التناقض في خلق الانسان

التناقض في خلق الانسان

جهاد علاونه
نحن حتى الآن لا نعرفُ من أين جئنا ولا نعرف إلى أين سنذهب ولا نعرف أيضا مما خُلِقنا فهل أصلنا فعلا تراباً أم أن أصلنا من القرود!!ولو خيرك الله أو أي خالق من الخالقين أو أي رب من الأرباب في عملية الخلق بين أن يخلقك من دودة أو من بكتيريا أو من حصانٍ أو من خنزيرٍ بري أو من نبات يصنع منه مادة العطر الفواح, أو من أي كائنٍ آخر له رائحة(البني آدم) فماذا ستختار ؟ وتخيل أنك مؤمن تمام الإيمان بأن الله خلقك من الجمادات فهل أنت تشعر بالخزي وبالعار؟ وهل عملية خلقك من الجمادات فيها اهانة لشعورك ومشاعرك؟ طبعا أنا لا أعرفُ شيئا عن ما هو مدى شعورك أو ما هو مدى إحساسك أصلا مع أني أنا شخصيا أجد أن عملية خلقي من الحيوانات وخصوصا الحيوانات(الرئيسة) فيها احترام لإنسانيتي أكثر من كوني قد خرجت من الطين ومن التراب,فأيهما أفضل الطين والتراب أم القرد؟ ,ذلك أن عملية خلقي من التراب الجماد فيها نقص كثير من إنسانيتي أو آدميتي قبل أن أعرف ما هي أنسنة الأشياء أو أنسنة الكائنات الذكية.

ولو فعلا عدنا للموضوع من أوله بعد أن عرفت ما هو معنى أن يكون أصلك قردا أو حمارا أو ثورا أو أن يكون أصلك جماداً وخيرك الله بين أن يخلقك من الجمادات أو من الحيوانات فماذا ستختار؟ ولو مثلا حين تختار أن تكون مخلوقا من الحيوان فأي نوعٍ من الحيوانات تقبل به؟:القرد أم الغزال؟ أنا بالنسبة لي لو خيرني فلن أختار لا هذه ولا تلك بل سأختار أن يخلقني من النباتات ولاخترت الزنبقة أو الياسمين, علما أنه لو قال لي أن أصلي حمار فسيكون هذا عليّ أهون من أن يكون جدي الأول مخلوق من التراب ومن الطين,ولن أغضب حين يسبني أحدهم بوصفه لي حمارا أو قردا ابن قرد كما كانت الصحف المصرية تتهكم على سلامه موسى في الثلاثينيات من القرن المنصرم حين كانوا يصفونه بالقرد ابن القرد.

ومن أكثر المتناقضات جذبا للموضوع هو أول ما تعلمته وأنا طالب في المدرسة أن أصل الأنواع والكائنات الحية بمَ فيها أو على رأسها الإنسان والحيوان هي أفضل من الجمادات التي ليس فيها لا روح ولا نفس ولا مشاعر حتى أن الإسلام ما زال يسخر من أولئك الذين يعبدون الأصنام على اعتبار أنها جمادات مخلوقة من الطين أو من العجوة وبنفس الوقت يقول الإسلام بأن الإنسان مخلوق من الطين الجماد فماذا يعني هذا التناقض؟!! والإنسان علميا يتربع على قمة الهرم الغذائي حيث يأكل هو أولا قبل أن تأكل الحيوانات وبهذا الإنسان يأت في المرتبة الأولى في السلسلة الهرمية, والنباتات في المرتبة الثانية, والجمادات في المرتبة الأخيرة على اعتبار أنها لا تعي ولا تحس, وأنا مثلي مثل غيري تعلمت في المدرسة على أولى التناقضات الكثيرة وهي أن الله خلق الإنسان من التراب وهذا معناه بأن الله قد خلق الإنسان من الجمادات فأي تناقض هذا الذي يجعل المسلم مجرد خبط عشواء لا يدري ما هي الحقيقة وما هذا الدين الذي يقول بأن الكائن الحي أفضل من الجمادات وبنفس الوقت يحاول بكل إصرار أن يقنعنا بأن الإنسان خلق من الجمادات وهذه الجمادات هي أصل كل الأنواع!!.

أيهما أفضل عند الرب ,الحيوان أم الجمادات أم النباتات؟وأيهما أفضل عند الإنسان ,الحيوان نفسه أم الجمادات أم النباتات؟ ولو وجه لك أحدهم شتيمة وقام من خلالها بتشبيهك مرة بالحيوان ومرة بالجماد فأيهما تشعر بالإهانة من خلالهما أكثر!!هل تعتقد أن تشبيهك بالحيوان فيه إهانة أكثر من الاهانة حين يشبهك بالجمادات غير الحية؟, كلنا نعترف بأن الإنسان كائن حي وليس جمادا, ولو سألنا طالبا في المرحلة الابتدائية عن أيهما أرقى أو أيهما أفضل: الكائن الحي أم الجماد ؟,لقال بأن الكائن الحي أرقى من الجمادات بل وأفضل من الجمادات ولقال لنا الطالب بأنَ أكثر المخلوقات خسة هي أفضل من أفضل جماد على وجه الكرة الأرضية,وهذا الكلام نجده في عقول الأطفال وفي عقول الكبار وحتى عند الله نفسه… ولكننا بعد قليل سنصاب بخيبة أمل كبيرة جدا حين نسأل نفس الطالب عن عملية خلق الإنسان ومما خلق الإنسان؟ لقال الطالب: خلق الإنسان من الطين أو التراب أو الصلصال,ويقصد بذلك عملية متطورة لقصة الخلق جدا وكأن الله يقف على خط إنتاج يعجن التراب بيديه ومن ثم في المرحلة الأخيرة ينتهي من صنعه كما يصنع أي صانع جرة فخارية, فأنا لا أعتقد ولا أتصور بأن الرب يقبل بأن يخلق الإنسان من الجمادات فهذا مستحيل ولا يمكن تصديقه ولو صح زعم المشعوذين بأن الإنسان مخلوق من التراب ومن الطين ومن الفخار لما كان عند الإنسان شعور وأحاسيس ذلك أن الكائنات الحية من حيوان وإنسان تحيا بوعيها وبمشاعرها وبعقولها وتصنع الحياة والتاريخ والنظم الاجتماعية فمن المستحيل أن تشعر الجمادات بما يشعر به الإنسان أو أي كائن حي على الإطلاق وتبقى عملية خلق الإنسان من الطين مجرد خزعبلات, وطالما أن طالبا في المدرسة الابتدائية يقول بأن الحيوان الكائن الحي أفضل من الجمادات فعلى كل العقلاء وعلى القرآن نفسه والدين بشكل عام عليه أن يعي بأن خلق الإنسان من الجمادات فيه اهانة للإنسان وأن خلق أو عملية خلق الإنسان من الحيوان فيها رفع لقيمة الإنسان أكثر من كونه مخلوقا من جمادات مثل (طين الشتا).

مما يثير استغرابي الكبير أن الإسلام والمسلم والمواطن العربي يقبل بنظرية الإسلام بأن الإنسان خلق من الطين والفخار والصلصال وهذه مرتبة أقل بكثير من مرتبة الحيوان التي يقول بها غالبية المثقفين, فكيف مثلا يقبل المسلم بعملية خلقه من الطين ومن (الجلاطه) ومن الأتربة والغبار ولا يعتبر أن في ذلك إهانة له وللإنسانية كلها, وأنا شخصيا أقبل بالنظرية القائلة بأن الإنسان مخلوق متطور عن حيوان آخر وهو القرد أو غير القرد ولا أعتبر أن في ذلك اهانة لي ولمشاعري مع مشاعر الملايين الكثيرة من البشر أما عملية خلقي وتطوري عن قرد الشمبانزي فلا أجد فيها اهانة لي بل الإهانة تكمن في قبول البعض للنظرية الدينية الإسلامية والتي تقول بأن الإنسان خلق من طين عجنه الرب بيديه على شاكلته ومن ثم نفخ فيه من روحه.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

2 Responses to التناقض في خلق الانسان

  1. لاكان العلماني says:

    مقال رائع استاذ الخوري ، أفضل مقولة / الانسان خلق من ماء دافق يخرج من بين نهر دجلة والفرات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.