هناك حوار يدور بين إمبراطور آسيوي من العصور الغابرة يدعى ميليندا وحكيم بوذي يدعى ناغاسينا حول معرفة الذات. يقول الحكيم للإمبراطور: كيف وصلت إلى هنا يا مولاي؟ على عربة، طبعا، يجيب الإمبراطور. وهل إذا نزعنا عنها السارية، تظل عربة؟ طبعا، يجيب الإمبراطور. وهل إذا نزعنا منها العجلات والمتن، تبقى عربة؟ يفكر الإمبراطور قليلا ويقول: لا أعتقد ذلك.
إذا تفكك الجيش، هل تبقى الدولة دولة؟ وماذا إذا تفككت الحكومة أيضا؟ ثم الأمن؟ ثم أغلقت المدارس والمطارات والجامعات؟ ثم لم تعد المستشفيات قادرة على معالجة المصابين؟ ثم حولت المدارس إلى معتقلات؟ ثم انتشرت عصابات السرقة في المدن؟ ثم نزحت الناس بالآلاف كل يوم في كل اتجاه؟ ثم حوصرت الناس بحركتها وبرغيفها؟ ثم انفصلت المدن والقرى عن المركز؟ ثم فوق كل ذلك ظهر سيرغي لافروف معلقا في عنقه عقدا من اللاءات المكتوبة على عظام مثل عقود الغابة الأفريقية. وكلما تحدث طقطقت العظام في القبور المفتوحة والمغلقة.
يتحدث الإيرانيون والروس عن سوريا وكأن ما يجري خلاف بين العمال والمحافظين في مجلس العموم. لكنه حوار بين ميليندا وناغاسينا حول كينونة العربة: هل هذه هي الجمهورية العربية السورية التي يقول الإيرانيون إنها أهم عندهم من المحافظة 35؟ وهي التي يقول بوتين إنه ليس مهما أن تفقد العجلات والمتن ومفهوم الحركة، شرط أن تظل السارية مرفوعة على الحطام.
«نظرية» العربة لم تتغير. كان الحكيم البوذي يريد أن يعلم الإمبراطور كيف يحافظ على بلده. إذا سقطت منه عجلة لا يبقى بلدا ولا يعود قادرا على الحركة. لا إلى الأمام ولا إلى الوراء. لا إلى الماضي ولا إلى المستقبل. فكأنه واقع في فراغ الحاضر، لا يستطيع القيام إلى تدبير نفسه.
قابل النظام السوري تعب الحصان بالسوط. بدل أن يحاول إصلاح العجلة راح يضرب الحصان الهرم. وبدل أن يلاحظ ألم الحصان ظن ذلك لؤما. وعجلة بعد عجلة رأى أن العربة لم تعد عربة. والأفظع أنه لم يعد من الممكن إعادة تركيبها. إنها حكاية قديمة جدا، حكاية الإناء الجميل الذي ينكسر بين يديك. كان يجب أن تحافظ عليه لكي لا تبكي عليه.
الحكمة تحول دون تفكك العربة، أما الندم فلا يعيد عجلة إلى مكانها ولا روحا إلى جسدها ولا دولة إلى وحدتها. التحدي الحقيقي في البناء لا في الهدم، وفي المصالحة لا في الرفض، وفي معاطفة الحصان والعناية بالعربة، تحاشيا للسقوط.