كما ذكرت في نهاية المقالة السابقة فان الثيمة الرئيسية في هذه المقالة هي عن اشكالية الشباب و الثقافة … لكني اود قبل ذلك الاعتذار عن عدم وصول خلاصة المقالة الاولى الى النشر … و عليه فلابد ان ابدأ بتلك الخلاصة لانها تشكل مدخلاً مهماً الى نقاش موضوع الشباب..
بناء على نقد واقع الاختزال و النخبوية في المفهوم الثقافي… الذي كان أساس المقالة الاولى….. فان ما طرحته هو اننا يمكن ان نفترض ان الثقافة هي كل نتحرك خلاله من أفكار و علاقات و اعتقادات و مناهج و سلوكيات و منظومات…. الخ… الثقافة هي كل ما نفكر فيه و كل ما لا نفكر … كل نعيه و ما لا نعيه… كل ما نفهمه و لا نفهمه…
بكلام اخر… الثقافة مثلما هي هي صناعة مثل الفن و الأدب و الفلسفة و السياسية… و قد تكون ايضا أشياء قد نحاول ازالتها و نحاربها او نضع خطط و برامج لقولبتها… لكن الثقافة هي حالة عامة تتطور وفق آلياتها الخاصة التي ترافق تطور حياتنا و وجودنا الاجتماعي … أفراداً و جماعات… و على هذا أساس هذا المفهوم الواسع يمكننا ان نفترض ان صناعة الثقافة هي ليست من اختصاص النخبة وحدها كما نتصور…. إنما ايضا من صناعتنا جميعا… سواء كان ذلك نتيجة عمل وعيوي و هادف… او مجرد نتاج لسلوكياتنا اليومية و تقاطعاتها مع كل البنى و الهياكل الاجتماعية و المجتمعية ….
لكن ان نتحدث عن مفهوم واسع بهذا الشكل لا يعني أبدا اننا لا نجد هيكليات او مسارات ثقافية ذات اطر و حدود خاصة….يمكن ملاحظتها و مراقبتها و وضع معايير وقيم و حسابات لها… لكن الذي لا يمكننا قياسه بشكل دقيق هو قضية تطابق الاستراتيجيات مع النتائج الحاصلة… صحيح ان درجة من الانحراف يمكن توقعه دائماً في كل مجالات الحياة و عبر التاريخ….. لكن بما ان الثقافة … كما قلنا هي أشياء محسوسة و اخرى غير محسوسة… و لذلك لا يمكن وضع معايير دقيقة لقياس تطورها و مستوى التغييرات فيها الا من خلال بعض السلوكيات التي تبقى قابلة للتغيير المفاجيء نتيجة اي ظرف طاريء … فالإنسان و منظومته النفسية يبقيان من اكثر القيم القابلة للتغير ليتلاءم مع تغييرات البيئة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية… الخ…
من الملاحظات في هذا الإطار هو ان الفرد و كذلك الجماعات … اي كل فاعل اجتماعي… يطور ثقافته … او ثقافاته بمعنى مجموعة مختلفة و أحياناً متناقضة … من المسارات الثقافية … التي قد تتقاطع و تنسجم هنا و هناك مع الإطار الثقافي العام و كذلك مع مسارات ثقافات الفاعلين الآخرين بشكل يمكن تصوره على شكل حركة لولبية متسارعة من مجموعة هائلة من الدوائر … اسميها “دوائر الوعي”… و ان مجال التعايش و التعاون مع الآخرين يمكن بناؤه في الفضاءات المفتوحة التي تفصل بين حركة و مسارات هذه الإعداد الهائلة من الدوائر … اي انه كلما اتسعت هذه الفضاءات كلما اتسعت امكانية التعايش السلمي … و كلما ضاقت هذه الفضاءات ازدادت مساحات الاحتكاك و الصراع…
لكن التعايش السلمي ليس معناه بالضرورة التجانس و التآلف … بل يحمل ايضا امكانية ظهور غيتوهات فكرية اجتماعية او تشكيلات مجتمعية يقل التواصل بينها و بين الإطار العام للمجتمع رغم التواجد الفعلي… و الأسباب وراء ظهور و تطور هذه المكونات ذات الميول الانعزالية تتفاوت و تتقاطع مع التطور العام في المجتمع … اي قد تكون اسباب سياسية او اقتصادية.. كما يمكن ان تكون نتيجة تسارع او بطيء التطور في المسار الثقافي لهذه