن الجالس على الكرسي البابوي هذا أو ذاك.

وبقية تفصيلات اللوائح والقوانين هي مِن انتاج هذه الكنيسة أو تلك.

(8)

وبِناء على ما تقدم، فليست أمور الطلاق والانفصال، أو المناداة بالسماح بها، بهذه البساطة.

لكن، لأن هناك، فعلًا، عشرات الآلاف مِن الأسر المسيحية المصرية وصلت العلاقة بين طرفيها إلى استحالة أن تستمر بسلام، هي علاقة تؤدي إلى الموت الأدبي وبعضها وصل إلى القتل المادي مِن أحد الطرفين للآخر.

أليست هذه دعوة المسيح أنْ الوقاية أهم؟

قبل أن يَصل الحال إلى قتل الإنسان شريكه في الأسرة، فهنا يكون السؤال: لماذا في حالة الموت الأدبي، هذا، لا يكون للطرفين حق الانفصال بسلام، والزواج مرة أخرى؟؟

هل ننتظر حتى يقتل أحد الطرفين الطرف الاخر، ونعطه أذن زواج آخر بعد خروجه كجثة مِن السجن؟؟؟

ألمْ يُناد مسيح المسيحية بأن البُغض والكراهية أهم مِن القتل، لأنه الطريق إلى القتل؟

أليسَ الإنسان أهم مِن الوصية؟

ألم تأتي الوصية والسبت مِن أجل الإنسان؟؟

في الفكر المسيحي، ألمْ يأت المسيح مِن أجل فداء وخلاص الإنسان؟؟؟

(9)

الرهبان المسيحيين مِن حقهم أن يختاروا حياة العزلة في الصحراء، مِن حقهم أن يَختاروا أن لا تَكون لهم حياة اجتماعية متكاملة، وأن يختاروا بإرادتهم أن يكسروا الوصية الهامة أن يتزوجوا ويملأوا الأرض.

لكن، لماذا يتدخلوا في قوانين الأسر المسيحية، بحجة الحفاظ على النص المقدس؟؟؟

أي تقديس هذا لتلك النصوص التي وُجدت في زمنٍ غير زماننا هذا؟؟

ألا يَقول المَثل الشَعبي: لكلِ وقت آذان؟

ويَبقى السؤال الجوهري، طبقًا لنص المادة الدستورية الثالثة: لماذا تقف الكنيسة المصرية ضد إنسانية الإنسان؟

Aimanramzy1971@yahoo.com

المصدر ايلاف

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

هل يسير اوباما على خطى غورباتشوف

gorbachev_memoirsهل يسير اوباما على خطى غورباتشوف
يعود الفضل الاول والاخير بتفكك الاتحاد السوفيتي للرئيس ميخائيل غورباتشوف الذي شغل منصب رئيس الدولة في الاتحاد السوفييتي السابق بين عامي 1988 و1991 ورئيس الحزب الشيوعي السوفيتي بين عامي 1985 و1991. كان يدعو إلى إعادة البناء أو البريسترويكا. شارك رونالد ريغان في إنهاء الحرب الباردة وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1990. آتت البريسترويكا ثمارها في 26 ديسمبر 1991 عندما توارى الإتحاد السوفيتي في صفحات التأريخ بعد توقيع بوريس يلتسن على اتفاقية حل إتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية
حينها قيل في غورباتشوف مالم يقوله مالك بالخمر فمن عميل الى امريكا الى بائع تجزئة للاتحاد السوفيتي و لكن بغض النظر عن حتمية التاريخ بسقوط الانظمة الهرمة والاستبدادية ولكننا لايمكن ان نتجاهل دور الفرد بتسريع عجلة السقوط وانهيار تلك المنظومات قبل توفير مناخ الانتقال الهادىء للولوج لعصر الانفتاح
اوباما تشير كافة الدوائر في الولايات المتحدة الى امتعاض الجميع من سياسته الخارجية تجاه قضايا يعتبرها الساسة الامريكان تمس الامن القومي الامريكي هذا الامتعاض من سياسة اوباما كان يعاني منه اعضاء القيادة المركزية في الحزب الشيوعي السوفيتي حيث تلمس الجميع من البداية نوايا غورباتشوف من خلال نظريات الاصلاح رغبته بتفكيك الاتحاد
ان خسارة الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس امام الجمهوريين مؤشر واضح لخسارة اوباما السياسية
امريكا تبدأ نهاية هيمنتها على العالم كقوة احادية بسقوط هيبتها في الخارج و تراجع حدة سياساتها في القضايا ذات الشأن العالمي لينتقل هذا الوهن الخارجي الى مرض عضال في السياسة الداخلية ليكون مدعاة لتفكك تلك الولايات الى ولايات فقيرة و ولايات غنية و ولايات ذات تبعية عرقية كولايات الجنوب التي يقطنها جاليات مكسيكية
انتصفت فترة ولاية اوباما الثانية والاخيرة فهل سنشهد تدهورا بالسياسية الامريكية اكثر ام ننتظر يلتسن امريكي يخلف اوباما ينجز عملية التفكك والانهيار ؟؟؟؟

Posted in فكر حر | Leave a comment

بوست موجّه الى من زار موسكو مؤخراً للاستمتاع بنكت بوتين

انتشر هاليومين فيديو عن الأزعر الروسي فلاديمير بوتين و اثناء مؤتمر صحفي مع المستشارة الألمانية أنجيلينا ميركل ، و dinadanceاللي قال موجهاً الحديث للسيدة الحديدية بما اعتبروا انو نكتة روسية :
مهما فعلتي في ليلة الدخلة ، سيتم نكاحك بالنهاية ..
و لاقى نتيجة هالنكتة السمجة اللي بيستاهلوا من زور و غضب شديد من زعيمة أقوى دولة بالعالم..
انا ماني هون لإثبات زعرنة بوتين، فمن الحماقة محاولة إثبات المثبت..
اللي بدي قولو ، اذا هيك لغة بوتين مع سيدة أوروبا الاولى khatib، فما بالكم بيقول لبثينة شعبان و غيرها من زوار موسكو؟؟؟
بوست موجّه الى من زار موسكو مؤخراً للاستمتاع بنكت بوتين..

مواضيع ذات صلة: فيديو بوتين يلقى طرفة غير لائقة لميركل عن ليلة الدخلة فتحتقره

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

تاريخ الإسلام المبكر القسم الثاني

محمد آل عيسى: الحوار المتمدن   moaawiyamoney

تاريخ الإسلام المبكر القسم الأول

تاريخ الإسلام المبكر 6 عبد الملك بن مروان
اكتمال الدولة وبداية الإسلام
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر
يرى البعض أن عبد الملك بن مروان قد يكون شخصية جاءت من الشرق ذات أصول ساسانية وتولى الحكم بعد أسرة معاوية. واليه ينسب الفضل في تثبيت دعائم الدولة الأموية. لكن لم تكن الدولة الأموية اهم إنجازات عبد الملك. شخصية عبد الملك المتحفزة المتوثبة للسلطة والسيطرة وقوة شخصيته وكاريزميته جعلته يلتفت إلى احدى اهم الضرورات اللازمة لضمان وحدة الدولة لإكمال السيطرة في المنطقة وكذلك ردع القوى الخارجية المجاورة له.
ويمكن أن يكون عبد الملك نصرانيا أو نسطوريا من بلاد الفرس جاء ليحكم في دمشق بعد أسرة معاوية. فالإسم ابن مروان يعني الرجل الذي من مرو وهي منطقة فارسية. لكن هذا الأمر غير ثابت بصورة قطعية. وعندما تسلم الحكم ضرب عملة ونقش عليها صورة لرجل وبيده سيف العدالة الناري للمسيح وكتب إلى جانب الصورة بالآرامية: هلفت الله وهي تعني: خليفة الله. كما أن العملة التي ضربها عبد الملك ثبت عليها عبارة توحيدية هامة مأخوذة من الناموس اليهودي: “اسمع يا إسرائيل الرب الهنا رب واحد” وبالعبرانية يهوه آخاد

Yahweh Elohenu Echad Shema Yisrae

l وترجمتها كانت: قل هو الله أحد. وفي الوجه الآخر: لا إله إلا الله وكتب حول الطوق: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق.
انتبه عبد الملك إلى البيئة الدينية التي كانت سائدة في البلاد السورية. وربما لفت نظره ذلك التشظي الذي أصاب دين النصارى من حيث كثرة الفئات عندهم واتساع الفجوات بينهم. كان النصارى كما ذكر في فصل سابق تناول الهرطقات في القرون الأولى متمسكين اشد التمسك بشريعة موسى والناموس اليهودي. وكانوا يمثلون المسيحية اليهودية في مواجهة المسيحية الهللينية وبالتالي المسيحية المشرقية في مواجهة المسيحية الغربية التي تمثلها بيزنطة. ومع أن الدولة العربية الناشئة كانت بالكاد قد خرجت من عباءة الهيمنة البيزنطية إلا أن الأمر على ما يبدو راق لهذا الزعيم وتفتق ذهنه عن فكرة توحيد هذه المذاهب النصرانية على دين واحد يكون متوافقا مع دين موسى بحجة أن يسوع المسيح جاء ليكمل الناموس وبحجة أن المسيحية الهللينية انحرفت عن رسالة المسيح الأصلية وان الرسول بولس ارتد عن الإيمان القويم وصار من الواجب الآن الاقتداء بالأمة من بني إسرائيل التي آمنت بالإنجيل.
لا يوجد أي نص يثبت أو يشير بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن عبد الملك بن مروان طلب من اكليروس النصارى أن يجمعوا له نصوصا يتم ترتيبها على شكل كتاب مصحف يعتمد في القراءات اليومية للصلاة يكون بمثابة الإنجيل النصراني في مواجهة الإنجيل اليوناني. كما لا يوجد أي إشارة في أي مرجع كان أن مثل هذا الكتاب اكتمل في عهد عبد الملك أو انه اتخذ شكلا نهائيا.
على ما يبدو تم جمع القراءات من نصوص سريانية كانت تستخدم في الطقوس الليتورجية اليومية والأسبوعية. وكان الغرض من هذه الكتابات أن تكون مفندة للعقيدة المسيحية الهللينية في المسيح وناقدة لقانون الإيمان الذي أقره مجمع نيقية وكذلك مثبتة ومؤكدة للعقيدة الموسوية في التوحيد والشريعة. وكما كان الإمبراطور في الغرب راعي الكنيسة الغربية صار عبد الملك رئيس الكنيسة الشرقية النصرانية. وكان شديد الاهتمام ومتمسك كثيرا بان تكون هذه النصرانية متوافقة إلى حد التسليم مع الشريعة الموسوية من حيث التوحيد الخالص والالتزام بطقوس تلك الشريعة من ختان ووضوء وصلاة وصوم وزكاة. وجعلت قبلة الصلاة نحو هيكل الرب في بيت المقدس.
لكن الهيكل كان مدمرا ومجرد أطلال. فما كان من عبد الملك إلا أن بنى هيكلا مصغرا عرف باسم مسجد قبة الصخرة جعله مركزا وقبلة ولم يجعل فيه محرابا وجعل الصخرة التي قيل إن يسوع جلد عليها أو صعد منها إلى السماء في داخل القبة. واستغل جدران مسجد قبة الصخرة الداخلية وكذلك الخارجية لوضع آيات من الكتاب الجديد تناوىء الإيمان النيقاوي وتشدد على إيمان النصارى فيما يتعلق بشخصية المسيح البشر الإنسان النبي الذي رفعه الله إليه.
كان اليهود يتجهون في صلاتهم نحو هيكل الرب في أورشليم. وأراد النصارى أن يتجهوا في قبلة صلاتهم إلى المكان ذاته. ولما كان الهيكل مدمرا وخرابا قام عبد الملك بإعادة بنائه وابتدأ بمسجد قبة الصخرة وجعلها قبلة صلاة وكعبة حج. واستغل عبد الملك جو الانفتاح الديني الذي كان سائدا فنقش على جدران القبة من الداخل نصوصا تتحدى عقيدة نيقية وتعلن عقيدة النصارى في بشرية يسوع وإنكار التثليث والفداء والتجسد والصلب والخلاص.
لماذا بنى عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة وجعلها قبلة للصلاة ولم يتخذ مكة كذلك؟ بكل بساطة لان مكة لم تكن شيئا مهما في ذلك الوقت كما أن سلطانه لم يكن ممتدا إلى هناك. ربما كانت مدينة قائمة وفيها كعبة ويطوف حولها الناس للتبرك والصلاة. وربما كان في مكة نصارى انتشرت عندهم العقيدة الجديدة والكتاب الجديد. ولكن نهض في مكة زعيم يناوىء عبد الملك ويدعي الملك وحماية الدين. وجعل من كعبة مكة قبلة حج يطوف حولها المؤمنون. فما كان من عبد الملك إلا أن بنى مسجد قبة الصخرة وجعله كعبة للطواف من الداخل والخارج وقبلة للصلاة.
استفرد زعيم مكة بالسلطة فيها وجعل كعبتها قبلة ونازع عبد الملك. وكأنه أراد أن تكون الزعامة للحجاز بدلا من الشام. فأهل الحجاز الذين عملوا في جيوش بيزنطة ومن بعدهم في جيوش الدولة الناشئة ومن ثم عادوا إلى موطنهم أرادوا أن يكون لهم شرف القيادة والزعامة. وصفت بعض المراجع زعيم مكة الذي عرف باسم عبد الله بن الزبير بانه كان مزيجا عجيبا من عدد من العناصر يحركها طموح شخصي وصراع قبلي التقتا في نفسه وشخصيته. وقد جرد عبد الملك حملة عسكرية قاسية ضد ابن الزبير ودمر كعبة مكة وأسقط تمرد ابن الزبير.
ولكي يصرف عبد الملك بن مروان أذهان الناس عن كعبة مكة أثناء قتاله ابن الزبير بنى مسجد قبة الصخرة. وجعل ثمة قداسة كبرى لبيت المقدس مع أنها لم تكن تحظى باي قداسة أو مجرد أي اهتمام. ومع اكتمال بناء مسجد قبة الصخرة كان الإسلام الذي نسق جهوده عبد الملك قد تبلور ولكن ليس كدين مستقل ولكن كمحاولة لبلورة النصرانية السائدة وإحياء ملة إبراهيم.
لقد جعل مسجد قبة الصخرة مسجدا بثمانية أضلاع وقبة عريضة بدون أي محراب يتوجه نحو كعبة مكة لأنه هو الكعبة التي كانت قبلة للصلاة. كما كانت وفق طريقة البناء هدفا للطواف حولها بدلا عن كعبة ابن الزبير. وكان في المبنى اثنا عشر عامودا تشير إلى أسباط بني إسرائيل. أما الصخرة فهي التي صعد منها يسوع إلى السماء وقيل كذلك أنها الصخرة التي صارع فيها يعقوب الرب وفق ما يذكر العهد القديم.
بنيت قبة الصخرة على نمط كنيسة بيزنطية لتكون مهوى أفئدة النصارى ومضاهاة لكنيسة القيامة. ولم ترتبط قبة الصخرة بقصة الأسراء والمعراج إلا في القرن الثامن الميلادي عندما ظهرت قصة الأسراء في الموروث الإسلامي. أما في زمن عبد الملك وبداية الإسلام فقد كانت تحتوي آيات لا علاقة لها بالإسراء والمعراج. والآيات المنقوشة الآن أضيفت في أيام السلطان العثماني عبد الحميد عام 1876 وليست هي آيات النقش الأصلية.
مع بناء مسجد قبة الصخرة في القدس التي قصد منها أن تكون قبلة النصارى في مواجهة كنيسة القيامة قبلة المسيحية الهللينية الأرثودوكسية بدأت الأوضاع تتغير وبدأت النصرانية العربية تأخذ شكلها وصورتها. وان لم يكن يقصد منها أن تكون دينا مستقلا إلا أنها سارت في هذا الاتجاه بموجب تصاعد الأحداث بصورة ربما لم يقصدها عبد الملك ولا خلفاؤه من بعده لكنها هكذا حدثت. فإن كانت كنيسة القيامة للمسيحيين الهللينيين فإن قبة الصخرة للعرب النصارى المتهودين بزعامة عبد الملك بن مروان.
بني مسجد قبة الصخر على جبل الهيكل حيث كان هيكل اليهود الذي دمره الرومان. والقصد كان رغبة عبد الملك لإثبات تفوق عقيدته على اليهود وعلى المسيحيين. وفرض على اتباع العقيدة التوجه في صلاتهم نحو بيت المقدس. وقد ظلوا على ذلك ست عشرة سنة كما يذكر الموروث الإسلامي وقبل تحويل القبلة نحو مكة بعد السيطرة عليها وإعادة بناء الكعبة التي دمرها الحجاج أثناء الحرب مع ابن الزبير.
فالآيات التي نقشت في الأصل قصد منها مجادلة المسيحية الهللينية من حيث طبيعة السيد المسيح وإنكار ألوهيته وبنوته لله وإقناع الناس بعقيدة النصارى في بشرية يسوع. تحمل تلك الآيات شهادة التوحيد ولكن بقصد مختلف. فمن حيث هي ترجمة لنص سرياني كان معروفا في الأصل عند نصارى الشام تبدو وكأنها شهادة التوحيد الإسلامية الحالية. لكن مراجعة النص بتمعن تعطي معنى مختلفا.
الآيات صارت من سورة مريم وتتحدث عن بشرية يسوع المسيح معلنة أن عيسى ابن مريم رسول الله وعبده وليس ابنه على أي حال. ما نقش على جدران قبة الصخرة في عصر عبد الملك يؤكد على فصل النصرانية نهائيا عن بيزنطة ويرسم الحدود الجديدة بينها وبين باقي الأديان الإبراهيمية. صحيح أن النصرانية هي المسيحية اليهودية المسلمة لشريعة موسى وناموس اليهود لكنها مختلفة من حيث إيمانها بالمسيح النبي البشر.
ينكر النص المنقوش على جدران القبة من الداخل عقائد التجسد والفداء والخلاص ويعرض بما يسميه الغلو المسيحي في تأليه يسوع وهذا بسط لعقيدة النصارى في المسيح. ويرى كريستوف لوكسنبرغ صاحب كتاب قراءة سريانية للقرآن أن نقش قبة الصخرة نص نصراني بامتياز يتحدث عن يسوع وكلمة محمد ليست اسم علم هنا لكنها تعني تحميد وتمجيد عبد الله ورسوله عيسى. فالنصارى في الشام كانوا يرون يسوع مجرد خادم وعبد لله ورسول مع انه كلمة الله وروح منه أيضا. لكن نصرانية الشام كانت تنأى عن التأليه والغلو وتلوم المسيحية الهللينية وخاصة بعد مجمع نيقية على تأليه يسوع وجعله ابنا لله ومساويا له.
يورد لوكسنبرغ نقلا عن غرابر تفاصيل النص الذي نقشه عبد الملك على جدران مسجد القبة. طبعا هذا النص نقش بالترجمة العربية المنقطة وليس بالأصل السرياني الذي كتب فيه لو كان مكتوبا على شكل آيات في القراءات المجمعة.
تبدو آيات قبة الصخرة التي وضعها عبد الملك بن مروان التحدي النصراني للمسيحية الهللينية. مؤكدا في هذه الآيات على إنسانية يسوع وبنوته على الطريقة الإبراهيمية واصفا إياه بالرسول والعبد. وتبدو من ناحية ثانية وكأنها بيان من زعيم ديني موجهة إلى اتباع دين أخر يجادلهم في عقيدتهم ويطالبهم الإيمان بما يؤمن به. وقد أضيفت فيما بعد إلى النص القرآني كما هو معروف.
يبدا النص بالبسملة التي كانت معروفة عند السريان، ” بشم ألوهو رحمانو رحيمو “. وهي هكذا باللغة العربية:
1ـ بسم الله الرحمن الرحيم/لا إله إلا الله وحده لا شريك له/ له الملك وله الحمد/ يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير/ هذا المقطع يتطابق مع القرآن آية 2 سورة الحديد.
2ـ محمدٌ عبد الله ورسوله/ إن الله وملائكته يصلون على النبي/يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما/صلى الله عليه والسلام عليه ورحمت الله/ جزء من المقطع يعود للقرآن (الأحزاب آية 56).
3ـ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق/ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه/فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة/ انتهوا خيرا لكم/ إنما الله إله واحد/سبحانه/أن يكون له ولد/له ما في السماوات وما في الأرض/وكفى بالله شهيدا (النساء آية171)
4ـ لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون/ومن يستنكف من عبدته ويستكبر فسيحشركم إليه جميعا/ (النساء آية 172).
5ـ اللهم صلي على رسولك وعبدك عيسى ابن مريم/ والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا/ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه تمترون/ما كان لله أن يتخذ من ولد/إذا قضى أمرا يقول له كن فيكون/إن الله ربي وربكم فاعبدوه/هذا صراط مستقيم (مريم آية 33ـ 36).
وثمة مصادر أخرى تورد نصوصا إضافية من مثل: قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، محمد رسول الله صلى الله عليه إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
التساؤل الكبير يبرز هنا عن سبب كراهية نصارى الشام للمسيحية الهللينية؟ فالبيزنطيون الذين انسحبوا من البلاد ومنحوا أسرة معاوية فرصة الحكم يفترض أن يكونوا حلفاء لهذه الأسرة. والتحالف السياسي قد يستتبع تحالف ثقافي وديني. ولكن يبدو أن الاستقلال العربي لم يكن بكامل إرادة البيزنطيين وانما كان قبولهم به قبول الأمر الواقع.
فالتاريخ يخبرنا أن معاوية الذي دفع الجزية للبيزنطيين في فترة ما عاد وحاربهم في الثغور وكذلك فعل عبد الملك. وبما انه كان متسلحا بعقيدة منتشرة وسائدة ولها مؤيدوها وأنصارها في البلاد تجرأ وواجه العقيدة المسيحية التأليهية التي تبناها مجمع نيقية. وعندما لم تكن عقيدة أهل الشام واضحة وسائدة وليس لها كتاب وقيادة لم تأبه بها الدولة البيزنطية. ولكن بعد تجميع النصوص الكتابية في مصحف قراءات على المذهب النصراني بدأت مخاوف بيزنطة وربما بتحريض من المسيحيين في القدس. فكان تحدي عبد الملك ببناء قبة الصخرة وإثبات إنسانية يسوع وبشريته عبر بيان أضيف فيما بعد إلى مصحف النصارى على شكل آيات في سور متناثرة عبر الكتاب.
اشتداد كراهية عبد الملك ورعاياه للدولة البيزنطية وعقيدتها ربما كان نابعا من هزائمهم المتكررة أمام قوات بيزنطة. فكان الانتقام عبر الفصل النهائي مع عقيدة بيزنطة وإثبات انتساب العقيدة النصرانية المسلمة للشريعة الموسوية والناموس التوراتي على ملة إبراهيم. من هنا نفهم عبارة عبد الملك على جدران قبة الصخرة: إن الدين عند الله الإسلام قاصدا مخاطبة بيزنطة بان دينه هو الصحيح لأنه يتطابق مع اليهودية والعهد القيم بينما دين بيزنطة يناهض اليهودية.
بعد القرن السابع وعند بداية الثامن احتاج القادة السياسيون الذين أقاموا الدولة إلى عقيدة دينية لتوحيد الإمبراطورية الجديدة. فبدأ الأمويون الذين أسسوا تلك الدولة يتحدثون أكثر عن الإسلام ونبي الإسلام وكتاب الإسلام. كانت الإمبراطورية الأموية بحاجة إلى بطل أسطوري تقيم الدولة عليه. ولمنافسة ديانة الروم والفرس احتاج الأمويون إلى الإسلام الذي سيضمن لهم ولاء الشعوب. وتقدم الأيدولوجية السياسية أفضل تفسير لاختلاق الدين. فالإمبراطورية العربية احتاجت ذلك لضمان السيطرة على مساحات واسعة ضمتها إليها فكانت المظلة الدينية التي تبنتها هي الأداة التي تخضع لهم الشعوب وتوحدها في ديانة تجمع ما بين اليهودية والمسيحية ولكن ببساطة شديدة لا ترهقهم لا فكريا ولا ماديا.
طوال عهد الأمويين ظل الدين الجديد وان لم يعرف على انه دين مستقل ظل مرتبطا بالإبراهيمية باليهودية بصورة أو بأخرى إلى أن وقع الانفصال التام بعد انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية في منتصف القرن الثامن وقيام الإسلام الرسمي.
تاريخ الإسلام المبكر 7 كعبة مكة وقِبلة القدس
أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها
إلا لنعلم من يتبع الرسول ومن ينقلب على عقبيه
وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض
كانت قبة الصخرة التي بنيت على جبل الهيكل قبلة الصلاة للنصارى. وكانت الدولة الأموية محدودة في بلاد الشام. وكانت محاولات عبد الملك في التوسع نحو الحجاز قد اصطدمت بثورة ابن الزبير الذي كان يتبع النصرانية على ملة إبراهيم أيضا ويريد أن يكون مركزها مكة وجعل فيها كعبة يحج إليها الناس للتبرك والصلاة.
في الوقت الذي جعل فيه ابن الزبير مكة مركزا دينيا وبنى كعبتها كان عبد الملك يبني قبة الصخرة في القدس. وحيث لم يعجبه تفرد ابن الزبير في مكة فقد أرسل إليه أحد اشد قادته قسوة: الحجاج بن يوسف.
وصل الحجاج مكة وحاصرها وقصف الكعبة بالمنجنيق ودمرها. وقتل ابن الزبير اشد قتلة. تقول لنا الروايات التي كتبت فيما بعد انه بعد أن قتله قطع راسه وأرسله إلى عبد الملك وعلق جثته مصلوبة أياما عدة إلى أن تشفع له عبد الله بن عمر على ما تقول الروايات إذ قال للحجاج: أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟ فانزله وتم دفنه.
لماذا كان ابن الزبير يرى نفسه أحق بزعامة النصارى؟ في الواقع إن هذا الإسم قد لا يكون حقيقيا. ولكن الحقيقي أن زعيما من زعماء الحجاز اتخذ مكة مركزا ونازع الأمويين السلطة الدينية والسياسية. وبعد أن فرض الحجاج سيطرة عبد الملك على مكة وعبرها على الحجاز كله، وتخلص من كل أعوان ابن الزبير قام اكليروس عبد الملك بمراجعة ما كان ينادي به ابن الزبير ويعلنه للناس. لقد كان لدى ابن الزبير كتابه الذي يبشر به بين الناس فتبناه عبد الملك وضمه إلى كتابه الذي جمعه في الشام. وبحكمته وحنكته وبمكر الحجاج ودهائه تم تحويل قبلة الصلاة من قبة القدس إلى كعبة مكة حتى لا تكون كعبة ابن الزبير هدفا يقسم المؤمنين ولكي يكسب قلوب وعقول أهل الحجاز الذي كان بأمس الحاجة إلى سيوفهم في تعضيد ملكه وفرض سطوته على ما جاوره من بلدان وشعوب.
بحسب المرويات الإسلامية كانت مكة مهد الإسلام. ولكن الغريب أنها لم تذكر بهذا الإسم ولا بهذه الصفة طوال الفترة السابقة على انتصار عبد الملك على ابن الزبير وضم الحجاز إلى مملكة الأمويين. كما أن اسم مكة لم يذكر في المصادر غير الإسلامية المعاصرة للفترة التي يقال إن الإسلام الرسمي ظهر فيها. وتقول بعض المراجع الحديثة التي بحثت في قصة مكة أنها ليست كما ذكرت المرويات الإسلامية المتأخرة. فهي لا تقع على طريق التجارة بين اليمن والشام بل كانت القوافل تمر على بعد مئة ميل منها. ولو كان هناك مدينة عامرة في مكة وذات تجارة واسعة ورجال أعمال كبار فمن المفترض أن يكون لها ذكر في سجلات عملائهم الذين كانوا يزودونهم بالبضائع والسلع.
وإذ تتحدث المصادر الإسلامية عن تجارة قريش مع الروم فإن المصادر البيزنطية لا تذكر شيئا عن أي تجارة مع عرب الحجاز. وبعد بحوث مضنية خرجت الباحثة الأوروبية باتريشيا كرونة بنتيجة خطيرة: إن “محمد” لو كان حقيقيا فإنه لم يظهر في مكة بل في مكان ما في شمالي غربي الحجاز أقرب ما تكون إلى بلاد الشام، وهي تشير أحيانا إلى منطقة ما بجنوبي الأردن.
من الغريب أن يبقى العرب لأكثر من مئة سنة بعد التاريخ المفترض لظهور الإسلام لا يعرفون مكة. لا يوجد أي أثر أركيولوجي يبرهن على وجود مكة قبل فترة عبد الملك بن مروان ولا يوجد أي أثر يدل على أنها كانت ممرا تجاريا مهما ورئيسيا بين الجنوب والشمال. وهي إن وجدت فلم تكن مدينة يسهل الوصول إليها وربما من هذا الباب اتخذها ابن الزبير ” أو زعيم نصارى الحجاز” ملجا وحصنا يناوىء منها سلطة عبد الملك.
الرواية الإسلامية تقول إن مكة كانت منذ أيام إبراهيم وإن إبراهيم وابنه إسماعيل هما اللذان قاما ببناء الكعبة. لكن التاريخ لا يذكر شيئا عن مكة حتى القرن الرابع للميلاد. وبعد ذلك ليس هناك أي إشارة في أي مصدر غير إسلامي إلى هذه المدينة إلى أن ذكرت في المرويات الإسلامية على أنها مركز تجاري مهم ومهد الدين الجديد. كما انه لا يوجد أي دليل على أن مدينة مكة كانت موجود في زمن محمد المفترض.
وبحسب سليمان بشير هناك من الحقائق والأدلة التاريخية ما ينبه إلى أن دخول مكة الإسلام وتحولها إلى أهم مركز لشعائره وإلى عاصمته الدينية على الإطلاق لم يتم في الواقع إلا في الربع الأخير من القرن الهجري الأول وربما كان ذلك بواسطة الاحتلال العسكري الأموي المباشر زمن عبد الملك بن مروان.
في بحث طويل ودقيق يستغرب الدكتور رأفت عماري أن مدينة قديمة دينية تعد مركز التوحيد بحسب الإسلام لا ينتبه إليها أحد في القرنين الثالث والرابع خصوصا في ضوء الادعاء بوجود معبد كبير فيها هو الكعبة. مع أن اليونان أحصوا كل معبد على وجه الأرض لكن مكة لم تذكر ولم يعرف شيء عن الكعبة. ولو كان الادعاء الإسلامي بان مكة كمركز لديانة التوحيد موجودة منذ أيام إبراهيم فإنها حينئذ ستلفت نظر العابدين من القبائل العربية وخصوصا في اليمن. كما أنها ستكون محط اهتمام بعثات الإسكندر. ولم تكن أي مدينة أخرى أكثر أهمية منها ليحدثوا عنها زعيمهم الذي عرف عنه اهتمامه الشخصي بالأديان وبتاريخ الشعوب. كما انه من المستغرب أن اسم مكة مفقود من على الخرائط القديمة. صحيح أن الخرائط لا تبين كل مدينة وقرية وناحية ولكنها بالتأكيد تذكر وتشير إلى الأماكن المهمة المشهورة. من العجب انه ليس من خريطة واحدة قبل عام 900 للميلاد ذكرت اسم مكة.
تقول باتريشيا كرونة في كتابها: تجارة مكة وظهور الإسلام، إن مكة كانت بقعة جرداء والأماكن الجرداء القاحلة من الطبيعي ألا تكون محطة تجارية مريحة. وإن وجدت مثل هذه المحطات فقد تتوفر على مسافة مجاورة لمحيط أخضر. فلماذا تنزل القوافل في طريق شديد الإنحدار إلى مكان قاحل مثل مكة بينما بإمكانهم التوقف في منطقة الطائف الخضراء الغناء.
هذا جانب من جوانب البحث العجيب في سيرة مكة. ولكن ثمة حقائق أخرى أكثر غرابة. إن مكة بهذا الإسم قد تكون فعلا مدينة تجارية هامة ولكنها ليست في الموقع الذي هي فيه الآن. فالموروث يقول إن مكة تقع في وادي غير ذي زرع وأن بالقرب منها ثمة مجرى مائي صغير. لكن هذا ليس حال مكة المعروفة اليوم. هذا الوصف ينطبق على مكان آخر قريب من مدينة البترا في جنوبي الأردن. يشير أحد الباحثين إلى أن الكعبة التي دمرها الحجاج قد لا تكون في مكة. بل في منطقة البترا. فهناك وجدوا حجارة المنجنيق ولم يجدوا أي حجارة منجنيق في مكة.
ولكن مهما يكن من أمر مكة وسواء كانت الكعبة فيها أم في البترا فإن عبد الملك بحسب المرويات الإسلامية قام ببناء قبة الصخرة لتكون كعبة وقبلة ومحـجا للمؤمنين الذين جمع شملهم بكتاب جديد. يقول اليعقوبي: ومنع عبد الملك أهل الشام من الحج وذلك أن ابن الزبير كان يأخذهم بالبيعة فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة فضج الناس. فقال لهم: هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد… المسجد الحرام ومسجدي ومسجد بيت المقدس وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام. وهذه هي الصخرة التي يروى أن رسول الله صعد منها إلى السماء تقوم لكم مقام الكعبة. بطبيعة الحال هذه رواية إسلامية متأخرة، ولكن لنلاحظ المفردات المستخدمة: ليس فيها أي ذكر لاسم محمد، وفيها حديث عن الصعود. ويقال إن الصخرة التي بنيت عليها القبة هي الصخرة التي صعد منها يسوع المسيح إلى السماء. وكان النصارى يعتبرون المسيح عبد الله ورسوله.
لفترات طويلة كانت كثير من المساجد تتجه في قبلتها بعيدا عن كعبة مكة. الآثار الأركيولوجية المكتشفة في المساجد التي بنيت لغاية القرن الميلادي الثامن تشير إلى أنها كانت تتجه ناحية مكان يقع إلى الشمال من مكة. فهل هي البترا؟ أم بيت المقدس؟
مسجد الكوفة المبني سنة 670 للميلاد يتجه في قبلته نحو الغرب وليس الجنوب. كما أن مخططات مسجدين من العصر الأموي في العراق، مسجد واسط ومسجد بغداد تشير إلى أن القبلة باتجاه الشمال وليس مكة. وفي رسالة من يعقوب الأوديسي وهو شاهد عيان ورسالته موجودة في المتحف البريطاني، يقول إن العرب في مصر يصلون باتجاه الشرق نحو أراضي آبائهم الأصليين، نحو فلسطين وليس نحو مكة. كما أن مسجد المشتى في الأردن وهو منطقة فيها قصر أموي، يتجه في قبلته نحو البترا وليس مكة.
كما يشير البلاذري إلى أن بعض مساجد الكوفة كانت تتجه في قبلتها نحو الغرب وليس نحو مكة. وفي المئة سنة الأولى من عمر الإسلام الرسمي كانت المساجد تتجه نحو البترا ولكن بعد عام 207 للهجرة صارت كل المساجد تتخذ كعبة مكة قبلة لها.
تقع البترا جغرافيا شمالي المدينة المنورة، يثرب، أما مكة فتقع جنوبها. ويلاحظ دان جبسون انه عند وقوع معركة المدينة فإن الجيوش هاجمتها من الشمال ودافعت المدينة عن نفسها من خلال خندق في شمالها. وعندما هاجمت جيوش المدينة “المدينة المقدسة” يقصد مكة فإن الجيوش سارت نحو الشمال. وهذه مواصفات تدل على أن المدينة المقدسة تقع في الشمال.
براهين عديدة على أن الحرم كان في شمال الحجاز، القدس الفلسطينية وليس مكة الحجازية حتى بداية القرن الميلادي الثامن. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يكون المسلمون الأوائل مخطئين في اتجاه القبلة وإنما كان مفروضا عليهم اتباع القبلة التي يرضاها الحاكم. والتغيير الذي حصل في تحويل القبلة من بيت المقدس باتجاه كعبة مكة، لم يحدث في السنة التي تشير إليها المرويات الإسلامية الرسمية وهي سنة 624 للميلاد وإنما تم ذلك بعد انتصار عبد الملك على ابن الزبير وضم الحجاز إلى ملكه وفرض العقيدة الجديدة بالإسم الجديد على كل مناطق مملكته. وتم بعدها هدم كثير من المساجد وإعادة بنائها للتوافق مع القبلة الجديدة.
هناك أدلة على أن الحجاز ومكة لم تكن مهد التوحيد العربي الذي تطور إلى الإسلام. فأول نص عربي يحاكي نص القرآن وجد في منطقة الطائف حوالي سنة 660 م بينما الاكتشافات الأثرية في الحجاز لم تثبت وجود الجاهلية. وهذا يشير بوضوح إلى أن التوحيد العربي لم ينطلق من بطحاء مكة بل من منطقة ما بين سورية وفلسطين. ولكن غرض تعريب الدين احتاج انتسابه إلى منطقة عربية خالصة. لذلك فإن عملية تعريب الإسلام وازدياد وزن العرب فيه دفع إلى تبني مكة. رغم عدم وجود إشارات تدل على تحديد موقع الكعبة فعليا غير أن الكشوف الأثرية في مسجدين أمويين في العراق تشير إلى انهما كانا منحرفين باتجاه اليمن.
خلاصة القول إن مكة لا يمكن أن تكون المسرح الذي نشا عليه الإسلام. فالقبلة كانت القدس وما زالت كثير من المساجد تكتشف وقبلتها متجهة نحو القدس. لكن الانتقال من قبلة القدس إلى قبلة مكة لم يكن فقط لاسترضاء اتباع ابن الزبير وبناء سيرة جديدة تستهوي الأتباع ولكنها كانت أيضا لتكريس الإنفصال النهائي عن اليهودية التي توافقت معها النصرانية الشامية.
في عام 2002 سال دان جبسون مؤلف كتاب مكة في جغرافية القرآن، سأل عدة علماء آثار عرب عن سجل الآثار حول مكة. من المؤسف أنهم لم يرغبوا في إعلان أسمائهم لكنهم اتفقوا على أنه لا يوجد أي سجل آثار لمكة قبل سنة 900 للميلاد. لقد افترض جبسون أنهم سيبلغونه عن مدينة قديمة ذات أسوار كانت هناك مليئة بالبيوت والجنان والمباني والمعابد لكنهم قالوا: لا… لم يوجد أي شيء من مثل ذلك.
تاريخ الإسلام المبكر 8 القرآن العربي
(تاريخية النص القرآني)
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم
ثم يقولون هذا من عند الله
لم يكن ينقص العرب بعد أن أقاموا الدولة وسيطروا على جوارهم إلا كتاب ينسبونه إلى السماء، كما هي حال الأمم التي حولهم، يكون بلغتهم وأبجديتهم يرون فيه محليتهم ويقوي فيهم عصبيتهم العربية ليتكتلوا حوله كأمة ناشئة فتية تبحث عمن ينقذها من صراعاتها المحلية وينقلها إلى ساحة السياسة الدولية.
من المعروف أن اللغة السريانية وهي لغة شقيقة للعربية كانت سائدة في جميع أنحاء البلاد السورية وكذلك في العراق. وكان منها السريانية الشرقية التي يتكلم بها الأشوريون ومنها السريانية الآرامية التي يتكلمها أهل الشام. وعندما سعى عبد الملك والسلطات الدينية في عصره لجمع كتاب بلغة أهل البلاد يوضح الفكرة النصرانية والعقيدة التوحيدية التي يؤمنون بها في مواجهة المسيحية الهللينية استعملت الكلمة التي يستعملها السريان في وصف كتاب القراءات الليتورجية: قريان.
إن رواية جمع القرآن التي تحدث عنها الموروث الإسلامي وأفرد لها فصولا طوالا وناقشها المستشرقون والباحثون قد لا تعدو كونها قصة إكليروس عبد الملك في جمع القراءات الإنجيلية والتوراتية التي كانت سائدة في بلاد الشام. منها الأناجيل القانونية وتوراة موسى ومنها الأناجيل المنحولة والأساطير التي نشأت حول العقيدة المسيحية وقصص القديسين وخلق العالم وغيرها من القصص التي يسهل رصدها وتعيينها ومعرفة أيها استخدم في أي قصة قرآنية.
طفق المكلفون بالجمع يجمعون القصص التوراتية والإنجيلية ويسمعون من الناس ومما هو محفوظ في اللوح. أي لوح هذا؟ اللوح المحفوظ لا بد أنه نسخة من التوراة باللغة الآرامية كانت محفوظة في مقر كنيسة أنطاكية ونسخ منها بعض الروايات والقصص التوراتي والإنجيلي. ويرى أبو موسى الحريري في كتابه عالم المعجزات: بحث في تاريخ القرآن أن اللوح المحفوظ هو كتاب موسى من قول القرآن نفسه: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة، ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما. وكتاب موسى الإمام قد يكون هو أم الكتاب إذ يصرح القرآن انه في أم الكتاب لدينا. على أي حال كانت قصة جمع القراءات في قريانة واحدة على شكل مصحف هدف يقصد به مناصرة العقيدة النصرانية في مواجهة العقيدة المسيحية. وتم هذا من خلال جمع كل النصوص التي تتحدث عن ضرورة موافقة العقيدة لشريعة موسى من أجل إقامة التوراة والإنجيل معا بعيدا عن غلو المسيحية الهللينية في تأليه يسوع، وبعيدا عن عقيدة الخلاص المسيحية التي بشر بها بولس الذي اعتبروه مرتدا عن شريعة المسيح وموسى.
لم يتقصد النصارى وضع إنجيل جديد ولا كتاب جديد ولكن أرادوا أن يجمعوا من كل ما يتوفر حولهم نصوصا تعلم الناس العقيدة الجديدة المتوافقة أو التي يجب أن تكون متوافقة ومسلمة بشريعة موسى وتوراة اليهود وإنجيل متى الذي وضع للعبرانيين لكي يعرفوا قصة يسوع استنادا إلى مراجع متى العبرانية من توراة وتلمود وتقليد عبراني كان معروفا في عصره.
بالنظر إلى كل هذه الحقائق تبدو قصة التنزيل السماوي للقرآن ضعيفة ولا يمكن أن تصمد أمام البحث الدقيق. فالبحوث الأركيولوجية لا تدعم وجهات النظر التقليدية بشأن ما يسمى حفظ النص القرآني. فمعظم المخطوطات القديمة وجدت بعد الوقت المفترض لجمعها من قبل عثمان بحوالي مئة سنة على أقل تقدير. وكثير منها يختلف عن النص المتداول حاليا والتي تعد النسخة النهائية المعتمدة. من بعض النسخ التي يعتقد أنها من الأقدم للمخطوطات القديمة ما يعرف بنسخة اسطنبول ونسخة سمرقند لكن الخبراء ينفون أن تكون تلك المخطوطات أصلية فعلا أو أنها من عصر عثمان.
ترى الرواية الإسلامية الرسمية أن القرآن هو عين كلام الله جاء به جبريل مباشرة من اللوح المحفوظ ولقنه للرسول. والنص الموجود حاليا في رأيهم هو نفسه حرفيا وشكليا الذي أنزله الله مع جبريل ووصل إلينا كما هو عبر التواتر والحفظ. ويرى المفكر التونسي منصف بن عبد الجليل في ندوة حول تاريخية القرآن أن “المسلمين يعتبرون القرآن كلام الله المنزل على محمد بدون أي تدخل بشري بلغة عربية بليغة سليمة معجزة. ووحدة القرآن تشكل مفهوميا مثل وحدة الله”. والمسلمون يؤمنون بهذا إيمانا يقينيا لا يأتيه الشك ولو مجرد قيد أنملة.
لكن كثيرا من الباحثين الموثوقين يرون أن أول نص قرآني متكامل جاهز للقراءة كما هو الآن موضوع في القرن العاشر الميلادي بينما المخطوطات الأخرى السابقة على هذا التاريخ تحمل قراءات مختلفة مثل نسخة صنعاء. ولذا يميل كثير من الباحثين إلى أن القرآن نص تم تأليفه وتحريره وتنقيحه من قبل عرب سوريا والعراق وفيه قراءات مختلفة واحتاج قرونا ليظهر في نسخته النهائية التي نعرفها اليوم.
فمعظم النسخ المكتشفة “باللغة العربية” تعود للقرن الثامن الميلادي على أقدم تقدير. نصوص منسوخة بالخط الكوفي وهو خط ظهر في أواخر القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر وهو خط قليلا ما كان مستخدما في أماكن أخرى من العالم الإسلامي إلى أن استبدل بخط النسخ.
لذلك يمكن القول باطمئنان أن القرآن احتاج على الأقل إلى مئة سنة من التنقيح والتعديل إلى أن ختم بنص نهائي معتمد. وهناك إشارات من الباحثين والعلماء إلى أن أكثر من مؤلف تدخل في كتابة القرآن. والقرآن الموجود الآن لا يمكن أن يكون نفسه الذي بدأت كتابته في القرن السابع كما أنه بالتأكيد ليس قرآنا نزل من السماء على نبي في مغارة مكة. ومع أن الرواية الإسلامية التقليدية تصر على أن القرآن هو عين كلام الله غير أن الدلالات والبراهين التاريخية صارت موضع تحدي غريب في الزمن الأخير. فالمخطوطات والوثائق والبراهين الأيديولوجية أخفقت في إثبات كثير مما يعلنه الإسلام.
هل يمكن أن يكون عثمان بن عفان هو رئيس الفريق الذي كان كبير كتابه زيد بن ثابت الأنصاري؟ ربما. فالرواية التي تتحدث عن إشراف عثمان على جمع القرآن وكيف نقحه وحرق النسخ الأخرى توحي بسلطته وصلاحيته في فعل ما فعل. وبطبيعة الحال نقلت الرواية الإسلامية الحدث إلى زمن آخر ومنحت هذا الشخص صفة الخليفة وما إلى ذلك من قصة معروفة.
صدق كثيرون على مدى مئات السنين الرواية الإسلامية بشأن نزول القرآن ولكن لا براهين على ذلك بل كل المؤشرات تدل على أن القرآن كان نتاج عملية تطور نصي. وفي الوقت الذي يفترض فيه وفاة النبي وباعتراف كتب الموروث الإسلامي كلها لم يكن القرآن مجموعا في مصحف ولو كان كذلك لما طلب عثمان من زيد القيام بذلك. وعندما قام باحثون في الإسلام بكل جرأة بالتدقيق في الأصول والمصادر الإسلامية تم الكشف عما يمكن أن يثير الشك والتساؤل حول كثير من الأمور التي كانت بمثابة مسلمات بشأن الإسلام ومحمد والقرآن.
في كتابها الهاجريون تقول باتريشيا كرونة انه لا يوجد أي دليل على وجود القرآن قبل نهاية القرن السابع الميلادي وقد تم الانتهاء من نص القرآن في عام 705 على يد الحجاج في العراق. لقد جمع الحجاج كل كتابات الهاجريين ووضع بدلا منها ما أراد على حسب أهوائه. ومن هنا بدأ وضع وتأليف القرآن ولم تنته هذه العملية قبل منتصف أو آخر القرن الثامن الميلادي.
تعترف مصادر إسلامية متأخرة أن الحجاج تلاعب في النص القرآني على هواه. ويورد السجستاني في كتابه المصحف تحت باب ما غير الحجاج في مصحف عثمان ويحصي له أحد عشر موضعا. وهذه الأعمال لا تسيء إلى الحجاج بل تظهره قويا على قدرة وفهم سمح له بالتجرؤ على المقدس في إطار مشروع بناء الدولة الذي كان يعمل على إنجازه. وينسب إلى الحجاج قيامه بكثير من التبديل والتغيير في القرآن وإتلاف النسخ المخالفة.
ظل القرآن يخضع لعملية تأليف وتنقيح وتحرير وإعادة كتابة طوال عشرات السنين. فهو اعتبر في البداية كتاب قراءات ولم يقصد به كتاب تشريع أو كتابا يكون بديلا عن التوراة أو الإنجيل العبراني الذي كان معتمدا لدى النصارى. ومجموعة النصوص التي وضعت فيه واعتمدت في وقت لاحق كان فيها نصوص ريما وجدت قبل العصر الذي يفترض فيه وجود النبي. ويقول أحد المختصين في قراءة وتحليل مخطوطات مصحف صنعاء المكتشف أوائل السبعينات في العاصمة اليمنية: “في رأيي أن القرآن كشكول من النصوص لم تكن موجودة أيام محمد وربما يكون بعضها أقدم من الإسلام بمئة سنة مثلا”.
يرى علماء أن التنوع اللفظي في القرآن دلت عليه الاكتشافات الحديثة لبعض المخطوطات التي تحتوي على نصوص مختلفة عن النص المتداول. وهذه التباينات واضحة جلية في المسكوكات النقدية الأولى وفي زخرف الآيات المنقوشة على مسجد قبة الصخرة داخليا وخارجيا التي تختلف عن النص الحالي. وفقدان بعض المخطوطات الأولى تدل على أن القرآن لم يكن موجودا في سنوات “محمد المفترضة”.
تباينات يعزوها البعض إلى فكرة أن القرآن “انزل” على أكثر من شخص واحد. وتم جمعه وتنقيحه من قبل مجموعة أشخاص على مدى مئات من السنوات. وان القرآن المتداول حاليا ليس هو الذي كان في منتصف القرن السابع لكنه نتاج القرنين الثامن والتاسع. القصد من هذا أن القرآن من تأليف أو إعداد أكثر من شخص واحد. وقد لا يكون بحسب ما يعتقد ونزبرو عمل مجموعة قليلة بل انه تطور عضوي احتاج عشرات السنين وربما المئات. لكنه لم يوضع أو يجمع في مكة وإنما في بغداد حيث اتخذ “الإسلام” شكله النهائي وصار دينا مستقلا. وهذا رأي مجموعة من الباحثين أبرزهم ونزبرو، شاخت، كرونة وريبين.
مصادر كثيرة أشارت إلى أن القرآن لم يكن مكتملا قبل القرن العاشر. ويقال إنه تم جمعه في سبع نسخ (ربما هذا سبب الحديث عن سبع قراءات). أما الإشارات من خارج العالم الإسلامي إلى كتاب يدعى القرآن فكان في حوار يرجع إلى نهاية الحقبة الأموية بين العربي والراهب الذي من بيت جالا. لكن ذلك الكتاب ربما يكون مختلفا عن القرآن الذي بين أيدينا الآن. وكما تقول باتريشيا في كتابها الهاجريون: في حين لا توجد أسس خارجية متماسكة لرفض الرواية الإسلامية فإنه لا يوجد أي أسس داخلية متماسكة للقبول بها.
استمر القرآن في تطوره حتى العقد الأخير من القرن الميلادي السابع. إضافة إلى ذلك فإن أكثر ما نعرفه عن الإسلام كان من خلال كتب السيرة والحديث التي يرجع تاريخ وضعها إلى ما بين مئة وثلاثين إلى ثلاثمئة سنة بعد الزمن الافتراضي للنبي.
في رأي ونزبرو تطور القرآن تدريجيا طوال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين من أصل روايات شفوية عن طريق تعديلات وتنقيحات جرت عبر قرنين ثم أعطيت شكلا رسميا وصادف ذلك بروز التفاسير القرآنية وكانت هذه العملية مماثلة لما حدث في تقويم الكتاب المقدس لليهود.
أما غيرد بوين الذي درس مخطوطات صنعاء فقد وضع ثلاثة استنتاجات تبدو قوية ومقنعة:
1. إن النص القرآني تطور عبر الزمن وهو ليس من إعداد شخص واحد وان ثمة أجزاء منه كتبت قبل زمن محمد
2. المخطوطات لم تكتب باللغة العربية وكلماتها ذات جذور آرامية وهذا شبيه باستنتاجات لوكسنبرغ.
3. النص القرآني تطور تدريجيا خلال القرنين السابع والثامن وكان شفهيا ولا توجد أي مخطوطة ترقى إلى مرحلة ظهور الإسلام بحسب الرواية الرسمية.
لقد عجز علم التاريخ عن إيجاد قرآن يسبق عهد عبد الملك بن مروان وهذا بتأييد الرواية الطبرية. فالطبري مثلا ينقل ما نسب إلى “النبي” في حجة الوداع إذ قال: تركت بينكم ما لن تضلوا بعده، كتاب الله وسنتي. لم ينسب إليه قوله: تركت فيكم القرآن. فعن أي كتاب يتحدث النبي؟ أو لنقل عن أي كتاب يتحدث الطبري؟ هل كان المقصود التوراة؟ أم هو كتاب القراءات التي وضعه النصارى تجميعا من مصادر مختلفة؟
تتحدث الرواية الإسلامية عن جهود قام بها أحد قادة عبد الملك وهو الحجاج بن يوسف الثقفي في إعادة كتابة القرآن. وربما كانت الكلمة الأصح: تنقيح القرآن.
تستنتج باتريشيا كرونة في أحد كتبها أن القرآن يفتقد البنية المتكاملة وغالبا ما يكون غامضا وغير متسق سواء في اللغة أو المضمون، سطحي في ربط المواد المتفاوتة ويتميز بالتكرار. ولذا يمكن الاعتقاد أن هذا الكتاب هو نتيجة عمل أكثر من شخص كما أن تنقيحه غير كامل إذ اعتمد على تقاليد متعددة. من السهل الاعتقاد أن القرآن هو مجمع فصول مختارة من الكتب المقدسة السابقة التي سبق أن ترجمت إلى اللغة العامية وهي لغة مركبة من العربية والسريانية لكي تقرأ بلغة قريش. كتابة ترجمت في مفاصل عربية، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا. وترى هذه الباحثة المتخصصة في شؤون الإسلام إن القرآن نص له تاريخ لكن أحدا لا يعرف تفاصيل هذ التاريخ. وتقول في كتابها: عبيد على الخيول إن الجميع كان يأخذ الأمر مسلما به بأن كل شيء يقوله المسلمون بشأن القرآن وأصله ومعانيه كان صحيحا. لكن الواقع انه مر بتحولات نصية طوال مئة سنة بعد وفاة النبي المفترضة. والنصوص التي كانت منقوشة على جدران قبة الصخرة والمسكوكات الأموية تشير إلى نصوص مختلف عن التي بين أيدينا.
لكن غيرد بوين وهو باحث ألماني مرجع في الدراسات القرآنية واللغة العربية يرى أن القرآن مجرد كوكتيل من النصوص لم تكن مفهومة حتى في عصر “محمد” (القصد هو العصر الذي كتبت فيه) وربما كان بعضها سابق الإسلام ومحمد بمئات السنين. وفي التقليد الإسلامي ثمة تناقضات هائلة وفيه فكر مسيحي باطني. يقول القرآن عن نفسه انه مبين أي واضح وفصيح ولكن بالتدقيق فيه نجد أن كل أربع جمل تكون الخامسة غير مفهومة ولا معنى لها. أن خمس القرآن غير مفهوم وهذا ما أعاق الترجمة. وما دام غير مفهوم من قبل العرب فلا يمكن ترجمته لأي لغة كانت.
ويعتقد وانزبرو انه من الواضح أن القرآن مركب من ألفاظ ونصوص تم جمعها على مدى عشرات السنين إن لم تكن مئات السنين من القراءات المسيحية والنصرانية التي كانت منتشرة في المنطقة. ويرى العلماء انه ليس هناك دليل على ظهور القرآن حتى سنة 691 أي 59 سنة بعد الوقت المفترض لوفاة محمد حين تم بناء مسجد قبة الصخرة في القدس الذي ضم نقوشا لبعض الآيات القرآنية. وتختلف هذه النقوش إلى حد ما عن نسخة القرآن التي جرى تداولها خلال القرون مما جعل الباحثين يستنتجون أن القرآن استمر في تطوره حتى العقد الأخير من القرن السابع.
والقرآن عند جاي سميث مجموعة من المصادر المختلفة والمتباينة والمتفرقة المنحولة من الآداب المحيطة وقصص وروايات محلية فولكلورية وتقاليد شفهية كانت شائعة ومنتشرة في القرنين السابع والثامن جرى تطعيمها على أيدي جامعي ومصنفي العصر العباسي الذين يصفهم بالجهلة.
بالنسبة لبعض المفكرين والباحثين لم يكن يقصد من القرآن أن يكون كتابا دينيا مستقلا. فافتراض انه مجرد مختارات ومجمع فصول من الكتب والأناشيد السابقة يعني أنه لا يزعم من الأصل أن يكون سوى كتاب قدسي يتضمن تفاصيل مختارة من الكتابات السماوية وليس بكتاب مستقل في ذاته
ما هي حجج الذين يقولون بتطور القرآن طوال قرنين قبل أن يثبت على ما هو عليه الآن؟
1. إن المصادر التاريخية الإسلامية ليست معاصرة “للزمن المفترض” للدعوة الإسلامية ولا يمكن تصديقها.
2. إن الحفريات الأثرية في الجزيرة العربية خصوصا تلك التي جرت في منطقة نجف كشفت العديد من النقوش القديمة تدل على عدم وجود القرآن في القرن الهجري الأول.
3. إن المخطوطات القرآنية القديمة التي عثر عليها في صنعاء تشير إلى تطور القرآن خلال فترة طويلة تصل إلى مئتي سنة.
4. إن نقد النص يشير إلى أخطاء في نسخ القرآن.
تظهر المخطوطات الخاصة بالقرآن والسابقة على النسخة الحالية تعرض القرآن للتنقيح والتبديل والتصحيح. كثير من المخطوطات وخصوصا مخطوطات صنعاء أظهرت أنها احتوت على كتابة سابقة أي أن النص الأصلي مسح وكتب فوقه، أي انه تم تعديل النص القرآني وإعادة كتابته على الورقات نفسها.
تعد مخطوطات صنعاء من أهم وأبرز المخطوطات التي تجري مناقشتها حتى الآن. هذه المخطوطات اكتشفت صدفة عام اثنين وسبعين عندما سقط سقف أحد المساجد القديمة في العاصمة اليمنية فظهر الكثير من أسرار القرآن. لقد أدت الصدف إلى اكتشاف نسخة من القرآن في مخطوطة قديمة تشير بوضوح إلى قرآن مختلف. تولت مجموعة خبراء برئاسة غيرد بوين وهو من الثقات في موضوع الدراسات القرآنية القديمة دراسة وتحليل تلك المخطوطات. لكن يبدو أن العلماء الألمان الذين بدأوا البحث في الموضوع لا يرغبون في إثارة الأمور بشكل يؤدي إلى إحراج الحكومة اليمنية وبالتالي دفعها لاتخاذ موقف يمنع أي بحوث مستقبلية. حتى الآن تمت دراسة وإعداد خمسة عشر ألف صفحة من مخطوطات صنعاء والسلطات اليمنية مترددة في إتاحة المزيد من المخطوطات للباحثين.
وقد فتح العثور على مخطوطات صنعاء أفاقا أثريه جديدة وأتى بأدلة وكسر المعتقد الذي يزعم أن كل ما بين دفتي مصحف القرآن هو منزل. فالمخطوطات أوضحت أن القرآن خضع للتنقيح والتغيير عبر الزمن وقد ساعدت المخطوطات العلماء في إثبات أن للقران تاريخا كغيره من الكتب. وكتب بوين في مجلة أتلانتيك الأميركية أن هذا القرآن في مخطوطة صنعاء لا يشبه القرآن الحالي. فالكلمات لا تحتوي التنقيط ولا التشكيل ولا الهمزة ولهذا يمكن أن تعطى الكلمة عديدا من المعاني. وكشف مصحف صنعاء وهو الإسم الذي أطلق على المخطوطات المكتشفة كشف عن تبديل في النص واختلاف في الخط والأسلوب. أي أن النص جرى عليه تطوير وتعديل وليس هو النص المفرد أو كلمات الله التي كانت معروفة أيام محمد المفترضة في القرن السابع.
لقد كشفت بحوث بوين عن ترتيب لآيات القرآن بصورة غير تقليدية. ووجد اختلافات نصية ونماذج أسلوبية مختلفة ونادرة تختلف عن النسخ المعتمدة فيما بعد. بعضها مكتوب بلغة الحجاز المبكرة فثمة نصوص كثيرة بدا أنها مكتوبة فوق نصوص تم محوها مما يفند الادعاء بألوهية النص القرآني.
يرى أندرو ريبين أستاذ اللاهوت والدراسات الدينية في جامعة كالغاري أن القراءات المتعددة وترتيب الآيات كلها لها دلالات ومعاني. والكل يوافق على هذا. وتلك المخطوطات تقول إن التاريخ المبكر للنص القرآني عبارة عن سؤال مفتوح أكثر مما يعتقد الكثيرون. فالنص كان اقل استقرارا واقل سلطة مما كان يعتقد ويظن حتى الآن.
يتبع قسم ثالث

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

دعاء اطرش بالزفة

doaanewاليك يارب العالمين نشكوا همنا وعسرنا في عيشينا وبحثنا عن الامان في بيتنا.
اليك ادعو وانا اعرف تماما انك لاتصغي الينا فنحن من نكنحتى يصغي الينا رب العزة،الهمام الرحيم ،الجبار المتكبر. ومع هذا،فنحن اذلاء اليك ومازلنا نشكوك منذ الآف السنين ولا من صاغ الى اوجاع قلوبنا.
منذ الآف القرون اجتمعنا نحن الفقراء وقررنا ان نتوسل اليك لتخلصنا من هذا المدعو حمورابي،وقلنا لك لو كان هذا الحاكم عادلا لما سن قانون العين بالعين والسن بالسن،وبدلا من ان تصغي الينا امرت مريديك ان يمجدو اسمه في المدارس ويصنعوا له التماثيل في كل مكان حتى بات اشهر من اعظم موسيقار في الارض واعظم فقهي في الشرق والغرب.
وسامحناك على ذلك لآنك اعطيتنا ميزة الحب والتسامح وقلنا،نحن الفقراء، سيآتي اليوم الذي يعود الحق الى نصابه.
وجاءنا هولاكو ومعه المغول والتتار وسحقوا اطفالنا وسبوا نساءنا وسفكوا دماء شبابنا وشيوخنا وكنا ننتظر منك ان تمد يد العون لنا ولم تفعل.
وصبرنا كعادتنا حين تلم بنا الملمات وتعصرنا المكائد والاهات فقد علمتنا ان الصبر مفتاح الفرج.
ثم جاءوا ليزرعوا وطنا يهوديا في ديارنا وكنا ننتظر منك مفتاح الفرج،وبدلا من ان ترميه لنا صحت بنا،هؤلاء شعبي المختار وحذارى من الاحتكاك بهم فانهم وقدسيتي اشرف من الشرف نفسه حتى ولو كان تخريب البلاد طريقا لمسارهم.
وسكتنا، وزدنا تمسكا بالامل حين غنت لنا ام كلثوم اغنيتها عن الامل،لم لا وهي الناطقة باسم كل النائحين واللطامين والمعربدين والبكائين والملعونين الى يوم الدين.
وكنا ننتظر منك ان ” تشمر لنا المفتاح”.
وفي كل مرة تقول لنا ،لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم،ونتعجب من ذلك وانت الحكيم الجبار المتكبر،كيف لنا ان نغير انفسنا؟ واذا كنا نملك القدرة على ذلك فلماذا نستعين بك؟.
اذن الصورة واضحة،نملك القدرة ونغير الى مانريد وندير وجوهنا عنك لأننا عرفنا الطريق.
فهل هذا يرضيك يارب الارض والسماء ومابينهما؟.
ايرضيك الا نجد من نلجآ اليه الا انفسنا ونعيش بعد ذلك في غياهب الجب نرسل ضحكات الشماتة الى اصحاب اللحى من اليهود والنصارى والمسلمين؟.
اذا كان يرضيك ذلك فنحن من هذه الساعة سنعمل على:
1- محاسبة السارقين والسارقات وطردهم من خارج البلاد بعد سحب الجنسية منهم.
2- نجمع كل اطفال العراق ليسيروا في مشية ” طويريجية” من اربيل الى ابو الخصيب وهم يغنون للعراق فقط.
كل الاغني انتهت الا اغاني الناس.
3- الدعاء ل” داعش” بالقوة والسؤدد منتظرين منهم ان يقفوا على ابواب المنطقة الخضراء وبيدهم سلاسل ليربطوا ايادي الذين نقلوا رولارات خزينة الدولة الى بيوتهم.
4- لا نريد الحوريات من الدواعش بل نريد لكل ارامل العراقيات ان يتزوجن على حساب الدولة وتخصيص ميزانية مستمرة الى مدى العمر وعلى عناد كل الكتل السياسية لآنها ستكون تحت اشراف القاضي منير الحداد الذي استطاع ان يزيح مدحت المحمود ويحل محله ليعطينا اطنانا من الاوكسجين النقي.
اللهم نرجوك آخر رجاء ان تهب لنا من لدنك اصباغا ملونة ليس فيها اللون الاخضر لنزيل الوان المنطقة الخضراء.
اللهم انا نلوذ بك من كل داعية اسلامي وكل من وضع عشرين محبسا في خنصره ومسبحة في اطراف اصابعه بل وكل من شج رآس طفل باسم الحسين في شهر عاشور.
آمين يارب.

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

مقترح “طائف” سوري يناقش في باريس: وسهيل الحسن بديلاً للأسد!

مقترح “طائف” سوري يناقش في باريس: وسهيل الحسن بديلاً للأسد!suhelelhassan
أورينت نت – أحمد صلال
قالت مصادر مطلعة في باريس لصحيفة (أورينت نت)، أن الأمريكيين وبعض الشركاء الأوربيين، يضغطون على المعارضة السورية، رغبةً في حل سياسي على المدى المنظور، قبل حصول تغييرات جذرية في حكومات عدة دول، وتهرباً من ضغوط أجهزة الاستخبارات الغربية، التي ترغب أن ينتقل التنسيق والاتصال مع النظام السوري من الظل إلى العلن، وتحديداً في ظل تفاقم النفوذ التركي، الذي لا يرغب به الكثير من صناع القرار في العالم، ولفت المصدر إلى إمكانية حصول تغييرات جذرية حيال الموقف من المعارضة السورية، في حال لم يحصل تقدم سياسي ملحوظ، مشدداً المصدر على أن الرغبة الدولية في حل سياسي في سوريا، بات أكثر نضوجاً الآن، تحديداً عقب تدمير البنية العسكرية والاقتصادية السورية.

سهيل الحسن: اغتيال الطموح!
وأضاف المصدر: “أن هذه المبادرة تقوم على رغبة غالبية الأطراف ذات النفوذ في الملف السوري، أن يكون الجنرال سهيل الحسن بديلاً ل بشار الأسد، الحسن الذي يقود أحد ثلاث جيوش قسم إليها ما تبقى من الجيش النظامي بعد الانشقاقات والانقسامات، التي حصلت فيه عقب الثورة السورية، وهو يسيطر على غالبية الأراضي الواقعة تحت سيطرة النظام، ويتحكم بمقدرات كبيرة من العتاد الحربي المادي والبشري، هو الشخص القوي اليوم والقادر على طرح حل سياسي، ومجابهة الأسد”. موضحاً المصدر “إن النظام في سوريا هو الذي حاول اغتيال الحسن مؤخراً، مثلما هو الذي أغتال أصف شوكت، صهر الأسد الطامح، والحسن يتمتع الآن بنفوذ واسع داخل الطائفة والجيش، ويلقب ب النم، ويحظى بشعبية تنافس في تجلياتها وتمظهراتها، شعبية الأسد، وأن هذه الوقائع معلومات وليس مجرد استنتاجات”.

وجرى نقاش هذه الأفكار خلال اجتماعات عقدت مؤخراً في باريس بين عدد من سفراء الدول الكبرى، وشخصيات معارضة سورية، وتهدف إلى جذب المزيد من الأصوات المعارضة السورية، بغية تبني موقف مماثل، خاصةً أن هكذا اجتماعات وحشد وتمهيد، أسلوب دبلوماسي متبع بالترويج لهكذا مشاريع، حسب تعبيرات المصدر.

تقاسم السلطة في البلاد!
وتابع المصدر”إن هذا الأمر لاقى قبولاً من غالبية، الأصوات التي تم الاستماع إليها مؤخراً في باريس، وأنها مستعدة لهكذا خطوة، وأن الكل مستعد للتفاوض مع النظام ،أو أي شخصية يعاد تلميعها – باستثناء التنظيمات الأصولية، كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية- وخاصةً في ظل الهدن الأخيرة، والدوريات المشتركة بين الجيش الحر والجيش النظامي، في ظل معادلة لا غالب ولا مغلوب التي أنهكت الكل”.

وبالتفصيلات حول المبادرة، وضح المصدر”أن الأساسف ي المبادرة، يقوم على تقاسم السلطة في البلاد، مما يضمن للطائفة العلوية دور مستقبلي في سوريا، خاصةً أن الحديث عن دولة علوية في سوريا، مجرد فقاعات إعلامية لا أكثر، ومعرفة العلويين استحالة قيام هكذا كيان في ظل بحر سني، وعدم تجاوزه لدور سياحي واقتصادي في أحسن حالات قيامه، ورغبة الطائفة بالتبرئة من بشار الأسد، وضمان أدنى حالات رد الفعل حيال الجرائم المرتكبة بحقهم”معبراً عن رغبة الطائفة أن تكون شريكة حكم في دولة قوية، على أن تكون كيان ضعيف ومهدد.

اتصالات غير مباشرة مع الحسن!
وكشف المصدر، أن هناك اتصالات غير مباشرة مع الجنرال سهيل الحسن، وذكر المصدر في تصريحاته لصحيفة “أورينت نت”، أن بعض جنرالات الدولة العميقة، أبدت عدم رضاها عن سياسات الأسد التي أوصلت البلد إلى حالة تبعية كاملة للنفوذ الإيراني، وهو النهج الذي يخرق سياسة كرستها الدولة العميقة في إتباع سياسة على مسافة واحدة بين السعودية وإيران، ورغبتها بظهور طائف سوري، وأضاف”أن هذه المبادرة تقوم على قبول ورضا من إيران التي ترغب بالمحافظة على مصالحها في سوريا، وأن هذه المبادرة وشبيهاتها من الحل السياسي، إن لم تنعقد في الظرف الراهن الدولي الراغب بشدة بالتسوية السياسية، والصوت المتذمر داخل الطائفة العلوية، الذي يعتبر الأسد مسئولاً عن خسائره البشرية والسياسية” ورأى المصدر “أن الحالة السياسية في سوريا اليوم، تقبل الحل الأسود والأبيض والرمادي، لسوء الحظ، ورؤية الأجهزة الاستخباراتية في الغرب، أن إمكانية رفع مستوى التعاون والتنسيق مع نظام بشار الأسد، يجلب مصالح كبيرة لهم، بحسب زعمهم، قد يهدد الثورة السورية في ظل الاستنقاع السياسي والعسكري الراهن”.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

أمة الأحلام المريضة

aliomarسامي النصف

رغم أن جميع دول العالم القديم مرت بمرحلة ما يسمى بالحضارات التي سادت ثم بادت، أي علو شأنها في حقب معينة ثم انحسار تلك الريادة والسيادة عنها (اليونان، الرومان والبريطانيون والفرنسيون.. إلخ) إلا أن أحدا في تلك البلدان لا يقتات على تلك الأمجاد ولا يخدع الناس بالقول إن اتباع هذا المسار أو ذاك سيرجع لهم أمجادهم السابقة كما يحدث لدينا.

***

لذا تنفرد أمتنا العربية والإسلامية بتفشي ظاهرة «الأحلام المرضية» في أذهان كثير من القيادات السياسية والفكرية والدينية لتشغل الشعوب أغلب الوقت بالنظر الى الماضي واجترار قصص البطولات والعيش على بيع الأحلام الوردية الليلية التي تتحول في النهاية، وبسبب خطأ التشخيص الفريد وقلة العمل، الى كوابيس نهارية حقيقية تدفع الأمة أثمانها من دماء أبنائها المغرر بهم.

***

لقد أصبح بحق تاريخنا «أفيون شعوبنا» فهناك من يحلم بدولة الخلافة في عصر تساقطت فيه الامبراطوريات وآخر يريد عودة المعتصم ليغزو الأمم ويحرق المدن وثالث يريد العودة الى الدولة العثمانية أو الناصرية أو لزمن حسن البنا أو حتى لعهود الماركسية والستالينية والهتلرية (!) متناسين أن التاريخ لا يعيد نفسه قط، وأن من يخطط لمستقبله عبر النظرة الحالمة للماضي يدمر حاضره ويسقط بالتبعية مستقبله، وللعلم نحن الأمة الوحيدة على وجه البسيطة التي تقوم بذلك!

***

آخر محطة: للعلم.. من تقود العالم هذه الأيام ولأجل غير مسمى، لكونها وبعكس الحضارات القديمة تجدد دماءها وأفكارها وشبابها، هي الولايات المتحدة التي لا يزيد عمرها على 3 قرون ونيف، ولم يضرها عدم وجود تاريخ ومجد ماضوي تخدع به شعبها، لذا فلنسدل الستار على تاريخنا أفيون شعوبنا ونمحوه من أذهاننا ومناهج تعليمنا كي ننهض ونتحرك ونسابق الأمم الأخرى.. ثم بعد النهوض لكل حادث حديث.

*نقلا عن “الأنباء” الكويتية

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | 1 Comment

الموارنة والصراع السياسي التأريخي في لبنان 2

Samir-Geagea الموارنة والصراع السياسي التأريخي في لبنان1

بقلم:عضيد جواد الخميسي         

بداية الانتداب عام 1920 ، نشأ صراع بين البطاركة الموارنة والمفوضين الساميين الفرنسيين حول حكم لبنان. ويكشف مثل هذا الصراع تـنامي السلطة الزمنية للبطريرك التي اكتبسها أيام المتصرفية. إلا أن البطريرك بدأ ، في عهد الانتداب بفقدان سلطته بينما اكتسب رئيس البلاد المزيد من السلطة. وعندما نشر دستور دولة لبنان الكبير رسمياً عام 1926 ، كان رئيس البلاد هو المنفرد بالسلطة لا البطريرك .
من الواضح أن الموارنة تمتعوا في عهد الانتداب بمركز أفضل من مركز الشيعة والسنة والدروز وأفضل حتى من الطوائف المسيحية غير الكاثوليكية. فقد كان لبنان بشكل أساسي بلداً مكوناً من طوائف شغل الموارنة من بينها جميعاً أغلب المراكز البارزة في الدولة. إلا أن الطائفية التي عمل الفرنسيون على تشجيعها لم تكن مقبولة لدى الجماعات الأخرى ، وخاصة المسلمين. وبعد إعلان استقلال لبنان كانت معظم المبادئ الطائفية في دولة لبنان الكبير بحاجة إلى تعريف واسع النطاق لكي تكون مقبولة لدى المجموعات الدينية المختلفة .

كانت هناك حاجة الى تغيير جذري في الدولة ، بحيث يخلق توازناً طائفياً تقبله كافة الطوائف في لبنان. كانت النتيجة الإعلان الرسمي للميثاق الوطني عام 1943 الذي قام باعداده رئيس جمهورية لبنان المنتخب حديثاً بشارة الخوري بالمشاركة مع رئيس الوزراء السني رياض الصلح .
ومن جملة ما نصّ عليه الميثاق هو ان يتخلى مسيحيو لبنان عن فكرة لبنان منعزل عن محيطه العربي ويقبلون لبنان كدولةً مستقلة ضمن الحظيرة العربية. كما نصّ ايضاً ان يتخلى المسلمون بدورهم عن فكرة إعادة تلك الأراضي التي الحقت بلبنان في عام 1920 إلى سورية. وأخيراً نصّ الميثاق على ان يرفض العرب الحماية الأجنبية ويتوقفون عن نشاطهم في إخضاع لبنان لسورية أو للعالم العربي. بعبارة أخرى ، وفقاً لهذا الميثاق يكون لبنان بلداً مستقلاً لكافة الشعب العربي الذي يقطنه بغض النظر عن دينهم ويكون احد الدول في مجموعة الدول العربية .
كان الميثاق ، بشكل اساسي ، حلاً وسطاً لا تغييراً راديكالياً لهيكلية لبنان الطائفية. بل ظل النظام البرلماني للبنان قائماً على تمثيل طائفي ، كما كان في زمن الانتداب. وكان على المراكز الثلاثة الرئيسية ضمن الحكومة أن توزع على النحو التالي : يكون رئيس الجمهورية مارونياً ، ورئيس البرلمان شيعياً ورئيس الوزارة سنياً. فليس من الغرابة اذن أن كان العديد من الكتّاب الموارنة أو خلافهم قد نظروا إلى الميثاق الوطني على أنه ترسيخ للطائفية التي أوجدها العثمانيون ، وأعادت السـلطات الفرنسية تثبيتها ، لكن البطريرك الماروني رحب بالميثاق ودعمه .
كان الميثاق الوطني وفقاً لميخائيل غريِّب الماروني ، جائراً ومعيباً. كما كان ترسيخه للطائفية سبباً في احتراق لبنان اليوم وانهيار دعائمه على شعبه. ويرثي غريِّب الحقيقة وهي ان الميثاق خلق فراغاً سياسياً هائلاً في لبنان حرض الفلسطينيين ومن ثم السوريين وأخيراً كل العرب على محاولة ملء هذا الفراغ . وهذا السيناريو نفسه اعيد تطبيقه في العراق بعد 2003 مما اعطى نفس النتائج لما حصل في لبنان .
كان الميثاق في الحقيقة تسوية بين فردين لا طائفتين مختلفتين في لبنان. كان علاجاً مؤقتاً لا شفاءً تاماً من مرض الطائفية التي هي مصدر الأزمة اللبنانية حالياً. هذا ما شجع القادة الدروز والشيعة بعدئذ على الجدل بأن الميثاق الوطني لعام 1943 لم يعد مجدياً .

لقد تغيرت الأمور ، وتكاثرت الطائفتين الدرزية والشيعية عدداً ومكانةً بالقدر الذي يكفي ليجعلهما تطالبان بإعادة نظرة جذرية حول مضمون الميثاق الوطني ، لا على أساس طائفي بل على أساس حكم الأغلبية. كان الميثاق الوطني ، من وجهة نظر الرابطة المارونية دلالة على الإيمان الواقعي والعملي لتاريخ الموارنة وتطلعاتهم. كان ، قبل كل شيء ، تعبيراً عن أقصى رغبة لهم في التعايش مع الطوائف غير المارونية. ويجادل بعض الموارنة بأن الميثاق قد خصّ رئاسة الجمهورية بالموارنة لأكثر الأسباب جوهرية ـ وهو أن منصب الرئاسة المرموق يشكل رمزاً للأقليات المسيحية في العالم العربي الإسلامي . ولكن قادة الموارنة الشباب كانت لديهم على الاخص ، بعد الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 ووفاة الرئيس الراحل بشير الجميل ، نظرة مختلفة بخصوص الميثاق الوطني لعام 1943. ففي آذار من عام 1977 اجتمعت مجموعة من الشخصيات اللبنانية البارزة من كل الأديان والصبغات الدينية في الكسليك لمناقشة إيجاد نظام سياسي جديد للبنان يحل محل الميثاق الوطني. وفي هذا الاجتماع أعلن بشير الجميل صراحة بأن الميثاق الوطني بدأ منذ عام 1958 بالانهيار أمام أعين اللبنانيين والعرب والعالم أجمع. وأضاف قائلاً ” إذا كان عام 1958 هو بداية إصابة صيغة الميثاق الوطني بالسرطان ، فلا بد من اعتبار عام 1975 تاريخ اعتلاله الحقيقي”. ويختتم الجميل بأنه يـرفض صيغة الميثاق قائلاً: ” لقد اشتركت شخصياً في طعنه بمديه وفي دفنه ووضع حراس على قبره بحيث لا يبعث مرة أخرى ” ….
اما البطريرك عريضة فقد سُرَّ بالميثاق الوطني لأنه أبقى الرئاسة ، وهي أعلى منصب في الحكومة ، بأيدي الموارنة. كان اهتمام البطريرك الرئيسي هو لبنان مستقل لأنه البلد الوحيد في العالم العربي الذي استطاع فيه المسيحيون وخاصة الموارنة التمتع ببعض السلطة الحكومية. وعندما التقى ممثلوا الدول العربية في الاسكندرية ووقعوا بروتوكول الاسكندرية في 7 تشرين الأول 1944 لإنشاء جامعة الدول العربية اعترض البطريرك الماروني على بعض الصياغة الواردة في البروتوكول. فقد فهم البطريرك ومستـشاروه ان دعوة البروتوكول لقيام منظمة من الدول العربية ، تعني اتحاداً كونفدرالياً يُختزل فيه لبنان ليكون أقلية لا أهمية لها وسط أغلبية عربية مسلمة بشكل ساحق. كما اعترض البطريرك ايضاً بأن صيغة بروتوكول جامعة الدول العربية ليست صيغة اتحاد كونفدرالي بل اتحاد دول عربية مستقلة .

ان اهتمام البطريرك باستقلال لبنان ككيان مسيحي كان من الشدة بحيث انه راجع بشـأنه مناشدة الأمم المتحدة التي تمَّ تأسيسها عام 1945. ويصرح الكاتب اللبناني أنيس صايغ ، في كتابه لبنان الطائفي تصريحاً يدعو الى العجب حول تصرف البطريرك عريضة. يقول أنيس صايغ أن البطريرك عريضة بمراجعته الأمم المتحدة طلب تأسيس دولة اسرائيلية في فلسطين ودولة مسيحية في لبنان. لا بل أرسل مطرانه مبارك إلى فرنسا لترويج هذا الطلب. وعندما قدمت لجنة الأمم المتحدة إلى لبنان للاستفتاء بشأن القضية الفلسطينية ، طلب المطران مبارك من اللجنة العمل على تحقيق قيام دولة اسرائيلية في فلسطين ودولة مسيحية في لبنان .
ان تصرف البطريرك هذا والذي يستند فقط إلى ما قاله أنيس صايغ ، لا يظهر سوى منتهى قلق البطريرك الذي كان جلّ همّه ان يحفظ لبنان نفسه ككيان سياسي مسيحي وحيد في الشرق الأوسط بين غالبية مسلمة. كما يظهر أيضاً أن البطريرك كان يتمتع بسلطات زمنية كبيرة وكان بمقدوره التدخل في الشؤون السياسية للبلاد .

كتب رئيس جمهورية لبنان الأسبق ، بشارة الخوري حول كيفية معارضة البطريرك عريضة على ترشيحه عضواً في البرلمان. فهو يقول أن بعض أعضاء البرلمان الموارنة ذهبوا عام 1932 إلى المقر البطريركي في بكركي طالبين من البطريرك عدم المصادقة على ترشيحه. ويتابع الخوري قائلاً أنه حاول إقناع البطريرك بأن أعضاء البرلمان هؤلاء كانوا يلعبون لعبة سياسية ضده ، إلا أن البطريرك لم يقتـنع بذلك. يُـضيف بشارة الخوري ، بأن المطران عقل غالباً ما زار مكتب المفوض السامي الفرنسي لإعلان معارضة البطريرك في ترشيح الخوري لعضوية البرلمان .
ظل البطريرك عريضة حتى آخر حياته متمسكاً بإيمانه بأن لبنان يشكل كياناً فريداً منفصلاً عن بقية العالم العربي. هذا ما تجلى في الرسالة التي كتبها قبل وفاته بشهر واحد فقط في 19 أيار 1955 ، إلى الرئيس كميل شمعون والتي تنطوي على الرأي الماروني الرسمي لما يجب أن تكون عليه السياسة الصحيحة للبنان. أوضح البطريرك في هذه الرسالة بأن لبنان له كيان فذّ في الحياة ، بتأثير ظروف سياسية وجغرافية وروحية. وأن على كميل شمعون ، كرئيس للجمهورية ، ألا يربط لبنان بتحالفات في المنطقة. كان البطريرك هنا يُـشير إلى الاتفاقية التركية العراقية لعام 1955 ، التي أضحت نواة حلف بغداد. وأخيراً اشار البطريرك بأن يبقى لبنان محايداً وألا ينزلق في الصراعات الداخلية بين الدول العربية .
تغيرت هذه السياسة الضيقة ووجهة النظر المسيحية عن لبنان الى حدّ ما بمجيء البطريرك الجديد بولس المعوشي الذي خلف البطريرك عريضة في 30 أيار 1955. تبنى البطريرك الجديد سياسة متسعة الأفق محبذاً التعاون مع جيران لبنان المسلمين. وتطبيقاً لهذه السياسة قام البطريرك المعوشي في آذار عام 1956 بزيارة حي البسطة المسلم في بيروت وقال للمسلمين الذين حيوه بأبهة كبيرة بأنهم أقرباؤه الأعزاء وأنه كان سعيداً جداً بلقائهم على مستوى القومية العربية. أكَّد البطريرك وسط هتافات المرحبين به ، الذين خاطبوه على أنه بطريرك العرب ، بأن لبنان هو للكل ـ مسلمين ومسيحيين ـ وسوف يتعاون مع جيرانه. ومما يدل على ترحيب المسلمين بالبطريرك ان مسلمي حي البسطة علّقوا الصليب والهلال في أماكن بارزة على طول الطريق التي كان البطريرك سيجتازه ، رمزاً للوحدة المسيحية ـ الإسلامية . إلا أن هذه اللفتة الجديدة من النية الحسنة تجاه المسلمين لم يشارك بها كل الكهنة الموارنة. والمقصود هنا أن البطريرك الجديد إنهمك انهماكاً شديداً في السياسة اللبنانية وخاصة في الجدل حول الإصلاح الانتخابي. فبينما تمسك الرئيس شمعون بأن مجموع أعضاء البرلمان يجب أن يكون ستة وستين نائباً ، فكر البطريرك بأن عدد ثمانية وثمانين نائباً هو أكثر ملاءمة وأصدق تمثيلاً للبنان. وقد هتف المسلمون والمسيحيون للبطريرك على هذا الاقتراح .
وزاد إنهماك البطـريرك بشكل أكبر في السـياسة في السنة التالية 1957 ، عندما قبل لبنان مبدأ ايزنهاور الذي قدم المساعدة الاقتصادية والعسكرية لبلدان الشرق الأوسط التي طلبتها. في هذه الآونة قام المسلمون والدروز ، وبعض رجالهم ومنهم صائب سلام وكمال جنبلاط وغيرهم بتشكيل الجبهة القومية المتحدة لمضادة كميل شمعون والتي ضمت ايضاً شيوعيين وبعثيين وأعضاء من كتلة بشارة الخوري الدستورية. وفي 30 أيار من عام 1957 ، خرجت مظاهرة يقودها صائب سلام ضد كميل شمعون وضد قبوله لمبدأ ايزنهاور أصيب خلالها صائب سلام بجراح . واعتبر البطريرك المعوشي الحكومة مسؤولة عن الإصابة التي ألمت بصائب سلام . ويُـقال أن صائب سلام زار البطريرك في بكركي حيث بارك البطريرك جراحه .
وفي هذه الآونة وصلت موجة مد القومية العربية ، التي قادها الرئيس عبدالناصر منذ عام 1954 أوجاً جديداً باتحاد مصر مع سورية وتشكيل الجمهورية العربية المتحدة عام 1958. فقد اعتبر العديد من القوميين العرب هذه الوحدة بداية حلم طالما داعبهم بالوحدة العربية ، أما بالنسبة للبنان فقد تلقى كميل شمعون ومؤيدوه المناداة بالجمهورية العربية المتحدة بكثير من الخوف والقلق لإعتقادهم بأن الوحدة العربية ستعرض استقلال لبنان في النهاية الى الخطر .
حاول البطريرك بولس المعوشي تبني سبيلاً اكثر انفتاحاً وتعاوناً مع الوحدة العربية مما حمل الرئيس عبدالناصر على مدح البطريرك لموقفه من الوحدة العربية. أوضح الرئيس عبدالناصر أنه كان على استعداد لدعم الوحدة الوطنية في لبنان وتقاليده وعاداته ولكن البعض فسروا موقف البطريرك بكونه محاولة لكسب أكبر شعبية في العالم العربي والظهور بمظهر الصديق للقوميين. ربما كان البطريرك من الرأي القائل بأن مصالح لبنان كانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح الدول العربية..

ذعر القادة الموارنة ، وخاصة بيير الجميل ، رئيس الكتائب من علاقات البطريرك مع عبدالناصر فاعلن في رسالة مطولة وجهها إلى البطريرك عن خوفه من أن يكون البطريرك قد رضخ لضغوط المؤيدين لاتحاد لبنان بالجمهورية العربية المتحدة. وجلب الجميل انتباه البطريرك بأن منصبه ومركزه يمثلان جوهر التاريخ اللبناني وبأن لدى الموارنة منتهى الإيمان ببطريركهم كوصي على التقاليد اللبنانية والاستقلال اللبناني. لذا ، ناشد الجميّل البطريرك بإعلان موقفه صراحة حول الشائعات المتداولة بأن لبنان سينضم إلى الجمهورية العربية المتحدة .
في هذه الأثناء سرت الشائعات بأن المجلس الماروني الأعلى قد اجتمع ووجّه رسالة إلى البابا بيوس الثاني عشر يحتج فيها على آراء البطريرك ونشاطه السياسي وفي 4 آذار 1957 ، اجتمع بيير الجميل على رأس وفد ، بالبطريرك لمعرفة الحقيقة عن موقف البطريرك. ولكي يطمأن الوفد صرّح البطريرك بأن بكركي هي فوق سياسات الأحزاب والاعتبارات الشخصية. وأضاف أنه يؤمن دون قيد أو شرط بسيادة لبنان وحريته لأن لبنان كبلد حر ذي سيادة يستطيع ان يقدم احسن خدمة للبلدان العربية. كما أكَّد البطريرك للوفد أن لبنان لن ينضم إلى أي اتحاد أو يصبح تابعاً لأية دولة في المنطقة .
واستمر تدخل البطريرك بالسياسة في قضية إعادة انتخاب الرئيس شمعون. ان الدستور اللبناني ينص على انتخاب رئيس الجمهورية لمدة واحدة فقط ولكن يبدو أن شمعون كان يحاول تعديل الدستور لتعبيد الطريق لإعادة انتخابه. ولما كان البطريرك ضد أي تعديل للدستور ، فان موقفه يعني بأنه كان يعارض إعادة انتخاب شمعون. ربما كان البطريرك يعتقد أن مارونياً آخر ، غير شمعون ، سيكون افضل لخدمة مصالح الطائفة المارونية .
وهكذا بدأ الصراع بين البطريرك وشمعون حول قضية الانتخاب ، واشتدت حدّة التوتر عندما أنشأت الحكومة ميليشيا من المواطنين اعتبرتها الجماعات المناوئة لشـمعون بأنها غطاء تستخدمه الحكومة لتعزيز موقف شمعون ومؤيديه. لكن البطـريرك كان مصراً على إدانته لإنشاء الميليشيات . وهناك بعض الأدلة بأن البطريرك حاول إقناع القائد العام للجيش ، فؤاد شهاب ، للحصول على منصب رئاسة الجمهورية إلا أن شهاب رفض ذلك. وبينما كانت معركة الانتخابات جارية في لبنان نشط الناصريون جداً في محاولتهم إزاحة شمعون عن كرسي الرئاسة وإعادة انتخاب رئيس جمهورية ناصري ..
وهنا اخذ الناصريون وكذلك السلاح بالتسرب إلى لبنان ، مما حدا بمجلس الأمن في الأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار في 11 حزيران 1958 ، بإرسال فريق لإغلاق حدود لبنان مع الجمهورية العربية المتحدة. وفي غضون ذلك تولّد لدى الرئيس شمعون الانطباع بأن أزمة لبنان كانت مدفوعة من الخارج للتدخل في شؤون لبنان ، وخاصة من رئيس مصر عبدالناصر الذي كانت له اليد الطولى في هذا التدخل. غير ان التغيير السياسي العراقي الذي حصل في 14 تموز 1958 سبب صدمة للحكومة اللبنانية ، وخاصة لشمعون ، الذي ظنَّ بأن حكومته قد تسقطها قوى إسلامية خارجية. وكإجراء فوري لحماية حكومته وحماية لبنان طلب شمعون من حكومة الولايات المتحدة وفق شروط مبدأ ايزنهاور التدخل في لبنان لمساعدته..
استجابت الولايات المتحدة فأرسلت قوة بحرية إلى لبنان انزلت في بيروت عام 1958. وأخيراً جرى الانتخاب وفاز فؤاد شهاب الذي سانده البطريرك برئاسة الجمهورية. وخلال الأسابيع التي تلت انتخاب شهاب ثارت مناقشة حامية حول وضع لبنان بعد انسحاب القوات البحرية الاميريكية، ومن سيحمي لبنان؟
كان هناك اقتراح بتدويل لبنان الذي قد يستوجب وضع قوات أجنبية في لبنان للحفاظ على كيانه. وطرح اقتراح آخر مفاده أن يكون لبنان بلداً محايداً على النمط السويسري. كما ان البطريرك المعوشي طالب بحياد لبنان بالاتفاق مع الدول العربية .
المقصود هنا أن البطريرك ظل يتدخل في شؤون لبنان ويتكلم باسم لبنان كما لو كان رئيس الجمهورية. مثلاً عندما زار البطريرك الولايات المتحدة ، في أيلول عام 1962 ناقش مع الرئيس كيندي وضع لبنان ومصيره وأبدى اهتماماً كبيراً بتحقيق الجامعة اللبنانية في العالم. وفي غضون الخلوة الروحية في أيار 1963 ، وبينما كان الناس ينتـظرون ان يصدر البطريرك بعض الإرشادات الروحية طفق يتحدث عن استقلال لبنان ” الذي تعتبره البطريركية وديعتها بدلاً عن ذلك “.
وفي 8 أيار 1963 ، كتب الكاتب اللبناني يوسف الخال في جريدة بيروت اليومية النهار انه مع كل احترامه للبطريرك وإيمانه بحكمته الدينية يفتقد بأن بيان البطريرك بشأن استقلال لبنان لم يكن ضرورياً أو مفيداً .

وبينما كان البطريرك المعوشي يتكلم عن كل قضية سياسية تقريباً في لبنان ، حاول خلفه البطريرك أنطونيوس خريش ، إدراكاً منه للضرر الذي سببه سلفه أن يبقى بعيداً عن السياسة. كانت الأمور قد تغيرت في لبنان منذ الخمسينات ، وكان على البطريرك الجديد الذي تولى مقام منصبه عام 1975 ان يعالج المشاكل التي كانت إما هاجعة أو في طور الظهور في عهد سلفه بمزيد من الحكمة. ربما كانت المشكلة الرئيسة هي إقحام لبنان في حرب أهلية. كان البطريرك قبل المناداة بالميثاق الوطني لعام 1943 الرجل الفذ الذي يستطيع التكلم باسم الطائفة المارونية وحماية المصالح المارونية. ولكن بعد عام 1943 عندما اصبح رئيس الجمهورية مارونياً ، واصبح بمقدوره ومقدور رجال دولة موارنة علمانيين آخرين التكلم لمصلحة الطائفة المارونية.
وهذا لا يعني بأن الميثاق الوطني قضى على مكانة البطريرك كناطق باسم شعبه؛ بل جعل مكانته ثانوية بالنسبة لمكانة رئيس الجمهورية في المسائل المدنية. وليس أدل على كراهية البطريرك خريش للسياسة كالبيان الذي أدلى به لمندوبي مجلة الصياد نقولا صيقلي وفؤاد دعبول ومنير نجار ومريم أبو جودة وفوتين مهنا الذين اجتمعوا معه زهاء ثلاث ساعات ونصف. قال البطريرك للموفدين :
إنني رئيس كنيسة لا رئيس طائفة. لذا يجب ألا يفرض أحد رأيه على البطريرك. ليس هناك من حل (لمشاكل لبنان) إلا بالعلمنة أو العودة إلى الميثاق الوطني بعد تطهيره من الممارسات الخاطئة. إن من مصلحة المسلمين في العالم وفي لبنان خاصة أن يبقى لبنان كما كان .
تابع البطريرك قائلاً: ” في الماضي كان الموارنة بمفردهم وكان البطريرك كل شيء. ولكن عندما صارت لنا جمهوريتنا الخاصة عام 1943 ، تغيرت مهمة البطريرك ودوره “…..

يبدو ان البطريرك كان يشـير الى الحـرب الأهلية (1975ــــــ 1976) وهجوم إسرائيل واحتلال جنوب لبنان عام 1978. فقد كانت الحرب الأهلية ذروة المأساة اللبنانية الحالية لا سبباً لها. ويرجع البعض سبب الحرب إلى الطبيعة الطائفية للمجتمع اللبناني وانقسامه إلى ما لا يقل عن سبع عشرة طائفة رسمية تعترف بها الدولة ولكل منها الحق بتطبيق قانونها الديني للأحوال الشخصية في المحاكم الروحية. وبناء على هذه الطائفية المذهبية لم يكن يسمح لأية طائفة الهيمنة على الأخرى ، بل تمّ توزيع المراكز والامتيـازات الحكومية وفقاً لصيغة الميثاق الوطني لعام 1943 .
يعزو آخرون أسباب المأساة إلى نشوء القومية العربية في الخمسينات في عهد الرئيس جمال عبدالناصر كما ينسبها آخرون ايضاً إلى تهجير إسرائيل الفلسطينيين وخلق مشكلة اللاجئين التي عانى لبنان الكثير بسببها.

إن ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً باللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو اتفاقية القاهرة لعام 1969 ، التي تبعتها اتفاقية مماثلة وهي اتفاقية ملكارت في 15ــــ 17 أيار 1973 ، التي تُعتبر على حد تعبير عضو البرلمان اللبناني ريمون أده ” المصيبة التي نزلت حقاً بمسيحيي لبنان لا بل بكل لبنان ” . وقد تمَّ التـفاوض بشأن هذه الاتفاقية في القاهرة بين وفد لبناني يرأسه اللواء أميل البستاني ووفد فلسطيني يرأسه ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بحضور ممثلين عن الجمهورية العربية المتحدة. وأعطى المندوبون الذين اجتمعوا في 3 تشرين الثاني 1969 ، الحق للفلسطينيين ، بالتعاون مع السلطات المحلية ، بتسليح أنفسهم للإبقاء على الثورة الفلسطينية حية بواسطة النضال المسلح ولكن دون خرق سلامة لبنان وسيادته . بعبارة أخرى ، اعترفت اتفاقية القاهرة لعام 1969 بوضع الفلسطينيين في لبنان ككيان عسكري منفصل عن الكيان اللبناني لغرض القيام بالنضال المسلح ضد إسرائيل. إن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الاتفاقية صادق عليها كميل شمعون وبيير الجميل ، وخاصة الأخير الذي سيصبح العدو اللدود للفلسطينيين ….

أخذ الفلسطينيون بتشجيع هذه الاتفاقية لكي يحصلوا على السلاح وخزنه في تل الزعتر في وسط بيروت دون أن يعلموا السلطات اللبنانية بذلك. وبحلول عام 1975 أصبح تل الزعتر ترسانة عامرة بالأسلحة التي كان بمقدور الفلسطينيين استعمالها لا ضد إسرائيل فحسب بل ضد حكومة لبنانية ضعيفة لم يكن لديها سوى قوة عسكرية رمزية. اعتقد الفلسطينيون ، باستغلالهم ضعف الحكومة اللبنانية وربما بتشجيع من بعض الدول العربية ، أن باستطاعتهم الاستيلاء على لبنان وتحويله إلى قاعدة فلسطينية يستطيعون منها قتال إسرائيل. في الحقيقة ان هذا الحلم راود الفلسطينيين منذ أن فقدوا سلطتهم في الأردن ، حين قام الملك حسين في أيلول الأسود 1970 بقتل زهاء عُشر الفلسطينيين تقريباً الذين كانوا قد تحولوا بقوتهم ضده وتصرفوا كدولة ضمن دولة. وبعد أن فقد الفلسطينيون موقعهم في الأردن ، تحولوا الى لبنان الذي أصبح الأرض الوحيدة المناسبة لعملياتهم. ومما زاد من حدة التوتر بين الفلسطينيين والحكومة اللبنانية هو ازدياد الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان في عام 1971 و 1972 وقصف مخيم الفلسطينيين ، والانتـقام المحدود من جانب الفلسطينيين. لكن التوتر استمر في التصاعد حتى 12 نيسان 1975 عندما اعتقد الفلسطينيون أن الوقت قد حان لكي يحوزوا السلطة في لبنان.

شرارة الحرب الأهلية//
في ذلك اليوم ، وكان يوم أحد ، حضر بيير الجميل ، رئيس حزب الكتائب الماروني احتفالاً دينياً لتقديس كنيسة مارونية جديدة في عين الرمانة في بيروت الشرقية. وما أن غادر مبنى الكنيسة مع حارسه حتى بدت على الفور سيارة تحمل رجالاً فلسطينين وفتحت النار. وقتل ثلاثة أشخاص منهم مرافق الجميل الخاص. وفي نفس الوقت اطلق الكتائبيون النار على حافلة وصلت على الفور تحمل ثلاثين فلسطينياً مسلحاً ، وقتلوا سائر ركابها. وهكذا بدأت الحرب الأهلية .
سعى كمال جنبلاط القائد الدرزي للحزب التقدمي الاشتراكي إلى معاقبة الكتائبيين بإقصائهم عن الحكومة كما أمر الجميل وزيريه في حكومة رشيد الصلح بالاستقالة ، إلا أن الوزراء الآخرين الموجودين في الوزارة ، وخاصة الوزير الدرزي مجيد أرسلان ، عارضوا جنبلاط بشدة .

أعلن البطريرك خريش صراحة أن إقصاء الكتائبيين عن الحكومة كان أمراً لن تقبله الكنيسة . ومن ثم بقي الوزراء الكتائبيون في الوزارة. ولكن الجميل وجد نفسه يحارب نفس الأشخاص الذين كان قد دعمهم بالتصديق على اتفاقية القاهرة التي سمحت لهم بتسليح أنفسهم. ومع أن البطريرك أراد من الوزيرين الكتائبيين المارونيين البقاء في الحكومة ، إلا أنه لم يفعل ذلك من موقف متّسم بالقوة بل كان يعبر بالأحرى عن وجهة نظره الخاصة. لان السلطة الدينية كانت في أيدي سلك الرهبنة المارونية ورئيسها الآباتي شربل قسيس ، الذي أضحى بمثابة القلب والروح لحزب الكتائب .
كان الاب شربل قسيس هو الرئيس غير الرسمي للكتائبيين والذي صاغ بعض بياناتهم الرسمية المتطرفة لأجل وجود لبنان يتمتع بالسيادة. وبرهاناً على دعمهم للكتائبيين الموارنة ضد الجماعات غير المسيحية ، هرع هؤلاء الرهبان إلى اتخاذ مواقع حول أديرتهم رافعين أثوابهم الكهنوتية فوق ركبهم وحاملين بنادق الكلاشينكوف في أيديهم ( هذا ما يدل على أن البطريرك لم يعد قادراً على التكلم لصالح الطائفة المارونية حول المسائل السياسية) …

قام كتّاب آخرون بكتابة تاريخ لبنان منذ عام 1975 وحتى الوقت الحالي بحثه ولا حاجة الى اعادته هنا. بل يكفي إعطاء صورة سريعة عن الأحداث في لبنان المتعلقة بموقف الكنيسة المارونية والطائفة المارونية على ضوء هذه الأحداث .

في عام 1976 داهم الكتائبيون تل الزعتر تساعدهم جماعات مسيحية أخرى. ومع أن الفلسطينيين فقدوا ترسانتهم وعدداً كبيراً من الضحايا إلا أن الحرب الأهلية لم تقصم ظهورهم. فقد أعادوا تكتيل أنفسهم ونقلوا قواهم الى الجنوب لقصف الأجزاء الشمالية من إسرائيل بالقنابل. وفي عام 1976 قررت جامعة الدول العربية إرسال قوة عربية رادعة إلى لبنان قامت الدول العربية المنتجة للنفط بتقديم العون المالي لها ، وخاصة المملكة العربية السعودية والكويت. وكانت سورية هي إحدى الدول العربية التي اشتركت في هذه القوة .
كانت سورية ، من بين كل البلاد العربية ، قلقة جداً بخصوص الوضع في لبنان لأسباب سياسية واقتصادية. وبما أن سورية هي جارة لبنان فقد كان بمقدورها ان تلعب دور كبيراً في الشؤون الداخلية للبنان. وقد اتاح لها الكتائبيون الفرصة عندما طلبوا منها عام 1976 مساعدتهم ضد الفلسطينيين. وهكذا دخلت القوات السورية لبنان .

بدأ الصدام عندما قامت إحدى الفـرق الفدائية بالخطف وقطع الطرقات وأدّى هذا إلى قتل عشرات المسلمين والمسيحيين بمجرد إنتمائهم الديني المدوّن على بطاقة الهوية الخاصة بهم . قاد هذا الصراع الدامي إلى العداء الديني فدُنِست مساجد وكنائس وخلقت أجواء استغلت بسهولة من المتطرفين عند كلا الطرفين في داخل لبنان وخارجه .
تحدث رجال الدين ابان خطبة الجمعة في دمشق على العمل لنجدة إخوانهم المسلمين اللبنانيين ، مما أضاف صدى الشعور الطائفي التي كانت الحكومة السورية تتحسس منه . أدى هذا النزاع إلى تحريك الشعور الطائفي في مصر ، فنشرت إحدى الصحف في القاهرة صورة أحد أفراد حزب الكتائب اللبنانية ، حاملا صليباً ضخماً على صدره ، يحرس صفاً من السجناء المسلمين مصفوفين تجاه الحائط ، قادت بعد يومين من نشرها وتوزيعها إلى تعكير العلاقات ما بين المسلمين والأقباط المسيحيين.

تابعت السلطات الإسرائيلية صراخ الاضطهاد المسيحي في لبنان بشكل رسمي وأشار وزير خارجيتها إلى أن مضـايقة المسيحيين تمّث على يد “الأكثرية الإسلامية المتعصّبة” وعبرّ عن دهشته على صمت “العالم المسيحي” إزاء ذلك !.

وفي 15 آذار 1978 ، أغارت إسرائيل على حدود لبنان الشمالية لصد الفلسطينيين. وتكرر الاجتياح في حزيران 1982 عندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت واضطر القادة الفلسطينيون مغادرة لبنان واللجوء إلى تونس. وفي 6 آذار 1985 أبلغ رئيس الوزارة الإسرائيلي شمعون بيريز صحيفة لوموند بأن بيير الجميل وابنه بشير الجميل طلبا المساعدة من إسرائيل بهيئة أسلحة وتمويل ، فسارعت إسرائيل لمساعدة الكتائب. وكانت إحدى نتائج هذا الاجتياح مذبحة الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين. ولكن يجب الا ننسى بأن الفلسطينيين كانوا مسؤولين عن مذابح مماثلة لكهنة ومدنيين مسيحيين أبرياء في الدامور وفي قرى جنوبية أخرى من لبنان. وإذا كانت إسرائيل قد أنزلت الدمار بلبنان بسبب اجتياحه في عام 1978 وثانية في عام 1982 ، فإن سورية وبعض الدول العربية لم تكن أقل مسؤولية عن دمار لبنان بتزويدها الفلسطينيين ومجموعات لبنانية أخرى بالسلاح والمال ..
عندما اجتاح الإسرائيليون لبنان عام 1982 كانوا على ثـقة بأن بشير الجميل ، حليفهم ، سيكون راغباً جداً في توقيع اتفاقية تعترف بإسرائيل. بل كل ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغين يتوقعه في صيف 1982 هو إما ان تكون هناك حكومة مركزية قوية في لبنان صديقة لإسرائيل أو على الاقل اتفاقية سلام يوقعها كلا البلدين. لكن بشير الجميل تردد في توقيع اتفاقية مع إسرائيل لأنها في نظره كانت جزءاً فقط من حل شامل في الشرق الأوسط. وفي 14 أيلول 1982 ، قُـتل بشير الجميل عندما ألقيت قنبلة داخل مركز القيادة الرئيسي لحزب الكتائب في الأشرفية وخلفه أخوه أمين كرئيس جديد للبنان ..
كان أمين الجميل هو اختيار إسرائيل فقد انتخب في ثكنة للجيش بدعم من وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون. ولهذا وقع أمين ، وهو الأكثر عزماً ولكن الاقل اندفاعاً من أخيه في معالجة الشؤون السياسية ، اتفاقية مع إسرائيل في 17 أيار 1983 وأعلن دون وجل من رد فعل سوري أو عربي على هذه الاتفاقية قائلاً بأنه سوف ” يرد القنابل السورية صوب دمشق ” . لكن موقفه تغير بعدئذ. وتحت ضغط أو إقناع الرئيس السوري حافظ الأسد ، نقض امين الجميل اتفاقية 17 أيار مع إسرائيل بعد ثلاثة أشهر وكاد أن يصبح ألعوبة بيد السوريين. واثار الغاء الاتفاقية مع إسرائيل استياء الولايات المتحدة التي تخلت على ما يبدو عن أمين الجميل.
أصبح الموارنة في عهد آل الجميل أكثر ضعفاً مما كانوا عليه من قبل؛ لا بل نجدهم يسيطرون على جزء يحتلون من لبنان أصغر مما كانوا يشغلونه سابقاً .
إن مركز أمين الجميل قلق جداً ، ولبنان هو دولة أقل قدرة على الحياة. وربما كانت أكثر الضربات الموجعة لأمين الجميل ، من وجهة النظر المارونية ، هي المصالحة القريبة العهد بين سليمان فرنجية رئيس جمهورية لبنان الماروني الأسبق وايلي حبيقة قائد القوى اللبنانية التي أسسها بشير الجميل في ربيع 1976 لتنظيم المجهود الحربي المسيحي في لبنان ..

في 13 حزيران 1978 هاجمت مجموعة من القوى اللبنانية قصر الرئيس فرنجية في أهدن وقتلت بهدوء أعصاب ابن الرئيس طوني الذي كان عضواً في البرلمان وزوجته فيرا وابنتيهما والخادمة وكلبهم. وبالرغم من أن بشير الجميّل أقسم بأن لا علم له بأن طوني وزوجته كانا داخل القصر إلا أن أعذاره لم تـقنع اللبنانيين . وفي يوم الخميس الواقع في 8 آب 1985 ، دفن سليمان فرنجية وايلي حبيقة أحقادهما بمعانقة أحدهما الآخر. وبعد أربع وعشرين ساعة فقط من هذه المصالحة ، والتي أعادت على ما يُزعم الوحدة بين الخصمين المسيحيين ، طالب الرئيس فرنجية بتنحية أمين الجميل ، دالاً بذلك على الصدع العريض بين صفوف الموارنة والقـادة المـوارنة في لبنـان . كما يـدل هذا على أن الجبهة المسـيحية والجبهة الإسـلامية أيضاً رفضتا الرئيس الحالي للبنان ..

مازال لبنان اليوم يعاني من الطائفية أكثر مما عاناه في الأجيال الماضية.
إن التوزيع الحالي للطوائف الدينية الرئيسة ، أي المسيحيين ، والموارنة بشكل أساسي ، والمسلمين من سنة وشيعة والدروز كل في منطقته ، يدل على وجود التقسيم الفعلي للبنان. فبيروت ، العاصمة ، يقسمها خط أخضر إلى بيروت غربية مسلمة وبيروت شرقية مسيحية. والاكثر من هذا ان الحكومة المركزية فقدت سلطتها على معظم البلاد بل هي موجودة بالاسم فقط. ومما زاد في ارتباك هذا الوضع المشوش وجود السوريين في شرق لبنان والإسرائيليين في جنوبه. وهكذا اصبح هذا البلد الذي كان يوماً بلداً جميلاً ، يُوصف بأنه “سويسرا الشرق” كومة من ركام .

يؤمن الرهبان الموارنة أن لبنان هو مجتمع مذهبي ذو صفة مسيحية بشكل أساسي أي ان صبغته مسيحية مارونية. فهو مزيج من ثـقافات متعددة أبرزها المارونية. لهذا السبب نرى الرهبان يوافقون على الميثاق الوطني لعام 1943 بكونه الوثيقة التي تعكس الهيكلية البانورامية للمجتمع اللبناني. ولهذا أصروا على أن تكون لرئيس لبنان الماروني سلطة واسعة لحماية الطائفة المارونية. وإلا فإن مارونية الرئيس دون سلطة واسعة لا معنى لها كما يعتقدون .

يؤمن موارنة لبنان اليوم بأن لبنان هو بلد مسيحي للمسيحيين. إنه وطنهم وهم يرفضون كمسيحيين العيش في أي مفهوم ” للذمة ” ، أي مسيحيين تحت حماية الإسلام. لقد استمروا وسيستمرون في الشهادة لمسيحيتهم في الشرق الأوسط. وهم يرغبون في الاحتفال بطقوسهم وتقاليدهم متى شاءوا. وعلى حد تعبير رئيس لبنان الراحل ، بشير الجميل ” لبنان هو وطننا وسيبقى وطناً للمسيحيين… نريد الاستمرار في التعميد وفي الاحتفال بطقوسنا وتقاليدنا ، بإيماننا وعقيدتنا متى شئنا… نحن نرفض العيش تحت أي مفهوم ” للذمة ” ….

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

الأجنة

homismenyouكل مولود كان جنينا. ولكل مولود جذور وبذور. هذه الظواهر التي نراها ليست أشباحا في روايات الأطفال وأفلام «ديزني»؛ من هم، ولماذا هم كذلك؟ لقد أثبتت تونس، وبأكثريتها، أنها صاحبة أهم تربية مدنية في العالم العربي. لكن من يُشكّل أكثرية الذين يقاتلون في مستنقعات السبي والأعناق والدماء؟ تونسيون. ومن يشكّل أكبر نسبة في «جهاد النكاح بين الموصل والرقة؟» تونسيات. كيف يمكن هذا العبث؟

هذا ليس عبثا. هذه حقيقة قديمة وبسيطة مبسطة: الناس ما تُعلّم. عندما تقرأ سيرة متوفى، ترى في كلّ سيرة أنها تبدأ في المنشأ؛ ما هو محيطه وبمن تأثر. لكن ماذا عن بيل كلينتون الذي وُلد في عائلة مضطربة وانتهى رئيسا لأميركا؟! ألوف الذين ولدوا في مجتمعات مماثلة انتهوا مشرّدين. أما هو فتلقفه الجانب الصحي من المجتمع.
هو، والنماذج الصارخة مثله، تلقفتها «المؤسسة»، أي مجموعة الأسوياء الذين يشكّلون حاضر الأمم ومستقبلها. هؤلاء يعملون بموجب ضوابط والتزامات وقواعد طبيعية. لكن هناك مئات تنمو في غفلة عن الصحيح. حتى بعض أبناء العائلات العاقلة يجتذبهم، في أعمار معيّنة، جنون الخطأ وسوآت الغرور. حتى في مجتمع كفي اقتصاديا، مثل المجتمع الأميركي، تلتحق الناس بأصحاب دعوات مجنونة. الرجل الذي أحرق معه نحو 300 من أتباعه في تكساس كان ميكانيكيا، مثل المصري الذي حاول أن يقتل نجيب محفوظ لأن الغرب منحه «نوبل» الآداب. هذا لا يعني أن كل ميكانيكي يعتبر نفسه إلها، ولكن كل جاهل يعتبر سواه قتيلا؛ الحياة لا تليق إلا به. والإيمان هو ما يتخيّله. وكل آخر عدو يستحق الموت دون سؤال أو محاكمة. إنه محكوم منذ الولادة بالموت، مثلما هو القاتل محكوم منذ الولادة بالجهل والجريمة.
تحيل المجتمعات كل جريمة فردية شاذة على الدراسة لكي لا تتحول إلى وباء. ظلت بريطانيا تدرس ظاهرة «جاك السفاح» قاتل المومسات منذ 1888 حتى اليوم. الغاية هي منع ظهور نسخة أخرى.
ما صورة المتطرف العربي؟ ما الأبحاث التي درست ملامحه؟ من أي حاضنة جاء؟ ماذا فعلت المؤسسات المجتمعية المسؤولة لكي تثنيه عن بلوغ مرحلة «يعدم» فيها 500 شخص من عشيرة واحدة في يوم واحد؟ من أعطاه الحق في إعدام البشر وسجنهم وتجويعهم وتعذيبهم؟
آه، إنه يقلّد الدول التي نشأ في ظلها. يقلد عدوه، كما قال ابن خلدون، أول وآخر باحث اجتماعي عربي. ولدنا جميعا في مناخات عنفية قمعية تعلّم فيها أطفالنا وشبابنا أن كل من استولى على السلطة «خليفة» يسن قوانينه ويتملك الأرض والبشر والأفئدة والعقول والمصير. وللناس حق واحد: أن يصمتوا أو يهتفوا له. من البطالة والفقر والجهل والنقمة، يولد هذا الحد من اللاإنسانية. ومن صمت المؤسسات وتغافلها وإهمالها. نحن لم نعد نلتزم القيم الأخلاقية. القيمة الأخلاقية الكبرى في التراحم، بكل مستوياته ومعانيه.

نقلا عن الشرق الاوسط

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

هل من خطة لإنقاذ سوريا؟

sinkingpassportفي ظل مطاردة جماعات المعارضة «المعتدلة»، المدعومة من جانب الولايات المتحدة، في شمال سوريا، تقترح مجموعة وساطة أوروبية استراتيجية بديلة لوقف إطلاق النار محليا والتخفيف التدريجي من تصاعد أعمال العنف في دولة لا مركزية في المستقبل. وحسب ما ورد بالتقرير الذي أعدته مجموعة الوساطة التي يمولها أكثر من 10 حكومات أوروبية وآسيوية، فإن «الحل على المدى القصير لا يكمن في تشكيل حكومة انتقالية ولا في تقاسم للسلطة، بل في تجميد الحرب وفقا لما هي عليه الآن، والإقرار بأن سوريا أصبحت دولة لا مركزية في فوهة البندقية». ويحث التقرير على أن وقف إطلاق النار يجب أن يليه إجراء انتخابات محلية تقود إلى انتخابات وطنية في نهاية المطاف. ويرى التقرير أن «وقف إطلاق النار سيسمح بالتحرك نحو إيجاد حل سلمي وإجراء عملية انتقال سياسي من خلال التفاوض». كما أن هذا من شأنه أن يعزز من موقف المعارضة المعتدلة المحاصرة التي تحارب ضد الرئيس الأسد. كما يقول التقرير إن النظام «يعلم أنه لا يمكنه استعادة كل أجزاء البلاد أو الرجوع بالزمن إلى الوراء».

وقد أجرت مجموعة الوساطة الأوروبية عملا ميدانيا موسعا في سوريا؛ حيث أجرت مقابلات مع كبار مسؤولي النظام، وقادة المعارضة المعتدلين، وعناصر من الجماعات المتطرفة، مثل «جبهة النصرة» وتنظيم داعش. جاء التقرير في الوقت الذي طرد فيه الثوار المعتدلون بالجيش السوري الحر من معاقلهم في شمال سوريا. ولم تنجح مناشدة الثوار المعتدلين للولايات المتحدة من أجل تقديم المساعدة للحيلولة دون وقوع هذه الخسائر.
مناشدة الجيش السوري الحر للقادة الأميركيين من أجل تقديم المساعدة تبعث على الأسى عند قراءة محتواها: «إننا نواجه صعوبات كبيرة في مواجهة مقاتلي (جبهة النصرة) في إدلب… إننا بحاجة ماسة إلى الدعم الجوي». وفي الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) قال: «المعنويات منخفضة… من شأن الدعم الجوي أن يعمل على درء وقوع كارثة».
وتشير هذه الانتكاسات الأخيرة إلى أنه من دون الدعم الذي ما زالت إدارة أوباما غير مستعدة لتقديمه حتى الآن، تعد الاستراتيجية الأميركية التي تدعم المعتدلين من أجل إلحاق الهزيمة بالمتشددين «مجرد خيال»، على حد وصف التقرير. وربما تعد الخطة البديلة التي يقدمها التقرير لوقف إطلاق النار غير واقعية أيضا، ولكنها قد تساهم في تقليل أعمال العنف.
وقد حظيت محاولات التوصل لـ«مصالحة» محلية، في العام الماضي، بدرجات متفاوتة من النجاح في حمص ودمشق. ويضرب التقرير المثل بمنطقة التل الواقعة بالقرب من دمشق، قائلا: «ساد بها اتفاق غير رسمي لفترة طويلة غاب بموجبه النظام والقوات الأمنية التابعة له عن المدينة، وأصبحت تدير شؤونها بنفسها بشكل فعال من خلال قوات الأمن الداخلية الخاصة بها، وطالما أنه لم يقم الثوار بشن هجماتهم من تلك المدينة، فبالتالي لن يقوم النظام بالرد». وحسب ما أفاد به أحد كبار المسؤولين بالنظام للقائمين على التقرير: «الحل الوحيد هو إجراء مصالحات محلية». وأضاف: «يجب إعادة الدولة السورية كلها، ويتعين أن يكون هناك احترام لحقوق وكرامة الجميع، بمن فيهم الثوار، مقابل احترامهم للدولة ومؤسساتها».
تكمن المعضلة الكبيرة في توصيات المجموعة في أن الثوار ربما يعتبرون هذا النهج استسلاما. كما أن الأسد أصبح بمثابة نقطة جذب للمتشددين، وطالما أنه لا يزال في السلطة، فمن الصعب أن نتصور أن ينظر الثوار إلى أي شكل من أشكال المصالحة أكثر من كونه مجرد هدنة مؤقتة.
وحسب ما ذكرته مجموعة الوساطة الأوروبية: «هناك مسار متاح يمكن بموجبه الخروج من ذلك الجحيم». فإذا كانت إدارة الرئيس أوباما لديها استراتيجية بديلة متماسكة، دعونا نستمع إليها.
* خدمة «واشنطن بوست»
نقلا عن الشرق الاوسط

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment