إنّ لكل جيل أفكاره كما أن لكل عصر ثيابه , إنّ الأفكار كورق الشجر تتساقط كل خريف .. ( توفيق الحكيم 1898 – 1987 ) .
قبل أكثر من 3 أعوام نشرت هذا المقال في صحيفة بيتنا الثاني – الحوار المتمدن – فما اشبه اليوم بالبارحة ,, المقال قراءته في مجلة مصرية قديمة لا أتذكر اسمها ولكن نص المقال موجود بين ثنايا أوراقي ..
سوف أحاول تقديمهُ بطريقة تختلف عن تقدِيمه أول مرة ..
الحيرة , اليأس , التشاؤم وغيرها من الأسباب هي التي جعلتني أتناول الموضوع مرة ثانية ونقول : كل الأفكار لم تنفعنا ,, ما هي طبيعتنا ؟ ولماذا نختلف عن باقي خلق الله ؟
لا الرسالات التي يسمونها سماوية استطاعت أن تنقذنا ولا مجمل التراث نفعنا ولا الأفكار المستوردة رسمت لنا الطريق ,, فماذا نفعل ؟
بدون استثناء :
لا الشيوعية , الليبرالية , الاشتراكية , القومية , الدينية – كل شئ في مهب الريح وكأننا نعيش على هامش الحياة دون أمل ودون قصد ودون تحقيق أي شئ ,, لا لنا ولا للعالم ولا للأجيال القادمة حتى أصبحنا عالة على البشرية وبدون استثناء والأنكى لا زلنا نكابر ونفاخر والشتائم حاضرة عند الصغيروالكبير ,, عند المثقف وعند الأمي ( هناك بعض الاستثناءات لأن التعميم ظلم ) .
من جراء بعض الآراء والكتابات يكون هناك حقد وشتائم وتهديد ووعيد ,, إذا وصلتم للسلطة فماذا تفعلون ؟
يقول بلند الحيدري ( لعل هناك من ينتبه ) ؟ في قصيدته حوار الأبعاد الثلاثة :
العدل أساس الملك ,, ماذا ؟ العدل أساس الملك ,, صه ,, لا تحك ,, كذب – كذب – كذب – كذب ,, الملك أساس العدل ,, ان تملك سكيناً تملك حقك في قتلي .
المقال الذي سوف انقله لكم من أوراقي بعنوان ( وداعاً يا رفيقي , جمعنا ماركس ) وهو عبارة عن حوار بين رفيق ورفيقته في خيال كاتب المقال الأصلي وفي نفس الوقت يعبر عن الرأي الذي أتبناه …
ما يحدث الآن في عالمنا العربي خير دليل على ضياع الجهود المبذولة ويبقى رأياً شخصياً فها هي مصر أم الدنيا وقبلها العراق وتونس وليبيا واليمن والأردن والمغرب والبحرين وسوريا على الطريق ودون العودة إلى تواريخ سابقة ..
لماذا ؟ نفس السؤال وبدون جواب ؟
أردنا أن ندخل عصر الحداثة فعدنا قروناً للوراء ,, أردنا أن نبني الأوطان فجعلناها مجرد خرائب ,, أردنا التخلص من الجهل والأمية فحصلنا على أعلى نسبة فيهما..
هل الحاكم هو السبب ؟ هل رجال الكهنوت ؟ أم الذين يسمونهم النخبة ؟ أم الكتب المقدّسة أم الامبريالية والصهيونية أم الشلّة الصهيونية أم الأفكار المستوردة ؟ ولكن حتى لو اجتمعت جميع هذه الأسباب ,, ألا يوجد سبيل للخلاص ومتى ثم كيف ؟ ماذا نستطيع أن نفعل أو ما هو الشئ الذي يجب أن نقدمه للخروج مما نحن فيه وعلى يد من ؟ هل ننتظر المهدي أم أبن العذراء أم صاحب الزمان ؟ أم نبقى نردد ما هو فائض القيمة وهل دولة إسرائيل هي دولة دينية أم ديمقراطية وهل هناك يسار صهيوني أم لا ؟ لو أردتُ ان أعدد لكم فلن أتوقف ..
نعود للمقال حتى تكون الصورة واضحة للجميع ..
( قالت لا بدّ أن نفترق لقد ضاع كل شئ كان بيننا ,, كل الأفكار الجميلة التي التقينا حولها عصفت بها الرياح ,, كل أحلام الكادحين التي رسمناها على جدران أيامنا سقطت ,,عشرات الكتب التي قرأناها والمذكرات التي كتبناها والمنشورات التي وزعناها ,, كل هذا كان مجرد حبر على ورق ) .
ولازلنا رفيقتي نفعل ذلك مع العلم بأن إينشتاين يصف ذلك بالغباء فيقول :
الغباء هو فعل نفس الشئ مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة . دائماً ما نقرأ في الحوار المتمدن عن الكادحين وهمومهم ولكني لم أجد من قام بفعل شئ لهم أو استطاع أن يقدم لهم ما يحتاجونه أو ما يرغبون بتحقيقه ,, مجرد حبر على ورق والكلام هنا عن عالمنا وعالمنا فقط ,, نحن الدول التي يسمونها عدة مسميات بينما لا نجد في الدول المتقدمة من يكتب عن هؤلاء الكادحين لعدم وجودهم فالناس كأسنان المشط لا فرق بين عربي أو اعجمي إلا بالعمل ..
قالت له :
( لا بدّ أن نفترق يا حبيب عقلي ورفيق فكري ,, لقد جمعنا كارل ماركس وفرقنا غورباتشوف * مع العلم أن غورباتشوف أراد أن ينقذ ما لا يمكن انقاذه حسب ظني * جمعتنا أحلام رأس المال وفرقتنا رياح البروسترويكا , و لم يعد بيننا شئ نجتمع عليه ولا شئ نختلف عليه ) ..
ولكن نحن لا زالت أشياء كثيرة نختلف عليها باقية معنا ونرفض أن نغادرها فنحن نحب الجدل والنقاش إلى ما لا نهاية وإذا لم تصدقيني فعليك مراجعة كتابات الحوار المتمدن ,, ليت عمري ما الصحيح ؟
تقول الرفيقة :
( اجتمعنا حول أفكار الكادحين والبروليتاريا والجائعين والساقطين ووقفنا معاً بوجه الامبريالية * مسكينة أنتِ أيتها الامبريالية كم من الجرائم في عالمنا ترتكب باسمك , لو شغلنا انفسنا بما ينفعنا بعيداً عنك كان من الممكن أن نقول بأن هناك بصيص ولكن ( نحارب ونقاتل من أجل الشيوعية ) , حسب النظرية الماركسية فإن القتال من أجل الشيوعية لا بدّ أن يكون في المجتمعات الرأسمالية وصولاً إلى الاشتراكية ثم الشيوعية ولكننا اليوم في عالم لا نعرف ماذا نطلق عليه ( وللأسف الشديد هرب الكادحون منا ووجدنا أنفسنا في خندق واحد مع الامبريالية التي حاربناها سنوات عمرنا ومددنا أيدينا لمن يساوي ولمن لا يساوي ) .
هل كلام الرفيقة صحيح وفي الصميم أم انه مدعاة لليأس ؟ أنا مع الرفيقة ولا اختلف معها ..
نأتي إلى احلام الرفاق ونسأل :
( أين أحلام القطاع العام التي رسمتها ريشتك الجميلة على شطآن عقلي ,, أين ثورة الكادحين التي سوف تقتلع العالم الرأسمالي من جذوره ) ؟
مسكينة أنتِ أيتها الرفيقة لقد خدعوك كما خدعوا شعوبنا مرة بالدين ومرة بثورة الكادحين ..
نأتي لبعض الوعود والأحلام البسيطة التي ناضل الرفاق من اجلها ولكن :
( أين الشقة التي وعدتني بها على النيل * أو في موناكو أو في دبي أو في البندقية * أين المجتمع الشيوعي الذي تجد فيه كل شئ من الأبرة إلى الصاروخ أين يا رفيق الفكر السلع الملقاة في الشوارع لا تجد من يشتريها وأين السكن وأين العلاج والمدارس أين الآف الصور التي ضللتني بها و اوقعتني في شباك حبك وأفكارك ؟
قلت ليّ سوف سوف أرى باريس في بولاق وأشاهد الأوبرا في كفر العسكر وأرى أشجار الفاكهة تتراقص في الشوارع وتلقي ثمارها على العابرين ) .
كم هي جميلة الأحلام أعزائي القرّاء ولكن هنا لا نحتاج للجمال بل نحتاج لتحقيق الأحلام التي رسموها لنا منذ نعومة أظفارنا ..
( قلت ليّ كل شئ سيكون ببلاش كده وأصبح كل شئ الآن بطلعان الروح ) .
في إحدى المرات اعترض الزميل يعقوب ابراهامي على كلام ذكرته في إحدى كتاباتي عندما قلتُ ومن لا يتمنى أن يكون هناك مجتمع شيوعي فقال الزميل يعقوب أنا ,, استغربت في حينها ولكن بعد ذلك زال الاستغراب , بهذه الصورة التي تنقلها لنا الرفيقة هو مجتمع ديدنه الملل إذا ما تحقق , ميت لا حراك فيه ولا طعم ولا لذة ولا تشويق .
( قلت ليّ ستجدين الشقة والسيارة والمأكل والمشرب بأقل الأسعار فأين هذا كله , كيلو الخيار أغلى من الفراولة ولا استطيع أن أشتري الخيار ولم اتعلم أكل الفراولة ) .. ولا حتى العنب الأسود ولا البطيخ ؟ راجعوا قوائم الفقر أيها الرفاق في عالمنا حتى يكون لديكم صورة صحيحة ..
هل هذا هو اليأس والحزن والمعاناة ؟ هل هذا هو الإحباط والفشل من احلام تداعت في زمن كانت الأحلام ممكن أن تكون قاب قوسين أو ادنى ..
تقول الرفيقة :
( أين أفكار ماركس التي ضيعت عمري معها ) ؟
من وجهة نظر شخصية بحتة فإن من يحاول تطبيق الأفكار الماركسية على أرض الواقع بثورة أو انقلاب أو عنف أو بأي طريقة آخرى فإن الفشل هو الذي سيصيب تلك المحاولات مهما طال الزمن وفي أي بلد ..
جاء دور الرفيق لكي يرد على رفيقة عمره :
( قلتُ لا تنفعلي بهذه الصورة فانا حزين مثلكِ وربما أكثر منكِ ,, لقد أخذنا جميعاً – بمبة – من المرحوم كارل ماركس ) ..
( ضحك علينا * أي ماركس * قال لنا أن الصراع سيكون مع الامبريالية واكتشفنا أن الصراع أصبح مع انفسنا ومع كل مظاهر التخلف التي نعاني منها ) .
يبدو بأن ماركس لم يضحك على أحد بل من حاول تطبيق أفكار ماركس هو الذي ضحك على الجميع ..
( لقد اغرقتنا الكتب والنظريات وأبعدتنا كثيراً عن واقعنا بكل همومه ومشاكله ,, تصورنا أن الأحلام تبني القصور وأن الأماني توفر السلع وأن الشعارات هي الغذاء الحقيقي للشعوب وأن الخطب يمكن أن تكون أكبر من ناطحات السحاب ) .
انتهى حوار الرفيقة مع رفيق عمرها ..
هي صورة مصغرة تعبر عن واقع حزين ماسأوي لمجتمعاتنا التي كانت تحلم بالتغيير والتطوّر ولكنها كانت أبعد ما تكون عن ذلك فكل شئ كان يسير بطريقة مغايرة وعكسية ولذلك نحن في أسفل الترتيب ..
لقد ذهبت أحلامنا أدراج الرياح وشعوبنا اليوم تعاني الآمرين ..
أين الخلل ومن هو السبب ؟
الخاتمة ورأيي المتواضع الذي كان لا بدّ أن نسير عليه جميعاً من أجل قطف ثمار تلك الأحلام ولو بعد حين ..
الخلل في بنية المجتمعات بالكامل ودون استثناء من الحاجب إلى الرئيس والمطلوب هو إعادة تأسيس الثقافة ,, نساير العصر لا نلتفت إلى الوراء ولا بدّ أن ننظر إلى الأمام من خلال الحاضر الذي نعيشه ..
لماذا تمّ إعادة تأسيس الثقافة في المجتمعات الآخرى بينما لا زلنا نُعيد صناعة العجلة ؟
رأيي المتواضع أنقله كما جاء عند الدكتور عبد السلام بن مَيْسَ
كلية الأداب – الرباط :
من الملاحظ أن العالم الإسلامي لم يستفد لا من العقلانية الرشدية ولا من امتداداتها السياسية ، سواء في القرون الوسطى أو في العصر الحديث. لقد توافرت في العالم الإسلامي القروسطوي كثير من العوامل الثقافية التي كان بإمكانها أن تغير من توجه الصراع على السلطة ليميل نحو استقلال الدنيوي عن الديني : لقد كان هناك فلاسفة مسلمون ابتداعيون ، بل وأحياناً مُلحدون. لقد عبر إخوان الصفا عن ميلهم الواضح إلى أرسطو وأفلاطون أكثر من ميلهم إلى التقليد النبوي ، واعتقدوا أنه ليس هناك ديانة وحيدة تملك الحقيقة . أما الفارابي، فقد مجد العقل واعتبره كافياً لضمان سعادة الإنسان. وصارع ابن رشد المتكلمين والفقهاء طيلة حياته. بل حتى الشعراء ، مثل المتنبي وأبي العلاء المعري ، دافعوا عن العقلانية بوسائلهم الخاصة. ولكن بالرغم من ذلك، كانت الغَلبة لسلطة الفقهاء . وهذا عكس ما حصل في العالم المسيحي القروسطوي انتهى رأي الدكتور
كان هناك لحظة ما في عالمنا ولكن ؟؟
يقول محمود درويش :
عام يذهب وآخر يأتي وكل شئ فيك يزداد سوء يا وطني ..
( بل أوطاننا جميعاً سيدي ) ..
ملاحظة المقال الأصلي هو المحصور بين مزدوجين مع بعض التعليقات .
/ ألقاكم على خير / .شامل عبد العزيز – مفكر حر