في مقابل انهيار مجتمعات ودول في الإقليم، من سوريا إلى العراق إلى اليمن وليبيا، والاستقرار الهش في مصر وتونس، تبدو إسرائيل للوهلة الأولى الدولة الأكثر استقرارًا اجتماعيًا وأمنيًا، وصاحبة مؤسسات الدولة الأكثر صلابة. وهي كأنها في عزلة تامة عن الحريق المندلع في المنطقة، لا سيما أن قوى محور المقاومة قد خفضت القتال ضد إسرائيل عن سلم أولوياتها. بل باتت هذه القوى تعلن صراحة أنها «لا تريد الحرب مع إسرائيل»، في ظل انشغالها بالحروب الأهلية العربية التي تتقرر بموجب نتائجها خريطة نفوذ إيران في الإقليم.
يضاف إلى ذلك أن القضية الفلسطينية، التي لا تزال مشكلاتها وتداعياتها هي المصدر الأول للقلق الحقيقي في إسرائيل، فقدت الكثير من وزنها، بفعل تراكم الأولويات الداخلية للدول العربية، وتراجع الوزن التمثيلي للقوى الحاملة للمشروع الوطني الفلسطيني جميعها.
رغم ذلك تبدو إسرائيل في غاية الارتباك حيال الشرق الأوسط قيد الولادة. أما مصدر الارتباك، فهو الغموض الذي يحيط بمصير اللاعبين والمكونات التي بنت عليها إسرائيل معادلات التوازن في علاقاتها. ولعل أحدث إضاءة على مدى الارتباك هذا، ما كشفه السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، مايكل أورن، في الكتاب الذي سيصدر الأسبوع المقبل، بحسب تقرير إخباري لموقع «بلومبيرغ». يروي أورن في كتابه «حليف: رحلتي عبر الشقاق الأميركي الإسرائيلي»، كيف ولدت فكرة تفكيك ترسانة بشار الأسد من الأسلحة الكيماوية كبديل عن الضربة التي لوحت بها إدارة الرئيس باراك أوباما صيف عام 2013. ينسب أورن فكرة تفكيك الترسانة إلى الوزير الإسرائيلي المقرب من نتنياهو، يوفال شتاينتز، الذي طرحها مع دبلوماسيين روس في إسرائيل ثم ما لبثت أن تحولت إلى خيار أميركي روسي مشترك.
لم تكن الفكرة بطبيعة الحال مدفوعة بإنقاذ الأسد حصرًا، بقدر ما هي مدفوعة بتحقيق نتائج أفضل على مستوى إضعافه ونزع أنيابه، التي تعد الترسانة الكيماوية السورية أبرزها بالنسبة لإسرائيل؛ أي حماية أسد ضعيف في سوريا بدل المغامرة بانهيار النظام، لكن الأسد الضعيف وضع إيران على حدود إسرائيل!!
ليست هذه في الواقع فكرة بعيدة عن التفكير الإسرائيلي أو السوري.
ففي الأسابيع الأولى للثورة السورية خرج ابن خالة الأسد، رامي مخلوف، في مقابلة عبر صحيفة «نيويورك تايمز» قال فيها إن «استقرار إسرائيل من استقرار سوريا»، موحيًا بمصلحة إسرائيل في الدفاع عن النظام وحمايته.
وقبل اقتراح شتاينتز بأشهر كتب الرئيس الأسبق للموساد، إفراييم هاليفي، مقالاً لافتًا في مجلة «فورين أفيرز»، قال فيه إن «الأسد هو رجل إسرائيل في سوريا»، مستندًا إلى تاريخ طويل من الاستقرار على الحدود السورية الإسرائيلية أرساه نظام الأسد أبًا وابنًا. لكن هاليفي سرعان ما عاد بعد عام من تاريخ نشر المقال للتحذير، في محاضرة مهمة في بريطانيا، من مغبة انتصار الأسد، ومعنى ذلك بالنسبة لهيمنة إيران على سوريا ووصلوها إلى متاخمة حدود إسرائيل.
هذا التقلب في تقييم الموقف وقراءة مستقبل المنطقة وتحديد صمامات الأمان فيها، هو الحصيلة الطبيعية لتقلب المعايير واللاعبين. لطالما كانت إسرائيل أميل إلى بناء علاقات متينة مع الأقليات في المنطقة، ومنها نظام الأسد، مقرونة بما يسمى نظرية تحالف الطوق أو الأطراف؛ أي توسيع قوس العلاقات الإسرائيلية بما يتجاوز العرب، إلى تركيا وإيران الشاه، وإلى حد ما إثيوبيا هيلاسيلاسي.
تغيرت مرتكزات كثيرة لهذه الاستراتيجية الإسرائيلية، فالأقليات تجد نفسها أقرب إلى إيران مدفوعة بحاجتها إلى الحماية في مواجهة انهيار دولها وصعود التطرف. وإن كان هذا المعطى يتغير هو الآخر لو نظرنا مثلاً إلى الموقف الدرزي في سوريا الآخذ في التطور نحو معاداة النظام. وهذا مثل آخر على سرعة تحرك المتغيرات بما يعيق بناء سياسات ثابتة. كما أن إسرائيل تجد نفسها أقرب، في مصالحها المباشرة اليوم، إلى العرب في مواجهة إيران والتطرف بعد أن حالفت إيران طويلاً خوفًا منهم.
هذا الملمح المستجد في العلاقات بين دول المنطقة توقفت عنده مجلة «إيكونوميست» المرموقة وعنونت مقالها «الأعدقاء الجدد» في إشارة إلى العلاقات المركبة بين الأعداء القدماء.
وإذا كانت القضية الفلسطينية فيما مضى تعد شماعة وذريعة للتغطية على نواقص وأزمات داخلية في الدول العربية، أكان ما يرتبط منها بالحرية أو الفساد أو الرفاه الاجتماعي أو غيرها، فهي اليوم المفتاح الضروري لفتح أقفال كثيرة وإعادة تنظيم مرتكزات الاستقرار في المنطقة.
الحل العادل للقضية الفلسطينية، على قاعدة القرارات الدولية، والمبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز من بيروت، هو شرط شارط لتنقية وتطهير المناخات المحلية، وكف يد إيران عن التدخل في الانشقاقات الداخلية بذريعتي فلسطين والإرهاب.
واحدة من دروس الشرق الأوسط الحديثة أن ليس ثمة خلاصات خاصة حين تبدأ أعمدة الهيكل بالسقوط. لكن فلسطين أولاً.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- Download Cracked ThunderSoft Screen Recorder Pro 11.4.0بقلم أبو العلاء المعري
- Download Movavi PDF Editor 3.2.0 With License Keyبقلم أبو العلاء المعري
- EAZ Solution Eazy Fix 12.9.2710678376 Download 2025 Editionبقلم أبو العلاء المعري
- Download StudioLine Web Designer 5.0.6 Full Installerبقلم أبو العلاء المعري
- Driver Genius Platinum 23.0.0.137 Download Free For PCبقلم أبو العلاء المعري
- SysTools Image Viewer Pro 5.0 Free Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- VenueArc Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- Silverbullet 0.7.6 Download For Windows PC Freeبقلم أبو العلاء المعري
- Symantec Endpoint Protection 14.3.12154.10000 Download For Windowsبقلم أبو العلاء المعري
- Pinnacle Imaging HDR Expose 3.7.0.13816 Download Free For Allبقلم أبو العلاء المعري
- Articulate Studio 13 Pro V4.11.0.0 Download Free Portable Versionبقلم أبو العلاء المعري
- DMS-Shuttle 1.4.0.130 Download For Windows (Cracked)بقلم أبو العلاء المعري
- Oasys Frew 20.0.10.0 Free Version Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Download Russian Visual Vocabulary Builder 1.3.1 For Windows Freeبقلم أبو العلاء المعري
- IPixSoft Video Slideshow Maker Deluxe 6.0.0 Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- Cisdem AppCrypt 3.5.1 Download With Patchبقلم أبو العلاء المعري
- O\u0026O BlueCon 22.0.13009 2025 EXE Download Linkبقلم أبو العلاء المعري
- Digital Video Repair 3.7.1.2 (2025) EXE Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- GBurner Virtual Drive 5.2 Offline Installer Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Trisun PC WorkBreak 10.1.038 (2025) EXE Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Download Cracked ThunderSoft Screen Recorder Pro 11.4.0
أحدث التعليقات
- تنثن on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- Hdsh b on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح