فواد الكنجي
لا تنهض الأمة (الآشورية) برسالَتها الحضارية إلا بأبناء مناضلين يؤمنون بحق أمتهم في النهضة والتقدم لتحتل مكانة مهمة بين الأمم كما كانت حضارتهم (الآشورية) بتاريخها وعمقها ألحصاري؛ حيث سطروا أروع ملاحم في بطولة والفداء دفاعا عن تربة الوطن ومقدساته، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالة الأمة في النهوض.. والحرية.. والاستقلال، خائضين من اجلها نضالا ضروسا وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف الأمة وقيمها ومبادئها في الحرية وحق تقرير المصير، فبالتضحيات ودماء الشهداء صنعوا الحياة لمستقبل أفضل لامتهم، فكان أبنائها حقا رجال العطاء والفداء من أجل تحقيق سيادة الأمة على أراضيها في بلاد (النهرين – العراق)، حيث مضت الأمة بخطوات حثيثة صوب تحقيق التقدم.. والازدهار.. والنهوض الحضاري الشامل وعلى كافة أصعدة الحياة العلمية.. والثقافية.. والأدبية.. والاقتصادية.. والسياسية.. والاجتماعية؛ لتحتل الموقع الذي يليق بها وبأمجادها وبتأريخها الحضاري العريق بين شعوب وأمم العالم .
وما احتفالنا بـ(يوم الشهيد الأشوري) الذي يصادف في (السابع من شهر آب) إلا فرصة لاستذكار وتذكير لدماء شهداء الأمة الطاهرة ولكل ما قدمته هذه الأمة العريقة بتاريخها وأمجادها من الشهداء من خيرة أبنائها في ساحات الوغى وفي كافة المعارك التي شنت ضدها؛ دفاع عن الأرض والعرض؛ فكان لشهداء الفضل الكبير والأثر الوطني العظيم على صعيد صمود الأمة دفاعا عن القضية الأمة في الحرية والاستقلال في مرحلة ما بعد سقوط (الإمبراطورية الآشورية) على يد أعداء الأمة في عام 612 قبل الميلاد .
حيث تحملت (الأمة الآشورية) وما زالت تتحمل الكثير من أعباء التي تحيط بها ومن مؤامرات التي تحاك ضدها من القوى الاستعمارية وذيولها من أصحاب الأجندات الخاصة الذين لا يريدون لها النهوض والاستقرار، ورغم الأزمات التي مرت وتمر بها فهي باقية وستبقى أيقونة عالمية لمهد الحضارات.. والثقافات.. وللفكر.. والعلوم التنوير.. والآداب.. والفنون؛ والتي أثرت ايجابيا في الفكرة الإنسان والإنسانة، ولهذا حافظ المجتمع (الآشوري) على قيمه وتراثه مصرا بمواصلة مسيرة حضارتهم وتاريخهم نحو واقع أفضل في مسيرة التقدم؛ من اجل بناء مجتمع قوي مترابط ومتين قادر على مواصلة التضحيات والانجازات بكل الوسائل والإمكانيات دون عجز أو كلل أو ملل، فكانت دماء الشهداء الطاهرة عنوان للهوية القومية (الآشورية) والوطنية من أجل المضي قدما نحو المستقبل بروح ممتلئة بالأمل والاستمرار على مواصلة النضال ومواجهة الظلم.. والطغيان.. والاستبداد.. والاحتلال؛ لتحقيق أهداف الأمة في الحرية والاستقلال .
ولما كانت (المقاومة) إحدى أوجه النضال؛ فان (المقاومة) تتشعب أوجهها سواء كانت مقاومة شعبية سلمية.. أو مقاومة اقتصادية.. أو مقاومة ثقافية وفكرية.. أو مقاومة قانونية وقضائية.. ووفق ظروف وإمكانات كل شعب وهي تختلف باختلاف المعطيات الزمان والمكان وقدرات الجهة التي تتم مواجهتها، وما يهم هنا وفق إمكانيات وظروف امتنا فان علينا مواصلة مسيرة مقاومة الظالم.. والمحتل.. والمستبد.. عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكب وترتكب طيلة السنوات الماضية من جرائم الإبادة الجماعية ومجازر التي ارتكبت بحق أبناء امتنا منذ سقوط الدولة (الآشورية) والى يومنا هذا .
((.. فالأمة (الأشورية) منذ سقوط دولتهم في 612 ق.م، تعرضت إلى هجمات بربرية وحشية شرسة؛ عبر الإبادة الجماعية والتهجير ألقسري والنزوح الجماعي، ولكن أقسى إبادة تعرضوا عليها كان مابين عام 1841 – 1848 وهي من اخطر مراحل التي عصفت بالأمة (الآشورية)؛ حيث كانت بداية للمجازر بحقهم وسميت في حينها بالمجازر (الحميدية) نسبة إلى الحاكم العثماني (عبد الحميد الثاني) الذي عرف بكرهه وحقده على (الآشوريين المسيحيين) بل على المسيحيين بصورة عامة، وقد قام بزرع الفتن وإثارة القبائل (الكردية) ليهاجموا المسيحيين من (الآشوريين) و(الأرمن) و(اليونانيين) .
ففي بلاد (مابين النهرين) سادت آنذاك صراعات من اجل احتلال أراضي (الآشوريين) ولم يكن لهم سبيلا في تحقيق هذا الهدف إلا من خلال ارتكاب أبشع واعنف مجازر ومذابح ضدهم؛ فقام احد زعماء (الأكراد) وهو (بدر خان بك) بدعم من (الأتراك) والذي كان تابعا لدولة (العثمانية) حيث اقترف أولى المذابح الجماعية في التاريخ الحديث؛ حيث توفرت له فرصة ذهبية إثناء فترة فرض (الأتراك) لحكمهم المباشر على بلاد (مابين النهرين – العراق) لإحداث التغيير (الديموغرافي) في المنطقة والسيطرة على ما تبقى من المناطق الجبلية لـ(بلاد آشور) التي ظلت مستقلة حتى ذلك الحين، لذلك اعتبرت هذه الفترة فترة عصيبة في تاريخ (الآشوريين)؛ إذ في هذه الفترة تحديدا غير الكثير من ( ديموغرافية) مناطقهم في (شمال العراق)، وقد ولعب بهذا التغيير عدة أطراف مختلفة, كان على رأسها (العثمانيون) وأعوانهم من القبائل (الكردية) والمبشرون (الأوربيون) و(الأمريكان), الذين كانوا بالأساس مجاميع من الجواسيس لبلدانهم والذين تمظهروا بأنهم أتوا إلى المنطقة لمساعدة (الآشوريين) و(الأرمن)؛ ولكن غايتهم الحقيقية كانت هي للقضاء على (الإمبراطورية العثمانية) وتفتيت أوصالها, مقابل وعود كاذبة بحماية المسيحيين في الشرق من العثمانيين) .
فمنذ سنة 1831 شهدت بلاد (مابين النهرين – العراق) حضورا عسكريا وسياسيا (عثمانيا)؛ ومن جهة أخرى حضورا (غربيا) وبأشكال متعددة, لتصبح (بلاد مابين النهرين – العراق) ساحةَ صراعٍ (عثمانية – غربية)؛ لعب فيها الجواسيس دور المبشرين بالإضافة لوعودهم الكاذبة بحماية (الآشوريين) من (العثمانيين) وبإقامة حكم ذاتي لهم في شمال (العراق) في مناطق حضارتهم القديمة، ومن خلال تفاقم الصراعات بين هذه الإطراف وقع (الآشوريين) ضحية هذه المؤامرات لترتكب بحقهم أبشع جرائم الإبادة والمجازر والمذابح التي ارتكبت بحقهم من قبل السلطات (العثمانية)، وما مذابح (بدر خان بك) 1841 – 1848 في زمن السلطان (عبد الحميد الثاني) والذي لقب بـ(السلطان الدموي)؛ لأنه ارتكب مجازر رهيبة لا تعد ولا تحصى بحق (الآشوريين) و(الأرمن) و(اليونان)، وأكثر مجاز وحشية هي التي ارتكبها باسم (مجازر ديار بكر) والتي حدثت في ولاية (ديار بكر) ضمن الدولة (العثمانية) بين عامي 1894 – 1896 وهي سلسة من المجاز ضمن ما تسمى بـ(الحميدية) التي استهدفت (الآشوريين) و(الأرمن)، وقد اتخذ هذا الجزار منحى معادي للمسيحيين بشكل عام بانتقالها إلى ولاية (ديار بكر) وريفها ومناطق (طور عابدين) التي شكل (الآشوريين) أغلب مسيحييها وتم إبانها حرق العديد من قراهم ويقدر عدد القتلى من (الآشوريين) ما بين سبعين ألف ومائة ألاف (آشوري) .
وقد عاش (الآشوريين – في بلاد مابين النهرين) تحت حكم (الإمبراطورية العثمانية)؛ وهي فترة كانت من اقسي وأصعب السنوات وما تلتها من بعد، فقد عرفوا (الأتراك) من خلال الشعوب التي تسلطوا عليها بالقسوة وانعدام الرحمة ومعاداتهم للأديان والقوميات الأخرى، وما سياسة (التتريك) التي مارسوها إلا نموذجا للإعمال العنصرية وإقصاء الآخرين؛ ليستمر هذا المسلسل وهذا المنهج الدموي بحق (الآشوريين) والآخرين، فما بين عام 1914 و 1918 أبان الحرب الكونية الأولى، عادوا (الأتراك العثمانيين) مجددا بشن حملة وحشية بحق (الآشوريين) و(الأرمن) و(اليونان)؛ حيث تم إبادة أكثر من ثمانمائة إلف (آشوري) في (تركيا)؛ ونزوح وهجرة إضعاف هذا العدد إلى (روسيا) و(إيران) و(سوريا) و(العراق)؛ ليعود (الانكليز) يستكملوا جرائمهم ضد النازحين (الآشوريين) ولكن بشكل أخر؛ حيث تم في موقع يسمى بموقع (صخرة به ستون) في (إيران) آب عام 1918، و(صخرة به ستون) موقع جبلي داخل الأراضي (الإيرانية) بالقرب من الحدود (العراق) الشرقية وعلى الطريق بين (همدان – كرمنشاه)، حيث يقدر عدد (الآشوريين) الذين تم تصفيتهم من قبل (الانكليز) هناك أكثر من ألف وخمسمائة (آشوري)؛ وهم أساسا كانوا قد هربوا من مذابح في (تركيا) وتحديدا من منطقة (حكاري) بعد أن رفضوا هؤلاء المقاتلين التطوع في جيش (ليفي) التابع للقوات (البريطانية) بمنطقة (همدان)، فاخذوا هؤلاء (الآشوريين) إلى معتقل (به ستون) كأسرى؛ ثم جرى فصلهم وعزلهم عن عوائلهم حيث تركوا في العراء تحت حراسة مشددة ليتم استغلالهم كعمال سخرة والقيام بإعمال شاقة مضنية لساعات طويلة تحت لظى الشمس الحارقة في تسوية الأراضي وتمهيد الطرق وكسر وحمل الصخور والأحجار في المناطق الجبلية الوعرة؛ واستخدموا كذلك لنقل قضبان حديدية لسكك القطار بقصد إجهادهم وإنهاكهم وإيقاع أقصى الأذى والضرر بهم للتخلص من اكبر عدد منهم بعد إن رفضوا التطوع في الجيش البريطاني، فلاقى أغلبيتهم وبما تجاوزا عن ( 1500 ) مقاتلا اعزل حتفهم هناك تحت وطأة انتشار الإمراض والأوبئة وسوء التغذية؛ وكثير من المصدر تذكر بان في كل يوم كان (60) أشوريا يلاقي حتفه؛ وهنالك وقائع كثيرة مؤذية بتاريخ الإنسان (الآشوري) يصعب حصرها في اسطر قلائل هنا، وأضاف إلى ما تم من كسر وتدمير وتحطيم إرادة (الآشوريين) بقوة السلاح هناك ومن قتل ألاف (الآشوريين) في (تركيا) و(إيران)؛ وإضافة إلى ذلك تم قتل أيضا إلى جانبهم أكثر من (مليوني ونصف مليون – ارمني) باعتبارهم مسيحيين كسواهم من (الآشوريين) المسيحيين في (تركيا) .
ولم ينتهي مسلسل الإبادة بحق (الآشوريين)؛ إذ تم قتل وإبادة جماعية مجددا وبما يزيد عن خمسمائة إلف (آشوري) وفي هذه المرة على يد قوات (الجيش للمملكة العراقية) عام 1933 في موقع مدينة (سميل) شمال (العراق)؛ وسميت تلك المذبحة بـ( بمذبحة سميل) بكون (الجيش الملكي العراقي) جمع (الآشوريين) بعد محاصرتهم في موقع هذه المدينة – وفق علم ودراية وخطة ومباركة (بريطانية) – وتم تنفيذ حكم الإعدام الجماعي رميا بالرصاص؛ دون تميز بين طفل وامرأة وشيخ ومقاتل وعاجز، لحين صدرت أوامر من (ملك العراق) آنذاك؛ بوقف المذابح وقتل (الآشوريين)، حيث تمخضت عن هذه المذبحة الإجرامية؛ (إبادة جماعية لآلاف الآشوريين) وهم عزل، والتي حدثت في (السابع من آب عام 1933) عبر إصدار مرسوم ملكي؛ أمر الجيش والشعب (العراقي) – بسابقة خطيرة ليس لها مثيل في التاريخ المعاصر– بقتل جميع (أشوري العراق) ومصادرة ممتلكاتهم؛ فاتخذوا القوميين (الآشوريين) من هذا اليوم باعتباره ( يوم الشهيد الأشوري)، رمزا تاريخيا لجميع (شهداء الأمة الآشورية) على مر العصور، وكل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب (الآشوري) ارتكبت لمجرد مطالبة أبناء الأمة (الآشورية) بحقوقهم وحقهم في تقرير المصير على أراضي إبائهم وأجدادهم وحضارتهم ..)) .*
ففي سنة 1970 أعلن (الاتحاد العالمي الآشوري) يوم (السابع من شهر آب – يوما للشهيد الآشوري) يتم فيه تذكار كل الذين سقطوا سواء في حملة الإبادة التي حدثت في منطقة (سميل) أو في المذابح (الآشورية) الأخرى؛ والتي ذكرناها سابقا، وهنا نوجز ذكر تلك (المجازر وحملات الإبادة الجماعية) بهذه الأسطر على نحو الأتي :
أولا .. في الفترة ما بين أعوام 1841– 1848 حدثت مجازر في ولاية (ديار بكر) ضمن الدولة (العثمانية) .
.. بين عامي 1894– 1896 حيث تم قتل ما بين سبعين ألف ومائة ألاف (آشوري) والتي سميت في حينها بالمجازر (الحميدية).
ثانيا .. وما بين عام 1914 و 1918 أبان الحرب الكونية الأولى، عادوا (الأتراك العثمانيين) مجددا بشن حملة وحشية بحق (الآشوريين) في الإبادة الجماعية حيث قتلوا أكثر من ثمانمائة إلف (آشوري) .
ثالثا .. وفي (إيران) آب عام 1918 وفي موقع (صخرة به ستون) وهو موقع جبلي داخل الأراضي (الإيرانية) بالقرب من الحدود (العراق) الشرقية وعلى الطريق بين (همدان – كرمنشاه)، حيث يقدر عدد (الآشوريين) الذين تم تصفيتهم من قبل (الانكليز) هناك أكثر من ألف وخمسمائة (آشوري) .
رابعا .. ولم ينتهي مسلسل الإبادة بحق (الآشوريين)؛ إذ تم قتل وإبادة جماعية مجددا وبما يزيد عن خمسمائة إلف (آشوري) وفي هذه المرة على يد قوات (الجيش للمملكة العراقية) عام 1933 في موقع مدينة (سميل) شمال (العراق).
خامسا .. ناهيك عن عمليات أخرى التي جلها ترتقي إلى عمليات (الإبادة الجماعية) حدثت ما بعد عام 1933 والى يومنا هذا في (العراق) من عمليات قتل جماعية وترويع (الآشوريين) بوسائل وحشية من خطف وتهديد وإجبارهم إلى النزوح وتهجيرهم ألقسري من اجل السيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم وكان أخرها – وليس الأخير – ما حدث في (العاشر من حزيران) عام 2014 حين احتل (تنظيم الدولة الإسلامية – الداعشية ) مدينة (الموصل) و(سهل نينوى الآشوري)؛ حيث تم من قبل هذا التنظيم المتطرف وضع المسيحيين (الآشوريين) أمام خيار اعتناق الإسلام.. أو دفع الجزية.. أو اختيار الذبح في حال الرفض، مما اضطر أعلب (الآشوريين) الفرار من المدينة بعد إن تم قتل الكثير من أبناء (المسيحيين الآشوريين) في مدينة (الموصل) و(سهل نينوى) فتم إخلاء مدينة (الموصل) من وجودهم وتم تجريف أراضيهم ومصادرة ممتلكاتهم داخل المدينة ودمرت كنائسهم وحتى مقابرهم لم تسلم فتم تجريفها؛ وكما تم تخريب مواقع الآثار للحضارة (الآشورية) من مدينة (نينوى) لكي يمحو وجودهم من جغرافية المدينة وإجبارهم إلى النزوح ألقسري تحت تهديد السلاح والقتل .
فكل ما حدث بحق (الآشوري) من قتل.. وسفك دماء.. وتهجير جماعي؛ وبكل ما تم استخدامه من القوة المفرطة ضد المدنيين العزل من أبناء امتنا (الآشورية)؛ والتي ترتقي إلى مستوى جرائم (الإبادة الجماعية) و(جرائم ضد الإنسانية)؛ وهذه الجرائم لابد من مواجهتها من خلال الأطر القانونية والقضائية المتاحة؛ لان هذه الجرائم لا تنهي سندها القانوني بالتقادم، فالتوصيفات القانونية لكل هذه الجرائم توجب إنزال أقصى العقوبات على كل من تورط بارتكاب أعمال غير قانونية وتوجب المحاسبة والملاحقة للمتورطين فيها، خاصة بان بعض الحقوقيين ورجال السياسة من أبناء امتنا سبق لهم رفع مثل هكذا دعاوي إلى (عصبة الأمم المتحدة) و(الأمم المتحدة) في مطلع القرن الماضي؛ ولكن للأسف تم أسدل ستار عنها لأسباب كثيرة – يصعب حصرها في هذه الأسطر – لذلك يجب تطوير وتعزيز الأدوات الدائمة المتخصصة بالقانون الدولي وإنشاء هيئة دائمة وتمويلها لتتبني هذا الحراك بعد إن يتم توثيق كل المعلومات والأحداث وتحديد أعداد الضحايا بالأسماء والأرقام وكافة التفاصيل وإعطاء التوصيفات القانونية الدقيقة للجرائم، ولهذا يجب رفع مستوى المتخصصين في مجال القانون الدولي والمحامين العاملين في هذا المضمار والاستفادة من المحكمة الجنائية الدولية أو في مجلس الأمن أو الجمعية للأمم المتحدة أو غيرها من المؤسسات الحقوقية التابعة للمنظمات الأممية أو غيرها من المنظمات الدولية والقانونية والإقليمية لملاحقة المدانين بارتكاب جرائم الحرب بما يشكل المزيد من تسليط الضوء على جرائم التي ارتكبت بحق أبناء الأمة (الآشورية) .
كما يجب مواجه الجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق أبناء الأمة (الآشورية) من قتل.. وتجريف القرى.. ونهب ممتلكات الأمة.. و الإبادة الجماعية.. وتشريد.. ونزوح.. وإقصاء.. وتهميش.. من خلال المقاومة وفق الأطر (القانونية والقضائية) التي ذكرناها سابقا؛ إضافة إلى المقاومة وفق اطر (الثقافية والفكرية)؛ كونها وسيلة من وسائل القوة المعتمدة على سلاح القلم والكلمة؛ لردع الظلم والاضطهاد؛ كون هذا نوع من السلاح يسلك مسلك البندقية في مواجه أعداء الأمة، فـ(الكلمة) و(الفكر) بكل وسائل التعبير سواء عبر الفن.. أكان تشكيليا أم نحتيا أو عبر السينما والمسرح.. أو الثقافة وكتابة المقالات.. والشعر.. والخطب الدينية والسياسية.. والصحافة والإعلام.. وصناعة الأفلام أكانت روائية أو توثيقية.. او مسلسلات متلفزه.. وغيرها من أساليب الفكر.. والثقافة.. والتوعية؛ وكل هذه الأساليب هي جزء من (المقاومة) لا تنفصل عن وسائل مقاومة الأعداء ومواجهتهم؛ ليتحمل كل أبناء مجتمعنا (الآشوري) جزء من هذه المسؤولية التاريخية بحق أمتهم؛ لان بإمكانية كل فرد من أفراد المجتمع بإمكانياته الذاتية رفع الصوت.. وقول كلمة الحق.. والقيام بالعمل والفعل المناسب، لان امتنا بحاجة مساه بما تمر بها من أوضاع خطرة إلى مزيد من الوعي.. واليقظة.. ومن التنبه.. والتذكير الدائم.. بكل ما مرا على أبناء امتنا في ساحات الوغى؛ والشهداء الذين رخصوا دمائهم من اجل إعلاء شان الأمة وبقائها خالدة في نفوس الأمة (الآشورية)؛ ليتم الحفاظ على روح المقاوم في المجتمع (الآشوري)، لان الأعداء يحاولوا بكل وسائل القذرة أحداث شرخ بين أبناء الأمة الواحدة.. واللغة الواحدة.. والبيئة الواحدة.. والمجتمع الواحد.. لتمزيقهم وتشتيتهم، لذلك لابد لـ(المقاومة السياسية) إن توازي في عملها مع خط المقاومة القانونية والمقاومة الفكرية؛ لان (المقاومة السياسية) قراره هو الركيزة الأساسية التي ينطلق منها كل أفراد المجتمع لتأكيد المقاومة القانونية والثقافية، لان القرار السياسي هو الذي يرسم طريق المقاومة لمواجهة الأعداء والطغاة للوصول إلى طريق الحرية؛ بعد إن يتم تبيان المظلومة ومحاسبة الأعداء والظالمين والطغاة وفضح جرائمهم، ويقينا بان الأمة التي تتجه هذا الاتجاه لانتزاع حقوقها – لان يقيننا بان حقوق الأمة مهما عملنا فإنها لن تمنح من قبل الآخر على طبق من ذهب لامتنا (الآشورية) – وعلى امتنا إن تنتزع حقوقها انتزاعا؛ وهذا الانتزاع هو الأخر نوع من أنواع المقاومة تكفله كل القوانين الدولية.. ومواثيق حقوق الإنسان.. والأنظمة والتشريعات الدولية.. والدساتير الديمقراطية في العالم.. وتؤيده الشرائع السماوية.. والقيم الإنسانية والأخلاقية؛ التي تحث على مقارعة الظلم؛ كي تصل الأمة للنتيجة المرجوة في الحرية وحق تقرير المصير .
فالأمة (الآشورية) وعلى مدى تاريخها؛ قدمت دروسا عظيمة في الصمود.. والمقاومة.. والتضحية.. من اجل إن يمضوا بأبناء الأمة مرفوعين الرأس رغم كل تحديات وأساليب القمع الني مورست ضدهم وخاصة بعد سقوط إمبراطوريتهم، فقدمت الأمة (الآشورية) ملايين الشهداء وناضلت ولم تستسلم؛ بل حافظت عل قيمها.. وعاداتها.. وموروثها.. ولغتها.. وطقوسها.. رغم قسوة أوضاعها السياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية، ومع ذلك ظلت تسير بخطى واثقة إلى الأمام رغم صعوبة ووعورة الطريق ولم توطئ رئسها لكائن من كان؛ فحافظت على استقلاليتها وحرية أبنائها ونضالها من اجل تثبت حقوقها القومية والوطنية على ارض الوطن في بلاد (النهرين)؛ لتسجل في صفحات تاريخها قيمة (الشهادة) وقيمة من ضحوا بأنفسهم من اجل إن يستمر نور الشمس يشع على ربوع بلادهم، وهذا الوعي جاء نتيجة ما بذلته الأسرة (الآشورية) في توعية أبنائها على قيم القومية.. وحب الأمة.. والدفاع عنها.. والنضال.. والتضحية.. والحفاظ عن قيمها الإنسانية والأخلاقية فكانت تلك دروسا بليغة في تعميم ثقافة المقاومة في نفوس أبنائها فزرعت في عقولهم قيم الشهادة والاستشهاد في سبيل قضايا الأمة فزرعت الأسرة (الآشورية) الثقة بالنفس للمضي قدما من اجل تحقيق كل طموحات الأمة في الحرية والاستقلال، لذلك دافعوا عن وطنهم وأرضهم وعرضهم بكل ما كان في وسعهم تقديمه بعيدا عن الإحباط.. واليأس.. وقوة وغطرسة الأعداء .
وهنا نستذكر في يوم (الشهيد الآشوري) كمناسبة عظيمة في قلوب أبناء الأمة لاستلهام معاني المقاومة.. والنضال.. والتضحية.. والفداء.. ومتابعة المسيرة النضالية لتحرير كافة الأرضي الأمة وعودة أبناء الأمة إلى قراهم ومزارعهم وممتلكاتهم بعد سنين من الهجرة والنزوح ألقسري الذي مورس ضدهم بعد إن احتلت كل أراضيهم من قبل أعداء الأمة ومغتصبي الأرض؛ لحين إن يتم إعادة كافة حقوق الأمة؛ بعد إن يستبد الأمن والاستقرار في جميع المناطق (الآشورية) في بلاد (النهرين) مهما طال الزمن؛ لان إيمان الرجال بقضية أمتهم وعد.. وقد صدقوا ما وعدوا.. فساروا في طريق الشهادة ليضيئوا بدمائهم الزكية طريق النضال ليصبحوا مشاعل نور تضيء للأجيال القادمة طريق الكفاح.. والنضال.. ومواجهة التحديات وقهرها؛ ليعطوا دروسا عملية في التضحية.. والحب.. والوفاء لأبناء الأمة وتطلعاتهم التحررية .
فـ(الشهادة) فعل لا يضاهيه بالسمو أي فعل أخر؛ لذلك من حق الشهداء على أبناء الأمة (الآشورية) احترام سلوكهم والنهج الذي أفضي بهم إلى الشهادة، فالتضحية بالنفس من أجل قيم الأمة في حق تقرير المصير والحرية والاستقلال لا تقارن بأي تضحيات أخرى لا في الشكل ولا في مضمون العطاء وأسلوبه، والأمة التي زرعت في نفوس أبنائها التضحية بالنفس من اجل حرية الأمة؛ هي امة عظيمة قادرة على حماية الكرامة والاستقلال، وهذا خط سارت علية (الأمة الآشورية) منذ عرفها التاريخ كشعب مناضلا.. مكافحا.. مضحيا.. رافضا للهوان.. ومتمسكا بحريته واستقلاله .
فالتضحيات المهولة من الشهداء التي قدمتها (الأمة الآشورية) خلال مراحل تاريخها وبكل المآسي والويلات التي مرت؛ هي مراحل مليئة بالحرمان ومن أبسط الحقوق، وكل يوم كان يمر على أبناء الأمة طوال الحقبة الماضية – ومازال – يكابدون مزيد من أساليب الضغط النفسي.. والخوف؛ نتيجة تطبيق الأعداء ومحتلي أراضي الأمة ومغتصبيها سياسات خبيثة و حروب نفسية من اجل إحباط معنوياتهم ليبقوا جسد بدون روح وبدون وعي وفكر، و رغم هذه المعانات والمصاعب؛ فان أبناء (الأمة الآشورية) قاوموا ذلك بكل عزم وإرادة وحاربوا دون استسلام؛ لأنهم تيقنوا بان لا قيمة للحياة بدون الكرامة؛ فتعلموا روح التضحية والفداء في أحلك الظروف والأوقات الصعبة، فكان من يستشهد في ساحات المعارك والمقاومة قدوة لرفاقهم؛ وكانوا قوة لرفع معنوياتهم؛ لم يعرفون الخوف ولا التردد أمام هجمات الأعداء؛ لأنهم قاتلوا وصمدوا بوجه الأعداء بروح من المسؤولية العالية، فشهداء الأمة من الذين سقوط في (تركيا) و(إيران) و(العراق) و(سوريا) أصبحوا قدوة ومثال يحتذي لانضمام أبناء امتنا (الآشورية) إلى حركات قومية من اجل رفع وتيرة النضال في تلك الساحة؛ لان أبناء الأمة تيقنوا لوعيهم ومسئوليتهم كم هم مدينون لهؤلاء الشهداء؛ وعليهم السعي وبذل كل ما في وسعهم من قوة و إمكانيات التضحية والسير على منوال مسيرتهم الاستشهادية من اجل قضية الأمة في الحرية والاستقلال، بكون الشهداء قد تركوا بقية حياتهم لمستقبل مشرق لأبناء الأمة الذين يعيشون على وجه الأرض لكي يواكبوا مسيرتهم التي كانوا يناضلون من أجلها؛ لان قدر (الأمة الآشورية) يتطلب منها النضال بروح الفداء الذي تعلمانه من مسيرة حياة شهدائنا الإبرار الذين ضحوا بأنفسهم من اجل حرية الأمة، ولهذا ستبقى دمائهم مشاعل نور تنير الدرب لأبناء الأمة لصناعة الحرية والنصر، لان دمائهم هي التي أعطت عنوان للهوية (الأمة الآشورية) المناضلة لتحقيق أهدافها في الحرية وحق الوجود مهما طال الزمن، ومنهم ومن صبر عوائلهم الصامدين على العذاب.. والحزن.. والجراح؛ تعلمنا معاني التضحية والثبات والبطولة ومنهم نستمد القدرة.. والقوة.. والصمود.. لتعطي لأبناء الأمة الثقة للمضي قدما في مواجهة تحديات التي يواجهونها والمخاطر التي يتعرضون لها في وطنهم الأصلي وبإصرارهم وتحدياتهم لمواصلة مسيرة النضال رغم كل أنواع التعسف والاضطهاد التي يتعرضون لها؛ ومهما كانت التضحيات فان إيمانهم بالنصر سيبقى حليف المتمسكين بحقوقهم وأرضهم والثابتين على مبادئهم وأهدافهم القومية في الحرية وحق تقرر المصير، لذلك فان أبناء الأمة يتزودون بمعاني الشهادة والتضحية فداء للحرية الأمة؛ ونستلهم عبر تاريخ أمتنا وحضارتنا (الآشورية) الحافلة بملاحم البطولية وبدروس الشهادة، لذلك فان إيمان الرجال بقضيتهم تزداد يوما بعد آخر.. وتزداد صلابة.. وأشد تصميما.. وأقوى عزيمة على التمسك بحقوقهم والتشبث بأرضهم في بلادهم بلاد (النهرين)؛ وبمبادئهم يدافعون عنها مهما كانت الظروف والضغوط والتحديات؛ ويتحلوا بالصبر.. والشجاعة.. والكفاءة.. والإخلاص.. والتصميم.. وروح التضحية.. لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل ومتابعة المسيرة النضالية بمختلف الأشكال حتى يتم لهم استعادة كل ما اغتصب من حقوقهم وما احتل من أرضهم .
لهذا وضعت كل مؤسسات الأمة (الآشورية) المدنية.. والاجتماعية.. والسياسية.. والدينية.. والثقافية؛ قضية الأمة في الحرية.. وحق تقرير المصير.. والعودة المهجرين والنازحين إلى الديار ضمن أولوياتهم؛ كما حرصوا على إبقاء (الشهادة) قيمة إنسانية مشرفة للأجيال؛ وجعلوا من (الشهادة) عنوانا مهما في الحياة النضالية، لذلك يبقى (يوم الشهيد الآشوري).. يوما خالدا وعظيما في ذاكرة الأمة؛ وذكرى استثنائية للذين كانوا مشاعل نور متواصلة يهتدي (الآشوريين) بها في دفاعهم عن الأرض والحقوق؛ وطريقا للنضال القومي بأبعاده القومية.. والوطنية.. والتاريخية؛ في طريق مواجهة أعداء الأمة ومغتصبي الأرض؛ وهم متسلحين بالوعي والانتماء لتاريخ الأمة؛ رافعين شعار الحق.. والحرية.. والمساواة.. والعدالة؛ بعد إن سطروا (الشهداء) الذين ساروا وهم يرفعون هذه الشعارات في ضمائرهم وأفعالهم؛ ليسجلوا بدمائهم الطاهرة صفحات مضيئة في تاريخ (الأمة الآشورية) بعد إن أسسوا بدمائهم ثقافة المقاومة والتصدي للمحتلين والغزاة والمشاريع الاستعمارية؛ فكانوا نور المشاعل التي أنارت الطريق للأجيال القادمة على طريق النضال ومواجهة التحديات وإحباط المشاريع المعادية؛ لأنه السبيل لردع العدوان وعودة الأرض والحقوق .
فاليوم وفي يوم (الشهيد الآشوري) يحتفل شعبنا (الآشوري) في كافة أماكن وجوده في الداخل والشتات بيوم (الشهيد الآشوري) لإعلاء من قيمة (الشهادة) في سبيل التحرر وانتزاع الحقوق المشروعة؛ فنستذكرهم ونستذكر بفخر واعتزاز كل شهداءنا الأبرار الذين واكبوا مسيرتهم في الدفاع عن الأرض وحقوق الأمة في الحرية.. والكرامة.. وحق تقرير المصير .
فـ(الشهادة) ستبقى قيمة وعقيدة راسخة في عقول وضمائر أبناء (الأمة الآشورية) لأنهم خلفوا ورائهم إرثا فكريا وحضاريا وطريقا يقود أبناء الأمة من بعدهم على ذات الدرب الذي بدئوا فيه قبل استشهادهم .
…………….
* المقطع مقتبس من مقال.. (فواد الكنجي).. التي جاءت تحت عنوان (يوم الشهيد الأشوري، يوم لتحديث الهوية القومية..) .