وقع في يدي مشهد مصور لعرس في مدينة سعودية – أقول مدينة وليست قرية أو هجرة – أصرّ شبابها وهم يزفون العريس على تحيته بإطلاق رصاص من سلاح «الكلاشنيكوف»، وكل شاب يطلق الرصاص في جولة منفردة، ويده مرتخية وهو دائخ بغروره، ثم يجاوبه الآخر بوصلة من القصف العنيف، وقد أطلق في تلك الليلة رصاص كافٍ لتحرير فلسطين، ولهذا ظهر العريس مرعوباً، وقد يحتاج إلى شهر من العلاج النفسي كي يتخلص من آثار هذا الفرح العنيف، ولا أدري كيف نام الجيران بعد هذا القصف، والمشهد المصور جاء بعنوان: «عرس أم حرب أهلية؟»، لكن الحكم عليه لم يتعدَّ كونه نوعاً من «الهبل» البشري يمكن التسامح معه من دون قلق. أما المشهد الثاني الذي يَعبر سماءنا كأخبار أو حملات تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي، فهو جمع تبرعات من أجل «إنقاذ رقبة قاتل من القصاص»، حملات تبللها الدموع والاستفزاع والاسترحام، نعرف منها أن أهل القتيل يشترطون على القاتل دية قدرها 40 مليون ريال، أي ما يفوق 10 ملايين دولار، شرطاً للتنازل عن حد القصاص، وينجح الناس في جمع هذا المبلغ ثم يحتفلون ويبشرون بخروج القاتل إلى أهله معافى وحراً.
تعال وانظر لهؤلاء حين يبعثون لك مشهداً يحوي موسيقى عبر رسالة إلكترونية أو عبر «واتسآب»، فهم يكتبون عليها عبارة تحذيرية «انتبه توجد موسيقى في الداخل»، وكأنهم يحذرونك من ثعبان سيلدغك، وإن كنت ممن يحذر سماع الموسيقى فلا تفتح الرابط أو افتحه وأغلق أذنيك! بسبب تربية دينية متطرفة قصرت الفقه الموجه المنتشر في المدارس والمساجد، والمنشورات في الشارع، على أنه لا يوجد سوى حكم فقهي واحد يقول بتحريم الموسيقى، تولدت في الأعوام الـ30 الأخيرة ثقافة تكره الموسيقى وتحاربها، وهذا الحكم لم يُترك لخيارات الناس في مواقفهم الحياتية، بل حاصر منافذ التعليم حتى وصل إلى جامعاتنا، فجاء الخبر الذي نشرته صحيفة «الشرق» السعودية مضحكاً أكثر منه محزناً، بل وكان بحد ذاته مسرحية، فجامعة الملك سعود التي استضافت مهرجان المسرح الخليجي، وقعت في ورطة بشأن وجود موسيقي في العروض المسرحية القادمة من البحرين وعُمان والكويت – لاحظوا أني لم أقل روسيا وأميركا وكندا – والمسرحيات تستخدم الموسيقى في مؤثراتها الصوتية، لكن إدارة الجامعة لديها حظر على الموسيقى، ولو كنت معهم لاقترحت عليهم أن يستخدموا «الكلاشنيكوف» والرصاص فلن يمنعهم أحد! المشكلة الكبرى التي زادت على وجود الموسيقى هي وجود نساء، وقد قبلت إحدى الفرق المسرحية أن تستبدل دور المرأة بدور رجل، ومنعت المشرفة على المسرحية العمانية – وهي أهم عنصر في طاقمها – من الظهور، ولا أدري كيف تم ذلك، فهل تبديل الأدوار بجعل الرجل يضع باروكة ويلبس ثوب امرأة، وهنا سيقع في حكم فقهي أسوأ من حكم حرمة الموسيقى! هل نحن بصدد مسرحية كوميدية ليست على المسرح بل على أرض الواقع؟ أم أنها قاعدة الخروج من ورطة بالوقوع في ورطة أخرى؟ أنا شخصياً استمتعت بهذه المسرحية الكوميدية التي جعلتني أضحك، واعتبرتها أطرف ما في المهرجان، وأطالب بإعادتها، لكن أحد «أساتذة جامعة الملك سعود نكّد عليّ بقوله إن هذه المسرحية لم تعجبه، بل وقال إن جامعة الملك سعود «متخلّفة» وزاد بقوله: «إنها مختطفة من جماعات متشددة». لا تصدقوهم فنحن لم نهتم بـ«دوشة» 20 رشاشاً في عرس، فهل سنعير اهتماماً لكلمتين طائشتين لأن المسرح حظر الموسيقى والمرأة؟ «قال أيش قال جامعة متخلفة.. الله يهديك يا دكتور!».
نقلاً لـ صحيفة “الحياة”