مسلم زين … يأكل حلاوة موزين
أن تعيش في بلد لا يعاني فوبيا الأديان فتلك نعمة تستحق الثناء ، وأن تعيش في مجتمع يؤمن بالتعددية والمساواة فذلك ما يهون إغترابك ويشعرك بانسانيتك ، هذه هي الغربة باختصار وهكذا تحل مشاكلها ، وما زاد عليها من شعور بغربة الروح وشوق للماضي فتلك مسألة طبيعية قد تحدث حتى لمن يعيش في وطنه وبين ناسه ، فكم من رقيق حس يشعر بروحه غريبة وهو بين أهله وكم من صاحب ضمير يشعر بالنبذ وسط قومه وحتى أهله ؟
اذن فالقضية ليست قضية مكان ولا مشكلة زمان هي الروح يا صاحبي روضها أينما كانت وزِنْها بعقلك واترك البقية للزمن فهو كفيل بحلحلتها ، هكذا قلت لجاري الحاج تيمور ،
تيمور مسلم متشدد من الشيشان جاء وعائلته الصغيرة هنا طلبا للجوء فحصل عليه ، مشكلته أنه يشعر بالغربة والنبذ بشكل مفرط ، فهو يعتقد أن الناس كلهم ضده ويكرهونه بسبب دينه ولحيته الطويلة هكذا صرح لي ذات مرة بلغة عربية ركيكة تعلمها في مدرسة حفظ القرآن في بلده (هاجّي هؤلاء يكرهوني لأني مسلم زين) هكذا يعتقد صديقي الحاج تيمور يكرهونه لأنه مسلم زين ولا أدري ما يقصد بالمسلم الزين هنا ، هل من يربي لحية طويلة ويضع قلنسوة على رأسه أم شيئا آخر لا أدري ؟
ما يربطني بتيمور جيرة تجعلني أصبّح بوجهه (النوراني) كل يوم والتقيه كذلك في أسواق المدينة ومدرسة الأطفال عند توصيلهم ، وما أن يجمعنا مكان حتى يحدثني عن مشاكل المسلمين في العالم ومعاناتهم في بلاد الكفر كما يسميها ، يعاني تيمور أيضا من عقدة الأطعمة والأشربة فهو يظن أن في كل شيء منها يوجد زيت خنزير أو كحول لذلك فقد حرم عياله من كافة أنواع الأجبان لظنه أنها تحتوي على زيت مستخلص من شحم الخنزير أو منفحة عجل غير مذبوح على الطريقة الاسلامية ، كذلك حرم عليهم أكل الحلويات والشوكولاته والمشروبات الغازية لأن فيها نسبة كحول كما يقول الحجّي هذا بالاضافة لأنواع اللحوم الحمراء منها والبيضاء ؟
رأيته يوما يأكل قطعة حلويات في دكان صديقنا علي الإيراني فقلت له ها حجي أشو تضرب حلويات مو تگول حرام ؟
فأجابني بكل صفاقة هاجّي هازِهِ هَلاوة إسلامية زينة ، هازِهِ هالال ، أطفال تيمور يعيشون في عزلة تامة عن المحيط خوفا عليهم من الانحراف ، زوجته مبرقعة لا تخرج إلا للطبيب أو السفر ، في بيته لا يوجد أكثر من خمس الى ست قنوات دينية كلها تعلم القرآن وتحث على الجهاد ، رعب وخوف وعدم طمأنينة يشعر بها تيمور بسبب إسلامه الزين كما يعتقد ؟
في يوم من الأيام طلب مني أن أساعده في ايجاد عمل بسيط له وبعد بحث في الأنترنت وجدت له وظيفة شاغرة بسيطة وسهلة وبالليل ، موزع جرائد وإعلانات في حي مجاور لنا ، لكن حجي تيمور رفض الوظيفة وقال لي ، وكيف تريد مني أن أسهم في توزيع أخبار الكفار والصليبيين وأنشر إعلاناتهم عن الخمر والمفاسد ، مع العلم أن نشر إعلانات عن الخمور والسجائر والدعارة ممنوع بحكم القانون هنا ، يابه بكيفك حجّي لا تشتغل يطبّك طوب على قولة العراقيين ؟
المهم بعد حوالي سنة إنقطعت أخبار تيمور ، عزّل بيته وأخذ عياله وما شفناهم بعد من دون إخبارنا بوجهته ، فهو لا يقول لأحدٍ ما ينوي فعله لإيمانه التام بمقولة ( تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) ولكن قبل أيام جاءت سيارة شرطة الى بيته الفارغ وبعد سؤال واستفسار علمت أنه قد أخذ قرضا من البنك وسافر خارج النرويج دون تسديده ، وهذه جريمة سرقة واحتيال يعاقب عليها القانون ، بالأمس رأيت أحد أصدقائه في سنتر المدينة وهو أيضا شيشاني مسلم زين مثله ، سألته ما أخبار الحاج تيمور هل تعرف عنه شيئا ؟فأجابني مبتهجا ( ما شاء الله هاجّي تيمور زَهَب الى فريزة جهاد في سوريا يقاتل كفّار هناك ، هاجّي تيمور مسلم زين) يعني كسر الحجّي إحتال على الكفار الدبش هنا وأخذ فليساتهم وهرب حتى يجاهد الكفار هناك ويذبحهم ، هاجّي تيمور مسلم زين … هَلاوة هَالال زين ؟
* عن/ كاتب عراقي يقيم في النرويج