أبناء المنطقة والمسؤولون الكبار في دولها يتساءلون عن طبيعة العلاقة بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين. فخلال السنوات الماضية بدا أن لا كيمياء بين الرجلين، وأثبتت المواجهات المباشرة وغير المباشرة بينهما صحّة غيابها. لكن ذلك لم يحل، وخصوصاً في سوريا التي تعيش منذ 2011 ثورة وقمعاً لها وإرهاباً وتدخلاً إقليمياً دوليّاً في شؤونها، دون توصّلهما إلى تفاهم على أولوية الحرب على “داعش” بعد تأسيسه “دولة” سمّاها خلافة على أرضها وعلى قسم من أرض العراق، وعلى إعطاء الأولويّة للحل السياسي لاستحالة أي حل عسكري في ظل تشرذم المعارضة وتناقض منطلقاتها وأهدافها وانقسامات الدول الداعمة لها وعدم استعداد أميركا للانخراط بقوّة عسكريّاً وسياسيّاً فيها، وفي ظل استشراس حلفاء سوريا النظام في الدفاع عنه وفي مقدمهم روسيا. إلاّ أن التفاهم المذكور على الأولويات لم يؤدِ حتى الآن إلى خطّة مفصّلة وإلى برنامج تنفيذي لها تشترك فيه واشنطن وموسكو.
هل من أجوبة على تساؤلات أبناء المنطقة والمسؤولين الكبار في دولها؟
لا أجوبة شافية حتى الآن، يُجيب مُتابع أميركي مطّلع ودقيق. إذ أن كل ما يجري بين أوباما وبوتين اليوم هو تبادل الضغط وتبادل التقدّم والتراجع. فالرئيس الروسي أُحبط على حدوده الغربية أي مع أوروبا، ولم يعد على ما يبدو راغباً في مزيد من التورُّط في أوكرانيا بعد احتلاله شبه جزيرة القرم، وذلك جرّاء العقوبات التي فرضها عليه الأميركيّون والأوروبيّون وتطوّرات دوليّة وشرق أوسطيّة عدّة. وعلى الأراضي السوريّة تجاوبت أميركا بإرسال عدد غير قليل من قواتها الخاصة لقيادة أو إرشاد الحملة العسكريّة ضد المتطرّفين الإسلاميّين وفي مقدّمهم “داعش”، ولمساعدة المقاتلين المنتمين إلى المعارضة المعتدلة بالتدريب والتسليح والتوجيه والإدارة. وينطوي ذلك طبعاً على أخطار، لكن رغم ذلك تسري في واشنطن شائعات تُفيد أن القوات المُشار إليها ستساعد هؤلاء في حملتهم العسكريّة، رغم علمها أن بعض الأسلحة التي زوّدتها بها قد تؤذي فعلاً القوات الروسيّة ولا سيما الجويّة التي تستهدفهم. وتُفيد معلومات المُتابع إيّاه أن بوتين تلقّى تحذيرات أميركيّة من خلال اطلاعه على ذلك. لكن أحداً في واشنطن لا يعرف ماذا سيكون رد فعله في حال تأذّي قواته. علماً أن البحث مستمر بين الدولتين. إلاّ أنه لم يُسفر عن نتيجة حتى الآن جرّاء التناقض في الأهداف. فالرئيس الروسي يريد على ما يبدو، ورغم تعمّده إظهار تردّد في هذا المجال وغموض غير بنّاء حيال مصير الأسد ونظامه، تسوية سياسيّة سوريّة بشروطه تبقي الأسد في موقعه ربّما “إلى الأبد”. في حين أن الرئيس الأميركي يقول بتنحّي الأسد بعد الانتخابات العامّة التي لا بدّ أن تعقب تأليف حكومة انتقالية. إلاّ أن هذا المأزق موقّت باعتبار أن موقفي الزعيمين يرتبطان بمواقف حلفائهما الإقليميّين وبالطريق التي يريدون أن يسلكوا. فحلفاء أميركا وفي مقدّمهم المملكة العربية السعوديّة وتركيا يريدون رحيل الأسد. لكنّنا كلّنا، يلفت المتابع نفسه، أي أميركا وروسيا ودول أخرى، قد نقبل بقاءه أو ندعم بقاءه إذا كان الحل للأزمة السوريّة سيكون مشابهاً للحل في العراق. ومعروف أن الحل في الأخير صار واضح المعالم إلى حد كبير، وهو يقضي بإقامة دولة فيديرالية أو كونفيديرالية (أي تقسيماً مقنّعاً) ترضي المذاهب والاتنيات المتصارعة. ويبدو أن حلاً كهذا يُبحث فيه حالياً وإن على نحو غير علني. وهناك قبول له عند كثيرين بإستثناء الأسد الراغب في استعادة السيطرة على سوريا كلّها. علماً أنه قد يغيّر موقفه في ضوء تطوّرات كثيرة ميدانيّة. أمّا السعودية فعدائية وكذلك تركيا. ويتردّد في واشنطن أن الأخيرة حذّرت النظام السوري وإيران من استعادة حلب التي كانت سابقاً جزءاً منها في زعمها، ومن الاقتراب من حدودها. كما يتردّد أنها بدأت الحشد عسكريّاً على حدودها. لكن التحذير – الرسالة وصل إلى الجهات المقصودة به. فهل أدّى الغرض المطلوب منه أم لا؟
الأجوبة متناقضة، بعضها يفيد أن نظام الأسد وإيران وروسيا لا تريد أن تجد نفسها أمام تدخّل عسكري تركي في سوريا. أمّا بعضها الآخر فيقول أن التورُّط الروسي في سوريا والسعي الأميركي الدائم لمنع نشوب حرب كبيرة في المنطقة إطرافها إقليميّون ودوليّون سيمنعان مواجهة كهذه وقد لا يحولان دون استعادة النظام حلب. في اختصار، حتى حلفاء الأسد صاروا مقتنعين أن سوريا لن تعود كما كانت!