DNA 03/12/2014- كيف يحرر العسكريون المخطوفون؟

DNA 03/12/2014- كيف يحرر العسكريون المخطوفون؟
proudlebaness

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

فيديو الناشط الحقوفي احمد حرقان داعش هي تجسيد لافعال الرسول

فيديو الناشط الحقوفي احمد حرقان داعش هي تجسيد لافعال الرسول
Egyptian Human Rights Activist Ahmad Harqan: ISIS Is Doing what the Prophet Muhammad Did
sheikhsaadmolhed

Posted in English, ربيع سوريا, يوتيوب | 1 Comment

فيديو قائد الجماعة الإسلامية حمل السلاح شرعا ضد السيسي وارهاب الدولة

فيديو قائد الجماعة الإسلامية حمل السلاح شرعا ضد السيسي وارهاب الدولة
Al-Gama’a Al-Islamiyya Leader Refai Taha Calls for Armed Struggle against Egyptian President Al-Sisi
basharaksisi

Posted in English, ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

فيديو المالكي داعش هي صنيعة الوهابية السعودية التي تكفر الجميع

فيديو المالكي داعش هي صنيعة الوهابية السعودية التي تكفر الجميع
Iraqi Vice President and Former PM Nouri Al-Maliki Blames Saudi Arabia for the Rise of ISIS
malki (2)

Posted in English, ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

جرّاح تجميل

aziznisinجرّاح تجميل
للكاتب التركي الساخر عزيز نسين
تعريب عادل حبه

عزيز نسين
في أحد الأيام توجه أحد المواطنين إلى عيادة جراحة التجميل، وطلب من الطبيب أن يقوم بعملية تجميل لوجهه، على أن يكون أحد نصفيه مبتسماً على الدوام، والنصف الآخر في حالة بكاء شديد. سأله الطبيب عن السر وراء هذا الطلب العجيب؟؟. عندها بادر المراجع إلى رواية قصته.
في يوم من الأيام ذهبت إلى دعوة ضيافة أقامتها الدائرة بمناسبة عيد ميلاد كمال آتاتورك زعيم تركية. وقام الجميع بتبادل الأحاديث والضحكات وتناول الشراب والحلويات والفواكه. وقمت بدوري بتناول قدح من النبيذ وتوجهت نحو أحد المناضد وجلست لوحدي هناك. لقد وضع المضيفون مزهرية وزهرة جميلة على كل منضدة بمناسبة عيد ميلاد آتاتورك. كما وضع شمعدان غرست فيه شمعة جميلة بالمناسبة. وما أن بدء تأثير النبيذ، وبدأت النشوة تدب في أوصالي، حتى اقتربت من بعيد فراشة جميلة وبدأت تحوم وتدور حول الشمعدان. أخذت أحدق في منظر الفراشة وهي ترقص بشكل جميل، وتدور حول شُعلة الشمعة إلى أن طالت شعلة الشمعة جناح الفراشة واحترقت. وقتها استذكرت قصة الشمع والزهرة والفراشة. بدء النبيذ يفعل فعله، وبحالة لا إرادية ترقرقت الدموع من عيناي حزناً على مصير الفراشة .
مرت تلك الليلة بسلام، وفي الليلة التالية استدعاني حرس الدائرة، وأبلغوني بوحوب الذهاب إلى مديرية الأمن التركية لتقديم بعض التوضيحات. ومن الطبيعي أن ينتابني الخوف والرعشة وذهبت إلى المكان. وما أن عرفت نفسي حتى شرع المحقق بتوجيه الصفعات يميناً ويساراً، دون أن يوضح سببها. واكتفى المحقق بالقول…. احمق ..ابن العاهرة .. لقد طغى على الجميع السرور والحبور في حفلة عيد ميلاد آتاتورك، فلماذا كنت تجهش بالبكاء والنواح؟. وأخرج المحقق صورة لي التقطها أحد مراسلي الصحف ونشرها في صحيفته، حيث كنت أجهش في البكاء على مصير الفراشة، مما دفع مديرية الأمن التركية إلى استدعائي والتحقيق معي. خلاصة القول، كلما حاولت أن أشرح له الدافع وراء هذا البكاء، إلاّ أن المحقق لم يصدق أية كلمة من حديثي. وأكتفى المحقق بالقول أن بكاءك والحزن في وليمة عيد ميلاد آتاتورك كان له دوافع سياسية!!.
وفي النهاية، وبعد اصراري والتماسي وطلب العفو عن ذنبي، وبعد تقديم تعهد ثبت في الاضبارة، تم إطلاق سراحي. مرت هذه الحادثة بسلام إلى أن جرى حادث وفاة ابن عم كمال آتاتورك اثر سكتة قلبية أودت بحياته. وقامت الإدارة بمجلس فاتحة على روح المرحوم. وتوجهت، أن إبن الخائبة، بالذهاب إلى الفاتحة لتقديم فروض العزاء. وما أن وضعت أقدامي على المكان حتى بدأ وجع الرأس. اقترب مني النادل المسؤول عن تقديم القهوة وضيافة المدعوين، وكانت ربطته غير معقودة بشكل ملائم وبدت عقدة الرباط عوجاء بحيث كان هيكل وقيافة النادل في حالة تثير الضحك. أجبرت نفسي بالقوة على تفادي الضحك، وسعيت إلى أن أظهر بمظهر الحزين والبائس.
وفي الزاوية الأخرى من المجلس، وقف أحد الأشخاص خلف الميكرفون وشرع بتعداد مناقب المرحوم وحسناته وحبه للخير والإحسان، مع بضع كلمات خونفشارية وبألفاظ حافلة بالأخطاء بحيث أصبحت على قاب وقوسين من الضحك، ولكنني سيطرت على اعصابي وتظاهرت بالحزن والبؤس.
وفي خلال الحديث عن حسنات المرحوم، حصل تماس في أسلاك الميكرفون مما أدى إلى قطع البث بين حين وآخر، وتداخلت كلمات المتحدث بحيث أصبح حديثه مثيراً للسخرية والضحك. لا أدري كل شىء بدا مضحكاً في تلك الليلة، بحيث أضحى حتى النظر إلى ركيزة الحائط تثير الضحك لدي. ولكنني وبعد كدس من المتاعب استطعت السيطرة على مشاعري كي لا أقع في مشكلة.
وفي اليوم التالي وعندما توجهت إلى الإدارة، لمحت شخصين متنمرين بانتظاري، وسرعان ما جرجروني إلى مديرية الأمن التركية العامة. وتكرر التحقيق السابق معي، يرافقه قدراً من الضرب والشتم ثم سقطت طريحاً في وسط الغرفة. شرع المحقق بالحديث مذكراً بأنني قد ذرفت الدموع في المرة السابقة بسبب احتراق الفراشة!!، والآن ماذا تقول يا أحمق عن سبب ضحكك في مجلس الفاتحة؟؟. فكرت كلياً بما حدث في تلك الليلة حيث سيطرت على مشاعري كما أتذكر. ولكن ما أن رأيت الصورة التي التقطها مراسلو الصحف حتى تبين إنني كنت على خطأ. فقد أظهرت التصاوير مظاهر ضحكات مليحة على وجهي عندما كان المتحدث أمام الميكرفون يعدد حسنات المرحوم.
خلاصة القول، لا أريد أن إثير الوجع لديكم ، فبعد فصل من الضرب وبعد استخدام بطل المشروبات، وقعت في دائرة الكر والعر، وحاولت أن أشرح للمحقق تفاصيل ما جرى. كنت محظوظاً، فقد بدا المحقق أنساناً معقولاً، وأغلق القضية بتقديم تعهد. وطلب مني أن أراقب حركاتي وتصرفاتي. وبعد إطلاق سراحي قال المحقق… أقول لك من منطلق الصداقة، إنني على يقين بأنك برئ ولكن الحظ المنكود هو الذي أوقعك في هذا الفخ. ولكن تذكر أن لك اضبارتين في الأمن التركية، وإذا ما حصل وأن نُظمت اضبارة أخرى لك بقضايا سياسية لا سامح الله، فإنك ستقع في ورطة لا يستطيع حتى الشمر إخراجك منها، وسترسل حيث تستخدم الخيزرانات العربية.
ولهذا رأيت أن الحل الأمثل هو أن ألوذ بكم حضرة الطبيب من أجل أن تقوم بعمل جراحي تجميلي لوجهي، بحيث يبدو نصفه الأول في حالة ضحك دائم، والنصف الثاني في حالة بكاء دائم. وبذلك استطيع أن أغطي النصف الضاحك بالمنديل عند ذهابي إلى مجالس الفاتحة، وبالعكس عندما أذهب إلى حفلات البهجة والسرور كي لا أتعرض إلى أية شبهة سياسية ومشكلة.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

التحول صوب اليسار والشعبوية في بلدان أمريكا اللاتينية

muf37التحول صوب اليسار والشعبوية في بلدان أمريكا اللاتينية
عادل حبه
انطلقت في عام 2001 مظاهرات جماهيرية عارمة في المكسيك موجهة ضد الحكومة اليمينية وسياستها، حيث رفع المتظاهرون شعار ” أرموا الجميع إلى الخارج، ولا تبقوا على أحد منهم”. وسرعان ما سرت عدوى المظاهرات إلى بلدان أخرى في أمريكا الجنوبية مطالبة بسقوط الحكومات اليمينية. لقد كانت هذه المظاهرات مؤشراً على بدء تباشير التغيير، ففي عام 1998 جرى انتخاب الشعبوي هوغو جافيز كرئيساً لفينزويلا. وفي السنوات التي أعقبت ذلك التاريخ، جرى تحول في الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وتشيلي والأكوادور وغويانا وغواتيمالا ونيكاراغوا وبراغواي وبيرو والأورغواي، حيث انهارت حكومات اليمين واستلمت السلطة أطياف متفاوتة من اليسار ويسار الوسط والتيار الشعبوي عبر انتخابات ديمقراطية في هذه البلدان. لقد أثار هذا التحول المفاجئ تساؤلات عديدة لدى المتابعين والمحللين السياسيين حول الأسباب الكامنة وراء هذه التطورات وطبيعتها. في هذه المقالة، سنسعى إلى إلقاء قدر من الضوء على هذه الظاهرة المثيرة التي جرت في أمريكا الجنوبية دون غيرها من بقاع المعمورة.
عند البحث في تفسير هذه الظاهرة، ينبغي التأكيد على أن هناك عدد من العوامل الكامنة وراءها. وتقف في مقدمتها العوامل الهيكلية وتلك المتعلقة بالاقتصاد وبما في ذلك نتائج “إصلاحات” الليبرالية الجديدة التي طبقت في هذه البلدان، وما أفرزته من تغيرات على قوة العمل وانكماش اقتصادي ساد في هذه البلدان في عقد التسعينيات من القرن الماضي، ومهدت لصعود اليسار في هذه البلدان. ويضاف إلى هذه العوامل العامل الدولي وما طرأ من تحول في العلاقات الدولية ووتخفيف التوتر في المناخ العالمي بعد انتهاء الحرب الباردة. ولابد لنا هنا من الإشارة إلى ما جرى في نهاية عقد الأربعينيات من القرن الماضي ومع اندلاع الموجة المكارثية في الولايات المتحدة وهستيريا معاداة الشيوعية، حيث دقت حكومة الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤها الغربيون ناقوس الحرب الباردة ضد “الخطر الشيوعي”. وبدأت الولايات المتحدة بحملة شاملة شعواء في الميدان الإعلامي والفكري والسياسي وحتى التخطيط للانقلابات العسكرية في بلدان أمريكا اللاتينية تحت راية مكافحة الشيوعية واليسار عموماً بكل ألوانه، مهما كان “باهتاً” في بلدان أمريكا اللاتينية. وهكذا قامت حكومة الولايات المتحدة بتدبير العديد من الانقلابات العسكرية، ودشنته بالانقلاب العسكري ضد الرئيس الغواتيمالي الإصلاحي اليساري المنتخب في عام 1951 جاكوب أربنز، وأطيح به في عام 1954 بنفس الذريعة. واستمر تعاقب الانقلابات العسكرية حتى حدوث الانقلاب الذي أطاح بحكومة الوحدة الشعبية اليسارية واغتيال زعيمها سلفادور أليندي في عام 1973، لتحصد هذه الموجة عشرات الآلاف من الضحايا من التيار اليساري في هذه البلدان.
خلاصة القول، لقد عولت واشنطن على أمريكا اللاتينية خلال كل فترة الحرب الباردة كمنطلقاً وقاعدة من أجل الحفاظ على مصالحها في العالم أجمع. ولم تتردد الولايات المتحدة حتى بالإطاحة بحلفاء سابقين لها مثل نورويغا في بناما، على غرار ما حدث في العراق عند الإطاحة بصدام حسين وفي باكستان عندما لقى أيوب خان مصيره في حادثة طائرة، بمجرد أن لاحظت الإدارة الأمريكية أن هؤلاء بدأوا ينحرفون عن الدور الذي أوكل لهم. وفي خلال فترة الحرب الباردة، بحيث دأبت بلدان هذه المنطقة مجتمعة على الإدلاء برأيها في الأمم المتحدة لصالح المشاريع الأمريكية وضد الاتحاد السوفييتي ولم تحيد عن الإرادة الأمريكية خشية من ردود فعل الإدارة الأمريكية. لقد قدمت الحملة المتطرفة الشاملة التي قامت بها الادارات الأمريكية المتعاقبة وسياسة الحرب الباردة كل المبررات للحكومات اليمينية في بلدان أمريكا اللاتينية للقيام بأقسى الإجراءات القمعية ضد الأحزاب اليسارية والحظر على نشاطها، مما تسببت في ضعفها التنظيمي والسياسي المزمن عموماً. فلم تعد تتمتع هذه الأحزاب إلاّ بوجود سياسي محدود حتى منتصف عقد التسعينيات.
ولكن مع انهيار النظام السوفييتي في عام 1989، انهارت معها خطط الولايات المتحدة وتطرفها خلال المواجهة المعلنة مع “خطر الشيوعية” واليسار عموماً في أمريكا اللاتينية. فلم يعد هناك أي مبرر لترويجها بعد أن انزاح هذا “البعبع الشيوعي”. كما لم يعد بمقدور واشنطن أن توجه الاتهام إلى أي نظام من اليسار أو يسار الوسط أو غير الوسط على أنه يشكل “رأس جسر سوفييتي” في المنطقة كما كان يجري في السابق ليصبح مبرراً لتدبير المؤآمرات والانقلابات العسكرية. ولم يعد بمستطاع الولايات الاستمرار بسياسة التلويح بالقوة واستخدامها في تطويع بلدان أمريكا اللاتينية. كما لم يعد أمام الحكومات الخيار بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بعد أن اختفى الأخير. وأكتفت الولايات التحدة من أجل إعمال نفوذها بالاستناد إلى الانتخابات واستخدام ورقة الضغط الاقتصادي لقد فقدت الأوساط اليمينية الحاكمة جراء هذه التطورات على المسرح الدولي كل مبررات الدورالذي كانت تلعبه كـ”حارس” ضد “الخطر الشيوعي واليسار”. واضطرت هذه الحكومات إلى التخفيف من قمع اليسار في هذه البلدان، بحيث أضحى اليسار معلماً من معالم الحركة السياسية في أمريكا اللاتينية.
لقد ترك انهيار التجربة السوفييتية تأثيراً ملحوظاً داخل الأحزاب الشيوعية في أمريكا اللاتينية، وبضمنها اليسار، صوب إعادة النظر في المنطلقات الفكرية والممارسة العملية والتخلي عن “التطرف” و”النصية” و”الدوغمائية” و “المقولات والشعارات” التي لم تعد تتناسب مع الواقع وغير مقبولة من قبل المواطن. ففي الآونة الأخيرة جرت عملية إصلاحية في غالبية الحركات اليسارية شيوعية كانت أم اشتراكية أو حتى لدى بعض التيارات مثل التيار الشعبوي، مع استثناءآت في بعض البلدان مثل كوبا حيث جرى قدر من الاصلاحات بعد تنحي فيدل كاسترو عن السلطة لأخيه راؤل كاسترو مع الحفاظ على نموذج الحزب القائد ورفض الديمقراطية والتعددية في البناء السياسي الكوبي. لقد راجعت الأحزاب الشيوعية والعديد من أحزاب اليسار تجربتها السابقة واعترفت بإخفاقاتها والخلل في نماذجها السابقة. ومما يجدر بالاهتمام هو أن هذه الأحزاب بغالبيتها تحولت، فكراً وممارسة وفي حياتها الداخلية، إلى أحزاب ديمقراطية. وتراجعت غالبية هذه الأحزاب وبأشكال مختلفة عن نهج أدلجة السياسة باعتبار أن وظيفة الحزب السياسي هي وظيفة سياسية واقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، وليس وظيفة أيديولوجية. فطرحت هذه الأحزاب في برامجها سياسة اقتصادية واقعية تمهد الطريق للتخفيف من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها هذه البلدان. وتلاشت موضوعة “الديكتاتورية” أياً كان شكلها من قاموس هذه الأحزاب، وأضحت الديمقراطية بالنسبة لها الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة، والهدف الرئيسي لمعظم الحركات السياسية. وترك القبول بالديمقراطية واحترامها أثراً كبيراً في شيوع قدر غير قليل من الاعتدال السياسي والتسامح والتخلي عن التطرف الذي ميّز اليسار في مجتمعات أمريكا اللاتينية خلال عهود مديدة سابقة، مما خلق أجواءاً مناسبة للتقارب الفكري والعملي بين قوى اليسار على اختلاف ألوانه من ناحية، ومن ناحية أخرى التوجه صوب العمل المشترك. وخففت هذه الأحزاب من تقاليد المدرسة القديمة في العداء المطلق للولايات المتحدة وتراجع شعارها التقليدي
(Anti- Americanism)
، دون أن يعني التخلي عن توجيه النقد لها والدعوة لإعادة النظر بالعلاقة معها على أسس من احترام السيادة والاستقلال.

لقد أدى إعادة النظر بنهج هذه الأحزاب واليسار نحو الاعتدال والواقعية إلى أن يصبح هذا المسار الجديد مقبولاً من جمهور الناخبين، وخياراً قابلاً للتطبيق من أجل إصلاح الأوضاع المتردية في بلدانهم، وهو ما اتضح في الانتخابات التي جرت في منتصف عام 1990 في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية. فقد ظهر نموذج جديد من النزعات الاشتراكية بعيدة عن الدوغمائية، ولا تتقيد بنصوص حول الحزب الطليعي أو محو طبقة الرأسماليين، بقد ما تركز على موضوعة تقليص عدم المساواة في المجتمع وايجاد الحلول لمشكلة الفقر المستعصية وزيادة المشاركة الجماهيرية في صياغة القرارات والتمسك بالخيار الديمقراطي. إن هذا النموذج الجديد لا يلوّح بورقة تعميق الصراعات الطبقية الداخلية ولا يدافع عن موضوعة إلغاء الملكية الخاصة أو القطيعة مع العلاقات الاجتماعية القائمة. فهذا النموذج يدعو إلى السير في عملية ارتقائية اجتماعية وسياسية واقتصادية وصولاً إلى بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية. إنها اشتراكية تبتعد عن نموذج “اللينينيية” الذي طبق في الاتحاد السوفييتي وخاصة النهج الذي اتبع في العهد الستاليني حيث مورس باسم هذا النموذج سياسة التنصل من الديمقراطية والتي كرست البيروقراطية والنمط الأوامري في الاقتصاد والإدارة.
في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، اعتمدت بلدان أمريكا اللاتينية مجتمعة سياسة في الاستيراد لصالح التصنيع في الداخل والتقليل من استيراد البضائع المصنعة. وبسبب من ضعف المصادر المالية والتمويل عند هذه البلدان، فقد توجهت نحو اقتراض مبالغ ضخمة من الدائنين الدوليين من أجل تمويل هذه العملية. ولكن مع مرور السنين تضاعفت فائدة هذه القروض لتتحول إلى ديون ضخمة لا تستطيع هذه الدول سدادها، واجتاحت هذه الدول ما أطلق عليها “أزمة الديون” خاصة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. وأزاء هذه الأزمة الاقتصادية الحادة، اقترحت حكومة الولايات المتحدة حلولاً أطلق عليها اسم “إجماع واشنطن”
(Washington Consensus)
، الذي حَظي بإجماع حكومات دول أمريكا اللاتينية. واعتمد هذا المبدأ سياسة اقتصادية ترمي إلى تحرير التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر والخصخصة بما يعرف بسياسة “الليبرالية الجديدة”.

إلاّ أن هذه السياسة، إذ أدت إلى تحسن نسبي في الالتزامات المالية لهذه البلدان، وقلصت قليلاً من دائرة الفقر فيها، إلاّ أنها لم تؤد إلى تحقيق أي نمو في الناتج القومي الإجمالي في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي. فقد تراجع النمو الاقتصادي بمقدار 0,30%، مقارنة بالسنوات التي سبقتها. كما أدت الليبرالية الجديدة إلى قدر طفيف من التحسن في التشغيل في قطاع الخدمات وفي قطاع التشغيل الموسمي الذي يتسم بأجور متدنية. ولكنها تركت آثاراً سلبية على العمالة عموماً نظرا لآثارها على طبيعة الوظائف المتاحة. فالكثير من العمالة قامت على عقود قصيرة الأجل وبأجور زهيدة. كما أدى تمركز وتركز القطاع الزراعي إلى تهميش فئات واسعة من الفلاحين الصغار، وتعرضت للانهيار غالبية اقتصاديات المزارع الصغيرة والمتوسطة التي لم تستطع المنافسة مع الشركات الزراعية الاحتكارية الكبرى. وهذا ما حدا بهؤلاء الفلاحين إلى التوجه صوب المدينة للبحث عن لقمة عيشهم. وتسبب ذلك في تدني مستوى التشغيل وارتفاع نسبة البطالة وتدني أجور العمال في المؤسسات الصناعية قياساً بعقد الثمانينيات من القرن الماضي. وهذا يعني وقوع جمهرة من العمال في دائرة الفقر في تلك الفترة. وطبقاً لـ
(Washington Consensus)
، قلصت حكومات هذه البلدان النفقات الاجتماعية مما عمّق دائرة الفقر وحد من تقديم الخدمات الاجتماعية للفئات الفقيرة على وجه الخصوص، وعمق الهوة بين الفقراء والأغنياء. وبالنتيجة زاد من استياء المواطنين الذين وجهوا اللوم إلى اليمين الحاكم لاخفاقه في حل مشاكلهم.

ومما لعب دوراً مهماً في هذا التحول هو الشروع بممارسة الديمقراطية وانهاء مظاهر الأنظمة الاستبدادية والعسكرية التي حكمت لفترة طويلة في دول أمريكا الاتينية. إن الجمع بين عدم المساواة والديمقراطية يميل بشكل عام إلى التسبب في تمدد الحركة إلى اليسار في كل مكان. فقد كان هذا صحيحاً في أوروبا الغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بعد الحرب العالمية الثانية، وهو صحيح اليوم في أمريكا اللاتينية حيث تعمد الجماهير الفقيرة إلى التصويت للسياسات التي يأملون منها أن تجعلهم أقل فقراً. إن ترسخ الديمقراطية على نطاق واسع وتعزيز الانتخابات الديمقراطية باعتبارها الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة، يؤدي إلى جلب الانتصارات لليسار بسبب التكوين الاجتماعي والديموغرافي والعرقي في بلدان أمريكا اللاتينية. ومن الجدير بالإشارة إلى أن النهج الجديد لعموم اليسار قد أدى إلى أن ينال شعبية بين أوساط خارج اليسار وخارج الطبقات العمالية والفلاحية والفئات الكادحة. فقد حققت الأحزاب اليسارية في أوروغواي وتشيلي على سبيل المثال، نجاجات ملحوظة في الانتخابات بالاستناد إلى الفئات الاجتماعية المتوسطة، رغم أنها لم تكن على صلة في السابق بالحركات اليسارية أو تميل إلى التعاطف معها.
وينبغي أن لا يغيب عن بالنا عند النظر إلى ما يحدث في أمريكا اللاتينية من تحول، وجود أطياف متنوعة من اليسار وتيارات مختلفة من الحركات التي تعارض اليمين الذي حكم بلدان أمريكا اللاتينية خلال عقود. وليس كل من عارض اليمين أو سياسات الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية يمكن أن يصنف ضمن إطار اليسار. فاليسار – الذي يعرف بأنه تيار فكري وسياسي يسعى إلى تحسين الأو ضاع الاجتماعية على أساس التوزيع المتساوي للثروة والتعاون الدولي واحترام الاستقلال والسيادة والالتزام بالقواعد الديمقراطية (على الأقل عندما يكون في المعارضة)، موجود بأشكال مختلفة في أمريكا اللاتينية، شأنه في ذلك شأن أجزاء أخرى من العالم. فهناك اليسار الذي سار على خطى الأممية الشيوعية والثورة البلشفية والتجربة السوفييتية كما هو الحال بانسبة إلى الحزب الشيوعي في تشيلي وفي أورغواي والبرازيل وسان سلفادور وكوبا (قبل ثورة كاسترو). فقد تمتعت هذه الأحزاب بنفوذ ملحوظ في المجتمع وفي الأوساط الأكاديمية والفكرية في عقد الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وشاركت في عقد الجبهات الشعبية وفي حكومات الوحدة الوطنية في تلك الفترة.
وهناك أشكال متدرجة من اليسار، منها الوسط وحتى اليسار اليميني كما يطلق عليه في أمريكا اللاتينية. ويطلق العديد من المحللين والمراقبين صفة اليسار حتى على التيار الشعبوي الذي له تاريخ ورصيد في أمريكا اللاتينية، حيث يحتل رموزها التاريخيين مكانة أسطورية كبيرة، مثل بيرو فيكتور راؤول هايا دي في بيرو ولا توري والكولومبي خورخي غايتان ولازارو كارديناس في المكسيك و فيلاسكو ايبارا في البرازيل ، أو الشخصيات التي برزت في القرن العشرين مثل الارجنتيني خوان بيرون خوسيه فيلاسكو ايبارا في الأكوادور. وينظر إلى هؤلاء حتى الآن على أنهم “أيقونات” من المحسنين إلى الفئات الفقيرة والمحرومة، ويعاملون كمعاملة “الأولياء الصالحين” في بلداننا. والذي يستند إلى الفئات الهامشية في المجتمع وعلى الفئات المنحدرة من سكان أمريكا الأصليين “الهنود الحمر” في أمريكا اللاتينية.
ولكن اعتبار “الشعبويين” تياراً يسارياً ينطوي على قدر من الإشكالية، لأن اليسار الذي نشأ في أوربا، وخاصة مع انطلاقة الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، طرح وتبنى موضوعة الديمقراطية في صلب توجهاته. وفي منتصف القرن التاسع عشر ومع انطلاق الحركة الاشتراكية الديمقراطية، تبنت هذه الحركة موضوعة الديمقراطية كركن أساسي من أركان برامجها وتطلعاتها. ولكن العملية الديمقراطية والقواعد الديمقراطية كانت في بداياتها، وكانت تتعرض للتشويه والالتفاف عليها من قبل التيارات البرجوازية واليمينية، ولم تنضج حينئذ بعد كل التشريعات التي توفر الفرصة للشعب بممارسة سليمة لهذه القواعد والحقوق الديمقراطية، ناهيك عن مستوى الوعي الاجتماعي الذي كان سائداً والذي لم يؤد إلى اختيار سليم يكرس هذه القواعد. ولذا برز تيار من أقطاب الحركة الاشتراكية الديمقراطية يعارض “الديمقراطية البرجوازية”، ويدعو إلى ما سمي آنذاك بـ “الديمقراطية المباشرة”، خاصة بعد فشل تجربة كومونة باريس في 28 آيار عام 1871، ليجري تبني موضوعة “ديكتاتورية البروليتاريا” من أقطاب بارزين فيها وعلى رأسهم كارل ماركس. وكان هذا الاعلان سبباً في الاختلافات والانشقاقات داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية، والتي تعاظمت وأصبحت محور نقاش واسع وخلاف عميق في بداية القرن العشرين مع صدور “كتاب الدولة والثورة” في آب عام 1917 لفلاديمير ايليج لينين الذي لم ير أفقاً ايجابياً في “الديمقراطية البرجوازية”. وترسخ هذا النهج بعد ثورة اكتوبر وأصبح قانوناً ثابتاً في العهد الستاليني وليحل معه مفهوم “الديمقراطية الاشتراكية” ثم “الديمقراطية الشعبية” بعد الحرب العالمية الثانية. لقد أثار هذا التوجه عشية ثورة اكتوبر نقداً واسعاً من قبل أقطاب الحركة الاشتراكية ومنهم بليخانوف وروزا لوكسمبرغ وكارل ليبنخت، إضافة إلى رموز بارزة في الأممية الشيوعية لاحقاً، ومن ضمنهم بالميرو تولياتي. وأدى الاختلاف في الموقف تجاه موضوعة الديمقراطية إلى خصومة دائمة بين الحركة الاشتراكية الديمقراطية والحركة الشيوعية وألغى كل إمكانية للتقارب بينهما، مما أدى إلى كوارث سياسية في بعض البلدان الأوربية وخاصة في ألمانيا. واستمر النقاش حول موضوعة الديمقراطية خاصة في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات لينتهي بعد انهيار النموذج السوفييتي، إلى انهيار الموقف التقليدي السلبي من الديمقراطية والتخلي عن كل المقولات غير العلمية حول “الديمقراطية البرجوازية” و “الديمقراطية المباشرة” و “الديمقراطية الاشتراكية” والديمقراطية الشعبية”، التي ليس لجميعها وجود وأساس علمي. فهناك قواعد وسنن ديمقراطية واحدة. وقد أكدت الأحداث اللاحقة أن تراكم القواعد الديمقراطية وارتقائها وتطورها خاصة في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي وبعد الحرب العالمية الثانية، فتح الطريق أمام صعود اليسار إلى السلطة في ظل هذه الديمقراطية التي تم رفضها وادانتها، كما نجحت بعض الأحزاب الشيوعية في المشاركة في السلطة بعد الحرب العالمية الثانية أو تولي مواقع في السلطات المحلية في ظل هذه الديمقراطية. و يجري عبرها صعود اليسار أيضاً في أمريكا اللاتينية في الآونة الأخيرة.
إن هذا الاستعراض التاريخي ذو أهمية في تبيان أن التيار الشعبوي هو ليس يساري لأنه غير ديمقراطي. فلو استعرضنا تاريخ هذا التيار في روسيا على سبيل المثال، “الحركة النارودنية”، لوجدنا أنه كان يميل إلى الفوضوية والإرهاب ومناهضة الشيوعية دون تبني الديمقبراطية. وتدل تجربة هذا التيار في أمريكا اللاتينية، “تجربة بيرون في الأرجنتين” وتجربة هوغو جافيز قبل رحيله في فينزويلا، أن هذا التيار يميل إلى الاستئثار بالحكم وتجاهل الديمقراطية التي أوصلته إلى سدة الحكم. فقد حكم بيرون بقوة الحديد والعسف ضد كل معارضيه وبمن فيهم التيار اليساري. وما أن استتب الحكم لهوغو جافيز في فينزويلا حتى شرع بتغيير القوانين كي يحتكر السلطة ويصبح ديكتاتوراً وحاكماً إلى الأبد على البلاد.
وعلى خلاف ما أحرزه اليسار ويسار الوسط من نجاحات في إدارة بلدانهم في بعض بلدان أمريكا اللاتينية، إلا أن التيار الشعبي الذي حكم في بعض هذه البلدان ظل يتخبط في إدارة هذه البلدان. ففي فينزويلا، تشير مؤشرات التنمية البشرية منذ عام 1999، عام تولي جافيز السلطة، إلى ركود في الاقتصاد. فلو قارنا الوضع في فينزويلا بالمكسيك خلال السبع سنوات الماضية، فقد نما اقتصاد المكسيك بنسبة 17,5% في حين فشل الاقتصاد الفينزويلي في إحراز أي نمو. كما ارتفع الناتج القومي الاجمالي للمكسيك بين عام 1997-2003 بمقدار 9,5% بينما انكمش الاقتصاد الفينزويلي بمقدار 45%، وانخفضت عملة البوليفار الفينزويلي بمقدار 292%. لقد بلغ معدل التضخم في المكسيك أدنى مستوى له ليصل إلى 3،3%، في حين بلغ معدل التضخم في السنوات الأخيرة نسبة 16%. كما أن من الصعوبة بمكان أن يدرج نظام يسعى إلى البحث عن حلفاء له في نظام صدام حسين أو نظام ولاية الفقيه في إيران في قائمة الأنظمة اليسارية.
وبشكل عام، فإن التحول الذي جرى ويجري في أمريكا اللاتينية، مع كل تلاوينه وملابساته، هو خطوة إلى الأمام نحو تحقيق تنمية في هذه البلدان، وتغيير في هيكلية بناء المجتمع صوب اصطفاف طبقي لصالح القوى المنتجة الحديثة وتقليل الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وخلق حالة من الاستقرار الاجتماعي بعيداً عن العنف والتطرف.
25/11/2014

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

حوار مع المناضل حميد غني جعفر الاسدي (جدو) , ليروي قصة النفق والهروب من سجن الحلة المركزي عام 1967

حاوره – نبيل عبد الأمير الربيعيiragisomeri

سجل الشيوعيون العراقيون، وأصدقائهم، منذ اليوم الأول لتأسيس حزبهم في آذار عام 1934 العديد من المواقف البطولية المشهودة، في صراعهم ضد الأنظمة الدكتاتورية والرجعية، دفاعا عن مصالح العمال والكادحين والفلاحين وجماهير الشعب، بالرغم من البطش والإرهاب الذي رافق مسيرة الحزب على امتداد أكثر من ثمانين عاما ، وارتقى بعضهم من الاحداث إلى مستوي الأسطورة ومنها محاولات الهروب لأكثر من مرة ولأكثر من سجن سواء كان سجن نقره السلمان او سجن بعقوبة عام 1956 وعمليات الهروب الجماعي من منطقة بدرة وجصان ،و سجن الفضيلية في بغداد ، و سجن الكوت عام 1956 , كذلك في شباط الأسود عام 1963، وسجن الحلة عام 1967 , الذي استمر العمل والحفر فيه لمدة (58) يوماً ، وهي أحداث لم يطلع عليها جيل الشباب الثوري المنضوي فى صفوف الحزب إلا الجزء اليسير، الغرض من هذا الحوار لتسليط الضوء على صفحة نضالية من صفحات نضال الشيوعيين فى السجون ، هذه الوثيقة المهمة التي يجب أن نزيح عنها الغشاوة ، ونلتقي بمن هم الاهم فى هذآ المجال ممن عايشوا فترة حفر النفق والهروب من السجن للعودة القمة صفوف الحزب والعمل داخله ، ولكسر شوكة النظام الدكتاتوري الذي كان يتبجح بقدرته وقساوته على كسر شوكة المناضلين من خلال حجزهم وراء القضبان ، لأن عمل الرفاق هذا أصبح جرس إنذار لتنامي المد الشيوعي وقدرته على العمل في الزمن الصعب .
من هذآ ننطلق لكتابة وتوثيق تاريخ ومناضلي الحزب سيما أن كثيراً من صناعه لا زالوا علي قيد الحياة ، ولإماطة اللثام عن أسرار مهمة خشية ضياعها بعد أن ضاعت الكثير من الحقائق عن التاريخ المجيد للشيوعيين العراقيين بسبب الظروف التي مر بها الرفاق والحزب ، يؤكد الرفيق والباحث محمد علي محيي الدين ” أن تاريخ والحزب أمانه فى أعناق جميع الشيوعيين من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار وعليهم الكتابة ” ، لتاريخ الحزب العريق الذي تجاوز عمره الثمانون عاماً وهو ما زال شاباً يافعاً يقدم الخير لأبناء بلاد الرافدين ، كان لنا هذا اللقاء مع المناضل حميد غني جعفر الملقب ( جدو) لصغر عمره داخل سجن الحلة وقتذاك ، وأحد المشاركين فى حفر نفق سجن الحلة عام 1967 للهروب نحو طريق الحرية والعودة لصفوف الحزب المناضل من أجل وطن حر وشعب سعيد .
ولد المناضل حميد غني جعفر عام 1943 في البصرة ، عاد والده بالعائلة إلى مدينته الأصلية ومسقط رأسه بغداد – الكاظمية بسبب وفاة الجد (جعفر) ليستقر في بيت أجداده في محلة – أم النومي – والمعروفة – بموسكو – فكانت نشأته وتربيته في الكاظمية ودراسته في مدرسة المفيد الابتدائية في الكاظمية ، كان الأنضمام للحزب الشيوعي العراقي وهو في التاسعة عشر من العمر أي عام 1962 بعد اطلاعه على أدبيات وسياسة الحزب ، ولدوره المهم في حفر نفق سجن الحلة المركزي كان لنا معه لقاء لنتعرف ونطلع على معاناة السجناء السياسيين الشيوعيين وبطولاتهم للتخلص قيد السجن الرهيب ، ولذا أرى انه آن الأوان اليوم لأطلاع الرأي العام والأجيال الجديدة من الشيوعيين العراقيين على إحدى المآثر البطولية للشيوعيين .. وما أكثرها في السجل الطويل والمشرق لحزب فهد وسلام عادل الخالدين أبدا :
• نتمنى أن نعرف بداية العمل , ومتى تم انضمامك لصفوف الحزب الشيوعي العراقي؟
• كان انتمائي للحزب الشيوعي العراقي وأنا في التاسعة عشر من العمر أي عام 1962 وعن طريق الرفيق الراحل – محمد عبد الأمير الدباش – وكان المسؤول الحزبي هو الرفيق الشهيد – جواد أحمد السلطان – شاركت في كل المهمات والفعاليات النضالية التي يكلفنا بها الحزب والتي اتسمت بالنشاط والحيوية في تلك الفترة بحيث يكاد لا يمر يوم دون فعالية نضالية ابتداءً من توزيع بيانات الحزب بصورة علنية , ثم المشاركة في المظاهرات المستمرة للمطالبة بالسلم في كردستان ، ويشرفني إني لم أتخلف عن أية مهمة أو فعالية نضالية حتى كان انقلاب الثامن من شباط الفاشي الدموي وشاركت مع رفاقي في المقاومة الباسلة للانقلاب الأسود ، وبتوجيه من الحزب كنت قد شاركت بإذاعة بيانات الحزب – يوم الإنقلاب – من جامع الأمير بعد كسر باب المسجد واستخدام جهاز المايكرفون لإذاعة البيانات والنداءات الحماسية الداعية لمقاومة الانقلاب ، كان معي الرفيق سامي احمد السلطان وأخيه الرفيق حسن والرفيق الراحل عبد الوهاب المنذري ، ثم وبتوجيه من الحزب اتجهت إلى مركز شرطة الكاظمية وشاركت مع الرفيق الشهيد سعيد متروك ورسول محمد أمين والرفيق الراحل محمد أمين الأسدي ، وبعد عملية احتلال المركز تم اعتقال كافة الشرطة ورجال الأمن بعد تجريدهم من السلاح ثم كسرنا مشجب السلاح لتوزيعه على رفاقنا المقاومين ومن بينهم الشاعر مظفر النواب وحمدي أيوب والملازم الشهيد خزعل السعدي وغيرهم كثيرون .
• متى تم الاعتقال بعد سيطرة الانقلابين على السلطة؟
• اعتقلت في اليوم الأول للانقلاب مع الرفيق المنذري أي – 8 – 2-1963 – وحكمت بالأشغال الشاقة المؤبدة ثم أرسلت مع رفاق الكاظمية إلى سجن نقرة السلمان ، ثم نقلت إلى سجن الحلة المركزي أواسط العام 1966 بعد أن قضيت ما يقارب الثلاث سنوات في سجن نقرة السلمان , ومن هناك اختارتني المنظمة التي يقودها الراحل حسين سلطان إلى مهمة حفر نفق سجن الحلة وتمت عملية الهروب في ليلة الذكرى الخمسين لثورة أكتوبر الاشتراكية أي ليلة – 6 – 7 – تشرين ثاني 1967.
• هل كانت هنالك محاولة هروب آخرى قبل محاولة الهروب من سجن الحلة عام 1967؟
• كنت معتقل فى مركز شرطة الكاظمية أواسط حزيران من عام 1963 وردتني رسالة من الرفيق المرحوم فائق جواد الخياط يستفسر فيها عن عدد الرفاق الشيوعيين المعتقلين ويتساءل عن إمكانية الهروب للمشاركة معنا ولم يذكر تفاصيل أخرى سوى التأكيد على ان تكون العملية قبل – 1 – 7 – 1963، وغمرتني الفرحه الكبرى بان رفاقنا يواصلون نضالهم بهمة وشجاعة منقطعة النظير ويتحدون الطغيان الفاشي، وتدارست الرساله مع عدد من الرفاق الجيدين الصامدين واتفقنا علي انة توجد إمكانية للهروب ، إذ أن هناك داخل ساحة الموقف – الهول – ممر ضيق وفي نهايته باب صغير من الخشب وهو مقفل من الداخل ولا توجد حراسة عليه ، ويطل الباب على شارع فرعي بجانب المركز – من جهة اليسار – وساحة الموقف مخصصة للموقوفين العاديين وكذالك الممر الضيق هو الآخر ينزل فيه العاديون أيضا وليس لنا بهم من صلة ، وتلك هي المشكلة التي واجهتنا لكن ولحسن الحظ كان لأحد رفاقنا علاقة صداقة مع أحد هؤلاء النزلاء العاديون، وكان هذا الموقوف – العادي – شقيق لأحد رفاقنا – خارج المعتقل – والمدعو – علي قديفجي – وهو ينزل في الممر قرب الباب المذكور وقد اتفق معه – رفيقنا مهدي السيد نور – على توفير المستلزمات المطلوبة وكانت بسيطة (منشار صغير ودرنفيس وقالب صابون رقي) لغرض وضع الصابون على المنشار عند قطع القفل – كي لا يظهر صوت – واتفقنا على تنفيذ العملية في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، حيث يخلد الجميع الى النوم ، وفي الموعد المحدد من تلك الليلة وكانت أواخر حزيران ، تسلل الرفاق كل من (مهدي السيد نور، رشيد عبود متروك، وأنا) الى الممر لمساعدة الصديق – علي قديفجي – في تنفيذ العملية ، وإذا بأحد الموقوفين العاديين النائمين أو هكذا كان يبدو لنا فى ساحة الموقف ينهض من فراشه ويصرخ بأعلى صوته … شرطة … شرطة …الشيوعيين يريدون ينهزمون حتي عدنا وبسرعة البرق الخاطف الى فراشنا , بحيث دخل افراد الشرطة إلى غرفتنا فلم يلاحظوا شيئا , وكان الهدوء والسكون التام يخيم على غرفتنا فوجد الشرطة الجميع في حالة نوم عميق حتى ظنوا بأن هذا الموقوف الذي ناداهم والذي يدعى – مجيد – ويكنى – قنبلة – كان يغط في حلم عميق فلم يصدقوا به حتى صفعه احد افراد الشرطة على وجهه وشتمه ، وهكذا وللأسف الشديد فشلت ولم تسنح لنا المحاولة الفرصه للمشاركة ونيل الشرف العظيم فى حركه حسن سريع بعد أن عرفنا عن انطلاقها فى الأول من تموز 1963، هذه الحركة الثورية كما لم يتسع لنا الوقت لتكرار المحاولة حيث نقلنا إلى الموقف العام في الباب المعظم – وزارة الصحة حالي- . بعد عام ونصف من الاعتقال والتنقل بين مركز شرطة الكاظمية ومركز شرطة الوشاش والموقف العام في باب المعظم ومعتقل خلف السدة ومواجهتنا لأبشع أساليب التعذيب الهمجية التي تفوق التصور ، تم تسويق أبناء الكاظمية الذين يربو عددهم عن المائة مناضل الى المجلس العرفي العسكري الأول في معسكر الوشاش برئاسة محمد نافع احمد بدعوى مقاومة انقلاب الثامن من شباط الأسود عام 1963.
• متى بدأت محاولاتكم الأولى وساعة الصفر للشروع بحفر النفق في سجن الحلة؟
• كان سجن الحلة يحتوي على قلعتين كبيرتين , القديمة وتسمى الوسطى والجديدة ، وضمت القلعتان المئات من المناضلين الوطنيين من شيوعيين وديمقراطيين تقدميين ومن مختلف الطيف العراقي ، وحين وصولي للسجن نسبت إلى القلعة الجديدة وفي الردهة الأولى ، وتم التعارف بيني وبين المنظمة الحزبية في السجن التي يقودها نصيف الحجاج ، وجرى تكليفي بالعمل في لجنة إعداد النشرة الإخبارية اليومية والتي كانت تقرأ صباح كل يوم على السجناء ، وكانت غرفة الإخبار تقع في بناية صغيرة منعزلة تحتوي على خمس غرف صغيرة ، اثنان على جهة اليمين واثنان على جهة اليسار أما الخامسة فكانت في العمق وبابها قبالة ساحة القلعة ، ويبدو إنها كانت مستشفى للسجناء وتم الغائها فيما بعد ، وتم استخدام ثلاثة منها لنزول السجناء وواحدة لإعداد النشرة الإخبارية والأخرى التي في العمق صيدلية لمعالجة السجناء . استقبل سجن الحلة في نيسان من العام 1967 حسين سلطان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي منقولاً من سجن نقرة السلمان ، وانضم فور وصوله إلى المنظمة الحزبية التي تتكون من (نصيف الحجاج وكمال شاكر ومحمد ملا كريم وحسين ياسين) ورفيقا آخر لا يحضرني اسمه ، وكان الرفاق الثلاثة الأوائل على وشك انتهاء محكوميتهم وما أن مضت فترة وجيزة على مجيء حسين سلطان – أبوعلي – حتى انتهت محكوميات الرفاق الثلاثة وأطلق سراحهم ، ثم تسلم مسؤوليتها فيما بعد الرفيق حسين سلطان وانضم إليهم أيضا الشاعر مظفر النواب وحافظ رسن .
• هل كان للمنظمة الحزبية في سجن الحلة المركزي دور في توجيه الرفاق داخل السجن بالالتزام والتعاون في حفر النفق؟
• كان لدور المنظمة الحزبية في إدارة شؤون السجناء وحياتهم اليومية بكل مفاصلها وخضوع الجميع بلا استثناء لطاعة المنظمة والالتزام بكل توجيهاتها وقراراتها ، بحيث لا يمكن لأي رفيق مهما كانت شخصيته أو درجته الحزبية القيام بأي عمل أو تصرف مهما كان صغيرا دون علم وموافقة المنظمة إدراكاً منهم بأن المنظمة تمثل الحزب وان احترامهم وطاعتهم لها هو احترام وطاعة للحزب الذي وهبوا حياتهم لأجله ، فهم قد تربوا في المدرسة الوطنية الكبرى الحزب الشيوعي العراقي وإيمانا منهم بمبدأ القيادة الجماعية المتجسدة بقيادة الحزب . إذن لا يمكن أن يكون هروب فردياً أو جماعياً دون علم المنظمة الحزبية وموافقتها وهذا يدركه جيدا كل المناضلين في السجون , وعلى هذا فإن عملية هروب كبرى مثل عملية حفر نفق وهروب جماعي من سجن الحلة المركزي عام 1967 ليست إلا من صنع الحزب الشيوعي العراقي تخطيطا وتنفيذا ، وليس من أية جهة أخرى إطلاقا ، كما يزعم البعض في محاولة لإبراز عضلاته على انه المخطط والمنفذ للعملية يسعى لتهميش وإلغاء دور المخطط والمنفذ الحقيقي ، باستغلال الظروف القاهرة والقاسية التي مر بها الحزب حيث ظلت الحقيقة غامضة عن الشارع العراقي وحتى على الكثير من الشيوعيين طيلة هذه الفترة العصيبة من تاريخ الحزب ، بفعل سياسة القمع البوليسي وانعدام حرية الفكر والرأي وحرية الصحافة والنشر إضافة لعدم وجود شبكات الانترنت فقد ظلت الحقيقة حبيسة، وأرى أنه آن الأوان لكشف الحقيقة بأمانة وصدق ، لقطع الطريق على المتقولين والأدعياء ، حفاظا على تاريخ الحزب الناصع المشرق لأنه أمانة بأعناقنا ولن نسمح بالتشويه والتزوير لتاريخ الحزب العريق.
• مَن الرفاق مِنَ صاحب فكرة حفر النفق من سجن الحلة والهروب المركزي؟
• من هنا أرى لزاما عليَّ أن أبين الحقيقة بضمير نقي وبصدق وأمانة الشيوعي المعهودة
, نتحدث عن كيفية بدا العملية ومن هو مصدر الفكرة ، إن فكرة الهروب لابد أن تراود كل مناضل ثوري وهو أمر طبيعي جداً ، وعلى هذا كانت المنظمة الحزبية التي كان يقودها – نصيف الحجاج – تفكر بعملية الهروب الجماعي من موقع – المطبخ – في القلعة القديمة واختارت الشخوص المنفذين للعملية , وبدأت العمل بصنع حاجز خشبي يحجب الرؤيا عن ربية الحراسة فوق السطح – قبالة المطبخ – ، وكان هذآ فى نيسان من العام 1967 قبل مجيء الراحل حسين سلطان منقولا من سجن نقرة السلمان إلى سجن الحلة وذالك في أواسط نيسان من العام ذاته 1967, وبعد إطلاعه على الفكرة ، من قبل المنظمة الحزبية ، وجد فيها مخاطر كبيرة وجدية بفعل موقعها قبالة ربية الحراسة , وقد كان حسين سلطان يحمل مشروعا جديد للهروب الجماعي أيضاً , ولكن من موقع آخر أكثر أمانة وضمانة من الموقع الأول ، وهو غرفة الصيدلية داخل القلعة الجديدة وكان الراحل سلطان قد أخذ فكرة هذآ الموقع من الصيدلية من رفيق كان معة فى سجن نقره السلمان، وكان هذا الرفيق يدعى – سالم – سجيناً في سجن الحلة عام – 1964 .
• من هم المجموعة التي قامت بحفر النفق ، ومن هم المشرفين عليه من سجناء منظمة الحزب؟
• اقتنعت المنظمة الحزبية بمقترح حسين سلطان الذي كان يقودها الرفيق نصيف الحجاج ، وتم الاتفاق على إلغاء فكرة الهروب من الموقع الأول ، والبدء بالعمل من الموقع الثاني وهو الصيدلية في القلعة الجديدة ، وتم اختيار الرفاق المنفذين الأربعة وكنت احدهم , إذ ابلغني حسين سلطان شخصياً بهذه المهمة المشرفة واختار أيضا الملازم فاضل عباس ونحن الاثنين من الكاظمية والاثنان الآخران عقيل عبد الكريم حبش من الناصرية وكمال ملكي من الموصل ، وللأمانة أن اذكر أن عقيل وفاضل كانا قد اختيرا للعمل من الموقع الأول أي المطبخ وعملا فيه فعلا ، والأربعة المذكورين هم فريق التنفيذ ، أما فريق الأشراف كانوا ثلاثه وهم الشاعر مظفر النواب وحافظ رسن وحسين ياسين.
• ما هي واجباتكم داخل السجن، وكيف تم ترتيب وقتك بين الواجب وعمل حفر النفق؟
• كنت أقوم إضافة لعملي في لجنة إعداد النشرة الإخبارية ، كان عملي الآخر فى الكشك لبيع المشروبات الغازية والحليب ، و كنت أقرأ النشرة الإخبارية صباح كل يوم في القاووش رقم واحد الذي كنت نزيل فيه , وكذالك أساعد الرفيق حسين سلطان في قراءة أدبيات الحزب أو البريد الحزبي داخل القاعات والغرف التابعة لمنظمتنا ، ثم كنت أعمل ليلا مع الرفاق المكلفين في حفر النفق.
• متى بدأ عملكم الفعلي بحفر النفق داخل سجن الحلة المركزي؟
• بدأت عملية حفر النفق فى أوائل تموز من العام 1967 , وكان عملنا بشكل يومي وعلى مدى ساعتين فى اليوم بسبب شدة الحر وخلو الهواء من الأوكسجين وضيق التنفس تحت الأرض ، ومن اهم الصعوبات والمعوقات التي واجهتنا هي كيفية تسريب وإخفاء التراب ، وقد استخدمنا أكياس السكر أو الطحين لتكديس التراب فيها حتى امتلاء محيط الغرفة بأكياس التراب ، وكان العمل يجري بشكل منتظم والتزامات صارمة وسرية تامة ، وتفانٍ لأنجاز المهمة.
• هل هنالك اتصال بين منظمة السجن ومنظمة الحلة وقيادة الحزب لتقديم المساعدة على الهروب؟
• كان حسين سلطان علي صلة وثيقة بالتنظيم الحزبي خارج السجن , كانت تلك الصلات والمراسلات بينه وبين قياده الحزب حول هذآ الموضوع ، كانت محلية بابل على علم مسبق بعملية الهروب ، وقد هيأت المستلزمات الكاملة لإنجاحه ، فقد أرسل حسين سلطان صبي للحزب عن طريق أحد الرفاق رسالة يطلب فيها تهيئة المستلزمات اللازمة لإنجاح العملية ، وتهيئة السبل الكفيلة بإخفاء الهاربين ، ولكن حدوث الانشقاق الكبير وخروج جماعة القيادة المركزية عن الحزب ، ادي لحدوث خلافات بين المعتقلين المشاركين بالعملية . عند زياره الرفيقة آبلة الشيخ الى السجن لمواجهة أخيها عزيز الشيخ وطلبت اللقاء بحسين سلطان ، أكدت على أن منظمة الحلة للحزب لا يستطيعون إيواء الهاربين من السجن في المدن بل توجد إمكانية لإيوائهم في الريف ، كما أكدت على إمكانية المساعدة المادية في المواجهة الثانية.
• بأية وسائل تم حفر النفق وكيف بدأتم؟
• تم حفر النفق بأدوات بسيطة وبدائية حصلنا عليها من خلال عملنا في السجن ، منها ملاعق و قلم حديد و فأس صغير .
• كم كان طول النفق ، وهل هنالك من الرفاق من ساعدكم باحتساب مسافة طول النفق عن مكان الخروج ، وانا عرفت ان هنالك كان كراج لنقل المسافرين بجانب السجن وكانت النية بالخروج والهروب منه؟
• كان طول النفق ( 17 )مترا أما الارتفاع ( 70-75 ) سم ، و العمل يجري بشكل منتظم وبالتزامات صارمة وسرية تامة وتفان لانجاز المهمة ، وليس هناك أي تفكير أو نوايا سلبية ، وكانت الروح الرفاقية الشيوعية هي السائدة بيننا , وقد واجهنا مواقف خطيرة كادت تعصف بأحلامنا وآمالنا لكن وحدة الإرادة والتماسك الرفاقي تمكنا من تحقيق الهروب .
• هل توقف العمل في حفر النفق، وهل واجهتكم مشاكل مع الرفاق في السجن؟
• ظلت روحية التعاون السامية هي السائدة بيننا ، حتى أواخر أيلول من عام 1967 حيث أعلن الانشقاق الكبير والخطير في الحزب , والذي قاده عزيز الحاج أو ما يسمى بالقيادة المركزية ، فكانت الكارثة إذ انقسم الحزب وتمزقت وتشتت تنظيماته وأضعفته أمام العدو، وكان لهذا الانقسام والتمزق انعكاساته المباشرة بطبيعة الحال على السجناء السياسيين في جميع السجون العراقية ومنها نحن في سجن الحلة ، في وقت كان فيه العمل في النفق على وشك نهايته ، وقف السجن على قدميه في نقاشات ساخنة حادة من الصباح حتى ساعات متأخرة من الليل , واحتدمت المناقشات وتحولت إلى صراعات ومشاجرات اتسمت بالعنف في كثير من الأحيان , وبفعل تلك المشاحنات والتوترات العصبية توقف العمل في النفق ، وسادت الفوضى العارمة في السجن , وغابت الروح الرفاقية , و إزاء هذه الفوضى العارمة وحالة الانفعالات والتوترات العصبية ، اتخذت المنظمة الحزبية بقيادة حسين سلطان قرارا بإجراء استفتاء عام لكل السجناء , وتحديد موقف كل منهم بحرية وقناعة تامة في أن يكون الرفيق مع الحزب ولجنته المركزية أو مع المنشقين ، وكان قرارالاستفتاء من قيادة المنظمة قد وضع حدا للصراعات والمهاترات ، وعاد الهدوء إلى السجن بعد أن انقسمت المنظمة الحزبية الواحدة إلى منظمتين ، وعلى النحو التالي: منظمة الحزب اللجنة المركزية (حسين سلطان ، لطيف حسن الحمامي، عبد الأمير سعيد، جميل منير – حميد غني جعفر) أما المنظمة التي تمثل القيادة المركزية “المنشقين” فهي (الشاعر مظفر النواب، حسين ياسين، حافظ رسن) وبسبب وقوفي مع الحزب مما أثار غضب واستياء المجموعه ضدي ، حتى بذل حسين ياسين عدة محاولات لإقناعي بالانضمام إليهم فرفضت , ولذلك حاول المنشقون إبعادي عن عملية الهروب بأي طريقة . وبعد عودة الهدوء واستتباب أوضاع السجن ، جرى الاتفاق بين منظمة الحزب والمنشقين على العودة إلى العمل في النفق وانجاز ما تبقى منه وكان المتبقي بحدود ثلاثة أمتار , وكان ذالك في أوائل تشرين الأول عام 1967.
• من خلال صغر مكان العمل فى النفق تتكدس كمية كبيره من التراب ، كيف يتم التخلص منها ، وما هي المشاكل التي واجهتكم أثناء حفر النفق؟
• هنالك عقبات ومعوقات كبيره ومنها هو كيفيه التخلص من التراب المستخرج من النفق , فالغرفة صغيرة لا تستوعب كميات التراب ، لأن الضلع من جهة اليسار فيه فوهة النفق والضلع الثاني هو باب الصيدلية الرئيسي ومنها الدخول والخروج بقي ضلعان فقط احدهما امتلأ بالتراب حتى السقف أما الضلع الآخر من جهة اليمين فقد صنعنا له صندوق كبير من الخشب و الفايبر، وكدسنا فيه التراب وظلت هذه المشكلة تواجهنا فترة حفر النفق ، وطرحت على حافظ رسن الذي كان على اتصال يومي بحسين سلطان ليزوده بتقرير شفهي عن آخر التطورات وما يواجه العاملين بالنفق من معوقات ، وتم التنسيق بينهما والاتفاق على الطلب من إدارة السجن ومن خلال ممثل السجناء على جلب ثلاثة أحمال من التراب لاستعمالها في تحصين سقف كابينة المقهى والمكوى لقرب حلول موسم الشتاء , وكان ذالك لغرض التمويه على إدارة السجن والتخلص من التراب , وقمنا فعلا بجلب التراب أنا وكمال وفاضل إلى المقهى في وضح النهار ، وبعد أن خلد الجميع إلى النوم ، قمنا بنقل التراب من النفق إلى المقهى بترتيب خفارة ليلية فاضل وعقيل ساعة وحسين ياسين وجدو ساعة أخرى ، لكن معضلة التراب ظلت قائمة فقمنا بملء العلب الفارغة من التايد أو الحليب ورميها في حاويات الأوساخ لينقلها المنظفون صباح كل يوم خارج السجن في الأماكن المخصصة للقمامة . وكانت وحدة الإرادة والعمل الجماعي والروح الرفاقية والتفاني ونكران الذات، كفيلة بتذليل كل الصعاب والمعوقات , وكنا نتدارس سبل معالجة تلك المعوقات ونطرحها على حافظ رسن وبدوره ينقلها إلى حسين سلطان ، وكنت أشاهدهما يلتقيان يوميا ويأخذان الساحة ذهاباً وإياباً ليناقشا الأمور ليجدان الحل الملائم لها ، بهذه الروحية المتفانية كان يجري العمل حتى أواخر أيلول من العام 1967 , وبحدوث الانشقاق غابت الروح الرفاقية وتغلبت الأنانية وحب الذات كما أوضحنا، لكن العمل هذه المرة لم يكن بذات الروحية الشيوعية التي كنا قد بدأنا بها قبل الانشقاق فقد تغيرت تماماً وتناسى العاملين للأسف شيوعيتهم وباتت النزعات الأنانية وحب الذات والتعامل بروحية – الند للند – وتعرضت للكثير من الضغوطات والمضايقات بهدف إبعادي عن عمل حفر النفق , وتضجرت من ذلك حتى أخبرت الرفيق حسين سلطان مسؤول المنظمة بالأمر ، فأشار علي بضرورة التحلي بالصبر وأني في مهمة حزبية ويجب مواصلة العمل سيما وأنه أوشك على نهايته ، والتزمت برأي حسين سلطان و واصلت العمل ، لقد كانت قيادة أبو علي للمنظمة تتسم بالضبط الحديدي والدقة في تنفيذ لكل مهمات الحزب وتوجيهاته , وكان يحظى بتقدير واحترام كل السجناء.
• هل تم تفتيش قاعات السجن من إدارة السجن كروتين دوري ، أم بسبب علاقاتكم الطيبة مع إدارة السجن كانت تبتعد عن أهمية التفتيش للقاعات؟
• ذات يوم شديد الحرارة فوجئنا بزيارة مدير السجون العامة ، وبعد لقاء لجنة التنظيم معه ، وطرح مطالب السجناء إليه , رفض تلك المطالب وقام بجولة يستطلع فيها أوضاع السجن ، و بصحبه مدير السجن والمأمور وعدد من الحراس ، وعلى غير العادة المتبعة لم يرافقه ممثل السجناء ، و ابتدأ جولته من القلعة الوسطى ثم جاء إلى القلعة الجديدة واتجه إلى الممر الذي تقع فيه غرفة النفق ، وكنا نراقب بقلق شديد ما سيحدث خشية أن يطلب فتح باب الصيدلية فتقع الكارثة وتضيع كل الجهود وتتبدد الآمال في الالتحاق بالحزب ، كانت لحظات من الفزع والخوف ، وما إن لمست يداه القفل على الباب ، حتى كدت اصرخ , لكني تماسكت وكان بجانبي فاضل الذي كان بصراحة أكثر تماسكاً مني ، وسأل المدير مرافقيه عن الغرفة، فأجابه احدهم إنها غرفة تواليت مهجورة فرفع المدير يديه عن القفل وعاد من حيث أتى فكانت فرحة لا توصف غمرت الجميع وكأننا كنا في حالة اشتباك مع العدو وتحقق لنا نصرا عظيما ، ومن فرط فرحتي ناديت السجناء المتواجدين في الساحة وقلت : تعالوا اشربوا الشاي على حسابي، ولم يدرك السجناء سر فرحتي .
• هل تستطيع أن تحدد بالضبط الفترة التي استغرق فيها حفر النفق؟
• انتهى العمل في حفر النفق في نهاية تشرين الأول عام 1967 واستمر العمل لمدة (58) يوماً ، علماً تقديرات السلطة كانت بعد هروبنا واكتشاف آمر النفق بـ(9) أشهر وأن يكون العمل ليل نهار لإتمام الحفر.
• متى تم الانتهاء من حفر النفق ، وكيف تم الاتفاق على الهروب؟
• في نهاية في نهاية تشرين الأول عام 1967 إنتهى العمل فى إكمال و حفر النفق وفى زياره أخي حسين للسجن قبل هروبي بعشرين يوماً طلبت منه أن يجلب لي بعض الحاجيات الضرورية (دشداشة وسترة وحذاء رياضة) مما أثار استغرابه بشكل واضح وقال :
أنت بالبيت متلبس دشداشة … . شلك بيه … ولك شغلة الدشداشة مو خالية ….
فأجبته على الفور: مو الدشداشة أروح من البجامة والحذاء أريده للرياضة الصباحية ….
ولم يكن مقتنعاً بما قلته له ، لكنه قد لبى كل طلباتي ، والحقيقة كانت هذه الطلبات باتفاق مع حسين سلطان ، لأني كنت قد أخبرت أبو علي بأني لا اعرف احياء الحلة ولا شوارعها , ولم أراها من قبل , فأين أتوجه عند الهروب ، فقال لي حسين سلطان :
لا عليك سأكون بانتظارك عند الخروج في باب الكراج لأصطحبك معي إلى الريف ، ولذا كانت الدشداشة والسترة هي المناسبة لوضع الريف ، وفي هذه الفترة كنا قد بلغنا بالعمل في النفق نهاياته ، فقد أصبحنا على مقربة من الكراج الملاصق لسياج السجن الرئيسي ، بعد أن تركنا مقدار طابوقتين أو ثلاثة وهي الفوهة التي تتسع لعبور شخص ، وتوقف العمل لحين ورود إيعاز من الحزب .
• هل كان هنالك تنسيق مع منظمة الحلة لترتيب مستلزمات عملية الهروب؟
• كانت منظمتنا الحزبية على اتصال دائم مع منظمة الحلة – محلية الحلة – وكان من المتفق عليه بين منظمة السجن والمحلية، بأن تقوم المحلية بتهيئة المستلزمات الضرورية لتسهيل عملية الهروب , ومنها تهيئة سيارات من داخل الكراج لنقلنا إلى مكان يختاره الحزب , ولم يكن لنا علم بهذا المكان ، ولكن ووفقاً لما قالته الرفيقة وابلة الشيخ لحسين سلطان من أن الحزب يستطيع إيواء الهاربين في الريف ، ولا يستطيع إيواءهم في المدن ، وعلى أن تكون السيارات بحماية عدد من الرفاق من تنظيم الحلة ، على هذا الأساس توقف العمل ولم يكن هناك أي موعد متفق عليه بين مجموعة العاملين في النفق مع منظمتنا الحزبية , لكن الذي اتضح إن المنشقين قد استغلوا فترة توقف العمل ليواصلوا العمل بمفردهم ومن وراء ظهر منظمتنا ودون علمي كشريك في العملية ، إذ قاموا برفع الطابوقتين أو الثلاث ، وقاموا بتغليف النفق بالبطانيات وبسحب سلك كهربائي إلى داخل النفق للإنارة وهذا ما كنا قد اتفقنا عليه مسبقاً ، واتضح لنا هذا الأمر في هذه الليلة الحاسمة ، وعندما أوشك العمل على نهايته حدثت بعض الإشكالات والألتباسات التي توقف العمل بسببها لفترة شهر ، ثم عدنا لأنجاز العملية وقمنا بتغليف ارض النفق والسقف بالبطانيات كي لا يظهر اثر للتراب في ملابسنا – عند الزحف داخل النفق – والخروج من فوهة النفق إلى مرأب السيارات وكانت عملية الهروب في ليلة تاريخية هي ذكرى اليوبيل الفضي لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ليلة 6-7 تشرين ثاني عام 1967.
• هل حدث خلاف بين الرفاق السجناء داخل السجن لكيفية الخروج من السجن إلى الحرية؟
• هذه الليلة التي أسميناها “بالحاسمة” لأنها كانت مفاجئة لنا ولمنظمتنا الحزبية التي كانت تتهيأ مع كافة السجناء للاحتفال بالذكرى الخمسون لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى التي اعتاد السجناء السياسيون من شيوعيين وتقدميين الاحتفاء بها وتمجيدها كل عام فهي من التقاليد الثورية ، وفي غمرة الاستعداد للاحتفال بهذه الليلة المجيدة ، لم يدور في خلد أي منا أن يحدث ما حدث في تلك الليلة ، إذ لم يكن هناك أي اتفاق أو موعد محدد مع منظمتنا ، أو بين منظمتنا ومنظمة المنشقين على تنفيذ عملية الهروب ، وكان الجميع بانتظار الإيعاز من الحزب أو محلية الحلة التي كانت تتهيأ لتسهيل عملية الهروب عبر خطة دقيقة ، يمكن من خلالها خروج اكبر عدد من السجناء ، لكن الذي اتضح أن المنشقين كانوا يخططون بمفردهم وحددوا هذه الليلة للهروب لوحدهم من وراء ظهر منظمتنا ، واستخدموا أساليب ملتوية بهدف إبعاد النظر عما يخططون ، إذ جاء صباح يوم 6 / 11 حافظ رسن لحسين سلطان وابلغه بأنهم “المنشقين” سيعقدون اجتماع لهم في القاعة الكبيرة رقم (7) المحاذية لغرفة الصيدلية ، فأجابه أبو علي أنه أمر يخصكم ، وبعد سويعات من صباح ذالك اليوم جاء مظفر النواب ليطلب من أبو علي أيضاً الأسماء المستعارة للرفاق الذين تقرر هروبهم لتثبيتها في هوياتهم على أن يأتي صباح اليوم التالي لاستلامها ، بهذه الأساليب الملتوية حاولوا إبعاد النظر.
• كيف عرفتم بأن المنشقين يحاولون استغلال النفق للهروب بدون علمكم؟
• قبل ساعة من تنفيذهم للعملية ، افتضح أمر المنشقين عن الحزب (القيادة المركزية)، حيث كنت أقف في الكشك لمزاولة عملي لبيع المشروبات الغازية عصر ذلك اليوم السادس من تشرين ثاني ، شاهدت عناصر من المنشقين – من القلعة القديمة – وهم يدخلون القلعة الجديدة ويتجهون إلى القاعة رقم (7) المحاذية لغرفة الصيدلية ، ويحمل كل منهم بيده رزمة أأو تسمى بلهجتنا الدارجة (بقجة) من القماش وكان عددهم بين 12-15 شخصاً وفي مقدمتهم حافظ رسن والشاعر مظفر النواب وحسين ياسين وعقيل حبش وفاضل وأخرون ، كما وشاهدت شخصاً يقف في باب القاعة ، وفجأة انقطع التيار الكهربائي لحظات ، ثم عاد مرة أخرى ، هذه المشاهد الثلاث (البقجة – انقطاع التيار الكهربائي – وقوف شخص في باب القاعة) لفتت نظري وبقيت أراقب هذه الحركات المريبة ، وتبادر إلى ذهني الشك سيما بعد انقطاع التيار الكهربائي ، واتجهت مسرعا إلى حسين سلطان الذي كان هو الآخر ؟ في الساحة يراقب هذا التحرك ، وأخبرته بخطورة الموقف , فقال لي أبو علي محذراً:
(جدو) هل أنت متأكد مما تقول من هذا الكلام الخطير .
فقلت له : نعم , وإلا لماذا قطع التيار الكهربائي يقيناً إنهم سحبوا السلك الكهربائي إلى داخل النفق , والبقجة بأيديهم بالتأكيد يخفون فيها ملابسهم التي يخرجون بها ، ثم قال:
تذكر يا رفيق انك ستكون المسؤول أمام الحزب إذا ظهر خلاف ذالك ,فأجبته على الفور وبقناعة تامة: نعم أنا المسؤول ، فأشار عليَّ أبو علي بحمل شيش من الحديد كان في الكشك استخدمه لكسر الثلج وتوجهت به إلى باب الصيدلية الرئيسي لكسر القفل , أما حسين سلطان (أبو علي) فقد ظل واقفاً في الساحة أمام الممر وإلى جانبه الرفيقين صاحب الحميري وعبد الأمير سعيد لمراقبة الموقف ، وقبل أن أضع الشيش في القفل ، استرق السمع من خلف الباب للتأكد من الحقيقة فسمعت وقع خطوات بطيئة وحذرة وصوت همس يقول :
هل الإنارة جيدة ؟ أيقنت ساعتها أن المنشقين يغدرون بنا وناديت من خلف الباب بصوت منخفض على حسين ياسين قائلا له :
هل هذه هي الأمانة الحزبية التي تربيت عليها ؟ .. الغدر برفاقك , وهنا رفعت القضيب الحديدي (الشيش) لكسر القفل ، وإذا بشخص يحاول أن يجذبني ويأخذ الشيش من يدي و يبدو انه مكلف من المنشقين بحراسة باب الصيدلية ، وتشابكت الأيدي كل منا يحاول جذب اآخر إليه ، وأخيراً انتصرت عليه بجذب الشيش وطرحته أرضا وقبل أن أسدد له الضربة كان الثلاثة “ابو علي وصاحب الحميري وعبد الأمير سعيد” قد جاءوا مسرعين ومنعوني من ضربه إذ كانوا في الساحة يراقبون الموقف ، وعندما شعر حسين ياسين بافتضاح أمرهم ويبدو أنه سمع أصوات مشاجرتنا فناداني بصوت خفيض ومرتعش من خلف الباب قائلا :
جدو جدو … تعال هنا نتفاهم ، فأجبته :
ليس لي تفاهم معكم , التفاهم مع الحزب , وكان جوابي هذا إلى حسين ياسين.
• كيف تم الاتفاق مع المنشقين على ساعة الهروب بعد أن ظهرت المشاكل في المنظمة الحزبية؟
• أوعز حسين سلطان للرفيقين الحميري وسعيد باتخاذ اجراءات احترازية لأن القضية أصبحت مكشوفة أمام السجناء , وطلب منهما الوقوف في باب القلعة ومنع خروج أو دخول أي من السجناء خشية تسريب خبر النفق إلى إدارة السجن ، فتضيع كل الجهود سدى إضافة لما قد يتعرض له السجناء من أذى ، ثم دعاني أبوعلي للذهاب معه إلى القاعة الكبيرة التي يجتمع فيها المنشقون بعد خروجهم من غرفة النفق ، وكان هناك الشاعر مظفر النواب وحافظ رسن وحسين ياسين وآخرون ، كانت الوجوه متجهمة غاضبة ومرتسمة عليها الانفعالات والتوتر العصبي ، وبدأ الكلام أبو علي وبكل هدوء قائلا:
رفاق نحن جميعا مناضلون شيوعيون وإذا انقسم الحزب اليوم , فلابد أن يتوحد غداً وتجارب الحزب غنية بهذا الشأن ، وهنا انبرى مظفر النواب مقاطعا بانفعال وعصبية شديدة قائلا :
لا …. لا …. انتم يمين ورفع يده اليمنى إلى الأعلى , ونحن اليسار ورفع يده اليسرى , ولا يمكن أن نلتقي أبدا , ولا اقصد هنا الإساءة لشاعرنا الكبير الأستاذ النواب فهو صديق عزيز وأكنَّ له كل التقدير والاحترام فأنا على اتصال وتواصل معه ، وقد أكد هذا الرجل إصالته كمناضل ثوري وما زال يحمل هموم شعبه ووطنه ويعيش قسوة الغربة ، والمهم أن أبو علي قد شعر أن لا جدوى من النقاش بمثل هذا الجو من التوتر والانفعال وليس هناك متسع من الوقت في إطالة الحديث بسبب خطورة الموقف إذ أصبح مكشوفا أمام السجناء ، فاستدرك أبو علي قائلا :
المهم الآن إن نتفق على كيفية تنظيم عملية الهروب ، فأجابه النواب:
واحدا منا وواحد منكم ، فأجابه أبو علي :
إذا كان هذا رأيكم فلا باس، ولكن يجب أن لا يكون الأول منكم فاستغرب النواب كلام أبو علي واستدرك قائلا :
من الأول إذن؟ أجابه أبو علي: الأول جدو , مشيرا بيده لي ، فوافق النواب ، لكني في الحقيقة رفضت أن أكون الأول احتراماً وتقديراً لأبو علي كونه أكبر مني سنا ثم أنه عضو لجنة مركزية وحاجة الحزب إليه اكبر فقلت له:
لا … أنت الأول وبعد هذا الحوار الساخن المتوتر ، تم الأتفاق على العشرة الأوائل خمسة منا وخمسة منهم وبالتناوب ، أي واحد منا وواحد منهم ، وبدأنا التهيؤ للأنطلاق، وأعطاني أبو علي مبلغ خمسة دنانير ، وهكذا تم التنفيذ بما اتفق عليه فكان أبو علي قد خرج الأول ثم تبعه النواب ومن بعده (جدو) وهكذا وبعد خروج المجموعة الأولى ، حدث الهرج والمرج والتدافع والتسابق بين السجناء ، حتى علمت إدارة السجن أخيرا من حارس الكراج ، كان الحارس خائف من خروج الأشباح أم الجن من حفرة الكراج ، فصاح بصوت علي شرطي المرور الموجود لتنظيم السير قرب السجن ، وأبلغ شرطي المرور حرس السجن عن عملية الهروب . وبذالك حاول المنشقون الإيحاء للرأي العام والشيوعيين العراقيين بأن هذه العملية البطولية هي من انجاز القيادة المركزية – المنشقين – والواقع فإن الذي ساعد المنشقين في تعزيز هذا الانطباع للشارع العام هو عاملين رئيسيين , الأول .هو أن تنفيذ الهروب تم بعد وقوع الإنشقاق بحوالي الشهرين ، والثاني. أن غالبية الهاربين كانوا من المنشقين ، وأن رفاق الحزب كانوا قلة إذ لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ، أما كيف ولماذا كان ذالك ، هذا ما يجهله الشارع والشيوعيين العراقيين الذين غابت عنهما الحقيقة تماماً وعلى مدى أربعة عقود من الزمن بسبب سياسات النظام البوليسي القمعي وإنعدام حرية الصحافة والنشر ، وليس هذا بخافٍ عن شعبنا وقواه الوطنية الذين عانى الأمرين من نار ذلك النظام الفاشي الدموي ولن تسنح فرصة مناسبة لكشف هذه الحقيقة ولذا أرى إنه آن الأوان اليوم لإطلاع الرأي العام والأجيال الجديدة من الشيوعيين العراقيين على إحدى المآثر البطولية للشيوعيين , وما أكثرها في السجل الطويل والمشرق لحزب فهد وسلام عادل الخالدين أبدا.

• هل اتخذتم الاحتياطات اللازمة بعد الهروب من حمل هويات مزورة لتجاوز السيطرات الأمنية ؟
• بداية تموز من العام 1967 كلفت المنظمة ثلاثة رفاق بمهمة الأشراف على عمل الهويات , ثم تهيئة الإعداد للهويات –المزورة –وسحب الصور للرفاق الذين تقرر هروبهم وهم الشاعر مظفر النواب والمعلم حسين ياسين من أهالي الناصرية وحافظ رسن , لكن الهويات المزورة لم تسلم لأعضاء منظمة الحزب واستفرد بها أعضاء القيادة المركزية .
• هل هربت من السجن مع بقية الرفاق , وبعد خروجك من السجن أين اختفيت , وكيف تم اتصالك بالحزب لغرض العودة للنضال؟
• خرجت الثالث عبرَّ النفق كما كان متفق عليه من خلال الكراج , وتنسمت عبير الحرية التي حرمت منها لسنوات , واتجهت بخطوات هادءه إلى باب الكراج وكان الحارس جالساً في باب الكراج ، ألقيت عليه التحية , فرد التحية بطيبة , ثم وقفت أمام باب الكراج انظر يمينا وشمالا بحثاً عن حسين سلطان (ابو علي ) كما هو متفق عليه فلم أجده ، وانتابني شعور بالقلق والحيرة لأنني لا اعرف من أين اتجه وأي طريق اسلك ، فأنا لم أرى مدينة الحلة من قبل , وبينما أنا بهذا الحال ، وإذا بعربة تجرها الخيول (ربل ) تتجه نحوي , ودون أي كلام قفزت إلى داخل العربة وجلست على أحد مقاعدها حتى ذهل الحوذي من فعل المفاجئة والتفت بوجهه نحوي متسائلا ؟…ها عمي وين تريد …أجبته على الفور :
عمي أريد كراج بغداد , وبعد أن اطمأن قال :
ممنون عمي …وأخذت الخيول تجر العربة وهي تركض خببا باتجاه كراج بغداد وعند الوصول إلى الكراج ، أعطيت الحوذي أجرته وترجلت على عجل ، الآن أنا حر طليق في عالم الحرية الرحب وبدأت أحث الخطى وعيناي تبحث عن أشخاص كانوا قبل لحظات معي بين أربعة جدران ، فلربما قد سبقني إلى هذا المكان أبو علي لكني لم أجده أيضا .
• كيف تمكنت من الانتقال من مدينة الحلة إلى بغداد , ومع مَنّ من الرفاق الهاربين من السجن؟
• كانت السيارات منتشرة وكثيرة ، لكن الركاب قليلون , الأمر الذي يتطلب الأنتظار لوقت طويل ، وهذا ليس في صالحي بهذا الظرف المحرج ، سيما لم يكن معي المال الكافي لاستئجار سيارة لحسابي الخاص ، وبينما أنا بهذه الحيرة والقلق شاهدت مظفر النواب وحسين ياسين وحافظ رسن وفاضل عباس اتجهوا نحوي وهم ينظرون إلى السيارات أيضا ، ثم اتفقنا على استئجار سيارة لحسابنا الخاص , واتفقنا فعلاً مع أحد السواق لنقلنا إلى بغداد الحبيبة , انطلقت السيارة بنا صوب بغداد ، كان مظفر يرتدي الزي العربي العباءة والعقال وتبدو عليه علامات الهيبة والوقار , ونظر مظفر بطرف عينيه الى السائق وبادره بالسؤال
خوية اسمك بالخير ؟
فأجابه السائق: …اسمي حسين ..وانت حجي شسمك ؟
فأجابه مظفر بدون تردد: ….آني اسمي زاير ثويني ، ثم سأل مظفر السائق مرة أخرى:
خوية أبو علي هل هناك سيطرة تفتيش في الطريق ؟ وقبل أن يجيبه السائق ، شعر مظفر كما يبدو بأن سؤاله ملفت للنظر فاستدرك قائلا : …خوية أبو علي …والله عندي هذا خادمك – مشيرا بيده لي لأني أصغرهم سنا – طالب إعدادية وناسي هويته بالبيت …وأحنا مستعجلين وجايين لبغداد لاستلام جنازة ،أجابه السائق وهو ينظر لي : …والله يا زاير ثويني اكو تفتيش بالطريق مو ماكو …بس أنتوا من توصلون السيطرة …أقروا آية الكرسي وإنشا الله كلشي ماكو ، وشكره مظفر على نصيحته .
ومرَّ الوقت ثقيلا وكان الجميع متوجسون إلى حد كبير لأنهم يعلمون إني الوحيد بينهم بلا هوية وهذا مصدر القلق ولذا كانوا يخشون من أي طارئ قد يفاجئنا ، وأخذت المسافة تقصر شيئاً فشيئاً حتى أصبحت بغداد على مرمى البصر منا ، وعند الساعة العاشرة ليلا وصلنا إلى بغداد وتوقفت السيارة في ساحة المتحف “علاوي الحلة ” فاطمأنت نفوسنا وزال الخطر وترجلنا جميعا من السيارة على عجل ، وبينما كنا نهم بالافتراق كل إلى جهته قال لي حسين ياسين :
تجي ويانة فقلت له ؟….لا أشكرك هذا حدنه وياكم ، وأتجه الأربعة إلى الجهة التي حددوها سلفا ، فيما اتجهت أنا إلى وجهة أخرى , شعرت بفرحة عارمة تغمرني وأنا في الطريق إلى الكاظمية من منطقة علاوي الحلة (مقابل سينما بغداد ) وأنا الآن حرّ طليق وعلى موعد مع حبيبتي مدينة الكاظمية ومع الحزب .
• ماذا كان يجول في خاطرك وأنت حرّ طليق في مدينة الكاظمية ؟
• وصلت إلى (باب الدروازة ) فتواردت إلى ذهني صور المقاومة البطولية أبان انقلاب الثامن من شباط الأسود عام 1963 وارتسمت أمامي صور احتلالنا لمركز الشرطة والتظاهرات والنداءات التي وجهناها إلى الجماهير التي هبت لمقاومة الانقلابيين الفاشست ، وسلكت الأزقة الضيقة المظلمة خشية السير في الشوارع الرئيسة ودخلت (عكد الكنجلي ) كما يسميه الكاظميون وهو من الأزقة القديمة المظلمة ، وتذكرت عريف الأمن (جاسم عفتة ) عندما مسكني يوما ها هنا أواخر عام 1962 , وكان الوقت ليلا أيضا ،وكنا قد خرجنا للتو من اجتماع حزبي وكنت احمل معي محضر الاجتماع الذي كان من ورق الرايز الشفاف وملفوف على شكل قطعة حلوى ، سارعت حينها وبسرعة غير ملحوظة من أحد إلى وضع المحضر بين إصبعي السبابة والإبهام ورفعت يدي إلى الأعلى ليفتشني العريف جاسم ، ولم يجد أي شيء عندي فانصرف ومعه شرطي الأمن (محمد جواد حساني )حتى دهش الرفيقان الذين كانا معي وقالا أين أخفيت المحضر يا رفيق ؟ وواصلت السير مسرعا وكانت الساعة الحادية عشر ليلا باتجاه محلة “البحية وأم النومي ” حيث كان يسكن أخي ” جعفر ” لكني لم اعرف بالضبط أين منزله (كونه مستأجرا ) وذهبت إلى بيت عمه “والد زوجته “وسألته عن بيت جعفر النداف ، وخرج أبو جاسم (عم زوجته )وقد غلب عليه النعاس – كما بدا عليه – فضلا عن كونه كريم العين – ولم يعرفني ، وسألني قائلا: شتريد منه بهذا الوقت ؟أجبته على الفور:
أنا نداف وعندي شغل مستعجل وأريد مساعدته غداً في العمل ، واصطحبني الرجل الطيب إلى بيت أخي ، وتحاشيت الكلام معه طيلة مسافة الطريق كي لا ينتبه ويعرفني من خلال صوتي وبعد ذلك ينشر الخبر في المنطقة ويفتضح أمري ، ثم أشار بيده إلى زقاق ضيق يقع بيت أخي ، وهنا بادرته وطلبت منه الرجوع لداره وشكرته على صنيعه ومعروفه لأنه كان نائماً وربما سببت له الإزعاج بعد عودته لبيته ، توجهت أنا صوب الباب وطرقته بهدوء ، وخرج أخي فأصابه الذهول وكأنه غير مصدق لما يرى أدخلني البيت بسرعة وهو ينظر إلى الشارع ليطمئن لخلوه من المارة والفضوليين وبعد نيل قسط من الراحة قلت لأخي جعفر: لحسن الحظ أن أولادك جميعهم نائمون فلا تخبرهم بشيء وعليك أن تأخذني حالا إلى بيت أخي حسين ، لأنه يسكن في مدينة الحرية (الدولعي ) بعيداً عن محلتنا (أم النومي ) فاصطحبني جعفر على دراجته الهوائية إلى الدولعي وكانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل , وعند وصولنا فوجئ الجميع أيضاً واستيقظ أخي حسين ثم طلب من جعفر أن يأتي في الصباح الباكر لينقلني إلى بيت عمي في الوشاش لحين عودة حسين من الدوام حيث كان قد التحق للخدمة العسكرية جندي مكلف بعد إطلاق سراحه من سجن نقرة السلمان ، وفعلا جاء جعفر مبكراً صباح اليوم التالي لينقلني إلى الوشاش وعلى دراجته الهوائية أيضا وهو يحب الحزب لكنه ليس شيوعيا وكان قد شارك في مقاومة انقلاب الثامن من شباط الأسود عام 1963 أما حسين فقد كان رفيقا شيوعيا .
• هل اتصلت بقيادة الحزب للعودة إلى النضال بعد هروبك؟
• في مساء يوم -7-11-1967 وهو اليوم الثاني للهروب كان أخي حسين قد ابلغ الحزب ، وجاء رفيق من الحزب ليلاً إلى الوشاش ونقلني إلى بيت احد الرفاق , وهكذا التحقت إلى صفوف الحزب من جديد لمواصلة النضال المشرف والطويل , كان مكان هذا البيت في الكاظمية وصاحب البيت رفيق معروف ومكشوف في المنطقة ، ولذا فإن الحزب لم يطمأن حتى نقلني في اليوم التالي إلى بيت آخر وفي منطقة أخرى .

• كما سمعت وانا شاب يافع في تلك الفترة عن عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة , كم كان عدد الرفاق الهاربين , و كيف كان شعورك عند إعلان حكومة عارف عن عملية الهروب ؟
• الإعلان عن عملية النفق والهروب بعد ثلاثة أيام من الهروب ، جاءني الرفيق أبو علاء (الذي كنت مختفيا في بيته ) بجريدة ( الإعلان )الصادرة حينذاك والتي نشرت تصريحا لمدير السجون العام يعلن فيه عن عملية النفق والهروب من سجن الحلة المركزي وتمكن مجموعة من السجناء السياسيين من الهروب من السجن ، وذكر إن عددهم بلغ أربعين سجينا وأكد مدير السجون بأنه تم إلقاء القبض على (14) سجينا منهم داخل مدينة الحلة كما نشرت أسماء الهاربين والواقع كان هذا الرقم (40) مفاجئا بالنسبة لي ، إذ كنت أتوقع أكثر من هذا الرقم بكثير وكان من المؤمل فعلا أن يكون أكثر ، لو لا عملية الغدر التي قام بها المنشقون كما سبق الإشارة ، هذا وقد ذكرت جريدة (الإعلان )أسماء السجناء السياسيين وسنوات محكومياتهم وكما ياتي :
1- جاسم محمد المطير 20 سنة
2- حمادي عبد الله 20 سنة
3- حسين علي مراد 20 سنة
4- حافظ رسن 5سنوات
5 – حسين ياسين 3سنوات
6- عبد العزيز الحامد 20 سنة
7- عبد الجبار علي الجبر 20 سنة
8- عبد اللطيف حسن 20 سنة
9- عبد الامير سعيد 20 سنة
10- حميد غني جعفر 20 سنة
11- عدنان ابراهيم 20 سنة
12- رياض كريم حبش 10 سنوات
13- عادل عباس زبالة 7 سنوات
14 –عبد الجبار مال الله 20 سنة
15- مظفر عبد المجيد النواب 20 سنة
16- ريحان عبد الله 15 سنة
17- نبيل حسين 15 سنة
18- غانم داود الموصلي 5 سنوات
19-عدنان عبد الله سمعو 20- سنة
20-اسعد عبد العاقولي 20- سنة
21- عقيل عبد الكريم حبش 10- سنوات
22- سعدان فهوي 20- سنة
23- سعد الله ملا محمد 12- سنة
24- جياد تركي 20- سنة
25- كمال مدني 11- سنة
26- محمد حسين حمدي 10- سنوات
27- صدام حميد 20- سنة
28- قحطان عارف 27- سنة
92- محمد موسى كاظم 5- سنوات
30- حز علي جاسم خلف 20- سنة
31- بشير الزرعو 20- سنة
32- صلاح حسن شاهين 20- سنة
33- هادي صالح 3- سنوات
34- محفوظ يونس 20- سنة
35- جاسم حذو 15- سنة
36- جواد عبد الله 10- سنوات
37- حسين سلطان 9- سنوات
38- عبد الواحد خلف 20- سنة
39- حازم صابر 1- سنة
40- فاضل عباس 17- سنة
• هل هنالك إضافات أو تعليقات رفيقي العزيز أتمنى ذلك لتكون شاهداً و ليسجلها التاريخ ؟
• من هذا المنطلق لإيضاح وتثبيت الحقيقة , كانت كل كتاباتنا وحواراتنا ليس الظهور بمظهر البطولة وإبراز دوري الشخصي كما يسعى إليه المنشقون لأن دوري قد ذكره كل المشاركين في العملية وفي المقدمة منهم عضو اللجنة المركزية للحزب و مسؤول المنظمة الحزبية الراحل حسين سلطان وهذا لوحده مفخرة أعتز بها ، وكذلك ذكره حتى المنشقون أنفسهم مثل الأستاذ المطير والزميل عقيل حبش وكمال ملكي وآخرون والباحث محمد علي محيي الدين (أبو زاهد) ، وتحدثوا عني قبل أن أتحدث أنا عن نفسي ، إذاً دوري لا يحتاج إلى شهادة ، والمهم هو دور الحزب ومنظمته الحزبية ودور الرفيق حسين سلطان وهذا ما حاول المنشقون إلغاءه وتهميشه وهو ما حفزني لتأكيد دور الحزب وقلت منذ البداية إن البطولة كل البطولة والفخر هي للحزب وحده , و نحن إلا جنود منفذين لمهماته النضالية , إن مسؤولية الحفاظ على تاريخ الحزب من التشويه والتزوير والسرقة ، هو أمانة كبرى بأعناقنا ، وها نحن قد ابلغنا الأمانة أمام الحزب والتاريخ ، وأخيرا تبقى كلمة الفصل الأولى والأخيرة هي لقيادة الحزب الحالية في الدفاع عن تأريخ الحزب المشرق والحفاظ عليه من التشويه والتزوير والسرقة .

Posted in فكر حر | Leave a comment

أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟؟

uwantfreedomأهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟؟
عادل حبه
في مقدمة كتاب لم ينشر آنذاك لكارل ماركس تحت عنوان ” مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيغل” الذي كتبه في عام 1843، أشار كارل ماركس في المقدمة التي نشرت في عام 1844 في مجلته “الحوليات الألمانية الفرنسية” والصادرة بالتعاون مع آرنولد روج دون إلى أن :”المعاناة الدينية هي في آن واحد وفي الوقت نفسه، تعبير عن معاناة حقيقية واحتجاج على المعاناة الواقعية. الدين هو تنهيدة المخلوق المضطهد، قلب عالم لا قلب له، وروح ظروف بلا روح. إنه أفيون الشعب”. ولقد سبق أن استخدمت هذه العبارة قبلئذ من قبل الروائي الفرنسي الثوري وسجين الباستيل ماركيز دي ساد عام 1797 في روايته “تاريخ جوليت”، الذي أشار إلى أن “الدين يفعل فعله كأفيون بشكل محض”. لقد فُهمت عبارة ماركس من قبل بعض أتباع التيار الديني وفسرت بشكل مشوّه ومغاير لما قصده كارل ماركس. فقد اعتبر هؤلاء إن هدف ماركس من مقولته هو الإساءة والتشهير بالدين وبالمعتقد الديني، وكالوا الشتائم تلو الشتائم له وكفروا حملة أفكاره. ولكن قراءة متأنية ومحايدة لعبارة ماركس تقودنا إلى حقيقة أن ماركس لم يقصد في عبارته الاساءة إلى المعتقد الديني، بقدر ما كان يسعى إلى تبيان دور الدين في حياة المؤمنين الذين يؤمنون بأنه يخفف من معاناتهم ومن البلايا التي يصادفونها في حياتهم على يد البشر والطبيعة عندما يُشبّه كارل ماركس الدين بالافيون. فالأفيون استخدم ومازال يستخدم إلى الآن في التخفيف من آلام المرضى والمبتلين بالمعاناة.
إننا لو تخيلنا الآن أن الفرصة قد سنحت لكارل ماركس بالخروج حياً من قبره في مقبرة “هاي غيت” اللندنية، فستنتابه الدهشة والحيرة من حجم وبشاعة المآسي التي ترتكب باسم الدين في العالم، وتحديداً في العالم الإسلامي. إن ممارسات المتطرفين من أمثال داعش، وممارساته الوحشية والشذوذ الأخلاقي والنهب والتفنن في أفعال القتل إلى مديّاتها القصوى، وأقران داعش من المنظمات والمليشيات الدينية المسلحة ورجال التطرف الديني في عالمنا الاسلامي المنكوب وتخريفات بعض رجال الدين، لابد وأنها ستدفع كارل ماركس إلى إعادة النظر في عبارته المشهورة الدين هو أفيون الشعوب ووسيلة للتخفيف من معاناة الناس. فالبربرية والوحشية التي تمارس باسم الدين ستفرض على ماركس أن يطلق على هذا الدين الغريب العجيب الذي يعصف بأرواح شعوبنا ويدمر بلداننا صفة ” سرطان الشعوب”، وليس “أفيون الشعوب”. فسدى ولحمة ما نشهده من ممارسات وحشية لداعش والقاعدة وكل أنصار التطرف الديني والمذهبي هو ارساء تقاليد وأعراف قائمة على الوحشية وأساليب القتل والاعدام البربرية والعنف والنهب والتدمير والجهل والتخلف والخرافات والتعصب وتصفية كل من لا يدين بـ”دينهم” وتعطيل الحياة في مجتمعاتنا.
ويركز أتباع هذا الدين كل شرورهم على المرأة وتهميشها وتحويلها إلى سلعة للنخاسة والبيع والشراء وممارسة تقليعة المتعة والمسيار والزواج العرفي أزائها، وشرعنة الاغتصاب حيالها تحت واجهة مفردة غريبة هي “جهاد النكاح” و “جهاد الشهوة”!!، وهي مقولات وهرطقات عجيبة و لا تجد مثيلا لها في النصوص الدينية. لقد حوّل انصار هذا الدين “الجنة” التي تُعد حُلم المؤمنين في المدينة الفاضلة الى مجرد جُحر للدعارة ومبغى عام يحلم به المشوهون جنسياً والمنحدرون أخلاقياً، ومن الذين لا هم لهم سوى اللهاث وراء الجنس المبتذل وسراب أربعين حورية وسبعين جارية كي ينفذوا غزواتهم الانتحارية ويزهقوا أرواح الآلاف من الأبرياء. ولقد بلغ البعض حداً من الابتذال والاسفاف المخجل، بحيث أن الدعي محمود المصري لم يجد في سيرة الرسول وفضائله سوى “أن قوة الرسول الجنسية تعادل 4 آلاف رجل!!!”. وعلى هذا النهج يتحول اتباع هذا الدين حتى إلى سماسرة على زوجاتهم وأخواتهم. ومن المناسب الاشارة بهذا الصدد إلى خبر أشبه بالأساطير نشرته الصحافة التونسية عندما القت الشرطة التونسية القبض على زوج وزوجته كانا ضمن عناصر جماعة “داعش” الارهابية وهم يحاولان العودة إلى تونس عبر الحدود الليبية قادمين من سوريا، وإحالتهما إلى القضاء. وافاد موقع ” المرصد” ان صحيفة الشروق التونسية نقلت اعترافات “داعشية” تونسية تبلغ الثلاثين من العمر، ووالدة لطفلين أحدهما في شهره الثاني، والتي سافرت بصحبة زوجها إلى سوريا “للجهاد ضد الكفار” ومارست سلوكاً لا اخلاقياً مع ما لا يقل عن 100 داعشي في 27 يوما قبل الفرار من جحيم القتال إلى بلادها بطرق ملتوية. ونقلت الصحيفة عن هذه الداعشية وأسمها نورهان اعترافاتها، التي ورد فيها إنها انتقلت إلى سوريا بصحبة زوجها، عبر ليبيا صوب تركيا، ومنها إلى مدينة أعزاز السورية، مشيرة إلى ان زوجها تنازل عند طلب “داعش” في المنطقة الخاضعة لقيادات تونسية أخرى، بوضع زوجته في خدمة عناصر الجماعة. وأضافت نورهان أن زوجها بعد محاولات للرفض لم يجد بُدّاً من الإذعان لطلب “داعش” خوفاً على حياتهما. وأصبح الزوج مسؤولاً عن تلبية طلبات عناصر الجماعة من زوجته. واشارت الى انها كانت تعمل مع 17 سيدة اخرى من جنسيات مختلفة، مصرية وطاجيكية وشيشانية ومغربية وسورية وفرنسية وألمانية وغيرها، مؤكدة انهن كن يخضعن لأوامر مشرفة ومسؤولة صومالية تدعى أم شعيب. واكدت نورهان، أنها استمرت في “جهاد النكاح” حوالى شهر قبل إصابة زوجها في إحدى الغارات، مما سهل لهما الانتقال إلى تركيا للعلاج، ومنها تنظيم فرارهما إلى تونس، عبر ليبيا، قبل القبض عليهما على الحدود من قبل الأمن التونسي.
ويسخر المفكر الاصلاحي الإيراني علي شريعتي في كتابه “التشيّع الصفوي والتشيّع العلوي” من هرطقات وخزعبلات وممارسات متطرفة ينتهجها التشيّع الصفوي، حيث يورد على لسان رجال الدين الصفويين هذه الرواية:” تمكن الإمام علي من تحويل الرجل المنافق على الفور إلى كلب؟؟، كما أنه وبنفحة واحدة وفي طرفة عين زوّج امرأة وأنجبت لزوجها أطفالاً، وسكنت مع زوجها تحت سقف واحد لسنوات عديدة، ومن ثم عادت إلى حالتها العذرية الأولى!!!؟. وهنا من وجهة نظري يبدأ مفعول الترياق الصفوي وهو يخدر الشيعي البسيط، كي لا يسأل عن السبب الذي لم يدفع الامام علي إلى تحويل معاوية إلى كلب، بدلاً من خوضه لحرب صفين مقابل معاوية وما نتج عنها من نتائج سلبية، أدت في النهاية إلى استقلال معاوية بحكم الشام وسرّعت في مقتل الامام واستشهاده في محراب الصلاة على يد الخوارج، وهو أحد افرازات معركة صفين”. ولا يتسع المجال لإيراد آلاف القصص الغريبة والخزعبلات والتخريفات التي يوردها الآن بعض رجال الدين ودعاة “التشيّع الصفوي” في العراق من أجل “استحمار” المؤمنين البسطاء وتشويه سيرة الأئمة.
إن هذه النزعات هي ليست بالأمر الجديد في التاريخ الانساني وفي الفقه الديني على اختلاف ألوانه. فمثل هذا الدين يجد طريقه بين أوساط العامة خاصة في فترات الردة وشيوع الاستبداد الديني والظلامية والأمية والخرافة، ومنها في مراحل من تاريخنا العربي والاسلامي، رغم أن ما يجري الآن هو الأبشع في تاريخنا. فلقد أشار إليها المفكر هادي العلوي في كتابه “التعذيب في الاسلام” الذي استند إلى مصادر تاريخية تكشف عن مدى استغلال الدين والنصوص الدينية لتبرير الممارسات الشريرة لبعض المتاجرين به. كما تناول المفكر المصري محمد عبده قبل أكثر من قرن ممارسات التيارات الدينية والمذهبية المتطرفة عندما قال إن هؤلاء: “جاءوا إلى الإسلام بخشونة الجهل يحملون ألوية الظلم ولبسوا الإسلام على أبدانهم”. كما تناول المفكر الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي إلى مآل الدين على يد الجهلة والمتطرفين في أكثر من مناسبة، حيث يورد ما يلي:” صار المسلمون لا يفهمون من الدين سوى القيام بالطقوس الشكلية ثم يرفعون أيديهم بالدعاء : اللهم انصر الدين والدولة. إنهم يريدون أن يفتحوا العالم ولا يريدون أن يفتحوا بلادهم أو ينقذوها من براثن المرض والجهل والفاقة”.
داعش والنص الديني
يتجاهل هذا التيار المتطرف العدمي والفوضوي موضوعة “الخيار” المنصوص عليها في النص الديني، ودعوات الخالق للمؤمنين على الالتزام بها. فهذه الموضوعة ترد مرات عديدة في القرآن، ففي سورة البقرة تنص الآية 256 على أن :”لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم”. ويشار في سورة الأنعام:” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون “. ويضاف إلى ذلك ما جاء في سورة الكافرون:” قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ “. وعلى هذا المنوال يرد في سورة الكهف:”وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا”( 29).
ولكن المتطرفين عندما يتجاهلون دعوات الخالق المار ذكرها، يتجاوزون على صلاحياته من خلال العمل بنصوص هي من اختصاص الخالق وحده عندما يواجه البشر في الآخرة كما هو وارد في النص الديني . فهم يتعكزون علي آيات تبيح لهم فرض إرادتهم وسفك دماء من لا يتفق مع أطروحاتهم ونهب وسرقة المال العام والخاص وانتهاك أعراض الناس، في حين أنها تمارس من صلب اختصاصات الخالق فقط ، والذي لم يكلف ولم يوكل داعش أو غير داعش ولا أي من المعممين بفرضها على خلق الله. فعلى سبيل المثال جاء في بعض النصوص مايلي:”هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قًطّعت لهم ثيابٌ من نار يُصّبُ من فوق رؤوسهم الحميم. يُصهرُ به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد. كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها. وذوقوا عذاب الحريق” (سورة الحج 19-22)، أو ما جاء كذلك “إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً” (النساء 56) . أو ما ورد:” من ورائه جهنم ويسقى من ماءٍ صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ” ( سورة إبراهيم 15-17). إضافة إلى ما جاء في سورة الدخان(43-48):” إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل يغلي في البطون. كغلي الحميم. خذوه فغلوه إلى سواء الجحيم. ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم”.
كما يستند المتطرفون إلى كوم من الأحاديث التي يشك في صحتها، سواء أكانت للنبي أو لأصحابه، كتلك التي يورد أكداس منها أبو هريرة، علماً أن هناك أكثر من مصدر يشير إلى اعتراض النبي في حياته على تدوين أحاديثه. فقد روي عن الدارمي والترمذي و النسائي وعن أبي سعيد الخدري قول الرسول:” لا تكتبوا عني شيئا سوي القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه”. وروى الدارمي – وهو شيخ البخاري-عن أبي سعيد الخدري أنهم:”استأذنوا النبي في أن يكتبوا عنه شيئا فلم يأذن لهم”. كما روي عن زيد بن ثابت أنه دخل على معاوية، فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه، فقال له زيد:” إن رسول الله أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه”، فمحاه معاوية.
البيئة الاجتماعية المشوّهة حاضنة لداعش وأخواتها
تعيش مجتمعاتنا، ومن ضمنها المجتمع العراقي، حالة من الفوضى الدينية والمذهبية واستشراء النزعات الفوضوية والارتماء في مستنقع الجهالة في عالمنا العربي والاسلامي الذي لم يأت من فراغ. فلقد أضحت هذه المجتمعات ذات تركيبة بنيوية هشة ومشوّهة ومريضة فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وهذه الحالة المرضية هي التي أفرزت هذه الظواهر الشاذة وطغيان العنف فيها وتسطيح فكري ذي صلة بسلبيات تراكمت في تراثنا الديني والفكري. فالفئات الهامشية، أو ما يطلق عليها بالبروليتاريا الرثة والطفيلية، في مجتمعاتنا التي ازدادت حجماً غدت الحاضنة الاجتماعية لهذه الظواهر السلبية. فلا تبحث هذه الفئات ولا تجد لها أية فرصة للانخراط في النشاط الانتاجي، ولذا تتحول إلى قوى طفيلية تميل إلى الحصول على موارد سهلة المنال وبمختلف الوسائل غير السليمة وبدون نشاط انتاجي يهذب ويصقل سيرة البشر. هذه الظاهرة ليست بالغريبة على مجتمعاتنا التي تعيش فيها مجاميع هامشية وخاصة البدو الذين ينغمرون كما تشهد عليها الأحداث التاريخية في السطو والنهب والقتل والغزو وجني المكاسب المادية بدون “وجع رأس”.
لقد سعى النبي غداة ظهور الدعوة الاسلامية إلى بث دعوته عن طريق ارسال مبعوثين له إلى قيصر الروم وقياصرة الفرس وملوك الحبشة كي يتبنوا الدين الجديد دون أن يستل سيفه أو خنجره. ولكن أتباع هذا النمط من التفكير الديني الفوضوي سرعان ما تخلو عن هذا النهج السلمي وعن المقولة القرآنية ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (سورة النحل). وهكذا بدأت بعد وفاة النبي موجة ما سميت بالفتوحات الاسلامية من قبل القبائل البدوية في الجزيرة العربية. وبدأ معها الحصول على الغنائم بيسر وبدون أي جهد، أي عن طريق السطو على الغنائم وخيرات الشعوب الأخرى إلى حد فرض الجزية والضرائب على أصحاب وأهل هذه الأمصار. وكانت لهذه الفتوحات والغزو نتائج سلبية على الفاتحين، حيث بدأت الخلافات تدب في صفوف المسلمين حول تقسيم الغنائم. وهكذا جيّشت زوجة النبي عائشة الجيوش لمقاتلة خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، وشن معاوية هو الآخر الحرب ضد خليفة المسلمين. وأودت هذه الخلافات بحياة ثلاثة من الخلفاء الراشدين هم كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. وبدأت مع هذه الفتوحات عملية تشرذم الدين الجديد وتحوّله إلى مذاهب وشيع وفرق متناحرة ومتقاتلة لاحقاً، لا تتعاون فيما بينها على البر والتقوى، بل على الاثم والعدوان والتنافس على الغنائم. إنها أختلفت حتى في مظهرها وفي لباسها وعمائمها وأذانها وحتى نوعية طعامها، بل ولا تتفق حتى على موعد أداء المراسيم الدينية في أعيادها. فقد بلغ عددها في يومنا هذا إلى أكثر من 70 مذهباً وفرقاً وشيعاً إسلامية، على الرغم مما ورد في سورة المائدة:” اليوم أكملت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”.!!!، فعلام هذا الاختلاف؟، في الوقت الذي يعلن الجميع التزامهم بالأركان الأساسية للدين الجديد وهي الشهادتين والصلاة والحج والصوم والزكاة؟؟.
إن ظهور داعش والفئات الدينية المسلحة المتطرفة في السنوات الأخيرة ما هو إلاّ تعبير عن حالة الفوضى الفكرية والمأزق الاجتماعي بسبب ازدياد الفئات الهامشية التي تلهث وراء الغنائم وتعيش على المورد السريع بعيداً عن النشاط الانتاجي. وهي تتغذى وتعيش على الخزين التراثي المتطرف لكل الطوائف من أجل تمرير مشروعها. وهذا ما يحصل اليوم في مجتمعاتنا. فالنفط وهو مورد ريعي سهل المنال ويثير لعاب القوى الهامشية، أصبح مصدر نقمة وليس نعمة في مجتمعاتنا. فدول الخليج لا تُبنى من قبل ابنائها وبفعل نشاطهم الانتاجي، بل من قبل مأجورين من شعوب أخرى يتم استخدامهم حتى في إدارة البيوت. فلا تجد في المؤسسات الانتاجية على قلتها منتجين محليين، بل غالبية من العمالة المأجورة الرخيصة القادمة من دول أخرى. وهذا يحدث خلل في التكوين الفكري والبنية الاجتماعية. ولم تسع الدول النفطية الأخرى إلى بناء مؤسسات وصناعة وطنية متطورة أو زراعة عصرية، بل اتجهت نحو التسلح والغزوات والصراعات بين الدول العربية والاسلامية واستنزاف ثرواتها الطبيعية واثارة الحروب البينية كما جرى في العراق في عهد البعث، أو تمويل وتسليح العصابات بغلاف ديني أو مذهبي كما يجري الآن في العراق وسوريا وافغانستان وليبيا وتونس والجزائر واليمن وباكستان ودول أخرى حيث، تقوم به جهات متنفذة في السعودية وقطر وبعض بلدان الخليج التي تتعرض للابتزاز تحت واجهات دينية ومذهبية وفتاوى لا تحصى من قبل شيوخ هذه الفئات الهامشية. وأصبحت بلداننا مناطق جذب للفئات الهامشية المحلية منها وغير المحلية بحيث أصبحت الفئات الهامشية في الشيشان والصومال وأفريقيا وحتى الصين تتسابق على التوجه إلى بلداننا، وأضحت أحد المصادر المهمة للانتحاريين ووحوش التطرف الذي يتاجر بالدين.
لقد وفرت هذه الفئات الاجتماعية المتخلفة في البلدان العربية والاسلامية بشكل عام الفرصة لأطراف دولية وإقليمية وداخلية لاستغلال هذه الفئات كمخلب قط مأجور في المواجهات الداخلية والخارجية. فقد استخدمت هذه المجاميع الدينية المتطرفة في اثناء الحرب الباردة وعند المواجهة بين الغرب والاتحاد السوفييتي في افغانستان. فقد أرست المواجهة في افغانستان معزوفة ” الجهاد ضد الكفار”. وجرى احتضان هذه المجاميع المتطرفة في الدول الغربية وتوفرت لها كل الامكانيات المالية والمادية الضخمة وفي إطار التسليح. وأدى هذا العمى السياسي لحكام الغرب إلى تحوّل التيار الديني المتطرف إلى قوة عسكرية ومالية لا تهدد الوجود السوفييتي في أفغانستان، بل وتهدد من احتضنها ودعمها كالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذه القوى التي سرعان ما قوى عودها وارتدت على الولايات المتحدة في هجومها على الولايات المتحدة في عام 2001. وأصاب الدول الاقليمية كالسعودية ودول خليجية أخرى نفس العمى السياسي حيث أغدقت الأموال على هذه المجاميع ولكنها لم تنج من شرور هذه الفئات. وتحوّلت باكستان التي لعبت دوراً في تدريب هذه الفئات وإمدادها بالمعلومات إلى ميدان للمواجهة مع المتطرفين. وقد أشار أحد المسؤولين السابقين في المخابرات الباكستانية:” أن باكستان لن تتمكن من السيطرة على تهديدات المتطرفين. لقد لقناهم وأقنعناهم أنهم سيذهبون إلى الجنة، وهذه قناعة يصعب تغييرها فجأة”. وجرت نفس الممارسة في مصر حيث أصبحت المنبع الرئيس في توفير وتصدير العقول المتطرفة إلى بقاع العالم في عهد الرئيس السادات . ولكن سرعان ما راح السادات ضحية على يد نفس هذه المجاميع. وقام الرئيس السوري بنفس الورطة عندما حوّل سوريا إلى ممر ومرتع للمتطرفين وساحة لتدريبهم كي يزرعوا الموت والخراب في العراق بذريعة التصدي “للاحتلال” وأحتضن فلول البعث العراقي كي يشاركوا هذه الفئات الطائشة في خرابهم وغيّهم، إلى أن انقلبوا عليه وحوّلوا حواضر حلب والرقة والمدن السورية إلى ركام.
لقد أثارت هذه الموجة من التطرف السياسي الديني والتلويح براية الدين في النشاط السياسي شهية بعض الحركات السياسية التي كانت في السابق تلوح براية العلمانية في العمل السياسي، وتحرّم على أعضائها ممارسة الطقوس الدينية وتعلن الحرب على التيارات الدينية. ولكنها ولدوافع انتهازية تحوّلت بلمح البصر إلى حاضنة للتيار الديني المتطرف، بل وإلى أحزاب مذهبية طائفية. وكان السبّاق في انتهاج هذا المسلك هو حزب البعث في كلا البلدين العراق وسوريا. ففي العراق، شرعت قيادة البعث باحتضان الأخوان المسلمين المعارضين لحكم البعث السوري وشجعتهم على القيام بالأعمال الإرهابية وممارسة التفجيرات في مدنها. كما حصل تحول في قيادة البعث العراقي في أوّج سعار الحرب العراقية الإيرانية في الموقف تجاه الدين والطائفية الدينية السياسية، حيث بادرت قيادة البعث، وهي التي كانت تحرّم وتلاحق كل من يتردد من البعثيين على المساجد ودور العبادة، إلى ركوب الموجة الدينية وإعلان “الحملة الإيمانية”. وتوجه عزة الدوري وأضرابه نحو تكايا “النقشبندية” للترويج لهذا النهج. وبلغ الحال بالنظام البعثي في العراق إلى فتح أبوابه أمام التيارات الدينية المتطرفة للنشاط في العراق بعد حرب الخليج الأولى. وبالنتيجة، أدى هذا الزواج “العرفي” بين البعث والتيار الديني المتطرف في كلا البلدين العراق وسورية، خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام في عام 2003، إلى انتقال الكثير من القيادات البعثية إلى احتلال مواقع قيادية في التنظيمات المتطرفة الدينية على اختلاف اسمائها.
يتساءل الباحث العراقي د. عصام الخفاجي عن سر هذا التقارب بين هذين التيارين في مقالة له في صحيفة الحياة البيروتية قائلاً:” خطر سؤال ببالي، وأنا أقرأ ما توافر من سير ذاتية لقادة «داعش». فمعظمهم احتل مراكز في أجهزة استخبارات صدّام حسين أو قواته الخاصة. هل يعقل أن كل هذه الجمهرة اهتدت إلى الدين ودخلت في التديّن خلال سنوات قليلة؟. وهل يعقل أن لا يجد تنظيم جهادي يعلن تمسكه الصارم بتعاليم الإسلام قادة تربّوا على تلك التعاليم منذ الصغر وكانت لهم تجارب مع تنظيمات مماثلة أو حركات إسلامية أخرى؟. ليس ثمة وجه شبه بين الأيديولوجيا البعثية وأيديولوجيا الجهاديين، بل إن نظامي البعث في العراق وسورية حاربا الأخيرة باسم العلمانية. ويمكن التفهم وليس القبول بتحالف قوى بعثية مع “الجهاديين” لأسباب قالوا إنها تكتيكية. أما أن يندمج بعثيون قضوا سنوات طويلة في التثقّف بالتعاليم القومية في تلك الحركات، بل وكان بعضهم من كوادرها، فهو أمر يستدعي التأمل لأننا لسنا أمام حالات فردية”.
باعتقادي أن سر هذا الانتقال يعود إلى كون كلا التيارين تبنيا موضوعة الغلو في العنف والقسر والاقصاء كمنهج ثابت فكراً وممارسة. ومن اللافت للنظر أن التيارات المتطرفة الدينية منها أو غير الدينية لم تمارس هذا الغلو في القسوة والعنف في بداية نشاطاتها في منتصف القرن الماضي. فالأخوان المسلمون اكتفوا بممارسة الاغتيال السياسي في باكورة نشاطهم العنفي السياسي بزعامة حسن البنا في القرن الماضي. وسارت منظمة “فدائيان اسلام” في ايران على نفس نهج العنف في الاغتيال السياسي بزعامة نواب صفوي. ولكن لم يصل الأمر إلى هذا الغلو في العنف والإبادة الجماعية الذي مارسه البعث ضد من يختلف معه منذ أن تولى أو شارك في السلطة في سورية والعراق. فإذابة “جسد فرج الله الحلو” في حمام الأسيد في سورية على يد أقطاب التطرف القومي العربي في عام 1958، والإبادة الجماعية للشيوعيين والديمقراطيين دون العثور على شواهد لأجسادهم في انقلاب عام 1963، والاستمرار بهذه الممارسة التعسفية في العراق وسورية في ظل حكم البعث خلال عقود تسلطهم سواء في عام 1963 أو بعد عام 1968، أتخذ منحى أشد همجية وقسوة. فقد أصبح التعذيب الشرس والتصفيات الجسدية وحجز المعقلين بدون محاكمة لسنوات مديدة وتقديم الضحايا إلى محاكم صورية سمة من سمات “العنف البعثي والقومي المتطرف”. ولم يكتف هذا التيار المتطرف الإرهابي بذلك، بل استخدام الكيمياويات ( الثاليوم) في تصفية المعارضين واستخدام الأسلحة الكيمياوية في إبادة جماعية للأكراد. “وحمل فدائيو صدام في العراق خلال التسعينات بقيادة ابنه عدي السيوف لقطع رقاب الزانيات. ولا يعرف أحد عدد الضحايا، ولا عدد من لاقين هذا المصير لأنهن رفضن الزواج بالواشي أو لم يتنازلن عند رغبته بابتزازهنَّ. وفي خلال الثمانينات كان العقاب الرسمي للهاربين من جحيم الحرب قطع الآذان”، على حد رواية د.عصام الخفاجي في مقالته التي أشرنا إليها آنفاً. كل هذا النهج والغلو في العسف والعنف والاقصاء أرسى ثقافة العنف المنفلت في مجتمعاتنا وأرضية يسترشد بها ويبررها التيار الديني المتطرف وهذا ما نشهده في العراق وسورية حالياً، وهو سر هذا “الزواج العرفي” بين التيارين رغم التنافس بينهما على الغنائم.
يذكر احد قيادات المتطرفين الدينيين في العراق، انه التقى بالمدعو يونس الأحمد، العضو القيادي في حزب البعث في العراق في دمشق بمكتبه في المزة في عام 2007، مشيراً إلى حديث دار بينهما عن القاعدة. إذ ينقل هذا القيادي في جيش المجاهدين عن يونس الأحمد قوله نحن لا نتفاوض مع هذه الحكومة العراقية ولا غيرها، وسوف نبقى نقاتل إلى آخر سلفي جهادي في العراق. ويردف القيادي أنه أدرك أن البعث يدعمنا لوجستياً او اعلامياً، كي نقاتل بالنيابة عنهم!. فمن المعلوم أن الكثير من قيادات هذا التنظيم يحملون انتماءات بعثية عميقة، حسبما أشار الباحث في شؤون التطرف الديني هشام الهاشمي. وهناك شخصيات تم تجنيدها من قبل المخابرات العامة السورية فرع (79) وبواسطة فوزي مطلك الراوي وسفيان عمر النعيمي من قيادة حزب البعث العراقي. وكانت هذه الشخصيات مسؤولة على استقبال المتطرفين الدينيين وترتيب دخولهم للعراق كمقاتلين او انتحاريين بعد الإطاحة بصدام حسين، هذه الأعمل الإرهابية التي أودت بحياة عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء منذ عام 2003. وكان من أبرزهم ابو الغادية بدران تركي هيشان المزيدي الشعباني، الذي اعتقلته القوات الامريكية من داخل الاراضي السورية في دير الزور عام 2008، وهرب من سجن كروبر عام 2011 وحالياً من ابرز قيادات داعش، هو ومساعده المدعو معاذ الصفوك ابو صهيب الحمداني. ولدى كليهما صلات عميقة بحزب البعث. لقد تحوّلت هذه الفئات المتطرفة بفعل الدعم الدولي المادي والمالي والمعنوي للدول الغربية والخليجية النفطية ودول اقليمية أخرى، إضافة إلى الخدمات الشاملة والمعلومات اللوجستية والجغرافية المهمة التي قدمتها فلول البعث من أجهزة مخابرات والاستخبارات العسكرية، إلى قوة فاعلة من المرتزقة تعرض خدماتها على الجميع مقابل ما توفره هذه الجهات من أموال وسلاح ودعم معنوي لم تتمتع به أية من الحركات السياسية في عالمنا المعاصر.
لقد كشفت (واي نيوز) عن أبرز هذه القيادات البعثية التي دخلت إلى تنظيم داعش بحسب ما توصل إليه الباحث هاشم الهاشمي:
1–حجي بكر( سمير عبد محمد نايل الخليفاوي) مساعد البغدادي، والمشرف على داعش فرع سوريا، عقيد طيار في النظام السابق الى أن تغيّر النّظام، وعضو شعبة في تنظيمات الانبار، قتل في بداية عام 2014.
2–أبو علي الخليلي كان ضابطا في التنظيمات الفلسطينية في العراق أيام صدام، ومن فدائيي صدام، وبعد عودته إلى سوريا نسّق مع مخابرات أمن الدولة السورية ( علي مخلوف) ليقود عملاً في العراق.
3- (أبوفيصل الزيدي)ابن عم معاذ الصفوك وكان من أعز أصحاب البغدادي في السيدة زينب، وهو عميل البعث السوري والمخابرات النظام.
4-العميد الركن محمد الندى الجبوري من قرية صديرة الملقب (بالراعي) ( ابوالبشائر)، مسؤول اركان المجلس العسكري في تنظيم داعش، وهوعضو قيادة فرقة حزب البعث، قتل في عام 2008 في الموصل.
5-أبو مهند السويداوي،عدنان لطيف حمد مهاوش السويداوي، عقيد بعثي من جيش صدام اعتقل لصلته بعزت الدوري. التحق آخر أيامه قبل الاعتقال بالدولة الاسلامية لأسبوع وبعدها اعتقل وعند خروجه عاود الاتصال، ليصبح عضواً في المجلس العسكري لتنظيم داعش.
6-أبو أحمد العلواني: اسمه وليد جاسم العلواني. من منتسبي الجيش برتبة نقيب في عهد صدام. رئيس المجلس العسكري لداعش.
7- أبو عبد الرحمن البيلاوي: اسمه عدنان إسماعيل نجم عقيد في الجيش السابق معروف بصلاته التنظيمية في حزب البعث قبل عام 2003. كانت كنيته أبو أسامة البيلاوي. من سكان الخالدية في الأنبار. عضو المجلس العسكري لداعش.
8-العقيد أبو مسلم فاضل عبدالله العفري، تركماني القومية وأصله من تلعفر وكان من أصحاب الولاء الكبير لصدام، وبعده لعزت الدوري واعتقل لفترة طويلة بسبب التزامه بالبعث، وهو عضو المجلس العسكري لداعش، وعسكري ولاية الموصل، ومنسق عام الولايات.
9-المقدم نبيل عريبي المعيني، ابو عفيف، عسكري ولاية الجنوب، وهو بعثي معروف في هور رجب، انتمى لتنظيم داعش من خلال علاقته بحجي بكر( سمير).
10- العقيد فاضل العيثاوي ابو ألياس، ضابط استخبارات في الدفاع الجوي ومن عائلة صوفية مقربة من عزت الدوري، مسؤول امني في الساحل الأيسر من مدينة الموصل في تنظيم داعش.
11- عبد الرحيم التركماني، ابوعمر التركماني ويعرف ب( عبدالناصر)، من تنظيمات حزب البعث، ومصدر للأجهزة الامنية ضد التنظيمات الاسلامية ايام نظام البعث في الموصل، حالياً والي دير الزور في تنظيم داعش.
12- نديم بالوش، المعروف بـ( الغريب) ومدير اعلام داعش في سوريا والمشرف على عشرات الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تويتر والفيس بوك، مشهور بتاريخه وتاريخ عائلته في انتمائهم الطائفي.
13-عبد الرزاق احمد فراس العبيدي ( ابو اسماعيل) ضابط مخابرات في النظام السابق، والي الانبار قتل في نهاية عام 2012، حيث قام بتفجير نفسه عند محاولة القبض عليه.
14- منذر عبد فياض العبيدي( ابو احمد) ( معمر) ضابط امن في النظام السابق،عضو المجلس العسكري، وعسكري ولاية الشمال، ألقي القبض عليه عام 2012.
15- العقيد الركن عاصي العبيدي، في الحرس الجمهوري – الضفادع البشرية، عضو المجلس العسكري، وعسكري ولاية الانبار، هرب من سجن ابي غريب عام 2013.
16- محمد محمود عبدالله الحيالي ( ابو بلال) والي ديالى، مقدم بالحرس الجمهوري، هرب الى الموصل وقتل عام 2011.
17- احمد حسن علي النعيمي (ابو احمد) والي الأنبار،ألقي القبض عليه وانتحر في عام 2013.
18- عمر كامل ساجت الجنابي ( ابو حفص) ملازم اول بالجيش السابق، والي الرصافة، تم إعدامه.
إذن فإن البنية الفكرية والممارسة العنفية هي التي تجمع داعش والتيار الديني المتطرف على الرغم من تناقضاتهما. فمن الملاحظ وجود علاقة بنيوية بين الفكر البعثي وممارساته وبين أفكار وممارسات التيار الاسلامي المتطرف ونموذجه الحالي داعش. وهو يفسر لنا سر انتشار داعش في مواقع انتشار البعث في العراق على وجه الخصوص. فإحلام العودة الفارغة إلى أمجاد الأمبراطورية الإسلامية ومجد العرب والنزعات الأمبراطورية والتوسع والحلم برفع علم الدولة الاسلامية على سقف البيت الأبيض في واشنطن، والشوفينية والطائفية المفرطة والإكراه والعداء لكل القوميات والأديان الأخرى وحملات التهجير والبطش ضدها هي سمات مشتركة لهما. ولا يختلف أقطاب هذين التيارين حتى في ممارسة التضليل في الأنساب والأعراق والدين والمذهب. فمعلم البعث ميشيل عفلق غيّر دينه ليعتنق الاسلام من باب الرياء ليقدم المثل على التضليل الذي مارسه وتعبيراً عن أحلامه التسلطية. ولم يتردد صدام حسين، رغم حملته الشعواء على “أنصار آل البيت”، في رسم شجرة لعائلته تنسبه إلى آل البيت. تماماً كما يحلو لأبو عمر البغدادي “أمير المؤمنين” في الدولة الإسلامية المزعومة أن يتخلى عن لقب السامرائي، ليصبح لقبه بغدادياً ولينتسب إلى سلالة الأمام الحسن ويضيف اللقب الحسني على اسمه، وبالطبع لابد أن يضيف أيضاً إلى اسمه لقب القرشي كي يرضي النزعة الشوفينية العروبية لأتباعه.
داعش وحماتها والصراع على تسويق النفط والغاز
إن ما يثير التساؤل والحيرة في خضم هذه الفوضى الدينية والعنفية في الشرق الأوسط هو موقف كل من قطر والعربية السعودية وحكام تركية الداعم عسكرياً ومالياً ولوجستيكياً لداعش وللمنظمات المتطرفة، واحتضان وتسهيل انتقال الإرهابيين للعبث في العراق وسورية ودول إقليمية أخرى. ففي الحقيقة هناك الكثير من التساؤل والحيرة حول ذلك، فما هي مصلحتهم في دعم مجاميع قد تهدد أمنهم لاحقاً؟. هل هي مجرد نزعة طائفية لدى هؤلاء الحكام تحت ذريعة حماية “السنّة” كما يدعون، وهم يبادون على يد الدواعش في غزوتهم الأخيرة على وجه الخصوص، أم مسعى لتجنيب عروشهم أي تهديد من قبل الحراك المدني السياسي الداخلي، أم هي محاولة من قبل حكام تركية لإحياء التراث المقيت للخلافة العثمانية وقوازيقها؟، أم هناك مشروع يُراد فرضه على حكام هذه الدول ضمن صراع الجبابرة في عالمنا المعاصر الذي لم يتحرر بعد من ارث الحرب الباردة، رغم الحديث عن انحسارها، أم هو صراع تقليدي بين الدول صغيرها وكبيرها حول السيطرة على انتاج النفط والغاز وامداداته؟.
هناك رأي يستحق الاطلاع عليه تناولته أطراف عديدة، وأشارت إليه صحيفة الديلي ميل أخيراً في عددها الصادر في 29/10/2014 وفي مقال تحت عنوان:” انابيب الغاز والنفط والحرب على إيران وسوريا وروسيا” بقلم أف. ويليام أنجداهل، وهو مؤلف كتاب صدر حديثاً تحت عنوان الكاتب

” A Century of War: Anglo-American Oil Politics in the New World Order “. يشير الكاتب في مقالته حول تسرب تفاصيل عن صفقة بين الملك عبدالله وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، ابرمت في أيلول المنصرم حول الموقف من سوريا وداعش. وينطوي الاتفاق على السيطرة على مصادر النفط في المنطقة وإغراق السوق العالمية بالنفط الخام من أجل إبعاد روسيا عن السوق العالمية وحصرها بأسواق الصين واوراسيا. ويبدو أن غزو داعش لمناطق نفطية في الموصل وكركوك في حزيران الماضي كان مخططاً له وأدى إلى انخفاض سعر مزيج برنت بنحو لا سابق له وبنسبة 20%؛ أي من سعر 112 دولار للبرميل إلى 88 دولار. وكان الهدف من ذلك هو السيطرة على بعض الحقول النفطية من جهة، ومن جهة أخرى الحد من الواردات المالية لكل من روسيا وإيران والعراق من بيع النفط الخام كجزء من الضغط المالي والسياسي. علماً إن الطلب العالمي على النفط الخام لم ينخفض جراء ذلك، بل زاد الطلب الصيني عن نسبة 20%. لقد ازداد انتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري بنسبة21%، وفي نفس الوقت أغرقت السعودية من جانبها وبالاقتران مع غزوة داعش السوق العالمي بالنفط بأسعار مخفضة مما أشعل حرب أسعار داخل منظمة الأوبك، مما أدى إلى تدني ملحوظ في أسعار النفط الخام. فقد باعت السعودية النفط الخام بأسعار تتراوح بين 50 إلى 60 دولاراً للبرميل الواحد بدلاً من سعر 100 دولار للبرميل في السابق. وهكذا أصبح واضحاً إن الدافع الأساس للغزوة الداعشية وتخفيض أسعار النفط من قبل السعودية، حسب رشيد البانمي رئيس مركز التنبؤات في السياسة النفطية في الرياض، هو الضغط على إيران حول برنامجها النووي والضغط على روسيا من أجل سحب دعمها لبشار الأسد، علاوة على ممارسة الضغط على العراق في الحد من زيادة عوائده من النفط.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك قضية أخرى ذات أهمية تتعلق بصراع الجبابرة وحلفائهم في المنطقة تتمحور حول الاستفادة من الطاقة النظيفة (الغاز)، وما ينتج عنه من تنافس وصراع حول تأمين أمدادات المخزون الضخم للغاز الطبيعي القطري والسعودي إلى الأسواق الأوربية، في مسعى للتنافس مع روسيا والحد من احتكارها لإمدادات الغاز الطبيعي إلى نفس الأسواق، إضافة إلى كونها وسيلة للضغط عليها في ظل تفاقم الأزمة الروسية – الاوكرانية. وتتوقع المصادر المالية العالمية أن يؤدي ذلك إلى انخفاض واردات روسيا من بيع الغاز إلى 50%. كما يعتبر ذلك محاولة الضغط على حلفاء روسيا في المنطقة (إيران وسورية) عبر افشال مشروع أيصال المخزون الضخم للغاز الإيراني إلى نفس الأسواق وعرقلة تطوير منابع الغاز العراقي، بعد أن وقّعت الأخيرة أتفاقية لمد أنابيب الغاز من منابع الغاز في موقع “جنوب فارس” على الأراضي الإيرانية وعبر العراق إلى البحر المتوسط مع الحكومتين السورية والعراقية في عام 2011، والذي يبلغ كلفته 10 بلايين دولار. لقد أبدت الحكومة السورية حماساً خاصاً للمشروع بعد أن تم اكتشاف مكمن ضخم للغاز في موقع “القرة” قرب حمص من قبل شركة كازبروم الروسية، وعندها ستتحول الأراضي السورية إلى موقع لتجميع الغاز وانتاجه وتصديره إلى القارة الأوربية عبر الأراضي اللبنانية. وهذا ما استفز كل من حكام السعودية وقطر وتركيا وحماتهم ودفعهم إلى تقديم العون المالي والمادي الضخم لداعش من أجل اسقاط الأسد لإحباط هذا الاتفاق، ثم احتلال مواقع وحقول نفطية في سورية والعراق. إن جغرافية المناطق التي احتلتها “داعش” في العراق وسورية تشير بدون أدنى شك على أنها جغرافية أنابيب خطوط الغاز الموجودة في مخيلة هؤلاء بعد أن يتم السيطرة عليها من قبل داعش ومن يقف ورائها. ومن الواضح أن لتركيا أكثر من واعز في هذا الدعم السخي لداعش ويتمثل في الحصول على مغانم من مد هذه الأنابيب من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق حلم الخلافة العثمانية التي انهارت بعد الحرب العالمية الأولى، والعودة إلى الامتداد الإقليمي الذي يخطط له المتطرفون الطائفيون في حزب العدالة والتنمية وقطبها رجب طيب أردوكان. وفي هذه الأجواء يصبح من الطبيعي رفع راية الدين والمذهب والتطرف الديني والطائفة والعشيرة والمتاجرة بالدين والمذهب والتباكي على اضطهاد هذا المكون أو ذاك والضحك على أتباع المكونات الطائفية ودفعهم إلى ارتكاب المجازر ضد بعضهم البعض، بما يؤدي إلى سقوط آلاف الضحايا في البلدين وتدمير بلدانهم من أجل تحقيق هذا المشروع، وللأسف نشارك أيادي عراقية وسورية في الشرور. فعلى سبيل المثال جرت محاصرة مدينة آمرلي التي يقطنها أبناء المكون التركماني من قبل أخزتهم في القومية تحت ذرائع مذهبية ورفع راية التطاحن المذهبي.
أيادي سورية وعراقية تنفذ أجندات خارجية تحت غطاء الدين والطائفية
من المشاكل التي تعاني منها بلداننا، وبضمنها العراق، هي أن الأنظمة الاستبدادية التي حكمتها لم تعط الفرصة لا للعراقيين ولا للسوريين للدخول في حوار من أجل تسوية المشاكل في كل بلد. ولذا نرى أن الأحزاب السياسية، وخاصة الدينية منها والقومية، تلجأ إلى العنف والتعويل على العامل الخارجي ذي النكهة الطائفية لتمويل مشاريعها. وهذا ما أدى إلى ارتهان هذه التيارات للعامل الإقليمي والخارجي الذي يفرض تبعاً لذلك أجندته على هذه الأحزاب ويحولها إلى أداة طيّعة من أجل التدخل الفض في الشؤون الداخلية لبلداننا، دون التزام من هذه التيارات بالحد الأدنى من المسؤولية تجاه الوطن وبالشعور الوطني. وليس من قبيل الصدفة أن تتصاعد المواجهات الطائفية الحادة والصراع بين التيارات المذهبية المتصارعة التي اتخذت أبعاداً خطيرة مع انفجار الأزمة السورية ومع الصراع الاقليمي والدولي حول قضية النفط وأنابيب الغاز في عام 2011، مما يشكل دليلاً ناصعاً على هذا الارتهان.
لقد افتضح دور غالبية الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة على وجه الخصوص في تجاهلها للمصالح الوطنية وانتهاكها للمشاعر الوطنية. فمثال داعش في حربها ضد كل ما هو “وطني” وضد الحدود الوطنية خير مثال على ما تضمره هذه التيارات من عداء كامن لأوطاننا تحت شعار هلامي حول “الخلافة النبوية” أو ” الأمة الإسلامية” التي لا وجود لها في ظل هذا الصراع الدامي الجاري بين المسلمين أنفسهم ومنذ عهود. وعلى هذا المنوال، على سبيل المثال، يركب المدعو “رجل الدين” الصرخي (الشيعي) هذه الموجة ليعلن من محل لجوئه في قطر عن دعمه للغزوة وتأييده للخلافة المزعومة، وهي دعوة لا تفوح منها إلاّ رائحة الغاز الطبيعي. وابدت بعض الأحزاب الطائفية العراقية التي ترفع زوراً راية “العلمانية” عن ترحيبها بغزوة داعش قبيل انتهاكها للأراضي العراقية وبعدها. ولوّح العديد من السياسيين الطائفيين ورجال صحافة طائفيين معروفين لبعض المقربين لهم عن قرب سقوط الموصل والمناطق المحيطة بها قبل قرابة اسبوعين من كارثة حزيران. كما أُعلن عن هذه الفتوحات بوقت مبكر من على “منصات” الرمادي والفلوجة. ولم يتخلف حزب البعث عن هذه الجوقة، فراح يصدر البيانات وأطلاق التهديدات والتصريحات مرحباً بهذا “الانتصار”، ولكن تغير الموقف بعد حين ما أن بدأ التناحر على الغنائم ولم يحصل البعث حتى على الفتات. لقد عوّلت بعض الفئات الطائفية المتطرفة في الموصل والأنبار وديالي وصلاح الدين على “الورقة الداعشية”، ظناً منها أنها ستوفر لهم الفرصة والوسيلة للضغط على الطرف الطائفي الآخر كي تحصل على امتيازات تعزز من مواقعهم في سلطة القرار. وراح البعض من أقطاب هذه التيارات يطلق التهديد والوعيد وعلى الملأ صراحة قبل غزوة داعش، وبادر آخرون إلى التستر على هذا الغزو بذريعة أن من قام به هم ضباط عراقيون وعشائر وفئات معارضة!!! “لاضطهاد طائفة السنّة وتهميشها”.
ولم يتردد بعض المسؤولين العراقيين ونواب في مجلس النواب العراقي من تلك المناطق بالتمهيد لهذه المغامرة عن طريق شل عمل المؤسسات الرسمية بنفس الذرائع. لقد ظن هؤلاء إن داعش وغزوتها لا تهدد مصالحهم، بل تعزز من مواقعهم في التطاحن الطائفي والتنافس على جني الغنائم. ولكن، وكما أكدت الأحداث لاحقاً أن هؤلاء قد أصيبوا بداء العمى السياسي والحسابات خاطئة ، تماماً كما أصيبت به الولايات المتحدة عندما دعمت التطرف الديني في أفغانستان، ثم تلقت الجواب على هذا الدعم السخي في غارات درامية بالطائرات المدنية طالت عدداً مدن الولايات المتحدة في عام 2001. كما هلك بنفس الداء أنور السادات، حيث أنتقل إلى العالم الفاني على يد المتطرفين الدينيين الذين تلقوا الدعم منه سابقاً. كما أصيب بنفس الداء بشار الأسد عندما احتضن هذه المجاميع الإرهابية لتلحق القتل والدمار بالعراقيين وتثير التناحر الطائفي، هذه المجاميع التي انقلبت عليه وباشرت بتهديد سلطته وجلبت الموت والخراب للشعب السوري. وهكذا يتضح بأن من يمد يد العون والدعم والتمويل للدواعش والتيارات الإرهابية لا يسلم من شرورها، ولا ينجو من بطشها.
ويشهد العراقيون هذه الأيام مشاهد مرعبة من المآسي والأحداث المروعة التي يتعرض لها أبناء تلك المحافظات من قتل وتشريد ونهب وإبادة جماعية واعتداء على النساء وممارسات يندى لها الجبين، مما يعرّي التصريحات المتفائلة التي أطلقها البعض في البداية والتي كانت “تتغنى” بالاستقرار في الموصل. إن هذه الأطراف التي مهدت الطريق بمختلف الأشكال للغزو الداعشي تضع نفسها في قفص الاتهام لكونها روّجت وتسترت ورحّبت بهذا السرطان الذي ينهش في الجسد العراقي على اختلاف مكوناته.
وللأسف، لم يقتصر هذا العمى السياسي والحسابات الخاطئة الذي ابتلى به بعض السياسيين العراقيين على المحافظات التي أشرنا إليها آنفاً، بل ابتلى بنفس الداء طيف من التيار السياسي في إقليم كردستان الذي احتضن أقطاب التطرف والهاربين من العدالة والقضاء العراقي قبل الغزو، ثم التزم الصمت أو الشماتة أو التعامل الإيجابي مع الغزوة الداعشية في البداية نكاية بالحكومة الاتحادية التي تتحمل هي الأخرى ما حصل جراء التمسك بالنهج الطائفي المقيت. ففي مقال نُشر على المواقع الألكترونية بقلم الكاتب الكردي العراقي شه مال عادل سليم تحت عنوان الغول “الداعشي” الكردي..، جاء فيه:

“Despite being blessed with natural riches and an expanding population, 60 percent of them are illiterate, a figure that rises to more than 70 percent in the case of women.

قال (دلشاد كرمياني) وهو عضو المكتب السياسي لحزب الجماعة الاسلامية الكردستانية والذي يعتبر من أبرز الأحزاب الاسلامية في اقليم كردستان في تصريح له عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي إنه؛ أي ( كرمياني ) لا يستطيع أن يوجه الاتهام إلى رجال تنظيم الدولة الاسلامية ويعتبرهم (غير مسلمين)، بالرغم من اخطائهم وتقصيرهم …!!. وعليه يأبى كرمياني ان يحرض الكردستانيين ويشجعهم لمقاتلة ومحاربة تنظيم الدولة الاسلامية….؟!، ولذا يعتبر كرمياني أن الصراع الاقليمي الذي تشهده المنطقه لا يخدم القضية الكردية، وان حقائق والوثائق الاعلامية كشفت للجميع بان تنظيم الدولة الاسلامية لم يقرر مقاتلة الكرد والهجوم على اقليم كردستان …..!!!، وان الجانبين ( تنظيم الدولة الاسلامية وقوات البيشمركة ) بقيا على طرفي خطوط التماس دون اشتباكات تذكر والجميع يعرف ذالك، وان تصريحات رئيس اقليم كردستان قبل الاشتباكات مع داعش خير دليل على ذالك ….. ؟!”. وللأسف وقف بعض قادة الإقليم في بداية الغزو موقف المتفرج والمتشمت بإخطاء ومسؤولية الحكومة الإتحادية والقوات المسلحة دون إدانة الغزو، إلى أن دارت الدوائر وبدأ الزحف على مخمور ، وبانت شرور داعش وعدائه لكل العراقيين عرباً وكرداً، إسلاماً ومسيحيين وأيزديين، خاصة بعد استباحته وغزوه وسبي أهالي سنجار والقرى المسيحية وتهديد عاصمة الإقليم أربيل، حتى زالت الغشاوة عن أعين هؤلاء وتبددت قناعاتهم بكرم!! حكام تركية ووعودهم، وانخرطوا في المواجهة مع داعش، ولكن بعد خراب البصرة كما يقال.

ضرورات الإصلاح الديني وأخراج الدين من أزمته

إن أحد المظاهر الخطيرة التي أفرزتها تداعيات حزيران الماضي في العراق منذ غزوة داعش، وما تتعرض له دول مجاورة من أحداث خطيرة، هي تلك الأزمة العميقة التي يعاني منها الدين والخطاب الديني وما انطوى من مخاطر التجاذب والغلو المذهبي الطائفي. فقد كثرت الفتاوى وانتعش سوقها وتعاظمت أضرارها، مما يتوجب على أرباب الحكمة والرحمة والمؤسسات الدينية المعتدلة التوجه الجاد نحو الإصلاح الديني لوقف نزيف الدم والمواجهات الدموية العبثية بين العراقيين. فبدون هذا الإصلاح وانتشال الدين من أزمته، لا يمكن وضع حد لهذا التلاعب الخطير بالورقة الدينية، ولا يمكن اشاعة الاستقرار في بلادنا وفي المنطقة، ولا يمكن إرساء الدولة العراقية ودول المنطقة على أسس حديثة وعصرية وأصول علمانية، تحترم المعتقد الديني وتحافظ على حرمته بعيداً عن العنف والتطرف والغلو والاحتقان الطائفي ، وتحرره من الأساطير والخرافات والتأويلات السلبية التي لصقت به، وتبعده عن التسييس ودروب السياسة الوعرة. ولا يمكن أن يتولى عملية الإصلاح الديني إلاّ المؤسسات الدينية ورجال الدين أنفسهم. فالتجربة التاريخية التي مرت بها المجتمعات الأوربية في تحقيق الإصلاح الديني، نقلت هذه المجتمعات الأوربية من تلك الحروب المذهبي والدينية والطائفية التي عصفت في أوربا في القرنين السادس والسابع عشر إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة السلمية العلمانية. وقد تولى هذا الإصلاح الفلاسفة المتدينين، من أمثال “سپينوزا” و”كانت” وآخرون ممن أخذوا على عاتقهم تحقيق هذه المهمة منذ القرن السادس عشر. وتبعاً لذلك أعتمدت الثورة الأمريكية (1776) والثورة الفرنسية (1789) هذه الإصلاحات الدينية في تدوين دساتيرها الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة القائمة على مبدأ فصل الدين عن الدولة.
أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد شهدت حركات إصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد الكواكبي ومحمد عبده وآية الله النائيني في كتابه الإصلاحي ” تنبيه الأمة وتنزيه الملة ” الصادر في عام 1909″‘ والذي أثار موجة من الاعتراض لدى التيار الديني المحافظ. وأصبح هذا المؤلف شهادة على استجابة رجل الدين لمتطلبات العصر ومناصرة الحكم الدستوري (المشروطة) والدفاع عن تحرر المرأة ونيل حقوقها. إلاّ أن هذه المساعي تراجعت بفعل غَلَبة التيار المحافظ المتعصب وسيادة الجهل والفقر والتخلف في هذه المجتمعات، علاوة على التدخل الخارجي. ولقد أحبطت كل محاولات الإصلاح لاحقاً في بلداننا بالاقتران مع ظهور عامل مؤثر هو النفط وواردته، والذي تحول بيد الحكام المحافظين في المنطقة إلى أداة فعالة في تمويل التيارات المتطرفة المعارضة للإصلاح الديني في المنطقة. ولكن مع ذلك لم تتوقف مساعي الإصلاح الديني، وخاصة في إيران رغم الصراع بين التيارين الاصلاحي والتيار المتعصب الذي احتكر السلطة بعد انتصار الثورة الإيرانية. فقد برز قبيل الثورة المصلح والمفكر الديني الدكتور علي شريعتي صاحب كتاب “التشيع الصفوي والتشيع العلوي”. وبعد الثورة الإيرانية، برز العديد من المفكرين المتدينين الإصلاحيين ومنهم د. محمد جواد شبستري أستاذ الفلسفة في كلية أصول الدين في جامعة طهران. ومن المناسب الإشارة إلى شذرات من أفكاره الإصلاحية. ففي معرض حديثه عن الإصلاح الديني والأزمة في الدين، يشير شبستري إلى أنه: ” علينا اليوم أن نقدم رؤيا جديدة ونقدية لديننا وللمفاهيم التي تم تقديمها خلال 70 عاماً الماضية. وذلك لأن ديننا في ازمة، وحينما يكون الدين في أزمة فذلك يؤشر إلى أن وجهات نظر الفقهاء تعاني بدورها من أزمة. ولذلك، فإنني أعتقد أنه ينبغي اعتماد منحى جديد إزاء الإسلام”. ثم يستطرد قائلاً:”‬نحن بحاجة إلى أفكار جديدة… وإن علينا الآن أن نعطي إشارة الإنطلاق لإعادة نظر فكرية في كل ما قيل خلال السنوات السبعين الأخيرة. وينبغي لنا أن نطالب كل البحّاثة وكبار رجال الدين بتحديد حاجات العصر الحالي وبتقديم حلول للمستقبل. وعليهم أن يحدّدوا ما هو صالح في معتقدنا الديني، وأن ينبذوا ما ليس صالحاً، وأن ينتجوا ما ينقص فيه”. ويحذر شيستري المسلمين قائلاً: “إننا نعتقد بشكل خاطئ بأنه لا سبيل إلى إنتاج أفكار جديدة في ديننا. والحال ليس كذلك. فطالما لم ننخرط في إعادة نظر، فإن أحوالنا ستظل على حالها اليوم. إنني أتوقّع بأنه إذا لم نحقق المراجعة الفكرية المطلوبة، فإن مصير المسلمين سينتهي بالعزلة والزوال في العصر الحاضر….. لقد قام الفاتيكان بعملية المراجعة المطلوبة. فلا نجد اليوم رجل دين مسيحياً واحداً في اوروبا يعتنق أفكاراً خُرافية ومن تصوّرات الماضي. وعلى النقيض، فإن الإسلام في أزمة اليوم. إن ديناً لا يستطيع أن يعرض قِيَمَه بصورة سليمة هو دين يعيش في أزمة. نحن اليوم في طور لم يعد فيه ما قيل في القرون الماضية يملك أية قيمة في نظرنا كمسلمين معاصرين”.‬‬‬‬
وفي الحقيقة، إن الحديث عن الإصلاح لا يدور حول أركان الدين الأساسية التي أشرنا إليها في مقدمة المقال، ولا عن دعوات إيجابية تكررها الأديان السماوية وغير السماوية حول الأمانة والصدق والرحمة والتكافل وغيرها، بل عن أحكام موجودة في النص الديني وتفاسير ملتبسة وتأويلات متناقضة تتعامل مع أعراف وأحكام وتقاليد سادت في مجتمع الجزيرة العربية البدائي قبل 1400 سنة. فهذه الأحكام قد شاخت أو لم يعد هناك موجب للتعامل معها، ولا يمكن أن تتماشى مع الواقع المتغير والتطورات التي طرأت على المجتمعات البشرية خلال قرون مضت. إن الفليسوف اليوناني سقراط كان له كل الحق في قوله:” لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”، تماماً كما ينسب إلى علي بن أبي طالب قوله:” لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”.

كي يخرج العراق من عنق الزجاجة ومن دائرة الفوضى والفساد

المحنة التي يتعرض لها المجتمع العراقي تحتاج إلى وقفة جدية ليس من النخب السياسية المتنفذة الآن، بل من العراقيين أصحاب الشأن أنفسهم. فما يسمى بـ”الموجة الدينية ” و “الأحزاب الدينية” على كثرتها، لم تحد خلال العقد الأخير من الفساد والتهري الاجتماعي الذي غرسه النظام السابق، بل زادت وعممته وعمقته. فنظرة سريعة على الثراء المفرط للأحزاب الدينية والمؤسسات الدينية هي أدلة كافية على عمق الفساد الذي حل بالمجتمع على يد هذه التيارات. كما إن هذه الموجة لم تقدم الإيمان الديني خطوة إلى الأمام، بل هناك تراجع وتشكيك في إيمان هذه القوى. إن العراقيين لم يكونوا قبل هذه الموجة من أرباب الكفر ولا الالحاد، ولم تزدهم هذه الأحزاب ذرة إضافية من الإيمان، بل ونقلتهم إلى دائرة التطاحن الطائفي المخيفة وما جرته من قتل وتشريد وفوضى ووبال على هذا الشعب المسكين. وليس أمام العراقيين من حل سوى بناء دولة مدنية، يتساوى فيها العراقيون على قدم وساق بغض النظر عن انحداراتهم الدينية والمذهبية والأثنية، دولة تعتمد الهوية الوطنية وليس أية هوية أخرى، دولة علمانية أساسها فصل الدين عن الدولة، وفصل التعليم عن الدين. دولة لا يسمو فيها دين أو مذهب على المذاهب الأخرى، دولة تعتمد دستوراً مدنياً وليس دستوراً ملتبساً تفسره النخب الدينية والمذهبية والسياسية كل حسب مزاجه. فعلى هذا المنحى والدرب سارت الدول المتقدمة على درب التطور والرقي. وعلى هذا الدرب، وبهذا الشكل أو ذاك، سارت عليه بعض الأنظمة في تاريخنا الغابر سواء في عهد المأمون أو في عهد دولة الأندلس، حيث ازدهرت التيارات العقلانية وتطورت العلوم. وعلى هذا المنحى ما تحاول أن تسير عليه الآن دول مثل مصر التي بادرت إلى حظر النشاط السياسي تحت راية دينية أو مذهبية، وقامت أخيراً بإلغاء مادة التربية الإسلامية من مناهج التعليم المصري الرسمي، وأصدرت عوضاً عنها كتاباً يمتحن به الطلبة تحت عنان كتاب “القيم والأخلاق”. فالإيمان الديني هو قناعة وجدانية لا تخضع للإمتحان كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، ومن يرسب فيها لا يمكنه من مواصلة الدراسة. فهل من يرسب في مادة الدين في مدارسنا هو دليل على كفره والحاده؟؟.
ومن الضروري الشروع وقبل فوات الأوان بمعالجة “بازار الفتاوى” والتقارب بين الأديان الذي خرج عن دائرة المعقول، وتحول إلى ميدان خطر لإذلال البشر وسبيهم. وما على المؤسسات الدينية سوى الجلوس لتحديد الوسائل والفتاوى التي تنصح المواطن بالرحمة والنزاهة والصدق، وليس فتاوى تثير الفرقة والتجاذب بين العراقيين. كما إن مهمة رجل الدين والوعاظ تقضي في ممارسة مهمتهم في بيوت الله وليس في مجلس النواب ولا عبر نشاط الأحزاب السياسية، وأن لاتتحول المناسبات الدينية الأسبوعية إلى مؤتمرات سياسية قد لا يتفق على قراراتها كل مذهب وفرقة دينية مما يثير الفرقة بين المواطنين. وعندما تتوفر مثل هذه الأجواء، وتدور إلى جانبها عجلة الاقتصاد وتتقلص دائرة البطالة والفئات الهامشية، عندها تتحقق المصالحة والمودة والمصلحة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد دون الحاجة إلى هيئة للمصالحة الوطنية لم تتتقدم خلال عشر سنوات بخطوة جدية نحو إشاعة الود بين مكونات الشعب العراقي.
10/11/2014

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

تأسيس محطة استخباراتية في سفارة النظام الايراني في ألبانيا

khaleqsynbolتأسيس محطة استخباراتية في سفارة النظام الايراني في ألبانيا ضد المجاهدين الأشرفيين وسكان ليبرتي

هدد رؤوس وافراد نظام الملالي عدة مرات مختلف الدول للحيلولة دون استقبال المجاهدين الأشرفيين وسكان ليبرتي معلنين ان هدفهم لم يكن نقل «مجاهدي خلق» بل هو القضاء عليهم أو استسلامهم حيث قالوا « يجب ازالة مجاهدي خلق من الكرة الارضية».
وفي اطار هذه السياسة ان غستابو الملالي وبعد استقبال عدد من المجاهدين من قبل ألبانيا قام في البداية بتهديد حكومة ألبانيا لتتراجع عن استقبال المجاهدين:
– النائب في برلمان النظام السيد باقر حسيني مخاطبا حكومة ألبانيا: «ان المجاهدين ليسوا خطرين على مصالحهم الوطنية بل يمكن ان يجعلوا كل المنطقة عرضة للخطر» (18 أيار/ مايو 2012).
– رئيس لجنة الأمن في برلمان النظام محمدرضا ثاني: استقبال المجاهدين… ليس لم يجلب سمعة الى ألبانيا فحسب بل سيولد لهذا البلد تبعات أمنية في أمد طويل ( 23 حزيران/ يونيو 2012).
– وقالت «شبكة الخبر» للنظام في 17 أيار/ مايو 2013 : « ستشهد دول البلقان في المستقبل انفجارات وتخريبات مفيدة لامريكا والكيان الصهيوني».
وعقب ذلك عزمت مخابرات الملالي على تأسيس «محطة استخباراتية» ضد المجاهدين في سفارة النظام الايراني في ألبانيا ولذلك ارسلت احد عناصرها باسم ” فريدون زندي علي آبادي“ الى ألبانيا بهدف ادارة هذه المحطة الاستخباراتية تحت غطاء دبلوماسي».
ان وزارة المخابرات السيئة الصيت وبهدف التستر على نشاطات تجسسية ومعلوماتية لـ زندي والايحاء بانه شخص عادي في البداية كلفه بالعمل في وزارة الخارجية ثم ارسلته الى ألبانيا تحت عنوان السكرتير الأول للسفارة.
ولدى زندي ارتباطات وطيدة مع رئيس محطة وزارة المخابرات في العراق بالاسم المستعار «سجاد» وكذلك مأمور وزارة المخابرات في تركيا المدعو «علي حاج نويدي» وينفذ مهماته ضد المجاهدين في ألبانيا بالتنسيق مع فرع المخابرات في العراق.
ويحاول هذا العنصر المخابراتي للملالي فريدون زندي ان يرتبط ببعض اللاجئين الايرانيين تحت غطاءات مختلفة ويدفعهم الى التعاون مع وزارة المخابرات عن طريق التهديد والاغراء ودفع أموال لهم.
ان هذا العنصر المجرم الذي يتم تقديم نفسه باسم «حاجي» من خلال المكالمات الهاتفية والحضورية، يعمل على جمع المعلومات ضد مجاهدي خلق وعوائلهم. انه وبهدف ايجاد ارتباط واللقاء مع أفراد في تيرانا يستخدم أساليب مختلفة بما فيها تكسي أي سيارة الأجرة.
كما هناك عنصر مكشوف آخر تابع لوزارة المخابرات في ألبانيا وهو عميل باسم «احسان بيدي» يعمل على تشجيع وتسهيل لايجاد الارتباط مع زندي.
وبعد ان اصدرت محكمة ميكونوس حكما على كل من الولى الفقيه والرئيس ووزيري الخارجية والمخابرات آنذاك لنظام الملالي واتهمتهم بانهم مسؤولين في اغتيال المعارضين الايرانيين في الخارج تبنى مجلس الاتحاد الاوربي في نيسان/ ابريل 1997 قرارا دعا فيه الى اخراج عناصر المخابرات للنظام الايراني من الدول الاعضاء. قرار يضاعف ضرورة الحيلولة دون نشاط عناصر وزارة المخابرات ضد اللاجئين الايرانيين واخراجهم من ألبانيا.

أمانة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية- باريس
لجنة الأمن ومكافحة الارهاب

Posted in فكر حر | Leave a comment

أنوار القصر قبل نظام الأسد

monalisaموناليزا فريحة: النهار
ليس من عادة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تنميق كلامه. طبعه الحاد وتصريحاته النارية صارت صفة ملازمة لمواقفه. من استعراضه الشهير في منتدى دافوس وصولاً اخيراً الى فتواه بعدم المساواة بين الرجل والمرأة، غالباً ما اثارت مواقف الرجل القوي في تركيا جدلاً. ولكن عندما استقبل الاثنين ضيفا يفترض ان يمثل استفزازاً لطموحاته في المنطقة لم تبدُ عليه أيّ من إمارات الغضب، وبدا في منتهى الهدوء.
لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان يمثل مرآة حقيقية لشوائب القيادة التركية القائمة على سياسة خارجية أساسها الايديولوجيا والغضب واقتصاد عماده البراغماتية المطلقة. فالزعيم التركي الغضوب دوماً لم يجد الاثنين مبرراً لانتقاد السياسة الروسية حيال سوريا، هو الذي شن عقب زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن لبلاده هجوماً عنيفا على “وقاحة” أميركا لانها “وقفت صامتة أمام وحشية نظام بشار الأسد”.
منذ ثلاث سنوات ونصف سنة تتفرّج أميركا على نظام يدك شعبه بالنار والبارود، متذرعة حيناً بعدم وجود بديل واحياناً بالخوف من الاسلاميين. غير ان موسكو لم تكن تضطلع بدور الدفاع المدني، ولا كانت مراقباً محايداً في هذا النزاع، بل هي غذته بمدها النظام بالاسلحة ووقوفها سداً أمام أي محاولة لايجاد حل سياسي لا يضمن بقاء حليفها.
كان يمكن دولة كتركيا، عضواً في حلف شمال الاطلسي وتربطها علاقات اقتصادية قوية بروسيا، أن تضطلع بدور وسيط مهم في الحرب الباردة الجديدة الدائرة بين واشنطن وموسكو على خلفية الازمة السورية، الا أنها ارتأت اعتماد سياسة خارجية تحركها الايديولوجيا والغضب. وحتى عندما قرر المجتمع الدولي معاقبة موسكو على ضمها شبه جزيرة القرم والحرب الاوكرانية، اختارت أنقرة الثأر من أوروبا، وها هي تحقق مكاسب كبيرة من فتح أبوابها أمام موسكو الباحثة عن أسواق جديدة بعيداً من دول الاتحاد الاوروبي، غير عابئة بوسم الغرب اياها بالازدواجية.
وعلى رغم المشاكل الاقتصادية لروسيا والناجمة عن العقوبات الدولية عليها وتراجع أسعار النفط، بدا اردوغان أضعف بكثير من أن يقف في وجه بوتين. أو حتى أن يكون منسجماً مع مواقفه السياسية امام ضيفه. الا أن تركيا التي تستورد القسم الاكبر من مواردها للطاقة من روسيا حققت مكاسب اقتصادية من الزيارة، مع زيادة امداداتها ثلاثة مليارات متر مكعب إضافية سنوياً من الغاز الروسي، مع خفض للأسعار وإمكان التعاون بين الجانبين في تشييد مركز لتصدير الغاز الى جنوب القارة، بعد الغاء مشروع “ساوث ستريم”.
نجح بوتين في تعبئة حليف جديد ضد أوروبا. أما أردوغان فلم يجرؤ حتى على توجيه مجرد لوم الى موسكو. بحساباته ربما، قد يكون ابقاء أنوار قصره الفسيح مضاءة أهم بكثير من استعداء بوتين بسبب الأسد أو تتار القرم أو أي شعب آخر.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment